الصراعات الدولية والاقليمية عبارة عن مشاريع بحاجة فقط لعناوين
فلاح ميرزا
من يقرا التاريخ ويخوض فى تفاصيله لايجد صعوبة فى معرفة الاسباب الكامنة وراء الصراعات الدولية فان ثمة حقائق التى يجب ان تكون ماثلة فى اذهاننا حتى نتمكن من معرفة المشهد العالمى الحالى واولها ان تلك الصراعات وان كانت بداياتها اى فى العصور القديمة تدور فى محاور المفاهيم الدينية للدعاة من رجال الدين التى تنحصر فى الطبيعة الواحدة او الطبيعتين الانسانية والالهية للنبي عيسى عليه السلام
واخذت الالاف من البشر واستمرت اربعة قرون ونصف ومن ثم تتحول الى صراع بين الفرس والرومان والدولة الاسلامية والامبراطورية الفارسية والاسلامية مع المسيحية فى الاندلس الى الحرب بين الامبراطورية العثمانية والبريطانية ثم تحول الصراع من صراع يخوض بين مناصرى الاديان الى صراع مصالح بعد الثورة الصناعية فى اوروبا وطهور الحاجة الى مصادر للمواد الاولية ومواقع تجارية ولعل الحرب العالمية الاولى والثانية احدى تلك الظواهر لذلك فان تلك الصراعات كانت تتخندق تحت لافتات وشعارات رغم انها اخذت اشكال والوان متعددة الا انها كانت بحاجة الى عنوان فالثورة البلشفية والفلاحية فى روسيا والصين والانقلابات العسكرية التى تحولت الى ثورات بالتسمية لاتخرج على العناوين التى كانت مهيئة لها لذلك تحولت المفاهيم الثورية التى اتت عليها تلك التغيرات فى العالم الى عناوين منحت لها لتتحول الى مشاريع تحت تسميات عصرية الديمقراطية والربيع العربي والاسلام السياسي والعلمانية والارهاب فلكل من تلك المسميات وضع لها خطوط عمل تتحول بمراحل وفق الزمن المتاح لها الى سياسات ممنهجة ومشاريع تدار بطريقة يصعب على الاخرين فهمها ومعرفة مصادرها , والنوع الاخر من الصراع يطلق عليه الصراع المنضبط الذى يقوم على اتفاق مصالح بين القوى الكبرى حتى وان اتخذ فى وقت ما الحرب الباردة اى ان هناك سقف اعلى للصراع بما يحفظ مصالح الاطراف الاخرى وهذا ما يمكن ان نجده ضمن سياسات الدول الكبرى اليوم تجاه الازمات الاقليمية , لذلك نجد ان هناك اختلاف فى المفاهيم مابين دلالتها فى الماضى ودلالتها اليوم ولكي نتمكن من قراءة نصوص ذلك الزمان بدلالات مفاهيم زمنهم لابد لنا من العودة الى التاريخ الذى سيضعنا فى دروب الحقيقة , وعلينا ايضا التميز بين المصالح والمبادئ فالدول الراسمالية تتخلى عن اصدقائها بسرعة بمجرد ان ترى بالبديل مصلحة افضل ومثال ذلك تخلت عن ماركوس فى الفلبين والشاه فى ايران فى حين ان الاتحاد السوفيتى اراد ان يشغل العالم بحرب عالمية دفاعا عن كوبا وزعيمها كاسترو عندما تعرضت لها الولايات المتحدة بحجة القواعد الصاروخية السوفيتية فى كوبا ( ازمة خليج الخنازير) ورغم التوتر الذى اصاب العالم نتيجة تمسك كلا الجانبين بمواقفهما سيما وان القطبين مازالوا يعانون من الاثار التى خلفتها الحرب العالمية الثانية الامر الذى دفع بالطرفين الى الاتفاق على ازالة هذا التوتر واسستبداله بوسائل اصبحت تدريجيا اكثر فاعلية وتاثير على انظمة الدول الاخرى واطلق عليها الاحتواء المزدوج التى تحولت بعدها الى استراتجية امركة العالم بالقوة وتلك هى حرب الاجهزة الاستخباراتية والمعلوماتية التى توفرها تلك المؤسسات البحثية للوصول الى مبتغاهم والتى اطلق عليها بالحرب الباردة فى حين وضعت الانظمة الاخرى رقبتها تحت مقصلة الطرف الاقوى وانقسم العالم الى مجموعات كل يبحث عن مصالحه فظهرت المجموعة الاوروبية ومجموعة دول عدم الانحياز ودول العالم الاسلامى وعند هذا الحد وقفت الدول تتفرج على مايصنعه القطبين فى العالم نتيجة هذا الصراع الذى تختفى خلفه شعارات ومسميات اصابت اهدافها فى تيار (البروسترايكا) التى قادها مبخائيل كورباشوف فى الاتحاد السوفيتى ويتحول موضوعه بسرعة الى دول المعسكر الاشتراكى والى الصين وامريكا الاتينية واخيرا لدول الشرق الاوسط تحت لافته الربيع العربي لتتحول بعد ذلك الى حرب تقاسم النفوذ بين الولايات المتحدة وروسيا بهدف تامين الاسواق التجارية ومصادر تموين الطاقة والمحافظة على الامن الدولى . ففى المنطقة العربية فان الولايات المتحدة دعمت النظم الاستبدادية تفضيلا للاستقرار والمحافظة على الديمقراطية حيث اصبح الاستقرار استراتجية امريكية مفضلة ومعتمدة كما حدد معالمها السياسى صموئيل هنتنغتون فى كتابه النظام السياسي فى مجتمعات متغيرة (1968)تأمينا للمصالح الامريكية , فى حين ان الولايات المتحدة وجدت ان ثورات الربيع العربي قد زعزعت عقيدة الاستقرارالامريكية وادخلتها فى حالة ارباك فى التعامل مع المتغيرات العميقة لذلك لجأت الى ادارة الفوضى رغم ان الاساس النظرى لكل من الفوضى الخلاقة والفوضى المنضبطة واحد التى استنبطت دروسها من الثورة الفرنسية التى لها من الاثار الايجابية فى منطلقاتها النظرية الا انها ايضا ولدت اثار جانبية ضاره تمثلت فى سيطرة الرعاع من العامة التى حولت الاوضاع الى فوضى عارمة تفتقرالى التنظيم فى ظل غياب مرجعات فكرية وسياسية فى الوقت عملت على استثمارحالة الفوضى كما فى ايران وعقب انهيار جدار برلين وسقوط الشيوعية وتفكك الاتحاد السوفيتى فى حين تم اعتماد استراتجية الفوضى البناءة فى التعامل مع الجمهوريات المستقلة, لذلك فان الادارة الامريكية تبنت سياسة تغير الانظمة فى منطقة الشرق الاوسط عبر تلك النظرية التى تمحورت بين الفوضى الخلاقة والفوضى المنضبطة والتى نفذها كلا الحزبين الجمهورى والديمقراطى وكل من الرئيسين جورج بوش الذى اتخذ من شعار الفوضى الخلاقة طريقا للعمل من خلالها لامركة العالم بينما اتخذ باراك اوباما نهج الفوضى المنضبطة طريقا لتحقيق المصالح الامريكية ولذلك لابد من اعتماد سلسلة من التدابير والاجراات التى تضمن السيطرة والهيمنة على العالم العربي الذى يوصف بانه عالم عقائدى ومملوء بالنفط واذا كان اقطاب نظرية الفوضى الخلاقة ينادون باستخدام القوة العسكرية لتغيير الانظمة كما فى افغانستان والعراق فان انصار الفوضى المنضبطة يطالبون باغراق الانظمة فى سلسلة من الصراعات والنزاعات التى لانهاية لها مع شعوبهم وتشجيع المشاعر الطائفية وتوضيفها كالذى حصل فى العراق وسوريا وليبيا واليمن مع التمهيد لدول اخرى للعمل وفق نهجها ورغم التخبط والارتباك الذى وضعت الولايات المتحدة نفسها فيهما فانها تسعى الى اعادة بناء قدراتها للامساك بخيوط اللعبة فى المنطقة من جديد والتمكن من ضبطها والسيطرة عليها وقد يشك فى امكانيتها تحقيق ذلك مما دفعها الى التنازل عن بعضها لايران والبعض الاخر صار فى حوزة الحركات الجهادية التى تمكنت وبسرعة فى ادارة اللعبة بطريقة التوحش فى المناطق التى تخضع لسيطرتها ومن يدرى ماذا سيكون عليه وضع المنطقة فى ضوء نتائج الانتخابات الامريكية القادمة فلا زال منطق التهديد والوعيد على لسان مرشحى الرئاسة من الجمهورين والديمقراطين يقابل ذلك زيادة فى التدخل الايرانى فى شؤون المنطقة واولها العراق ثم سوريا واليمن ولبنان .
المتغيرات الجديدة التى طرأت على السياسة الدولية تجاه المنطقة اصابها نوع من ازدواجية فى التعامل مع المواقف التى تشير الى ان العودة الى ثنائية الاقطاب بدء يتبلور من خلال ثورات الربيع العربي ورود الافعال التى ظهرت فى مواقف الدول الكبرى امريكا وروسيا فالنهج البركماتى للسياسة الروسية ساهم فى تغير مواقف دول اقليمية تجاه الولايات المتحدة وعزز موقف كل من ايران ودول الخليج العربي فى مقدمتها المملكة العربية السعودية, باعتماد روسيا على دبلوماسية القوة وتسعى للهيمنة على محيطها السابق وما يقال عن النظرية اللبرالية الجديدة التى ترى ان الامن الاقليمي لايركز فقط على البعد السياسى بمعناه التقليدى المعروف وانما تعداه الى الابعاد الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية لذلك نجد ان المتغيرات العالمية تتجه الى مزيد من الهياكل التى تضم التكتلات الاقتصادية كما الحال فى دول شرق اسيا واسيا الوسطي وامريكا اللاتينية وبنفس الوقت لاينظر الى مناطق ونظم اقليمية اخرى فى العالم بنفس المقياس, لذلك فان مظاهر العودة الى القطبية الثنائية بدأت واضحة,وهذا يعنى ان حالة الهيمنة الامريكية على منطقة الشرق الاوسط قد انتهت وان من نتائج الحرب الامريكية على العراق ان روسيا كان لها دور غير مباشر فى توريط امريكا فيها ليس لانها لم تؤيدها ولكنها بنفس الوقت لم تعارضها فى محاولة للاستفادة فى تعزيز موقعها فى المنطقة عن طريق التعاملات الاقتصادية وبيع السلاح الى جانب انها لم تؤيد ثورات الربيع العربي حيث وصفتها حركات تمرد لانها تؤدى الى تنامى الحركات الاسلامية المتشددة وان مواقفها السياسية تجاهها عبارة عن ردود افعال لموقف دولية وليست مبادرة وبالتاكيد فان النهج الركماتي الذى تتبعه تجاه التواجد الامريكى فى المنطقة لايعارض ذلك بقدر ان الموقف هذا يساعدها على التعامل مع انظمة المنطقة وفق المصالح التى ترى من ورائها تحسين موقفها الاقتصادى والسياسى .لذلك فان التنافس الدولى على المستوى الاقليمى الذى كان لايران وتركيا واسرائيل قد تميز بنوع من المصالح المطلوبة نتيجة ظهور دول اسيا الوسطى كازخستان وتركمستان واذربيجان الغنية بالنفط واليورانيوم ولها حدود تصل الى بحر قزوين الذى يشكل معبرا مهما للغاز والنفط الروسى فقد الهب ذلك دول تلك المنطقة وسال لعابها للاستفادة من الفرص الحيوية الذى يشكله هذا المعبر الى العالم واوروبا بالذات فعملت كل من ايران وتركيا واسرائيل على تغير سياستها تجاه المنطقة والاندفاع لتاسيس علاقات اقتصادية وتجارية مع دول اسيا الوسطى بحثا وراء المنافع الاقتصادية فايران مثلا تخلت ن فكرة تصدير نموذج الثورة الايرانية وكذلك حزب العدالة التركىا بزعامة اوردوكان واسرائيل وجدت فى تلك الدول فرصتها لتوسيع نطاق تعاملها معها والاستفادة من فرص انشاء علاقات تجارية وثقافية واستثمارية بانشاء شركات ومكاتب تجارية ووضعت يدها على مناجم اليورانيوم فى كازخستان وعلى هذا الاساس لم يبقى امام تلك الدول سوى ان تغير من نهجها البركماتى تجاه دول المنطقة التى كانت لقمة دسمة تجاه مطامع الدول الكبرى التى وجدت من ثورات الربيع العربي مختبرا كبيرا لتجاربها والتى ذهب الملايين من شعوبها قربانا لنوازعها التاريخية وعلى الدول العربية ان تدرك ذلك
|