اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > حى على الفلاح

حى على الفلاح موضوعات و حوارات و مقالات إسلامية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11-05-2015, 10:24 AM
الصورة الرمزية ابو وليد البحيرى
ابو وليد البحيرى ابو وليد البحيرى غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 4,135
معدل تقييم المستوى: 14
ابو وليد البحيرى will become famous soon enough
افتراضي صلاح الأمة لا يتم إلا بالاجتماع والوحدة


صلاح الأمة لا يتم إلا بالاجتماع والوحدة


محمد إقبال النائطي الندوي




إنَّ الله - سبحانه وتعالى - دعا عباده المؤمنين إلى الوَحدة والاجتماع قبل أن يَدعوهم إلى الصلاة والصيام والحج والزكاة، فقال - عز وجل -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾ [آل عمران: 102، 103]، مِن هنا نُدرك أن الوحدة والاجتماع من أصل الدِّين وأسِّه، وأن الاعتصام بحبل الله - وهو القرآن الكريم - يُحقِّق الوحدةَ والاجتماع، لقد أخبر الله - سبحانه وتعالى - أن الناس كلَّهم أولاد أب واحد وأمٍّ واحدة، وأنَّ اختلاف القبائل والشعوب ليس مَدعاةً إلى التنافُر والتناكُر؛ بل هو مجلبة للتعارف والتواصل والتوادُد والتراحم، وأنَّ التقوى هي المقياس والمعيار عند الله - عز وجل - يتقرَّب بها العبد إليه ويتوصل؛ فقال - عز وجل -: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ [الحجرات: 13]، فالإسلام دين يَدعو إلى الوحدة البشرية، إنَّه يدعو إلى تشكيل مجتمع إنساني يَسُوده الحب والوداد، ويعمُّه الأمن والسلام؛ كما ورد في القرآن الكريم، ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ﴾ [الروم: 41]، نُدرك من خلال هذه الآية الكريمة أنَّ الله - تعالى - يكره الفساد، ويَمقُت المُفسِدين، ويقول الربُّ - عز وجل -: ﴿ وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾ [يونس: 19]، ويدعو الله - تعالى - عباده إلى الوحدة والاجتماع بقوله: ﴿ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 92]، وفي الحديث الصحيح حديث عياض بن حمار، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الله - عزَّ وجلَّ -: ((إنِّي خلقتُ عبادي حنفاء كلهم، فاجتالتْهم الشياطين، فحرَّمتْ عليهم ما أحللتُ لهم، وأمَرَتْهم أن يُشركوا بي ما لم أُنزل به سلطانًا))؛ صحيح مسلم (رقم: 2865).

فالإسلام دين ربَّاني خالد شامل يضمَن للبشرية جمعاء السعادة والكرامة في الدنيا والآخرة، وهو الذي يَكفُل السلامَ العالميَّ، وهو قادر - بإذن الله - على أن يُطهِّر الأرض من الفساد والإرهاب، وقد دعا الله - سبحانه وتعالى - عباده إلى أمور، إذا قاموا بها، تحقق لهم الحبُّ الخالص، والودُّ الصادق فيما بينهم؛ يقول - عز وجل -: ﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا ﴾ [الإسراء: 53]، فالقول الحسن لجميع الناس على اختلاف أجناسهم وأعرافهم، واختلاف مذاهبهم ومناهجهم - واجبٌ ديني، وأمر ربانيٌّ، يأثَم المرءُ إذا أهملَ ذلك وأغفله، ويقول الرب - عز وجل -: ﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ [فصلت: 34، 35]، ويقول - عز وجل -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴾ [الأحزاب: 70]، فاللِّين في القول، واللين في التعامُل والسلوك يورث المحبة والمودَّة في القلوب، ويشقُّ الطريق إلى الحب في الصدور؛ لذا أمر الله - سبحانه وتعالى - عباده المرسلين باتخاذ اللين في دعوتهم وتعامُلهم مع شعوبهم وأممهم؛ فقال لنبيِّه ورسوله محمد - صلى الله عليه وسلم -: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾ [آل عمران: 159]، وقال لنبيِّه موسى وهارون - عليهما الصلاة والسلام -: ﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾ [طه: 43، 44]، فاللِّين في الدعوة هو الذي يُحقِّق نتائجَ حسنة، ويؤتي ثِمارًا طيبة، ويَخطو صاحبه خطوات بعيدة المَدى في هذا المضمار، فالسداد في القول، والعدل فيه، وتحرِّي الصدق والصواب - مما يوجب الوحدة والاجتماع؛ ﴿ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى ﴾ [الأنعام: 152].

وقد أمر الله - تعالى - عباده المؤمِنين بالسير على طريق العدل والصدق؛ فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾ [المائدة: 8]، وقال - عز وجل -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [التوبة: 119]، فالقول الحسَن، والقول الليِّن، والقول العدل المستقيم - أصلٌ في خُلق الوحدة والاجتماع، والقول السوء، والقول الغليظ، وقول الزُّور - سبب لكلِّ فُرقة واختلاف، وطريق إلى كلِّ شقاق ونزاع، لقد حذَّر النبيُّ الكريم - صلى الله عليه وسلم - أمتَه من أشياء تورِث في القلوب البغضاءَ والشحناء، وتَخلُق الفجوة بين المسلمين بعضهم بعضًا؛ فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تحاسَدوا، ولا تباغَضوا، ولا تجسَّسوا، ولا تحسَّسوا، ولا تناجَشوا، وكونوا عبادَ الله إخوانًا))؛ صحيح مسلم، (رقم: 2563)، وفي رواية: ((لا تحاسَدوا، ولا تناجَشوا، ولا تباغَضوا، ولا تدابَروا، ولا يَبِعْ بعضُكم على بَيع بعض، وكونوا عبادَ الله إخوانًا، المسلم أخو المسلم لا يَظلمه، ولا يَخذله، ولا يَحقره، التقوى ههنا - ويُشير النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى صدره الشريف ثلاث مرَّات - بحسْبِ امرئٍ من الشرِّ أن يَحقر أخاه المسلم، كلُّ المسلم على المسلم حرامٌ؛ دمُه، ومالُه، وعِرضُه))؛ صحيح مسلم (رقم: 2564)، وقد شبَّه النبي - صلى الله عليه وسلم - المسلمين بعضهم مع بعض بالبنيان يشدُّ بعضه بعضًا؛ فقال - صلى الله عليه وسلم-: ((المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضه بعضًا))؛ صحيح البخاري، (رقم: 2446)، البنيان لا يظهر إلى الوجود إذا لم يشدَّ بعضه بعضًا، فالأحجار مُتناثرة، واللَّبِن مُنتشِرة، لا قيمة لها ولا وزن إلا إذا كانت مجتمعة، فجدار بيت من البيوت أو مسجد من المساجد ليس لأحد أن يمدَّ يده إليه بسوء؛ لاجتماع الأحجار واللَّبِن فيه بعضها مع بعض، وقد شبَّههم النبي - صلى الله عليه وسلم - في مَوضِع آخَر بالجسد الواحد الذي تَختلِف أعضاؤه، ولكن يُشارِك بعضها بعضًا في الراحة والألم، فيقول - صلى الله عليه وسلم -: ((مَثَلُ المؤمنين في توادِّهم، وتراحُمِهم، وتعاطفهم: مَثَلُ الجسد الواحد؛ إذا اشتَكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمَّى))؛ مسلم، (رقم: 2586)، فالإسلام جعل أتباعه كلهم إخوة؛ فقال - عز وجل -: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ [الحجرات: 10]، فهذه الأخوة أثبَت مِن أُخوَّة النسَب؛ فربما تنقطِع أُخوَّة النسب بمخالفة الدِّين، وأُخوَّة الدين لا تَنقطِع بمُخالفة النسب، لقد كان العرب قبل الإسلام قبائلَ متناحِرة بعضهم لبعض عدوٌّ، وكانت الحروب قد نهكتهم، وأضرَّت بهم إلى ما لا نهاية له؛ حيث قال الربُّ - عز وجل -: ﴿ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا ﴾ [آل عمران: 103]، فكان الكفر والشرك والخوض في عبادة الأصنام والأوثان، قد جرَّهم إلى العداوة والبغضاء فيما بينهم، وأدَّى بهم إلى حروب طاحنة، ومعاركَ داميةٍ، أسفرت عن مقتَل الآلاف المؤلَّفة من الناس، فكان مبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - رحمةً لهم وفضلاً؛ ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [آل عمران: 164]، وإنَّ الله هو الذي ألَّف بين قلوبهم بفضلٍ منه ورحمة؛ ﴿ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [الأنفال: 63]، إنه قد تبيَّن لنا مما سبق أنَّ الوحدة والاجتماع من مقوِّمات الدين، وشعائرِ الإسلام.

لم تُشرَع شرائع الدين، ولم تُفرَض فرائض الإسلام، ولم تَنزِل أحكام القرآن، حتى تحقَّقت الوحدة والاجتماع بين المسلمين الأنصار والمهاجرين؛ عن طريق المؤاخاة الإسلامية التي أقامها النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهم على أساس الإيمان والتقوى؛ لذا ذهب العلماء إلى أن الهجرة كانت هي التحول الأعظم نحو تحقيق وحدة المسلمين؛ لأن فلسفة الهجرة - كما يقول الشيخ أبو زهرة في كتابه الوحدة الإسلامية - تقوم على أساس كونها سبيلَ تكوين الوحدة الإسلامية في ظلّ دولة الإسلام؛ ليحمي من خلالها هذا المجتمع الجديد؛ ليتمكَّن من إقامة شرعه، ودينه فيها؛ "الوحدة الإسلامية (ص: 52)، طبع دار الفكر الإسلامي، القاهرة.

والمؤمنون يربط بعضهم ببعض رابطة الإيمان والإسلام؛ فبعضُهم أولياء بعض؛ ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 71].

ونَهى الله - سبحانه وتعالى - عباده المؤمنين عن اتِّخاذ الكافرين أولياء من دون إخوانهم المؤمنين؛ فقال - عز وجل -: ﴿ لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ﴾ [آل عمران: 28]، وقال - عز وجل -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ ﴾ [الممتحنة: 1]، وقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [آل عمران: 118]، فهذه الولاية غيرالإسلامية تَخرق الوحدة الإسلامية وتُمزِّقها تمزيقًا، ليس معنى ذلك أن الإسلام يبيح الظلم والعدوان، ويُجيز الجور والطغيان؛ بل إنه يأمر بالعدل والصدق معهم؛ يقول الربُّ - عز وجل -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة: 8]، ويقول - عز وجل -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴾ [النساء: 135] فالحِكمة من تشريع الأحكام؛ الأوامر والنواهي، والحذر من المنكرات والمعاصي - هي المحافظة على الوحدة والاجتماع؛ ﴿ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ﴾ [الشورى: 13]، ﴿ وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ ﴾ [المؤمنون: 52]، فالأمة الإسلامية بالرغم من اختلاف شعوبها، واختلاف مناهل أفكارها الفقهية والعلمية - هي أمة واحدة؛ بوحدة الرابطة التي تجمعها؛ رابطة ربٍّ واحد، ونبي واحد، وقرآن واحد، وملة واحدة، والقرآن الكريم أمَرَ المسلمين على تباعُد ديارهم، وتعدُّد أجناسهم، واختلاف ألسنتهم وألوانهم أن يكونوا أمة واحدة، أمة قويَّةَ العقيدةِ، مَتينة الرابطة، قويمة الخلُق، عَزيزة الجانب، مَوفورة الكرامة، يَتساوى أفرادُها في الحقوق والواجبات، تتعاون على الخير والتقوى، وتتكاتَف في سبيل إعلاء كلمة الحق، ورفع راية الإسلام، وهذه الوحدة والاجتماع توصِّل الأمة إلى قمَّة العزِّ والكرامة، وتُورثهم الحكم في الأرض، والخلافة في الأمر والنهي، حتى تكون أرفع الأمم شأنًا، وأعلاها قدرًا، وأَقواها بأسًا؛ ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [النور: 55]، وقد رغَّب النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلم - أمته في الوحدة والاجتماع بقوله: ((إنَّ الله يرضى لكم ثلاثًا، ويكره ثلاثًا؛ فيَرضى لكم: أن تعبدوه ولا تُشركوا به شيئًا، وأن تَعتَصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرَّقوا، وأن تُناصِحوا مَن ولاَّه الله أمْرَكم، ويكره لكم: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال))؛ صحيح مسلم، (رقم: 1715)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((ثلاث لا يُغِلُّ عليهنَّ قلبُ مسلمٍ: إخلاصُ العمل لله، والمُناصَحةُ لأئمة المسلمين، ولزوم جماعتهم؛ فإنَّ الدعوة تُحيط مِن ورائهم))؛ سنن الترمذي ت شاكر: (5: 34).

وقد أخبر النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلم - أن الجماعة رحمة من الله - عز وجل - والفُرقة من عذاب الله ومِن مكر الشيطان وكيده؛ فعن النعمان بن بشير - رضي الله عنه - قال: قالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الجماعة رحمة، والفرقة عذاب))؛ السلسلة الصحيحة للألباني، (رقم: 667)، وأن النصر والفتح مع الجماعة، وأن الفُرقة تجرُّ إلى الهزيمة والخِذلان؛ فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله لا يجمع أمَّتي - أو قال: أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - على ضلالة، ويد الله مع الجماعة، ومَن شذَّ، شذَّ إلى النار))؛ سنن الترمذي (رقم: 2167)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((عليكم بالجَماعة، وإياكم والفُرقةَ؛ فإنَّ الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوبة الجنة فليلزم الجماعة، مَن سرَّتْه حسنتُه وساءتْه سيئتُه، فذلك المؤمن))؛ سنن الترمذي، (رقم: 2165)، ويقول عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه -: "يا أيها الناس، عليكم بالطاعة والجماعة؛ فإنهما حبل الله الذي أمر به، وإنَّ ما تَكرهون في الجماعة خيرٌ مما تُحبون في الفرقة"، إذًا الوحدة والاجتماع من أكبر الخيرات، وأعظم البركات، والفُرقة والاختلاف من أكبر الكبائر، وأنكر الرذائل؛ كما يتجلى هذا المعنى في الحديث الذي يرويه أبو ذرٍّ الغفاري - رضي الله عنه - حيث قال فيه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - له: ((كيف أنت و***اً يصيب الناسَ حتى تُغرَق حجارةُ الزيت بالدم؟))، قال: قلت: ما خار اللهُ لي ورسوله، قال: ((الْحَق بمَن أنت منه))، قال: قلتُ: يا رسول الله، أفلا آخُذ بسيفي فأضرب به من فعل ذلك؟ قال: ((شاركتَ القوم إذًا، ولكن ادخُل بيتك))، قال: قلت: يا رسول الله، فإن دخل بيتي؟ قال: ((إن خَشِيتَ أن يَبهَرَك شعاعُ السيف، فألقِ طرَفَ ردائك على وجهك؛ فيبوء بإثمه وإثمك؛ فيكون من أصحاب النار))؛ سنن ابن ماجه، (رقم: 3958)، صحَّحه الألباني.

فأنت ترى - أيها القارئ الكريم - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - منع استخدام القوة للنهي عن المُنكَر؛ حفاظًا على وحدة المسلمين، رغم أنه قال - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن رأى منكم منكرًا، فليُغيِّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان))؛ صحيح مسلم، (رقم: 80)، سنن ابن ماجه، (رقم: 4013).

لقد كان الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين - يرون الوحدة والاجتماع من أعظم الخيرات، وأكبر الصالحات؛ لذا تراهم - رضي الله عنهم - يأتَمُّون بالحَجَّاج بن يوسف الذي قال عنه عمر بن عبدالعزيز - رحمه الله -: "لو وُضعتْ جرائم الأمة كلها في كفَّة، وجرائم الحجاج بن يوسف في كفَّة أخرى، لرجحَتْ كفة الحجاج"، ويقول الإمام ابن حزم - رحمه الله -: "وما امتنع قطُّ أحدٌ من الصحابة - رضي الله عنهم - ولا من خيار التابعين من الصلاةِ خلف كلِّ إمام صلى بهم، حتى خلف الحجاج بن يوسف، وحبيش بن دلجة، ونجدة الحروري، والمختار، وكلٌّ متَّهم بالكفر"؛ "رسالة في الإمامة في جواز الاقتداء بالمخالف في الفروع" (ص: 123)، وشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - يقول: "ومعلوم أن ائتلاف قلوب الأمة أعظم في الدين من بعض هذه المستحَبَّات، فلو ترَكها المرء لائتلاف القلوب، كان ذلك حسنًا، وذلك أفضل إذ كان مصلحة ائتلاف القلوب فوق مصلحة ذلك المستحَبِّ"؛ "رسالة الألفة بين المسلمين"؛ لابن تيمية، تحقيق الشيخ عبدالفتاح أبي غدة، (ص: 47)، وقال - رحمه الله -: "وهذا التفريق الذي حصل من الأمة علمائها ومشايخها، وأمرائها وكبرائها - هو الذي أوجَب تسلُّط الأعداء عليها؛ وذلك بتركهم العمل بطاعة الله ورسوله؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ [المائدة: 14]، فمتى ترك الناس بعض ما أمرهم الله به، وقعتْ بينهم العداوة والبغضاء، وإذا تفرَّق القوم فسَدُوا وهلكوا، وإذا اجتمعوا صلَحُوا وملَكُوا؛ فإن الجماعة رحمة، والفُرقة عذاب"؛ "مجموع الفتاوى" (3: 421).


فالاختلاف في المسائل والمناحل ليس مَدعاةً إلى التنافُر والتناكُر، لقد وجد الخلاف بين الصحابة بعضهم بعضًا، فلم يجرَّهم إلى النزاع والصراع وتَركِ المحبَّة والأُلفة والعِصمة والأُخوَّة؛ كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "وقد كان العلماء من الصحابة والتابعين ومَن بعدهم إذا تنازعوا في الأمر، اتَّبعوا أمر الله - تعالى - في قوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾ [النساء: 59]، وكانوا يتناظرون في المسألة مُناظَرة مُشاوَرة ومُناصَحة، وربما اختلف قولهم في المسألة العلمية والعملية مع بقاء الأُلفة والعِصمة وأخوة الدين"؛ المصدر السابق: (24: 172)، فبسبب الاختلاف صار المسلمون اليوم أضيَعَ مِن الأيتام على موائد اللئام؛ لأنَّ الوحدة والجماعة حقٌّ وصَواب، والفُرقة والخلاف زيف وعذاب، ولأنَّ الإسلام هو الأساس في تحقيق الوحدة الحقيقية؛ وحدة في المشاعر، وحدة في المظاهر، وحدة في السرائر، ووحدة في العمل والهدف والسنن؛ ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الأنفال: 46].
كونوا جميعًا يا بَنيَّ إذا اعتَرَى
خطبٌ ولا تَتفرَّقوا آحادَا

تأبَى الرِّماحُ إذا اجتمعْنَ تَكسُّرًا
وإذا افْتَرقْنَ تكسَّرتْ أَفرادَا






رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 01:06 PM.