أعراض الدروس الخصوصية

[medo1960]

أعراض الدروس الخصوصية

هذه المقالة هي إجابة السؤال الثاني من الأسئلة التي طرحتها في بداية حديثي عن مساوئ نظام التعليم في مصر ، وإنني أقصد بأعراض الدروس الخصوصية ، آثارها التي تركتها على هذا النظام حتى أصبح ( لا يسر عدو ولا حبيب ) كما يقولون
نعم لقد ظلمت الدولة وهذا النظام الفاسد المعلمين ولكن كان رد المعلمين أفظع وأكبر، إذ ضربوا الدولة بكل وحشية فدمروا أعز ماتملك هذه الدولة وهو نظام التعليم بها ، دمروه بإطلاق هذا الوحش الكاسر أو هذا ( الفيروس ) الذي أتكلم عنه وهو الدروس الخصوصية التي قضت نهائيا على هذا النظام الذي كان يوما ما مفخرة والذي تخرج من عباءته طه حسين والعقاد والمنفلوطي وأحمد زويل وفاروق الباز وزاهي حواس والكثير الكثير الذي لايتسع المجال لذكرهم الآن ، فلم يعد يتبقى من ذلك النظام غير مباني متهالكة خالية تماما من الطلبة التي أنشأت من أجلهم تنتظر الإنهيار أو الإحتراق كما احترق مجلسي الشعب والشورى
لقد وعدت بأن أتحدث بكل أمانة وصدق وكل موضوعية حتى نشخص بدقة الأمراض التي يعاني منها هذا النظام وإننى أكاد أجزم وأقسم على ذلك بأن المرض الأول ويكاد يكون الوحيد الذي أدى الى انهيار كل أركان التعليم في مصر هو هذا ( الفيروس ) الذي أتكلم عنه وهو الدروس الخصوصية وتعالوا معي نبين بوضوح وبكل شفافية آثار هذا الفيروس :
1- مدارسنا أصبحت خاوية من طلابها الذين يذهبون إليها فقط خوفا من نسبة الغياب والفصل من المدرسة ، حتى هذه أي نسبة الغياب أصبحت غير مؤثرة إلا على الورق ، فأصبح الطلاب يدبرون أمورهم جيدا من هذه الناحية بإحدى الطرق الآتية :
أولا : إدارات مدارس لاضمير لها ولاتسجل غياب الطلبة أصلا في سجلاتها ، للأسف أحيانا كثيرة بمعرفة ومباركة إدارات التعليم التابعين لها ، لكي تمشي الأمور على طريقة ( كله تمام ياريس ) حتى أن بعض الموجهين يذهب مرة ومرتين وثلاثة للمدرسة لكي يجد بعض الطلاب ليثبت زيارته ، وأخيرا ييأس ويكتب تقريره قائلا بأن كله تمام ومستوى الطلاب جيد أو فوق المتوسط كى ( لايقع في الخية ) أى المحظور، وهو أصلا لم يرى طالبا في المدرسة ومما يثير السخرية أكثر وأكثر وهذه والله سمعتها بأذني في احدى القري ينادون على طلاب احدى المدارس الثانوية بمكبرات الصوت بأن ضروري يحضروا المدرسة غدا لأن لجنة من الوزارة ستزور المدرسة ،،، مارأيكم ؟
ثانيا : بعض الطلاب يقوم برشوة الموظفين الإداريين الذين يقومون بتسجيل الغياب ، أي من يدفع لايسجل في الغياب ومن لايدفع يسجل فأصبح الطلبة يدفعون لهذا الموظف كما يدفع المدرسون ( أباطرة الدروس الخصوصية ) لمديري المدارس كي لايضيقوا عليهم ويتركوهم يخرجوا من المدرسة ليعطوا الدروس الخصوصية في وقت المدرسة وهذا بدوره يبين أن الطلاب غير متواجدين بالمدرسة كما يظهر إنعدام الضمير لدى ذلك المدرس وكذلك مدير المدرسة ، وأتحدى أن كل المسئولين عن التعليم يعلمون ذلك جيدا ويسكتون ويضعون رؤوسهم في الرمال إما لنيل رضا أباطرة الدروس الخصوصية والحصول منهم على مافيه النصيب أو لمصالح شخصية وكيف لا وأحيانا يلجأ أباطرة الدروس الخصوصية لكبار المسئولين لكي يخلصوهم من ذلك المدير ( الذي بقي لديه ذرة من الضمير ) الذي يحاربهم في لقمة عيشهم ويمنعهم من مغادرة المدرسة في وقت الدوام ، وللأسف يستجيب هؤلاء لرغبة الأباطرة ويضغطوا على المدير وإذا رفض يتعرض منهم لأشد العقوبة
ج- معظم أباطرة الدروس الخصوصية يستخدم سلطاته وخدماته في المدرسة لمنع تسجيل الطلاب ( اللي بيأخدوا عنده درس ) في سجلات الغياب ،
د- بعض الطلاب ( اللي مش عاوز يوجع دماغه ) مع المدير أو مع الموظف ، يتعامل بشكل قانوني شوية ( حسب قانون ***ونيا الذي يحكمنا ) يسكت تماما على فصله من المدرسة ثم يقوم بإعادة قيده قبيل الإمتحان بطريقة أو بأخرى
هكذا أصبح الشئ الوحيد الذي كان عبارة عن وسيلة ضغط على الطلبة للحضور ، أصبح في ( خبر كان ) مثلما هان كل شئ في هذا الزمن العجيب ، ومع هذا يخرج علينا ذلك المسئول بكل بجاحة ويرفض يأجيل الدراسة ( لبعد العيد ) أي أسبوع، بحجة أن الدراسة لاينبغي أن تقل عن ( كام ) ساعة ، لمن تقول ذلك أيها السفيه ، هو أصلا فيه دراسة ؟
2- المصادمات والمشاكل التي تحدث بين بعض الطلاب وأولياء أمورهم من ناحية والمدرسين من ناحية أخرى وهذه ماأكثرها ، لقد ضاقت بها الصحف وصفحات الحوادث وقنوات التلفاز
وهي نتيجة مباشرة للدروس الخصوصية ، فالطالب لايحترم مدرس الفصل مطلقا لأنه لايحتاج إليه أصلا فهو يعتمد اعتماد كلي على مدرس الدروس الخصوصية ومما يثير السخرية هنا أيضا أن بعض أباطرة الدروس الخصوصية يدفعون طلابهم للتحرش بمدرس الفصل ويشجعونهم على ذلك ، هذا والله يحدث حتى أن أحد أولئك الأباطرة يهدد زميلا له بأن ( يحترم نفسه ) وإلا سيتسبب في نقله من المدرسة أو حتى ضربه ( ليس بيده ) على بوابة المدرسة ، وإذا فكرنا مليا في هذا الموضوع ، لماذا يحترم الطالب مدرسته أو مدرسيه ؟ إنه لم يعد يجد أي داعيا لذلك غير أخلاقه التي تربي عليها في بيته ، فما بالك بالطلاب قليلي التربية انهم لو استطاعوا أن يدوسوا على كرامة المدرس فلن يترددوا ، لا لشئ إلا ( لشفاء غليلهم ) إن صح التعبير وإذا حدث وذهب الطالب وهو الجاني مع المدرس وهو المجني عليه ، الى الشرطة أو حتى ادارة التعليم لأدين المدرس على الفور وبدون تحقيق قائلين للمسكين أنك أنت الذي أثرت الطالب ، هكذا حفظ الجميع هذه العبارة السخيفة ، لقد أعجبني موقف رائع من أمير أحدي المناطق بالسعودية عندما كنت أعمل هناك حيث ذهب أحد أولياء الأمور مع ابنه الطالب لكي يشتكي أحد المدرسين فنهرهما ذلك الأمير المثقف الذي يخاف على مصلحة بلده قائلا للرجل اذا أردت أن تشتكي المدرس عليك أن تذهب الى ادارة التعليم لأنها مرجعية المدرسة وليست الشرطة أو الإمارة وطبعا بعد ماأخذ ( الدش المضبوط ) أخذ ابنه وجاء به الى المدرسة ليعتذر للمدرس هو وابنه ، أتدرون ياسادة ماذا يحدث في مثل هذه الحالات في مصر ؟ تأتي الشرطة فورا وتضع ( الكلبشات) في أيدى المدرس داخل المدرسة وتأخذه الى قسم الشرطة قبل إجراء أي تحقيق ،،، عجبا هل يستطيع ذلك المدرس أن يدرس مرة ثانية في تلك المدرسة ؟
3- في النهاية نجد أن المدارس لم يعد لها أي فائدة سوى للأعمال الإدارية والحبر والورق ، فلم كل هذه المصاريف ، تكلفة مباني وأساسات وكتبب وأجور معلمين وموظفين ومعامل الخ الخ ؟ لماذا ، لماذا أيها المسئولون النائمون أو الواضعون رؤوسكم في التراب كي لاترون الحقيقة ،
4- هموم كثيرة تسيطر على معظم العائلات المصرية خاصة الطبقة المتوسطة والفقيرة وهي تمثل 95% من المجتمع المصري ، هموم كيفية توفير المبالغ المطلوبة للدروس الخصوصية لأبنائهم وبناتهم ، فكروا اخواني في أسرة بها اثنين أو ثلاثة من الطلاب في المرحلتين الإعدادية والثانوية وهذا هو الموجود بالفعل لدى معظم الأسر ، كم يلزمهم من مبالغ للغرض الذي ذكرته ؟
وماهي نسبة هذه المبالغ من اجمالي دخل الأسرة ؟ وما الذي يحدث اذا وجدت أن المطلوب أكبر بكثير من الدخل ؟ اما أن تتخلى الأسرة عن تعليم هؤلاء الأبناء أو ينحرف عائل الأسرة فيمد يده أو يسرق ، وفي كل الأحوال سيزداد نصيب المجتمع من اللصوص والفاسدين ، هل التعليم مازال مجانيا كالماء والهواء كما يقول المسئولون الكرام ، أقصد النائمون في العسل ؟
عفوا أيها السادة فقد أخذت العهد على نفسي بأن أتكلم عن كل شئ بمنتهى الصراحة وأفضح كل العيوب مالنا وما علينا دون إخفاء أية حقائق حتى نتمكن من العلاج الصحيح ، فعلاج المرض يكون في منتهى السهولة إذا تم تشخيصه بطريقة صحيحة ، ولنكن صادقين مع أنفسنا جميعا ، وللحديث بقية إن شاء الله

محمود حسنين علي سعد

مدرس أول لغة انجليزية

معهد فتيات ميت النحال ع/ث

منطقة الدقهلية