اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > التاريخ والحضارة الإسلامية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 13-09-2016, 12:20 PM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,687
معدل تقييم المستوى: 28
abomokhtar is just really nice
New الأم المجاهدة الصابرة نسيبة بنت كعب


الخطبة الأولى
الحمد لله نحمده على نعمه، ونستعينه على طاعته، ونستنصره على أعدائه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، سخر لدينه رجالا قام بهم وبه قاموا، واعتزَّ بدعوتهم وجهادهم وبه اعتزوا، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، كان يربي ويعلّم ويدعو، ويصوم ويقوم ويغزو، صلوات ربي وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.
*
معاشر الصالحين والصالحات:
اعلموا أننا في زمن كثرت فيه الفتن واختلطت فيه المعالم، وإن من أكبر الحصون لبناتنا وأخواتنا وزوجاتنا لمواجهة ذلك بعد تقوى الله، التربية الإيمانية الحقة، التربية على منهج القرآن والسنة.
*
وإن من أكبر ما يعين على ذلك أن نقص عليهن سيرَ وقصص من امتدحهم الله في كتابه، ونبيُّه صلى الله عليه وسلم في أقواله.
*
ولهذا نجد أن العهد النبوي قد حفل بنماذج مُشرقةٍ لنساءٍ كن بمثابة بذْرات أُلقيت في حقل الإسلام، فلما جاءت سحابة الإيمان وسكبت ماءها فى هذا الحقل، وإذا بتلكم البذْرات النقية التقية تتغذى من خلال النبعين الصافيين، من كتابِ الله وسنةِ رسوله صلى الله عليه وسلم، وإذا بها تتفتح أزهارا لتنشر عطرها وعبيرها، فيملأُ الكونَ كلُّه بأريج وعبَقِ الإيمان والتوحيد.
*
فتعالوا بنا معاشر أحباب الله وأحباب رسوله صلى الله عليه وسلم لنعيش لحظات مع سيرة عطرة لامرأة صحابية عطرت كتب السير بسيرتها المباركة.
*
فهي ليست من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ولا من أزواج كبار الصحابة، هي امرأة من أسرة عُرفت بالمكارم، وشأنها شأنُ كثيرات من النساء ممّن أحببنَ الله ورسوله، وتاقت أنفسُهن إلى ما أعده الله لهن في الدار الآخرة.
*
• هي واحدة من الصحابيات الجليلات اللواتي يُضرب بهن المثل في التضحية والإيثار والبذل والعطاء.
• هي صحابية أنصارية، من القوم الذين وصفهم الله في القرءان بقوله: ﴿ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَة ﴾ [الحشر: 9].
*
ولا شك أنكم بشوق لمعرفة هذه الصحابية الفاضلة.
*
إنها المرأة التي خاطبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في شجاعة أدبية وكأنها تتطلع إلى حق جديد تطمح أن يكون مُخبأً بين أسطُرِ الشريعة الغَراء، من فيض الحقوق التي انهالت عليها وعلى نساء عصرها من المُهاجِرات والأنصاريات، قائلة للنبي صلى الله عليه وسلم: "ما أرى كلَّ شيء إلا للرجال، وما أرى النساء يُذْكَرن في شيء"، فنَزَل قولُ الله تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ.... ﴾ [الأحزاب: 35].
*
ولقد وصفها الإمام أبو نُعيم الأصبهاني في "حلية الأولياء "فقال: "أُمُّ عُمَارَةَ الْمُبَايِعَةُ*بِالْعَقَبَةِ، الْمُحَارِبَةُ عَنِ الرِّجَالِ وَالشِّيبَةِ، كَانَتْ ذَاتَ جِدٍّ وَاجْتِهَادٍ، وَصَوْمٍ ونُسُكٍ وَاعْتِمَاد".
*
وترجم لها الذهبي في "سير أعلام النبلاء "بقوله: أُمُّ عُمَارَةَ، نَسِيبَةُ بِنْتُ كَعْبِ بنِ عَمْرٍو الأَنْصَارِيَّةُ الفَاضِلَةُ.
*
نعم إنها أُمُّ عُمَارَةَ، نَسِيبَةُ بِنْتُ كَعْبٍ، نموذجٌ من النساء اللاتي شاركن وتحملن المسؤوليةَ في إقامة هذا الدين العظيم.
*
فإليكن أيتها الأمهات والزوجات والبنات والحفيدات والأخوات، إليكن جميعاً أقدم هذا النموذج.
*
وإليك خاصة أيتها الفتاة المسلمة، يا من تسميت باسم هذه المرأة، نسيبة، وانتسبت إلى صفوف الصالحات العابدات المجاهدات الفاضلات العفيفات، وإليك يا فتاة الإسلام، يا من اتخذت من الصحابيات مثالا لك في التضحية والإيمان والتقوى والحياء والفضيلة، مثالا تَقتدي بهن في الإيثار والصمود أمام الشهوات والمغريات.
*
فالحديث عن هذه الصحابية مؤثر وشيق وجميل، حديث يسر النفوس والعقول.
فلو ذكرنا الزوجات الوفيات، كانت من أولات السبق.
وإن تحدثنا عن السبق إلى الإيمان كانت من الأوائل.
*
وإذا تحدثنا عن أهل العبادة والطاعة لله عز وجل وجدناها عابدة قانتة. وإذا سألنا عن العلم والحديث النبوي، وجدناها راويةً مُتقنة لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
*
وإذا تحدثنا عن تربية أولادها وجدناها هي منبَتُ وصانعةُ رجالٍ صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
*
وإذا تحدثنا عن الميدان الجهادي، فقد قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد: "لمقام نسيبة بنت كعب اليومَ خَيْرٌ من مقام فلان وفلان".
*
فأي امرأة هذه التي حازت كل هذه الخصال العظيمة الحميدة؟
امرأةٌ امتلأ قلبها بحب الله تعالى وحب نبيه صلى الله عليه وسلم، فضربت أعظمَ الأمثلة في حبِّ وخدمة الدين الحنيف، فقدمت صفوةَ الأوقات، وعظيمَ الجهد، وبذلت وضحت في سبيل ذلك الحب كلَّ ما هو غالٍ ونفيس، لتمضي رضي الله عنها قُدمًا تهَبُ طاقاتِها لذلك منذُ لحظاتها الأولى في الإسلام.
*
وهبت طاقاتٍ عظيمة وسخرتها من موقعها كأم في بناء جيلٍ مسلم بالتربية القويمة والتنشئة الطيبة، فكانت أنموذجا فريدا، حين عكفت على تربية أولادها تُلقِّنهم وتغرس فيهم مفاهيمَ الإسلام وأُسُسَه، فأخذوا ينهلون من هذا النبع الصافي، فصاغتهم رجالا بحق ليضربوا بعد ذلك أروعَ الأمثلة في البطولة والجِهاد.
*
ولم تكن تلك التضحية التي ملأت على أم عُمارة فؤادَها، نتيجة نزعة عابرة تزول على مر الأيام؛ بل كان مصدرُها إيمانا عميقا، ويقينا بالله ورسوله، وهو إيمانٌ ثابت لا يزول، أو يتزحزح أمام أيِّ قُوة من قوى الظلم، فاستطاعت بذلك أن تُسجل من الأعمال والفضائل ما قلَّ نظيره في زماننا اليوم، وأن تُسجِّل أعظمَ البطولات التي خلد التاريخُ ذِكْرَها، وسطرها بمداد من نور، وتناقلتها الأجيالُ جيلا بعدَ جيل، إلا هذا الجيل الذي يعرف عن لاعبي فريق من كرة القدم أكثر ما يعرف عن هذه المرأة المجاهدة الصابرة ولا عن غيرها...
*
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، وأشهد أن لا إله إلا اله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
*
وجاء يوم بيعة العقبة الثانية:
فكانت مِن أوائل مَن بايع النبي صلى الله عليه وسلم، وهي واحدة من امرأتين حضرتا بيعة العقبة الثانية، حيث أَتَت مع زوجها في الثلث الأخير من الليل متيقِّظة لتلك اللحظات، مستخفية مع مَن استخفى للقاء ومبايعة النبي صلى الله عليه وسلم عند العقَبَة.
*
لقد كانت رضي الله عنها تمتلك شخصيةً قوية، لكنها في الوقت ذاته شخصيةٌ تقية طاهرة عفيفة، حيث وَظَّفَت قوتها من أول يوم لخدمة الدين، واستطاعت أن تحقِّق موازنةً صعبة ومعادلة عجزت عن استيعابها محافلُ ومؤتمراتُ المرأة في العصر الحديث، فجمعت رضي الله عنها بين الحياء والقوة، وبين الإيمان والشجاعة.
*
فأم عُمارة رسمت من خلال هذه البيعة، وخطت منهجا جديدا لمكانة المرأة في المجتمع الإسلامي الوليد، منهجا يَحُوطه الكثير من القِيَم التي سترتقي إليها المرأةُ لتعزيز مكانتها وإعلاء شأنها.
*
كان شغلُها وهمُّها، أن تُثبت للمرأة المسلمة دَورَها الواضح في خِدمة الدين والمجتمع، فقدمت للنساء في كل عصر دروسا وضَّاءة فيما يجب أن تكون عليه حياةُ المرأة المسلمة في واقعها، وأن تضع حدودا فاصلة بين أوهام الدعاوي التحررية المزيَّفة، وضلالات التقاليد الخرافية، ليتَّضِح بين هذا وذاك وسطية الإسلام في مواقفها التلقائية، التي برَزت من خلالها حقوقٌ ذهبية، وهِبَات كالكنوز مُنِحت للمرأة المسلمة.
*
فلا إفراط أو استخفاف برأيها، ولا تضييق أو حَجْر لحقوقها، ولا استحقار لمكانتها، ولا استغلال لقدراتها وإمكانياتها الخاصة كما يُريد أدعِياء تحرير المرأة، فصوت الإسلام كان يقول لها:"إنَّ رأيَك أيتها المرأة حقٌّ لكِ أن تعبري عنه، وصوتك واجب علينا أن نسمعه منك، لأنك جزء من المجتمع الذي خاطبه النبي صلَّى الله عليه وسلم بقوله: "إنَّما النساءُ شقائقُ الرجال"، فلك أيتها المرأة وعليك من الحقوق والواجبات ما يُلائم تكوينَك وفِطرتَك.
*
وفي الوقت ذاته علمها النبي صلى الله عليه وسلم ويعلم كل امرأة كيف ما كان موقعها في المجتمع أو مكانتها، كيف تكون العلاقة التعاملية بين الجنسين وحدودَها داخل المجتمع، وكيف يكون احترام المرأة والحفاظُ على كيانها الطاهر النقي، حين اكتفى النبي صلى الله عليه وسلم بسماع البيعة منها، فكانت بيعتها قولا،‏ وما صافح رسول الله صلى الله عليه وسلم يدها‏.
*
فمنهج الإسلام أن يَحفظ للمرأة حقوقها في وسطية غَراء، تحفُّها العفة والطهر والحياء، وتحُوطها هالةٌ من الهيبة والوقار والإكبار، متمثلة في حجابِها، الأشبهِ بغلاف لؤلؤة ثمينة يُخشى عليها من المس والتلوث.
*
فالمقصد الأعلى الذي يريد أن يحققه الإسلام من خلال نظامه الاجتماعي هو صَون الأعراض وحفظُها، وكَبْحُ جِماح الشهوات وضبطُها وتقييدُها بضوابط أخلاقية تَضمن استعمالَها في خير الإنسان وسعادته، بدل إهمالِها أو تضييعها في الفوضى والهمجية، كما يريد بذلك النظام الاجتماعي الغربي التغريبي الذي شقَت به الإنسانية رجالاً ونساءً.
*
هذا النظام الغربي الذي تطور بصورة شرسة في الآونة الأخيرة، حتى أصبح يمثل سعارا صريحا على القِيم والمبادئ الإنسانية على المُجمَل، وكلُّ ذلك تحت ستار حرّية المرأة، وأي حرية قدموها للمرأة؟
*
وما زال في النفس شوق للحديث عنها والنهل من بعض ما رُوي عنها، وحديثنا القادم بإذن الله سيكون أيضاً إشارة لها وعنها رضي الله عنها.

الرهواني محمد
__________________
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 13-09-2016, 12:21 PM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,687
معدل تقييم المستوى: 28
abomokhtar is just really nice
New

الأم المجاهدة الصابرة نسيبة بنت كعب (2)

الخطبة الأولى
الحمد لله الكبير المتعال، ذي العزة والجلال، خلق فسوّى، وقدّر فهدى، أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، وخليله وخيرته من خلقه، بلّغ الرسالة، وأدّى الأمانة، وجاهد في الله حقَّ جهاده، أفضل من صلّى وصام وحجّ لله وقام، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أصحابه الغرّ الميامين، وعلى التابعين وتابع التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
*
معاشر المؤمنين والمؤمنات:
مع تتمة درس: "المرأة المجاهدة الصابرة".
أم عُمارة، نسيبة بنت كعب، امرأة يعجز القلم عن وصف فضائلها ومكارمها ولقد جمع الله لها الكثير والكثير من المكارم والفضائل:
إنها امرأة وهبت طاقاتها وسخرتها من موقعها كأم في بناء أسرتها بالتربية القويمة والتنشئة الطيبة.
*
فأدركت رضي الله عنها أنَّ رِسَالَتَها في الحياة ستكون قاصِرَة وسَطحية إنْ صبغت نفسَها بهذه الرسالة دون أسرتِها.
*
فالأسرة هي أهم مؤسسة في المجتمع، وهي النواة الأولى التي يتلقى فيها النشء معارفهم الأولية، فإذا صلحت صلح المجتمع كله، وإذا فسدت فسد المجتمع كله.
*
نعم.. لقد أدركت أم عُمارة، أنّ التكليفَ الأَولَى لكلِّ أمٍّ تدعو بدعوة الحق هو داخل الأسرة، وأن أي حركة تربوية أو دَعوِية خارجَ الأسرة بدايةً وقبل النظر في حالِ الأولاد، يُعَدُّ ضَرْبا من السفاهة، بل الجحود لهذا الدور التربوي، فلا بد من التركيز على البناء التربوي داخلَ الأسرة ابتداء.
*
لذا سَعَتْ نسيبة بنت كعب رضي الله عنها، في ترسيخ مبادئ التضحية والإيثار والبذل والعطاء داخل أسرتها، فكانت أنموذجا فريدا، حين عكفت على تربية أولادها تُلقِّنهم وتغرس فيهم مفاهيمَ الإسلام وأُسُسَه، فأحسنت رضي الله عنها تربية أولادها، وملأت قلوبهم إيمانا وصدورهم شجاعة وسواعدهم قوة، فما لبثت ثمار تلك التربية الصالحة إلا أن أينعت على أرض الواقع وأعطت أكلها، شبابا يحبون الله ورسوله ويسارعون في ذلك.
*
ونُلاحظ ثمار تلك التربية الصالحة جليًّا في موقفين.
الموقف الأول يومَ أحد: حين قدَّمت هي وابناها حبيبا و عبدالله وزوجَها رضي الله عنهم المثلَ الأعلى في التضحية والفِداء، فتقول أم عُمارة: "خرجتُ أولَ النهار إلى أُحد، وأنا أنظر ما يصنع الناس، ومعي سِقاءٌ فيه ماء، فانتهيتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في أصحابه، والغلبة للمسلمين، فلما انهزم المسلمون، انحزتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعلتُ أُباشِر القِتال، وأدافع عنه بالسيف وأرمي بالقوس حتى خَلُصت إلي الجراح". هكذا قولها رضي الله عنها.
*
وقد جُرحتْ في ذلك اليوم، ثلاثةَ عشْر جُرحًا.
*
فأثنى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: "لَمَقَامُ نسيبَةَ بِنْتِ كَعْبٍ الْيَوْمَ خَيْرٌ مِنْ مَقَامِ فُلانٍ وَفُلانٍ".
*
ولم تكن وحدها، بل كان معها زوجها وابناها، شاركوا جميعا في حماية النبي صلى الله عليه وسلم.
*
وهذا الموقف لم يكن صُدفة، بل هو موقف قد رتبته التربية القويمة التي سبقت هذا الموقف العفوي، فكانت الأم والأب وابناهما يقفون موقفا متلاحِما ومنسجما، ويَثبتون ثباتا يُظْهِر لنا مَعانِيَ جديدةٍ في التربية الأسرية، بَدءا من حب الله عز وجل وابتغاء نُصرته ونُصرةِ رسوله صلى الله عليه وسلم، وانتهاءً بطاعة الوالدين.
*
وفي المعركة يُصاب ابنُها عبدالله، بجرح في عضدُه الأيسر، وغدا ينزف نزفا غزيرا، فراحت الأمُّ تُمرِّضه وتضمِّده، حتى إذا اطمأنت عليه قالت له: "انهض بُنيَّ فضاربِ القوم".

وبهذه الجملة تلخص لنا أمُّ عُمارة رضي الله عنها مَنهجا للتربية:
فالتربيةُ قد تكون بالقُدوة، وقد تكون برَفْعِ العزيمة والهِمَّة في نفوس الأولاد. فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ومن يُطيق ما تُطيقين يا أُمَّ عُمارة".
*
ثم لم يملك حينَها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلاَّ أن يدعوَ لهذه الأُسرة الفاضلة مِن سويداء قلبه قائلاً: "بارك الله عليكم مِن أهل بيت، ورَحِمكم الله أهلَ بيت".
*
حينها لم تكتفِ أم عُمارة بمباركة النبي صلى الله عليه وسلم، فطُموحها لا حدودَ له، وبضاعَتُها ليس في هذه الدنيا، فقالت :ادعُ الله أنْ نرافِقَكَ في الجنة، فقال: "اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة"، فبوركتْ حينَها رضي الله عنها ببركة دعاء النبي، وبورك لها مقامُها الطيب... وتسقط من عينيها دموعُ الفرح الباكي وهي تقول: "ما أُبالي بعدَها ما أصابني من الدنيا".
*
الموقف الثاني: وذلك حينما ادعى مسيلمةُ النبوة، وأرسل برسالة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء فيها: "مِنْ مُسَيْلِمَةَ رَسُولِ اللَّهِ، إلَى مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، سَلَامٌ عَلَيْكَ، أَمَّا بَعْد: فَإِنِّي قَدْ أُشْرِكْتُ فِي الْأَمْرِ مَعَكَ، وَإِنَّ لَنَا نِصْفَ الْأَرْضِ، وَلِقُرَيْشٍ نِصْفَ الْأَرْضِ، وَلَكِنَّ قُرَيْشًا قَوْمٌ يَعْتَدُونَ".
*
فرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من محمد رسول الله إلى مسيلمةَ الكذاب، السلام على من اتبع الهدى، أما بعد فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده، والعاقبة للمتقين".
*
وندب رسول صلى الله عليه وسلم لحمل الرسالة حبيبا بن زيد الأنصاري، وما كان اختيار النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الشاب، إلاّ لِمَا عُرف عن أهل بيته من التضحية والعطاء والبذل.
*
فذهب الشاب غير خائف ولا متباطئ، حتى دخل على مسيلمة، ودفع إليه الرسالة، فلما قرأها مسيلمة، أمر بحبيبٍ فقُيِّد وحُبس، ثم أحضروه في اليوم التالي وسط الجموع، فقال له مسيلمة: أتشهد أن محمدا رسول الله؟ قال: نعم أشهد أن محمدا رسول الله، فقال: وتشهد أني رسول الله؟ فقال حبيب: أنا أصم لا أسمع، فتغير لونُ وجهِ مُسيلمة، وأمر الجلادَ بقَطع قِطعة من جسده، ثم أعاد عليه السؤال، ليسمع نفس الإجابة، فأمر مسيلمة بقَطع قِطعة أخرى من جسد حبيب رضي الله عنه والناس ينظرون في دهشة.
*
واستمر مسيلمةُ يسأل وحبيبٌ يقول: أشهد أن محمداً رسول الله، والجلاد يقطع من جسده، حتى أصبح ما يقرب من نصف جسده قطعا مقطعة، ثم فاضت روحه وعلى لسانه وفي قلبه اسمُ سيدِ العالمين، محمدٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
*
فقالت أم عمارة حين بلغها نبأ استشهاد ابنها: "مِن أجل مثلِ هذا الموقف أعددتُه، وعند الله احتسبتُه.. لقد بايع رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ليلةَ العقبة صغيرا، ووفى له اليوم كبيرا، ولئن أمكنني اللهُ من مسيلمةَ لأجعلنّ بناتِه يلطِمن الخدود عليه".
*
وحقق الله أمنية هذه الأم الفاضلة الصابرة، وجاء يوم اليمامة الأغر، فانتقم الله جل جلاله لفتاها البَرِّ التقيّ مِن قاتِلِه مسيلمة.
*
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله والصلاة والسلام على أشرف المرسلين.
*
وتَمُرُّ السنوات، وأمُّ عمارة نسيبة في خِدرها عابدةً قانتة، تتذكر وتحن إلى ما خلا من أعوام ماضيات، حافلات بالجهاد والتضحيات، فظلَّت تعبد ربَّها حتى وافاها الأجل، فصَعِدَتِ النفس المطمئِنَّة إلى بارئها.
*
ورقد جثمانها الطاهر في البقيع، إلى جوارِ مَن سبقها من الصديقين والشهداء والصالحين، وارتفع مَقامُها إلى مقامٍ أعلى وأسمى في دار الخُلود، بعد حياة قضتها وهي تُجاهد في سبيل الله جنبا إلى جنب مع أُسرتها المؤمنة الصابرة.
*
فرضي الله عنكِ أيتها السيدة الفاضلة وأَرضاكِ، لقد طبعتِ مواقِفَك على صفحات التاريخ لتكوني نموذجا يُحتذى.
*
قدَّمتِ للدعوة المباركة مِن عُصارة الوقت والجهد والبذل، وأعطيتِ نِساءَ كلِّ زمان ومكان دُروسًا عظيمة فيما ينبغي أن تكونَ عليه المرأة المسلمة.

فما أحوجَ جيلَنا المعاصر إلى الاقتباس من هدي مثلِ هؤلاء النجوم الزاهرات، وهن يُعطينَ المَثلَ العظيم، والبرهانَ الساطع لِمَن عَرَف واجبَه خيرَ المعرفة، فبذل وضحَّى بالكثير في سبيل دين الله، حين صَدَق ما عاهد اللهَ عليه.
*
فما أحوجَكِ أيتها المرأة المسلمة أمًّا كنت أو زوجةً أو بنتا أو أختا، وخاصة في هذا الزمن، الذي يموج بتيارت شتى من الفتن، وطرق الغواية المبثوثة من وسائل الإعلام بكل أصنافها.
*
ما أحوجَك أيتها المرأة المسلمة إلى قراءة السيرة العطرة لهؤلاء الصحابيات الجليلات، حتى تدركين في أي الطريق أنت سائرة!..
*
فإن وجدت نفسك تسيرين على النهج الذي رسمه القرآن الكريم والهدي النبوي الشريف، فتابعي مسيرك على بركة الله عز وجل ولا تستوحشي لقلة السالكين.
*
وإن وجدت نفسك بعكس هذا المنهج التربوي الكريم، فلا زال الوقت أمامك في الرجوع الى الله تعالى رجوعا صادقا بتوبة نصوح صادقة، تَعْقِدي فيها العزم على الصلح مع الله تبارك وتعالى.
*
وإياك أيتها المسلمة من التسويف، فالتسويف والتأجيل مَهلكةٌ للإنسان، وسببٌ لضياع عزيمته، وهوانِ دينه في نفسه.

الرهواني محمد
__________________
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 20-10-2016, 02:48 PM
marwan ahmd marwan ahmd غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Oct 2016
المشاركات: 33
معدل تقييم المستوى: 0
marwan ahmd is on a distinguished road
افتراضي

بانتظار المزيد من مواضيعك
__________________
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 09:10 AM.