اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > حي على الفلاح

حي على الفلاح موضوعات وحوارات ومقالات إسلامية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18-05-2016, 07:19 AM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,687
معدل تقييم المستوى: 28
abomokhtar is just really nice
New متطلبات شهادة أن محمدا رسول الله


إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، مَن يهدِه الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمَّدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبِعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:
فإن لشهادة: أن محمَّدًا رسول الله، متطلباتٍ أردتُ أن أذكِّر بها نفسي وأحبابي طلاب العلم الكرام، فأقول وبالله تعالى التوفيق:
معنى شهادة أن محمَّدًا رسول الله:
شهادة أن محمَّدًا رسول الله تعني أنه لا متبوع بحق إلا النَّبي صلى اللهُ عليه وسلم.
*
ويمكن أن نوجز متطلبات شهادة: أن محمَّدًا رسول الله في الأمور التالية:
(1) الإيمان الجازم بالنَّبي صلى اللهُ عليه وسلم والاعتراف برسالته.
قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ [النساء: 136].
*
(2) الانقياد التام والطاعة المطلَقة للنبي صلى اللهُ عليه وسلم.
قال سبحانه: ﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ﴾ [النساء: 80].
وقال تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ﴾ [آل عمران: 31، 32].
*
(3) تصديق النَّبي صلى اللهُ عليه وسلم فيما أخبر به من أمور الغيب في الماضي والمستقبَل.
مِن أصول الإيمان: التصديق الجازم بكل ما أخبر به النَّبي صلى اللهُ عليه وسلم، والاعتقاد بصحة كل ما أخبر به عن الأمم السابقة، وما أخبر به عن أمور الغيب في المستقبل؛ لأن ما جاء به وَحْيٌ مِن الله تعالى.
قال تعالى: ﴿ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النجم: 1 - 4].
وقال جل شأنه: ﴿ تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [هود: 49].
*
(4) اتباع النَّبي صلى اللهُ عليه وسلم في جميع الأقوال والأفعال.
قال الله تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ﴾ [آل عمران: 31].
وقال سبحانه: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [النور: 56].
روى البخاريُّ عن مالك بن الحويرث، قال: قال النَّبي صلى اللهُ عليه وسلم: ((وصلُّوا كما رأيتموني أُصلِّي))؛ (البخاري حديث: 6008).
روى مسلمٌ عن جابر بن عبدالله قال: رأيت النَّبي صلى اللهُ عليه وسلم يرمي على راحلتِه يوم النحر، ويقول: ((لتأخذوا مناسكَكم؛ فإني لا أدري لعلِّي لا أحُجُّ بعد حَجِّتي هذه))؛ (مسلم حديث: 1297).
*
(5) اجتناب ما نهى عنه النَّبي صلى اللهُ عليه وسلم.
أوجَب الله - سبحانه وتعالى - على جميع الناس طاعةَ الرسول صلى اللهُ عليه وسلم فيما أمر به، واجتنابَ ما نهى عنه، وحذَّرهم مِن مخالفة أمره صلى اللهُ عليه وسلم.
قال سبحانه: ﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ [النساء: 115].
وقال تعالى: ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النور: 63].
قال سبحانه: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الحشر: 7].
روى البخاريُّ عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى اللهُ عليه وسلم، قال: ((كل أمَّتي يدخلون الجنة إلا مَن أبى))، قالوا: يا رسول الله، ومن يأبى؟ قال: ((مَن أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى "امتنَع عن قَبول الدعوة"))؛ (البخاري حديث: 7280).
*
(6) تقديم قول النَّبي صلى اللهُ عليه وسلم على أقوال جميع الناس.
قال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [الحجرات: 1].
قال عبدالله بن عباس: (قوله: ﴿ لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ [الحجرات: 1]؛ أي: لا تقولوا خلافَ الكتابِ والسنَّة)؛ (تفسير الطبري جـ 24 صـ 352).
*
(7) محبة النَّبي صلى اللهُ عليه وسلم أكثرَ من محبة النفس والمال والوالد والوَلَدِ والناس أجمعين.
روى الشيخان عن أنس، قال: قال النَّبي صلى اللهُ عليه وسلم ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والدِه، وولَده، والناس أجمعين))؛ (البخاري حديث: 15 / مسلم حديث: 44).
وروى البخاري عن عبدالله بن هشام، قال: كنا مع النَّبي صلى اللهُ عليه وسلم وهو آخذٌ بيد عمرَ بن الخطاب، فقال له عمر: يا رسول الله، لَأنتَ أحب إليَّ من كل شيء إلا من نفسي، فقال النَّبي صلى اللهُ عليه وسلم: ((لا "أي لا يكمُلُ إيمانك"، والذي نفسي بيده، حتى أكون أحب إليك من نفسك))، فقال له عمر: فإنه الآن والله لَأنت أحبُّ إليَّ من نفسي))، فقال النَّبي صلى اللهُ عليه وسلم: ((الآن "كمَل إيمانُك" يا عمر))؛ (البخاري حديث: 6632).
*
(8) التسليم لحُكم النَّبي صلى اللهُ عليه وسلم والرضا به.
قال تعالى: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65].
*
(9) اتخاذ النَّبي صلى اللهُ عليه وسلم القدوةَ الحسنة.
قال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21]؛ (شرح الرسالة التدمرية لمحمَّد الخميس صـ 446).
قال الإمام ابن كثير (رحمه الله): هذه الآية الكريمة أصلٌ كبير في التأسِّي برسول الله صلى اللهُ عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله؛ ولهذا أمر الناس بالتأسي بالنَّبي صلى اللهُ عليه وسلم يوم الأحزاب؛ في صبرِه ومصابرته، ومرابطته ومجاهدته، وانتظاره الفَرَجَ من ربه عز وجل، صلوات الله وسلامه عليه دائمًا إلى يوم الدين؛ ولهذا قال تعالى للذين تَقَلَّقوا وتضَجَّروا وتزلزلوا واضطربوا في أمرهم يوم الأحزاب: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]؛ أي: هلَّا اقتديتم به وتأسَّيْتم بشمائلِه؟؛ (تفسير ابن كثير جـ 11 صـ 134: 133)، (شرح الرسالة التدمرية لمحمَّد الخميس صـ 446).
*
تنبيهات هامة:
(1) نبيُّنا محمَّد صلى اللهُ عليه وسلم ليس أول الخَلْق:
مِن أصول عقيدة أهل السنَّة والجماعة: أن نبيَّنا صلى اللهُ عليه وسلم ليس هو أولَ خَلْقِ الله؛ لأن أولَ ما خلَق الله تعالى على الإطلاق القلمُ.
روى أبو داود عن عبادة بن الصامت قال: سمعتُ رسول الله صلى اللهُ عليه وسلم يقول: ((إن أول ما خلَق الله القلمُ، فقال له: اكتب، قال: ربِّ، وماذا أكتب؟ قال: اكتب مقاديرَ كل شيء حتى تقوم الساعة))؛ (حديث صحيح) (صحيح أبي داود للألباني حديث 3933).
وأول ما خلَق اللهُ تعالى مِن البشر هو آدمُ صلى اللهُ عليه وسلم، ومَن زعم أن نبينا محمَّدًا صلى اللهُ عليه وسلم هو أولُ خَلْق الله تعالى، فقد كذَّب ما جاء في القرآن والسنَّة.
قال الله تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ﴾ [البقرة: 30 - 33].
روى مسلمٌ عن أنس بن مالك: أن رسول الله صلى اللهُ عليه وسلم قال: ((يقول بعض الناس لبعض: ائتوا آدم، فيأتون آدم فيقولون: يا آدم، أنت أبو البشر، خلَقك الله بيده، ونفَخ فيك من رُوحه، وأمَر الملائكة فسجدوا لك؛ اشفع لنا إلى ربك))؛ (مسلم حديث 194).
*
(2) بشريَّة نبينا محمَّد صلى اللهُ عليه وسلم:
مِن أصول عقيدة أهل السنة والجماعة: الإيمان بأن نبينا محمَّدًا صلى اللهُ عليه وسلم بشر، وُلِد كما يولد البشر، وعاش يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، ومرض ومات كما يموت البشر، ومن زعم أنه ليس ببشر، أو أنه خُلِق من نور الله، أو مِن نور العرش - فقد كذَّب القرآن الكريم، ومن كذَّب القرآن فقد كفَر بالله العظيم.
قال الله تعالى: ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾ [آل عمران: 144].
*
وقال سبحانه: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110].
*
وقال الله تعالى: ﴿ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ ﴾ [الأنبياء: 34].
*
وقال جل شأنه: ﴿ وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا * أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا ﴾ [الفرقان: 7، 8].
*
روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى اللهُ عليه وسلم كان إذا اشتكى (أصابه المرض) يقرأ على نفسه بالمعوِّذات، وينفُثُ، فلما اشتد وجعُه كنت أقرأ عليه وأمسح بيدِه؛ رجاءَ بركتها؛ (البخاري حديث 5016).
*
(3) نبينا محمَّد صلى اللهُ عليه وسلم لا يعلَمُ الغيب إلا بإذن الله:
أمور الغيب لا يعلمها إلا الله تعالى، ولا يستطيع ملَك مقرَّب ولا نبي مرسل أن يعلَم من أمور الغيب شيئًا إلا بوحيٍ مِن الله عز وجل.
قال الله تعالى: ﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا ﴾ [الجن: 26، 27].
*
وقال جل شأنه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [لقمان: 34].
*
قال الإمام ابن كثير (رحمه الله): هذه مفاتيحُ الغيب التي استأثر الله تعالى بعِلمها؛ فلا يعلمها أحد إلا بعد إعلامه تعالى بها؛ فعِلم وقت الساعة لا يعلَمُه نبيٌّ مرسَل، ولا ملَك مقرَّب، ﴿ لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ﴾ [الأعراف: 187]؛ (تفسير ابن كثير جـ 11 صـ 82).
*
ومِن أصول عقيدة أهل السنة والجماعة: أن نبينا محمَّدًا صلى اللهُ عليه وسلم لم يكن يعلَمُ مِن أمور الغيب شيئًا إلا بما أوحاه الله تعالى إليه.
*
ومَن زعم أنه صلى اللهُ عليه وسلم كان يعلَم الغيبَ وحده، فقد كذَّب القرآن الكريم.
*
قال جل شأنه: ﴿ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ﴾ [النجم: 1 - 5].
وقال - سبحانه - حكايةً عن نبينا محمَّد صلى اللهُ عليه وسلم: ﴿ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 188].
*
قال الإمام ابن كثير (رحمه الله): أمَره الله تعالى أن يفوِّض الأمور إليه، وأن يخبِرَ عن نفسه أنه لا يعلم الغيب، ولا اطلاعَ له على شيء من ذلك إلا بما أطلعه الله عليه؛ كما قال تعالى: ﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا ﴾ [الجن: 26، 27]؛ (تفسير ابن كثير جـ 6 صـ 478).
*
وسوف نذكُرُ بعضًا من الأدلة التي تدل على عدم معرفة نبينا محمَّد صلى اللهُ عليه وسلم بشيء من أمور الغيب إلا بوحي من الله تعالى.
*
(1) في حادثة الإفك: اتهم المنافقون أمَّ المؤمنين عائشةَ رضي الله عنها بالفاحشة، وظل النَّبي صلى اللهُ عليه وسلم شهرًا وهو يسأل الناس عن أحوال عائشة حتى نزل الوحيُ ببراءتها؛ (البخاري حديث 4750).
(2) لو كان النَّبي صلى اللهُ عليه وسلم يعلم الغيب ما أرسل سبعين من القرَّاءِ إلى أهل بئر معونةَ فيُقتَلون على أيدي المشركين، وذلك في السنة الرابعة من الهجرة؛ (مسلم حديث 302).
(3) لو كان النَّبي صلى اللهُ عليه وسلم يعلَمُ الغيبَ، ما أذِنَ لعمه حمزة بن عبدالمطلب في الخروج معه في غزوة أُحد، في***ه وحشي بضربة حربة غادرة؛ (سيرة ابن هشام جـ 3 صـ 31).
(4) لو كان النَّبي صلى اللهُ عليه وسلم يعلم الغيب ما تكبَّدَ مصاعب السفر إلى الطائف وأذى أهلها له وهو يعلم أنهم سوف يكذِّبونَه؛ (الطبقات الكبرى لابن سعد جـ 1 صـ 163: صـ 164).
*
(4) المبالغة في مدح النَّبي صلى اللهُ عليه وسلم بما ليس فيه:
نهى نبينا صلى اللهُ عليه وسلم عن المبالغة في مدحه صلى اللهُ عليه وسلم بما ليس فيه؛ كالاستغاثة به صلى اللهُ عليه وسلم بعد موته، أو وصفه بأنه يعلم شيئًا من أمور الغيب بغير وحيٍ مِن الله تعالى، أو ما شابه ذلك.
*
(1) روى البخاري عن ابن عباس، سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول على المنبر: سمعت النَّبي صلى اللهُ عليه وسلم يقول: ((لا تُطْروني، كما أَطْرَتِ النصارى ابنَ مريم؛ فإنما أنا عبده، فقولوا: عبدُ الله، ورسولُه))؛ (البخاري حديث: 3445).
*
• الإطراء: الإفراط في المدح، ومجاوزة الحد فيه،وقيل: الإطراء: المدح بالباطل؛ (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ 6 صـ: 565).
*
قال الإمام ابن التين (رحمه الله): معنى قوله: لا تُطْروني: لا تمدحوني كمدح النصارى، حتى غلا بعضُهم في عيسى فجعله إلهًا مع الله، وبعضهم ادَّعى أنه هو الله، وبعضهم: ابن الله؛ (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ 12 صـ: 155).
*
(2) روى البخاري عن خالد بن ذكوان، قال: قالت الرُّبَيِّعُ بنتُ مُعوِّذ بن عفراء: جاء النَّبي صلى اللهُ عليه وسلم فدخل حين بُنِيَ عليَّ، فجلس على فراشي كمجلسك مني، فجعلت جُوَيْرِيَاتٌ (بنات صغيرات) لنا، يضربن بالدف ويندبن (يذكرن الميت بأحسن أوصافه) مَن قُتِل من آبائي يوم بدر، إذ قالت إحداهن: وفينا نبي يعلم ما في غد، فقال: ((دعِي هذه، وقولي بالذي كنت تقولين))؛ (البخاري حديث: 5147).
*
قال الإمام ابن حجر العسقلاني (رحمه الله): قوله صلى اللهُ عليه وسلم: (دعِي هذه)؛ أي: اترُكي ما يتعلَّقُ بمدحي الذي فيه الإطراءُ المنهيُّ عنه.
*
فأنكر النَّبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم على الجارية ما ذكرت من الإطراء؛ حيث أطلقَتْ علمَ الغيب له صلى اللهُ عليه وسلم، وهو صفةٌ تختص بالله تعالى؛ (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ 9 صـ: 111).
*
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله رب العالَمين.
وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمَّد، وعلى آله وصحبه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

الشيخ صلاح نجيب الدق
__________________
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 05:54 PM.