|
حي على الفلاح موضوعات وحوارات ومقالات إسلامية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
مقتطف من كتاب "شرح حسبنا الله ونعم الوكيل"
بسم الله الرحمن الرحيم قال الله:* {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ * وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق: 2-3]. فإذا كان الله سبحانه يجعل للمتقين مخرجا من شدائدهم ويرزقهم من حيث لا يحتسبون فإن من تمام ذلك التقوى التوكل على الله. ولذلك قد قرن به هنا في آخر الآية التوكل على الله وحده، كما وعد الله سبحانه لمن يتوكل عليه وحده أن يكفيه من كل شيء يهمه في آيات كثيرة من القرآن الكريم،*فقال سبحانه في آخر الآية {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [ الطلاق: 2-3 ]. بل هذا خير وأفضل وأعم من مجرد الوعد للمخرج والرزق للمتقين كما ترى، فمن كفاه الله وأدخله تحت كنفه ورحمته وكفايته فلا يحتاج أبدا إلى شيء آخر، وإنما عليه أن يطمئن بل وتسكن نفسه ويسعد ولا يحزن واثقا بمعية ربه سبحانه كما قال تعالى {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}*[التوبة:40 ]. * فعن أنس بن مالك الأنصاري عنه قال: نظرت إلى أقدام المشركين ونحن في الغار وهم على رؤوسنا فقلت يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه فقال «يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما». (متفق عليه) رحمة الله على الشيخين. ولما كاد أن يلحقهما سراقة بن مالك في أثناء هجرتهم وهم في طريقهم في التخلص من كيد الكفار ومن شرهم وقد وضعوا على رأس رسول الله لمن يأتي به أو ي***ه مائة إبل فقال أبو بكر- رضي الله عنه- لرسول الله أٌتينا يا رسول الله فقال له رسول الله: «لا تحزن إن الله معنا». وأنا أقول: الآن ما ظنكم بأمة مليار الله معهم وأقول أيضا: لا تحزنوا إن الله معنا كما قال رسول الله لأبي بكر – رضي الله عنه-. في أصعب أوقاتهما. ثم انظر كفاية الله لهم بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم على سراقة كما في الأثر " فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فارتطمت فرسه إِلَى بَطنهَا - أرى - فَقَالَ: إِنِّي قد علمت أنكما قد دعوتما عَليّ، فَادعو لي، فَالله لَكمَا أَن أرد عنكما الطّلب. فَدَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فنجا، لَا يلقى أحدا إِلَّا قَالَ: كفيتم مَا هَا هُنَا، وَلَا يلقى أحدا إِلَّا رده، ووفى لنا.". وقد كان في أول النهار مهاجماً لهم مسحتلاً دماءهما ليريقه أو ليأخذهما أسارى وصار في آخر النهار مدافعاً لهم حاقناً دماءهما حامياً لهما محيطاً من ورائهما فسبحان مغير الأحوال. أما قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما ظنك باثنين الله ثالثهما» يشعر أن عدد المؤمنين الأولياء ولو قلَّ وكان االله سبحانه معهم فهذا أمر عظيم إذ لو شاء لقال ما ظنك في أمرنا هذا والله معنا أو ما ظنك في نبي الله ومعه ربه، ولما ذكر العدد علمنا ذلك أنه أراد منه درساً وهو أن عدد المؤمنين ولو قلَّ لا يستهان به إن كانوا مؤمنين حقا بل سيغلبون ويَعلَون على عدوهم إن شاء الله، كما قال تعالى {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139]. ولكن يجب أن يتمسَّك المؤمنون بكل ما يقول الله تعالى في كتابه العزيز فبذلك يكونون مؤمنين حقا وليوافقوا سنن الله الكونية وليقدِّموا مقدَّمات جيِّدة لينالوا بها نتائح ناجحة ومفرحة كما وعد الله لهم في كتابه، أما أن يأتي الله بأمره كمعجزة فهو قادر على ذلك ولكن هذا ليس من سنن الله الكونية المعروفة*. بل سنة الله أن يبتلي الله المؤمنين بالكفار كما قال تعالى {وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ} [محمد: 4]. فعلى سبيل المثال قال الله تعالى في كتابه العزيز {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}*[التوبة: 36].* والواقع لا يخفى على الجميع أن الكفار كلهم يهوديهم ونصرانيهم ووثنيهم وشيوعيهم ومجوسيهم كلهم تكاتفوا وتكالبوا ورموا المسلمين من قوسٍ واحد ولم يحدث قط مثل هذا التكاتف من قبل الكفار إلا هذا العصر. ولا أشك أن هذا التحالف لا يستمر دائما وأبدا بل ستتحول هذه الحروب الباطنة التي يسمونها حروب باردة حروب ساخنة ظاهرة إن شاء الله وهم كما قفال الله سبحانه {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ}.* أما المسلمون فقد تمزَّقوا وتقطَّعوا متشتِّتين شذر مذر، أو تفرقوا على أيدي سبأ، وتخاذل بعضهم بعضاً، وأرجوا من الله عز وجلَّ أن يفيق المسلمون من سباتهم ويجمع المسلمين ويجمع كلمتهم على الحق إذ لا يجوز القنوط من رحمة الله وإنما الأمر كما قال الله تعالى: {وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87 ]. واعلموا إنما المسألة مسألة امتحان وابتلاء من الله فمن توكل على الله حق التوكل واكتفى به حق الاكتفاء مع الصبر العظيم لله فإن الله سبحانه سينصره بجنوده الذي لا يعلمه إلا هو مع الأخذ بالأسباب المستطاعة طبعاً وإن كان قد يعتبره بعض ضعاف الإيمان والجهلة أو المنافقين والمثبطين أن مثل هذا تهور وإلقاء الأنفس بالتهلكة والحرج والضيق الذي لا يُقدر أن يُحتمل أو الجنون حسب زعمهم وظنهم، ولقد رأيت بعضهم يستدل مثل حديث «لا ينبغي للمؤمن أن يُذل نفسه» قالوا كيف يُذل نفسه يا رسول الله قال «يتعرض من البلاء ما لا يطيق» وهو في السلسة الصحيحة لتوقيف الجهاد أو تعطيله مؤقتاً، وقد دلت الأدلة الكثيرة المتضافرة من الكتاب والسنة أن الجهاد والهجرة ماضيان إلى يوم القيامة. ولنا من الأدلة ما أوردناه لك في أعلاه، ومنها أيضا قوله تعالى:* {قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة: 23 ]. ووجه استدلال الآية أن الأعداء مهما كانت عددهم وعدتهم قوية فإن دخل عليهم فئة قوية بإيمانها متوكلة على الله حق التوكل فإن الله سبحانه سينصرهم ويكفيهم من عدوهم، والوقائع التي حدثت للمسلمين المجاهدين في ذلك في هذا العصر وغيرها من العصور في التاريخ شاهدة على ذلك، وقد حدث فعلاً مثل ذلك لبني إسرائل في قصتهم مع طالوت. وقد رسب بعضهم بامتحان الذهاب إلى القتال، وبعضهم بعدم صبرهم عن الماء والبعض الآخر - وهو محل الشاهد – عدم اليقين وقوة التوكل على الله سبحانه، أما الفئة المتوكلة الذين كانوا يوقنون أنهم ملاقوا الله والتي استعانت بربِّها وحده بالدعاء وقالوا {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ * وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 249- 250 ]. فقد صبَّرهم الله وهزم أعداءهم من الجالوت وقومه بل *** داود جالوت الذي كان قائد قوات الكفر فقد جعل الله جائزة داود عليه السلام أن آتاه الله االملك والحكمة وأن يعلمه ما يشاء بل جعله الله نبياً وهو قوق ذلك كله. وقد قال تعالى: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج: 41 ]. أضف إلى ذلك كله فإن الله قد رزق المؤمنين المجاهدين ألفا من الملائكة تنصر المجاهدين إلى يوم القيامة كما بيَّن شيخ الإسلام ابن تيمية في تفسيره الكبير في سورة الأنفال. ولله الحمد والمنة. من ثمرات الإكتفاء بالله وحده: 1- تحقيق كلمة التوحيد وصرف العبادات لله وحده كما يريده الله قال تعالى {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: 18]. أقول: ما رأيت شهادة شهدها الله لنفسه أبداً إلا شهادته لكلمة التوحيد،.ثم قد قرن الله في شهادته هذه العظيمة أعظم خلقه وهم الملائكة بجميع مستوياتهم ثم ألو العلم وبجميع مستوياتهم. وكل من علم حقيقة لا إله إلا الله وعمل بها فهو عالم بدليل هذه الآية وقد قال تعالى {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86]. ثم وصف الله نفسه قائما بالقسط للإشارة أن نقوم كذلك بالقسط والعدالة، وقد جعل الله القيام بالقسط بعد الشهادة لكلمة لا إله إلا الله لنعلم من خلال ذلك وجوب قيامنا بالقسط كذلك، إذ لابد أن نستمده من الله الواحد الأحد كل صفات الجميلة لنتخلق بها، وقد بيَّن الله أنه سبحانه أرسل رسله بالبينات وأنزل معهم الكتاب والميزان ليقوموا بالقسط في سورة الحديد. وهكذا الله سبحانه بدأ في الحديث القدسي بتحريم نفسه عن الظلم ثم قال: «وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا».* ثم وصف الله نفسه في ختام الآية العزيز الحكيم لنقوم بالدفاع لهذا الكتاب ولعدالة الله التي أنزله الله على عباده متوكلين على الله حق التوكل واثقين بالعزيز الغالب على أمره ومكتفين به وواثقين بالحكيم الذي يضع كل الأمور في مواضعها الصحيحة الحقيقية وفي سبل السلام التي من اتبع رضوان الله ونوره هداه الله إلى الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصدقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا. 2-*ولاية الله سبحانه*قال تعالى: {إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ} [الأعراف: 196] وقال تعالى* {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ } [الأنفال: 40] ومن فوائد ولاية الله النصرة والمحبة والحفظ والرعاية والجنة في يوم القيامة. وقد قال تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ} [محمد: 10- 11 ]. {أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 286]. *وفي ذلك من الفلاح الدنيوي والآخروي وعدم الخسران والخيبة بالقوي العزيز ما لا يخفى. 3- النصرة والعزة والهداية في للمؤمنين، وهذا بالطبع من النعم التي لا تدانيها أي نعمة في هذا الوجود أبدا وقد قال تعالى* {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا } [النساء: 141 ]. ولكن أي إيمان؟! إنه ليس كإيمان كثير من المنافقين اليوم بل إيمان المكتفين بربهم الواثقين به وبنصره مهما كانت الأحوال، فهم المتوكلون على الله في السراء والضراء والحامدون لربِّهم كذلك في السراء والضراء الموالون لربِّهم ولرسوله وللمؤمنين،*وإن اغتر الكفار وانبهروا بزخارف هذه الحياة الدنيوية أو بطروا وطغوا فاعلم أن الله سبحانه لهم بالمرصاد {لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} [آل عمران: 196 – 197 ]. وقد قال العلماء ما معناه: إذا رأيت من صبَّ الله عليه من نعم الدنيا وهو مقيم على معاصيه فاعلم أن ذلك استدراج، بل يعتبر هذه من البشارات التي نستدل بها قرب نصر المسلمين ونهاية الكافرين كما قال تعالى {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 45] *فمن لم يكفه الله فلا كفاه الله*. والله ولي التوفيق مقتطف من كتابي " شرح حسبنا الله ونعم الوكيل" عبد الفتاح آدم المقدشي
__________________
|
#2
|
|||
|
|||
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، شعار المؤمنين، ودثار المتقين، ووصية الله تعالى للناس أجمعين.
فاتقوا الله عباد الله.. واعلموا أن من علامات حسن الإسلام، وكمال الإيمان، وامتلاء القلب بحب الرحمن، أن يلجأ الإنسان إلى الواحد الديان في جميع الأحوال وعلى مدار الأزمان. فهو يتعرف إلى ربه ويتقرب إليه ويتودد إليه في سرَّائه وضرَّائه، وشدَّته ورخائه، وعافيته وبلائه، كذلك في صحته وسقمه، وغناه وفقره، وشبابه وهرمه، وفي كل حال. واعلموا أيضا ـ حفظكم الله ـ أن مواظبة المسلم على الطاعة في السراء، وملازمته للعبادة عند الرخاء، سبب عظيم لإجابة دعائه عند الشدائد والمصائب والبلاء. كما قال سيد العقلاء وإمام الأنبياء: [من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد، فليكثر الدعاء في الرخاء](رواه الترمذي: وهو حسن). وهذه وصية النبي صلى الله عليه وسلم للأمة كلها في شخص ابن عباس، حين قال له وهو يعلمه أصول الإيمان وقواعد الإسلام: " احفظ الله يحفظك.. إلى أن قال: .... [تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة](رواه أحمد والترمذي). أي إذا أردت أن يحفظك الله في الشدائد والمحن، ويدفع عنك ما تكره من الرزايا والنقم، ويحفظ عليك دينك من مضلات الفتن، فتعرف عليه في حال رخائك، فإن العبد إذا اتقى الله في حال الرخاء، وحفظ حدوده، وتلمس حقوقه، وأطاع أوامره، واتبع شرعه، صارت له بالله معرفة خاصة، ومحبة ومودة تستدعي أن يحفظه الله في حال شدته كما هو مدلول الحديث القدسي: [وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه](رواه البخاري). ولذلك لما قال رجل لأبي الدرداء: أوصني، قال له: "اذكر الله في السراء يذكرك الله عز وجل في الضراء". وقال: "ادع الله في يوم سرائك، لعله أن يستجيب لك في يوم ضرائك". وقال الضحاك بن يونس: "اذكروا الله في الرخاء، يذكركم في الشدة". وقد ذم الله أقواما لا يعرفونه ولا يدعونه إلا حال الشدائد وحلول المصائب، فإذا نجاهم منها وعافاهم وسلمهم نسوه وأعرضوا عنه كأن لم تكن بهم شدة ولا بأس. يقول الله تعالى: {وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كأن لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون}(يونس)، ويقول: {وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَادًا لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ ۚ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا ۖ إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ}(الزمر:8). وقال جل قائلا عليما: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ (65) لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا ۖ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}(العنكبوت:65، 66)، ويقول أيضا: {وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ ۚ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ}(لقمان:32) وقد ضرب الله تعالى في كتابه مثلا للفريقين ـ أعني بين من يعرف الله في سرائه وضرائه، فهو يتقرب إليه بأنواع القربات، وصنوف العبادات، والأعمال الصالحات، والبر والصلة والإحسان وفعل الخيرات، وبين من يكون حال رخائه ويسره في صدود وإعراض ولهو وغفلة، وخطايا وعصيان ـ فالفريق الأول مثله يونس بن متى، والثاني فرعون عليه اللعنة. كلاهما قاسى شدة متشابهة، وعاين أهوالا متقاربة، وكلاهما دعا .. ولكن شتان شتان ما بين الإجابتين والخاتمتين والعاقبتين. هذا يونس بن متّى نبي الله يسقط في لجج البحار فيبتلعه الحوت، فهو في ظلمة جوف الحوت، وفي ظلمة جوف البحر، وفي ظلمة الليل.. ظلمات ثلاث، فلا أحد يعلم مكانه، ولا أحد يسمع نداءه وكلامه، إلا من لا تخفى عليه خافية، ولا تغيب عنه غائبة، فدعا ربه ونادى في الظلمات: {لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين}[الأنبياء: 87]. ماذا كانت النتيجة؟ قالت الملائكة: صوت معروف في أرض غريبة، هذا يونس لم يزل يرفع له عمل صالح ودعوة مستجابة. وجاء الجواب الرباني: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ}[الأنبياء:88]. لماذا؟ قال تعالى {فلولا أنه كان من المسبحين} أي حال رخائه وقبل بلائه، ولولا ذلك لعاقبناه وتركناه {للبث في بطنه إلى يوم يبعثون}، فأنجاه سابق عمله وحسن صنيعه {فنبذناه بالعراء وهو سقيم وأنبتنا عليه شجرة من يقطين وأرسلناه إلى مئة ألف أو يزيدون}، فما زالت نعم الله وألطافه تترادف عليه وتتوالى.. قال تعالى: {وكذلك ننجي المؤمنين}. قال الحسن البصري: "قدم عملاً صالحًا في حال الرخاء فذكره الله في حال البلاء، وإن العمل الصالح ليرفع صاحبه فإذا عثر وجد متكأً". وأما فرعون فقد وقع فيما وقع فيه يونس، فانطبق عليه البحر، فنادى ولكن شتان ما بين المناديين، قال فرعون: {آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين} [يونس:90]، وكانت الإجابة: {آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين}[يونس: 91]. كيف نجعل من كان حال رخائه من المسبحين، صلاة ودعاء ودعوة وعملا صالحا، وبين من كان من الكافرين والظالمين والفاسقين والجاحدين والغافلين؟.. لا يستوون. هذه قاعدة ثابتة وقانون عام (من تعرف إلى الله في السراء، عرفه الله تعالى في الضراء.. ومن كان مع الله حال رخائه، كان الله معه عند بلائه). مواقف عجيبة لم تكن استجابة الله لدعوات أنبيائه ورسله فقط هي شواهد هذه القاعدة وهذا القانون الرباني، كما هو الحال في استجابته لأيوب في بلائه، ويونس في ضرائه، وزكريا عند طلب الذرية والولد، ولإبراهيم إذ ألقاه قومه في النار، ولمحمد صلى الله عليه وصاحبه ليلة الهجرة وإذ هما في الغار. وإنما كان المسبحون الصادقون دائما في حفظ الله ورعايته عند الشدائد والابتلاءات. لما هرب الحسن البصري من الحجاج دخل بيت حبيب أبي محمد، فقال حبيب: يا أبا سعيد، أليس بينك وبين ربك ما تدعوه به فيسترك من هؤلاء؟ ادخل البيت. فدخل، ودخل وراءه الشرطة، فجعلوا يبحثون عنه، فلم يروه، فذكر ذلك للحجاج فقال: بل كان في البيت، إلا أن الله طمس أعينهم فلم يروه. والثلاثة الذين دخلوا الغار فانطبقت عليهم الصخرة فأغلقت عليهم الباب، فدعوا ربهم بسالف صالح الأعمال، فمازال يفرجها عليهم شيئا فشيئا حتى نجاهم وخرجوا يمشون. شدائد لابد منها لئن كان بعض الشدائد قد يخطئ بعض الناس، فيغتني ولا يفتقر، وربما البعض يعافى ولا يمرض، وربما يجنبه الله كثيرا الابتلاءات والفتن.. غير أن هناك شدائد لن يخطئها أحد من الناس أو يسلم منها: فالموت وكربته، والقبر وظلمته وفتنته، والصراط وزلته، ويوم القيامة وأهواله وشدته.. كلها مواقف وكرب وشدائد ستأتينا حتما وتحتاج منا أن نقدم لها ونعد لها. وإن خير ما نلقى به هذه الشدائد معرفة الله في الرخاء، وعبادته في السراء وقبل نزول هذا البلاء، وفي كل هذه المواقف شتان بين من عرف الله قبل وقوعها ومن غفل عنه وأعرض. فعند الموت تتنزل الملائكة على أهل الإيمان والطاعة والعبادة تطمئنهم وتبشرهم: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون}[فصلت:30]. وعند نزول القبر ولقاء الملكين يأتي التثبيت من الواحد الأحد لأهل الإيمان: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ}(إبراهيم:27). وفي القيامة وعلى السراط {نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم}، وتكون عاقبتهم الجنات، والسبب: {إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَٰلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}(الذاريات)، و أيضا: {قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ (26) فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ (27) إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ}(الطور). فالعبد الناصح لنفسه هو الذي يجعل بينه وبين الله عملاً صالحًا صادقًا، أو أعمالاً يدعوه بها إذا أصابه ضر أو نزل به كرب وشر. {ومن يتق الله يجعل له مخرجا}.. {ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا}. فتعرفوا على الله في الرخاء يعرفكم في الشدة. منقول
__________________
|
#3
|
|||
|
|||
جزاك الله خيرا
__________________
|
العلامات المرجعية |
|
|