|
حي على الفلاح موضوعات وحوارات ومقالات إسلامية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
أولادنا وأخطاؤنا التربوية
التربية[ ] مهنة ـإذا صح التعبيرـ صعبة وشاقة؛ ولا ينبغي أن يمارسها إلا المربون الأكفاء ذوو تجربة وخبرة؛ فليس بالضرورة أن يحمل المربي شهادات نظرية عالية في التربية -وإن كان هذا مطلوبًا وليس شرطًا- وإنما أن يتصف أولًا: بحسن الخلق، والإخلاص في العمل، وحب مهنته، وأن يفهم أسلوب التعامل مع المُربَى -بضم الميم وفتح الراء والباء المشددة المفتوحة- والمرحلة العمرية التي هو فيها، ثم يدرك حاجاته وفق معرفته بخصائص النمو لدى من يقوم على شأنه. والأهم من هذا هو متابعة الناشئ وتسجيل الملحوظات السلبية والإيجابية ليعرف كيف يعالج أو يعزز. إنني ومن خلال مشاهداتي لأساليب المربين التي يستخدمونها لمعالجة سلوكيات أبنائهم أو تعزيزها سجلت بعض الأخطاء وطرق معالجتها التي أود أن أضعها بين يدي الآباء والأمهات والمربين، مسترشدين بها في أثناء تربيتهم أبناءهم أو طلبتهم. وانطلاقًا من قول الشاعر: وينشأ ناشئ الفتيان فينا *** على ما كان عوده أبوه وقبل أن أستعرض بعض ما وجدت أنها سلبيات أو إيجابيات من الممارسات التربوية لدى المربين أحب أن أوضح حقيقة غير خافية، وهي أن سن الطفولة بنوعيها: الطفولة المبكرة والتي هي من الصف الأول الابتدائي وحتى الصف الثالث. والطفولة المميزة والتي تبدأ من الصف الرابع وحتى الصف السابع (الأول المتوسط)؛ ثم تأتي مرحلة الفتوة، وتشمل الثالث المتوسط والأول الثانوي، ثم القوة وإثبات الذات واستقلال الشخصية، وتشمل الثاني الثانوي والثالث الثانوي، ثم مرحلة الرشد، والفهم والشعور بالمسؤولية، والسعي لبناء المستقبل، وعدم التمادي في الخطأ والارتياح لفعل الخير إن كان الشاب سويًا. من الممارسات الخاطئة التي شاهدتها عند بعض المربين من الآباء والأمهات وغيرهم: أن أحدهم إذا عاقب ولده على فعل يستحق عليه العقاب -بعد نصحه مرارًا- فيعمد إلى أساليب موجعة وقاسية كالضرب المبرح، والحرمان من مرغوب فيه لديه، أو مقاطعته مدة، وهذه الأساليب العقابية المجدية والرادعة سرعان ما تفقد قيمتها وأثرها؛ بسبب العاطفة التي توضع في غير وقتها؛ لذلك يلجأ بعض المربين وبسرعة إلى مصالحة المعاقبين، فيفقد العقاب أهميته، وكان على القائمين على التربية ترك العقوبة تفعل فعلها؛ ثم تتم محاولة الاسترضاء بالطريق التي يقوم بها شخص آخر وسيطًا كأن يكون أمًا أو جدًا أو جدةً أو أخًا كبيرًا للمعاقب أو أو إلخ. ومن الممارسات الخاطئة: التوجيه العائم للناشئة على أخطاء يمارسونها، ولكن المربي يدع الخاطئ، ولا يتابع نصحه له، ولا يراقبه كي يتأكد من قبول النصيحة وبيان أثرها على سلوك المنصوح. ومن الممارسات الخاطئة: إغراق المنصوح المخطئ بسيل من المدح والثناء، أو العطاء الواسع الذي ينسيه ما هو عليه من الزلل؛ لذلك فالتعزيز ينبغي أن يكون بقدر وعلى فترات، وألا يكون مبالغا فيه. ومن الأخطاء التي يقع بها المربون سواء كانوا آباء أو أمهات أو معلمين هي ترك المخطئ يتمادى في خطئه حتى تصبح الكُذَيْبَةُ كذبة!!! فلو قطع الخطأ قبل أن يكبر، لما أرهق المربون في معالجة الخطأ بعد أن ترك يسرح ويمرح كما يقال. يظن بعض المربين أن التعزيز والتشجيع لا يكون إلا بالمحسوسات!!! فلقد تنجح البسمة أكثر من اللعبة، والكلمة الطيبة أكثر من الدراجة المشتراة أو الرحلة الموعودة. هذه باقة من الأخطاء!! وطرق معالجتها، وسأواصل الحديث عنها في مقال آخر مؤكدًا على أن العمل شاق، ولكن لا بد من الصبر[ ] لننال الأجر أولًا، وبناء اللبنة الصالحة التي مع أخواتها يستقيم المجتمع، وتصفو الحياة. مالك فيصل الدندشي 06 ربيع ثاني 1435هـ
__________________
|
#2
|
|||
|
|||
تحدثت في مقال سابق (أولادنا وأخطاؤنا التربوية) عن التربية[ ] -ثمرة من ثمرات الثقافةـ بأنها مهنة شاقة، وذكرت بعض الصفات التي ينبغي على المربين أن يتحلوا بها، ثم نوهت على بعض المعارف التي يجب أن يراعيها المربون في أثناء أدائهم لهذه المهنة الشريفة الصعبة، وأوضحت في المقال بعض المحددات التي لا بد لمن يمارس مهنة التربية والتعليم من أن يكون لديه فكرة عنها، ثم أشرت إلى بعض الممارسات الخاطئة التي يقع بها رجال التربية والمربون وكيف يتخلصون منها، وفي المقال الثاني أتابع الموضوع على هذه المشكلة طالبًا من الله العون.
من الممارسات الخاطئة في حقل التربية وضع أسلوب مكان آخر كما قال الشاعر: ووضع الندى في موضع السيف مضر *** كوضع السيف في موضع الندى فعلى سبيل المثال نجد بعض الآباء أو المعلمين يعاقب من تحت يده لأتفه الأسباب حتى يستمرئ المُعَاقَبُ العقوبة، ولم تعد بالنسبة إليه عقوبة رادعة أو مسددة، أو منبهة أو ناصحة، وكان على المربي أن ينوع في عقوباته بحسب درجة الخطأ، ونوعه، وتكراره كما ينوع في تعزيزاته ومكافآته لمن يستقيم أمره؛ وهذا الخلط في استعمال هذا الأسلوب يؤدي إلى فشل المربي، وضياع جهوده في مجال التربية؛ فلا تجد أثرًا لما بذل في هذا المضمار. ومن الممارسات الخاطئة في التربية امتهان ثقافة الكذب[ ] لدى المُرَبِّي ـبضم الباء وفتح الراء وتشديد الباء المكسورةـ مما يؤثر سلبًا على المُرَبَّى فيتخلق بأخلاق من يربيه كأن يقول المربي للمربى: إن فعلت كذا سأعطيك كذا أو سأعاقبك في كذا؛ ولا ينفذ ما توعد به أو وعد؛ فيعتاد الطالب أو الابن أو البنت على هذه الأكاذيب ولم يعد يبالي بما يقال له، أو ربما التعزيز أو الوعيد لا يأتي مناسبًا لحجم الموعود أو درجته، أو يتأخر زمن التنفيذ مدة تطول أو تقصر، فيذهب توهجها أو بريقها المؤثران في نفسية من يربون. والنتيجة فقدان الأثر التربوي. لهذا الأسلوب أو ذاك وخسارة أسلوب من الممكن أن يأتي ثمارًا طيبة في حقل التربية. ومن الممارسات الخاطئة في التربية أن يأمر المعلم أو الأب أو المربي بأمر، أو ينهى عن أمر ويغلظ في النهي أو الأمر من تحت يده أو في أمانته، فيكتشف من يُرَبَّون أن القائمين على تربيتهم واقعون فيما نهوا عنه أو غير مطبقين لما أمروا به بما يسمى (التربية بالقدوة)، فيصاب المربون بالإحباط، ولم يعودوا يحتفلون بما يأتيهم من توجيهات طيبة أو زواجر متوعدة؛ ولذلك فإلف مثل هذه الأساليب وصدورها عن أشخاص ليسوا أكفياء ولا أكفاء لمهنة التربية لا جدوى منها؛ وفي النهاية فالحصاد في حال لا يغبط ولا يحسد. وإن القسوة المفرطة والتسيب المفرط لمن عيوب التربية لدى بعض المربين؛ فالقسوة تزرع في قلب من تربيهم حب الكذب للتخلص من العقوبة، كما يصبحون في رعب دائم يفقده الاستقرار النفسي والرجولة والشجاعة والصراحة والاتزان مثلما أن التسيب المفرط يميع الذات ويصنع الجبن، وحب الراحة وكراهية العمل والاجتهاد. إضافة إلى فقدان الشخصية القوية الإيجابية. أهيب بمن يتولى تربية الصغار أن يتنبه إلى شيء مهم: وهو أن هؤلاء مثل المرآة التي تعكس كل شيء يقع في مجالها، والطفل ينظر إلى الكبير نظرة تقدير وقدوة، فمثلًا تجد طفلًا يتفوه بكلام بعيد عن حدود الأدب، فلو فتشت عن سبب ذلك، لوجدت أنه سمع هذا الكلام في بيته أو مدرسته أو أطفال[ ] لعب معهم، ولكن أثر الكبار عليه أكبر، وهذا أمر مُشَاَهد محسوس. فالتربية -كما ذكرنا في المقال الأول والثاني- مهنة شريفة صعبة تتطلب من المربي أن يكون قدوة حسنة لمن يربيه، وأن يراعي خصائص مرحلة النمو لدى من يقوم على شؤونهم، كما يتفهم احتياجاتهم، ولا بأس بأن يلم ببعض المعارف المتعلقة بعلم النفس[ ] والاجتماع، والأهم من كل هذا أن يمتلك ثقافة شرعية وأدبية وخبرة عملية تؤهله لممارسة مهمته طالبًا الأجر من الله تعالى متصفًا بالخلق الطيب شديد الغيرة على أبنائه (من يتولى تربيتهم) حريصًا عليهم وعلى إصلاحهم. فالله لا يقبل من الأعمال إلا ما أريد بها وجهه. مالك فيصل الدندشي 02 جماد أول 1435 هـ
__________________
|
#3
|
|||
|
|||
كتبت في المقال السابق عن بعض الممارسات الخاطئة في أسلوب التربية[ ] الذي يستخدمه بعض المربين في أثناء توليهم أمر التربية، سواء كانوا معلمين أم آباء أم مربين بمختلف فئاتهم وكنت أتبع هذه الممارسات الخاطئة معالجات لها أولادنا وأخطاؤنا التربوية (2).
وتحدثت في المقال الأول (أولادنا وأخطاؤنا التربوية (1)) عن التربية -ثمرة من ثمرات الثقافة- بأنها مهنة شاقة، وذكرت بعض الصفات التي ينبغي على المربين أن يتحلوا بها. ثم نوهت على بعض المعارف التي يجب أن يراعيها المربون في أثناء أدائهم لهذه المهنة الشريفة الصعبة. وهنا أقرر حقيقة هامة وهي أن ميدان التربية (وهو ثمرة من ثمرات الثقافة كما أسلفنا) متسع متشعب متنوع متمدد ليس له صور محصاة بشقيه: السليم أو السقيم -من وجهة نظرنا- ومن هنا يكمن الخطر في البحث في هذا المجال، حيث إن مفهوم الثقافة غير متفق عليه عند كل الشعوب والأمم؛ ولذا يعتبر هذا الميدان من خصوصية كل أمة. والتربية ليست -في العربية- من الفعل ربا يربو: زاد يزيد، وإنما من رَبِيَ يرْبَى ربْوا ورُبُوًّا من فَعِلَ يفعَل ثم ربى -بتشديد الباء المفتوحة- وتعني النماء: والارتفاع والزيادة والتثقيف والتغذية. وهكذا فالتربية في الأصل تهدف إلى رفعة الإنسان، وتنشئته وتنميته تنمية سامية، بحيث ينشا نشأة صالحة يرتقي فيها؛ فلا يهبط إلى مستوى الحيوانية البهيمية؛ وفي هذا تختلف الثقافات في تحقيق هذا الهدف السامي. ومن هذا المنطلق أقول: إن بعض المربين يهتم في أثناء التربية بتسمين الولد جسديًا، ولا يهتم بالجانب العقلي والروحي والعاطفي، فهو يؤمِّنُ لولده كل شيء يضخم جسده حتى يصبح كالفيل أو دونه، فإذا مرض يسارع إلى علاجه، فلا يترك وسيلة إلا ويبحث عنها عند من يمتلكها كي يبرأ ولده منها، وأما العيوب الخُلُقِيِّة، فلا تهمه إلا قليلًا. فالكذب والمكر والخيانة، وأكل الحرام، وظلم العباد، وهضم الحقوق وووو لا تعني المربي شيئًا؛ فالمهم أن ينشأ مفتول العضلات مكتظ اللحم أحمر الوجنتين، ولا شيء سوى هذا. ولا يهتم بتثقيف العقل، وتهذيب الروحي، ومرد هذا الخطأ إلى الجهل في فهم الكينونة البشرية التي هي مزيج من الروح والجسد، وأنت بالروح لا بالجسم إنسان، وعلى هذا فتجد البيت مليئًا بمختلف أنواع الألعاب الالكترونية، ولعب الأطفال والناشئة، ولكنك لن تجد في المنزل مكتبة صوتية ولا ورقية ولا مرئية، ولا يهتم رب المنزل بالكتب التي تغذي كينونته المركبة من الأصلين: الجسد والروح وما يتفرع عنهما من قوى عقلية ونفسية وعاطفية، وبناء على هذا الخلل فإن صورة المُرَبَّى مشوهة يتضخم فيها جانب على حساب آخر. ومن الأخطاء التربوية التي هي انعكاس للتصور العقدي لدى المُرَبِّي، هي تربية الولد على وجه يظن فيه الناشئ أنه مخلد في الدنيا[ ] ، فكل ما يحقق له سعادته في دنياه يحقق له، وأما شأن الآخرة ـوهي الحياة الباقيةـ فلا وجود لها في حس الأبوين أو المربين؛ لذلك فالناشئ لا هم له سوى بطنه وغرائزه يرغب في أن تتحقق له سواء من حِلٍّ أو حرام، فهو كالحيوان يبحث عن المتعة واللذة في الدنيا، وأما الآخرة، فلا رصيد لها عنده فيا حسرة على العباد!!! ومن الأخطاء التي يمارسها المربون أو القائمون على التربية والتعليم في العصر الحالي عصر ثورة المعلومات أو الانفجار المعرفي! مصطلحات لم تعرفها ثقافتنا، وإنما هي وليدة احتكاكنا بالآخرين الذين نحس أنهم أرفع منا، فنصبح مقلدين في كل شيء هو تكليف الصغار بعلوم وتقنيات ومعارف ولغات لا يحتاجون إليها إلا بعد الصف الخامس أو بعده من وجهة نظري، فيصاب الأبناء بالإرهاق والتعب؛ ثم كراهية التعلم، أو يضعف عنده جانب على حساب آخر، وغالبًا ما يكون لصالح العلوم بينما هو بحاجة في هذه السن إلى تأسيسه: بالقراءة والكتابة والمحادثة أو التعبير، وحب المطالعة ثم مبادئ الحساب[ ] ، والتحلي ببعض الصفات الحميدة، ولا بأس ببعض الأناشيد[ ] الهادفة، ولا يعني هذا ألا يزود الطالب ببعض المعلومات التي تفيده في حياته الطفولية (مثل: معرفة آداب المرور والطعام والشراب والسلام والملاقاة وحفظ سور من القرآن الكريم[ ] ، وبعض أحاديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم واحترام الكبير... إلخ و..و..و). أما أن تصبح محفظة الطالب الصغير(الشنطة أو الحقيبة) أطول منه! وأثقل، فلا يقدر على حملها وفيها ما فيها من ألوان الكتب ما الله بها عليم. فهذا مشهد مرفوض ضرره أكثر من نفعه والواقع يشهد بهذا؛ ولذلك تحولت البيوت إلى مدارس ثانية بدلًا من أن يأتي التلميذ إلى بيته ليرتاح وليمارس بعض المناشط المفيدة، وقد كتب أحدهم أن السويد -بلد أوروبي متقدم علميًا- لا يعطى الطالب فيه واجبًا وأنا في رأيي: إن أعطي، فلا يرهق به، وإنما يجد الطالب فيه متعة للتعلم. تلك بعض الآراء التي عرضتها في حقل التربية والتعليم قد يختلف معي من يختلف، وقد يتفق من يتفق، ولكني أعرضها، والحوار مفتوح حولها، وإلى الموضوع الرابع إن شاء الله تعالى. مالك فيصل الدندشي 09 رجب 1435 هـ
__________________
|
#4
|
|||
|
|||
تحدثت في المقال الأول أولادنا وأخطاؤنا التربوية (1) عن التربية[ ] -ثمرة من ثمرات الثقافةـ وأوضحت أنها مهنة شاقة، وذكرت بعض الصفات التي ينبغي على المربين أن يتحلوا بها، ثم نوهت على بعض المعارف التي يجب أن يراعيها المربون في أثناء أدائهم لهذه المهنة الشريفة الصعبة، وأوضحت في المقال بعض المحددات التي لا بد لمن يمارس مهنة التربية والتعليم أن يكون لديه فكرة عنها، ثم أشرت إلى بعض الممارسات الخاطئة التي يقع بها رجال التربية والمربون وكيف يتخلصون منها.
وفي المقال الثاني (أولادنا وأخطاؤنا التربوية (2)) تم التحذير من العقاب على أتفه الأسباب، ومن الكذب[ ] ، ومن مخالفة الفعل للقول، مع البعد عن القسوة، وأهمية القدوة الحسنة. وفي الحلقة الثالثة: (أولادنا وأخطاؤنا التربوية (3)) تم التأكيد على اهتمام المربين بكافة الجوانب وليس جانب الصحة والتغذية فقط، وأيضا الاهتمام باللغة الأم قبل تدريس الابن لغة أخرى، والاهتمام بالعلوم التي ينبغي أن يدرسها الابن قبل أن يدرس العلوم التكنولوجية الحديثة. هذا هو المقال الرابع الذي أواصل الحديث فيه عن الأخطاء التربوية التي يمارسها المربون على من تحت أيديهم موضحًا -من خلال طرح المشكلة- والأساليب الإيجابية لعلاج تلك الأخطاء؛ وكما أسلفت من قبل؛ فإن ترك المرض[ ] بلا علاج سيفاقم المشكلة ولا يحد منها؛ لذلك فالمبادرة إلى الحل ولو كان مخالفًا لأهوائنا وشهواتنا وراحتنا سيفتح أبوابًا من الفرج ولا سيما إذا صدقت النوايا، وابتغى المربون وجه الله تعالى فيما يعملون من أجله. في دراسة أجرتها بعض الجهات المتخصصة في بريطانيا -أذاعتها قناة العربية- عنوانها: الأفلام الإلكترونية وأثرها على الدماغ أبانت الخطر الذي يتعرض له أبناؤنا حينما يدمنون على مشاهدة تلك الأفلام؛ مما يستدعي القيام بحملة توعوية يُسْتَهْدَفُ منها المربون، ومن يقومون على تربيتهم؛ لكي ينظموا مشاهدات الناشئة لتلك الألعاب، واختيار ما يناسبهم وثقافة الأمة؛ وإلا فإن الخطر قادم عليهم، سواء ما يتعلق بتأثير إشعاعات تلك الأفلام على أدمغتهم، فتؤثر على تفكيرهم والنشاط الدماغي لديهم، فينعكس ذلك سلبًا على تحصيلهم الدراسي إضافة إلى الأمراض التي تنتظرهم مستقبلًا، وبناء على هذا، فإن الأسر التي تترك الأولاد -بلا رقيب ولا نظام ولا ترشيد ولا توجيه، بل ولا انتقاء لما يعرض- جالسين أمام شاشات الحاسوب أو الرائي أو غير ذلك من الأجهزة التي كثرت أسماؤها وتنوعت معروضاتها، فإنما تسعى إلى تدمير مستقبلهم العلمي والاجتماعي والنفسي والخلقي، وهم لا يشعرون؛ فالتوسط في تناول تلك الألعاب مطلوب، والتناسب بينها وبين غيرها من متطلبات الحياة واجب بلا إفراط ولا تفريط. إن انشغال الأبوين عن أولادهما وتركهما في أيد لا تعرف التربية، ولا يهمها كيف يُرَبَّى الأبناء؟ وعلام يربون وبم؟ و لماذا يتعلمون هذا، ويبعدون عن ذاك؟ ظهرت آثاره على طلبة المدارس الذين هم كنز المستقبل، وجوهره القادم. إن أغلب -ولا أعمم- التلاميذ يتحركون وفق ما يشاهدون، ولقد رأيت صورًا من هذا في مدارسنا ينذر بمأساة، فمثلًا تجد طالبًا في الثاني المتوسط يمشي ويقلد في مشيته من رآه في الأفلام بحركة مضحكة تحسب أنه من المجانين، أو حيوان هائج متوحش يمر بجوارك، وهو يقلد حركة رآها دون أن يشعر أن أمامه معلمًا أو زميلًا، فالمهم أن يمارس ما عاينه، واحتفظ به في خياله، غير مقدر للعواقب المترتبة على تصرفاته. ليس اليتيم من انتهى أبواه من هم الحياة وخلفاه ذليلًا *** إن اليتيم هو الذي تلقى له أمًا تخلت أو أبًا مشغولًا. من المصائب التي عمت وطمت في الأفلام الكرتونية والتي تركنا أبناءنا تربيهم صور الحيوانات العجيبة الغريبة والتي تترنح تارة، وتقفز أخرى، وتنقلب على قفاها تارة، وإلى الأعلى تارة أخرى، ومستلقية على ظهرها أو منبطحة على بطنها؛ ثم تستخدم أدوات الإجرام أو ال*** في ألعاب تذكرك بالحروب، أو صراع الثيران والدببة، إلى جانب الموسيقى التي تشجع على الشيطنة والحركات الجنونية، وبالتالي فإن مخرجات هذه الألعاب مما لا يخفى على أحد. إن علينا أن نجد البديل لكل ما أوضحت، ضمن خطة تقوم بها جهات حكومية أو أهلية، تنتج برامج هادفة مربية ذات رسالة ورؤية منبثقة من تعاليم ديننا، وحينئذ ننتظر نتائج طيبة بإذن الله. إن ترك الأولاد للخدم والمربيات اللواتي من غير ديننا، ولا ممن يتكلم لغتنا، وله عادات وتقاليد، وأفكار وتصورات، واهتمامات وسلوكيات بعيدة عن ثقافة مجتمعاتنا قد ظهرت أمارات تدل على ظهور مشكلات سلوكية وخلقية!!، وثقافية وعلمية على تصرفات أبنائنا وطبائعهم وأمزجتهم هي من تأثيرات الخدم والحشم؛ فلذلك -لمن احتاج إلى هؤلاء- ينبغي أن يقلص دورهم في البيت، مقتصرًا على بعض الأعمال التي لا علاقة لها بالتربية، وإنما علاقتها في الخدمة المنزلية. أخيرًا: أود أن أشير إلى إرهاق الطلاب بالواجبات المدرسية والتي تجعل من البيت مدرسة ثانية، بدلًا من أن يكون المنزل فترة راحة ذهنية من عنائها، وخاصة في الصفوف المبكرة من المرحلة الابتدائية، فالطالب الصغير لا ينبغي أن يرهق، وإنما يقدم له العلم[ ] على شكل وجبات متناسبة متنوعة ذات أحجام متواضعة؛ ولكنها دسمة بقدر لا تهمل ولا تثقل. ولقد توصلت بعض البلاد المتقدمة -في السويد وغيرها- في العلم ووسائله وطرقه ونشاطاته كما ذكر باحث في وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي توصلت إلى أسلوب في التعليم لا يحمل الطالب أي واجب منزلي، وإنما يطولون الدوام اليومي، بحيث يقوم الطلبة بحل واجباتهم في المدرسة بالتعاون مع معلميهم؛ ويبقى المنزل للراحة، والاستجمام، وبعضهم يحبذ أن يكلف التلميذ بواجبات خفيفة جدًا حتى لا ينقطع الطفل عما درسه مدة طويلة. وهكذا فإن مجتمعاتنا ملأى بالمشكلات التربوية ومقصرة في البحث عن معالجتها؛ والذي يتحمل المسؤولية كل فرد عليه واجبات وله حقوق؛ فلا يجوز الهروب من الوقع المؤلم بدعوى عدم جدوى الإصلاح، أو الوقت[ ] لا يسمح، أو التكاليف كثيرة تغطي الزمن المتاح. إن تنظيم الوقت والتخطيط، والحرص على المتابعة والتنفيذ، إضافة إلى الشعور بالمسؤولية أمام الله أولًا، ثم أمام خلقه، والإحساس بأن القضية ليست فردية، وإنما مستقبل أمة وأجيال محتسبين جهدنا من خالقنا سبحانه من عوامل النجاح في حياتنا. والحمد لله رب العالمين. مالك فيصل الدندشي 07 ذو القعدة 1435 هـ
__________________
|
#5
|
|||
|
|||
ليس اليتيم من انتهى أبواه من هم الحياة وخلفاه ذليلًا ***
إن اليتيم هو الذي تلقى له أمًا تخلت أو أبًا مشغولًا. جزاكم الله خيرا
__________________
|
العلامات المرجعية |
|
|