حرافيش الحتة وفتواتها

[صوت الحق]

حرافيش الحتة وفتواتها

ا

عماد الصابر

مشهد خارجى، ليل لا يضيئه سوى سراج معلق فوق حائط مهدم.. يقف الفتوة «المعلم» على ناصية الشارع، وبجواره أحد صبيانه ينصت إليه باهتمام شديد وهو يقول: الناس دى محتاجة اللى يصحيهم، علشان يعرفوا إن الكبير كبير، علشان كده لازم تحصل حاجة كبيرة، تهددهم، تقلقهم، تخلى صوتهم يطلع من تحت اللحاف، وبدل ما يشتمونا يشكرونا، فاهم يا نصه؟.. بصراحة لا يا معلم.. والله إنت حمار ولا هاتفهم ولا بعد مليون سنة، جتة فيل وعقل مافيش.. يشير المعلم إلى واحد آخر من صبيانه، قائلا تعالى يا زقلط يمكن ربنا يطرح فيك البركة وتفهم.. وكرر المعلم ذات الحوار لصبيه الثانى، الذى أراد أن يثبت أنه يفهم ويمكنه التنفيذ، فقال: طيب يا معلمى هو انت ليه مهموم بالبقر دول، ما هم بيدفعوا الإتاوة ولا واحد فيهم يقدر ينطق.. يرد المعلم بصوت عال: يا خرابى على البقر اللى أنا آنيهم، أعمل لكم إيه علشان تفهموا؟
هنا يقفز أصغر الصبيان وأحدثهم انضمامًا للعصابة، وهو يقول: فكك منهم يا معلمى.. أنا رقبتى سداده، يرد المعلم: بقى انت يا قزعة فهمت والتيران دى ولا هى هنا؟.. يرد: يجعل سره فى أقصر خلقه يا معلمى، أنا أقول وجنابك تقول لى فهمت ولا لأ؟ شوف يا معلم الحكاية وما فيها إن جنابك عاوز تلم الناس دى تحت باطك صح؟، صح يا فالح.. ده المعلم بيرد.. وطبعا يا معلمى ده مش هيحصل إلا لو خافوا واترعبوا وهما اللى طلبوا مننا الحماية.. صح؟ تنفرج أسارير المعلم وهو يُهَمهم صحيح يا واد يجعل سره فى أضعف خلقه، تعالى هنا جنبى.. انت من الليلة دراعى اليمين، سامع يا عجل منك ليه؟
يسرع الصبى العبقرى إلى جوار معلمه الطويل ليقف فى ظل جلبابه، ممسكا بذيله ثم يقول: البت «بنت على حلاوة» اللى عامله فيها الست بديعة، فاكرها يا معلم؟ دى نخطفها من سكات من غير ما تعرف إحنا مين، ونخبيها يومين تلاتة، لحد ما الحارة كلها تضرب أخماس فى أسداس، ونخلى الواد بيطا ابن عزيزة الهبلة، يهرتل بشوية إشاعات على حاجات ومحتاجات، لحد ما نولع قلوبهم عليها، ورجالتنا القريبين منهم يبقوا برضه معاهم لحد التُّمن، ونخليهم يحسوا باليأس يا معلمى، وإنت ماتظهرش فى الصورة لحد ما رجالتنا يفهموهم إن فتوة الميدان هو اللى خطف البنت، علشان شتمته قبل كده لما عاكسها، واللى يقول ده يكون واحد من خباصين الحارة، وطبعا ماحدش منهم ولا من البوليس هيقدر يهوب ناحية الميدان.
يبقى الحل هو انت يا معلم، وطبعا هتتقل عليهم شويتين، لحد ما يسوقوا عليك شيخ الحارة وإمام الجامع، وكل اللى عاملين نفسهم من الكبارات، وساعتها تتحرك بشرط أن أهلها ييجوا لحد عندك ويبوسوا القدم ويبدوا الندم، دول يا معلم كانوا مهيجين الدنيا علينا خصوصا المحروقة دى، وحياتك عندى أنا نفسى أكسر عينها لو تؤمر، يتكلم المعلم بعد طول استماع، فيقول: يا غبى كده تبوظ كل اللى قلته، لو عايزها بعد كده هى اللى هتيجى لحدك مكسورة الجناح وتبقى فى الحلال.. مش كده ولا إييييييييه؟ يرد الغبى: صح كلامك يا معلمى.. إزاى فاتتنى الحكيوة دى؟ أنا فعلا كنت هابوظ الدنيا، تسلم دماغك المتكلفة يا معلمى.. يشير الفتوة الكبير إلى باقى الصبيان وهو يقول: التنفيذ بقى كتّيمى، فاهمين يا بقر ولا العملية هتبوظ منكم؟ لا يا معلم طلباتك أوامر.
أفيق من نومى وأنا أقول: هو محلب نام ولا لسه؟ جاب لمريم حقها ولا لسه.. أسمع صوت زوجتى وهى تقول: الساعة بقت اتنين، قوم علشان تفطر وتتوكل على الله، أقوم وكل جسدى يشكو ضرب الفتوات الذين يتكاثرون كل يوم على أجسادنا الواهنة، فإن شكونا، كانت الوعود، فإن انتظرنا التحقق، فوجئنا بصبى فتوة يخطط لاختطاف آخر لعقولنا وقلوبنا، فما إن نبدأ التنفيس حتى نفاجأ بحظر النفس وإن كان تحت الماء.