|
قضايا سياسية وأخبار مصرية وعربية وعالمية منتدى يختص بعرض كافة الأخبار السياسية والإقتصادية والرياضية في جميع أنحاء العالم |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
كيف سيهبط الدولار إلى ١٠ جنيهات
كيف سيهبط الدولار إلى ١٠ جنيهات؟ الباحث الاقتصادي محمد سلطان كتب سلسلة مقالات متميزة على موقع مدى مصر عن أسلوب إدارة البنك المركزي لأزمة الدولار، ومن وجهة نظره كان أمام البنك طرق أخرى لمنع انهيار الجنيه. ده شرح مختصر للمقال الرابع منها عن الحل وخلاصته: - مؤسسات دولية زي رينيسانس كابيتال قالت ان القيمة العادلة للدولار هي ١٠.٥ جنيه، ده السعر اللي مفترض يكون موجود في البنوك دلوقتي، لكن باقي السعر الحالي مرتبط بآليات عرض وطلب أهم مشاكلها ان البنوك لا توفر الدولار للمستوردين فيلجأوا للسوق السوداء، مما يعزز المضاربة. - مشكلة رئيسية بالمضاربة ان أغلب حائزي الدولار من الأفراد اللي بيطلق عليهم "تجار الضوضاء" بيتوقعوا باستمرار المزيد من الارتفاع، فيحتفظون بالدولار أو يحولوا سوق سودة، وبالتالي انخفضت جدا تحويلات المصريين في الخارج، أو تنازلات قطاعات السياحة والتصدير. - من غير المنطقي الانسحاب الكامل للبنك المركزي عن وظيفته كـ "مُحكم" يتدخل لضبط السعر، لأن السوق المصري لا يوجد فيه مُحكمين آخرين زي دول تانية، عشان كده اللي حصل هوا ان البنوك اللي أصبحت تعتمد على "تجار الضوضاء" كمصدر وحيد للدولار رفعت السعر لنفس مستوى السوق السوداء. - من غير المنطقي توقع انخفاض تلقائي ضخم للاستيراد لأن أغلب ما نستورده مُدخلات انتاج، أو مواد أساسية كالحبوب والبترول، أو سلع ليس لها بدائل، وعشان كده خلال ٢٠ سنة ماضيه محصلش أبدا ان انخفض الاستيراد بأكتر من ١٠ % عن سنة سابقة مهما انهار الجنيه. - العناصر السابقة دي معاً ممكن تؤدي لارتفاع بلا نهاية للسعر ومفيش شيء يرجعه للقيمة العادلة، وتوقعات البنك المركزي وصندوق النقد الدولي بانخفاض تلقائي دون أي تدخل من البنك المركزي لا تستند إلا على نماذج نظرية. إيه الحل؟؟ - عندنا بالفعل تجربة ناجحة عملها رئيس البنك المركزي فاروق العقدة في ٢٠٠٥، لما استغل وجه تاني في ظاهرة "تجار الضوضاء" بخلق توقع بانخفاض مستمر في الدولار، مما يدفعهم للتنازل داخل البنوك خوفاً من الانخفاض. - ده مبيحصلش بشائعات زي اللي حاولت بعض وسائل الاعلام تعملها، ولا بيحصل بقرارات عنترية زي قرار عامر في ١١ نوفمبر ٢٠١٥ برفع سعر الجنيه ٢٠ قرش دون ضخ دولارات للمستوردين! لكن اللي حصل في ٢٠٠٥ ان فاروق العقدة ثبت لفترة طويلة سياسة توفير البنك المركزي للدولار للحجم الرئيسي من طلبات الاستيراد، بالاضافة لطلبات الافراد للدولار لأغراض السفر والدراسة والسياحة، مع خفض سعر الدولار من ٦.٣٠ في البنوك و٦.٩٠ سوق سوداء إلى ٥.٧٠. الأسلوب ده رغم انه في البداية ادى لانخفاض كبير في الاحتياطي النقدي، اللي كان منخفض أصلاً لما بدأ (١٧ مليار دولار فقط) لكنه أدى على المدى الأطول إلى تدفق كامل للدولارات من الأفراد للبنوك بعد ما اختفت الحاجة للسوق السوداء، مما عوض النقص اللي حدث في البداية، وده سبب تضاعف الانتربنك الدولاري من ١١.٩ مليار دولار في ٢٠٠٤ إلى ١٠٥ مليار دولار في ٢٠٠٨. الدخل الدولاري متضاعفش ١٠ مرات في 4 سنين، لكن مستوى تنازل الافراد والجهات هوا اللي تضاعف. - حالياً مصر بالفعل تستقبل تدفقات دولارية ضخمة قيمتها ١٨ مليار دولار (١٢ مليار من صندوق النقد - رغم انه يطلب عدم استخدامها لدعم العملة - بالاضافة لـ ٦ مليارات قروض اضافية)، وده رقم كافي لتمويل تبني نفس السياسة بشكل مستمر لمدة ٦ أشهر، ودي فترة طويلة كافية لإعادة دورة دخول الدولار من "تجار الضوضاء" للبنوك خوفاً من المزيد من الانخفاض بما يعوض النقص. كان من المفترض ان يتم دمج هذه المقالات فى هذا الموضوع المهم عن تعويم الجنية لكن نظرا لأهمية هذه المقالات الاربعة وخطورتها سيتم عمل موضوع خاص له ربما يستمع اليها من له حيلة فى هذا البلد وهذه هى المقالات الاربعة بالترتيب تابعونا
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
المقال الاول
كيف سيهبط الدولار إلى 10 جنيهات: عن بطولتي عامر الأولى والأخيرة محمد سلطان ٨ نوفمبر ٢٠١٦
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
المقال الاول
كيف سيهبط الدولار إلى 10 جنيهات: عن بطولتي عامر الأولى والأخيرة محمد سلطان ٨ نوفمبر ٢٠١٦ لأبطال أفلام الأكشن – هؤلاء الذين يملكون قدرات قتالية استثنائية – طلة متشابهة أو سلوك موحد في اللحظات التي تسبق دخولهم أول معركة في الفيلم. قبل أن يحرر هذا البطل قدراته القتالية الاستثنائية التي تعلم أنه يمتلكها، قبل أن يحرر هذه القدرات لأول مرة أمام عينيك في معركة جدية، جرت العادة أن يبدو هادئًا، الأقل صخبًا والأقل اندفاعًا نحو المعركة، وذلك إلى أن تبدأ المعركة، ويتغير هذا كله. المشهد الأكثر تقليدية لراعي البقر – ممن يمتلكون سرعة استثنائية في إطلاق النار – عندما يدخل حانة في بلدة غريبة لمواجهة «أعداء» لا يعرفهم، ولا يعرف إلا أنهم موجودون في هذه الحانة، يمشي بثقة عابرًا من مؤخرة الحانة وصولًا إلى البار في مقدمتها، أثناء عبوره يغمره رواد الحانة المحليون بنظرات متفحصة وعدائية، يقابل هذه النظرات العدائية بنظرات ثابتة، هادئة وغير مبالية. هدوءه مستفز أو مغر للأشرار المندفعين، تتحول النظرات العدائية تجاهه إلى كلمات عدائية ثم أفعال عدائية، ورغم هذا الصخب والأجواء المشحونة من حوله، يبدو هادئًا وقادرًا على تجاوز هذه الاستفزازات. يبدو الأقل صخبًا واندفاعًا في المشهد إلى أن تتصاعد الاستفزازات والصخب للحد الذي لا يمكن تجاوزه فتبدأ «بوم بوم بوم طاخ»، ويقضي على أكبر عدد من الصاخبين بسرعة خاطفة. هذه الطلة المعتادة لأصحاب القدرات الاستثنائية لا تشبه أبدًا الطلة التي دخل بها طارق عامر علينا كمحافظ جديد للبنك المركزي. رغم أن وسائل الإعلام قدمته باعتباره البطل ذا القدرات الاستثنائية الذي جاء ليسحق السوق السوداء ويستعيد مجد الجنيه / الدولار، رغم كل هذه الأجواء البطولية، لم يحاكِ عامر هذه الطلة للأبطال الخارقين عندما طل علينا لأول مرة. وإنما طل بأكثر الطرق صخبًا، كأن راعي البقر في المشهد السابق دخل الحانة صاعقًا بابها بقدمه بطريقة مدوية، ومطلقًا الأعيرة النارية يمينًا ويسارًا، صارخًا في وجهنا جميعا «لقد جئت».. ثم ، وبعد طلته الصاخبة هذه، حدث ما تعرفه أنت جيدًا، واصل الجنيه انهياره بقوة أعنف مما كان قبل مجيئه. أفترض أن قرار تعويم الجنيه هو طلة أخرى صاخبة لعامر، وعلى الأرجح هي طلته الأخيرة كمحافظ للبنك المركزي. لا أستدعي هنا الطلة الأولى الهزلية لعامر لأغراض الشماتة أو لإظهار أن التعويم الحالي قد يكون إحدى طلاته الصاخبة التي لا تفضي إلى شيء غير هزيمة مضحكة، وهي على الأرجح – وللأسف – ستكون كذلك. وإنما أستدعي الظهور الأول لعامر لهدف آخر. فما بين طلتي عامر الصاخبتين كثير من المعاني والمفارقات التي قد تجيب عن أسئلة مثل «لماذا يستطيع المضاربون هزيمة المركزي المصري دائمًا؟» و«هل تستطيع السوق الحرة أو التعويم هزيمة المضاربين؟» و«هل من طريق للرجوع؟» ولكن قبل الدخول في تفاصيل الطلتين يجب التنويه أن ما أقصده عندما أقول «عامر» هو السياسات التي يمثلها، السياسات التي بدأت قبل مجيئه مشعلة فتيل الأزمة الحالية في 2012، والتي قد تستمر بعد رحيله، السياسات التي طبقها محمود أبو العينين في 2001 و2003، وفشلت في احتواء نقص الدولار في البنوك وانهيار قيمة الجنيه في السوق الموازية، هذه السياسات لم يبتدعها عامر ولم يكن أول من طبقها في مصر، وأعتقد أنه حتى لم يختر تبنيها حاليًا، وإنما هو فقط ينفذها ويدافع عنها إعلاميًا كلما اتضح فشلها للرأي العام. الطلة الأولى يتبع
__________________
آخر تعديل بواسطة محمد محمود بدر ، 09-12-2016 الساعة 02:22 PM |
#4
|
||||
|
||||
تابع
الطلة الأولى في 21 أكتوبر 2015 كلف الرئيس عبد الفتاح السيسي طارق عامر بالعمل محافظًا للمركزي المصري، على أن يبدأ مهام عمله اعتبارًا من 27 نوفمبر 2015 بعد انتهاء مدة رئاسة هشام رامز رسميًا. ولكن عامر الصاخب والمندفع منذ البداية – ليس كعادة أبطال أفلام الأكشن – لم يطق الانتظار إلى 27 نوفمبر حتى يتولى المركزي رسميًا. فقبلها بأسبوعين فقط قرر تطبيق أول قراراته، القرار الذي لا يمكن تأجيله من 11 نوفمبر إلى 27 نوفمبر لأنه سيحدد مصير العملة المصرية وسيسحق السوق السوداء، وبسبب إصراره على تطبيق هذا القرار حتى قبل توليه رسميًا انسحب هشام رامز من إدارة المركزي، رغم أنه لم يتبق في مدة ولايته سوى 16 يومًا، ولكنه قرر الانسحاب نتيجة تطبيق هذا القرار الخطير، وكلف شخصًا لا أذكر اسمه بالقيام بمهام محافظ المركزي لحين مجيء عامر رسميًا. القرار الذي أحدث كل هذه الضجة في إدارة المركزي وفي الإعلام كان رفع سعر الجنيه مقابل الدولار بواقع 20 قرشًا، ليصبح سعر الدولار 7.83 بدلًا من 8.03 جنيهًا. قرر عامر أن يفاجئ المضاربين والسوق السوداء بقرار استثنائي، فهم معتادون على خفض الجنيه مقابل الدولار، لذلك قرر أن يفاجئهم بأول قراراته ويرفع الجنيه مقابل الدولار. ثم.. لم يحدث شيء. لم يرتعب المضاربون، لم نشهد انهيارًا في أسعار الدولار في السوق الموازية. وما حدث بعدها لأسعار الدولار في السوق الرسمية والموازية أنت تعرفه جيدًا. قرار عامر هذا يشبه كثيرًا قرار فاروق العقدة في 2005، القرار الذي أنهى – مع مجموعة قرارات مساعدة – حقبة تعويم العملة في مصر التي امتدت من 2003 إلى 2005، ولم يستطع هذا التعويم وقتها القضاء على المضاربين ولا إيقاف تدهور سعر الصرف. طبّق العقدة سلسلة متتالية من قرارات رفع الجنيه مقابل الدولار، وكان لهذه التخفيضات في قيمة الدولار أو للرفع في قيمة الجنيه تأثيرٌ مختلفٌ تمامًا عن تخفيض عامر الذي بدأ به ولايته. لماذا نجح هذا الإجراء مع العقدة وفشل مع عامر بهذه الصورة الهزلية؟ لماذا لم يحاول عامر إعادة تطبيق هذا الإجراء مرة ثانية أو ثالثة؟ ما معنى هذا الإجراء أصلًا أو لماذا هو مهم؟ ولماذا هذا الإجراء هو المرشح الوحيد – من وجهة نظري – لإنهاء أزمة العملة الحالية كما أنهاها في 2005 ؟ أعتقد أن أجزاء كثيرة من إجابات هذه الأسئلة موجودة في قصة متكررة في سوق الصرف المصرية، عن كيفية انتصار المضاربين على المركزي المصري. كيف يهزم المضاربون البنك المركزي المصري؟ يتبع
__________________
|
#5
|
||||
|
||||
تابع كيف يهزم المضاربون البنك المركزي المصري؟ المضاربون من أكثر الفاعلين الاقتصاديين امتلاكًا للأسماء والأوصاف. تحب السلطات السياسية مثلًا أن تنعتهم بأسماء وأوصاف عدائية ترتبط بالجشع وعدم الوطنية، والغباء أحيانًا. ورغم العدد الهائل من التوصيفات والأسماء التي يكتسبها المضاربون في معاركهم مع السلطات السياسية والإدارات الاقتصادية، إلا أن جزءًا كبيرًا من هويتهم يبقى غير معروف في هذه المعارك. متى ينشط المضاربون؟ لماذا ينشطون؟ لماذا يظهرون في أوقات بعينها ويختفون في أوقات أخرى؟ كيف تمكن هزيمتهم؟ هل يمكن حذفهم من الأسواق بإجراءات أمنية أو تشريعية مثل إغلاق مكاتب الصرافة؟ أم أن السوق الحرة هي الوحيدة القادرة على هزيمتهم؟ يبقى سؤال «من هم المضاربون» معلقًا برغم كل التوصيفات السياسية لهم. في الأدبيات المالية هناك تسمية أقل عدائية للمضاربين– الذين تقصدهم السلطات كسبب لأزماتها – تسمية أكثر إيضاحًا لطبيعتهم، وتحديدًا لسلوكهم. تسميهم هذه الأدبيات «تجار الضوضاء». من الشائع بين المؤمنين الموحدين بقوى العرض والطلب تصور أن طبيعة العرض والطلب وطبيعة التفاعل بينهما هي طبيعة ثابتة كالجاذبية الأرضية والقوانين الفيزيائية. المؤمنون بالعرض والطلب لا يقلقون – ويرون أنه لا يجدر بك أيضًا أن تقلق – بشأن تحركات الأسعار أيًا كان عنفها. فعندما يرتفع سعر سلعة، مهما كان عنف هذا الارتفاع، لا تقلق، فالكميات المطلوبة من هذه السلعة ستقل نتيجة زيادة سعرها وستزداد كميات عرضها، وعندما يزداد عرض سلعة ويقل الطلب عليها، سيرتد السعر مرة أخرى إلى مستوياته التوازنية. هكذا تكتشف السوق الحرة السعر العادل، أو هكذا تنتج قوانين العرض والطلب ما يسمى بـ«الأسعار التوازنية». ولكن هذا التصور الغيبي عن قدرة العرض والطلب على تحقيق التوازن لا يعمل دائمًا كقوانين الجاذبية، ففي أحيان كثيرة لا توجد هذه العلاقة أو توجد بصورة معكوسة. سأحاول الاستعانة بجزء قصير من مقال سابق كنت أحاول فيه توضيح أن أسعار صرف الدولار في السوق السوداء مرشحة للزيادة نتيجة هيمنة تجار الضوضاء على هذه السوق: «في الأسواق المالية – أو أي سوق تشترى فيها السلع بهدف إعادة بيعها كالعقارات – ليس مهما «هتشتري بكام؟» الأهم هو «هتبيع بكام؟» هذا المبدأ يجعل الطلب والعرض في الأسواق المالية مختلفًا كثيرًا عن الأسواق الاعتيادية. فسهم سعره 10 جنيهات ومتوقع أن يصل إلى 15 جنيهًا سيكون الطلب عليه أكبر من نفس السهم عندما كان بـ5 جنيهات ومتوقع أن يصل إلى 6. والذي يجعل الأشخاص في هذه السوق يتوقعون زيادات أو انخفاضات في الأسعار المستقبلية هو – بشكل أساسي– الحركات السعرية الحالية والسابقة». هذا سلوك دائم لتجار الضوضاء رصده لاري سامرز وآخرون سنة 1990 و سانتانا وودواني سنة 1992 بالإضافة لسيل متدفق إلى الآن من الدراسات التطبيقية. فتجار الضوضاء يميلون إلى الاعتقاد بأن اتجاه الحركات السعرية السابقة والحالية سيستمر في المستقبل، ولهذا فعندما يرتفع سعر الدولار مثلًا يتوقع تجار الضوضاء أن يظل هذا الارتفاع مستمرًا، فيزيد طلبهم على الدولار ويقل عرضهم له – على عكس ما تفترض فيزياء العرض والطلب – وعندما يرتفع الطلب على سلعة ويقل عرضها يزداد سعرها مرة أخرى. فيتأكد تجار الضوضاء من أن توقعهم السابق كان صحيحًا ويستمرون في الاعتقاد بأن هذا الصعود سيستمر فيقل عرضهم ويزداد طلبهم فترتفع الأسعار مرة أخرى، وعندما ترتفع الأسعار يقل عرضهم ويزداد الطلب، وتستمر هذه الدائرة في خلق زيادات سعرية متتالية أو فقاعات سعرية مثل التي رأيتها أنت مع كل المصريين على مدار الأربع سنوات السابقة في السوق السوداء للعملة المصرية. يعرف فيشير بلاك كلمة «ضوضاء» في نموذجه للأسواق المالية باعتبارها مضاد كلمة «معلومات». فتجار الضوضاء لا تعتمد تداولاتهم على القيم الفعلية للأصول أو المعلومات المتعلقة بها، فإذا افترضنا أن هناك تجار ضوضاء في سوق الصرف المصرية، فهم لا يبيعون أو يشترون الدولار بناء على المعلومات الجديدة الواردة عن ميزان المدفوعات المصري أو توقعاتهم عن العجز والفائض المستقبلي بميزان المدفوعات. هم لا يستطيعون أصلًا قراءة ميزان المدفوعات. لا تعتمد تداولات تجار الضوضاء على هذا النوع من المعلومات، بقدر ما تعتمد على ضوضاء التحركات السعرية، خالقين من تحركات سعرية طفيفة تحركات أعنف تغذي نفسها بنفسها. يمكنك ببسهولة وبنظرة خاطفة على ميزان المدفوعات المصري أن تلاحظ كيف يتصرف تجار الضوضاء. في الفترة من 2005 إلى 2011 تصاعد العجز في ميزان السلع والخدمات من 3.7 مليار دولار إلى 19.2 مليار دولار، أي أن العجز زاد بنسبة خمسة أضعاف تقريبًا. كل هذا التدهور في الأساسيات الاقتصادية لم يلفت انتباه تجار الضوضاء. لم يقل عرضهم للدولار ولم يزدد طلبهم عليه في هذه الفترة، طالما أن سعر الدولار كان ثابتًا نسبيًا خلال هذه الفترة بين 5.70 و 6.20 جنيهًا. أما عندما قررت السلطة المصرية بداية من 2012، تحريك سعر الجنيه / دولار حركات طفيفة لأعلى، انتبه تجار الضوضاء لهذا الحدث وبدأ عرضهم وطلبهم على الدولار يختلف كثيرًا، وبدأت خريطة تدفقات الدولار إلى الجهاز المصرفي تتغير بشكل كامل. المصريون العاملون بالخارج هم «تجار ضوضاء» كما يقول الكتاب، أو تنطبق عليهم كل صفات تجار الضوضاء النظرية. هم ليسوا تجارًا ماليين بالأساس، وبالتالي فإن قراراتهم بشأن الاحتفاظ بالدولار أو بيعه يصعب أن تكون مرتبطة بفهمهم أو حتى بمتابعتهم لتطور الأساسيات الاقتصادية للدولة أو تطور سياساتها النقدية تجاه سعر الصرف. على الأرجح، فـ99% من المصريين العاملين بالخارج لا يعرفون نسبة العجز أو الفائض في ميزان المدفوعات المصري لهذه السنة أو لأي سنة مالية، ومع ذلك فهم يمتلكون ويتاجرون بكمية دولارات تساوي قيمتها السنوية مجموع ما تتحصل عليه الدولة سنويًا من دخل قناة السويس والسياحة والاستثمارات الأجنبية المباشرة مجتمعين، أو تزيد عليه أحيانًا. هذا التدفق النقدي الضخم الذي بلغ 19.2 مليارًا السنة الماضية فقط تفقده السلطة المصرية تمامًا، أو يفقده الجهاز المصرفي ككل. عندما يتحرك سعر الدولار، يسهل أن تنخفض نسبة تنازل المصريين العاملين بالخارج عن دولاراتهم مقابل الجنيه للبنوك المصرية من 75% في الظروف العادية، وفقًا لتصريحات محافظ المركزي السابق، إلى نسبة 5% أو حتي صفر %. يسهل أن تختفي هذه الدولارات من البنوك فجأة إذا تحرك سعر الدولار بشكل ملفت لانتباههم، إذا أحدث المركزي بسياساته الحمقاء ضوضاء سعرية. غالبًا ما تبدأ الحكاية هكذا: يتبع
__________________
|
#6
|
||||
|
||||
تابع
غالبًا ما تبدأ الحكاية هكذا: تواجه الإدارة الاقتصادية انخفاضًا طارئًا – وكان يمكن أن يكون عابرًا لولا غباء سياستها – في التدفقات الدولارية. قد يكون بسبب انخفاض إيرادات السياحة والاستثمارات الأجنبية كما حدث في الأزمة الحالية، أو انخفاض إيرادات الصادرات والسياحة كما في أزمة 2001 – 2005. وبالتالي، ونتيجة هذه الانخفاضات، تواجه الدولة نقصًا في احتياطياتها النقدية الأجنبية، فتقرر تبني سياسة محافظة في استخدام احتياطياتها النقدية. هذه السياسات تقوم غالبًا على شقين؛ الأول هو تحريك سعر الصرف قليلًا، مثل رفع سعر الدولار مقابل الجنيه من ثمانية جنيهات إلى 8.20 في البنوك، والشق الثاني هو تقليل كمية الدولارات التي يضخها المركزي للبنوك التجارية، فهو لن يبيع حتى بالسعر الجديد 8.20، الذي حدده هو بنفسه. البنوك التجارية في ظل تقليل ضخ المركزي للدولارات ستقلل هي أيضًا ضخ الدولارات للمستوردين، فيذهب المستوردون للسوق الموازية مكونين الطلب الأساسي بها. تواجه السوق الموازية طلبًا استثنائيًا على الدولار، يحاول تجار السوق الموازية جذب جمهور جديد من بائعي الدولار – المصريين بالخارج بشكل أساسي – فيرفعون سعر شرائهم للدولار أعلى قليلًا من البنوك، حتى يستطيعوا تلبية الطلب الاستثنائي الجديد من المستوردين. الآن لدى المصريين العاملين بالخارج «تجار الضوضاء» كل ما يلفت انتباههم. السعر يرتفع في البنوك ويرتفع في السوق الموازية، لابد أنه سيواصل الارتفاع. يتحول عرض المصريين بالخارج للدولارات بالكامل إلى السوق الموازية صاحبة السعر الأعلى، ولأنهم يتوقعون زيادات سعرية مستقبلية في السوق الموازية يقللون عرضهم الدولار بشكل عام، يرفع تجار السوق الموازية السعر مرة أخرى لإقناعهم بمزيد من عرض الدولار، تتأكد توقعاتهم بمزيد من الارتفاعات المستقبلية، يقل عرضهم للدولار، تزداد الأسعار في السوق الموازية، تزداد الفجوة بين السوق الرسمية والموازية، يحاول المركزي تقليل الفجوة بتحريك الأسعار في السوق الرسمية، يثير هذا التحريك مزيدًا من الضوضاء تلفت انتباه المزيد من تجار الضوضاء الجدد، تظهر جحافل من طالبي الدولار لأنهم يتوقعون ارتفاع سعره، وبالطبع يقل عرض المصريين بالخارج أكثر، ترتفع الأسعار في السوق الموازية، يضطر المركزي لرفع السعر الرسمي لتقليل الفجوة بين السوقين في محاولة لإعادة تحويلات العاملين بالخارج مرة أخرى إلى البنوك، ترتفع الأسعار في السوق الرسمية والموازية في سباقهم نحو دولارات العاملين بالخارج، تزداد الضوضاء وتغذي نفسها بنفسها. وهكذا يستطيع أحمق، أو مجموعة من الحمقى، قرر تحريك أسعار الصرف إلى نقاط جديدة دون الدفاع عنها، أن يستدعي جيوشًا من تجار الضوضاء ستضارب ضده – أو ضدنا جميعًا – لأنه أحدث ضوضاء لا يستطيع إخمادها. ويظل المركزي يلهث وراء الأسعار في السوق السوداء التي تتحرك للأعلى كلما تحرك هو لأعلى، لأنها معتمدة على الضوضاء التي يحدثها تحركه، يظل يلهث وكأنه طفل أو شخص أبله يحاول أن يسبق ظله. يفسر سلوكُ تجار الضوضاء وهيمنتهم على عرض وطلب الدولار في السوق الموازية الصعودَ العنيف في السوق الموازية، هذا الصعود الذي يبدو جليًا أنه غير مرتبط بتطور الأساسيات الاقتصادية. لأنه يصعب تصور أن الأساسيات التي تحدد سعر الدولار في مصر تنهار بمعدل 30% في ثلاثة أيام فقط، حتى تفسر ارتفاع الدولار بنسبة 30% في ثلاثة أيام في هذه الأسواق. هذه التحركات السعرية العنيفة في السوق الموازية تؤكد أن هناك شيئًا غير التطور في ميزان المدفوعات أو حجم الاحتياطيات النقدية الأجنبية هو ما يدفع الأسعار صعودًا وهبوطًا، شيئًا أعنف وأقل ارتباطًا بالاقتصاد العيني، شيئًا يسميه أوبستفيلد– قبل أن يصبح كبير اقتصاديي صندوق النقد الدولي – و مرويس وشين – ولا يزالون يسمونه إلى الآن – «هجمات العملة المتحققة ذاتيًا» أو «هجمات العملة التي تغذي نفسها بنفسها» هذه الدائرة التي يمكنها تحريك الأسعار في السوق الموازية بعنف، بمعزل عن الأساسيات الاقتصادية للدولة، ليست هي الأثر السلبي الوحيد لسياسات تحريك الأسعار أو التخلي عن دعم الجنيه مقابل الدولار، فهناك دائرة أعمق تحدث في الاقتصاد العيني بسبب هذه السياسات، دائرة يمكنها تفسير سبب بقاء أزمات العملة في مصر وقتًا طويلًا – حتى بعد التعويم – دون حل. فمنذ بداية الألفينيات إلى الآن، وقعت أزمتان للعملة المصرية واستغرقتا ثماني سنوات مرشحة للزيادة. في الـ16 سنة التي مرت علينا منذ بداية الألفينات، عشنا نصف وقتنا تحت وطأة أزمات عملة لا يستطيع المركزي حلها. لماذا تبقى أزمات العملة في مصر طويلًا؟ يتبع
__________________
|
#7
|
||||
|
||||
تابع لماذا تبقى أزمات العملة في مصر طويلًا؟ في المؤتمر الصحفي الذي تلا قرار التعويم الأخير في 3 نوفمبر 2016، ظهر طارق عامر للرد على الاستفسارات الخاصة بتداعيات التعويم وأسبابه وما إلى ذلك. استهل عامر إجابته عن سؤالين مختلفين بطلبه أن يقرأ الصحفيون ميزان المدفوعات حتى يستطيعوا فهم مجريات الأمور، أو حتى لا يسألوا أسئلة ساذجة. سأل عامر الصحفي بشكل مباشر: «انت قريت ميزان المدفوعات؟ … يا جماعة اقروا ميزان المدفوعات… إحنا عايزينكو تحللوا بقي مش تقولو كلام وخلاص». أحد هذه الأسئلة التي استدعى عامر ميزان المدفوعات للرد عليها، كان عن توقع المركزي لحصيلة تحويلات العاملين بالخارج بعد قرار التعويم. وإليك إجابة عامر بالنص: «آه.. أنا عايز أفهمكو حاجة بقى.. مغلوطة.. (وعدل من جلسته على المقعد بطريقة متوترة أو للإيحاء بأن الكلام القادم مهم) لو بصيتو على ميزان المدفوعات، لا تحويلات العاملين بالخارج راحت، ولا الاستثمار الأجنبي راح، إنتو يا جماعة (يهز رأسه باستياء).. مش بنقرا.. والناس بتقعد تتكلم ويقولك الاستثمار مابيجيش، أولًا إحنا محققين أعلى رقم استثمار أجنبي مباشر منذ عشرة سنوات؛ السنة دي 6.8 مليار دولار.. (يقاطعه أحد الأصوات في القاعة فيسكته عامر) لا معلش ثانية واحدة عشان إحنا النهاردا بنكلّم الإعلام العالمي كله.. نمرة اتنين تحويلات المصريين العاملين بالخارج كانت قبل الثورة في 2010 تقريبًا تسعة مليار طلعت تدريجيا أصبحت 19 مليار.. (الشخص الذي يجلس بجواره على المنصة يهز رأسه بعنف دليلًا على الموافقة العنيفة ويقول «بالظبط» ثم يكمل عامر) إحنا عارفين إن الدول الخليجية السنة دي بتعاني من انخفاض أسعار البترول فانخفضت – يقصد قيمة تحويلات العاملين بالخارج هذه السنة – بقيمة 2 مليار دولار.. يعني لا علاقة لها بأي شيء.» قال عامر هذه الجمل في 51 ثانية. وأعتقد أن هذه الـ51 ثانية قد تنافس بقوة على جائزة أكثر 51 ثانية تحتوي على مغالطات في التاريخ. أزمة العملة المصرية الحالية والسابقة مرتبطة بشكل أساسي بندرة الدولارات في الجهاز المصرفي – هو لا يستقبل دولارات وبالتالي لا يستطيع أن يعطي دولارات، فتزدهر السوق السوداء – وبالتالي لكي تستطيع متابعة أزمة العملة المصرية يجب أن تتابع قدرة الجهاز المصرفي على إعطاء الدولارات للمستوردين مثلًا، وهذه القدرة مرتبطة بقدرته على جذب دولارات جديدة من الفاعلين الاقتصاديين كالعاملين بالخارج أو المصدَّرين. ولأن الأرقام الواردة بميزان المدفوعات المصري تصور الدولارات الداخلة والخارجة إلى مصر، وليس إلى الجهاز المصرفي، فإن متابعة أرقام ميزان المدفوعات لا تفضي إلى فهم دقيق لما يحدث للعملة المصرية. من أكثر الأمور التي تُحدث لبسًا – وهو اللبس الذي يحاول عامر إحداثه عمدًا – في فهم طبيعة أزمات العملة في مصر ومدى قوتها هو تصور أن الفجوة بين الدولار الداخل والوارد إلى مصر هي ما تحرك أسعار الصرف، بينما تشير البيانات والمشاهدات الواقعية إلى أن الفجوة بين الدولار الخارج والوارد إلى الجهاز المصرفي أقدر على تفسير سبب استمرار الأزمات طويلًا أو سبب قوتها. فنسبة تنازل حاملي الدولار، مثل العاملين بالخارج أو المصدَّرين، عن دولاراتهم للجهاز المصرفي (يُقصد بالتنازل قبول صرف دولاراتهم بالسعر الرسمي في البنوك) تقل جدًا في وقت تحرك الدولار بعنف في السوق الموازية، وبالتالي قد تجد ارتفاعًا في تحويلات المصريين العاملين بالخارج أو ارتفاعًا في حصيلة الصادرات في ميزان المدفوعات، ورغم ذلك تبقى أزمة العملة المصرية قائمة أو تشتد قوتها رغم التحسن في الاقتصاد العيني، أو رغم أن التدهور في الاقتصاد العيني ليس بهذا العنف. فنسب تنازل حائزي الدولار من مصدرين وعاملين بالخارج وقطاع السياحة عن دولاراتهم للجهاز المصرفي تختلف كثيرًا عن نسب صعود أو هبوط هذه الإيرادات في ميزان المدفوعات. في المؤتمر الصحفي السابق ذكره امتنع عامر عن الإجابة عن أي سؤال مرتبط بحصيلة البنوك من الدولار، فهذه «أسرارهم» على حد تعبيره عندما قال مثلًا: «ارتفعت حصيلة البنوك من الدولار ثمانية أضعاف الحصيلة اليومية بعد قرار التعويم»، وعندما سأله أحدهم: «يعني كام الحصيلة؟» امتنع عن الإجابة قائلًا: «هذه أسرارنا»، كما امتنع عن إجابة أي سؤال عن نسب التنازل أو حصيلة البنوك السابقة أو الحالية من الدولارات. لم يكن يحيل إلا لميزان المدفوعات المصري، وليس ميزان مدفوعات الجهاز المصرفي. لا يريد عامر، ولا أي ممن يتبنون سياسته النقدية، أن تعرف شيئًا عن التغير الذي يحدث في نسب تنازل حائزي الدولار عن دولاراتهم للجهاز المصرفي عند تحرير سعر الصرف. هو أكبر مأزق أو الفعل الأكثر حمقًا الذي تقوم به سياسات التعويم أو سياسات إيقاظ مضاربي الضوضاء. لنعد لتجار الضوضاء لمتابعة ما يحدث في تدفقات الدولار في الجهاز المصرفي، ولنخض في الأرقام التي يراها عامر «أسرارهم». هذه الأسرار التي تؤكد أن التعويم الحالي لن يكون نهاية قصة هزيمة المركزي و هزيمتنا معه أمام تجار الضوضاء. قريبًا نكمل هذه القصة لنعرف هل سيخرجنا التعويم منها، أو كيف سنخرج منها بعد فشل التعويم، في مقال أآخر انتهى المقال الاول ويتم اتباعه بالمقال الثانى تابعونا
__________________
|
#8
|
||||
|
||||
المقال الثانى
كيف سيهبط الدولار إلى 10 جنيهات : بعضٌ من أسرار طارق عامر محمد سلطان ٢٦ نوفمبر ٢٠١٦
__________________
|
#9
|
||||
|
||||
كيف سيهبط الدولار إلى 10 جنيهات :
بعضٌ من أسرار طارق عامر محمد سلطان ٢٦ نوفمبر ٢٠١٦ برغم أن منصبه ككبير اقتصاديي صندوق النقد يمكن أن يستخدم لأغراض مثل كسر الكهنوت العلمي لرأي الصندوق كمؤسسة بضرورة تحرير أسعار الصرف، ورغم أن هناك آراء من أشخاص آخرين معتمدين من الصندوق، وأشخاص أعرق منهم كهنوتياً يرون أن رأي الصندوق غير صحيح، سوف أستعين هنا بموريس أوبستفيلد. لكن بعيداً عن الصراعات الكهنوتية ومخاطبة محبي ارتداء الماركات «brands» ومحبي اعتناق أفكار الماركات، أوبستفيلد هو الأب الواضح لتيار من النماذج الاقتصادية التي تحاول تفسير أزمات سعر الصرف بأشياء أخرى إلى جانب أزمة ميزان المدفوعات. وحتى لا نغوص كثيراً في تفاصيل أكاديمية. هذا المقال بأجزائه لا ينفي وجود أزمة في تدفقات الدولار في الاقتصاد العيني، ولا ينفي تأثير هذه الأزمة على سعر الصرف. ولكنه يحاول إظهار الجزء الذي كان يمكن تجنبه من هذه الأزمة حتى في ظل وجود أزمة ميزان المدفوعات أو أزمة الاقتصاد العيني. جنيهات كثيرة فقدها الجنيه في مقابل الدولار كان يمكن تجنبها، وهناك جنيهات كثيرة يمكن أن يستعيدها الجنيه في مقابل الدولار حتى في ظل عدم تحسن واضح في ميزان المدفوعات. هذه الرؤية كان أول، وليس أوضح أو أدق من طرحها، هو أوبستفيلد، الذي يقول في مقدمة ورقته العلمية «منطق أزمات العملة » عام 1994: «بمجرد إدراك المرء أن الحكومات تقترض لدعم احتياطياتها من العملة الأجنبية وتنفذ اختيارات أخرى في السياسات للحفاظ على سعر الصرف مستقراً أثناء أزمات العملة، يثور السؤال: ما هي العوامل التي تعتمد عليها الحكومة في اتخاذ قرارها بخصوص هل تستمر في التمسك بتثبيت سعر الصرف أو التخلي عنه؟ لو أن السلطات تعرف عواقب أفعالها، فإنها ستعطي أهمية لاحتمال حدوث أزمة تغذي نفسها بنفسها. فتوقعات المضاربين تعتمد على تخميناتهم حول استجابات الحكومة تجاه سعر الصرف، والتي تتفاعل بدورها مع آثار تغير الأسعار الآخذ هو الآخر في اعتباره توقعات المضاربين على الوضع المالي والسياسي للحكومة. هذه الحركة الدائرية توضح احتمالية حدوث أزمة كان يمكن تجنبها، ولكنها حدثت لأن المشاركين في السوق توقعوا حدوثها. على النقيض من هذه الصورة، تتجاهل معظم الأدبيات السابقة، التي تركز على ميزان المدفوعات كسبب لأزمات العملة، أثر سلوك الحكومة على السوق. وتعطي هذه الأدبيات انتباهاً قليلًا لأحداث مثل أزمة عملات الاتحاد الأوربي 1992-93 وآليات تفاقهما». في ورقة علمية جديدة عام 1996، أضاف أوبستفيلد أزمة عملة المكسيك 1994-1995 إلى الأزمات التي غذت نفسها بنفسها. ويمكن بسهولة للمتابع لأزمتي العملة المصرية الحالية والسابقة أن يضيفهما إلى قائمة هذه الأزمات التي كان يمكن تجنب جزء كبير منها. في الجزء الأول من هذا المقال، حاولت أن أوضح أن معضلة تجار الضوضاء في سوق الصرف المصرية لا تقتصر على تحريكهم الأسعار بعنف في السوق الموازية، بل تمتد لتشمل تأثيرهم على حصيلة البنوك من الدولار. فهم في الواقع يحددون الأسعار في السوق الموازية ويحددون أيضاً قدرة الجهاز المصرفي على منافسة السوق الموازية. فعندما يخرج العاملون بالخارج بدولاراتهم من البنوك إلى السوق الموازية يُحدثون ضجة كبيرة. فهم يقللون كميات عرضهم للدولار كلما ارتفع السعر، فيرتفع السعر مرة أخرى إغراءً لهم بمزيد من العرض فتقل كميات عرضهم أكثر، وهكذا. هذه الضجة الكبيرة، أو الارتفاعات المتتالية في أسعار الدولار في السوق الموازية تجذب تجار ضوضاء آخرين مثل «المصدرين»، بل وقطاع السياحة أيضاً. في الجزء الأول من المقال كنت أعطي مثالًا بالعاملين بالخارج لأنهم مثال نموذجي على تجار الضوضاء. لكن عندما تشتد الضوضاء في السوق الموازية يشبه سلوك المصدرين كثيراً سلوك العاملين بالخارج: ينسحبون من الجهاز المصرفي نتيجة الفجوة بين السعرين الرسمي والموازي، ويقللون عرض الدولار في السوق الموازية كلما ارتفع السعر، إما بغرض استخدامه مرة أخرى في استيراد مستلزمات الانتاج أو بغرض المضاربة المحضة. المحصلة النهائية هي أن السلوك الخاص بتنازل حائزي الدولار من المصدرين وقطاع السياحة لا يختلف كثيراً عن طريقة تنازل العاملين بالخارج عندما يحفز المركزي بنفسه تجار الضوضاء على النشاط. فتختفي نسب تنازلهم للقطاع المصرفي عن العملة الأمريكية عندما يتخلى المركزي عن تثبيت سعر الصرف. ولأن هذه النسب هي موضوع تكتم عامر الرئيسي أو هي «أسرارهم» كما يراها، تعالوا نستخدم بعض ما يفلت من أفواههم بخصوص هذه النسب للتأكد من أن الدولارات تجف من البنوك عند التخلي عن تثبيت سعر الصرف وأن ارتفاع أو انخفاض إيرادات السياحة أو التصدير أو العاملين بالخارج في ميزان المدفوعات لن يؤثر كثيراً على الدولارات في البنوك، لأن نسب التنازل للبنوك من هذه المصادر تكاد تكون معدومة. وقبل استعراض بعض النقاط التي ترسم قصة معاناة المركزي والحكومة مع حائزي الدولار لإقناعهم بالتنازل عنه بعد أن حفزتهم سياساتهما للاحتفاظ به، تعالوا نتذكر الـ 51 ثانية التاريخية لعامر: «آه.. أنا عايز أفهمكو حاجة بقى.. مغلوطة.. (وعدل من جلسته على المقعد بطريقة متوترة أو للإيحاء بأن الكلام القادم مهم) لو بصيتو على ميزان المدفوعات، لا تحويلات العاملين بالخارج راحت، ولا الاستثمار الأجنبي راح، إنتو يا جماعة (يهز رأسه باستياء).. مش بنقرا.. والناس بتقعد تتكلم ويقولك الاستثمار مابيجيش، أولًا إحنا محققين أعلى رقم استثمار أجنبي مباشر منذ عشرة سنوات؛ السنة دي 6.8 مليار دولار.. (يقاطعه أحد الأصوات في القاعة فيسكته عامر) لا معلش ثانية واحدة عشان إحنا النهاردا بنكلّم الإعلام العالمي كله.. نمرة اتنين تحويلات المصريين العاملين بالخارج كانت قبل الثورة في 2010 تقريبًا تسعة مليار طلعت تدريجيا أصبحت 19 مليار.. (الشخص الذي يجلس بجواره على المنصة يهز رأسه بعنف دليلًا على الموافقة العنيفة ويقول «بالظبط» ثم يكمل عامر) إحنا عارفين إن الدول الخليجية السنة دي بتعاني من انخفاض أسعار البترول فانخفضت – يقصد قيمة تحويلات العاملين بالخارج هذه السنة – بقيمة 2 مليار دولار.. يعني لا علاقة لها بأي شيء». في نفس مؤتمر التعويم، الذي اقتبست منه الـ 51 ثانية السابقة، ألمح عامر أن جزءاً كبيراً من أموال المصدرين كانت تبقى في الخارج وبعد قرار التعويم يأمل أن تعود هذه الأموال للتدفق داخل الجهاز المصرفي. بالطبع لم يقل المحافظ أي أرقام عن نسب التنازل قبل التعويم. تعال نؤجل الحديث عن سلوك المصدرين في الأزمة الحالية ونرجع قليلاً لأزمة 2001 -2005. يتبع
__________________
|
#10
|
||||
|
||||
إذا كنت تعتقد أن سلوك المصدرين في الأزمة الحالية سلوك عرضي أو مرتبط بهذه الأزمة فقط. انظر إلى قرار رقم 506 لسنة 2003، وهو محاولة من رئيس الوزراء وقتها، عاطف عبيد، لإلزام المصدرين بالتنازل عن 75% من دولاراتهم للجهاز المصرفي. بالمناسبة هذا القرار كان بعد تعويم الجنيه 2003. بالطبع تهرب المصدرون من الالتزام به. ولم تزد نسب تنازلهم عن الدولار في البنوك لأن فجوة السعر في السوقين الرسمية والموازية كانت لا تزال قائمة برغم التعويم. والأهم هو أن التوقعات بارتفاع الدولار مستقبلاً كانت لا تزال قائمة أيضاً برغم التعويم. فقامت الحكومة وقتها بتصعيد الضغط وأصدرت القرارين 586 و676 بشطب بعض المصدرين لتخويف الباقي وزيادة حصيلة تنازلهم. وبالطبع لم يستجيبوا. بالمثل صدر قرار 79 لسنة 2003 من وزير السياحة يلزم القطاع بتوريد 75% من دولاراتهم للبنوك. وبعد سلسلة من القرارات التي لم تفلح في زيادة حصيلة البنوك الدولارية في 2003، اضطرت الحكومة لسحب قراراتها بشطب المصدرين. ثم جاء أحمد نظيف رئيساً للوزراء. وعندما أيقن أن هذه القرارات لا تلزم أحداً، قرر في ديسمبر 2004 أن يقوم بمحاولة للتصالح مع المصدرين وقطاع السياحة بإلغاء القرار 506 لإقناعهم بالتنازل بشكل ودي. وبالطبع استمر سلوك المصدرين و قطاع السياحة و لتحويلات برغم كل القرارات والتشريعات ووسائل الضغط والمصالحة. واستمرت نسب تنازلهم تقل كلما ارتفع سعر الدولار. ظل هذا السلوك ثابتاً حتى تبنى المركزي المصري في 2005 سياسة مناقضة تماماً لسياسات التعويم. وكأن ما حدث في 2001-2005 لم يدركه أحد، وكأنه لا يمكن أن يحدث مجدداً، حرك المركزي المصري في 2012 أسعار الصرف، وغيّر أنظمة تداول الدولار بين البنوك ليعلن عن أزمة جديدة. قرار من وزير الصناعة في 2013 يماثل قرارات 2003 بالتزام المصدرين بالتنازل عن دولاراتهم للبنوك، ورد فعل مماثل من المصدرين بالامتناع. ثم في 2014 محاولة رشوة أو ضغط من الحكومة على المصدرين للتنازل عن حصيلتهم الدولارية للبنوك في مقابل وضع مادة في قانون القيمة أثناء صياغته تسمح لهم برد ضريبة القيمة المضافة عن حصيلة صادراتهم إذا قاموا بالتنازل عن دولاراتهم داخل الجهاز المصرفي. لم تنجح هذه المحاولة أيضاً. ثم في 2016، تقلل الحكومة سقف طموحاتها وتحاول إقناع المصدرين بالتنازل عن نصف حصيلتهم التصديرية في مقابل استمرار برنامج دعم الصادرات. وكأن هذه الإجراءات والقوانين لم تستخدم من قبل، وكأن نتيجتها غير محسومة مسبقاً. فيما يخص تحويلات العاملين بالخارج، وهم الطرف الأعقد في هذه المعادلة لأن قدرة الحكومة على محاصرة دولاراتهم أقل بكثير من قدرتها على محاصرة دولارات المصدرين أو قطاع السياحة التي فشلت معها مسبقاً، في فبراير 2015، نجد تصريحين من محافظ البنك المركزي السابق، هشام رامز، ورئيس مجلس إدارة البنك الأهلي المصري، بأن نسب تنازل العاملين بالخارج عن الدولار في فترة ما قبل أزمة العملة الأخيرة كانت 75%، وأن هذه النسب قلت إلى 5% وفقاً للثاني، و10% وفقاً للأول. بخصوص الاستثمار الأجنبي الذي يقول عامر إنه كان في 2015 الأعلى منذ 10 سنوات وأنها -أي الاستثمارات الأجنبية المباشرة- لا تتأثر بتذبذب سعر الصرف. ميزان المدفوعات، الذي يدعونا عامر لقراءته، يبين أن صافي الاستثمارات الأجنبية المباشرة في سنة 2006-2007، كانت 11 مليار وفي 2007-2008 كانت 13.2 مليار وفي 2008-2009 كان 8.1 مليار دولار، أي أن الرقم الذي يعتبره عامر أكبر رقم في العشر سنوات السابقة 6.8 مليار لا يمثل نصف الاستثمارات في 2007-2008. وبغض النظر عن هذه المغالطة الفجة، انظر لهذا التصريح لعامر نفسه يقول إن المركزي يدرس قانوناً لتثبيت سعر الصرف (ليس بشكل عام، ولكن فقط بالنسبة للمستثمرين الأجانب). وهو اعتراف صريح مدعوم ببيانات المركزي المصري بأن تذبذب سعر الصرف يؤثر على هذه النوعية من الاستثمارات، أو أن حصيلة الاستثمارات الأجنبية تقل في فترات تذبذب سعر الصرف لأن المستثمرين ببساطة لا يستطيعون حساب أرباحهم الفعلية في ظل تذبذب سعر الدولار. تعالوا نستخدم النسب الواردة في التصريحات السابقة لنرسم صورة (تقريبية) عن حجم الدولارات في البنوك في فترات تثبيت وتحرير سعر الصرف، لنشاهد كيف أن سياسات التخلي عن تثبيت سعر الصرف تطرد الدولارات من البنوك، ولنرى الاختلاف الواضح بين الإيرادات الواردة في ميزان المدفوعات، التي يحاول عامر حبس أنظارنا داخلها حتى لا نرى الفرق بينها وبين إيرادات الجهاز المصرفي من الدولار. انهارت هذه الإيرادات بسبب سياساته، وفقد المركزي المصري والجهاز المصرفي قدرتهما على السيطرة على سعر الصرف. يوضح الشكل السابق إيرادات ثلاثة مصادر للدولار فقط، وهي الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وعوائد التصدير (غير البترولية)، وتحويلات العاملين بالخارج. الخط الأزرق – الأعلى قيمة دائماً – هو مجرد مجموع حصيلة هذه الإيرادات الثلاثة في ميزان المدفوعات المصري. الخط الرمادي – الأقل قيمة دائماً – يصور نصيب الجهاز المصري ككل من هذه المصادر الثلاثة للدولار. حسبت هذه الإيرادات وفقاً لنسب التنازل المتغيرة: في أوقات الأزمات 5%، وفي الأوقات العادية 75%، مضافاً إليها حصيلة الاستثمارات الأجنبية المباشرة، كما وردت في ميزان المدفوعات. وهناك خط ثالث برتقالي يصور حصيلة البنوك المصرية إذا لم تتبع سياسات تحرير سعر الصرف، وظلت نسب تنازل العاملين بالخارج والمصدرين ثابتة عند 75%، وإذا ظل صافي الاستثمار الأجنبي المباشر عند مستويات ما قبل أزمة العملة (8 مليار دولار في المتوسط). يمثل الخط البرتقالي إيرادات الجهاز المصري، إذا لم نكن منسحقين تجاه شروط الدائنين – كصندوق النقد الدولي – وإذا لم يحفز المركزي المصري تجار الضوضاء على المضاربة ضد العملة المصرية وهو يعلم أنه لا يستطيع إيقافهم. في أوقات تثبيت سعر الصرف (من 2005 الى 2012) لا يظهر الخط البرتقالي أو يكون مساوياً للخط الرمادي، لأن تجار الضوضاء لم ينسحبوا بعد من الجهاز المصرفي. ويكون الخطان قريبين جداً من إجمالي الإيرادات في ميزان المدفوعات (الخط الأزرق). أما عندما يتخلى المركزي عن ضخ دولارات في السوق وعن تثبيت سعر الصرف، يظهر الخط البرتقالي أو يبتعد الخط الرمادي الذي يعبر عن الإيرادات الفعلية للبنوك. وفي ظل اضطرابات سعر الصرف، ينحدر الخط الرمادي للأسفل (كما في 2003 إلى 2005 وكما في 2012 إلى الآن). الفرق بين الخط البرتقالي والخط الرمادي هو مليارات يفقدها الجهاز المصرفي سنوياً بسبب تبني المركزي لسياسات مثل تخفيض سعر الصرف بشكل عنيف أو تعويمه. هذا الفرق بين الخطين البرتقالي والرمادي، أو هذه المليارات، هو أثر هجمات تجار الضوضاء إثر انسحابهم من الجهاز المصرفي وإحداثهم لضوضاء سعرية في السوق الموازية تستدعي مزيداً من تجار الضوضاء، وتدفع تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى الانخفاض بفعل هذه الأجواء المضطربة. هذا تقدير محسوب بناء على تصريحات متناثرة، وليس سلسلة بيانات فعلية، لأن المركزي لا يريد نشر مثل هذه البيانات. وهو تقدير لأثر سياسات تحرير سعر الصرف على ثلاثة بنود فقط من مصادر عرض الدولار. ولم نتحدث عن طلب تجار الضوضاء الاستثنائي الذي يظهر في الجهاز المصرفي وفي السوق الموازية بسبب هذه السياسات. ما تحدثنا عنه هو تجار الضوضاء في جانب فقط من العرض يخص تحويلات العاملين والتصدير. هذه المساحة الشاسعة بين ما يدخل الجهاز المصرفي من دولارات (الخط الرمادي)، وبين ما يدخل مصر من دولارات (الأزرق)، وبين ما كان يفترض أن يدخل الجهاز المصري في حالة حفاظه على سعر الصرف مستقراً (البرتقالي). هذه المساحة الشاسعة هي جزء من «أسرار» عامر. انتهى المقال الثانى ويتم اتباعه بالمقال الثالث تابعونا
__________________
|
#11
|
||||
|
||||
في انتظار المُحَكِّمين
المقال الثالث كيف سيهبط الدولار إلى 10 جنيهات : في انتظار المُحَكِّمين محمد سلطان 29 نوفمبر ٢٠١٦
__________________
|
#12
|
||||
|
||||
المقال الثالث
كيف سيهبط الدولار إلى 10 جنيهات : في انتظار المُحَكِّمين محمد سلطان 29 نوفمبر ٢٠١٦ في الجزء الأول من هذا المقال ظهر تجار الضوضاء وكأنهم يملكون قوة كاسحة. فبمجرد نشاطهم في السوق، والذي يحفزه البنك المركزي المصري بنفسه غالبًا، تقل الدولارات في البنوك، فيزداد السعر في السوق الموازية زيادات تغذي نفسها بنفسها، ولا يستطيع الجهاز المصرفي ككل منافسة السوق الموازية نتيجة شح الدولارات فيه وترتبك كل ضوابط سعر الصرف الاقتصادية والإدارية. تلك الصورة التي ظهر بها تجار الضوضاء في الجزء الأول من المقال، باعتبارهم القوة الكاسحة القادرة على قلب الموازين بمجرد ظهورها، هي صورة غير واقعية، أو لا تنطبق في كل الأوقات على كل الأسواق المالية. فبرغم السهولة التي يهزم بها تجار الضوضاء المركزي المصري تحديدًا، تتم هزيمتهم بسهولة في عديد من الأسواق المالية وفي كثير من الأوقات، باستثناء أوقات التذبذب العنيف في الأسعار. تتطلب هيمنة تجار الضوضاء على السوق أن يتجاوزوا عقبات كثيرة أكبرها أن يستطيعوا هزيمة نوع آخر من المضاربين والمستثمرين تنتجه السوق الحرة بشكل آلي، وهو نوع منيع تسميهم الأدبيات المالية «المُحَكِّمين». حددت طبيعة هؤلاء المُحَكِّمين في سوق الصرف المصرية بشكل رئيسي كيف انهارت العملة المصرية في الأربع سنوات السابقة، وطبيعة هؤلاء المُحَكِّمين هي التي ستحدد إذا ما كان الدولار سيهبط إلى مستوى 10 جنيه في الفترة المقبلة أم لا. لذا تعالوا نمر سريعاً على الأدبيات المالية التي تناولت مفهوم المُحَكِّمين لرسم ملامح هذه الفئة، وبعدها نعود الى سوق الصرف المصرية ومستقبلها في ظل التعويم الحالي. كيف تهزم السوق الحرة المضاربين؟ يتبع
__________________
|
#13
|
||||
|
||||
تابع
كيف تهزم السوق الحرة المضاربين؟ لا ينفي أنصار السوق الحرة، ومنظروها الذين يملكون دراية ببنية السوق الدقيقة وكيفية عملها وليس أنصارها بمعني المؤمنين بقدرتها بشكل غيبي وعصابي، وجود تجار الضوضاء في الأسواق وخصوصًا الاسواق المالية. لكن هؤلاء الآباء المؤسسين لنظريات كفاءة الأسواق الحرة مثل يوجين فاما أو ميلتون فريدمان، يؤمنون بسهولة التغلب عليهم نظراً لوجود ما يسمى بالمُحَكِّمين أو المضاربين العقلانيين، بتعبير فريدمان. المُحَكِّمون تجار سلوكهم منضبط وبديهي للغاية، لذا يصعب أن يخسروا في الاسواق وتصعب هزيمتهم. ويشبه سلوك المُحَكِّمين السلوك البديهي للتجار المبتدئين. يشترون السلعة من السوق الأقل سعرًا ويبيعونها في السوق الأعلى سعرًا. وحتى في البيئات الأكثر تعقيدًا مثل الأسواق المالية، وفي النظريات التي تتبنى نماذج رياضية معقدة مثل نظرية التسعير المحكم أو نموذج تسعير الأصول الرأسمالية، يشبه سلوك المُحَكِّمين السلوك البسيط الآمن لتاجر مبتدئ. فهم مستثمرون ومضاربون يعرفون أكثر من غيرهم القيمة الفعلية للأصول المالية. مثلاً، يعرفون بدقة ما يسمى بـ«القيمة العادلة» للجنيه مقابل الدولار، والتي تتحدد وفقاً للأساسيات الاقتصادية لمصر. ويرتبط بيعهم وشراؤهم للدولار، أو لأي أصل مالي، بمقارنتهم بين سعره في السوق وقيمته العادلة. يبيعون عندما ترتفع الأسعار في السوق عن القيمة العادلة، ويشترون عندما تنخفض أسعار السوق عن القيمة العادلة. فلو كانت القيمة العادلة للدولار 10 جنيهات مثلاً، سيزيدون عرضهم لبيع الدولار إذا ارتفع سعره فوق ال 10، وسيطلبونه إذا انخفض تحت الـ10. هكذا تبقى الأسعار في الأسواق الحرة قريبة من قيمتها العادلة، وهكذا يربح المُحَكِّمون. هم فقط ينتظرون ظهور تفاؤل أو تشاؤم غير مبرر اقتصاديًا، كذلك الذي يملكه دائمًا تجار الضوضاء، الذين يشترون مع ارتفاعات الأسعار ويبيعون مع انخفاضها بغض النظر عن وضع الأساسيات الاقتصادية. يخلق هذا التفاؤل أو التشاؤم غير المبرر اقتصاديًا انحرافات سعرية عن القيمة العادلة. وهذه الانحرافات هي بالضبط ما ينتظره المُحَكِّمون لتحقيق ارباحهم الآمنة. هم فقط ينتظرون طيش وجهل تجار الضوضاء ليبيعوا الدولار بأكثر من قيمته الفعلية ويشتروه بأقل من قيمته الفعلية. في منتصف القرن الماضي نشر ميلتون فريدمان، وهو من هو بالنسبة لأنصار السوق الحرة، كتابه «مقالات في الاقتصاد الواقعي Essays In Positive Economics». نظر فريدمان لكلمة واقعي positive باعتبارها مضاد كلمة normative أو معياري. وكان يحاول تقديم صورة أكثر واقعية لإدارة الاقتصاد، وخالية من معايير «ما يجب أن يكون»، مثل العدل والحق.. إلخ، والتي تضعف فهمنا لطريقة عمل الآلة المعقدة التي تسمى الاقتصاد الكلي. في المقال الخاص بتعويم أسعار الصرف، قدم فريدمان التصور الأكثر تقليدية وشيوعًا فيما يخص المعركة بين تجار الضوضاء والمُحَكِّمين. يقول فريدمان: بالطبع سينجح المضاربون أصحاب الرشادة، أي المُحَكِّمون، في تحقيق استقرار الأسعار في سوق حرة. فالمضاربون الذين يزعزعون استقرار الأسعار، أو تجار الضوضاء، يشترون عادة عندما ترتفع الأسعار ويبيعون عندما تنخفض. وهم بذلك يخالفون البديهية الأولى للتجارة «بع عاليًا واشتري منخفضًا». وهذه الفئة غالباً ما تخسر أو يتم طردها من السوق سريعًا. في مقابل هذا، هناك مضاربون، أو مُحَكِّمون، يحققون أرباحاً عن طريق التداول ضد المضاربين الأقل عقلانية من تجار الضوضاء، ممن يدفعون السعر بعيدًا عن الأساسيات الاقتصادية. المستثمرون أصحاب الرشادة حتمًا يلغون الانحرافات السعرية عن القيمة وفق الأساسيات، ويعملون على استقرار الأسعار. كانت إجابة فريدمان هذه مفارقة عجيبة. فقد كانت شديدة المعيارية في كتاب فكرته الأساسية وضع تصور واقعي مقابل التصورات المعيارية. اعتبر فريدمان أن العقلاء سيهزمون غير العقلاء منتصرًا لمعيار الرشادة بدون أي دليل تجريبي أو مادي. وقد انهالت الأدلة التجريبية في منتصف الثمانينيات لتثبت أنه، في ظروف كثيرة، العقلاء لا ينتصرون. ويؤكد كم هائل من الدراسات التجريبية، التي تؤيدها نتائج اختبارات إحصائية، إمكانية تفوق مضاربي الضوضاء على القوى التحكيمية في أسواق متعددة كأسواق الأسهم والعملات والعقارات. وبغض النظر عن الجدل الأكاديمي حول حدود قوة المُحَكِّمين، فإن ما يهمنا في الحالة المصرية هي أنهم لا ينتصرون بصفتهم عقلاء، بل يتوقف انتصارهم على قوة مراكزهم المالية. هل يملك المُحَكِّمون في سوق الصرف المصرية الدولارات الكافية لبيعها عندما ترتفع أسعار الدولار عن القيمة العادلة؟ وهل يستطيعون زيادة عرض الدولار بكميات لا يستطيع طلب تجار الضوضاء غير العقلاني التهامها والصعود بالأسعار بعيدًا عن الأساسيات الاقتصادية رغم أنوف المُحَكِّمين؟ من هم المُحَكِّمون في سوق الصرف المصرية أصلا؟ المركزي المصري كمُحَكِّم: سياسات تثبيت سعر الصرف من 2005 الى 2012 يتبع
__________________
|
#14
|
||||
|
||||
تابع
المركزي المصري كمُحَكِّم: سياسات تثبيت سعر الصرف من 2005 الى 2012 يمكن النظر لسياسات تثبيت سعر الصرف باعتبارها شكلًا عنيفًا من أشكال التحكيم يختلف عما هو سائد من التحكيم باعتباره نشاطًا عفويًا في السوق، يلغي الانحرافات السعرية التي يصنعها مضاربو الضوضاء. تثبيت سعر الصرف إجراء مركزي يقتــل أثر مضاربي الضوضاء قبل أن يبدأ. فالبنك المركزي لا يحرك أسعار الصرف إلا في نطاق ضيق (مثلاً من 5.70 الي 6.10). وحتى إذا قامت حفنة من مضاربي الضوضاء بحجب الدولار عن التداول أو شرائه بأعلى من سعره في البنك بسبب هذه الحركات الطفيفة، فسيحققون خسائر لأن البنوك تبيعه فعليا عند 6.10، وهو مستوى أقل من أسعارهم التي اشتروا بها وأقل من توقعاتهم. بالتالي، فإن التثبيت يقوم بفعل المُحَكِّمين في السوق الحر بشكل أكثر عنفًا وأقل عفوية. ليس جوهر سياسات تثبيت سعر الصرف هو تحديد سعر معين وعدم التخلي عنه، بل توفير دولارات عند هذا السعر المحدد رسميًا. في حالة جفاف الدولارات في الجهاز المصرفي، وهي الحالة التي تحدث عند التخلي عن تثبيت سعر الصرف، يتم استدعاء مضاربي الضوضاء من خلال المركزي المصري، وتختفي نسب تنازلهم عن الدولار للبنوك وتغذي توقعاتهم نفسها بنفسها في السوق الموازية. أما حالة تثبيت سعر الصرف فهي نقيض ذلك. ففي التثبيت، تكون نسب تنازل حائزي الدولار عالية ومستقرة، فتزداد حصيلة البنوك من الدولار نتيجة خمول مضاربي الضوضاء. لدرجة أنه أحيانا يدخل المركزي المصري كمشترٍ للدولار من البنوك. وقد كانت هذه الحالة التي يشتري فيها المركزي الدولارات من البنوك موجودة في أوقات استقرار سعر الصرف 1994-1997، كما ورد في دراسة محمود ابو العينين محافظ المركزي السابق لفاروق العقدة. كما حدثت أيضاً في عهد العقدة من 2005 إلى 2009. جوهر سياسات تثبيت سعر الصرف هو عرض الدولار عند الأسعار التي حددتها بنفسك، وسيضمن هذا العرض استقرار الأسعار، وسيضمن تدفق الدولارات إلى البنوك، وبالتالي يضمن قدرة المركزي على تجديد احتياطيات النقد الأجنبي والاستمرار في السوق كمحكم. المركزي المصري كنصف محكم: سياسات سعر الصرف المرن من 2012 إلى قرار التعويم يتبع
__________________
|
#15
|
||||
|
||||
تابع المركزي المصري كنصف محكم: سياسات سعر الصرف المرن من 2012 إلى قرار التعويم عندما تحدث صدمات لإيرادات الدولار في الاقتصاد العيني، كصدمة السياحة والاستثمارات الأجنبية بعد 2011، يضطر المركزي المصري للدخول كبائع للدولار في البنوك بصفته مُحَكِّمًا، فتنخفض احتياطاته النقدية الأجنبية، فيخشى عليها من التآكل أو تتطوع جهات معينة، على الأرجح صندوق النقد الدولي، للنصح بالتوقف عن ضخ الدولارات في السوق وترك السوق الحرة تفرز محكميها العضويين. ودائمًا ما تتزامن هذه الخطة لتقليل ضخ دولارات في السوق مع تحريك المركزي سعر صرف الدولار لأعلى، متصورًا أن ذلك يمكن أن يزيد من تدفق الدولارات للبنوك. بدأت هذه السياسات عندما ذهب محمد مرسي في 2012 إلى صندوق النقد الدولي بعد الثورة، واستمرت السياسات إلى الآن بدرجات أعنف. في ديسمبر 2012، تم تغيير نظام تداول الدولار بين البنوك من نظام الإنتربنك إلى العطاءات حتى يستطيع صندوق النقد مراقبة كمية الدولارات التي يضخها المركزي في السوق بوضوح. وبدأ المركزي في رفع أسعار الدولار، وفي ضخ الدولارات للبنوك بصورة أكثر تحفظًا مما سبق. كل ذلك طبعا حفاظاً على احتياطاته النقدية من التآكل. نعلم الآن ماذا حدث. نعلم أنه أيقظ مضاربي الضوضاء. وأول ما فعلوه هو الانسحاب من البنوك بدولاراتهم، لتجف حصيلة البنوك الدولارية. في هذه الحالة صارت معظم التزامات البنوك التجارية تجاه العملاء ممولة من المركزي المصري مباشرة. تحول البنك المركزي إلى بائع للدولارات. في هذه الحالة تصبح الاعتمادات المستندية الخاصة بالمستوردين وطلبات تخارج المستثمرين الأجانب ممولة مباشرة من البنك المركزي، إذا لم تكن هناك دولارات كافية في الجهاز المصرفي. ولو استخدمنا هذه العلاقة البسيطة بين كمية الدولارات في البنوك ووضع المركزي كبائع او مشترٍ للدولارات، نستطيع تفسير أشياء وتصريحات تبدو غريبة، مثل تصريح عامر الأخير أنه يتوقع ارتفاع الاحتياطي النقدي الأجنبي بسبب التعويم في الشهور القليلة القادمة بـ6 مليارات جنيه برغم أنه يستحيل أن يحقق ميزان المدفوعات فائضاً بـ6 مليارات جنيه في هذه الفترة القصيرة. والأهم أننا سيمكننا تفسير الشكل الغريب للاحتياطيات النقدية الأجنبية لمصر منذ بداية الألفية الثالثة. شكل (1)
شكل (2) شكل (3) يتبع
__________________
|
العلامات المرجعية |
الكلمات الدلالية (Tags) |
مصر, arabe24.net, الدولار, اقتصاد, تعويم, جنيه, جنيهات, سيهبط, كيف |
|
|