#1
|
||||
|
||||
سلمان الفارسي..دروس من سيرته لإصلاح واقعنا
سلمان الفارسي..دروس من سيرته لإصلاح واقعنا 1
مصطفى حمودة عشيبة لا يصلح آخرُ هذه الأمَّة إلا بما صلَح به أولُها، فلن يتقدمَ المسلمون في هذه الأعصار إلا إذا اتّبعوا الرعيل الأول - الذي تربّى على الوحي بين يدَيْ معلِّم البشرية سيد الخَلق، وحبيب الحق، محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - حذو القُذَّة بالقذة، وكذلك لن يفوزوا برضا رب البرية إلا إذا اتبعوهم بإحسان؛ كما قال ربنا: ( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة: 100]. الدرس الأول: طريق الوصول إلى الحق (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا). حينما نقف مع سيرة سلمان الخير -هذه الأسطورة التي صنعها الإسلام- لنستقي منها الدروس والعبر؛ فلا بد أن نقدِّم بشيء من سيرته، وكيف كانت بدايته مع هذا الدين العظيم، وكيف تزاوجت رُوحُه مع النيِّرين - الوحيين الشريفين - فأنتجت لنا تلك العبقرية الفذَّة. يقول عن نفسه: "كنت رجلاً من أهل أصبهان، من قرية يقال لها: "جي"، وكان أبي دهقانَ أرضه، وكنتُ من أحب عباد الله إليه، وقد اجتهدت في المجوسية، حتى كنت قاطنَ النار التي نوقدها، ولا نتركها تخبو، وكان لأبي ضَيْعةٌ، أرسلني إليها يومًا، فخرجت، فمررت بكنيسة للنصارى، فسمعتهم يصلُّون، فدخلت عليهم أنظر ما يصنعون، فأعجبني ما رأيتُ مِن صلاتهم، وقلت لنفسي: هذا خير من ديننا الذي نحن عليه، فما برحتهم حتى غابت الشمس، ولا ذهبتُ إلى ضيعة أبي، ولا رجعت إليه حتى بعث في أثري، وسألت النصارى حين أعجبني أمرُهم وصلاتهم عن أصل دينهم، فقالوا: في الشام..، وقلت لأبي حين عدت إليه: إني مررت على قوم يصلُّون في كنيسة لهم فأعجبتني صلاتهم، ورأيت أن دينهم خير من ديننا، فحاورني وحاورته، ثم جعل في رِجْلي حديدًا وحبسني، وأرسلت إلى النصارى أُخبرهم أني دخلت في دينهم، وسألتهم إذا قدم عليهم ركب من الشام، أن يخبروني قبل عودتهم إليها؛ لأرحل إلى الشام معهم، وقد فعلوا، فحطمت الحديد وخرجت، وانطلقت معهم إلى الشام..، وهناك سألت عن عالِمهم، فقيل لي: هو الأسقفُّ، صاحب الكنيسة، فأتيته وأخبرته خبري، فأقمت معه أخدم، وأصلِّي وأتعلم، وكان هذا الأسقف رجلَ سَوْء في دينه؛ إذ كان يجمع الصدقات من الناس ليوزِّعَها، ثم يكتنزها لنفسه، ثم مات، وجاؤوا بآخرَ فجعلوه مكانه، فما رأيت رجلاً على دينهم خيرًا منه، ولا أعظمَ منه رغبة في الآخرة، وزهدًا في الدنيا، ودأبًا على العبادة، وأحببته حبًّا ما علمت أني أحببت أحدًا مثله قبله، فلما حضر قدرُه قلت له: إنه قد حضرك من أمر الله - تعالى - ما ترى، فبمَ تأمرني، وإلى مَن توصي بي؟ قال: أيْ بني، ما أعرف أحدًا من الناس على مثل ما أنا عليه إلا رجلاً بالمَوْصل، فلما توفِّي، أتيت صاحبَ الموصل، فأخبرته الخبر، وأقمت معه ما شاء الله أن أقيم، ثم حضرتْه الوفاة، سألته فأمرني أن ألحقَ برجل في عمورية في بلاد الروم، فرحلت إليه، وأقمت معه، واصطنعت لمعاشي بقراتٍ وغنمات، ثم حضرته الوفاة، فقلت له: إلى مَن توصي بي؟ فقال لي: يا بني، ما أعرف أحدًا على مثل ما كنا عليه، آمرك أن تأتيه، ولكنه قد أظلَّك زمانُ نبي، يبعث بدِين إبراهيم حنيفًا، يهاجِر إلى أرض ذات نخل بين حرَّتين، فإن استطعت أن تخلص إليه فافعل، وإن له آياتٍ لا تخفى؛ فهو لا يأكل الصَّدقة، ويقبَل الهدية، وإن بين كتفيه خاتَمَ النبوَّة، إذا رأيتَه عرفته، ومرَّ بي ركب ذات يوم، فسألتهم عن بلادهم، فعلِمتُ أنهم من جزيرة العرب، فقلت لهم: أعطيكم بَقَراتي هذه وغنمي على أن تحملوني معكم إلى أرضكم؟ قالوا: نعم، واصطحبوني معهم حتى قدموا بي واديَ القرى، وهناك ظلموني، وباعوني إلى رجل من يهود، وبصرت بنخل كثير، فطمعت أن تكونَ هذه البلدة التي وُصفت لي، والتي ستكون مُهاجَرَ النبيِّ المنتظر، ولكنها لم تكُنْها، وأقمت عند الرجل الذي اشتراني، حتى قدم عليه يومًا رجل من يهود بني قُريظة، فابتاعني منه، ثم خرج بي حتى قدمت المدينة، فوالله ما هو إلا أن رأيتها حتى أيقنتُ أنها البلد الذي وُصفت لي، وأقمتُ معه أعمل له في نخْلِه في بني قريظة حتى بعث اللهُ رسولَه، وحتى قدم المدينة، ونزل بقباء في بني عمرو بن عوف، وإني لفي رأس نخلة يومًا، وصاحبي جالس تحتها إذ أقبل رجل من يهود، من بني عمِّه، فقال يخاطبه: قاتل اللهُ بني قيلة؛ إنهم ليتقاصفون على رجُل بقباء، قادم من مكة يزعمون أنه نبي، فوالله ما أن قالها حتى أخذتني العُرَواء، فرجفت النخلة حتى كدت أسقط فوق صاحبي، ثم نزلت سريعًا، أقول: ماذا تقول؟ ما الخبر؟ فرفع سيدي يده ولكَزني لكزة شديدة، ثم قال: ما لك ولهذا؟ أقبِلْ على عملك، فأقبلت على عملي، ولما أمسيت جمعت ما كان عندي ثم خرجت حتى جئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقباء، فدخلت عليه ومعه نفر من أصحابه، فقلت له: إنكم أهل حاجة وغربة، وقد كان عندي طعام نذرتُه للصدقة، فلما ذُكر لي مكانكم رأيتكم أحقَّ الناس به فجئتكم به، ثم وضعته، فقال الرسول لأصحابه: (( كُلُوا باسم الله))، وأمسك هو فلم يبسط إليه يدًا، فقلت في نفسي: هذه والله واحدة، إنه لا يأكل الصدقة، ثم رجعت وعدت إلى الرسول - عليه السلام - في الغداة، أحمل طعامًا، وقلت له -عليه السلام -: إني رأيتك لا تأكل الصدقة، وقد كان عندي شيء أُحب أن أكرمك به هدية، ووضعته بين يديه، فقال لأصحابه: (( كلوا باسم الله))، وأكل معهم، قلت لنفسي: هذه والله الثانية، إنه يأكل الهدية، ثم رجعت فمكثت ما شاء الله، ثم أتيته، فوجدته في البقيع قد تبع جنازة، وحوله أصحابه وعليه شملتان، مؤْتزرًا بواحدة، مرتديًا الأخرى، فسلَّمت عليه، ثم عدلت لأنظر أعلى ظهره، فعرف أني أريد ذلك، فألقى بردته عن كاهله، فإذا العلامة بين كتفيه، خاتم النبوة، كما وصفه لي صاحبي، فأكببت عليه أقبِّله وأبكي، ثم دعاني - عليه الصلاة والسلام - فجلست بين يديه، وحدَّثته حديثي كما أحدِّثكم الآن، ثم أسلمت، وحال الرِّق بيني وبين شهود بدر وأحد". هكذا كانت بدايته المزهرة، ومن أشرقت بدايته أشرقت نهايته، ومن اجتهد في البحث عن الحقيقة جمعه الله بها. يقول صاحب "الظلال" مؤكدًا تلك الحقيقة، وهو يتحدث عن ثمرة الإيمان والمجهود المضني في البحث عن الحقيقة: "ويختفي شعور كالشعور الذي عشته في فترة من فترات الضياع والقلق، قبل أن أحيا في ظلال القرآن، وقبل أن يأخذَ اللهُ بيدي إلى ظلِّه الكريم، ذلك الشعور الذي خلعَتْه رُوحي المتعبة على الكون كله، فعبرتُ عنه أقول: وقَف الكون حائرًا أين يمضي؟ *** ولماذا وكيف - لو شاء - يمضي عبثٌ ضائع وجهد غَبِين *** ومصيرُ مقنَّع ليس يُرْضي فأنا أعرف اليوم - ولله الحمد والمنة - أنه ليس هناك جهدٌ غَبِين؛ فكل جهد مجزي، وليس هناك تعبٌ ضائع؛ فكل تعب مثمر، وأن المصيرَ مُرْضٍ، وأنه بين يدَيْ عادلٍ رحيم، وأنا أشعر اليوم - ولله الحمد والمنّة - أن الكونَ لا يقف تلك الوقفة البائسة أبدًا؛ فروح الكون تؤمِن بربها، وتتجه إليه، وتسبح بحمده، والكون يمضي وَفْق ناموسه الذي اختاره اللهُ له، في طاعة وفي رضًا وفي تسليم، وهذا كسب ضخم في عالم الشعور وعالم التفكير، كما أنه كسب ضخم في عالم الجسد والأعصاب، فوق ما هو كسب ضخم في جمال العمل والنشاط والتأثُّر والتأثير". وقد ضحَّى صاحب "الظلال" بحريته وراحته - بل وبروحه - لأجل أن يصلَ إلى تلك الحقيقة السامقة ويثبت عليها، كما ضحَّى من قبله جَدُّه سَلْمان، وكذلك المخلصون من بعده أصحاب الهمم العالية والأشواق الراقية. وتمشيًا مع ناموس الكون إذا أردنا الوصول إلى الحقائق في العقائد الصحيحة والأخبار الصادقة السليمة، وأي أمر يعرض لنا في حياتنا كبر أو صغر - في عصرٍ كثُرت فيه الأباطيل والأراجيف، وزيِّفت فيه الحقائق، وكثُر فيه الدجل باسم العلم والتقدم والمدنية - لا بد من أن نضحيَ بكثير من الوقت والجهد والمال؛ كي نقف على الحقائق التي إن فقدناها ربما فقدنا دينَنا، فيضيع إثرَ ذلك ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا؛ فالعقائد لا تبنى إلا على الحقائق، ولغة العلم لا تعرف إلا الحقائق؛ فوجب أن نبذل الجهد للوصول إليها كما كان آباؤنا. الدرس الثاني: براءة الإسلام من الجمود: الحكمة ضالة المؤمن، أينما وجدها فهو أحق بها، هكذا علَّمنا ديننا، فلا نرفض الحضارة الغربية بجملتها، ولا نأخذها بكليتها، ولكن ما وافق دينَنا فأهلاً به وسهلاً، وما خالف فلا حاجة لنا به؛ لأنه وقتئذ لا يكون فيه نفعٌ للبشرية؛ لأن الشريعة ما منعت شيئًا إلا لضررِه، وفي هذا الموقف الذي نعرض له من حياة سلمان أقوى برهان على روعة الإسلام، ورد على من يتهمون الإسلام بالجمود والانزواء. يقول صاحب "رجال حول الرسول": "يوم الخندق، في السنة الخامسة للهجرة؛ إذ خرج نفر من زعماء اليهود قاصدين مكة، مؤلِّبين المشركين، ومحزِّبين الأحزابَ على رسول الله والمسلمين، متعاهدين معهم على أن يعاونوهم في حرب حاسمةٍ تستأصل شأفة هذا الدين الجديد، ووضعت خطة الحرب الغادرة، على أن يهجم جيش قريش وغطفان "المدينة" من خارجها، بينما يهاجم بنو قريظة من الداخل، ومن وراء صفوف المسلمين، الذين سيقعون آنئذ بين شقِّي رحى تطحنهم، وتجعلهم ذكرى! وفوجئ الرسولُ والمسلمون يومًا بجيش لجبٍ يقترب من المدينة في عُدة متفوقة، وعتاد مدمدم، وسُقط في أيدي المسلمين، وكاد صوابهم يطير من هول المباغتة، وصوَّر القرآنُ الموقف؛ فقال الله - تعالى -: ( إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا ) [الأحزاب: 10]. أربعة وعشرون ألف مقاتل تحت قيادة أبي سفيان وعيينة بن حصن يقتربون من المدينة؛ ليطوِّقوها، وليبطشوا بطشتهم الحاسمة؛ كي ينتهوا من محمد ودينه، وأصحابه، وهذا الجيش لا يمثِّل قريشًا وحدها، بل ومعها كل القبائل والمصالح التي رأت في الإسلام خطرًا عليها، إنها محاولة أخيرة وحاسمة يقوم بها جميع أعداء الرسول؛ أفرادًا، وجماعات، وقبائل، ومصالح، ورأى المسلمون أنفسهم في موقف عصيب، وجمع الرسول أصحابَه ليشاورَهم في الأمر، وطبعًا، أجمعوا على الدفاع والقتال، ولكن كيف الدفاع؟ هنالك تقدَّم الرجُلُ الطويل الساقين، الغزير الشعر، الذي كان الرسولُ يحمل له حبًّا عظيمًا، واحترامًا كبيرًا. تقدَّم سلمان الفارسي، وألقى من فوق هضبة عالية نظرة فاحصة على المدينة، فألفاها محصَّنة بالجبال والصخور المحيطة بها، بيد أن هناك فجوةً واسعة، ومهيأة، يستطيع الجيش أن يقتحم منها الحِمى في يُسْر. وكان سلمان قد خبر في بلاد فارس الكثير من وسائل الحرب، وخُدَع القتال، فتقدم للرسول - صلى الله عليه وسلم - بمُقترَحه الذي لم تعهَدْه العرب من قبل في حروبها، وكان عبارة عن حفْرِ خندق يغطِّي جميع المنطقة المكشوفة حول المدينة". وهكذا اقترح سَلمان فكرةً عسكرية خَبَرها من أرض فارس، الذين يسجدون للنيران من دون الله، هذه الفكرة لم يعهدها المسلمون ولا العرب، فرحَّب بها رسولُ الله ولم يرفضها لكونها فارسية، بل وشارك فى الحرب معهم؛ إشارة إلى أن دينَنا لا يخشى الانفتاح على الحضارات المختلفة؛ لأن به قوة ذاتية تفرِّق بين النافع والضار والصحيح والسقيم، وفى الخبر الذي أخرجه البخاري في "صحيحه" (9/ 55 رقم 5010) في فضائل القرآن، باب فضل سورة البقرة، من حديث أبي هريرة في قصته مع الشيطان الذي كان يسرق من الزكاة التي وكَّله رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بها، وفيه يقول الشيطان: إذا أويتَ إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي، لن يزالَ عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((صَدَقك وهو كَذُوب، ذاك شيطان))، فلم يمتنع رسولُ الله من قَبول ما جاء به من حقٍّ، وإقرار ما جاء به من صِدْقٍ، فأثبت له الصدقَ الذي لا يدل على المدح؛ فهو معدن خبيث. |
#2
|
||||
|
||||
سلمان الفارسي..دروس من سيرته لإصلاح واقعنا 2
مصطفى حمودة عشيبة الحمد لله والسلام على رسول الله، وبعد، فقد وقفْنا في المقالة السابقة مع تَقدِمة لحياة سلمان الفارسي - رضي الله عنه - وشيء مِن سيرته، وفي هذه المقالة نُكمل ما بدأناه من دروس وعِبَر في سيرته. ثالثًا: العلم أساس الحضارة وضمانة الحفاظ على هُوِيَّة الأمة: في الظروف التي تُحيط بعالَمِنا الإسلامي، كأنَّ سلمان يَجلس بيننا يُشخِّص الداء ويصف الدواء. كان - رضي الله عنه - غزيرَ العِلم حتى لقِّب بلقمان الحكيم؛ يقول علي بن أبي طالب: "ذاك امرؤ مِنا وإلينا آل البيت، مَن لكم بمثل لقمان الحكيم، أوتي علم الأول والآخِر، وقرأ الكتاب الأول والآخر، وكان بحرًا لا يُنزف". فقد درَس كتُب أهل الكتاب، وصاحب عددًا مِن أحبارهم، وبعد إسلامه نهل مِن الوحيَين الشريفَين، فكان كما قال عليٌّ، بحرًا لا يُنزف. ومن الكنوز التي قالها، والتي تُكتَب بماء الذهب على صفحات السماء قوله: "العلم كثير، والعمر قصير، فخذ مِن العلم ما تحتاج إليه في أمر دينك، ودع ما سواه فلا تعانه". ويرسم لنا منهج النجاة الذي يَعصمنا مِن التبعة الغربية فيقول: "لا يزال الناس بخير ما بقي الأول حتى يتعلَّم الآخِر، فإذا هلَك الأول قبل أن يتعلم الآخِر هلَكَ الناس". وكأنه يُرشِدنا إلى الحِرص على العلم العمَلي النافع، والابتعاد عن الفلسفات الفارغة والترَف العِلمي العقيم، ثمَّ يُشخِّص حالنا، وهو عدم اهتمام المسلمين - إلا مَن رحم - بثقافة أجدادهم من الرعيل الأول ومَن بَعدَهم، وعدم الشرب مِن المنبَع الصافي؛ كتاب الله وسنة نبيِّه، حتى لقد شُغلنا في مناهجنا بفلسفات الغربيِّين التي لا تتَّفق ومنهجنا، سواء في عِلم السياسة والاجتماع، وعلم النفْس، وغير ذلك من العلوم، وتركْنا ثقافتنا، وهذه أقوى الهزائم التي تعرَّضت لها أجيالنا المسكينة؛ حتى إنها أقوى من هزائم المدفع والصاروخ، والذى زرع هذا البلاء وتلك الهزائم المُتلاحِقة في الميادين الثقافية والاجتماعية والخلُقية هو الاستعمار، فعملوا أول ما عملوا بعد الهزائم العسكرية التي لحقتهم مِن المسلمين عملوا على محْوِ اللغة والفِكر والثقافة، وحاربوا العلماء بل وأبادوهم؛ مِن أجل أن يقطعوا صلتنا بماضينا؛ فنَفقِد مستقبلنا، ونصير تبعًا لهم لا نَستحسِن إلا ما استحسنوه، ولا نستقبح إلا ما استقبحوه. نعم؛ إذا هلك الأول قبل أن يتعلم الآخِر هلَك الناس، فهؤلاء الذين يُدافعون عن العلمانية تارة والليبرالية أخرى مِن أبناء جلدتنا، ما وقعوا فيما وقعوا فيه إلا يوم انفصلوا عن عقائدهم ومناهجهم السماوية، وتربَّوا على موائد الغرب أزمنةً ليست بالقليلة، حتى صاروا أشدَّ بلاء على ديار الإسلام من أعدائها. يقول أبو جرَّة: "حين أصيب المسلمون بنكسة خلُقيَّة، ولوثة فكرية، واستبداد سياسي، وانحدار اقتصادي، وتفسُّخ اجتماعي، وتدهور ثقافي، وفراغ روحي، كان من السهل على أجهزة الغزو أن تملأ كل ذلك بالخرافات والأباطيل والأوهام، فخفَّ شعور المسلمين، وتبلَّد حسُّهم، وضاق أفق تفكيرهم، وقسَت قلوبهم، فانسلخوا عن الفِطرة تمامًا، وتنكَّروا للحق ولو كان مِن عند الله - تعالى -. قلت: عندما آل أمرُهم إلى ذلك انقضَّ عليهم أعداؤهم عسكريًّا، وسياسيًّا، وفكريًّا، واقتصاديًّا، واستغلَّت المذاهب المادية أخطاء المسلمين وانحرافاتهم الفكرية والسلوكية، وحقَّقت بذلك انتصارات كبيرة جدا". وكما يقول الشيخ الغزالي: "لقد أفلح الاستعمار في خَلقِ جيل يَستحيي من الانتماء لدينه والعمل تحت لوائه، هذا هو الطابور الأول لا الخامس الذي ألحقَ بِنا الهزائم، ونكَّس رؤوسنا في كل ميدان". والحل هو العود الحميد لتراثنا وعلمائنا؛ فحضارتنا هي التي أخرجت العالم مِن ظلمات الجهل إلى نور العِلم والمعرفة. ونحن لا نريد أن نَبكي على أطلالنا، ولكن نريد أن نقتفي أثر الآباء والأجداد في العلوم الشرعية والعربية والطبيعية؛ فنَبتكِر كما ابتكروا، ونتقدَّم كما تقدَّموا، وبذلك نُطلِّق التبعية للغرب المُلحِد، ونتصدى للقيادة التي خلَقنا الله لها. فليس الفتى مَن قال كان أبي *** ولكن الفتى من قال ها أنذا ولتعلم أن الحضارة ما قامت إلا على أكتاف العلماء؛ لذلك احتفى القرآن بالعلم والعلماء احتفاءً كبيرًا؛ وحسْبُك أنَّ أول أية فرَّقت بين عهد الظلمات وعهد النور، وبين عهد الشِّرك والتوحيد، والجهل والعلم، كانت صادِعة بهذا المعنى؛ حيث قال - سبحانه- في أول ما نزل: ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ) [العلق: 1 - 5]. وأول خطوة اتخذها النبي لبناء دولة المدينة كانت إرسالَ مصعب بن عمير لتعليم الناس، فهذا هو المَخرَج مِن المأزق الحضاريِّ الذي يَحياه المسلمون، والذي يرشدنا إليه سلمان، والذي تعلمه من مُعلِّم البشرية. رابعًا - الإسلام منهج مُتوازِن: فالإسلام يجمع بين الروح والجسد، الدنيا والآخِرة، لا يَتنكَّر لأحدهما على حساب الآخَر، ومِن أروع مواقف سلمان وحكمتِه فيما أخرجه الترمذيُّ وصحَّحه الألباني عن أبي جحيفة قال: آخَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين سلمان وبين أبي الدرداء، فزار سلمان أبا الدرداء، فرأى أمَّ الدرداء مُتبذِّلةً، فقال: ما شأنك مُتبذِّلةً؟ قالت: إن أخاك أبا الدرداء ليس له حاجة في الدنيا، قال: فلما جاء أبو الدرداء قرَّب إليه طعامًا، فقال: كلْ؛ فإني صائم، قال: ما أنا بآكل حتى تأكُل، قال: فأكل، فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء ليَقوم، فقال له سلمان: نمْ، فنامَ، ثم ذهب يقوم، فقال له: نمْ، فنام، فلما كان عند الصبح، قال له سلمان: قمِ الآن، فقاما فصلَّيا، فقال: "إن لنفسِك عليك حقًّا، ولربك عليك حقًّا، ولضَيفك عليك حقًّا، وإن لأهلك عليك حقًّا، فأعطِ كل ذي حقٍّ حقه"، فأتَيا النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكَرا ذلك، فقال له: ((صدق سَلمان)). هذا هو التوازن الذي يُحدثه الإسلام في حسِّ أصحابه؛ فالإسلام جاء وسطًا بين الإفراط والتفريط فأحدث توازنًا عجيبًا في النفس البشرية بين الدنيا والآخِرة، كما أشرْنا. وقد عرَض القرآن لقضية التعامل مع الدنيا والآخرة في ثلاث صور، فأنكر اثنتَين وأمَر بالثالثة: أما الأولى: فالتعامل مع الدنيا بصورة مادية بحتَة، فشبَّههم الله - عز وجل - بالأنعام؛ فقال - سبحانه -: ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ ) [محمد: 12]، فختَم بجزائهم الدالِّ على توبيخهم. وأما الثانية: فهي التعامل مع الدنيا بشكل روحاني بحْت؛ فقال - سبحانه -: ( وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ) [الحديد: 27]، فرفَض هذه وتلك؛ لأن كلاهما لا يتَّفق وطبيعة النفس البشرية. وأما الثالثة التي ارتضاها وأمر بها: فهي التوازن الذي نتحدَّث عنه؛ حيث قال - سبحانه-: ( وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) [القصص: 77]؛ أي: تقرَّبْ إلى الله بألوان الطاعات، ولا تنسَ نصيبك مِن الدنيا مما أباح الله لك مِن مطعَمٍ ومشرَب ومَنكَحٍ، وقال - سبحانه -: ( رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) [النور: 37] وقال أيضًا: ( فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) [الجمعة: 10]، فقد خلَق الله البشر وأمرهم بالعبادة وإعمار الأرض؛ جمعًا بين ما تحتاجه الروح وما يتطلَّبه الجسد؛ فـ"إنَّ لنفسك عليك حقًّا، ولربك عليك حقًّا، ولضَيفك عليك حقًّا، وإن لأهلك عليك حقًّا، فأعطِ كل ذي حقٍّ حقَّه". فإلى مَن يبغون عن منهج الإسلام حِولاً، ويطلبون عنه بدلاً، أيُّ منهج يقارب منهج الإسلام حتى نتركه إليه؟! أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير؟! |
#3
|
||||
|
||||
سلمان الفارسي..دروس من سيرته لإصلاح واقعنا 3
مصطفى حمودة عشيبة وقفنا في المقالتين السابقتين مع هاك الجبل الشامخ، متأمِّلين بعض الدروس التي أفدناها من سيرتِه لإصلاح واقعنا، في هذه المقالة الأخيرة نُكمل التَّطواف حول فِقهه وروعة فَهْمه - رضي الله عنه -. خامسًا: شموليّة الإسلام: فيما أخرج مسلم، واللفظ لأحمد عن سلمان، قال: قال بعض المشركين وهم يستهزئون به: إني لأرى صاحبَكم يُعلِّمكم حتى الخراءة، قال سلمان: "أجل، أمرنا أن لا نستقبِل القِبلة، ولا نستنجي بأيماننا، ولا نكتفي بدون ثلاثة أحجار ليس فيها رجيعٌ ولا عَظمٌ". من جواب سلمان نتعلّم أن الإسلام لم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، ألا فليسمع دُعاة التقدم والمدنيَّة من أبناء العلمانية، ومَن سار في رِكابهم، دُعاة التحرُّر من كل شيء حتى من ثوابت الدين، ألا فليتعلَّموا من سيدهم الفارسي. جاءت شريعة الإسلام لكل البشر على مختلف أجناسهم وأشكالهم، فشِمَلت بذلك الزمان والمكان؛ ( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا) [الأعراف: 158]. وجاءت شريعة الإسلام فشملت الدنيا والآخرة، فربَطت بينهما برباطٍ عجيبٍ فيما يتعلَّق بشتى الأمور من حساب وعقاب؛ بل جعلت للعبادة أثرًا في الحياة الدنيوية والأخروية؛ فالصلاة مثلاً متعلِّقة بالامتناع عن الفحشاء والمنكر، وعدم الظُّلم والسعي في إفساد الأرض، فقعَّد العلماء قاعدةً في ذلك، فقالوا: إن ثمرة العبادة المقبولة ترْك المنهيات، وكذلك فإن الصلاة متعلِّقة بقضية التمكين في الأرض - في آيات النور والحج - وعلَّل العلماء ذلك بأن مَن سجَد لله بقلبه لا يسجد لغيره، لأنه يستمِدُّ العزةَ من الله، وكذلك فإن لها أثرًا بالغًا في محو الذنوب ورفْع الدرجات بين يدي الله - سبحانه وتعالى -. كذلك ربَطت شريعة الإسلام بين الأخلاقياتِ والمعاملاتِ، فجعلتهم جزءًا واحدًا لا ينفصِم، وذلك من أعظم ما يُميِّزها، وفقدته القوانين الوضعيَّة الأخرى؛ ففيما أخرج البخاري عن أم سلمة - رضي الله عنها -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إنكم تَختصِمون إليَّ، ولعل بعضكم أَلحن بحجَّته من بعض، فمن قضيتُ له بحق أخيه شيئًا بقوله، فإنما أقطعُ له قطعةً من النار، فلا يأخذها)). ولم تكتفِ شريعةُ الإسلام بشمولها لجميع جزئيات الحياة - من عقائد وأخلاقيات وعبادات، والأمور المتعلِّقة بالمعاملات والأسرة والقضاء، وتنظيم العلاقات الدولية وموارد الدولة ومصارفها - الذي يميِّزها عن القوانين الوضعيَّة، بل زادت فوق ذلك رَوعة وجمالاً، فقامت بالربط بين ذلك كله رباطًا ساحرًا خلابًا، جعلها عِقدًا فريدًا منتظِمًا باهرًا، يخطف اللبَّ ويُعجِز العقل، فحُقَّ لأصحاب الفِطر السليمة أن يعشقوها ويُفاخِروا بها، فإلى مَن يريدون اختزال الإسلام - كما فعلوا مع المسيحية الغربية - في بضع شعائر لا أثر ولا علاقة لها بالواقع، أقول: ألم يتحدَّث القرآن عن الجوانب الثقافية وكثير من القواعد العلمية والمنطقيَّة؟ ألم يتحدَّث القرآن عن الجانب الاجتماعي فينظِّم العلاقة بين أفراد المجتمع؟ ثم ألم يتحدَّث عن الجانب الاقتصادي ونظرة الإسلام إلى المال، ويتعرَّض لبعض المشكلات الاقتصادية، ويضع لها علاجًا ناجعًا؟ ألم يتناول الجانب السياسي والعسكري؟ إن شمولية الإسلام لا تخفى إلا على جاهل أو مُعانِد. سادسًا: من أسباب الشِّقاق كثرة الكلام: مَن كَثُر كلامه كثُر سَقَطُه، والبلاء موكَّل بالمنطق، وإنما تكثُر المشكلات فتُهدَم بيوت وتفنى أجيالٌ، وتَسقط حضارات؛ بسبب كثرة الكلام بدون تثبُّت ورَويَّة؛ لذلك يقول سلمان حينما استوصاه رجل: "لا تتكلَّم، قال: لا يستطيع من لابَس الناس أن لا يتكلَّم، قال: فإن تكلَّمت فتكلَّم بخير أو اسكت"، وذلك يذكرنا بحديث معاذ فيما أخرج الترمذي وصحَّحه الألباني، وفيه فقلت: يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلَّم به؟ فقال: ((ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يَكُبُّ الناسَ في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائدُ ألسنتهم)). وقال أبو الدرداء: أنصِف أذنيَك من فِيك؛ فإنما جُعِل لك أذنان اثنتان، وفم واحد؛ لتسمع أكثر مما تقول. وكما يقول الشاعر: الحِلْم زَينٌ والسكوت سَلامةٌ *** فإذا نَطقتَ فلا تكن مِكثَارا ما إن نَدِمتُ على سكوتي مرَّة *** إلا نَدِمتُ على الكلام مِرارا فينبغي للإنسان ألا يتكلم إلا لحاجة، وألا يَسبِق لسانُه عقلَه؛ فقد كان رسول الله طويل السكوت لا يتكلم لغير حاجة. وكما قال عبدالله بن المبارك يَرثي مالك بن أنس المدني: صَموتٌ إذا ما الصمتُ زيَّنَ أهلَهُ *** وفَتَّاق أبكار الكلام المُختَّمِ سابعًا: درس لعشاق المناصب: إلى مَن يُقاتِلون من أجل الشهرة والكرسي ولا يَسعَون ألا لإرضاء شهواتهم، يحرصون على الصدارة وإن تَحطَّمت من أجل ذلك أوطانهم، ألا فلتسمعوا قولةَ سلمان: "إن استطعتَ أن تأكل التراب، ولا تكونن أميرًا على اثنين فافعل، فقيل: ما الذي يُبَغِّض الإمارةَ إليك، قال: حلاوة رَضاعها ومَرارة فِطامها". لأنهم يعلمون تَبِعتها في الدنيا والآخرة؛ فلذلك كانوا أزهد الناس فيها، يتفلَّتون منها تفلُّت الصحيح من الجرب، فهذا ما تعلَّموه من سيد ولد آدم؛ ففيما أخرج البخاري عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إنكم ستحرصون على الإمارة، وستكون ندامةً يوم القيامة، فنعم المُرضِعة وبِئست الفاطمة)). وأخرج أحمد والطبراني عن أبي أمامة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((ما مِن رجل يلي أمرَ عشرة فما فوق ذلك إلا أتى الله مغلولاً يوم القيامة، يده إلى عُنقه، فَكَّه بِرُّه أو أوبَقَه إثمه، أَولها ملامة، وأوسطها ندامة، وآخرها خزي يوم القيامة)). وكما أخرج مسلم عن أبي ذر، قال: قلت: يا رسول الله، ألا تستعملني؟ قال: فضرب بيده على مَنْكِبي، ثم قال: ((يا أبا ذر، إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزيٌ وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدَّى الذي عليه فيها)). أما إن سألت عن خُلُقه فقد كان من سادات المتواضعين، وإن سألت عن مكانته فقد كان عند رسول الله من المقرَّبين، وعند كِبار الصحابة من العلماء المبرَّزين. وبعدُ فهذه بعض الاجتهادات في تحليل مواقف من حياة سلمان - رضي الله عنه - قد تُخطئ وقد تصيب، والمستقرئ لسيرة الرعيل الأول الذين شربوا من معين الوحي، وتربَّوا على يدي أشرف الخلق، يجد روائعَ تُدهِش النفسَ، وتُمتِع العقل، وتُصلِح الدنيا والآخرة. ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتُب علينا إنك أنت التواب الرحيم. |
العلامات المرجعية |
|
|