اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > حي على الفلاح

حي على الفلاح موضوعات وحوارات ومقالات إسلامية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11-06-2017, 09:22 AM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,687
معدل تقييم المستوى: 28
abomokhtar is just really nice
Impp الحرية بين الإسلام والإلحاد


لم يعرف مفهومٌ في عالم الفكر والفلسفة، اختلافاً شديداً، وتطاحنا فكريّاً عتيداً؛ مثلما عرفه مفهوم الحريّة، ليس في تعريفه وفهمه، بل في رسم حدوده، وإبراز قيمه، حتى اختلف باختلاف المذاهب الفكرية والأديان، بل من داخل الفكر الواحد والدين الواحد!

وأدى هذا الاختلاف إلى عدة صدامات وصراعاتٍ، فكريّةٍ تارةً، وعسكريّةٍ تارةً أخرى، فكانَ أن خرّجَ الغرب ميثاقاً للأمم المتحدة صاغته الدول المنتصرة في الحرب العالميّة الثانية، وجعلته منهجاً تفرضه بكلّ الوسائل على الشعوب الأخرى والثقافات المختلفة، ضاربين عرض الحائطِ كلّ ما يخالفه في جزءه أو في كلّه من أديان البشر ومذاهبهم ! يقول السياسي والحقوقي الفرنسي ستيفان هوسيل الذي كان دعامة أساسية في الأمم المتحدة : " الإعلان العالمي كان في أول أمره إعلانا صاغته الدول المنتصرة في الحرب وإن لفظ العالمي خضع لنقاشات قوية" -1 - فأوقع ذلك العالم في حيرةٍ إيديولوحيّةٍ، وأزمة ثقافيّةٍ منقطعة النّظير، خلقت أزمةً في الحكم بين ما يفرضه الغرب من خلال مؤسسّاته، وبين ما يعتقده الشّعب من معتقداتٍ وقيَمٍ، فكان أن خرجت في عديدٍ من البلدان قوانينُ متناقضةٌ بعضها مع بعضٍ، لتناقضِ الأصل والمفاهيمٍ بينها كما الروافد المأخوذة عنها ! فلم تحقق تلك المناهج ذلك التناغم المقصود بينها، بل صنعت لنا نوعاً من العصيان الشعبيّ، والثورات حتى وصلت إلى حروب أهليّةٍ متطاحنةً، وخرجت فرقٌ مغاليةٌ في عددٍ من البلدان عصفت بالسّلم الاجتماعيّ والاقتصادي والستاتيكا السياسيّة ! وقد تنبه المفكر الفرنسي جيل لوبرتان لذلك وقال :" الإعلان العالمي لحقوق الإنسان صيغ على أساس ليبرالي وأصبح أداة سياسية تستعمل لمكافحة إيديولوجية للمد الماركسي .. إن حلم كونية حقوق الإنسان كسره واقع التعدد الثقافي .. إن على الإعلان العالمي أن يعترف بالتنوع الحضاري والثقافي للشعوب عوض أن يفرض كونية غامضة عليهم .. وأن يؤسس مشروعه في بناء نظام عالمي إنساني على موافقة الدول عن طيب خاطر لا أن يفرضه عليهم فرضا ."

الحرية في الإسلام :
إن الحرية في الإسلام نستطيع تعريفها بشكل شاملٍ متناغمٍ كالآتي : هي قدرة الفرد على ممارسة كافة نشاطاته في إطار الحلال، سواء في التفكير أو الاعتقاد أو السلوك.

فيكون التوحيد في نظر الإسلام حريّة والكفر عبوديّة، فكل من يعبد غير الله تعالى هو أسير الطاغوت . فيستطيع الإنسان المسلم أن يلبس ما يشاء، ويفعل ما يشاء، ويأكل ما يشاء ويسافر كيف شاء، ويمارس أعماله وهواياته كما يشاء، كل ذلك في إطار معيّن لا يخالف مقتضيات الشريعة الإسلامية .

بل الإسلام راعى الاختلاف بين الذكر والأنثى وجعل لكلّ منهما حرياتٍ معيّنةٍ، فأباح للرجل أن يعدد الزوجات مثلا، كما أباح للزوجة بأن لا يشترط عليها الزوج العمل بل هو يتحمل النفقة ... وهكذا دواليك .

وطبعا الحريّة في الإسلام ليست على عواهنها بل رسم لها حدوداً صريحة واسعةً، كل ذلك في إطار منهج كاملٍ كبيرٍ متناغمٍ . فالإنسان مسؤول كامل الاختيار، ومن هنا لم يفرض الشارع عقوباتٍ على كثير من المحرمّات، كالكذب، والغيبة، والنميمة وأشباهها إنما أجل عقوبتها للآخرة. فالحريّة أولى الأولويّات التي لا تستقيم بدونها الحياة، وهي ضرورةٌ اجتماعيّةٌ كبرى.

وهكذا جاء الإسلام بعدم فرض المعتقد على الكفّار أصالةً حتى في حالة انهزامهم في الحروب، {لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم } ( البقرة : 256 ) . بل يخيّر بين الجزية للمستطيع والإسلام، وجعل الفقهاء طريقاً ثالثاً هي السماح للكافر إن أصرّ بمغادرة البلاد الإسلاميّة، فالله تعالى لا يقبل معتقداً قائماً على الإكراه، وبنظرة لأحداث التاريخ تنجلي لك أفضل العبر والصور .

أما في الإلحاد :

فالحرية عندهم ليست محدودةً بحدٍّ ولا بقيدٍ، خاصّة عند أصحاب الإلحاد العدميّ -2- ، فالقوانين الغربيّة عندهم مجرد نصوصٍ غير مقدّسةٍ تحدّ من حريّاتهم وممارساتهم، فيدعون إلى حريّة ممارسة الزنا وهدم مؤسسة الزواج، بل وتقرير الخيانة الزوجيّة برضا الزوجين، وتشارك الزوجات، والحق في الإجهاض، والعري الكامل الشامل وغيره ...

أما الإلحاد الروحي، فمدرسته قائمةٌ على تبنّي القوانين الليبراليّة لكي لا يقعوا في مأزق أن الإنسان لا يستطيع العيش بدون أخلاقٍ وقوانين تحكمه وتنظّمه.

وكلا المدرستين يتوسّعان في رسم الحدود للحريّة .. لأنّه عقلا الكثير من الحريّة تؤدي إلى الفوضى والظلم، وسوسيولوجيّاً الإنسان في ميكانيزماته النّفسية مجموعةٌ من الأحاسيس والآراء، فلا يستطيع أن يقبل أن يرى النّاس مثلا عورته أو زوجته خارجةً دون لباسٍ، أو يسمح لنفسه ب***ِ خصمائه مثلا في العمل لأنهم لو بقوا على قيد الحياة قد ينالوا مناصب يرى نفسه مستحقّاً لها .

والإلحاد العدميّ لم يستطع الجواب عن معضلة الحريّة في ال***، لأن هذه المدرسة لا تؤمن بخيرٍ أو شر فكل الأفعال عندها سواءٌ وهنا التناقض الصارخ بين الفكر وتطبيقه في حياة البشر .

والتاريخ شاهدٌ أن نسبة المجازر التي قامت بها دول حكمت بالإلحاد لمدة سبعين سنة، أتى حصادها بالملايين مما لم يكن حتى في حال الحرب بين الأديان !!

لا يمكنك أيها الملحد، أن تنكر إن خبرتَ النفس الإنسانيّة، وجود الخير والشر في هذا العالم، لأن مقتضى هذين المفهومين يلزم البشر بوضع قوانين على ضوئه لمحاربة المفسدين والأشرار في كافّة المجتمعات، وهم موجودون بيننا يتنفّسون هواءنا، وإن صدق الطرح الإلحادي لما وجدنا في العالم مساجين، ولكانت الأحباس خاويةٌ على عروشها ولما لجأ المجتمع لتشييدها ! فالفرق فقط في أن الغرب يجتهد من خلال قيمه المتضاربة وأديانه المتعددة لوضع قوانين ، والإسلام تكفّل الله خالق الكون بسنّ شريعته.

ومن هنا يجب على المخالف أن يقرأ بتمعّن فلسفة الإسلام في الحياة والتنظيمات المجتمعيّة، وفي مفهوم الحريّة لديه وممارساتها وحدودها، حتى يتبيّن له أن ليس من وضع بشر، لشدة الإحكام والعلم فيه.

وسوف نرى في لاحق الأيّام نقضاً موسّعا لكل مزاعم الإلحاد واعتراضاته حول الدين في هذا المسلك : { ليهــلك من* هلك عن بينة* ويحيى من* حي عن بينة } ( الأنفال :42 )

هوامش المقال

-1- - كتاب مواطنون بلاحدود / نقلا عن مقال حقوق الإنسان هل هي عالمية ؟ - جريدة الملاحظ الجديد الفرنسية 2008 م .
-2- عن منشور نقد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بالفرنسية ومنتشر على الشبكة العنكبوتية.
-2- Atheisme nihiliste هو مذهب إلحادي قائمٌ على العدميّة والفوضويّة .


أبو عبد الرحمن الإدريسي
__________________
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 10:48 PM.