|
حي على الفلاح موضوعات وحوارات ومقالات إسلامية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
الإفلاس الأخلاقي للنخب
سأقوم بمحاولةٍ لاستنطاق الإفلاس الأخلاقي الحاصل لدى نُخب اليوم بالخصوص للكشف عن حقيقته وأبعاده بدقَّة في سياق إخباري تحليلي؛ فالحديث عن الإفلاس هنا مَربوطٌ بصنف معيَّن هو "النخب" جميعها بكلِّ أنواعها، سواء الثقافية منها أو الدينية أو الاجتماعية أو... * إنَّ معرفة مدى إفلاس النخب مِن الناحية الأخلاقيَّة، يستدعي استقراءَ الواقع الحاضر الذي أفرز مناخًا فاسدًا لا يقدر فيه على كبح جِماح الإفلاس الأخلاقي للنخبة مِن خلال فساد سلوك هذه الصنف؛ وهذا ما أطفأ بصيصَ الأمل الذي وضع فيها لأنَّها استسهلت مِن أمر التطبيع مع الفساد الأخلاقي فتكيَّفتْ معه ومع بيئته الخِصبة، لا لشيء إلَّا حفاظًا على مَصالحهم الخاصة والضيقة، وتطلُّعًا إلى تحقيق مكاسبهم الشخصية، سواء المادِّية منها أو المعنوية. * لا أريد أن أرسم صورةً قاتمة عن الوضع الرَّاهن للنخب، لكنِّي لم أجد تعبيرًا مناسبًا للإفصاح عن الحقيقة إلَّا مِن خلال اعتبار ما هو قائم إعلانًا صريحًا عن وقوع النُّخبة في الإفلاس الذي جاء نتيجة لفقدان مجموعة مِن الركائز التي تقوم عليها النخبة الفاعلة مجتمعيًّا، أي: التي لها أثر فعَّال في إحداث التَّغيير والتطورِ، ومِن أبرز هذه الدَّعائم الضائعة على سبيل التمثيل لا الحصر: • الصدق والمصداقية. • الاستقلالية والحياد. • المصارحة والمكاشَفة. • العفوية والموضوعيَّة. * لقد أفلستِ النُّخَبُ أخلاقيًّا؛ لأنَّها أصبحت مستعدَّة بسهولة للخسارة القيميَّة مقابل نيلها لِمكانة مرموقة بين المفسدين والحصول على رضاهم، ولإعادة كسب ولاء أصحاب السيادة والنفوذ؛ لأنَّهم مَن يُمكِّنهم مِن الاستمرار في الوصول لما يريدونه بمنحهم ظروفًا تتيح لهم الفرصةَ لبلوغ مَصالحهم الشخصية بسهولة، وليس مِن اللَّباقة استعمال الأساليب اللاأخلاقيَّة للهروب من مواجهة الحقيقة والتجرُّد من المسؤوليَّة بالاحتماء وراء الأعذار المختلقة؛ ممَّا يعرض الإنسانَ غير الواعي للخِداع بتصديق المواقف الرخيصة لهذا الصنف، فما يصدر منهم لا مصداقيَّة له؛ لأنَّه يكون مطابقًا لما تمَّ وضعه وَفْقَ سيناريو سبق كتابته مِن طرف مَن يتحكَّم فيهم. * وأيًّا ما كانت وضعيَّة مجتمعٍ ما فإنَّ نُخبَه تتحمَّل جزءًا من المسؤوليَّة لما تعيشه، سواء أكانوا مخلِصين في خدمته أو مقصِّرين، والقيمة الحقيقيَّة لهذه النخب بما تقدِّم لمجتمعها، وتكاد تكون اليوم إسهاماتها النَّبيلة منعدمة، بسبب وجود عَجز قِيَمي أَسهم في عرقلة ظهور النُّبل الأخلاقي عندهم، ويزداد هذا الركود القيمي نظرًا لعيشهم في حالة مِن الحذَر والذُّعر مِن عواقب كل ما يَصدر منهم. * كما يَعزو تقزيم حجم تأثير هذه الفئة إلى خضوعها تحت سَيطرة أصحاب القرار والانقياد لقراراتها الجائرة والصَّارمة، ممَّا ساعد على ظهور نوع جَديد ممَّن يصفون أنفسهم بالنُّخبة لكنَّهم في الحقيقة هم مجرَّد استرزاقيين يَعملون لصالح أجندات متخفية، فلا يقومون بأيِّ دورٍ إيجابي؛ لأنَّهم لا يحسنون إلَّا التمثيل لقدرتهم الفائقة على الخِداع بادِّعائهم لعب دور فعَّال في المجتمع وأنَّهم ممَّن يمتلكون الحقيقة المطلَقة التي لا تناقش ولا يتنازع حولها، بالإضافة إلى أنَّهم يجيدون تجميلَ الباطل، أي: استحسانه وتزيينه، وكذا تعتيم الحقائق وتزييفها بطريقةٍ احترافيَّة، وهنا تكمن خطورة صنيعهم؛ فالطَّعام السام يبقى ضارًّا وإن قُدِّم في إناء فخم. * وما لفت نظري بشدَّة حولَ النخب الموجودة حاليًّا التي لا يحقُّ وصفها بهذا الوصف غير المتحقق في الغالبية العظمى مِن أفرادها لأنَّهم يفعلون سلوكات تخالف ما هو مَطلوب مِن النخبة القيام به، فلا يَقوون على طَرْح ما في جعبتهم، بمعنى أنَّهم ممَّن لا يقدرون على إخراج كل ما تَحمل عقولهم؛ لأنَّ تفكيرهم مسيطَر عليه؛ ممَّا يكشف أنهم فاقدون للأهليَّة الفكرية التامَّة للقيام بوظائفهم، نظرًا للحَجْر الفكري الممارس عليهم، على عكس ما يَنبغي أن تكون النخب تَمتلكه مِن جسارة في طَرْح الآراء الشخصيَّة وامتلاك للقدرة على استعراضها بكلِّ حرية. * ومِن المعلوم أنَّ النخب انساقت بسرعة خلف أهوائها ممَّا جعل تحليلاتها ومواقفها وتصرُّفاتها خارجة عن سياقها الأخلاقي؛ بل الأخطر من ذلك أنَّها باتت تحمل بضاعةً فاسِدة فتحوَّلتْ إلى معول للهَدم بضياع دورها الأخلاقي المنوط بها للنُّهوض بالوعي الجمعي. * ورغم حدوث الإفلاس في صُفوف النخب فإنَّها ما زالت تَزداد في تمسُّكها بالفساد مِن خلال التعايش معه بشكل صحِّي كأنَّه أمر طبيعي، والأخطر مِن ذلك حين يتم تَسخير هذه النخبة باعتبارها أداة لسَحق الوعي المجتمعي بقوَّة، ولا يقفون هنا؛ بل يتَّجهون نحو ممارسة البغاء الفِكري بتبرير ما يصدر منهم مِن عهر فكري يسهل الكشف عنه، فهاجس الاسترزاق هو الدَّافع الرئيس في إفلاس النُّخب، لسيطرة الانتهازيَّة على توجُّهاتهم وسلوكياتهم. * وهذا يعني أنَّ النخبة الفعَّالة لا يمكن لها أن تقَع في خرق أخلاقي ثمَّ تبدأ في استحسانه بسعيها مثلًا لإخفاء الحقائق الواضحة والتستُّر عليها وحجبها، واعتبار ذلك نوعًا مِن الخوف مِن الأثر الذي يمكن أن تُحدثه؛ فالحقيقة بالِغة رغمًا عن أية مُحاولة لإعدامها بتعتيمها وتشويهها. * ولا بدَّ مِن لَفت الانتباه إلى أنَّ الخسائر المادِّية تهُون أمام نيل أي انتصار قِيَمي؛ فلا يمكن للنُّخب النَّبيلة أن تقبل بأيَّة وصاية تفرض عليها؛ لأنَّها متمسكة بحبل مَتين؛ ألَا وهو ميثاق القيم الإنسانيَّة الغليظ؛ فالذي يتشبَّث بمبادئه النَّبيلة لا يُساوم وإن فعل في حقِّه أي شيء. * وأحرص هنا على التنبيه إلى أنَّ هذا الإفلاس ليس وليد اللَّحظة؛ بل هو نتاج تَراكمي، وحصوله على صعيد النُّخبة ناجِم عن طغيان الفَساد الذي أصبح ينخر فيها نخرًا؛ ممَّا جعلها تهوي في مستنقع الإفلاس، ورأيي هذا لا يَخرج عن كونه مجرَّد إخبار وتحليل لا أكثر، فواقع حال النُّخب اليوم يغني عن أيِّ تقويم وإحصاء كيفما كانا؛ لأنَّ الواقع أبلغُ حالًا، لكن يبقى الأمل قائمًا في تجاوز هذا الإفلاس ولو بشكل جزئي نظرًا للآثار البالغة التي يتركها هذا النَّوع مِن الإفلاس، كما أنَّ تكلفة تجاوز هذا الإفلاس الأخلاقي عالية جدًّا، فعمليَّة استعادة القيم المنهوبة والضمائر المسلوبة تَستدعي أليات متطورة لنجاحها. * ولا يمكن القَضاء على هذا الإفلاس الأخلاقي للنُّخب ولو تدريجيًّا بعيدًا عن صياغة قواعد أخلاقيَّة بديلة قائمة على احترام القِيَم المركزيَّة التي توجِّه السلوك، وكذا تنفيذ قوانين صارِمة وملزمة بعيدًا عن أيِّ اختلال واختراق غير مُحاسب عليه؛ لأنَّها مِن الآليات الفعَّالة في حلِّ هذه المشكلة العَويصة ليقطع بها الطريقَ أمام أصحاب النُّفوذ والسلطة لكيلا يتمكَّنوا مِن الالتفاف على النخب لخدمة مَصالحهم الشخصيَّة وليتجاوز الاحتكار والحجر الممارس على هذا الصنف المغلوب عليه، دون إغفال تدمير كل ما تمَّ بناؤه من شبكات الفساد التي تَحمي مصالحهم الانتهازيَّة والتصدِّي لجميع مَظاهر الفساد المتفشية بينهم، ومِن قبيل ذلك فَسخ عقد الزَّواج غير الشَّرعي بين الثَّروة والسلطة الذي لم تراعَ فيه الضَّوابط الأخلاقيَّة لحصول ذلك الزواج بطريقة سليمة، وإذا تحقَّق ما ذكرتُ سنكون قد قطعنا خطوة إيجابيَّة وكبيرة نحو التخلُّص مِن هذا النوع مِن الإفلاس الأخلاقي الحاصِل عند النُّخب، وسيتيح لنا ذلك حينها رفع ما أعلنت عنه هنا وإلغاءه. أمين أمكاح
__________________
|
العلامات المرجعية |
|
|