#1
|
|||
|
|||
خطبة شأن الدعاء
الحمدُ للهِ رَبِّ العالَمينَ، الرحمنِ الرحيمِ، مالكِ يومِ الدِّينِ، لا عِزَّ إلَّا في طاعتِه، ولا سَعادةَ إلَّا في رِضاه، ولا نَعِيمَ إلَّا في ذِكرِه، الذي إذا أُطيعَ شَكرَ، وإذا عُصيَ تابَ وغَفرَ، والذي إذا دُعيَ أجابَ، وإذا استُعيذَ به أَعاذَ. وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُ اللهِ ورَسولُه، صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ تسليمًا كثيرًا. * أمَّا بَعدُ، أيها المؤمنون: فإنه ما من وصية أبلغ ولا من أمر أعظم من قول*الله جل وعلا: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾ [الحج: 1، 2]. * عباد الله: فإنَّ حاجةَ المسلمِ إلى ربهِ دائمةٌ، فهوَ سبحانهُ الرزاقُ ذو القوةِ المتينِ، وما يصيبُ العبادَ منَ النعماءِ والخيرِ فبفضلهِ، ولا يمسهمْ شيءٌ منَ الأذى والعنتِ إلا بعلمهِ وحكمتهِ، ولا يرفعُ إلا بإذنهِ: ﴿ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ ﴾ [النحل: 53]، ولا غنى للمسلمِ عنِ الضراعةِ واللجوءِ إلى خالقهِ في كلِّ حالٍ وفي كلِّ زمانٍ. * وإنَّ المتأملَ في سيرةِ النبيِّ- صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- وأحوالهِ، ليرى منهُ- صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- العجبَ في تعلقهِ بربهِ واللجوءِ إليهِ والإلحاحِ على اللهِ بالدعاءِ والطلبِ وعدمِ اليأسِ، معَ أنَّ دعاءهُ مجابٌ ورغبتهُ محققةٌ، أما عندَ مدلهماتِ الأمورِ ومفارقِ الطرقِ ومضايقِ الأحوالِ فإنَّ نبينا- صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- يلجأُ إلى ربهِ ويلحُّ عليهِ في المسألةِ حتى إنَّ أصحابهُ- رضيَ اللهُ عنهمْ- ليشفقونَ عليهِ. واللهُ جعلَ منَ الدعاءِ عبادةٌ وقربى، أمرَ عبادهُ المؤمنينَ بالتوجهِ إليهِ لينالوا عندهُ منزلةً رفيعةً، أمرَ بالدعاءِ وجعلهُ وسيلةَ الرجاءِ، فكلُّ خلقهِ يفزعُ في حاجتهِ إليهِ ويعولُ عندَ الحوادثِ والكوارثِ عليهِ. * يقولُ- صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-: «إِنَّ الدُّعَاءَ هُوَ الْعِبَادَةُ» رواهُ الإمامُ أحمدُ وغيرهُ، وصححهُ الألبانيُّ- رحمهُ اللهُ قالَ الخطابيُّ: "معناهُ، أنهُ معظمُ العبادةِ، أوْ أفضلُ العبادةِ. وقالَ- صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-: «لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ مِنَ الدُّعَاءِ» رواهُ الإمامُ أحمدُ وغيرهُ، وحسنهُ الألبانيُّ- رحمهُ اللهُ. وقالَ- صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-: «إِنَّ أَعْجَزَ النَّاسِ مَنْ عَجَزَ فِي الدُّعَاءِ، وَأَبْخَلَ النَّاسِ مَنْ بَخِلَ بِالسَّلَامِ»رواهُ ابن حبان في صحيحه وغيرهُ، وصححهُ الألبانيُّ - رحمهُ اللهُ. * فأضعفُ الناسِ رأيًا وأدناهمْ همةً وأعماهمْ بصيرةً منْ عجزَ عنِ الدعاءِ، ذلكَ أنَّ الدعاءَ لا يضرهُ أبدًا بلْ ينفعهُ، وبالدعاءِ تكبرُ النفسُ وتشرفُ وتعلو الهمةُ وتتسامى، ذلكَ أنَّ الداعيَ يأوي إلى ركنٍ شديدٍ، ينزلُ بهِ حاجتهُ ويستعينُ بهِ في كافةِ أمورهِ، وبهذا يقطعُ الطمعُ مما في أيدي الخلق. دعاءُ اللهِ وسؤالهِ والتضرعُ إليهِ وتفويضُ الأمرِ لهُ أمانُ الخائفينَ وملجَأُ المضطرِّينَ وسلوةُ المناجينَ، منِ الذي لاذَ بجنابِه فما عزَّ؟! ومنِ الذي فوّضَ أمرَهُ إليه فما رشدَ؟ ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ [غافر:60]. * فكمْ منْ بليّةٍ ومحنةٍ رفعها اللهُ بالدّعاءِ، ومصيبةٍ كشفَها اللهُ بالدّعاءِ، وكمْ منْ ذَنبٍ ومعصيةٍ غفرَها اللهُ بالدّعاءِ، وكمْ منْ رحمةٍ ونعمةٍ ظاهرةٍ وباطنةٍ استُجلِبتْ بسبَبِ الدعاءِ. عنْ عائشةَ- رضيَ اللهُ عنها- قالتْ: قالَ رسولُ اللهِ- صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-: « لَنْ يَنْفَعَ حَذَرٌ مِنْ قَدَرٍ، وَلَكِنَّ الدُّعَاءَ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ، فَعَلَيْكُمْ بِالدُّعَاءِ عِبَادَ اللَّه ». » رواهُ الإمامُ أحمدُ والترمذي وغيرهُما، وحسنهُ الألبانيُّ- رحمهُ اللهُ. * فيَا منْ تكالبَتْ عليهِ الهمومُ والغمومُ، وضاقتْ عليهِ الأرضُ بما رحُبتْ، أينَ أنتَ منْ سؤالِ اللهِ، أينَ أنتَ منْ سؤالِ اللهِ ورجائهِ؟! ويا مَنْ أرهقتهُ الأمراضُ وأغرقتهُ الديونُ، أينَ أنتَ مِنْ دعاءِ الغنيِّ الكريمِ؟! ويا مَنْ أثقلتهُ المعاصي والذنوبُ، أينَ أنتَ مِنْ غافرِ الذنبِ وقابلِ التَّوبِ؟! ويا مَنْ غشيَهُ الخوفُ والقلقُ، تطلَّعْ إلى السّماءِ فعندَ اللهِ الفرَجُ. * هذا هوَ الدّعاءُ، فأينَ السائلونَ؟! وهذا هوَ الطريقُ، فأينَ السالكونَ؟! أيّها المسلمونَ، إنَّ للدعاءِ شروطًا وآدابًا وأحكامًا وأسبابًا، ينبغي للمسلمِ أنْ يتعلَّمها تأدُّبًا معَ ربِّهِ، وتقرّبًا لإجابةِ دعائهِ وطلبِهِ، ومنها توحيدُ اللهِ تعالى في الدّعاءِ في القصدِ والطلبِ والوسيلةِ، وهذا بابٌ عظيمٌ جعلَ الدعاءَ هوَ العبادةُ، فكانَ واجبًا أنْ يُخلَصَ للهِ تعالى، وأنْ يتوجّهَ العبدُ إليهِ سبحانَهُ بالدعاءِ والمسألةِ، والطّلبِ والاستغاثةِ، والاستعانَةِ، والاستعاذةِ. * أيّها المسلمونَ، وممَّا ينبغي مراعاتُهُ في الدعاءِ بعدَ الإخلاصِ والمتابعةِ التضرّعُ والابتهالُ إلى اللهِ تعالى والتملقُ إليهِ بأسمائِهِ الحسنى وصفاتهِ العلا: ﴿ وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف:180]، ويُثني على اللهِ ببعضِ ما أثنى بهِ على نفسهِ، ويتوسّلُ إلى اللهِ بالاسمِ الذي يناسِبُ حاجتَهُ منْ أسماءِ اللهِ الحسنى، كقولهِ تعالى: ﴿ وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [المؤمنون:118] وكقولِه تعالى: ﴿ وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ ﴾ [المائدة:114]. * والاستغفارُ والإقرارُ بالذنبِ والاعترافُ بالنِّعمِ واستفتاحُ الدُّعاءِ بالحمدِ والثناءِ على اللهِ بما هوَ أهلُهُ والصلاةُ والسلامُ على خاتَمِ أنبيائهِ ورسلهِ محمّدٍ- صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-، لأنَّ الدعاءَ معلقٌ بينَ السّماءِ والأرضِ حتّى يصلَّى عليهِ،كما ثبتَ بذلكَ الدليلُ فصلواتُ اللهِ وسلامهُ عليهِ، متحريًا أوقاتَ الإجابةِ مثلَ: ثلثِ الليلِ الآخرِ وبينَ الأذانِ والإقامةِ، وعندَ نزولِ الغيثِ، وأدبارِ الصلواتِ، وعندَ رؤيةِ البيتِ العتيقِ، وآخرِ ساعةٍ منَ الجمعةِ، مبتدئاً الدعاءَ بنفسهِ، مستقبلَ القبلةَ متطهّرًا في هيئةٍ حسنةٍ توقيرًا للهِ تعالى، رافعًا يدَيهِ للهِ سبحانهُ جازمًا في المسألةِ عازِمًا ملِحًّا في الدّعاءِ. والدعاءُ مشروعٌ في كلِّ وقتٍ، ولكنِ الدعاءُ في السجودِ منْ أفضلِ الدعاءِ، ففي الحديثِ: « أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ، وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ » رواه مسلم. * وخيرُ الدعاءِ في الثلثِ الأخيرِ منَ الليلِ، أسرَعُ وأنفعُ، فإنَّ اللهَ ينزلُ كلَّ ليلةٍ إلى سمائهِ الدنيا حينَ يبقى ثلثُ الليلِ الآخِرِ، فينادي: منْ يدعوني فأستجيبُ لهُ، منْ يسألني فأعطيهُ، منْ يستغفرني فأغفرُ لهُ. والدعاءُ يومَ الجمعةِ عندما يصعدُ الإمامُ المنبرَ إلى أنْ تقضى الصلاةُ، وفي آخرِ ساعةٍ منْ ساعاتِ يومِ الجمعةِ لا يدعو عبدٌ ربهُ بشيءٍ إلا أعطاهُ إياهُ، وفي الحديثِ: «فِي يَوْمِ الجُمُعَةِ سَاعَةٌ، لاَ يُوَافِقُهَا مُسْلِمٌ، وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا إِلَّا أَعْطَاهُ» وَقَالَ بِيَدِهِ، قُلْنَا: يُقَلِّلُهَا، يُزَهِّدُهَا» متفق عليه. * وفي أدبارِ الصلواتِ، وكلما رقَّ قلبكَ وقرُبَ منَ الخيرِ فارفعْ إلى اللهِ حاجتكَ، فإنَّ ربكَ أكرمُ الأكرمينَ، يقولُ- صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-: « إِنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحِي أَنْ يَرْفَعَ الْعَبْدُ يَدَيْهِ فَيَرُدَّهُمَا صَفَرًا »، رواه البزار والطبراني والحاكم وصححه الألباني. متحرّيًا الأدعيةَ النبويَّةَ متحَلِّلًا منَ المظالمِ مقدِّمًا بينَ يدَيْ نجواهُ صدقةً، متخَيَّرًا جوامعَ الدّعاءِ. عنْ عائشةَ- رضيَ اللهُ عنها- قالتْ: كانَ رسولُ اللهِ - صلى اللهُ عليهِ وسلمَ - يستحِبُّ الجوامعَ منَ الدّعاءِ، ويدَعُ ما سِوى ذلكَ. رواهُ أبو داودَ بإسنادٍ جيّدٍ. * وليحرِصِ المسلمُ على حِفظِ دعاءِ رسولِ اللهِ - صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- بقدرِ استطاعتِهِ فقدْ شرعَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ لكلِّ حالٍ دعاءً وذكرًا. فإنَّ مثلَ هذا لا يكادُ يُردُّ أبَدًا، وإنَّ تخلّفَ أثرُ الدعاءِ فليتَفقَّدِ الداعي نفسَهُ، فعنْ أبي هريرةَ- رضيَ اللهُ عنهُ- قالَ: قالَ رسولُ اللهِ - صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-: «يا أيّها الناس، إنَّ الله طيِّب لا يقبَل إلا طيّبًا، وإنَّ اللهَ أمَر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: ﴿ يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾ [المؤمنون: 51] وقال: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ﴾ [البقرة: 172] « ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟ »[1]. * أيها المسلمُ، احذرْ منْ أسبابٍ تكونُ مانعةً لإجابةِ الدعاءِ، ومنْ ذلكَ أنْ تدعوَ اللهَ بإثمٍ أوْ قطيعةِ رحمٍ، فإنَّ اللهَ لا يستجيبُ لكَ ذلكَ أبدًا، واحذرْ أنْ تعتديَ في الدعاءِ فتسألَ ما لا يليقُ، واحذرْ- كذلكَ- منْ سببٍ آخرٍ وهوَ أكلُ الحرامِ، فإنَّ أكلَ الحرامِ معوِّقٌ لإجابةِ الدعاءِ، فقدْ أشارَ النبيُّ- صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- إلى أنَّ التمتعَ بالحرامِ أكلًا، وشربًا، ولبسًا وتغذيةً أعظمُ مانعٍ منْ قبولِ الدعاءِ. * ومنْ موانعِ قبولِ الدعاءِ عدمُ الإخلاصِ فيهِ للهِ، لأنَّ اللهَ تعالى يقولُ: ﴿ فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾ [غافر:14]. ومنْ موانعِ قبولِ الدعاءِ أنْ يدعوَ الإنسانُ وقلبهُ غافلٌ، فقدْ روى الحاكمُ في مستدركهِ عنْ أبي هريرةَ- رضيَ اللهُ عنهُ- عنِ النبيِّ - صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- قالَ: «ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ» رواهُ الإمامُ أحمدُ وغيرهُ، وصححهُ الألبانيُّ- رحمهُ اللهُ. * ومنْ موانعِ قبولِ الدعاءِ تركُ الأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عنِ المنكرِ، فعنْ حذيفةَ بنِ اليمانِ- رضيَ اللهُ عنهُ- عنِ النبيِّ - صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- قالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْ عِنْدِهِ، ثُمَّ لَتَدْعُنَّهُ فَلَا يَسْتَجِيبُ لَكُمْ" رواهُ الإمامُ أحمدُ والترمذي وغيرهُ، وحسنهُ الألبانيُّ- رحمهُ اللهُ.فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ وألحوا على ربكمْ في الدعاءِ، وأنتم موقنون بالإجابة. باركَ اللهُ لي ولكمْ... * الخطبةُ الثانيةُ بعدَ الافتتاحِ: أيها المؤمنونَ باللهِ واليومِ الآخرِ. هاهنا وقفاتٌ في شأنِ الدعاءِ أذكرُ منها: • أيها المسلمُ، ادعُ اللهَ كثيرًا لذريتكَ ولأهلكَ بالصلاحِ والاستقامةِ، والسترِ والعفافِ، وأنْ يقيهمْ مضلاتِ الفتنِ ما ظهرَ منها وما بطنَ. النبيُّ- صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- أخبرَ أنَّ منَ الثلاثةِ الذينَ لا تُردُّ دعوتهمْ دعوةُ الوالدِ على ولدهِ، فالذي ينبغي للأبِ أنْ يتقيَ اللهَ، ولا يسرعْ في الدعاءِ على أولادهِ، بلْ يجعلْ عوضَ ذلكَ أنْ يدعوَ اللهَ لهمْ بالصلاحِ والهدايةِ والتوفيقِ، ويردهمْ إليهِ ردًا حميدًا ويعودُ لسانهُ على ذلكَ، ونبينا- صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- حذرنا منْ أنْ يزلَّ لساننا بالدعاءِ على أنفسنا أوْ على أموالنا أوْ على أهلينا، فيقولُ- صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-: « لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لَا تُوَافِقُوا مِنَ اللهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ، فَيَسْتَجِيبُ لَكُم» رواه مسلم. * عبدَ اللهِ، إذا دعوتَ فاستكثرْ ربكَ الخيرَ في دعائكَ. يقولُ النبيُّ- صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-: «إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ فَلْيُعْظِمِ الرَّغْبَةَ، فَإِنَّهُ لَا يَتَعَاظَمُ عَلَى اللَّهِ شَيْءٌ»رواهُ ابن حبان والطبران وغيرهُما، وصححهُ الألبانيُّ- رحمهُ اللهُ. واعلَمْ- أيّها المسلمُ- أنَّ الإجابةَ مَعَ الدّعاءِ، سواءٌ كانتْ عاجلةً أوْ آجِلةً. * قالَ عمرُ- رضيَ اللهُ عنهُ-: (إنّي لا أحملُ همَّ الإجابةِ، وإنّما أحمِلُ همَّ الدّعاءِ، فإذا ألهِمتُ الدّعاءَ فالإجابةُ معهُ). وعنْ عبادةَ بنِ الصامتِ- رضيَ اللهُ عنهُ- أنَّ رسولَ اللهِ- صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- قالَ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ، وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ، إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا " قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ، قَالَ: «اللَّهُ أَكْثَرُ» رواهُ الإمامُ أحمدُ وغيرهُ، وصححهُ الألبانيُّ- رحمهُ اللهُ. عبادَ اللهِ، اللهُ تعالى قريبٌ ممنْ دعاهُ: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة:186]. • والدعاءُ خيرٌ كلهُ فهوَ منْ أجلِّ العباداتِ وأعلاها. • عبدَ اللهِ، أكثرْ منَ الدعاءِ بالثباتِ على هذا الدينِ حتى المماتِ، والتوفيقِ إلى فعلِ الخيراتِ، وكراهيةِ اقترافِ المحرماتِ والمكروهاتِ، فإننا نرى منْ أحوالِ الناسِ عجبًا. * • ادعُ لنفسكِ بالصحةِ والعافيةِ والتمتعِ بملاذِ الدنيا المباحةِ، والدعاءِ- كذلكَ- بأنْ يكفَّ عنكَ الأمراضَ والأوجاعَ، وأنْ يجعلَ ذلكَ خيرًا معينًا على طاعةِ مولاكَ سبحانهُ. • الدعاءُ للوالدينِ في كلِّ حينٍ، الأحياءِ منهمْ والميتينَ، وأنْ يمتعهمْ على طاعتهِ، وأنْ يجمعَ شملكَ بهمْ في جناتِ النعيمِ. • ادعُ اللهَ- كذلكَ- أنْ يجبرَ ما نقصَ منكَ منَ الخصالِ التي تحبها ويحبها الناسُ. • استغلْ كلَّ مناسبةٍ يستحبُّ فيها الإكثارُ منَ الدعاءِ ولا تفوتِ الفرصةَ. * اسألِ اللهَ دائمًا الخاتمةَ الحسنةَ والشهادةَ في سبيلهِ؛ فإنَّ منْ سألَ الشهادةَ بحقٍّ بلغهُ اللهُ منازلَ الشهداء، وإنْ ماتَ على فراشهِ.كما صحَّ الخبرُ عنِ الحبيبِ- صلى اللهُ وسلمَ عليهِ. اسألِ اللهَ- تعالى- البركةَ في الوقتِ والمالِ بلْ في كلِّ شيءٍ. اسألِ اللهَ الكفافَ عما في أيدي الناسِ أعطوكَ أوْ منعوكَ. * عبدَ اللهِ، ما أجملَ أنْ تخصصَ دعوةً لأخيكِ المبتلى بكربةٍ ماليةٍ أوْ نفسيةٍ أوْ غيرها، بأنْ يفرجَ اللهُ عنهُ كربتهُ، فهذا واللهِ شعورٌ عظيمٌ بينَ أفرادِ المجتمعِ. وتأملْ كثيرًا وتصورْ دائمًا عندما تدعو المولى- سبحانه- أنَّ وراءكَ ملكًا يؤمنُ على دعائكَ، يقولُ: ولكَ بمثلهِ. * هذا وصلوا وسلموا- رحمكمُ اللهُ- على خيرِ منْ عبدَ ربهُ ودعا، النبيِّ المصطفى والرسول المجتبى، إمامِ المتقينَ، وأفضلِ الناسِ أجمعينَ، كما أمركمْ بذلكَ ربكمْ ربُّ العالمينَ فقالَ تعالى قولًا كريمًا: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب:56]. أحمد بن عبد الله الحزيمي
__________________
|
العلامات المرجعية |
|
|