|
محمد ﷺ نبينا .. للخير ينادينا سيرة سيد البشر بكل لغات العالم |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
أساليب المعلم الأول صلى الله عليه وسلم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: لما خلق الله الخلق لم يتركهم سدى، بل أرسل إليهم رسلًا رحمة بهم، وكانت مهمة الرسل إخراج الناس من الظلمات إلى النور، ظلمات الجهل والكفر، إلى نور العلم والإيمان، وإنذار الكافرين عذاب الله وتبشير المؤمنين ثوابه، وقد كان آخر هؤلاء الرسل وخاتمهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، بعثه الله في قريش إلى الناس كافة، قال تعالى: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ﴾[1]، وفي سيرة هذا النبي جوانب كثيرة، جعلها الله قدوة للناس يقتفونها في حياتهم، قال الله تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾[2]، ومن جوانب سيرته المشرقة جانب التعليم، وهذا جانب عظيم يتعدى نفعه لمن بعده، فمن بعده إما أن يكون معلمًا ينتفع بالاقتداء به في التعليم، وإما أن يكون متعلمًا تأثر من أسلوبه فانتفع بما عَلَّمه ونشره. * روى مسلم من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إِنَّ اللَّهَ لَمْ يبعَثْنِي*مُعَنِّتًا، وَلَا*مُتعَنِّتًا، وَلَكِنْ بعَثَنِي مُعَلِّمًا*مُيَسِّرًا"، ولما طال الزمان بيننا وبين زمن النبوة، وأصبح العلم يؤخذ من الكتاب والسنة وغيرهما، وانتشرت الترجمة للكتب الأعجمية، أصبح الناس يأخذون أساليب التربية والتعليم من عدة مصادر، حتى أخذوها من مصادر غربية مكتوبة بجهد بشري، وربما ظن بعض الناس صحتها لأنهم يعتقدون أنها نتيجة خبرات سنوات طوال، لكن النبي صلى الله عليه وسلم قد مرّ بمختلف الظروف والأحوال، وعامل عدد من الأشخاص، فتجد في سنته كثير مما يواجهه المربي والمعلم، كما أن القرآن والسنة أتيا من عليم خبير بأحوال الخلق أكثر من علمهم بأنفسهم، فأخذهم عن النبي صلى الله عليه وسلم الآخذ عن الله أوكد من أخذهم عن البشر، ونتيجة لذلك غلب على التربية والتعليم الاهتمام بالجانب الدنيوي، والتقصير في الجانب الديني، فاحتجنا لعودة للسنة النبوية حتى نرى ما فيها من أساليب النبي صلى الله عليه وسلم في التربية والتعليم. * وأحب التنبيه على اكتفائي بما ورد في الصحيحين، وبحديث واحد للأسلوب إعراضًا عن الإطالة، و لم استقصِ الأساليب النبوية جميعها، بل ذكرت ما تيسر إيراده، وإلا فالأساليب النبوية كثيرة جدًا لا يكفيها صفحات. * أساليب النبي صلى الله عليه وسلم مع المتعلمين • يرحِّب بالمتعلم: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن وفد عبد القيس لما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم، قال: من القوم أو من الوفد؟ قالوا: ربيعة، قال: مرحبًا بالقوم أو بالوفد غير خزايا ولا ندامى... الحديث"[3]. إنّ الترحيب بالمتعلم يشعر بالإيناس والراحة، فغالبًا تجد من أتى مكانًا جديدًا وقومًا لم يسبق له معرفتهم يشعر بالرهبة، وربما لم يقبل المكان ومن فيه، فإذا استقبل المعلم الطالب بالترحيب والسؤال عن اسمه فسيشعر بالارتياح ويحب المكان الذي قدم إليه. * • ينزل الناس منازلهم: وقد تقدم في الحديث سؤال النبي صلى الله عليه وسلم لوفد عبد القيس عنهم، حتى ينزلهم منازلهم، فيحدثهم بما يناسب عقولهم، فقد يحضر عندك من تعرف اسمه ولا تعرف شكله، فاختيارك لحديثك سيكون عبثًا إن لم تعرف من أمامك. * • يُقبِل على المتعلم: عن أبي موسى رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ما القتال في سبيل الله؟ فإن أحدنا يقاتل غضبًا ويقاتل حمية، فرفع إليه رأسه، قال: وما رفع إليه رأسه إلا أنه كان قائمًا، فقال: "مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ"[4]. فاستقبال المخاطب بالوجه من السنة والأدب، وهذا فيه تقدير للمخاطب كذلك وإشعار بالإهتمام به، فلو أجبت على شخص وأنت لم تستقبل وجهه لشعر بعدم اهتمامك به أو بحديثه. * • يظهر الحب بمس أعضاء المتعلم: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي، فقال: "كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ"[5]. "وفي الحديث مس المعلم أعضاء المتعلم عند التعليم والموعوظ عند الموعظة وذلك للتأنيس والتنبيه ولا يفعل ذلك غالبًا إلا بمن يميل إليه "[6]. فمسه لأحد أعضاءه يشعر بالحب، وكذلك يشعر بالاهتمام، ويجعل المتعلم يهتم لما سيقال له بعد ذلك. * • يظهر الحرص على الأمة: وهذا يظهر في حديث ابن عمر رضي الله عنهما - السابق -، فتوصيته بهذه الوصية لشدة حرصه عليه وحرصه على أمته عمومًا. * • يعلّم برفق: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قام أعرابي فبال في المسجد فتناوله الناس، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: "دعوه وهريقوا على بوله سجلًا من ماء أو ذنوبًا من ماء، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين"[7]. في مكان عظيم، يعتني الناس بتطهيره من كل أذى، يأتي رجلٌ جاهل فيدنسه، لم يتمالك الصحابة أنفسهم، فأسرعوا إليه يزجرونه، فنهاههم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وأرشدهم لما هو أفضل، وهو التيسير، وقد ذكر ابن ماجه في سننه: " فقال الأعرابي بعد أن فَقِه: فقام إليّ بأبي وأمي، فلم يؤنب، ولم يسب، فقال: "إن هذا المسجد لا يبال فيه، وإنما بني لذكر الله وللصلاة". * فلم يزجره أو يضربه، ولكنه أرشده وعلّمه لأنه علم أنه جاهل لعظيم فعله، وكذلك لأن في الأعراب غلظة، فلا يؤنسهم إلا الرفق، وهذا فيه دليل على مكاركم الأخلاق التي كان يتصف بها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فعلى المعلم أن يراعي المتعلم، فقد تكون الشدة سببًا لنفوره من العلم، وتكون خاصةً في حق المتعلمين الصغار الذين هم أشد الناس حجة إلى الرفق، بل إنك تجد علم من العلوم قد أَحببتَه بسبب رفق ذلك المعلم، وحُسن تعليمه، بعكس ذلك العلم الذي بالكاد استطعت تعلّمه بسبب معلم قاسٍ في تعليمه، ساعد المتعلم في خطأه، وقدّر التصرف الصحيح مع الخطأ، فقد تكون بعض الأخطاء تحتاج إلى عتاب وقد لا تحتاج. * • يختار الوقت المناسب للتعليم: عن أبي وائل قال: "كان عبد الله يذكّر الناس في كل خميس، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن لوددت أنك ذكرتنا كل يوم، قال: أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أملكم، وإني أتخولكم بالموعظة كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بها مخافة السآمة علينا"[8]. لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من المواعظ، لأنها قد تؤدي إلى السآمة والملل، بل كان ينوع في حديثه إليهم، ويراعي اختيار موضوع يناسب ذلك الوقت، بل إن تنويع الحديث يشوّق المتعلم في كل مرة، فعندما تذكر قصة، ومرة موعظةً، ومرة ترغيبًا وترهيباً، سيتشوق السامع للسماع، ولا ينبغي إلقاء جميع المواعظ والأوامر في وقت واحد، بل موعظة وقصة واحدة في كل مرة تكفي، فهذا أدعى لقبولها وثباتها عند السامع. وفي الحديث: "استحباب ترك المداومة في الجد في العمل الصالح خشية الملال"[9]. * • يغتنم الفرص في التعليم: عن*جريررضي الله عنه قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فنظر إلى القمر ليلة يعني البدر، فقال:"إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا، ثم قرأ: ﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ ﴾ [ق: 39]"[10]. في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتنم الفرص لتعليم أصحابه، فإن وجدت فرصة للحديث عن أمر ما فلا تدع الفرصة تفوتك فهنا الأسماع منصتة، كأن تتحدث عن عظيم ثواب الصبر عند انقطاع الكهرباء، أو عن الإيثار عندما يحتاج أحدهم قلمًا أو ورقةً، أو عن التسامح عندما يختصم أحدهم مع زميله. * • يناديهم بأسمائهم: عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: بينما أنا رديف النبي صلى الله عليه وسلم ليس بيني وبينه إلا آخرة الرحل، فقال: "يا معاذ"، قلت: لبيك يا رسول الله وسعديك، ثم سار ساعة، ثم قال: "يا معاذ"، قلت: لبيك يا رسول الله وسعديك، ثم سار ساعة، ثم قال: "يا معاذ بن جبل"، قلت: لبيك رسول الله وسعديك، قال: "هل تدري ما حق الله على عباده؟"، قلت: الله ورسوله أعلم، قال: "حق الله على عباده: أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئًا"، ثم سار ساعة، ثم قال: "يا معاذ بن جبل"، قلت: لبيك رسول الله وسعديك، قال: "هل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوه؟"، قلت: الله ورسوله أعلم، قال: "حق العباد على الله أن لا يعذبهم"[11]. من هذا الحديث يتبين لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم نادى معاذًا رضي الله عنه ثلاثًا قبل إخباره عن حق الله على العباد، وناداه مرة أخرى قبل أن يخبره عن حق العباد على الله؛ وهذا فيه تأكيد للاهتمام بما يخبره، وحتى يكمل انتباه معاذ رضي الله عنه لما سيسمعه، وهذا من أساليب التشويق لما سيسمع المنادَى، وفيه أيضًا عناية بالمنادَى، فحفظ المعلم لأسماء الطلبة يشعرهم باهتمامه بهم، فليحرص المعلم على حفظ المتيسر من الأسماء في أول لقاء، وتسمية الطالب باسمه عند محادثته كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع أُبيّ عندما قال له: "وَاللَّه ليَهْنكَ الْعلْمُ أَبَا الْمُنْذر". * • يسأل المتعلم لاختباره: عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: "قال رسول الله: يَا أَبَا الْمُنْذر أَتَدْري أَيُّ آيَةٍ منْ كتَاب اللَّه مَعَكَ أَعْظَمُ؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: يَا أَبَا الْمُنْذر أَتَدْري أَيُّ آيَةٍ منْ كتَاب اللَّه مَعَكَ أَعْظَمُ؟ قال: قلت: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾ [البقرة: 255]، قال: فضرب في صدري وقال: وَاللَّه ليَهْنكَ الْعلْمُ أَبَا الْمُنْذر"[12]. إن سؤال المعلم للمتعلم لا يعني جهله، بل يكون لاختباره، وفي سؤاله بيان ما يتميز به المتعلم من العلم والفقه، وفيه تقدير له، إذ أنه عندما يجيب يتضح لمن حضر علمه، والسؤال الاختباري قد يكون فاتحة لموضوع ما، فيكون سبب من أسباب شدّ انتباه المتعلمين، وكذلك المسؤول، وادعى لحفظ تلك المعلومة، وينبغي للمعلم اختيار سؤال له فائدة يخرج منه، فعندما يخرج الطالب الإجابة يعرف الفائدة المستفادة من هذا السؤال، ولا ينبغي اختيار الأسئلة التعجيزية التي قد يكون فيها نوع من التحدي؛ لأن الهدف التعليم. * • يثني على المتعلم: عن*عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنت بحمص، فقال لي بعض القوم: اقرأ علينا، فقرأت عليهم سورة يوسف، قال: فقال رجل من القوم: والله ما هكذا أنزلت، قال: قلت: ويحك والله، لقد قرأتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: "أحسنت"[13]. لقد أثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أُبي بن كعب رضي الله عنه عندما أجابه بأعظم آية في كتاب الله -كما في الحديث السابق-، فهذا فيه دليل على جواز مدح المتعلم في وجهه إذا كان فيه مصلحة، ولم يخف عليه إعجابًا أوغرورًا لكمال إيمانه ورسوخه في التقوى، أما إن خشي منه ذلك فلا ينبغي مدحه في وجهه، وفي هذا الحديث أثنى على قراءة ابن مسعود رضي الله عنه بقوله: "أحسنت"، فلا يظن المعلم أن الثناء على المتعلم بما هو حقًا فيه فيه منقصة للمعلم، وأنه قد يضعف شخصيته ويقلل مهابته، بل هو دفعة للمتعلم لتحصيل المزيد، وتنشيط لزملائه على الاقتداء به. * • يعلّم في كل مكان: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "بينما أنا والنبي صلى الله عليه وسلم خارجان من المسجد، فلقينا رجل عند سدة المسجد، فقال: يا رسول الله متى الساعة؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أعددت لها؟"، فكأن الرجل استكان، ثم قال: يا رسول الله ما أعددت لها كبير صيام ولا صلاة ولا صدقة، ولكني أحب الله ورسوله، قال: "أنت مع من أحببت"[14]. استقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم السائل وهو خارج من المسجد، فلم ينكر عليه سؤاله في ذلك المكان، فالتربية والتعليم ليست خاصةً في مكان معين، فعلى المعلم ألا يجعل الصف أو الحلقة فقط مكانًا للتعليم، بل يعلّم في كل مكان في المسجد والبيت والسوق وعند اجتماع العائلة. * • يسكت عن السؤال: كذلك في حديث أنس رضي الله عنه - السابق- لم يجب رسول الله صلى الله عليه وسلم على سؤال الرجل، بل سكت عن جوابه، وصرفه إلى ما ينفعه أكثر من سؤاله، فهذا يدل على جواز السكوت عن السؤال إذا كان جوابه لا يُعرف، أو لا يترتب عليه حاجة، وقد يسكت المعلم عن الجواب إن لم يعرف، وسكوته ليس عيبًا، كذلك قوله: لا أدري، فمحاولة الإجابة على سؤال لا يعلمه قد يؤثر على تلقي الطلاب عنه، ويستطيع المعلم معالجة الموقف بجعل هذا السؤال موضوع بحث للقاء قادم. * • يراعي الفروق الفردية: عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتي بلبن قد شيب بماء، وعن يمينه أعرابي، وعن شماله أبو بكررضي الله عنه، فشرب، ثم أعطى الأعرابي، وقال: "الأيمن فالأيمن"[15]. وعن سهل بن سعد رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بشراب فشرب منه، وعن يمينه غلام، وعن يساره الأشياخ، فقال للغلام: أتأذن لي أن أعطي هؤلاء، فقال الغلام: والله يا رسول الله لا أوثر بنصيبي منك أحدًا، قال: فتله رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده "[16] * في هذين الحديثين يتبين لنا مراعاة رسول الله صلى الله عليه وسلم للفروق الفردية بين الصحابة، فنجده استأذن الغلام، ولم يستأذن الأعرابي، وقد ذكر في علة هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم "إنما استأذن الغلام ولم يستأذن الأعرابي في الحديث الآخر، وبدأ به قبل أبي بكر رضي الله عنه لما علم النبي صلى الله عليه وسلم من حال الغلام وأن ذلك الاستئذان لا يخجله ولا ينفره لرياضته، وحسن خلقه، ولينه بخلاف الأعرابي، فإن الجفاء والنفرة غالبة على الأعراب، فخاف عليه أن يصدر منه سوء أدب، والله تعالى أعلم"[17]. فينبغي للمعلم أن يراعي الفروق الفردية بين الطلاب، فمنهم من يناسبه ذكر المتشابه، ومنهم من ينشط بالتحفيز، ومنهم من يُبسَّط له العلم، وغير ذلك من الفروق. * • يتجنب الكلام الفاحش: عن أنس رضي الله عنه، قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشًا ولا لعانًا ولا سبابًا، كان يقول عند المعتبة: "ما له ترب جبينه"[18]. إن الكلام البذيئ والفحش ليس من خلق المسلم، فكيف به في المعلم الذي هو قدوة للطلاب، فصدور مثل هذا النوع من الكلام من المعلم يقدح في المعلم وفي العلم الذي يحمله، وما كان قط أسلوبًا من أساليب التعليم الفحش والسباب واللعان، فإذا أخطأ الطالب يعاتب على خطئه من غير تجريح فيه ولا سخرية منه أمام زملائه، فهذا منفر كبير من التعلم، فالأسلوب الحسن والدعاء للطالب المخطئ سبب من أسباب رجوعه عن خطئه، وهناك أدعية تناسب العتاب كقوله صلى الله عليه وسلم: "ما له ترب جبينه"، وقول: أصلحك الله، وهداك الله، وغيرها. * • تعامله مع المخطئ: إذا كان المخطئ جاهلًا: عن معاوية بن الحكم السُّلمي رضي الله عنه قال: "بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثكل أُمّيَاه! ما شأنكم تنظرون إليَّ؟! فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلَمَّا رأيتهم يصمتونني، لكني سكت، فلما صلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبي هو وأمي، ما رأيت معلّمًا قبله ولا بعده أحسنَ تعليمًا منه، فوالله، ما كَهرني ولا ضربني ولا شتمني، قال: "إنَّ هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام النَّاس، إنَّما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن"[19]. * إذا كان المخطئ مجتهدًا: عن أبي بكرة رضي الله عنه أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع، فركع قبل أن يصل إلى الصف، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "زادك الله حرصًا ولا تعد"[20]. * • يطابق قوله فعله: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه - في قصة صلح الحديبية- قال: فلما فرغ من قضية الكتاب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: قوموا فانحروا، ثم احلقوا، قال: فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة: يا نبي الله، أتحب ذلك اخرج، ثم لا تكلم أحدًا منهم كلمة حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيحلقك، فخرج فلم يكلم أحدًا منهم حتى فعل ذلك نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضًا حتى كاد بعضهم ي*** بعضًا غمًا..."[21]. إن كلّ معلم قدوة للطلاب في مظهره، وفي أفعاله وأقواله، وفي أخلاقه؛ فهم ييأخذون منه الأدب والأخلاق والعلم، فتجد الطالب إذا سألته عن عمل صالحٍ عمله، يقول لك: معلمي علّمنا هذا، فالطلّاب ربما اقتدوا بمعلميهم أكثر من والديهم، فترى الطالب يرى من المعلم شيئًا فيقتدي به بحجة أن المعلم فعله، بغض النظر عن كونه جيدًا أو سيئًا، وكثيرًا ما نسمع من طالبات المرحلة المتوسطة والثانوية احتجاجهم بعدم ارتداء الحجاب الساتر: "المعلمة فلانة لا ترتديها"، فعلى المعلم مسؤولية كبيرة وأمانة عظيمة في مطابقة قوله لفعله، ومراقبة تصرفاته أمام الطلاب. * • يتفقّد غائبهم: عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم افتقد ثابت بن قيس، فقال رجل: يا رسول الله، أنا أعلم لك علمه، فأتاه، فوجده جالسًا في بيته منكسًا رأسه، فقال له: ما شأنك؟ فقال: شر كان يرفع صوته فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم فقد حبط عمله وهو من أهل النار، فأتى الرجل النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره أنه قال كذا وكذا، فقال موسى: فرجع إليه المرة الآخرة ببشارة عظيمة، فقال: "اذهب إليه، فقل له: إنك لست من أهل النار، ولكنك من أهل الجنة"[22]. ينبغي للمعلم والقائد أن يتفقد من هم تحته من طلاب ونحوهم، وقد كان هذا دأب الأنبياء فقد تفقّد سليمان عليه السلام الطير، وتفقد النبي صلى الله عليه وسلم ثابت بن قيس رضي الله عنه، فهم تحت رعايته ومسؤوليته، وكذلك يظهر هذا اهتمام المعلم بتلاميذه، ويشعرهم بقربه منهم، وبحرصه عليهم. * • يتواضع لهم: عن عمرو بن مرة رضي الله عنه قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: "اقرأ علي"، قلت: أأقرأ عليك وعليك أنزل، قال: "فإني أحب أن أسمعه من غيري"، فقرأت عليه سورة النساء حتى بلغت: ﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا ﴾ [النساء: 41]، قال: "أمسك"، فإذا عيناه تذرفان[23]. إن من الأخلاق المحمودة في الإسلام خلق التواضع، وهو أَحمد إذا كان في المعلم، وقد اتصف رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الخلق، فكان يسمع من الصحابة القرآن ولو أنه نزل عليه، وكان يجلس مع الفقراء، ويشرب بعد أهل الصفّة، فإذا تخلّق المعلم بخلق التواضع لم يجد الطلاب حرجًا في سؤاله ومناقشته وإخباره بما في نفوسهم، ألا ترى المعلم المتكبر المتجبر لا يستطيع أحد مناقشته أو سؤاله، فإن اتصف بالكِبر فلن يعرف إشكالات الطلاب والمصاعب التي تواجههم ومدى تحقق الأهداف التعليمية، فتحقيق الأهداف له ارتباط بالتواضع. * • يعدل بينهم: عن عائشة رضي الله عنها أن امرأة من بني مخزوم سرقت، فقالوا: من يكلم فيها النبي صلى الله عليه وسلم فلم يجترئ أحد أن يكلمه، فكلمه أسامة بن زيد رضي الله عنهما، فقال: "إن بني إسرائيل كان إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه، لو كانت فاطمة لقطعت يدها"[24]. هذا دليل عظيم في عدل النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يكن ليمنعه من إقامة الحد لو أن السارق قريب له، فعلى المعلم والمربي تقوى الله والعدل بين من هم تحته، فيعدل بينهم في التكليف، وفي توزيع المهام، والمعاملة، والدرجات، وهذا يحتاج مجاهدة، فلا ينبغي للمعلم أن يكرم قريبه أو صديقه ويقرّبه ويعطيه ما لا يعطي غيره، بل هذا من الظلم، قال مجاهد: (المعلم إذا لم يعدل كتب من الظلمة)، بل إن وجود حضوة عند المعلم لأحد الطلبة ينشر العداوة والبغضاء بين الطلاب الآخرين، ولن يساعد في حسن تلقي الطلاب عن معلمهم. * • يستشيرهم: قال الله تعالى: ﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ﴾ [آل عمران: 159] وقد شاور النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه يوم أحد في المقام والخروج فرأوا له الخروج فلما لبس لأمته وعزم، قالوا: أقم فلم يمل إليهم بعد العزم، وقال: لا ينبغي لنبي يلبس لأمته فيضعها حتى يحكم الله، وشاور عليًّا وأسامة فيما رمى به أهل الإفك عائشة فسمع منهما حتى نزل القرآن فجلد الرامين، ولم يلتفت إلى تنازعهم ولكن حكم بما أمره الله. الأمر بالاستشارة كان من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم، فمن باب أولى غيره من البشر، فينبغي للمعلم إن واجه إشكالًا أن يستشير تلاميذه، فربما وجد عندهم حلًا، وهذا ليس عيبًا في المعلم ولا يكون فيه منقصة له، بل يزيدهم حبًا له واحترامًا لتقديره لهم بسماع آرائهم، وخاصة فيما يتعلق بشؤونهم، فلا يحدد اختبارًا بشكل مفاجئ ويرفض تغييره، أو يوجب تكليفًا كثيرًا، فقد يكون فوق طاقتهم، فهذا لا يساعد في العملية التعليمية، وله أن يستشيرهم بالشيء شكلًا، وهو قد حدد القرار لكن حتى يضمن ارتياحهم في اتخاذه، وإن اعترضوا بين لهم مصلحته ومنفعته لهم حتى يوافقوا عن طيب نفس. * • يسمح لهم بالحديث بحضرته: عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث، فاضطجع على الفراش وحول وجهه ودخل أبو بكر رضي الله عنه فانتهرني وقال: مزمارة الشيطان عند النبي صلى الله عليه وسلم، فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "دعهما"، فلما غفل غمزتهما فخرجتا[25]. قال ابن حجر معلقًا على هذا الحديث: "فيه أن التلميذ إذا رأى عند شيخه ما يستكره مثله بادر إلى إنكاره، ولا يكون في ذلك افتئات على شيخه، بل هو أدب منه ورعاية لحرمته وإجلال لمنصبه، وفيه فتوى التلميذ بحضرة شيخه بما يعرف من طريقته"[26]، فحديث الطالب بحضرة المعلم ومشاركته لا تقدح في المعلم، بل قد يكون لدى الطالب علم ما بلغ معلمه، أو غفل المعلم عنه فيذكّره به. * • يكنّي عن الأمور التي يستحيا من ذكرها: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة ربه، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق أخفى حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه"[27]. في الحديث تكنية النبي صلى الله عليه وسلم عن دعوة المرأة إلى الفاحشة بقوله: "طلبته امرأة ذات منصب وجمال"، فعلى المعلم أن يتأسى بالنبي صلى الله عليه وسلم في هذا، وللأسف يحتج بعض المعلمين بقولهم: "لا حياء في العلم"، ولكن هناك علم لا بد من معرفته، وهناك ما يقبح شرعًا ذكره مما يتعلق بالعورات وما شابهها. * الأساليب التعليمية إن تنوع الأساليب التعليمية من المعلم يجعل قبول المتعلم للتعليم أكثر، وإقباله وحرصه عليه أشد، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ينوّع لأصحابه في الأساليب، فمن الأساليب التي استعملها: • القصة: عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن ثلاثة في بني إسرائيل أبرص وأقرع وأعمى بدا لله عز وجل أن يبتليهم فبعث إليهم ملكًا فأتى الأبرص، فقال: أي شيء أحب إليك؟..."[28]. * • ضرب المثل: عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مثل الجليس الصالح والسوء، كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحًا خبيثة"[29]. * • الترغيب والترهيب: الترغيب:عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه"[30]. الترهيب:عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "عذبت امرأة في هرة، سجنتها حتى ماتت فدخلت فيها النار، لا هي أطعمتها وسقتها إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض"[31]. * • الإشارة: عن سهل بن سعد رضي الله عنهما قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بإصبعيه هكذا بالوسطى والتي تلي الإبهام: "بعثت والساعة كهاتين"[32]. * • الرسم: عن عبد الله رضي الله عنه قال: خطّ النبي صلى الله عليه وسلمخطًّا مربعًا، وخط خطًا في الوسط خارجًا منه، وخطّ خططًا صغارًا إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط، وقال: "هذا الإنسان، وهذا أجله محيط به، أو قد أحاط به، وهذا الذي هو خارج أمله، وهذه الخطط الصغار الأعراض، فإن أخطأه هذا نهشه هذا، وإن أخطأه هذا نهشه هذا"[33]. * • التكرار: عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثًا؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وجلس وكان متكئًا، فقال: ألا وقول الزور"، قال: فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت"[34]. * • الاستفهام: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتدرون ما المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: "إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة، وصيام، وزكاة، ويأتي قد شتم هذ، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم، فطرحت عليه ثم طرح في النار"[35]. * • المحاورة والإقناع العقلي: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا رسول الله، ولد لي غلام أسود، فقال: هل لك من إبل؟ قال: نعم، قال: ما ألوانها؟ قال: حمر، قال: هل فيها من أورق؟ قال: نعم، قال: فأنى ذلك؟ قال: لعله نزعه عرق، قال: فلعل ابنك هذا نزعه"[36]. * • عدم التصريح بالأسماء: عن أنس رضي الله عنه أن نفرًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سألوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن عمله في السر، فقال بعضهم: لا أتزوج النساء، وقال بعضهم: لا آكل اللحم، وقال بعضهم: لا أنام على فراش، فحمد الله وأثنى عليه، فقال: "ما بال أقوام قالوا: كذا وكذا لكني أصلي، وأنام، وأصوم، وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني"[37]. وروى أبو داود في سننه: عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بلغه عن الرجل الشيء، لم يقل: ما بال فلان يقول، ولكن يقول: ما بال أقوام يقولون كذا وكذا". * • بيان البديل عن المنهي عنه: عن عبد الله رضي الله عنه قال: كنا إذا كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة قلنا: السلام على الله من عباده، السلام على فلان وفلان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تقولوا السلام على الله، فإن الله هو السلام، ولكن قولوا التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإنكم إذا قلتم أصاب كل عبد في السماء أو بين السماء والأرض، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ثم يتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو"[38]. * • يتكلم بتأني ووضوح: عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحدِّث حديثًا لو عده العاد لأحصاه"[39]، وقالت: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يسرد الحديث كسردكم"[40]. الأساليب التربوية للنبي صلى الله عليه وسلم مع النساء فَطَر الله المرأة على الضعف وقلة الحيلة، وكان أسلوب النبي صلى الله عليه وسلم معهن خاصٌ بهن، لعلمه بما فطرن عليه، وكانت له أساليب تربوية معهن كغيرهن من الناس، ومن ذلك: • تخصيص وقت لتعليمهنّ: عن أبي سعيد رضي الله عنه جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، ذهب الرجال بحديثك، فاجعل لنا من نفسك يومًا نأتيك فيه تعلمنا مما علمك الله، فقال: "اجْتَمعْنَ في يَوْم كَذَا وَكَذَا في مَكَان كَذَا وَكَذَا"، فاجتمعن فأتاهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلمهن مما علمه الله، ثم قال: " مَا منْكُنَّ امْرَأَةٌ تُقَدّمُ بَيْنَ يَدَيْهَا منْ وَلَدهَا ثَلَاثَةً إلَّا كَانَ لَهَا حجَابًا منْ النَّار "، فقالت امرأة منهن: يا رسول الله، أو اثنين؟ قال: فأعادتها مرتين ثم قال: " وَاثْنَيْن وَاثْنَيْن وَاثْنَيْن "[41]. * من رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بالنساء أن جعل لهن وقتًا للتعليم ومكانًا يجتمعن فيه بعيدًا عن مخالطة الرجال، ولم يجعل جلَّ وقته للرجال، واجتماعه كان بشروطه المعروفة من عدم الخلوة، والخضوع بالقول، وكشف العورات، وينبغي للعالم أن يخصص وقتًا ومكانًا للنساء يتعلمن منه العلم لا يخالطن فيه الرجال إذا لم يكن لهنّ من يعلمهنّ من النساء. * •الحديث معهنّ في حدود ما شرع الله: عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إني امرأة أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ فقال: "لَا إنَّمَا ذَلك عرْقٌ وَلَيْسَ بالْحَيْضَة فَإذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعي الصَّلَاةَ وَإذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسلي عَنْك الدَّمَ وَصَلّي"[42]. في هذا الحديث دليل على استفتاء المرأة للرجال فيما يتعلق بالطهارة وأحداث النساء وجواز استماع صوتها عند الحاجة، وأما إن لم تكن هناك حاجة، فلا ينبغي للمرأة محادثة الرجال، وقد تحدث النبي صلى الله عليه وسلم مع فاطمة في حدود حاجتها وما شرع الله، فلا ينبغي للمعلم أن يطيل في حديثه مع النساء فيما لا حاجة منه، أو يضحك معهنّ، فقد نهى الله الصحابة عن الحديث مع أمهات المؤمنين إلا من وراء حجاب، وهم خير الناس، فكيف بمن بعدهم، فلا تؤمن الفتنة في هذه الأحاديث، حتى الدعوة قد تؤثر، فمما أذكر أن إحدى الطالبات كانت تدعو للشيخ إذا أجابها –أُنسيت ربما تقول:"جزاك الله خيرًا" أو ما شابه- وذات يوم انقطع الصوت عن بقية القاعة وعَلِمَ عدم سماع غيرها له، فنهاها أن تدعو، فالشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، ولو كان شيخًا أو عالمًا. * • التيسير عليهن: عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم قام النساء حين يقضي تسليمه ومكث يسيرًا قبل أن يقوم، قال ابن شهاب: فأرى -والله أعلم- أن مكثه لكي ينفذ النساء قبل أن يدركهن من انصرف من القوم"[43]. من رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بالنساء أنه لم يعجل في قيامه من الصلاة حتى يتيسر للنساء الخروج من المسجد دون التعرض للرجال، فعلى المربي أن يتخذ الأساليب اليسيرة مع النساء التي لا تضطرهن للتعرض الرجال ومخالطتهم، كأن يطلب منهن طلبًا يكون متوفرًا عند الغالب منهنّ، فلا تضطر للخروج من المنزل، أو أن تكون السلعة غير مكلفة فتجاوز قدرتهن المالية. * • مراعاة أعمارهن: عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كنت ألعب بالبنات عند النبي صلى الله عليه وسلم وكان لي صواحب يلعبن معي، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل يتقمعن منه فيسربهن إلي فيلعبن معي"[44]. لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم شديدًا مع عائشة رضي الله عنها، بل يراعيها في عمرها، فمن في سنها تحب اللعب، فعلى المعلم أن يراعي أعمار من هم تحته، فلا يؤاخذ الصغار بما يؤاخذ عليه الكبار، وكذلك يراعي بين كون الطلاب ذكورًا أو إناثًا. * • الحث على الرفق بهن: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استوصوا بالنساء فإن المرأة خلقت من ضلع وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء"[45]. لم يخلق الله المرأة كالرجل، بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفهن بأنهن ناقصات عقل ودين، فينبغي الرفق بهن، وعدم التشديد عليهن، فلا ينبغي للرجل أن يرى المرأة كما يرى نفسه، فقدراتها وعاطفتها تختلف، وليرفق بها. * • يستمع إليهن: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه - في قصة صلح الحديبية- قال: فلما فرغ من قضية الكتاب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: قوموا فانحروا، ثم احلقوا، قال: فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة: يا نبي الله، أتحب ذلك اخرج، ثم لا تكلم أحدًا منهم كلمة حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيحلقك، فخرج فلم يكلم أحدًا منهم حتى فعل ذلك نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضًا حتى كاد بعضهم ي*** بعضًا غمًا..."[46]. * إن بعض الناس يرى أن استماع الرجل للمرأة واستشارته لها فيه منقصة له، وقد نشروا مقولة: "شاوروهن وخالفوهن"، وهذا لم يأمر الإسلامبه، وقد ضرب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلًا في استشارة المرأة كما في هذا الحديث عندما سمع لأم سلمة رضي الله عنها، فمن النساء من هي حكيمة تشير بالقول الصحيح، فقد يبدو لمرأة رأي لا يبدو لرجل كما في الحديث. * ختامًا، هذا ما تيسر إيراده من أساليب للنبي صلى الله عليه وسلم، فإن كان من صواب فمن الله، وإن كان من خطأ فمني والشيطان. * ونسأل الله أن ينفعنا وينفع بنا ويجعلنا للمتقين أئمةً، ويرزقنا الاقتداء بنبيه صلى الله عليه وسلم إنه ولي ذلك والقادر عليه. والله تعالى أعلم وأحكم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. [1] سورة الأعراف (158). [2] سورة الأحزاب (21). [3] رواه البخاري. [4] رواه البخاري. [5] رواه البخاري. [6] فتح الباري شرح صحيح البخاري، لابن حجر العسقلاني. [7] رواه البخاري. [8] رواه البخاري ومسلم. [9] المرجع السابق، 324 [10] متفق عليه. [11] رواه البخاري ومسلم. [12] رواه مسلم. [13] رواه مسلم. [14] رواه البخاري ومسلم. [15] متفق عليه. [16] متفق عليه. [17] المفهم لما أشكل من كتاب تلخيص مسلم، لأبي العباس القرطبي. [18] رواه البخاري. [19] رواه مسلم [20] رواه البخاري. [21] رواه البخاري. [22] رواه البخاري ومسلم. [23] رواه البخاري ومسلم. [24] رواه البخاري ومسلم. [25] رواه البخاري. [26] فتح الباري شرح صحيح البخاري. [27] رواه البخاري ومسلم. [28] رواه البخاري ومسلم. [29] متفق عليه. [30] متفق عليه. [31] متفق عليه. [32] رواه البخاري ومسلم. [33] رواه البخاري. [34] رواه البخاري. [35] رواه مسلم. [36] رواه البخاري ومسلم. [37] رواه البخاري ومسلم. [38] رواه البخاري ومسلم. [39] رواه البخاري. [40] رواه البخاري ومسلم. [41] رواه البخاري. [42] رواه البخاري ومسلم [43] رواه البخاري [44] رواه البخاري ومسلم. [45] رواه البخاري ومسلم. [46] رواه البخاري. عائشة بنت عبدالرحمن الطويرش
__________________
|
#2
|
|||
|
|||
جزاك الله كل خير
وجعله في موازين حسناتكك |
العلامات المرجعية |
|
|