اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > رمضان كريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 01-06-2015, 01:38 PM
الصورة الرمزية ابو وليد البحيرى
ابو وليد البحيرى ابو وليد البحيرى غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
العمر: 60
المشاركات: 4,132
معدل تقييم المستوى: 14
ابو وليد البحيرى will become famous soon enough
افتراضي من أسرار الصوم وآدابه


من أسرار الصوم وآدابه[*]

الشيخ طه محمد الساكت




عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قال الله - عز وجلَّ -: كلُّ عملِ ابن آدمَ له، إلا الصيامَ؛ فإنه لي وأنا أجْزي بهِ، والصيام جُنَّةٌ، فإذا كان يومُ صَومِ أحدكم، فلا يَرفُثْ ولا يَصْخَبْ، فإن سابَّه أحدٌ أو قاتَله، فلْيقُل: إني صائمٌ.


والذي نفس مُحمد بيده، لَخُلُوفُ فم الصائم أطيبُ عندَ الله من ريح المسْكِ، لِلصَّائم فرحتَان يَفرحُهُما: إذا أفطر فرحَ، وإذا لقيَ ربَّهُ فرِحَ بِصومِهِ))؛ رواه الشيخان واللفظ للبخاري[1].


مكان الصوم من العبادات:
أفاض العلماءُ والباحثون قديمًا وحديثًا في حِكَم الصوم وأسراره ما شاء الله أن يُفيضوا، وجَهِدوا في اكتشافها ما شاء الله أن يجهدوا، ولكنَّهم مهما يَكتشِفوا من أسراره الفردية والجماعية، وحِكَمه المادية والرُّوحية، وآثاره الطبية والتهذيبية، فلن يُدرِكوا غايتَها، ولن يحيطوا بتفصيلها عِلْمًا.


وأكبر الظنِّ أنهم في جهدهم هذا يُعْنَوْن أشد العناية ببيان حِكَمِه وأسراره مستقلاًّ عن سائر أركان الإسلام وشُعَبه؛ إذ لم ينل ارتباطه بها وتأثيره فيها من هذه العناية إلا قليلاً.


فهل لنا أن نُنعِم النظر في كشف أسرار الصوم مرتبطًا بغيره من شرائع الإسلام وشُعَبِه ومؤثِّرًا فيها، كما أنعمنا النظر في أسراره وآدابه مستقلاًّ عنها، وبلَغْنا أمدًا بعيدًا؟ وهل لنا أن ننتقل بعد ذلك إلى سائر هذه الشُّعب فندرُسَ صلة كل منها بأخواتها، ومدى تأثيرها فيها؟ ثم ندرُس صِلاتها مجتمعة متعاونة متضافرة - كما أعدها العليم الحكيم - على إعداد الفرد والأمة، إعدادًا قويًّا متينًا، يجدد بناء أمتنا الإسلامية، ويُعِيدُها سيرَتَها الأولى؟


مصفاة دقيقة نقية وامتحان سنوي دقيق:
إن مَثل الصوم في أركان الإسلام وشرائعه كمَثَل المِصْفَاة اللطيفة الدقيقة النقية، التي صَفَت في نفسها، وأُعِدَّت لتصفية غيرها، فهي تنقِّي أعمال الصائم وأحواله، وشؤون جسمه وروحه كلها - دقيقها وجليلها - من سمومها المادية والمعنوية، وعلى قدر نقاء هذه المصفاة ولطفها، تكون تنقيتها لغيرها، أو كمثل امتحان سنوي دقيق، يستغرق من العام شهرًا كاملاً، تُمتحَن فيه أعمال العبد وشؤونه، حتى تُمَرَّن على الإخلاص والقوة، وتَخلُص من الدنس والضعف والهزال، ويتجدَّد الامتحان كلَّ عام؛ حتى يتخرَّج الصائم عضوًا نافعًا، ولَبِنَة سليمة قوية في بناء هذه الأمة الإسلامية.

امتحان اختياري:
وإذا كان هذا الامتحان السنوي إجباريًّا في كل عام، فإنَّ هناك امتحانًا اختياريًّا، سنَّهُ معلِّم الناس الخيرَ، ومُخرِجهم من الظلمات إلى النور بإذن ربِّه - صلوات الله وسلامه عليه - سنَّه في خلال كل شهر ما عدا شهرَ رمضان، بل في كل أسبوع لمن شاء أن يترقَّى في معارج الكمال، ويَبلُغ الذِّروة في فضائل الأعمال.


المزية لا تقتضي الأفضلية المطلقة:
وليس الصوم نفسه بحاجة إلى مِصْفاة أو امتحان؛ لأنَّ الله العليم الحكيم قد اصطفاه لنفسه، واختصَّه من بين العبادات والشرائع بالإضافة إليه؛ تكريمًا له وتشريفًا، ومزيَّة له دون غيره من الطاعات؛ لا جَرَم أنه يتولَّى تصفيته وتنقيته على حسَب ما قدَّر لعبده من منزلة، وما رفعه من درجة، وقد باتَ من القضايا الأولية، أن المزيَّة لا تقتضي الأفضلية.


سر إضافته إلى الله تعالى:
ولعلَّ السر في اختصاص الصوم بهذه المرتبة العليا من التشريف والتكريم، ما قيل من أنه لم يُعبَد به أحدٌ غير الله - عز وجل - فلم يُعظِّم الكفارُ في عصر من الأعصار معبودًا لهم بالصيام، بل عظَّموه بصورة الصلاة، والسجود، والقيام، وال***، والحَلِف، والنَّذْر، والطواف، والصدقة، والذِّكر، وما إلى ذلك من فُنون الجاهلية، وأعمال المشركين.


أو لأن الصوم - لخفائه - أبعد ما يكون عن الرياء، فليس للصائم فيه حظٌّ ولا شهوة، كما له في غيره من العبادات؛ أو لأن الاستغناء عن الطعام والشراب وما إليهما، من صفات الرب الذي يُطْعِم ولا يُطْعَم، فأضاف الصوم إليه؛ لأنه يوافق صفةً من صفاته الربانية، وإن جلَّت صفاته سبحانه عن الشبيه والنظير: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11].


ثواب الصوم ومقدار الجزاء عليه:
ولما كرَّم الصومَ - عز اسمه - بنسبته إليه وحده، تولى هو أيضًا جزاءه، واختص به وتفرَّد؛ علمًا بمقداره وتضعيفه، وجعله سرًّا محجوبًا لا يُطلِع عليه أحدًا من عباده، كما كان الصوم نفسُه سرًّا بين العبد وربه، جزاءً وِفاقًا.


وإذا كانت الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، في أعمال ابن آدم الظاهرة التي أُسندت إليه، وأنبأه الله ثوابها، وعظيم جزائها، فكيف بهذا السر الذي اختصَّ الله به نسبةً وجزاء؟! لا جَرَم أنه جزاء لا يهتدي إليه حساب الحاسبين، ولا يمتد إليه وصف الواصفين، وإذا كان الصيام نصف الصبر كما صحَّ في الأثر[2]، فإن الصائمين في طليعة الصابرين الذين بشَّرهم ربُّهم بأنهم يُوَفَّوْن أجرَهم بغير حساب.


درجات الصوم:
وبعد، فأي صوم هذا الذي كرمه الله ذلك التكريم، ووفَّى صاحبه ذلك الجزاء العظيم؟! لا ريب أنه درجاتٌ متفاوتة بتفاوت الصابرين المخلصين، ولعلَّ أدناها أن يتخلى من الآثام الظاهرة والباطنة قولاً وعملاً، ويتحلَّى بالآداب النبوية فقهًا وهَدْيًا، وأما صيام العامة وأشباه العامة، وهو مجرَّد الإمساك عن الطعام والشراب، وما إليهما مع اقتراف الآثام، فليس من الصيام الرباني في شيء.


وقد روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من لم يدَعْ قولَ الزور والعملَ به، فليس لله حاجةٌ في أن يدعَ طعامه وشرابه))[3].


ويرى الزهاد والمتصوفة أن الصوم درجات ثلاث: صوم العوام، وهو هذا الذي ذكرناه آنفًا، وصوم الخواص، وهو هذا مع اجتناب المحرَّمات من قول أو فعل، وصوم خواصِّ الخواص، وهو الصيام عن غير ذِكْر الله وعبادته، ثم يزعمون أن هذا الأخير هو المراد في الحديث، وهو زعمٌ لا دليل عليه، وفيه تحجيرٌ لرحمة الله الواسعة، وتضييقٌ لفضله العظيم.


المراد من الصوم في هذا الحديث:
والذي يدلُّ عليه الهدْي النبوي في هذا الحديث وغيره، أن المراد إنما هو الصوم الذي يؤدي وظيفته التي من أجلِها شُرِع، وحكمته التي من أجلها كُتِب، وإليها الإشارة بقوله - عز مِنْ قائلٍ -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183]، وقوله - صلوات الله وسلامه عليه -: ((الصيام جُنَّة))[4].


والجُنَّة: السُّترة والمانع؛ لأن الصوم الحقَّ يمنع صاحبه من الرفَث والآثام، ومن غضب الله وعذابه، كما يمنع المِجَنُّ - وهو الترس - صاحبه من السلاح، ومَثَل مَن لا يقيه صيامُه سهامَ الذنوب والآثام، كمَثَلِ من لا تَنْهاهُ صلاته عن الفحشاء والمنكر، وكلاهما لا يزداد من الله إلا بعدًا!


وإذا كان الصيام مِجَنًّا لصاحبه، وحِصْنًا له من عدوِّه: نفسِه وهواه وشهوتِه، وإبليس وذِّريِّتِه، فَمِنْ كَيْس الصائم أن يكون يقِظًا فَطِنًا، يأخذ حذره أن يخرق العدو مِجَنَّه، أو أن يهدم عليه حصنه، فيكونَ فريسةَ عدوٍّ لا يألوهُ خَبالاً، أو ضحية حقٍّ هو أشدُّ وبالاً ونكالاً!


سد منافذ العدو:
ومِنْ أكْيَسِ الكَيْس ألاَّ يدَعَ منفذًا من منافذ العدو التي يَهجُم منها عليه إلا سدَّه سدًّا محكمًا، مُتعهِّدًا هذه المنافذ وسُدُودَها ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.


وأقربُ المنافذ إلى العدو رَفَثُ الصائم وصخَبُه، وسِبابُه وجِدالُه، وما إلى هذا من آفات لسانه الذي بين فكَّيه!



والرَّفَث: السُّخف، وفاحش الكلام، وما لا ينبغي إلا بين المرء وزوجه في غير أوقات الصيام.


والصخَّب: ويقال بالسين أيضًا، هو الصياح والخِصام، وما إليهما من المِراء والجدال.


من المنهاج النبوي في التربية:
وفي نهيه صلى الله عليه وسلم عن أقرب خطايا الصائم وأهونها عليه، تنبيه على أبعدها منه وأشقاها عليه، كما في نهيه - عز وجل - عن التأفيف في معاملة الوالدين؛ ليكون أحرى بنهيه عما وراء ذلك من إيذاء و***.


وليس الصائم وحده هو المقصودَ بالنهي عن هذه الصغائر، التي قد تكون ستارًا لما وراءها من كبائر؛ بل غير الصائم مِثْله في أصل النهي، ولكن يتأكَّد في حق الصائم ما لا يتأكد في حق غيره، ويُطالَب الصائم من الاجتهاد والمحافظة والوقار بما لا يُطالَب به غيرُه.


فإذا شَاتَم الصائمَ أحدٌ أو خاصَمه، فلْيَعْفُ وَلْيَصفحْ، ولا يقابلنَّ الشرَّ بمثله، وليذكُرِ اليوم وحُرمَتَه، ولْيقُلْ بقلبه ولسانه مرة أو مرتين: إني صائم، فذلك أدنى أن يكُفَّ عن خصمه، وأن يكفَّ عنه خصمه، ثم لا بأس أن يجلس إن كان قائمًا، أو يقوم إن كان جالسًا؛ فذلك أعون على صَرْف الشيطان وجُنْدِه، فما استعان الشيطان على أحد بمِثل غضبه وصخَبه.


تربية الإرادة القوية:
وفي تذكير العبد نفسَه بأنه صائم عند العدوان عليه سفهًا وجهلاً، تقويةٌ لظهره، وشدٌّ لأَزْره، وتمرينٌ لنفسه على تربية الإرادة القوية، والعزيمة الماضية، التي لا يحوم حولها جُبْنٌ ولا تردُّد، ولا ينال منها إيذاءُ مؤذٍ، ولا تثبيطُ مثبِّطٍ، وذلك من آثار التقوى التي هي مِلاك الحكمة في الصيام وشِرْعته.


ومَنْ لنا بمن يُبلِّغ علماء النفس والتربية منهاجَ النبي المربي الحكيم - صلوات الله وسلامه عليه - في تربية أمته على قوة الإرادة، ومَضَاء العزيمة، بهذا الأسلوب العملي الميسَّر، الذي يستوحيه المرءُ من نفسه لنفسه، فيجده أسرعَ مجيبٍ له وناصرٍ بإذن ربه.

بشائر الرضا والقبول:
هذا الصائم الوقور المتَّقي الذي لم يكن - بصيامه - صورةً صمَّاءَ مُمسِكَة عن الطعام والشراب والشهوة فحسْب، بل كان بصيامه وتقواه، قوَّةً من جُند الله ﴿ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ﴾ [المدثر: 31]، وكان روحًا وثَّابًا إلى المجد والعلا، سائحًا في ميادين الخير، والتعاون على البر، والدفع بالتي هي أحسن، يهدي إلى سبيل الرشاد بصومه، ويرفع بناء المَكْرُمات بأَيْدِه وعزمه - هو الحقيق بأن يزُفَّ إليه الصادق المصدوق - صلوات الله وسلامه عليه - بشارة الرضا والقبول، والفوز بالمأمول، ممن بيده الخير كله، وهو الذي لا يُضِيع أجر من أحسن عملاً.


والخُلُوف بضم الخاء - ويجوز فتحها - هو تغيُّر رائحة الصائم من أثر الإمساك عن الطعام والشراب، وتقزُّز الناس منه أمر طبيعي لا لوم عليه، لكنه عند الله تعالى آية الرضا والمحبة للصائم الذي وصفناه آنفًا.


وإنما أقسم صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق المعصوم - توكيدًا لهذه البشارة، وتفريحًا لأصحابها، وكان أكثر إقسامه بالذي نفسه بيده، وهو ربُّه ومالك أمره، إشعارًا بتقواه ومراقبته، وأنه أعلم بعبده، وأقرب إليه من حبل الوريد.


فرحتان عاجلة وآجلة:
ثم بشَّر النبيُّ صلى الله عليه وسلم ذلك الصائمَ ببشارتين أُخريين، كلتاهما من آثار البِشارة العامَّة السابقة: فرحة عاجلة في خِتام كل يوم من أيام صومه، بتمام عبادته وسلامتها وتوفيق الله له فيها، ثم برزق الله له، وإنعامه عليه بالحلال الطيِّب الذي يُعينه على عبادة ربه والإخلاص له.


وفَرْحة آجلة بلقاء ربه راضيًا مرضيًّا، مستبشرًا بجزائه الذي وعده إياه على لسان نبيِّه، دون أن يحسب أو يقدر، مما ((لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خَطَرَ على قلب بشر))[5].


المصدر: من ذخائر السنة النبوية؛ جمعها ورتبها وعلق عليها الأستاذ مجد بن أحمد مكي


[*] مجلة الأزهر ، العدد التاسع، المجلد الرابع والعشرون 1372.

[1] أخرجه البخاري 1904، ومسلم 1151 كلاهما في كتاب الصيام.

[2] رواه الترمذي (3519) بسنده عن رجل من بني سلمة، وقال: هذا حديث حسن، وكذا رواه ابن ماجه. (1745) - واللفظ عنده - من طريقين عن أبي هريرة، قال البوصيري في "الزوائد": إسناد الحديث عن الطريقين معًا، ضعيف.

[3] رواه البخاري 1903.

[4] رواه البخاري 1904، ومسلم 1151.

[5] اقتباس من حديث رواه البخاري في كتاب بدء الخلق (3244)، ومواضع أخرى، ومسلم في أول كتاب الجنة وصفة نعيمها 4 : 2174 (2-5).


رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 09:27 AM.