اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > علوم القرآن الكريم

علوم القرآن الكريم هنا أن شاء الله كل حاجة عن القرآن الكريم من مسموع ومرئي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 02-05-2014, 10:21 PM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
مشرف سوبر ركن مسك الكلام فى الاسلام
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,696
معدل تقييم المستوى: 28
abomokhtar is just really nice
New من مظاهر الافتراق الأسلوبي بين القرآن والحديث " مستوى الألفاظ أنموذجاً "


هذه الدراسةُ - كما يدلّ عنوانُها- تدور حول أسلوبي القرآن والحديث، وما بينَهما من افتراقٍ أسلوبي لا يكاد يُحصى، يجعل لكلٍّ منهما هيئةً تختلفُ عن الأخرى، فما هذا الافتراقُ؟ وما معالمُه؟ ولِمَ كان؟ وعلامَ يدلّ؟ جملةٌ من الأسئلة أحاول أن أجيب عنها في هذه الدراسة. ولكنْ من الحسن قبل الشروع في تناولها أن أُبِيْن عن المراد من الافتراق موضوع الدراسة؛ إذ الافتراق الأسلوبي بين القرآن والحديث على ضربين: أولهما: افتراق في النّظم. وبه صار القرآن آيةَ النّبوة، وهو غير مقتصرٍ على الكلام النبوي، وإنّما يشمل كلّ كلام بشري، ومدار الكلام فيه على الفرق بين ما هو إلهي، وبين ما هو بشري. وثانيهما: افتراق في الألفاظ والتراكيب وطريقة القصّ وغير ذلك[1]، وهو افتراق لا يُتَصوّر وقوعُه لو كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم منشئاً للقرآن؛ وذلك لأنّ الإنسان لا يستطيع أن ينخلع من إنسانيته، ولا يستطيع أن ينفكَّ من أسلوبه؛ إذ (الأسلوب هو الرجل )[2].

وهذا الافتراقُ الأخير هو موضوع الدراسة، وسيكون كلامي فيه مقصوراً على مستوى الألفاظ، وسأكتفي بالتمثيل له بأربعة أوجه؛ وذلك لاستيفاءِ الكلام عليه ما أمكنَ، ودرسِه درساً مفصّلاً معلّلاً؛ فالنّظير يغني عن نظيره، والشبيه يدلّ على شبيهه.
وهذه الأوجه هي ما يلي:
أولاً- اللفظان مختلفان، والمعنى واحدٌ.
ثانياً- تطابقُ اللفظِ والمعنى، واختلافُ الصيغةِ والحال.
ثالثاً- اللفظ واحدٌ، والمعنى مختلفٌ.
رابعاً- اللفظُ في الحديث، ولا وجودَ له في القرآن.

أولاً- اللفظان مختلفان والمعنى واحد[3]:
أ- القذف والرمي في التعبير عن الاتهام بالزنا ظلماً وعدواناً.

إنّ من يستقري هذا المعنى في القرآن والحديث يلحظ افتراقاً تامّاً بينهما في التعبير عنه؛ فقد عبّر عنه القرآن بلفظ الرمي، وذاك ما لم يستعمله الحديث النبوي؛ إذ استعمل لفظ القذف. فمن أمثلة الحديث في استعمال لفظ القذف ما يلي:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّه قال: قال أبو القاسم صلّى الله عليه وسلّم: "‏ مَنْ قَذَفَ مَمْلُوكَهُ، وَهُوَ بَرِيءٌ مِمَّا قَالَ جُلِدَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ كَمَا قَالَ"[4].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ قَالَ الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ "[5].


وأمّا لفظ الرمي في القرآن للتعبير عن الاتهام بالخطيئة ظلماً وعدواناً فقد جاء في ثلاث آيات:
يقول الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾[النور: 23].

ويقول تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [النور: 4].


ويقول تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ [النور: 6]. وفي (التعبير عن الشتم بالزنا بالفعل (يرمي) إشارةٌ إلى أنّ أثر اللسان لا يقلّ عن أثر السنان نكايةً، بل هو أشدّ وأبقى. ولك أن تذهب إلى أنّ في الفعل (يرمي) استعارةً تصوّر لك الحدث في صورة بصرية لا تكاد تغيب عن ناظريك. )[6] وقل مثل هذا في استعارة القذف وأكثر.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو؟
لِم لم يدلّ القرآن على الاتهام بالزنا بلفظ القذف؟ ولِم لم يدلّ الحديث على ذلك بالرمي؟ بمعنى آخر: لِم كان ذلك الافتراق اللغوي بين الأسلوبين؟ وهل من فرق بين القذف والرمي؟ ثم لِم شاع لفظ القذف على ألسنة المسلمين منذ الزمن الأول، وتوارى اللفظ الآخر حتى لكأنّه اختفى؟ وحتى نجيب عن هذا السؤال إجابةً وافيةً تامةً فإنّه لا بدّ أن نستقريَ لفظتي القذف والرمي في الخطاب القرآني لنقف على دلالتهما وسياق استعمالهما. فإذا ما بدأنا بفعل القذف فإنّا نلاحظ أنّه قد جاء في تسع آيات، وهي:
﴿ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ﴾ [الحشر: 2].

﴿ وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا ﴾ [الأحزاب: 26].

﴿ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ ﴾ [الأنبياء: 18]. ﴿ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ﴾ [سبأ: 48].

﴿ إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى* أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي ﴾ [طه: 38، 39].

﴿ قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ ﴾ [طه: 87].

﴿ وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ * وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ * وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ * وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ ﴾ [سبأ: 51 - 54].

﴿ لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ * دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ * إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ ﴾ [الصافات: 8 - 10].
وينتهي المتأمل لهذه الآيات إلى ما يلي:
أولاً: أُسند فعل القذف إلى الله تعالى في أربع آيات، وهي: الحشر، والأحزاب، والأنبياء، وسبأ. وأُسند إلى غير الله في ثلاث آيات هي: آيتا طه، وآية سبأ. وفي آية واحدة جاء الفعل فيها مبنيّاً لغير فاعله، وكان الإسناد فيها غير صريح، وهي آية الصافات.

ثانياً: إنّ الآيات الأربع التي أُسند فيها القذف إلى الله كان القذفُ فيها على سبيل المجاز، وما بقي من الآيات فعلى سبيل الحقيقة.

ثالثاً: لم يُستعمل مع فعل القذف ألفاظ الأسهم والحجارة، وغير ذلك ممّا جاء مع فعل الرمي - كما سترى- ممّا يُرمى من مكان قريب، وإنّما استعمل معه لفظ الشهب كما في آية الصافات؛ وذلك لأنّ القذف لا يكون إلا من مكان بعيد. يقول الأصفهاني: "القذف: الرمي البعيد، ولاعتبار البعد فيه قيل: منزل قذف وقذيف، وبلدة قذوف: بعيدة. "[7].

رابعاً: جاء القرآن الكريم بفعل القذف في مقام الصراع مع الباطل، كما في الآيات التي أُسندت أفعالها إلى الله، وفي آيتي سبأ والصافات، وجاء به في مقام الحبّ الشديد للشيء، كما في آية أمّ موسى، ويكون المقذوف في هذه الحال ذا مكانةٍ عند القاذف، ولو تُرك إلى نفسه لمَا قذفه، فأمُّ موسى ما كانت لتلقي فلذة كبدها في اليمّ لولا أنّ الله أوحى إليها، ودفعها إلى ذلك دفعاً، وجاء به في مقام الرغبة في الخلاص ممّا تحبّ النفس؛ لأنّه ثقيل، وجاء من طريق غير صحيح، كما في آية قوم[8] موسى، فقد كان يتنازعهم شعوران:
أولهما: الحبّ الشديد للحلي.
وثانيهما: الإحساس بحرمة هذا الحلي؛ لأنّهم جاؤوا به من غير الطريق السوي الصحيح، وجاء به في مقام الاجتراء والتطاول على ما لا قدرة للإنسان عليه، كما في آية القذف بالغيب؛ إذ يرمي الكفار ظنونهم في الغيب البعيد. وكأنّ بُعْدَ الغيب عن معرفة الإنسان هو ما جعل القرآن يؤثر القذف على الرمي، الذي لا يكون إلا للمكان القريب.

وأمّا فعل الرمي فقد ورد في سبع آيات، نذكر أربعاً منها؛ لأنّ ثلاثاً قد ذكرت من قبلُ، وهذه الآيات هي:
﴿ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [الأنفال: 17].

﴿ انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ * انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ * لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ * إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ * كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ * وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ * فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ﴾ [المرسلات: 29 - 40].

﴿ تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ ﴾ [الفيل: 4].

﴿ وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾ [النساء: 112].
ويخلص المتأمّل في الآيات التي ورد فيها فعل الرمي إلى ما يلي:
أولاً: لم يُسند فعل الرمي في تلك الآيات إلى الله تعالى إلا في آية الأنفال، وكان في هذه الآية رميٌ من النّبيّ صلّى الله عليه وسلم، بخلاف أفعال القذف التي خلُصت لله تعالى، ولكنّ ما أحدثته الرمية من أثر عظيمٍ لا يبلغه رميُ البشر جعل القرآن ينفي أن يكون حصل من النّبيّ رميٌ. يقول الزمخشري في التعليق على هذه الآية: "وما رميت" أنت يا محمّدُ (إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى) يعني أنّ الرمية التي رميتها لم ترمها أنت على الحقيقة؛ لأنّك لو رميتها لما بلغ أثرها إلّا ما يبلغه أثر رمي البشر، ولكنّها كانتْ رميةَ الله حيث أثّرت ذلك الأثر العظيم، فأثبتَ الرمية لرسول الله صلّى الله عليه وسلم؛ لأنّ صورتها وجدت منه، ونفاها عنه؛ لأنّ أثرها الذي لا تطيقه البشر فعلُ الله - عزّ وجل- فكأنّ الله هو فاعل الرمية على الحقيقة، وكأنّها لم توجد من الرسول عليه الصلاة والسلام أصلاً. "[9].

ثانياً: جاء القرآن بفعل الرمي في مواجهة الباطل ومحاسبته، كما في آيات الأنفال والمرسلات والفيل، وجاء به كذلك في العدوان على الحقّ، نحو اتهام الناس ظلماً بفعل لم يقربوه، كما في آيات الرمي بالزنا، وآية النساء.

ثالثاً: استعمل القرآن مع فعل الرمي في مقام المواجهة والمحاسبة ألفاظاً كمثل: السهم (ضمناً)، والحجارة، وشرر جهنم. وهذه كلّها تكون من مكان قريب.

فإذا ما تفقّدنا النتائج التي خلصنا إليها من خلال النظر في استعمال القرآن لفعلي الرمي والقذف وسياقهما فإنّنا ننتهي إلى ما يلي:
أولاً: إنّ في إسناد فعل القذف إلى الله دون الرمي في عدد من الآيات - إذا ما استثنينا آية الأنفال- دِلالةً بيّنةً على أنّ في فعل القذف قوةً وحدّةً وتأثيراً أعلى ممّا في الرمي. ولذلك جيء به في المواجهات الكبرى كالتي بين الحقّ والباطل.

ثانياً: إنّ في اختصاص القذف - كما ظهر - بالرمي البعيد دِلالةً أخرى على أنّ في القذف قوّةً وشدّةً لا يبلغها الرمي؛ إذ يحتشد الرامي لرميته، ويستجمع لها كلّ قوّته حتى يصيبَ المراد، ويبلغَ الغايةَ. ثالثاً: إنّ المعاني التي جِيء بفعل القذف من أجل التعبير عنها يناسبها فعل القذف أكثر من فعل الرمي، وذلك لمَا في القذف من قوّةٍ وحزم وشدّة وإكراهٍ لا يبلغها فعل الرمي.

رابعاً: لم يُستعمل فعلُ القذف في التعبير القرآني في الدِّلالة على العدوان على الناس، وإنّما جُعل ذلك لفعل الرمي. ولعلّ السرّ في ذلك - في نور ما اهتدينا إليه، ووقفنا عليه - مردّه إلى أنّ المرميّ بالعيب والخطيئة والإثم يكونُ لحظة الرمي غافلاً عمّا يُدبّر له، ويُراد به، وحالُ كهذه لا تَستلزم من الفاعل أن يحتشد لرميته، ويستجمع لها عظيم قوّته، وإنّما يكفيه من القوّة بعضُ القوة لتحقيق مآربه ومراداته - وذلكم يناسبه فعلُ الرمي، لا فعلُ القذف- إذ يصيب الرامي برميته المرميَّ بغتةً على نحو ما يصيب السهمُ الرميّةَ. ويقوّي هذا التوجيهَ أنّ الرمي في القرآن وقع على أناسٍ ترى الغفلة في أحوالهم ظاهرةً كفلق الصبح؛ إذ وقع من الرجل يكيد لامرأته -من غير علمٍ منها- يريد تطليقها. ووقع على البريء الغافلِ عمّا يراد به، وكذلك وقع على المحصنات الغافلات المؤمنات.

ولكنْ قد يقال: إنّ مثل هذا التوجيهِ يقتضي اطّراد استعمال فعل الرمي، وأن لا يُستعمل لفظ القذف أبداً؛ وذلك لأنّ حالّ من يُرمى بالزنا ظلماً واحدٌ. وإذا كان ذلك كذلك فلِم لمْ يستعملِ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فعل الرمي مؤْثِراً عليه فعلَ القذف؟ والذي أراه - في نور ما سبق- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلم كان في اختياره القذفَ بدلاً من الرمي ناظراً إلى ما يَحْدُث في نفس المرميّ بالزنا ظلماً وعدواناً من أذى واسع عريضٍ تنوءُ بحمله الجبالُ الراسياتُ، ولم يكنْ لحالِ الغفلة التي يكون عليها المرميُّ لحظةَ الرمي - كما كان الحال في القرآن - أيُّ اعتبارٍ أو نظرٍ. وذلكم حالٌ يناسبه فعلُ القذف، لا فعلُ الرمي؛ لأنّ في القذف –كما ظهر- من القهر والأذى والإكراه مالا يبلغه فعل الرمي.

يقول الرمّاني في تعليقه على استعارة القذف في قول الله تعالى: ﴿ بَلْ نَقْذِفُ بِالحقِّ عَلَى البَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإذا هُو زاهِقٌ وَلَكُمُ الوَيْلُ مِمَّا تَصِفُون ﴾[ الأنبياء: 18] "وإنّما كانت الاستعارة أبلغ؛ لأنّ في القذف دليلاً على القهر؛ لأنّك إذ قلت: قذف به إليه فإنّما معناه: ألقاه إليه على جهة الإكراه والقهر.. "[10].

وقد يكون في هذا الذي أقوله تفسيرٌ معقولٌ لسبب شيوع لفظ القذف على ألسنة الناس في كلّ زمان؛ وذلك لأنّ ما يعني الناس، ويهمّهم ما يتولّد عن تهمة الزنا ظلماً من آلام عظامٍ ت*** المرميّ بها. وواضح أنّ الافتراق الأسلوبي هنا مردّه إلى الاختلاف في زاوية النظر، وواضح كذلك أنّ الاختلاف قد اطّرد اطّراداً تامّاً، ولا تفسير لذلك إلّا أنّ منشئ الحديث لا يمكن أنّ يكون بحالٍ من الأحوال منشئاً للقرآن.

ب- العتق والتّحرير والفكّ للدّلالة على تخليص العبد من العبودية.
وعلى نحو ما افترق القرآن والحديث افتراقاً تامّاً في التعبير عن الاتهام بالزنا ظلماً افترقا في التعبير عن تخليص العبد من عبودته؛ إذ استعمل النّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم لفظ العتق عشرات المرات، وغلب على هذا اللفظ أن يأتي فعلاً، وأمّا الفكّ والتّحرير فلم يأتِ بهما النبي صلّى الله عليه وسلّم غير مرة واحدة، فجاء الأول بصيغة الأمر (فكّ)، والثاني بصيغة اسم المفعول (محرَّر)، وأمّا القرآن فلم يستعمل لفظ العتق "ولم يأتِ شيء من مادّته فيه"[11] واستعمل بدلاً من ذلك لفظي الفكّ والتّحرير مضافين إلى الرقبة.

فمن أمثلة استعمال لفظ العتق في الحديث النبوي ما يلي:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أنّ النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ إِرْبٍ مِنْهَا إِرْبًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ. "[12].

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَرَادَتْ عَائِشَةُ أَنْ تَشْتَرِيَ جَارِيَةً تُعْتِقُهَا، فَأَبَى أَهْلُهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْوَلَاءُ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "لَا يَمْنَعُكِ ذَلِكِ؛ فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ"[13].

وعَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ، فَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ الْعَدْلِ، فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ، وَعَتَقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ، وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ. "[14].

وعن أَبِي عُمَرَ، قَالَ: أَتَيْتُ ابْنَ عُمَرَ، وَقَدْ أَعْتَقَ مَمْلُوكًا. قَالَ: فَأَخَذَ مِنْ الْأَرْضِ عُودًا أَوْ شَيْئًا، فَقَالَ: مَا فِيهِ مِنْ الْأَجْرِ مَا يَسْوَى هَذَا، إِلَّا أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ لَطَمَ مَمْلُوكَهُ، أَوْ ضَرَبَهُ فَكَفَّارَتُهُ أَنْ يُعْتِقَهُ. "[15].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال بينَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْتُ. قَالَ: مَا لَكَ؟ قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي، وَأَنَا صَائِمٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا؟ قَالَ...[16]وإيقاع الإعتاق على الرقبة، أو العبد أو المملوك: (مشتقّ من قولهم: عَتَق الفرسُ إذا سبق ونجا، وعتَقَ الفرخ إذا طار واستقل؛ أنّ الرقيق يتخلّص بالعتِّق، ويذهب حيثُ شاء )[17].

وأمّا لفظا الفكّ والتّحرير اللذان وردا في الحديث فهاهما:
عن البراء بن عازب قال: جاء أَعْرَابِيٌّ إلَى النبي صلّى اللَّهُ عليه وسلّم، فقال: يا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي عَمَلًا يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ. فقال صلّى اللَّهُ عليه وسلم: ".. أَعْتِقْ النَّسَمَةَ، وَفُكَّ الرَّقَبَةَ". فقال: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَوَ لَيْسَتَا بِوَاحِدَةٍ قَالَ لَا؛ إِنَّ عِتْقَ النَّسَمَةِ أَنْ تَفَرَّدَ بِعِتْقِهَا، وَفَكَّ الرَّقَبَةِ أَنْ تُعِينَ فِي عِتْقِهَا. "[18] وفي رواية ابن حبان "أن تعطي في ثمنها. "[19].

وعن أبي نجيحٍ السلمي رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: "مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ لَهُ عِدْلُ مُحَرَّرٍ. "[20] (أي: مثل أجر معتَق)[21].

وأمّا آيات القرآن في التعبير عن هذا المعنى باستعمال لفظي الفك والتّحرير فهي ما يلي:
يقول الله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 92].

ويقول تعالى: ﴿ لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [المائدة: 89].

ويقول تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [المجادلة: 3]. ويقول عزّ وجلّ: ﴿ فَكُّ رَقَبَةٍ ﴾ [البلد: 13].

ويفسّر ابن جرير الطبري رضي الله عنه قول الله تعالى: ﴿ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ﴾ بقوله: (أو فكّ عبد من أسر العبودة وذلها. [22] ذاهباً إلى أنّ (أصل التّحرير الفكُّ من الأسر)[23]. والسؤال الذي يطرح نفسه بعد عرض الشواهد الدالّة على افتراق القرآن والحديث في التعبير عن معنى تخليص العبد من عبودته هو: لِمَ كان ذلك الافتراق؟ وهل ثمّة فرق دلاليّ اقتضاه؟ وإذا ما رحنا نتأمل الآيات والأحاديث التي وردت فيها ألفاظ التّحرير العتق والفكّ فإنّنا نخرج بثلاث ملاحظات:
أولاً: دلّت لغةُ بعض الأحاديث على ملك المعتِق للمعتَق كمثل ألفاظ: (شرك، شركاء، مملوكه) وأمّا لغة الآيات التي ورد فيها لفظا التّحرير والفكّ فلا تدلّ على شيءٍ من ذلك.

ثانياً: دلّت بعض الأحاديث على أنّ العتق قد يقع، وقد لا يقع، إذا كان العبد شركةً بين اثنين أو أكثر. ثالثاً: فرّق النبي صلّى الله عليه وسلّم بين الإعتاق والفكّ في حديث: أَعْتِقْ النَّسَمَةَ، وَفُكَّ الرَّقَبَةَ".

وفي ضوء ما سبق من ملاحظات يمكن القول: إنّ الفرق بين العتق والتّحرير والفكّ كائن في أنّ العتق لا يُطلق إلّا إذا كان المعتِقُ مالكاً لعبده؛ لأنّ العتق يقتضي (إزالة المِلْك)[24] وهذا المِلْك إمّا أن يكون مِلْكَاً خالصاً، فيقع العتق من المعتِق على كامل الرقبة، وإمّا أن يكون فيه شركاء، وعندها إمّا أن يقع العتق على كامل الرقبة، وإمّا أن يقع على بعضها، على خلاف في ذلك بين الفقهاء. يقول الشافعي: (ولو أنّ عبداً بين رجلين، أعتق أحدُهما نصيبه، وهو موسرٌ، كان الخيارُ للآخر في قول أبي حنيفةَ رضي الله عنه... وكان ابن أبى ليلى رحمه الله تعالى يقول: هو حرّ كلّه... وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى... أرأيتَ لو أنّ الشريك قال: نصيب شريكي منه حرّ، وأمّا نصيبي فلا، هل كان يعتق منه ما لا يملك؟ وإذا أعتق منه ما يملك، فكيف يعتق منه ما لا يملك؟ وهل يقع عتق فيما لا يملك الرجل؟ قال الشافعي رحمه الله: وإذا كان العبد بين الرجلين، فأعتق أحدهما نصيبه منه، فإن كان موسراً بأن يؤدّي نصف قيمته فالعبد حرّ كله، والولاء للمعتِق الأول، ولا خيار لسيّد العبد الآخر، وإن كان معسراً فالنصف الأول حرّ، والنصف الثاني لمالكه، ولا سعاية عليه)[25] وإذن فالإعتاق إمّا أن يكون من منفرد، أو من أكثر من واحدٍ في حال الشراكة.

وأمّا الفكّ فلا يملك الفاكُّ المفكوكَ، وإنّما يشارك في فكّه بالإسهام في ثمنه. يقول الطيبي في التعليق حديث: "أَعْتِقْ النَّسَمَةَ، وَفُكَّ الرَّقَبَةَ. ": (وجه الفرق المذكور أنّ العتق إزالة الرقّ، وذلك لا يكون إلّا من المالك الذي يعتق، وأمّا الفكّ فهو السعي في التخليص، فيكون من غيره، كمن أدّى النّجم عن المكَاتب أو أعانه. )[26].

أمّا التّحرير، وهو (تفعيل من الحُريّة، أي جعل الرقبة حرّة)[27]، وذلك (بإيجاد سبب الحرية)[28] فيشترك مع الإعتاق في التفرّد بالعتق، وإيقاعه على كامل الرقبة. يقول القرطبي: (وبعض الرقبة ليس برقبة...؛ لقوله تعالى: (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) يقتضي تحرير رقبةٍ كاملةٍ.)[29]، ولكنّه يفترق عنه في أنّ المحرَّر لا يلزمُ أن يكون مِلْكاً للمحرِّر، وأنّ المعتِق قد يقع عتقُه في حال الشراكة على بعض الرقبة، وعندها لا يكون متفرّداً كحال المحرِّرِ.

ونخلص في ضَوْء ما سبق من تفرقةٍ إلى أنّ القرآن والحديث اشتركا في الدّلالة على معاني إعتاق كامل الرقبة، والانفراد، والإسهام في العتق من غير ملكٍ، وأنّ الحديث تفرّد بمسألة الشراكة في عتق المملوك. لكنّ هذه التفرقة الدلالية بين ألفاظ العتق والفكّ والتّحرير على أهميتها لا تكفي وحدها -فيما أرى- لتفسير الافتراق الأسلوبي التامّ الذي رأينا بين القرآن والحديث؛ إذ يظل السؤال قائماً: ولِمَ لمْ يستعمل النبي لفظ التّحرير فعلاً أو مضافاً إلى الرقبة، ولو مرةً واحدةً؟ وكذا لِمَ لمْ يستعمل القرآن لفظ العتق، ولو مرةً واحدةً؟ ولا أجد تفسيراً لذلك إلّا ما قلته من قبلُ، وهو أنّ منشئ الحديث لا يمكن أنّ يكون بحالٍ من الأحوال منشئاً للقرآن؛ إذ لو كانا من لدن مؤلفٍ واحدٍ لرأينا العتق حاضراً في القرآن حضوره في الحديث، ولرأينا التّحرير حاضراً في الحديث حضوره في القرآن.

ثانياً- تطابقُ اللفظِ والمعنى، واختلافُ الصيغةِ والحال:
ونمثّل لهذا الوجه من أوجه الافتراق الأسلوبي باستعارة لفظ (الختم) للدِّلالة على منع نور الهدى والحقّ من بلوغ الأسماع والقلوب، حتى تصيرَ القلوب والأسماع في نور تلك الاستعارة كتاباً أُحكم إغلاقُه من ذلك الختم؛ إذ الختم في اللغة: الطبع. (قال الليث: ختَمَ يخْتِمُ أي: طَبَعَ،[30] والخاتِمُ: الفَاعِلُ... والخِتَامُ: الذي يُخْتَمُ به على كتابٍ... وقول الله جلّ وعزّ: ﴿ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ﴾ كقوله: ﴿ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ﴾ " [31] فلا ينفذ مع ذلك الختم إلى القلب شيء من الحق والنور، ولو كان شيئاً يسيراً (إلّا بعد فضِّه خَاتمَه وحلِّه رباطَه عنها)[32]؛ إذ الختم على القلوب والأسماع: (نظيرُ الطبع والختم على ما تدركه الأبصار من الأوعية والظروف، التي لا يوصَل إلى ما فيها إلا بفضِّ ذلك عنها ثم حلّها. )[33].

وقد ورد هذا اللفظ في الحديث النّبوي مرةً واحدةً بصيغة المضارع المقترن بنون التوكيد الثقيلة. فعن عبد الله وأبي هريرة رضي الله عنهما أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: "‏لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمْ الجُمُعَاتِ، أَوْ ‏‏لَيَخْتِمَنَّ ‏اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ، ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنْ الغَافِلِينَ. "[34].

وأمّا القرآن فورد فيه من صيغ هذا الفعل صيغتان: الماضي (ختم) وهذه آياته: يقول الله تعالى: ﴿ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [البقرة: 7] ويقول الله تعالى: ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ ﴾ [الأنعام: 46].

ويقول تعالى: ﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [الجاثية: 23].

ووردت صيغة المضارع (يختم) مرة واحدةً. يقول الله تعالى: ﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ [35] عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ [الشورى: 24].

وبيّن من خلال استقراء نصوص هذا اللفظ في القرآن والحديث أنّ القرآن الكريم لم يستعمل لفظ المضارع المقترن بنون التوكيد كما ورد في الحديث، وأنّ الحديث لم يستعمل صيغ القرآن: (ختم، يختم) بالمعنى الذي بيّنتُه، وإنّما استعملها بمعنى آخر، هو: معنى الآخرة والنهاية والتمام. ومن أمثلة هذا الاستعمال في الحديث ما يلي:
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَثَلِى وَمَثَلُ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِى كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بُنْيَانًا فَأَحْسَنَهُ... فَأَنَا اللَّبِنَةُ وَأَنَا خَاتَمُ النّبيّينَ. "[36] أي آخرهم.

وعَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ كِتَابًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِأَلْفَيْ عَامٍ أَنْزَلَ مِنْهُ آيَتَيْنِ خَتَمَ بِهِمَا سُورَةَ الْبَقَرَةِ، وَلَا يُقْرَآنِ فِي دَارٍ ثَلَاثَ لَيَالٍ، فَيَقْرَبُهَا شَيْطَانٌ. "[37].

وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ الزَّمَنَ الطَّوِيلَ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، ثُمَّ يُخْتَمُ لَهُ عَمَلُهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ الزَّمَنَ الطَّوِيلَ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، ثُمَّ يُخْتَمُ لَهُ عَمَلُهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ. "[38].

يضاف إلى ما سبق ذكره أنّ القرآن والحديث في استعارة الختم لم يتكلّما على حالٍ واحدةٍ، وإنّما تكلّما على حالين مختلفتين؛ فقد تكلّم القرآن على حال الكفار، وتكلّم الحديث على حال المسلم مرتكب الكبيرة. والسؤال هنا: لِم لم يسلك القرآن سبيل الحديث في استعارة الختم؟ ولِم لم يسلك الحديث سبيل القرآن؟ ولِم لم يأتيا في أسلوبهما بالسبيلين معاً؟.

ولا بدّ من القول ابتداءً - ونحن نجيب عن هذا السؤال - إنّ اختلاف الصيغ في القرآن، وبين القرآن والحديث يمكن أنّ يُردّ إلى اختلاف المقام والسياق والحال. نحو أن يقال: إنّ شديد غفلة تارك الجمعات اقتضى أن يُخرَج الكلام له مخرجَ التشديد في الوعيد، والمبالغةِ في التهديد، حتى يفيق من غفلته، ويرعويَ عن ضلالته، فبني الفعل على المضارع، وأُكّد غاية التوكيد بجعله جواباً لقسم محذوف مقدر، وبقرنه بنون التوكيد الثقيلة التي تؤكد وقوع الفعل المضارع في المستقبل إن لم ينته ذلك الغافل عن ودْع الجمعات، ونحو أن يقال: إنّ غرض التعليل من آية البقرة اقتضى أن يُبنى الفعل على الماضي، وليس المضارع؛ إذ جاءت جملته عقب قول الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [البقرة: 6]. فهو (استئناف تعليلي لما سبق من الحكم وبيان لما يقتضيه أو بيان وتأكيد له)[39] والغرض من ذلك أن (يدفع تعجّب المتعجِّبين من استواء الإنذار وعدمه عندهم، ومن عدم نفوذ الإيمان إلى نفوسهم مع وضوح دلائله، فإذا علم أنّ على قلوبهم ختماً، وعلى أسماعهم، وأنّ على أبصارهم غشاوةً علم سبب ذلك كله، وبطل العجب.)[40] ولكنّ هذا المذهب في تفسير اختلاف الصيغ لا ينفعنا في تِبيان سبب افتراق طريقي القرآن والحديث في استعمال لفظ الختم، ولا ينفعنا أيضاً في تفسير عدم جمعهما بين هذين الطريقين.

وما أراه أن لا توجيه لذلك غيرَ القول الذي قلته من قبلُ، وهو أنّ منشئ الحديث لا يمكن أنّ يكون منشئاً للقرآن؛ إذ لو كانا من لدن منشئ واحدٍ لرأينا فعل الختم حاضراً في حديث النّبيّ حضوره في القرآن، ولاسيّما أنّ الختم معنى يقتضيه حال الكفر والضلال الذي يكثر الكلام عليه في القرآن والحديث؛ لأنّ حال الإنسان إمّا حال كفرٍ وضلالٍ، وإمّا حال هدى وإيمان.

ولعلّك تلحظ معي أنّ من أوجه الافتراق الأسلوبي بين آية البقرة مثلاً والحديث - إضافةً إلى ما ذكرنا من اختلاف صيغة الفعل والتوكيد وعدمه- أنّ الختم فيها لم يقتصر على القلوب، وإنّما امتدّ ليشمل الأسماع، وفي هذا دِلالة على الضلال الّتام، واقتضى هذا السياق الذي جرت فيه الاستعارة القرآنية؛ إذ دار حول بيان سبب الكفر بالإيمان، وهذا يناسبه إيقاع الختم على أكثر من حاسّة، وأمّا الاستعارة النبوية فقد اقتصر فيها الختم على القلب دون السمع؛ وهذا لأنّ الاستعارة النبوية جاءت في سياقٍ مختلفٍ، ولغرضٍ مختلفٍ، إذ جاءت كجزاء يُجزى به التارك للجمعات، ويكفي في مثل هذه الحال إيقاع الختم على القلب دون السمع؛ لأنّ ما يتسبب عن الختم هنا ليس الكفر، وإنَّما الضلال والغفلة عن الهدى: (ثم ليكوننّ في الغافلين).

ثالثاً- اللفظ واحدٌ، والمعنى مختلفٌ:
وسأمثّل لهذا الوجه من أوجه الافتراق الأسلوبي باستعارة لفظ (الذوق) للتعبير عن معنى ما، فقد استعاره النّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم للتعبير عن الشعور بحلاوة الإيمان، واستعاره القرآن للتعبير عن معاناة الألم والعذاب. فمن أمثلة استعارة الذوق في حديث النّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم ما يلي:
عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: "ذَاقَ طَعْمَ الإيمان مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالإسلام دِينًا، ‏‏وَبِمُحَمَّدٍ ‏‏رَسُولًا"[41].

وعن أنس رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال:"‏ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الإيمان أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إليه مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إلا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكفر كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ. "[42].

وأمّا أمثلة استعارة الذوق في القرآن العظيم، فقد كثرت فيه كثرةً ظاهرةً. من ذلك قول الله تعالى: ﴿ وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ * وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ ﴾ [هود: 9، 10].

ويقول الله تعالى: ﴿ وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ ﴾ [فصلت: 50].

ويقول الله تعالى: ﴿ فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [فصلت: 27]. ويقول الله تعالى: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الروم: 41].

وبيّنٌ كلّ البيان أنّ فعل الذوق في القرآن العظيم لم يُستعر للتعبير عن الشعور بلذة الإيمان كما هو الحال في الحديث النبوي، وإنّما استعير للعذاب، وكثرت استعارته للعذاب كثرة عجيبةً، واستعير كذلك للرحمة في سياق الاختبار، والكلام على طغيان الإنسان وجحود نِعَم ربّه. يقول الراغب الأصفهاني: "الذوق: وجود الطعم بالفمّ، وأصلّه فيما يقلّ تناولُه دون ما يكثرُ، فإنّ ما يكثرُ منه يقال له: الأكلُ. واختير في القرآن لفظ الذوق في العذاب؛ لأنّ ذلك - وإن كان في التعارف للقليل- فهو مستصلح للكثير، فخصّه بالذكر ليعمّ الأمرين، وكثرَ استعمالُه في العذاب، وقد جاء في الرحمة... ويُعبر به عن الاختبار. "[43] ولا تفسير لهذا الافتراق التّامّ في التعبير إلّا ما قلته من قبلُ، وهو أنّ منشئ الحديث لا يمكن أن يكون منشئاً للقرآن؛ إذ لو كان القرآن والحديث من لدن منشئٍ واحدٍ لكنَّا وجدنا الحديث قد استعمل الذوق في الكلام على العذاب، ولكنّا وجدنا القرآن استعمل الذوق في الكلام على حلاوة الإيمان.

رابعاً- اللفظ في الحديث، ولا وجود له في القرآن:
ونمثل لهذا الافتراق الأسلوبي بلفظ (الهمّ) يقول أستاذيَ الدكتور إبراهيم عوض حفظه الله: "لم يُذكر في القرآن (الهمُّ) رغم تكرر ذكره في الأحاديث كثيراً. "[44] فمن ذلك ما يلي:
عن أنس بن مالك قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلم يقول: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ.... "[45].

وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ كَانَتْ الْآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا، وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتْ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ. "[46].

ومن الألفاظ التي وردت في الحديث النبوي، ولا وجود لها في القرآن لفظ (العاني) أي الأسير:
فعن أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فُكُّوا الْعَانِيَ -يعني الأسير - وَأَطْعِمُوا الْجَائِعَ، وَعُودُوا الْمَرِيضَ "[47].

وعن عوَنْ صَالِحِ بْنِ يَحْيَى بْنِ الْمِقْدَامِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "أَنَا وَارِثُ مَنْ لاَ وَارِثَ لَهُ، أَفُكُّ عَانِيَهُ، وَأَرِثُ مَالَهُ، وَالْخَالُ وَارِثُ مَنْ لاَ وَارِثَ لَهُ، يَفُكُّ عَانِيَهُ، وَيَرِثُ مَالَهُ. "[48].

وأمّا اللفظ القرآني فلفظ (الأسير)، وقد جاء مفرداً وجمعاً:
يقول تعالى: ﴿ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ ﴾ [البقرة:85]. ويقول عز وجل: ﴿ يُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ﴾ [الإنسان:8].

وقد استعمل النبي صلى الله عليه وسلم هذا اللفظ: فعن عائشة قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِأَسِيرٍ، فَلَهَوْتُ عَنْهُ، فَذَهَبَ، فَجَاءَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "مَا فَعَلَ الْأَسِيرُ؟...."[49].

ولعلّ الفرق بين اللفظين، أي بين الأسير والعاني هو أنّ الأسير منظور فيه إلى معنى شدّ الوثاق. يقول القرطبي في كلامه على لفظ الأسر: (واشتقاقه من الإسار، وهو: القِدُّ الذي يُشدّ به الأقتابُ. يقال: أسرتُ القَتَبَ أسراً، أي: شددْتُه وربطتُه، ويقال: ما أحسنَ أسرَ قَتَبِه، أي: شدِّه وربطِه... ومنه الأسيرُ؛ لأنّه كان يُكتَّفُ بالإِسَار )[50].

وأمّا العاني فمنظور فيه إلى معنى الخضوع والقهر والغلبة. يقول الزبيدي: (عنوتُ للحقّ (خضعتُ) وأطعتُ، ومنه قولُه تعالى: (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ) طه:111. وقيل: كلّ خاضعٍ لحقٍّ أو غيرِه عانٍ، وقيل: معنى (عنت الوجوه) استأسَرَتْ. وقيل: ذلّتْ.... (وأَعْنَيْتُه أنا)، أي: أبقيتُه أسيراً، وأخضعته.... (و) العَنْوَةُ (القهر) يقال: أخذه عَنْوَةً، أي: قسراً، وفتحت هذه المدينةُ عَنْوَةً أي: بالقتالِ، قوتل أهلُها حتّى غُلِبُوا عليها، وعَجَزُوا عن حفظها، فتركُوها، وجَلَوْا... فالإجماعُ على أنّ العَنْوَة هي: الأخذُ بالقهر والغَلَبَة )[51].

ونخلص من كلّ ما مضى درسه في هذا البحث إلى سبع نتائجَ، وهذه النتائج هي ما يلي:
أولاً: بيّن البحث أنّ ما بين القرآن والحديث من افتراق أسلوبي لا تفسير له إلا القول: إنّ منشئ الحديث محمداً صلّى الله عليه وسلّم لا يمكن أن يكون بحال من الأحوال منشئاً للقرآن؛ ذلك أنّه وقع في مواطنَ لا يُتَصوّر أبداً وقوعُه فيها لو كان مؤلفُ الكلامين واحداً؛ لأنّ الإنسان لا يستطيع أن ينخلع من إنسانيته، ولا يستطيع أن ينفكّ من أسلوبه.

ثانياً: بيّن البحث إمكان التعليل المعنوي لبعض أوجه الافتراق الأسلوبي، وأنّ ذلك التعليل لا يتناقض مع التوجيه الأول، وإنّما يسير بموازاته، وأكّد أنّ التوجيه الأول عامّ شامل يشمل كلّ مظاهر الافتراق الأسلوبي.

ثالثاً: كشف البحث عمّا بين لفظتي القذف والرمي في التعبير القرآني من فروق دقيقة في الدلالة، وكشف أنّ لكل منهما في القرآن مقاماتٍ وسياقاتٍ، تقتضيهما. وعليه فإنّه لا يحسن الخلط بينهما، كأن يؤتى بالرمي في موضع القذف، أو يؤتى بالقذف في موضع الرمي.

رابعاً: وكشف البحث أيضاً عمّا بين ألفاظ العتق والفكّ والتّحرير من فروقٍ في الدلالة، وبيّن أنّ القرآن لم يستعمل غير لفظتي الفكّ والتّحرير، وأمّا النّبيّ فاستعمل لفظ العتّق عشرات المرات، ولم يأت بلفظتي الفكّ التّحرير غير مرة واحدةٍ، وجاءت لفظة التّحرير في هذه المرة اسم مفعول، وليس مضافاً إلى الرقبة، أو فعلاً.

خامساً: وكشف البحث أنّ القرآن والحديث لم يتكلّما في استعارة الختم على حال واحدة، وإنّما تكلّما على حالين مختلفتين؛ فقد تكلّم القرآن على حال الكفار، وتكلّم الحديث على حال المسلم مرتكب الكبيرة.

سادساً: كشف البحث أنّ لفظ (الذوق) استعير في القرآن والحديث لمعنيين مختلفين كلّ الاختلاف، فقد استعاره النّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم للتعبير عن الشعور بحلاوة الإيمان، واستعاره القرآن للتعبير عن معاناة الألم والعذاب.

سابعاً: كشف البحث أنّ لفظ العاني الذي ورد في الحديث لم يرد في القرآن، وأنّ ما استعمله القرآن هو لفظ الأسير، وكشف البحث عمّا بين هذين اللفظين من فرقٍ في الدّلالة.

المصادر والمراجع:
1- القرآن الكريم.

2- إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم، أبو السعود بن محمد العمادي الحنفي، تح: عبدالقادر أحمد عطا، مكتبة الرياض الحديثة، الرياض، د. ت، د. ط.

3- الإعجاز البياني، ومسائل ابن الأزرق، د. عائشة عبدالرحمن، دار المعارف، القاهرة، ط2. د. ت.

4- الأم، محمد بن إدريس الشافعي، تح: د. رفعة فوزي عبد المطلب، دار الوفاء، ط1، 1422، 2001.

5- تاج العروس من جواهر القاموس، محمد مرتضى الحسيني الزبيدي، سلسلة التراث العربي، وزارة الإعلام، الكويت.

6- التّحرير والتنوير، الشيخ محمد الطاهر بن عاشور، دار سحنون للنشر والتوزيع، تونس، 1997.

7- تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، محمد بن عبدالرحمن بن المباركفوري، تح: عبدالوهاب بن عبداللطيف، المكتبة السلفية، المدينة المنورة، ط2، 1383- 1963.

8- تخريج الفروع على الأصول، محمود بن أحمد الزنجاني، تح: د. محمد أديب صالح، مؤسسة الرسالة، ط2، 1398.

9- تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، إسماعيل بن عمر، تح: سامي بن محمد سلامة، دار طيبة للنشر، ط2،1420-1999.

10- تهذيب اللغة، أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري، تح: عبدالسلام هارون وآخرون،، دار الصادق للطباعة والنشر. د. ط، د. ت.

11- جامع البيان في تأويل القرآن، محمد بن جرير، أبو جعفر الطبري، تح: محمود محمد شاكر، وأحمد محمد شاكر، دار ابن تيمية، القاهرة، ط2، د. ت.

12- الجامع لأحكام القرآن، أبو عبدالله، محمد بن أحمد القرطبي، تح: عبدالله التركي، وآخرون، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1427، 2006.

13- دراسات جديدة في إعجاز القرآن، مناهج تطبيقية في توظيف اللغة، د. عبدالعظيم المطعني، مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 1417، 1996.

14- دراسات لغوية في القرآن الكريم وقراءاته، د. أحمد مختار عمر، عالم الكتب، القاهرة، ط2. 1427- 2006.

15- دراسة الأسلوب بين المعاصرة والتراث، د. أحمد درويش، دار غريب، القاهرة، ط1، 1998.

16- دلالة الألفاظ على المعاني عند الأصوليين، د. محمود توفيق سعد، مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 2009.

17- روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، شهاب الدين محمود الألوسي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، د. ط، د. ت.

18- سنن الترمذي، محمد بن عيسى، تحقيق وتخريج محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف، الرياض ط1، 1417.

19- سنن أبي داود، سليمان بن الأشعث، تحقيق وتخريج محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف، الرياض، ط2، 2007.

20- سنن ابن ماجة، محمد بن يزيد، تحقيق وتخريج محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف، الرياض، ط1، د. ت.

21- سنن النسائي الصغرى، أحمد بن شعيب، حكم على أحاديث وآثاره وعلق عليه محمد ناصر الدين الألباني، اعتنى بنشر الكتاب مشهور آل سلمان، مكتبة المعارف، الرياض، ط1، 1408-1988.

22- صحيح البخاري، محمد بن إسماعيل، تح: مصطفى ديب البغا، دار ابن كثير، دمشق، ط3، 1407-1987.

23- صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان، محمد بن حبان البستي،تح: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، ط2، 1414 - 1993.

24- صحيح مسلم، أبو الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري، تح: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت. د. ط، د. ت.

25- صحيح مسلم بشرح النووي، يحيى بن شرف النووي، تح: رضوان جامع رضوان، المكتب الثقافي، القاهرة، ط1، 2001.

26- فتح الباري شرح صحيح البخاري، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني الشافعي، تح: عبدالعزيز ابن باز، دار التقوى للتراث، مصر، د. ط، د. ت.

27- الفروق اللغوية، أبو هلال العسكري، تح: جمال عبدالغني مدغمش، مؤسسة الرسالة، ط1، 1422- 2002.

28- القرآن والحديث مقارنة أسلوبية، د. إبراهيم عوض، مكتبة زهراء الشرق، القاهرة، ط1، 2000.

29- الكاشف عن حقائق السنن، شرف الدين الطيبي، تح: عبدالحميد هنداوي، مكتبة نزار الباز، مكة المكرمة، ط1، 1417، 1997.

30- الكشاف، جار الله محمود الزمخشري، تح: عادل عبدالموجود، علي معوّض، مكتبة العبيكان، الرياض، ط1، 1418.

31- مسند الإمام أحمد، تح: شعيب الأرناؤوط، وآخرون، مؤسسة الرسالة، ط1، 1416، 1995.

32- معجم الفروق الدلالية في القرآن، د. محمد محمد داود، دار غريب، القاهرة، ط1،2008.

33- مفردات ألفاظ القرآن، الراغب الأصفهاني، دار القلم، دمشق. د. ط، د. ت.

34- النكت في إعجاز القرآن، علي بن عيسى الرماني، تح: محمد خلف الله أحمد، محمد زغلول سلام، دار المعارف، القاهرة، د. ط، د. ت..

[1] انظر ما كتبه أستاذي العلّامة الدكتور إبراهيم عوض حفظه الله في كتابه الفذّ " القرآن والحديث مقارنة أسلوبية" وقد عرض فيه لمئات من أوجه الافتراق الأسلوبي التي تقرر استحالة أن يكون القرآن والحديث من لدن مؤلف واحد. ولكنّ الطبيعة الوصفية للدراسة حالت دون الوقوف على تفسيرات أخرى لبعض أوجه الافتراق لا تتعارض مع النتيجة الوحيدة والكبرى التي انتهت إليها الدراسة، وإنّما تكمّلها، وتسير بموازاتها.

[2] دراسة الأسلوب بين المعاصرة والتراث، الدكتور أحمد درويش، ص18.

[3] ويندرج هذا الوجه تحت ما يُسمّى بموضوع الترادف، وقد ذهب أهل العلم في شأنه قديماً وحديثاً مذهبين مختلفين متغايرين، فقال قوم بوجوده، وقال آخرون بعدم وجوده. انظر ما كتبته الدكتورة عائشة عبد الرحمن حول هذا الموضوع في كتابها: الإعجاز البياني للقرآن، ص210- 237. وما كتبه الدكتور أحمد مختار عمر عن الترادف وأشباه الترادف في القرآن الكريم في كتابه: دراسات لغوية في القرآن الكريم وقراءاته، ص101-129. وما كتبه الدكتور محمود توفيق سعد في كتابه دلالة الألفاظ على المعاني عند الأصوليين، ص537-562.

[4] البخاري، 6466. مسلم، 1660. واللفظ عندهما يكاد يكون واحداً. وأما بنيان الاستعارة فواحد في الروايتين.

[5] البخاري، 2615، 6465. مسلم، 89. ولم يرد فعل الرمي في أيّ رواية من روايات هذا الحديث، وهذا يدلّ على أنّ لفظ القذف لفظ نبويّ. فقد جاء عند أبي داود 2874، وجاء كذلك عند النسائي، 3671.

[6] دِلالة الألفاظ على المعاني عند الأصوليين، د. محمود توفيق سعد، ص366.

[7] مفردات ألفاظ القرآن، الراغب الأصفهاني، ج2، ص228.

[8] انظر خبر قصة قوم موسى مع السامري تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ج5، ص 309- 314.

[9] الكشاف، الزمخشري، ج2، ص567.

[10] النكت في إعجاز القرآن، علي بن عيسى الرماني، ص88.

[11] القرآن والحديث مقارنة أسلوبية، الدكتور إبراهيم عوض، ص114.

[12] البخاري، 6337. مسلم، 1509.

[13] البخاري،444، 2047. وقد تكرر هذا الخبر عند البخاري تسع عشرة مرةً. مسلم، 1504.

[14] البخاري، 2359. مسلم، 1501.

[15] مسلم، 1657.

[16] البخاري،1834، 1835، 2460، 5053، 5737، 5812، 6331، 6333، 6435. مسلم، 1111. وقد روى البخاري الحديث من تسع طرق، كلّها روت عن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم. وكلُّ الروايات اتفقت على لفظة العتق، عدا ثلاث منها، ثنتان بلفظ: (تجد رقبة) وواحدة فقط بلفظ التّحرير: (أتجد ما تحرر رقبة؟) وكذا روى مسلم الحديث من طرق عدّة، كلّها روت لفظة العتق عدا واحدة روت لفظ التّحرير. ولا شكّ أنّ لفظ العتق دون أيّ لفظ آخر هو المروي باللفظ؛ وذلك لاتفاق عُظم الروايات على هذا اللفظ؛ ولاطّراد استعماله في لغة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. وذلك معناه أنّ ما رواه الزهري عن حميد عن أبي هريرة عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم هو لفظ العتق، ومن روى لفظ التّحرير فقد روى بالمعنى متأثراً باللفظ القرآني.

[17] فتح الباري شرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، ج5، ص176. صحيح مسلم بشرح النووي، يحيى بن شرف النووي، مج5، ج10، ص131.

[18] أحمد، 18647.

[19] ابن حبان، 374.

[20] الترمذي، 1638. النسائي، 3143

[21] تحفة الأحوذي، المباركفوري، ج5، ص268.

[22] جامع البيان في تأويل القرآن، أبو جعفر الطبري، ج10، ص552.

[23] المصدر السابق، ج10، ص552.

[24] فتح الباري، ابن حجر،ج5، ص176.

[25] الأم، الشافعي، ج8، ص380، 309.

[26] الكاشف عن حقائق السنن، الطيبي، ج8، 2426.

[27] التّحرير والتنوير، الطاهربن عاشور،ج5، ص158.

[28] تخريج الفروع على الأصول، محمود بن أحمد الزنجاني، ص354.

[29] الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ج6، ص281

[30] وفي المرادفة بين الختم والطبع كما يفعل أهل المعاجم شيء من المسامحة. وللوقوف على ما بينهما من فرقٍ انظر: الفروق اللغوية، أبو هلال العسكري، ص102. وانظر: معجم الفروق الدلالية في القرآن الكريم، الدكتور محمد داود، ص232، 233. وانظر: دراسات جديدة في إعجاز القرآن، مناهج تطبيقية في توظيف اللغة، الدكتور عبد العظيم المطعني، ص181-185.

[31] تهذيب اللغة، الأزهري، مادة (ختم)، ج7، ص313.

[32] جامع البيان في تأويل القرآن، أبو جعفر الطبري، ج1، ص261.

[33] المصدر السابق، ج1، ص261.

[34] مسلم، 865.

[35] يقول الزمخشري في تفسير الختم في هذه الآية: (كأنّه قيل: أيتمالكون أن ينسبوا مثله إلى الافتراء، ثمّ إلى الافتراء على الله الذي هو أعظم الفرى وأفحشها. ﴿ فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ ﴾ [الشورى: 24] فإن يشأ الله يجعلك من المختوم على قلوبهم، حتى تفتري عليه الكذب فإنهّ لا يجترئ على افتراء الكذب على الله إلا من كان في مثل حالهم، وهذا الأسلوب مؤدّاه استبعاد الافتراء من مثله، وأنّه في البعد مثل الّشرك بالله، والدخول في جملة المختوم على قلوبهم) الكشاف، ج5، ص407. وقال الألوسيّ في تفسيره: (وما أحسن التعريض بأنّهم مفترون، وأنّهم في هذه المقالة عن افترائهم مفترون) ج25،ص34 ونقل عن السمرقندي قوله: (المعنى: إن يشأ يختم على قلبك كما فعل بهم. فهو تسلية له عليه الصلاة والسلام، وتذكيرٌ لإحسانه إليه، وإكرامه له صلّى الله عليه وسلّم ليشكرَ ربّه سبحانه، ويترحّم على من ختم على قلبه، فاستحقّ غضب ربّه، ولولا ذلك ما اجترأ على نسبته لما ذكر. فالتفريع بالنظر إلى المعنى المكنّى عنه، وحاصله: أنّهم اجترؤوا على هذا؛ لأنّهم مطبوعون على الضلال. انتهى. وفيه شمّة ممّا ذكره الزمخشري. روح المعاني، ج25، ص35.

[36] مسلم، 2286.

[37] الترمذي2882.

[38] مسلم، 2256.

[39] إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم، أبو السعود، ج1، ص64.

[40] التّحرير والتنوير، الطاهر بن عاشور، ج1، ص254.

[41] مسلم، 34.

[42] البخاري، 16، 5694، 6542. مسلم،43. وقد اتفقت كلّ الروايات على لفظ (حلاوة) ماخلا الرواية الثانية عند مسلم، فقد روت لفظة: (طعم). والمرويّ باللفظ ما اتفقت عليه عُظم الروايات.

[43] مفردات ألفاظ القرآن، الراغب الأصفهاني، ج1، ص271.

[44] القرآن والحديث مقارنة أسلوبية، الدكتور إبراهيم عوض، ص129. وقد استشهد أستاذي العلامّة الدكتور إبراهيم حفظه الله بهذين الحديثين، واستشهد بأحاديث أخر. ولكن ما يؤخذ عليه في هذا الموضع، وفي غيره استشهاده بأحاديث ضعيفة وضعيفة جداً. من ذلك استشهاده بحديث رواه الترمذي479، وابن ماجة1384: "... ألا تدع لي ذنبا إلا غفرته ولا هما إلا فرجته... " والحديث ضعيف جداً كما قال الألباني.

[45] البخاري، 6008.

[46] الترمذي، 2465.

[47] البخاري، 2881.

[48] أبو داود، 2901.

[49] أحمد، 24304.

[50] الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ج21،ص491.

[51] تاج العروس، الزبيدي، مادة: عنو.



__________________
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 06:36 AM.