#1
|
||||
|
||||
كسوف الشمس آية الله في الكون القريب
كسوف الشمس آية الله في الكون القريب
د. مصطفى محمد عبدالفتاح الشمس في القرآن الكريم الشمس التي خلقها الله سبحانه وتعالى آيةً عظيمةً في هذا الكون الذي يحيط بنا ورد ذكرها في القرآن الكريم لأغراضٍ شتى؛ فقد أقسم الله تعالى بها: ﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا﴾ (الشمس:1) ووردت على لسان إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم وهو يتحدى النمرود: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ (البقرة:258) وورد ذكرها على لسانه أيضاً صلى الله عليه وسلم وهو يتفكر في التوحيد: ﴿فَلَمَّا رَأى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ﴾ (الأنعام:78) وجعلها الله حُسْباناً: ﴿فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ (الأنعام:96) ﴿الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ﴾ (الرحمن:5) و هي آية مسخرة بأمر الله: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ (الأعراف:54) ﴿اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمّىً يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ﴾ (الرعد:2) ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ﴾ (إبراهيم:33) ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ (النحل:12) ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ (العنكبوت:61) ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ (لقمان:29) ﴿يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ ويُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمّىً ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ﴾ (فاطر:13) وجعلها الله ضياءً وسراجاً: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ (يونس:5) ﴿وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً﴾ (نوح:16) ورآها نبي الله يوسف عليه السلام في الرؤيا: ﴿إِذْ قَالَ يُوسُفُ لَأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾ (يوسف:4) وجعلها الله لتوقيت الصلاة للناس، ولتسبيح رب العالمين: ﴿أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً﴾ (الإسراء:78) ﴿فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى﴾ (طه:130) ﴿فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ﴾ (قّ:39) وكان لها دور هام في حفظ أهل الكهف بإذن ربها: ﴿وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُرْشِداً﴾ (الكهف:17) وكانت علامةً على المدى الذي بلغه ذو القرنين في فتوحاته: ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْماً قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً﴾ (الكهف:86) ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْراً﴾ (الكهف:90) وهي تسبح في فلك خاص بها لا ينبغي لها أن تجاوزه: ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ (الانبياء:33) ﴿لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ (يّـس:40) وهي تسجد لله تعالى خاضعةً راضية: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوُابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾ (الحج:18) ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ (فصلت:37) وقد جعلها الله تعالى دليلاً على الظل: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً﴾ (الفرقان:45) وكان بعض الأقوام يعبدونها جهلاً وكفراً: ﴿وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ﴾ (النمل:24) وهي - ككل المخلوقات - لها مستقر تسعى إليه: ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ (يّس:38) ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ ويُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمّىً أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ﴾ (الزمر:5) ولها أحوال عجيبة في يوم القيامة: ﴿وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ﴾ (القيامة:9) ﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ﴾ (التكوير:1) لكنها لا تزعج أهل الجنة بِحَرِّها، فهي غير موجودة: ﴿مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً﴾ (الإنسان:13) الشمس بين الأساطير والعلم الشمس، ذلك الجرم الكوني الذي ما تعلقت حياة البشر بجرم مثله، إنها نجم عظيم على مستوى قياساتنا البشرية، لكنها في رحاب الكون لا تشكل أكثر من ذرة غبار أو فقاعة مضيئة وسط الفراغات الهائلة التي تحوي مليارات المجرات في تركيب بديع أبدعه ربنا خالق كل شيء جل جلاله. الشمس هي عميد أسرتنا الكوكبية، تشكل 99% من مادة المجموعة الشمسية، ويدور أتباعها حولها في انتظام عجيب، تسعة كواكب وعدد كبير من الأقمار والمذنبات والكويكبات والغبار الكوني، وتصنع هذه التوابع حولها مداراتٍ إهليلجية كل واحد منها على شكل قطع ناقص، وتقع الشمس في أحد محرقي القطع الناقص الوهمي الذي تشكله الأرض في دورتها حول الشمس، وكذلك الأمر في مدارات بقية الكواكب والتوابع، ويتطابق أحد المحارق دائماً في موقع الشمس لكل مدارات الكواكب والمذنبات وبقية الأجرام التابعة للشمس، إذاً هناك دائماً نقطة حضيض لكل جرم كوني تابع للشمس - أقرب نقطة في المدار من الشمس - ونقطة أوج لكل جرم كوني تابع للشمس - أبعد نقطة في المدار عن الشمس. تبدأ قصة الشمس مع البشر منذ نشوء البشرية على هذه البسيطة، إنها قصة موغلة في القدم، إحدى بدايات هذه القصة تقول: إن حكماء الهنود فكروا في مشكل عظيم الحل؛ وهو أن الشمس تشغل أحد محرقي القطع الناقص للمدار فما الذي يشغل المحرق الآخر؟ ووجدوا الحل فيما يلي؛ بما أن شمسنا موجودة في أحد هذين المحرقين وهي أصل الحرارة والحياة لعالمنا، فقد تخيلوا أن ثمة شمساً أخرى في المحرق الآخر، وهي شمس غير منظورة، وهي أصل قوى الصداقة والحب في عالمنا كله. أما عند هنود البيرو فتقول الأسطورة: إن أميرات مدينة "أينكا" الصغيرات أو بنات الشمس كُنَّ يركعن قرب الخيام أمام القناديل الخزفية التي يجب ألا تنطفئ أبداً، إنهن يحرسن هذا النور بانتظار النهار. وتتابع الأسطورة أن " كندور الكبير" ذلك الطائر المعتبر سفيراً للسماء كان ينزل كل صباح ويأخذ بمنقاره أحد هذه القناديل ويطير بها كي يذهب خلف الأرض حيث تختبئ الشمس لكي يعطيها نورها من جديد. أما التفكير البسيط لدى زنوج أفريقيا فقد أوحى لهم بأن ثمة موكباً من فرق الفيلة بقيادة معبودتهم "عزيزة" aziza ينزل حتى فرجة الغابة السرية حيث غابت الشمس مساءً، وتأخذ هذه الفيلة تدفع بأنيابها الكرة النارية العظيمة التي تحركها "عزيزة"، تدفعها نحو حافة التلال وتدحرجها وتعيدها مجدداً إلى السماء. إن شمسنا هي أقرب النجوم إلينا وهي نجم عادي جداً، ندور حولها بسرعة تقرب من سبعين ألف ميل في الساعة، ولو تغيرت الكمية الإجمالية للإشعاع الشمسي بقدر قليل جداً فإن الحياة البشرية كما نعرفها ستصبح مستحيلة؛ سنتجمد أو نحترق، لكن رحمة الله جعلت الشمس نجماً مستقراً للغاية، وليست نجماً نابضاً أو متفجراً. يبلغ قطر الشمس الاستوائي (1392000) كم تقريباً، وهو عظيم بالمقارنة مع قطر الأرض الاستوائي الذي يبلغ (12756) كم، أو قطر الأرض القطبي الذي يبلغ (12714) كم، وتبلغ درجة الحرارة على سطح الشمس (5500) درجة مئوية، بينما تبلغ الحرارة في جوف الشمس (15000000) درجة مئوية، ويبلغ حجم الشمس (1303600) مرة من حجم الأرض، وتبلغ كتلتها (332946) مرة كتلة الأرض، إذاً الشمس أقل كثافة من الأرض إذ تبلغ كثافتها (1.409) مرة من كثافة الماء بينما تبلغ كثافة الأرض (5.517) مرة من كثافة الماء. الشمس جسم غازي، والغاز قرب المركز مضغوط جداً وكثيف جداً بينما تكون المناطق الخارجية خفيفة جداً ومنخفضة الكثافة، ولا تدور الشمس كما يدور أي جسم صلب: المناطق المختلفة تدور بسرعات مختلفة؛ فالمواد القريبة من خط الاستواء تكمل دورتها في حوالي (25) يوماً أرضياً، بينما تستغرق المواد عند خط العرض (40) شمال وجنوب خط الاستواء (27) يوماً ونصف اليوم لتكمل دورتها، في حين تبلغ هذه الدورة عند القطبين (34) يوماً أرضياً، ويظهر هذا الاختلاف بوضوح في حركات البقع المظلمة على السطح. يعرف سطح الشمس كما نراه بكرة الضوء (الفوتوسفير) وعليه تظهر البقع الشمسية، وكان غاليليو غاليلي أول من شاهد البقع الشمسية بالمنظار، ومن المعروف لدينا الآن أن الصينيين قد عرفوا بوجودها منذ وقت طويل، إذ أن بعض هذه البقع كبيرة الحجم بما يسمح برؤيتها بالعين المجردة إذا كانت الشمس عاتمة - بسبب اغبرار الأفق مثلاً - وهذه البقع (و تدعى الكُلف الشمسية) غالباً ما تكون معقدة البنية، فهي ذات منطقة مركزية مظلمة تسمى الظل محاطة بمنطقة خارجية أقل ظلمةً تسمى شبه الظل، وتظهر البقع على شكل صحون، إنها في الحقيقة مناطق أبرد من السطح المحيط بها إذ تبلغ درجة حرارتها (4500) درجة مئوية، فهي تظهر مظلمةً مقارنة بالسطح المضيء، وترتبط بالكلف الشمسية حقول مغناطيسية قوية، ويتغير عدد هذه البقع الشمسية دورياً على مدى ما يسمى بالدور البقعي، والحد الأدنى لعدد مجموعات هذه البقع (50) مجموعة سنوياً، بينما يتجاوز الحد الأقصى (500) مجموعة، إن هذه الدورة تغطي فترة زمنية تعادل (11) سنة، كما أن هناك فترات تغير أطول، وثمة بعض البقع الكبيرة تظهر في أي وقت خلال الدورة، وقد شوهدت مجموعة ضخمة في عام (1947) غطت مساحة قدرها (2000) ميل مربع . غالباً ما تتعلق بالبقع الشمسية بقع مضيئة تسمى الصياخد (السباخ)، وتظهر كأنها في مستويات أعلى، وهي تشاهد عادةً بعد اختفاء الكلف وتستمر مدة من الزمن. من الظواهر الشمسية الأخرى الملفتة للنظر ما يدعى بالشواظ الشمسية، وهي عبارة عن بقع لامعة تبدو منطلقة بعيداً عن سطح الشمس كأنها قطع من اللهب تتجه نحو الغلاف الخارجي للشمس والذي يدعى الإكليل الشمسي. أحياناً يبلغ ارتفاع ذلك اللهب مئات الآلاف من الأميال، وهذه الشواظات تتكون من الغازات المتكاثفة خارج الإكليل بالإضافة للمواد المقذوفة من السطح. إن دراسة الظواهر الشمسية تحتاج إلى معدات متطورة، فهناك المراصد الشمسية المتخصصة كالمرصد الموجود في (مونت ويلسون) في الولايات المتحدة الأمريكية، ومرصد (أرشتري) في إيطاليا، وهي مقرابات برجية تستعمل من أجل إظهار صورة مستقرة للشمس، ونظراً لأن الفلكيين الشمسيين يقومون بمشاهداتهم خلال النهار فإن عليهم تحمل الحرارة العالية , وللتغلب على هذه المشكلة يتم عكس صورة الشمس عبر البرج إلى غرفة تحت أرضية ثابتة الحرارة، حيث يتم إسقاط الصورة على شاشة أو تحلل بواسطة مطياف ومعدات أخرى مثل مرسمة الطيف الشمسي؛ وهي أداة ذات فائدة عظيمة تمكن المشاهد من النظر إلى الشمس في طول موجي خاص، وهناك بعض الأجهزة الأخرى مثل مرشح ليوت الأحادي اللون، ومرسمة الإكليل التي تتيح دراسة الإكليل الشمسي دون انتظار كسوف الشمس الكامل. تتكون الشمس مبدئياً من النواة وعدد من الطبقات الرئيسية، في النواة تتولد كل الحرارة الهائلة التي تطلقها الشمس، تليها طبقة عريضة تدعى الطبقة التصعيدية وظيفتها نقل الحرارة إلى السطح على شكل إشعاعات، أما السطح الذي نراه بالعين المجردة فهو الكرة الضوئية، وهناك طبقة أخرى لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة إلا عند حدوث كسوف كامل - حيث تظهر وردية اللون - ولا يزيد سمكها على (3000) ميل. ووراء الكرة اللونية يوجد الإكليل وهو غير منظور إلا خلال الكسوف الكامل حيث يحيط القرص المظلم للقمر بهالة تتغير حجماً وبنيةً خلال دورة الـ (11) سنة للبقع الشمسية، إن الغاز في هذه المنطقة قليل الكثافة فعلاً حيث تتصادم الذرات بسرعات تنتج عنها درجات حرارة تقارب المليون درجة، ولو كانت كل الشمس تشع حرارتها بهذا المعدل لأصبحت الحرارة غير محتملة على الأرض. تبين بالتحليل الطيفي أن الغاز الرئيسي في الشمس هو الهيدروجين حيث يشكل أكثر من (80%) من كتلة الشمس، يأتي بعده الهليوم وهو أخف الغازات بعد الهيدروجين، ومن الطريف أن نذكر أن الهليوم قد اكتشف لأول مرة في الطيف الشمسي قبل اكتشافه على الأرض، حدث ذلك عام (1868) حيث اكتشف الفلكي (نورمان لوكلير) خطاً (لفراونهوفر) - الطيف الإصداري للعناصر- لم يستطع إرجاعه لأي عنصر على سطح الأرض، وافترض أنه يعود لعنصر غير معروف أطلق عليه اسم (هليوم)، وهي كلمة إغريقية تعني الشمس، ولم يكتشف هذا العنصر على الأرض إلا بعد مرور ربع قرن، وبعد ذلك اكتشفت عناصر كثيرة في الطيف الشمسي مثل الكربون والآزوت والأوكسجين والمعدنين المتبخرين: المغنيزيوم والحديد وغيرها. تضيء الشمس منذ آلاف الملايين من السنين، وكما تقول المعطيات العلمية فإن الشمس ستظل تفعل ذلك آلاف الملايين الأخرى من السنين إن شاء الله، ومبدأ إصدار الطاقة في الشمس هو مبدأ الاندماج النووي، حيث تندمج ذرات الهيدروجين في مركز الشمس عند درجات حرارة تتجاوز (15000000) درجة مئوية لتكون الهليوم مع انطلاق كمية كبيرة من الطاقة، إن القنبلة الهيدروجينية مؤسسة على هذا المبدأ. يتم الاندماج في ثلاث مراحل: في المرحلة الأولى تندمج نواتا ذرتين من الهيدروجين وهو أمر يحدث كل سبعة آلاف مليون سنة حسب قوانين الاحتمالات الرياضية، وبتعبيرٍ آخر يصطدم بروتون مع بروتون آخر ويكونا الدوتريوم -نواة هيدروجين ثقيل- ونيوترينو ينطلق في الفضاء مع انطلاق جسيم يدعى البوزيترون، وهو شبيه بالإلكترون لكنه ذو شحنة موجبة، لا يلبث أن يقضي على إلكترون تائه. وتحدث المرحلة الثانية بعد ثوانٍ قليلة، وفيها يندمج الدوتريوم مع نواة هيدروجين أخرى (بروتون آخر) ليتكون نظير للهليوم هو الهليوم3 وتنطلق كمية من الطاقة بشكل إشعاعات غاما ذات الطول الموجي القصير. أخيراً - وذلك بعد أربعمائة ألفِ سنة - تندمج نظيرتان من هليوم3 لتعطيا نواة ذرة هليوم4 خاملة وعادية، مع انطلاق بروتونين سيشاركان في تكرار الأسلوب السابق بشكل متسلسل، ويعرف هذا الأسلوب باسم التفاعل: (بروتون - بروتون). بعض النجوم لا تعمل بهذه الآلية لإنتاج الطاقة بل تعمل بنمط التفاعل كربون∞نيتروجين، وذلك خاص بالنجوم ذات الحرارة الداخلية التي تفوق الثلاثين مليون درجة مئوية. لكي تكتمل دورة هذا التفاعل لا بد لها من سبعة ملايين سنة بالمقارنة بسبعة آلاف مليون سنة لدورة بروتون - بروتون. من المعروف أن هذا النمط من إنتاج الطاقة يلزمه مليونان ونصف المليون من السنوات حتى يبدأ تفاعله حيث يصدم بروتون من البروتونات نواة الكربون12 التي تقوم بامتصاص هذا البروتون وتحوله إلى نواة نيتروجين13 وتبث طاقة على شكل أشعة غاما، ونيتروجين13غير مستقر فهو يتحول بسرعة إلى كربون13 وينتج عنه نيوترينو واحد ينطلق في الفضاء، وبوزيترون واحد يقابل في النهاية إلكتروناً تائهاً فيفني أحدهما الآخر على الفور، وخلال الدقائق العشر التالية يصدم بروتوناً من البروتونات الكربون13 الجديد ويحوله إلى نتروجين14 ويطلق أشعة غاما، وبعد أربعة ملايين سنة يصدم بروتون آخر النيتروجين14 ويحوله إلى أوكسجين1 ويطلق أشعة غاما، ويتحول الأكسجين15 الغير مستقر إلى نتروجين15 في خلال دقائق، فينطلق عنه نيوترينو واحد يضيع في الفضاء، وبوزيترون واحد يلتقي بإلكترون تائه فيفني أحدهما الآخر، وبعد حوالي عشرين سنة يصدم أحد البروتونات النتروجين15 فيشطره إلى نواة واحدة من الهليوم ونواة واحدة من الكربون12، وتترك هذه الأخيرة حرة لتبدأ الدورة من جديد. تنبعث من الشمس إشعاعات بمختلف الأطوال الموجية بالإضافة للضوء المنظور، فهناك الأشعة السينية (x) القاسية التي يمكن رصدها بواسطة الصواريخ، وهناك الأشعة الراديوية التي يمكن دراستها من سطح الأرض. يصطلح على تسمية الكمية الإجمالية للأشعة الواصلة إلى الأرض بالثابت الشمسي، ووجد أنه يساوي (1.95) حريرة / دقيقة / سنتيمتر مربع - أي أن كمية الحرارة في الدقيقة تكفي لتسخين (1) غرام من الماء بمقدار (1.95) درجة مئوية - ويبقى هذا المقدار ثابتاً مما يجعل الحياة ممكنة على الأرض. يشع سطح الشمس طاقة قدرها (1500) حريرة من كل سنتيمتر مربع، ويصل ضغط الغازات في جوف الشمس إلى (200) مليار طن / سم2، وقد عبر الفلكي البريطاني (جيمس جينز) عن مقدار الطاقة في جوف الشمس بهذا المثال: لو أخذنا قطعة من مركز الشمس بحجم رأس الدبوس فإن هذه القطعة تكون قادرة على *** إنسان يبعد عنها بمقدار (150) كم على الأرض. يمكننا أن نتبين مقدار ضخامة الشمس إذا علمنا أنها تحول في كل ثانية (4.5) مليون طن من المادة إلى طاقة تصدرها إلى الفضاء المحيط بها، وهكذا فإن كمية الطاقة التي تشعها الشمس في ثانية واحدة يزيد على مجموع الطاقة التي استهلكها الإنسان منذ فجر التاريخ حتى الآن، ورغم ذلك فإن مركز الشمس يطبق عليه الظلام الدامس لأن الشمس تصدر طاقتها محمولة على إشعاعات غير مرئية مثل الأشعة السينية وأشعة غاما، ومن رأفة الله بنا أن الشمس تمنع هذه الإشعاعات من الوصول إلينا عن طريق تخميدها بطبقات الشمس فوق النواة، ويبلغ طول طريقها إلى السطح (600000) كم، لكن الطاقة تستغرق (20000) سنة حتى تقطع هذه المسافة، بينما لا يستغرق الضوء خلال رحلته إلينا سوى ثماني دقائق بدءاً من سطح الشمس، فما نراه من طاقة الشمس ولد أثناء العصر الحجري للأرض. تطلق الشمس سيولاً من الجسيمات الذرية الدقيقة كالإلكترونات والنترونات والبروتونات بشكل ريح تدعى الريح الشمسية، وهي المسؤولة عن تشكيل أذيال المذنبات وتكوين الشفق القطبي، وتقع هذه الجسيمات في أسر جاذبية كوكب الأرض وتشكل أحزمة متأينة تسمى أحزمة (فان ألين) نسبة للعالم الذي اكتشفها وذلك حين وضع عدَّاداً للجسيمات على متن القمر الصناعي الأمريكي (إكسبلورر-1) في شباط / 1958/. وقد بينت الدراسات أن الشمس تفقد في الثانية الواحدة ما يزيد عن مليون طن بشكل جسيمات، ولعل من أغرب الجسيمات التي تطلقها الشمس نتيجة تفاعلاتها جسيم عديم الشحنة وعديم الكتلة يدعى "النيوترينو"، وهذا الجسيم لا يستغرق في العبور من مركز الشمس إلى سطحها سوى ثانيتين فقط لأنه لا يعاني من التصادمات بسبب انعدام حجمه تقريباً، ولاصطياده وضع العلماء خزاناً مملوءاً بمادة (فوق كلور الإيثيلين) سعته (400000 لتر) في منجم مهجور للذهب على عمق آلاف الأمتار في ولاية داكوتا الجنوبية في الولايات المتحدة الأمريكية، ويكشف عنه بسبب تحويله أحد النظائر المشعة للكلور الذي يبلغ وزنه الذري (37) إلى نواة النظير المشع للأرغون (37)، عندها يحصي العلماء عدد ذرات الأرغون الموجودة في الخزان وهو نفس عدد (النيوترينوات)، وبذلك يتنبئون عن نشاط الشمس. يتبع |
#2
|
||||
|
||||
كسوف الشمس آية الله في الكون القريب
د. مصطفى محمد عبدالفتاح الكسوف والخسوف عندما يمر القمر بين الأرض والشمس يحجب الأخيرة عن الرؤية مسبباً الكسوف، كذلك عندما يمر القمر عبر ظل الأرض ينقطع عنه ضوء الشمس ويحدث الخسوف. إن القمر لا يختفي تماماً في الخسوف وإنما يظهر بلون أحمر، والسبب في ذلك أن الغلاف الجوي للأرض يعمل كعدسة تكسر ضوء الشمس فيصل بعضه إلى القمر. لكن السؤال الذي يخطر ببال كل منا هو لماذا لا يحصل الكسوف والخسوف كل شهر في وقتي البدر الكامل والهلال الجديد؟ يكمن السبب في كون مستوي مسار القمر لا ينطبق تماماً على مستوي حركة الأرض، فينتج عن ذلك أن يمر القمر وقت الهلال الجديد فوق الشمس أو تحتها بدلاً من المرور أمامها، وللسبب نفسه يمر القمر قريباً من ظل الأرض بدلاً من العبور خلاله، والكسوفات الكلية نادرة لأن منطقة الظل - وهي مخروط معتم يسببه القمر- تصل بالكاد إلى الأرض وبالتالي تكون مساحة وعرض منطقة مشاهدة الكسوف الكلي ضئيلة وتقع فوق المحيطات في أحيان كثيرة. على أن هناك منطقة كبيرة خارج نطاق الكسوف الكلي يمكن فيها مشاهدة الجزء الشمسي الذي أصبح مظلماً ويدعى الظليل أو شبه الظل حيث يكون الكسوف جزئياً، إذاً لكسوف الشمس ثلاثة أنواع: الكسوف الكلي وذلك عندما يحجب قرص القمر قرصَ الشمسِ كلياً، وهناك الكسوف الجزئي وهو الأكثر شيوعاً حيث يحجب القمر جزءاً من الشمس، وهناك الكسوف الحلقي عندما يكون المساحة الظاهرية لقرص القمر أصغر من المساحة الظاهرية لقرص الشمس عندئذٍ تُرى حلقة مضيئة من الشمس حول القمر (حدث كسوف حلقي في صحراء شمال أفريقيا في كانون الأول من عام 1955). وشبيه بحالات الكسوف حالات العبور للكواكب الداخلية أمام الشمس (عطارد والزهرة) حيث يستفاد منها في معرفة بعد الكوكب، ومن الجدير بالذكر أن حالة عبور للزهرة قد سجلت في العام (2004). هناك تقسيم آخر لأنواع الكسوف: الكسوف المركزي والكسوف اللامركزي، في الكسوف المركزي يكون مخروط ظل القمر طويلاً إلى الحد الذي يقطع معه الكرة الأرضية بمنطقة لها شكل مقطع بيضوي، ويبلغ عرض الحزمة الكسوفية - أي ظل القمر على الأرض - (260 كم) ويتوضع خط الكسوف الكلي في مركز المقطع البيضوي، أما إذا لم تصل قمة مخروط ظل القمر إلى سطح الأرض فعندئذٍ يكون الكسوف الكلي عالياً فيُرى من الأرض الكسوف الحلقي حيث يبلغ عرض منطقة الكسوف (375) كم، أما منطقة شبه الظل فيبلغ عرضها (7000) كم. (من المراقبات الطريفة التي تمت للكسوف الكلي العالي أو الحلقي المنخفض تلك المراقبة التي جرت لكسوف /30/ حزيران/1973، ففي ذلك الكسوف حلقت إحدى طائرات الكونكورد البريطانية المجهزة لأبحاث الفضاء وارتفعت حتى وصلت إلى ظل القمر ورافقت مساره بحيث تمكن العلماء على متنها - بمن فيهم عالم الفضاء البريطاني "جون بكمان" - من مشاهدة كسوف كلي للشمس لمدة /72/ دقيقة، مع العلم أن ظل القمر يتحرك فوق الأرض بسرعة / 3000 / كم/ ساعة، بينما كان المراقبون على الأرض في نفس الوقت يشاهدون ذلك الكسوف حلقيّاً). أما الكسوف اللامركزي فهو حالة خاصة تحصل في المناطق القطبية حيث لا يوجد خط مركزي - أي رأس مخروط ظل القمر - إذ لا يتمكن من بلوغ سطح الأرض. إن منظر الكسوف الكلي رائع للغاية، فحينما يغطي القمر كامل قرص الشمس نستطيع أن نرى إكليل الشمس والمشاعيل المحيطة بها، وهي التي لا نستطيع رؤيتها في الأحوال العادية بسبب شدة وهج الشمس، والمشاعيل عبارة عن دفقات من الغاز تندفع وراء محيط الشمس، وقد يبلغ ارتفاعها (600000كم). أما الإكليل فهو هالة شفيفة عظيمة من الغاز تغلف قرص الشمس على الدوام، إلا أن شكلها يختلف من حين لآخر ومن كسوف لآخر. إن لحوادث الكسوف والخسوف ترتيب معين يتكرر خلال فترة زمنية ثابتة، وقد كان الكلدانيون أول من لاحظ ذلك فقاموا بحساب تلك الفترة الزمنية فوجدوها تساوي ثمانية عشر عاماً وأحد عشر يوماً وثلث اليوم، وأطلقوا على هذه المدة اسم: الساهور أو الساروس، فكلما انتهى دور ساهور عادت ظواهر الكسوف والخسوف إلى الترتيب التتابعي السابق ذاته. أما أهل الصين فقد نظروا للأمر من وجهة نظر أسطورية حيث أمكنهم التنبؤ ببعض حالات الكسوف والخسوف، وكانوا يعتقدون أن الشمس في الكسوف يبتلعها تنين ضخم فيجتمع الأهالي محدثين ضجةً ضخمة لإخافة التنين وإبعاده بالقرع على الأواني المعدنية، وكانوا دائماً موفقين في طرده، وما زالت هذه العادة الجاهلية منتشرة عند بعض الناس. ويحكي التاريخ أن فلكيي البلاط الصيني (هْسِيْ HSI وهُوْ HO) لم يوفَّقا في التنبؤ بكسوف الشمس فأُعْدِما نتيجة تعريضهما سلامة العالم للخطر. لقد كان الخوف من حوادث الكسوف والخسوف لدى الشعوب البدائية يرجع إلى القتال الذي كان ينشب - حسب اعتقادهم - دون انقطاع بين الشمس "مصدر الحياة" والقمر "أصل الألم والموت". أما بالنسبة للفراعنة المصريين فكانت (الأبابي Ababi) - تلك الحية الكبرى القاطنة في أعماق النيل السماوي - تتوصل إلى ابتلاع القارب الشمسي الذي كان يمتطيه معبودهم الشمسي (رَعْ) كي يطوف على ملكه، ودوماً كان المدافعون عن رَعْ يغلبون هذه الحية ويلقونها في الهاوية. ومن المعروف أن الفرعون المصري "أمنحتب الرابع" الذي عاش بين (1375- 1358 ق.م) قام بتوحيد الديانة المصرية ودعا إلى عبادة معبود واحد هو الشمس وسماه "آتون" وسمى نفسه "إخناتون" أي روح "آتون". وفي أفريقيا تروي الأسطورة أن الغالب في صراع الشمس والقمر لا يتمكن من الاستمتاع بغلبته, فإذا كانت الشمس هي الغالبة وابتلعت القمر فإنها تشعر ببرودة كبرى في جوفها وتضطر في النهاية إلى طرحه، وإذا كان القمر هو الذي ابتلع الشمس فإن جوفه يحترق احتراقاً كبيراً حتى أنه لا يستطيع الاحتفاظ بها، إنها معركة دون هوادة يحددها دوماً قرع الطبول وصراخ الجنود الذين يشجعون المقاتل المخذول ريثما تستعيد الأشياء مجراها الطبيعي. من الحوادث الطريفة أن معركةً جرت بين (الميديين) و(الليديين) في آسيا الصغرى قبل الميلاد صادف وقتها كسوف للشمس، فامتنع الطرفان فجأةً عن القتال وتعانق الخصوم وسط بحور الدماء لاعتقادهم أن الآلهة غاضبة من قتالهم، ولا بد أن الكثيرين يعرفون قصة الرحالة كريستوف كولومبس حيث تعرض أسطوله لعواصف عاتية في أواخر شباط عام (1504) قرب جزر جامايكا في البحر الكاريبي، فطلب من إحدى قبائل الهنود الحمر بعض المؤن لأسطوله فامتنع الهنود عن تقديم ما طلب كولومبس، فأخبرهم أن معبوداتهم ستغضب من تصرفهم هذا وستكون علامة غضبها أن القمر سيغوص في بحرٍ من الدماء، وكان كولومبس يملك تقويماً قديماً يتنبأ بخسوف القمر في اليوم التالي، وعندما بدأ لون القمر يتحول للأحمر سارع الهنود لتقديم كل ما طلب منهم مع طلب العفو من المعبودات التي يعبدونها من دون الله. ومن المعروف أن شعوب أمريكا الأصلية تملك تراثاً كبيراً في المجالات الحضارية المختلفة، لكن الأساطير كانت تطغى في أحيان كثيرة. تقول أسطورة من المكسيك: إن الشمس الرابعة أشرقت في مكان يُدعى (تيوتيهواكان) بعد أن انطفأت الشموس الثلاث السابقة، وعندما ماتت تلك الشمس ومات معها الناس سئمت الأوثان التي لم تعد تجد من يقدسها، فاجتمعت في (تيوتيهواكان) واتفقت على أن تتحول إحداها إلى شمس والأخرى إلى قمر، وأقيمت محرقة عظيمة، فتقدم الوثن الفقير الشجاع (ناناواتزن) وألقى نفسه في النار دون تردد فتحول إلى شمس، أما (تيكتزيتكاتل) - الوثن الغني الذي كان يتباهى دائماً بشجاعته - فقد تردد قبل أن يلقي بنفسه في المحرقة، فتحول إلى قمر شاحب شعاعه انعكاس لشعاع الشمس، ومن هنا جاء اسم الهرمين في شمال مدينة مكسيكو. وتذكر الموسوعة البريطانية أن إحدى قبائل الهنود الحمر قدمت أثناء احتفالها بتنصيب ملكها ثمانين ألف ضحية بشرية من الأسرى لمعبودهم الشمس. الإسلام وآيتَي الكسوف والخسوف لا بد لنا في هذا السياق من الإشارة إلى نظرة الدين الإسلامي لهذه الظاهرة، في البدء نقول: إن المعنى اللغوي لكلمة الكسوف هو الاستتار أو التغير إلى سواد، وتوصف به الشمس حين يستتر نورها وتَسْوَدُّ بحيلولة جرم القمر بينها وبين الأرض، أما الخسوف فهو المحو أو النقصان أو الذل ويوصف به القمر حين يظلم. من المعروف أن العلماء العرب قد توصلوا إلى تعليل الكسوف تعليلاً علمياً، ولهم رسائل في كسوف الشمس وخسوف القمر، وأنجزوا العديد من الأدوات التي تساعدهم في حساباتهم الفلكية، وقد كان للإسلام نظرة علمية موضوعية لمسألتي الكسوف والخسوف؛ فعن المغيرة بن شعبة أنه قال: (انكسفت الشمس يوم مات إبراهيم - ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم - فقال الناس: انكسفت الشمس لموت إبراهيم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحدٍ ولا لحياته فإذا رأيتموهما فادعوا الله وصلوا حتى ينجلي"). إذاً كانت نظرة الإسلام أول نظرة علمية موضوعية لهاتين الظاهرتين السماويتين، وقد قال الله تعالى في كتابه الكريم: بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ (فصلت: 37). تسن في الكسوف والخسوف الصلاة، قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (لما كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نودي: إن الصلاة جامعة)، وهي ركعتان طويلتان في كل ركعة ركوعان وقيامان وسجودان، ويسن لها الاغتسال، وأن تكون جماعة في المسجد، وتجوز صلاة النساء مع الرجال، ويجهر بالقراءة في صلاة الخسوف ويسر بها في الكسوف، وتسن بعدها خطبة كخطبة الجمعة، وقد أمر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الناسَ في خطبة الكسوف بالصدقة والذكر والتعوذ من عذاب القبر وعتق العبيد، فعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أنها قالت:" لقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالعتاقة في كسوف الشمس". إن لصلاة الكسوف فوائد كثيرة منها على المستوى الصحي إشغال الناس بالصلاة عن النظر إلى الكسوف وبالتالي حماية أعينهم من الأذى في ذلك الوقت الذي لم يكن الناس يملكون فيه أدنى فكرة عن الإشعاعات الشمسية، بالإضافة لاشتغال الناس بالصلاة عن الهلع الذي قد ينتابهم بسبب الكسوف والخسوف، وتحويلهم من ظلام الخرافات والجهل والشرك بالله تعالى إلى نور الحق والخضوع لله تعالى عن بصيرةٍ وتفكر. بعض حالات كسوف الشمس وطرائفها أطول كسوف كلي معروف دامَ /7/ دقائق و/31/ ثانية، ومع أن هذا الكسوف لم تتم مراقبته لكن كسوف/20/ حزيران/1955/ الكلي فوق جزر الفلبين دام /7/ دقائق و/8/ ثواني. أما أقصر امتداد زمني لكسوف كلي فقد حصل في /3/ تشرين أول /1986/ وكان كسوفاً حلقياً تخلله كسوف كلي مدة عُشْرِ الثانية فوق شمال المحيط الأطلسي. أطول مدة ممكنة للمرحلة الحلقية هي /12/ دقيقة و/24/ ثانية، وأطول مسار لكسوف شمسي كلي عبر سطح الأرض هو /272/ كم. وأول تنبؤ معروف لكسوف الشمس كان من قبل الفيلسوف الإغريقي "طاليس" الذي تنبأ بحدوث كسوف /25/ أيار/585 ق.م/، وحصل هذا مع غروب الشمس في منطقة البحر المتوسط، ووضع حداً لمعركة بين الميديين والليديين، أما أول كسوف شمسي مسجل فكان في/22/ أكتوبر/2136 ق.م / وشوهد في الصين خلال حكم الإمبراطور (شونغ كانغ)، والكسوف التالي المسجل حصل سنة /1375 ق.م / وهو مذكور على لوحة من الطين عثر عليها في منطقة أوغاريت في سورية. ومن طرائف حوادث الكسوف أن لويس إمبراطور بافاريا مات خوفاً من الكسوف عام /840/ للميلاد. ومنها أيضاً أن العالم الفلكي (جولز جانسن) نجح في الابتعاد عن منطقة مطوقة عسكرياً لدراسة الكسوف الكلي مخاطراً بحياته وكان ذلك في /22/ كانون أول عام /1870/ حيث طار بعيداً عن باريس التي كانت مطوقة من قبل الجيوش الألمانية، لكن الغيوم في النهاية منعته من مراقبة الكسوف في منطقة أوران في فرنسا. وأول ذكر للهالة الضوئية الشمسية يعود إلى بلوتارك الذي عاش بين /46 م -120م/. وأول محاولة لتصوير الكسوف الكلي للشمس قام بها عالم الفضاء النمساوي (ماجوكي) في /8/ تموز/ 1842/، وأول صورة ناجحة للكسوف الكلي كانت في /28/ تموز /1851/ من قبل العالم (بيركاوسكي). في شباط عام /1980/ تأجلت مباراة بسبب الكسوف بين بريطانيا والهند بكرة (الكريكت) حتى صباح اليوم التالي. أما أول محاولة لإظهار كسوف كلي على شاشة التلفزيون فقد قامت بها هيئة الإذاعة البريطانية في /15/ شباط /1961/ وكانت ناجحة. الكسوف الصناعي من أجل دراسة الكسوف وما يتيحه من فرصة جيدة لمراقبة الهالة والإكليل الشمسيين، وجد العلماء أن من الصعوبة انتظار حدوث الكسوف والذهاب إلى المناطق المختلفة لمراقبته، لذلك فكروا بإحداث الكسوف الصناعي عن طريق الأقمار الصناعية، لكن من المعروف أن هذه الأقمار لا تستطيع حجب الشمس بجسمها الصغير، غير أننا نعرف أنه كلما اقتربنا من الجسم الذي ننظر إليه أصبحت مقاييسه أكبر، إذاً يمكن حل هذه المسألة بتقريب المشاهد من القمر الصناعي، وهذا ما تتمكن من القيام به السفينة الفضائية، وقد ظهرت هذه الفكرة أول مرة في الرحلة الفضائية المشتركة (الروسية - الأمريكية) التي جرت بتاريخ /15/ تموز/1975/حيث حلقت السفينتان الفضائيتان سويوز وأبولو، ففي اليوم الرابع من تلك الرحلة قامت سويوز بدور الأرض وأبولو بدور القمر، وقبل بداية التجربة تم توجيه السفينتين الملتحمتين مع بعضهما على امتداد المستقيم الواصل بينهما وبين الشمس بحيث كانت (أبولو) تقع أقرب إلى الشمس من (سويوز)، ثم افترقت السفينتان وشرعتا في التباعد وكانت السفينة الأمريكية تحجب الشمس بجسمها عن أنظار راكبي (سويوز)، وكانت وحدة الالتحام لسفينة (سويوز) مزودة بنافذة مدورة، وفي هذه النافذة الموجهة نحو (أبولو) أثناء التجربة رُكِّبَتْ آلة تصوير بحيث كانت عدستها التي تتحكم فيها آلية مبرمجة تنظر من الكوة لتلتقط صوراً لهالة الشمس بشكل أوتوماتيكي وبسرعات تصوير مختلفة، وعندما تجاوز البعد بين السفينتين (200 م) وأصبحت مقاييس القمر - أي سفينة أبولو - أكبر من مقاييس القرص الشمسي بمرتين، بدأت السفينتان تتقاربان من جديد لإعادة الالتحام، وهكذا استمر الكسوف الشمسي الصناعي الذي أحدثه الإنسان لأول مرة حوالي خمس دقائق، وهكذا يصبح لدينا نوع رابع من أنواع الكسوف. آلية حدوث الكسوف تدور الأرض حول الشمس بعكس اتجاه عقارب الساعة من الغرب إلى الشرق، وتتم دورتها في (365) يوم وربع اليوم، ويشكل مستوي دوران الأرض حول الشمس مع مستويات دوران بقية الكواكب ما يعرف بفلك البروج، وبمعنى آخر فإن فلك البروج هو المسار الظاهري لقرص الشمس خلال سنة أرضية كاملة؛ حيث يتغير ميل الشمس خلال سنة واحدة بين (+30َ,23ْ) و(-30َ,23ْ)، ويدور القمر حول الأرض بعكس اتجاه دوران عقارب الساعة من الغرب إلى الشرق في مدة ظاهرية تبلغ (29) يوم و(12) ساعة و(44) دقيقة و(2.9) ثانية، وتدعى هذه الدورة بالدورة الاقترانية (و هي الفترة الواقعة بين حالتي اقتران للقمر مع الشمس كما هو مشاهد من الأرض). بينما تبلغ مدة دوران القمر الحقيقية حول الأرض (27) يوم وثلث اليوم تقريباً (السنة بالنسبة للمراقب على سطح القمر)، وهي تساوي بالضبط مدة دورانه حول محوره (اليوم بالنسبة للمراقب على سطح القمر)، لذلك لا نشاهد سوى وجه واحد للقمر، وأدنى بعد للقمر عن الأرض يبلغ (348294 كم) (نقطة الحضيض في المدار)، وأقصى بعد للقمر عن الأرض في دورته يساوي (398581 كم) (نقطة الأوج في المدار). وهكذا تكون مساحة قرص القمر الظاهرية في الأوج أصغر من مساحة قرص القمر الظاهرية في الحضيض، ولهذا دور في تحديد نوع الكسوف، فوجود القمر في الأوج يجعل الكسوف حلقياً (المساحة الظاهرية لقرصه صغيرة لأنه بعيد)، ووجوده في الحضيض يجعل الكسوف كلياً (المساحة الظاهرية لقرصه كبيرة لأنه قريب). لكن لا بد أيضاً من توفر شروط أخرى لحدوث الكسوف، من المعروف أن مستوي مدار القمر يميل على فلك البروج بزاوية مقدارها خمس درجات وتسع دقائق، بسبب هذا الميل يقطع القمر فلك البروج في نقطتين ندعوهما عقدتين، ويحدث الكسوف والخسوف بجوار هاتين العقدتين شرط وقوع الشمس والأرض والقمر على استقامة واحدة. تعود أهمية هذا الحدث لندرة وقوعه في منطقة واحدة، فالكسوف الكلي لا يتكرر في منطقة بذاتها إلا في مدى (400) سنة. إن أكبر عدد ممكن لمجموع حالات الكسوف والخسوف في السنة الواحدة هو سبع حالات، ففي سنة /1935/ حدثت خمس حالات كسوف شمسي وحالتا خسوف قمري، وفي سنة /1982/ حدثت أربع حالات كسوف شمسي وثلاث حالات خسوف قمري. بينما يبلغ أقل عدد ممكن لهذه الحالات اثنتان في السنة الواحدة، وكلاهما يجب أن تكونا حالتي كسوف شمسي كما حدث في عام /1984/. إن كسوف يوم الأربعاء /11/آب/1999/ شُوهِدَ في كل أنحاء الوطن العربي بنسب متفاوتة، والمنطقة الوحيدة التي كان فيها الكسوف كلياً هي المنطقة الشمالية الشرقية من سورية وشمالي العراق، بدأ الكسوف من المنطقة الغربية من سورية وانتقل نحو الشرق تدريجياً، بلغ عرض حزمة الكسوف الكلي 110 كم، وقع منها داخل الأرض السورية 35 كم حيث شملت مناطق: عين ديوار والمالكية وأم التلول والشامية وفش خابور والجابرية والصهريج، وكانت المساحة الظاهرية لقرص القمر تعادل109% من المساحة الظاهرية لقرص الشمس، والسبب في ذلك أن القمر كان يقع بجوار الحضيض في ذلك التاريخ حيث كانت مساحة قرصه الظاهرية أكبر ما يمكن، بينما كانت الأرض أبعد ما يمكن عن الشمس أو قريبة من نقطة الأوج في مدارها والتي تمر بها الأرض في 3 تموز من كل عام حيث كانت المساحة الظاهرية لقرص الشمس أصغر ما يمكن. استمر حجب الشمس التام مدة دقيقتين حل فيهما الظلام وظهرت النجوم اللامعة ومجموعة نجوم أبراج الشتاء مثل الجوزاء ونجم الرجل والشعرى اليمانية، بالإضافة لظهور خمسة من كواكب المجموعة الشمسية حيث كان كوكب عطارد إلى الغرب من الشمس والزهرة إلى الشرق منها، بالإضافة لظهور المريخ والمشتري وزحل، واستمر الكسوف في منطقة عين ديوار من الساعة الواحدة وعشرين دقيقة بعد الظهر حتى الساعة الرابعة عصراً، بينما وقعت ذروة الكسوف الكلي بين الساعة (14.44-14.46)، مع العلم أن أطول كسوف كلي في القرن العشرين حدث عام /1973 / حيث استمر مدة سبع دقائق. وفرصتنا في الكسوف رائعة لرؤية الانفجارات الشمسية السطحية والهالة والإكليل الشمسيين. الوقاية من أذى الكسوف الشمسي خلق الله تعالى عيوننا وجعلها نوافذنا على العالم الخارجي، وجعل هذه العيون مهيَّأةً لتلقي الضوء بالانتثار، فلا تتلقاه من المنبع مباشرةً. إن النظر إلى الشمس في أي وقت لبضع ثوانٍ قد يسبب حروقاً غير قابلة للشفاء في شبكية العين وقد يسبب العمى، لكن ضوء الشمس المبهر في الأحوال العادية يمنعنا من النظر إليها، والخطورة تكمن في فترة الكسوف حيث يُحجَبُ ضوءُ الشمس المبهر فنتمكن من النظر إلى الشمس بغير عوائق أو شعور بضرر ذلك لأن الشبكية في العين لا تحوي أي مستقبل لحس الألم، ولا تظهر الأضرار إلا بعد عدة ساعات، والضرر ينجم عن إشعاعات الشمس تحت الحمراء وفوق البنفسجية وأشعة (X)، وقد يؤدي التعرض لهذه الإشعاعات إلى العمى، لذا يجب الانتباه للأطفال ومنعهم من النظر إلى الشمس في فترة الكسوف. يحدث العمى حين تصاب اللطخة الصفراء في قعر الشبكية بالأذى، فعندما تكون الشمس في قمة السماء تنطبع صورتها على الشبكية بقطر 160 ميكروناً، أي أنقص بـ20% من مساحة اللطخة الصفراء التي يبلغ قطرها 350 ميكروناً، ومن المعروف أن بؤبؤ العين إذا كان صغيراً فإنَّ النظر للشمس يحدث ارتفاعاً في درجة حرارة الشبكية يبلغ 4 درجات مئوية، وهو ارتفاعٌ غير كافٍ لإحداث التخثير الضوئي لمكونات الشبكية والذي يلزمه ما بين 10 إلى20 درجة مئوية، فأذية الشبكية في الكسوف هي أذية تسمم كيميائي ضوئي مع العلم أن غاليليو غاليلي فقد بصره نتيجة ذلك. يزداد ارتفاع درجة حرارة الشبكية حين ننظر من خلال العدسات الصنعية، أما الجسم البلوري للعين فهو يحوي حاملات صبغية مقاومة للأشعة فوق البنفسجية، وتتدرج الإصابة من أذية اللطخة الصفراء المبيضة التي تشفى بعد شهور، إلى تشوش فيها، ثم إلى تنقط صباغي فإلى انثقاب الشبكية في منطقة اللطخة الصفراء، والأطفال أكثر عرضة للإصابة بالتسمم الشبكي الضوئي، لأن الجسم البلوري في عين الطفل يسمح بنفوذ بعض الأشعة فوق البنفسجية بكمية أكبر مما يسمح لدى الشخص البالغ، أما المراقب الذي يريد مراقبة الحدث فيمكنه استخدام واقيات للعين أثناء المراقبة، ومن أنواع هذه الواقيات الزجاج الواقي المستخدم في عمليات اللحام بالقوس الكهربائي، ويمكن أيضاً النظر عبر عدة طبقات من مسودات الأفلام التصويرية شريطة ألا تكون قد استخدمت في التصوير حيث تخرج من محفظتها وتحرق في الضوء ثم تحمض ونقوم بطيها عدة طبقات ونوجهها نحو المصباح الكهربائي العادي المُضاء، فإذا ظهر سلك التنغستين الذي في وسطه فقط فإن هذه الطبقات كافية، أما إذا ظهرت الحبابة فيجب زيادة عدد الطبقات، كما يمكن استخدام الزجاج الذي تعرض لهباب الفحم فاسود كثيراً إلا أنه يمرر الأشعة تحت الحمراء، ويمكن استخدام طبقة من مادة الميلار، وهي خليط من الكروم والألمنيوم التي لا تنفذ سوى ثلاثة بالألف من أشعة الشمس، وتعتبر هذه الطريقة من أسلم الطرق، ومن الأفضل إسقاط منظر الكسوف على لوحة كرتونية عبر مقراب فلكي لمراقبة خيال الشمس، كما يمكن مراقبة حواف القمر أثناء الكسوف حيث تبدو انطباعات المرتفعات والوديان القمرية التي تمر عبرها أشعة الشمس. يتساءل البعض عن تعرض الجسم لأشعة الشمس في وقت الكسوف هل يضر؟ والجواب: أنه لا يضر فهو الضوء ذاته الذي نتعرض له من الشمس في الحالة العادية، وهذا ينطبق على الحيوانات والنباتات، والتأثر الوحيد الذي تتعرض له الحيوانات هو اضطراب الساعة البيولوجية لديها؛ حيث تظن الحيوانات أن الليل قد أتى فتنام، خاصةً الدواجن، ومن الجدير بالذكر أن الحكومة الفرنسية قامت بتصنيع 8000000 نظارة خاصة بالكسوف، وقامت بتوزيعها مجاناً على أفراد الشعب للتمتع بمنظر الكسوف الذي حدث عام 1999، إن رؤية حالة الكسوف الكلي هو فرصة قد لا تتكرر في حياتنا مرة أخرى، فتبارك الله أحسن الخالقين. المراجع • علم الفلك: لين نيكلسون. • استكشاف الكواكب: لين نيكلسون. • موسوعة غنس: جاك مور. • السماء دون غرائب: ترجمة د. هاشم حمادي. • نسبية الضلال: إسحاق عظيموف. • طرائف علم الفلك: أف كوماروف. • موسوعة بهجة المعرفة: عدد من المؤلفين. |
العلامات المرجعية |
|
|