|
محمد ﷺ نبينا .. للخير ينادينا سيرة سيد البشر بكل لغات العالم |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
آيات وأحاديث صحيحة في السياسة
آيات وأحاديث صحيحة في السياسة الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد: فلا يخفى على المتدبر لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وجود آيات وأحاديث كثيرة في السياسة بما يصلح العباد والبلاد، وبما يجلب المصالح ويكملها ويدفع المفاسد ويقللها، فالشريعة الإسلامية كاملة شاملة لجميع نواحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغير ذلك، حتى أن أطول آية في كتاب الله آية المداينة في سورة البقرة تتكلم عن الديون وتوثيقها بالكتابة والشهود، وصدق الله إذ يقول: ﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾. فالإسلام دين ودولة، وكل ما يصدر من المكلفين له حكم في الشريعة: إما بالوجوب أو الندب أو الحرمة أو الكراهة أو الإباحة ﴿ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ﴾. ومن أعظم الأشياء التي لم تغفل عنها الشريعة: السياسة، سواء في السلم والحرب، وفي حال القوة ووفي حال الضعف، وفي حال الاستقرار وفي وقت الفتن، وفيما يتعلق بالحكام وما يتعلق بالرعية. ففي القرآن الكريم آيات سياسية كثيرة منها: قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾، وقوله سبحانه: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا ﴾، وقوله عز وجل: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾، وقوله عز وجل: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾، وقوله عز وجل: ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾. وفي السنة أحاديث سياسية كثيرة جدا، لا سيما ما يتعلق بالفتن من أجل الملك والسلطان، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بكل ما سيكون بعده من الفتن ففي صحيح مسلم (2892) عن عمرو بن أخطب رضي الله عنه قال: "صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر، وصعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الظهر، فنزل فصلى، ثم صعد المنبر، فخطبنا حتى حضرت العصر، ثم نزل فصلى، ثم صعد المنبر، فخطبنا حتى غربت الشمس، فأخبرنا بما كان وبما هو كائن" فأعلمنا أحفظنا. وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ستكون فتن، القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، من تشرف لها تستشرفه، فمن وجد منها ملجأ، أو معاذا، فليعذ به". ومن أعظم الأحاديث في الفتن حديث حذيفة رضي الله عنه، وهو حديث نبوي عظيم في السياسة من أخذ به اهتدى، ومن تركه ضل ﴿ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴾. روى هذا الحديث عن حذيفة خمسة من التابعين: أبو إدريس الخولاني وأبو سلَّام الحبشي وسُبيع بن خالد اليشكري وعبد الرحمن بن قُرط وزيد بن وهب. وهذا أحد أسانيده يرويه يمني عن يمني عن حذيفة بن اليمان العبسي اليماني. قال البخاري (7084) ومسلم (1847): حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا ابن جابر، حدثني بسر بن عبيد الله الحضرمي، أنه سمع أبا إدريس الخولاني، أنه سمع حذيفة بن اليمان، يقول: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر، مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: "نعم" قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: "نعم، وفيه دخن" قلت: وما دخنه؟ قال: "قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر" قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: "نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها" قلت: يا رسول الله صفهم لنا، قال: "هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا" قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: "تلزم جماعة المسلمين وإمامهم" قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: "فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة، حتى يدركك الموت وأنت على ذلك". وفي رواية أحمد (23282) وأبي داود (4246) في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى حذيفة عند الفتن بتعلم القرآن واتباعه تسع مرات، كان يقول لحذيفة: "يا حذيفة، تعلم كتاب الله واتبع ما فيه " ثلاث مرار ثم قالها له ثلاث مرار ثم قالها له ثلاث مرار وهو يسأله عن تلك الأسئلة العظيمة. وهذا الحديث السياسي عظيم الشأن جدا، ما أحوج المسلمين إليه للخلاص من الفرقة والحزبية التي فرقت جمعهم، وشتت شملهم، وأذهبت شوكتهم، فكان ذلك من أسباب تمكن العدو منهم، مصداق قوله تبارك وتعالى: ﴿ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ﴾، فطريق النجاة أن نعتصم جميعا بكتاب الله وسنة رسوله كما قال الله سبحانه: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾ وقال سبحانه: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾. قال العلامة ابن بطال في شرح صحيح البخاري (10/ 33): "هذا الحديث من أعلام النبوة، وذلك أنه صلى الله عليه وسلم أخبر حذيفة بأمور مختلفة من الغيب لا يعلمها إلا من أوحي إليه بذلك من أنبيائه الذين هم صفوة خلقه، وفيه حجة لجماعة الفقهاء في وجوب لزوم جماعة المسلمين وترك القيام على أئمة الجور، ألا ترى أنه صلى الله عليه وسلم وصف أئمة زمان الشر فقال: (دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها) فوصفهم بالجور والباطل والخلاف لسنته؛ لأنهم لا يكونون دُعاةً على أبواب جهنم إلا وهم على ضلال، ولم يقل فيهم: تعرف منهم وتنكر، كما قال في الأولين، وأمر مع ذلك بلزوم جماعة المسلمين وإمامهم، ولم يأمر بتفريق كلمتهم وشق عصاهم". وقد جاء هذا التوجيه النبوي الحكيم في أحاديث كثيرة منها ما رواه البخاري ومسلم عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان فيما أخذ علينا "أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةً عَلَيْنَا، وَأَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا، عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ". وفي صحيحِ مسلم عن أُمِّ سَلَمَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: "إِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ، فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ؛ فَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ بَرِئَ، وَمَنْ أَنْكَرَ فَقَدْ سَلِمَ؛ وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَا نُقَاتِلُهُمْ؟ قَالَ: "لَا! مَا صَلَّوْا". وروى مسلم في صحيحه عن عوف بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، ويصلون عليكم وتصلون عليهم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم"، قيل: يا رسول الله، أفلا ننابذهم بالسيف؟ فقال: "لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، وإذا رأيتم من ولاتكم شيئا تكرهونه، فاكرهوا عمله، ولا تنزعوا يدا من طاعة". ولا يعني لزوم جماعة المسلمين وإمامهم وإن كانوا من الدعاة على أبواب جهنم أن يجابوا إلى ما يدعون إليه من الضلال، فإن النبي صلى الله عليه وسلم حذر من إجابتهم إلى الضلال وأخبر أن من أجابهم قذفوه في النار، وفي صحيح البخاري ومسلم عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا طاعة في معصية، إنما الطاعة في المعروف". وقد أخذ بهذا التوجيه النبوي أئمة السنة ولهذا لما كان بعض الخلفاء العباسيين يدعون الناس إلى القول بخلق القرآن وهي دعوة إلى ضلالة، لزم الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله جماعة المسلمين وإمامهم الذي كان يدعو إلى الضلالة والكفر متأولا، ولم يكفِّره ولم يفت الناس بالخروج عليه، وأيضا لم يجبه إلى تلك الضلالة، وصبر على الضرب والحبس وتعرض لل***، وصدع بالحق وأبى أن يقول الباطل. هذا والشريعة الإسلامية توجب على المسلم أن ينصح لولاة الأمر بقدر استطاعته ففي صحيح مسلم عن تميم الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "الدين النصيحة" قلنا: لمن؟ قال: "لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم". وروى البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما استُخلف خليفة إلا له بطانتان: بطانة تأمره بالخير وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه، والمعصوم من عصم الله ". وروى أبو داود بسند صحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أراد الله بالأمير خيرا جعل له وزير صدق، إن نسي ذكره، وإن ذكر أعانه، وإذا أراد الله به غير ذلك جعل له وزير سوء، إن نسي لم يذكره، وإن ذكر لم يعنه". وروى النسائي وصححه الألباني عن طارق بن شهاب رضي الله عنه أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم أي الجهاد أفضل؟ قال: "كلمة حق عند سلطان جائر". هذا ومن لم يستطع من العلماء أن يقول الحق فعليه أن لا يقول الباطل، فالعلماء يختلفون في القوة والضعف، وقد يعجز بعض العلماء عن قول الحق أو يخاف من الطغاة فيسكت، وقد يكون آثما بسكوته وربما يكون معذورا عند الله، ولكن لا يجوز له أن يتكلم بالباطل إرضاء للولاة، روى أحمد في مسنده (14441) وصححه الأرناؤط والألباني عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لكعب بن عجرة: " أعاذك الله من إمارة السفهاء"، قال: وما إمارة السفهاء؟، قال: " أمراء يكونون بعدي، لا يقتدون بهديي، ولا يستنون بسنتي، فمن صدقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم، فأولئك ليسوا مني، ولست منهم، ولا يردوا علي حوضي، ومن لم يصدقهم بكذبهم، ولم يعنهم على ظلمهم، فأولئك مني وأنا منهم، وسيردوا علي حوضي" وهذا الحديث مشهور جاء عن عدة من الصحابة منهم: كعب بن عجرة وعبد الله بن عمر والنعمان بن بشير وحذيفة وخباب بن الأرت رضي الله عنهم وكلها في مسند أحمد. هذا؛ وقد كان بعض السلف يتكلم عند الولاة الظلمة بكل جرأة ويبيع نفسه لله ولا يخاف في الله لومة لائم، وكان بعضهم لا يقوى على ذلك، وفي الحديث الصحيح: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير"، وإليكم بعض الأخبار السياسية المتنوعة من سير السلف رضي الله عنهم وهي نافعة جدا لمن تأملها: 1- قال الإمام ابن جرير الطبري في تفسيره (6/658-659):حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن ابن عون، عن الحسن: أن ناسا، لقوا عبد الله بن عمرو بمصر، فقالوا: نرى أشياء من كتاب الله أمر أن يعمل بها، لا يعمل بها، فأردنا أن نلقى أمير المؤمنين في ذلك؟ فقدم وقدموا معه، فلقيه عمر رضي الله عنه، فقال: متى قدمت؟ قال: منذ كذا وكذا قال: أبإذن قدمت؟ قال: فلا أدري كيف رد عليه، فقال: يا أمير المؤمنين، إن ناسا لقوني بمصر، فقالوا: إنا نرى أشياء من كتاب الله تبارك وتعالى أمر أن يعمل بها ولا يعمل بها، فأحبوا أن يلقوك في ذلك. فقال: اجمعهم لي. قال: فجمعتهم له - قال ابن عون: أظنه قال في نهر - فأخذ أدناهم رجلا، فقال: أنشدكم بالله وبحق الإسلام عليك، أقرأت القرآن كله؟ قال: نعم قال: فهل أحصيته في نفسك؟ قال: اللهم لا. - قال: ولو قال: نعم لخصمه -. قال: فهل أحصيته في بصرك؟ هل أحصيته في لفظك؟ هل أحصيته في أثرك؟ قال: ثم تتبعهم حتى أتى على آخرهم، فقال: ثكلت عمر أمه، أتكلفونه أن يقيم الناس على كتاب الله؟ قد علم ربنا أن ستكون لنا سيئات. قال: وتلا: ﴿ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا ﴾ هل علم أهل المدينة؟ أو قال: " هل علم أحد بما قدمتم؟ قالوا: لا. قال: لو علموا لوعظت بكم ". 2- قال الإمام محمد بن نصر المروزي في كتاب تعظيم قدر الصلاة (1064):حدثني أبو بكر أحمد بن منصور الرمادي قال: حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا جعفر بن سليمان، قال: حدثنا معلى بن زياد، قال: لما كان من قتال يزيد خشيت أن أوخذ ففررت، وتنكبت حلقة الحسن مخافة أن أوخذ فيها، فأتيت منزله فدخلت عليه، فقلت: يا أبا سعيد كيف هذه الآية؟ قال: أية آية؟ قلت: قول الله تعالى: ﴿ وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ إلى قوله: ﴿ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ قلت: يا أبا سعيد سخط الله تعالى على هؤلاء لقولهم الإثم وأكلهم السحت، وذم قراءها حين لم ينهوا، فقال: ﴿ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ فقال الحسن: "يا عباد الله إن القوم عرضوا بالسيف فحال السيف دون الكلام"، فقلت: يا أبا سعيد فهل تعرف لمتكلم فضلا؟ فحدث الحسن بحديثين بحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يمنعن أحدكم رهبة الناس أن يقول بحق إذا رآه أو شهده فإنه لا يقرب من أجل، ولا يباعد من رزق أن يقال بحق" وحدث بحديث آخر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس لمؤمن أن يذل نفسه" قيل: يا رسول الله وما إذلاله لنفسه؟ قال: "يتعرض من البلاء ما لا يطيق" قلت: يا أبا سعيد، يزيد الضبي ومقامه وكلامه فقال الحسن: " إنه لم يخرج من السجن حتى ندم على مقالته، فقمت من مجلسي فأتيت يزيد فسلمت عليه وقلت: إني كنت عند الحسن آنفا فذكرتك له فقال الحسن: فقلت: نعم حتى نصبتك له نصبا قال: فما قال؟ قلت: قال: أما إنه لم يخرج من السجن حتى ندم على مقالته، فقال يزيد: ما ندمت على مقالتي، وأيم الله لقد قمت مقامات خاطرت فيه بنفسي وما لقيت من إخواني أشد علي من مقامي عندي، إن طائفة منهم قالوا: مراء، وقالت طائفة أخرى: إني مجنون ثم حدث يزيد فقال: أتيت الحسن فقلت: يا أبا سعيد قد غلبنا على كل شيء، وعلى صلاتنا تغلب؟ ثم قال الحسن: يا عبد الله إنك لن تضيع شيئا إنما تعرض نفسك لهم، ثم أتيته مرة أخرى فقال لي مثل ذلك، ثم أتيته مرة أخرى فقال لي مثل ذلك، فقمت يوم الجمعة والحكم بن أيوب يخطب الناس وكان ختن الحجاج وابن عمه، فقلت: الصلاة يرحمك الله الصلاة فما عدا أن تكلمت جاءوني يعدون من كل ناحية حتى أخذوا بلحيتي ورأسي وجعلوا يضربون وجهي وصدري وسكت الحكم، وجاءوني وفتح باب المقصورة ودخلت وقد ضُربت حتى أقاموني بين يديه وهو على المنبر فقال لي الحكم: أمجنون أنت؟! قلت: أصلح الله الأمير ما بي جنون، قال: أما كنا في صلاة؟ قلت: أصلح الله الأمير أليس أفضل الكلام كلام الله تعالى؟ قال: بلى، قلت: أرأيت لو أن رجلا صلى الغداة ثم نشر مصحفا فقرأ حتى يمسي لا يصلي بين ذلك أكان ذلك قاضيا عنه، فقال الحكم: والله إني لأحسبك مجنونا، قال: وأنس والله لجنب المنبر جالس فناديت: يا أنس يا أبا حمزة أذكرك الله فإنك رجل من الأنصار، وخدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم أبحق قلت أم بباطل أبمعروف قلت أم بمنكر؟ فوالله ما أجابني بكلمة، قال: يقول الحكم: يا أنس قال: لبيك أصلحك الله قال: وقد كان ذهب ميقات الصلاة، قال: يقول أنس: قد بقي من الشمس بقية فقال: احبساه. وذهب بي إلى السجن وجاء إخواني والناس فشهدوا أني مجنون، فكتب فيّ إلى الحَجّاج أن رجلا من بني ضبة قام يوم الجمعة فتكلم وقد شهدت عندي الشهود العدول أنه مجنون، فكتب الحجاج إلى الحكم: إن كانت شهدت عندك العدول أنه مجنون فخل سبيله، وإلا فاقطع يديه ورجليه، واصلبه، فتُركت فمكثت ما شاء الله تعالى، ثم مات أخ لنا فصلينا عليه، ثم جلسنا نذكر الله تعالى فلا والله ما شعر إلا نواصي الخيل وإذا الحكم بن أيوب قد اطلع في الخيل، فلما رأوا سوادنا توجهوا نحونا فهرب كلهم، وتركت وحدي، وجاء الأمير حتى وقف علي فقال: ما كنتم تصنعون؟ قلت: أصلح الله الأمير أخونا هذا مات فدفناه، ثم قعدنا نذكر معادنا، ونذكر ربنا، ونذكر ما صار إليه أخونا فقال: ألا فررت كما فروا، قلت: أصلح الله الأمير ما يفر بي أنا أبرأ من ذلك، وآمن للأمير من ذاك، قال: فما رأيته عرفني، فقال عبد الملك بن المهلب وهو صاحب الحربة: أصلح الله الأمير أتدري من هذا؟ قال: من هذا؟ قال: هذا المتكلم يوم الجمعة، قال: والآن تعود تعرض لي إنما علي يجترئ خذاه فأخذت فضربني أربع مئة حتى ما أدري متى رفعني ولا متى ضربني وهو واقف ثم بعث بي إلى الحجاج فبعثني إلى الحبس فما زلت في الحبس حتى مات الحجاج". 3- روى الإمام مسلم في صحيحه عن طارق بن شهاب قال: أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان. فقام إليه رجل، فقال: الصلاة قبل الخطبة، فقال: قد ترك ما هنالك، فقال أبو سعيد: أما هذا فقد قضى ما عليه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان". 4- روى الإمام مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار؛ أن معاوية بن أبي سفيان، باع سقاية من ذهب، أو ورق بأكثر من وزنها. فقال أبو الدرداء: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ينهى عن مثل هذا إلا مثلا بمثل، فقال له معاوية: ما أرى بمثل هذا بأسا. فقال أبو الدرداء: من يعذرني من معاوية؟ أنا أخبره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويخبرني عن رأيه. لا أساكنك بأرض أنت بها. ثم قدم أبو الدرداء، على عمر بن الخطاب. فذكر ذلك له. فكتب عمر بن الخطاب، إلى معاوية: أن لا يبيع ذلك إلا مثلا بمثل وزنا بوزن. 5- لما توفي عبد العزيز بن مروان بمصر سنة أربع وثمانين عقد عبد الملك بن مروان لابنيه: الوليد وسليمان بالعهد، وكتب بالبيعة لهما إلى البلدان، وعامله يومئذ على المدينة هشام بن إسماعيل المخزومي. فدعا الناس إلى البيعة، فبايعوا، وأبى سعيد بن المسيب أن يبايع لهما، وقال: حتى أنظر. فضربه هشام ستين سوطا وحبسه، وكتب إلى عبد الملك يخبره بخلافه. ذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء. 6- ظهر جور بإفريقية، فوفد عبد الرحمن بن أنعم الإفريقي على الخليفة العباسي أبي جعفر مشتكيا، ثم قال: جئت لأعلمك بالجور ببلدنا، فإذا هو يخرج من دارك! فغضب، وهم به. ذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء. 7- قال الأوزاعي: لما فرغ عبد الله بن علي - يعني: عم السفاح - من *** بني أمية، بعث إلي فدخلت عليه، فقال: ما تقول في دماء بني أمية؟ فحدت، فقال: قد علمت من حيث حدت، فأجب. قال: وما لقيت مفوها مثله، فقلت: كان لهم عليك عهد. قال: فاجعلني وإياهم ولا عهد، ما تقول في دمائهم؟ قلت: حرام؛ لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث...)، الحديث. فقال: ولم، ويلك؟! وقال: أليست الخلافة وصية من رسول الله، قاتل عليها علي - رضي الله عنه - بصفين؟ قلت: لو كانت وصية ما رضي بالحكمين. قال: فما تقول في أموال بني أمية؟ قلت: إن كانت لهم حلالا، فهي عليك حرام، وإن كانت عليهم حراما، فهي عليك أحرم. فأمرني، فأخرجت. انتهى من سير أعلام النبلاء للذهبي باختصار (7/125) وعلق الذهبي على هذه القصة بقوله: قلت: قد كان عبد الله بن علي ملكا جبارا، سفاكا للدماء، صعب المراس، ومع هذا فالإمام الأوزاعي يصدعه بمر الحق كما ترى، لا كخلق من علماء السوء الذين يحسنون للأمراء ما يقتحمون به من الظلم والعسف، ويقلبون لهم الباطل حقا - قاتلهم الله - أو يسكتون مع القدرة على بيان الحق. محمد بن علي بن جميل المطري
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
جزاك الله خيراً
__________________
معلم اللغة الإنجليزية بالمرحلة الثانوية |
العلامات المرجعية |
|
|