اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > قصر الثقافة > القسم الأدبى

القسم الأدبى قسم يختص بنشر ما يكتبه كبار الشعراء والأدباءء والفلاسفة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 15-01-2014, 12:23 AM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 27,929
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor is a glorious beacon of lightaymaan noor is a glorious beacon of light
افتراضي الموسوعة الفلسفية العربية ( مقتطفات )


مقتطفات من
الموسوعة الفلسفية العربية




معهد الانماء العربى

رئيس التحرير : د. معن زيادة


آخر تعديل بواسطة aymaan noor ، 15-01-2014 الساعة 12:26 AM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 15-01-2014, 12:39 AM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 27,929
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor is a glorious beacon of lightaymaan noor is a glorious beacon of light
افتراضي

العلمانية

ليست العلمانية مذهبا فلسفيا ، بل مذهب قانونى – سياسى بالأولى ، و لكنها غير منقطعة الصلة بالفلسفة ، لأنها فى جانبها النظرى نتاج للنظر العقلى و لأنها فى جانبها العملى تنبثق عن جملة من الممارسات و الإشكاليات التى تتصل بالعلاقة بين الدين و الدولة ، بين السلطة الروحية و السلطة الزمنية ، و بالتالى و فى التحليل الأخير بين الثيولوجيا و الانثروبولوجيا ، أى بين الالهيات و الانسانيات .
و العلمانية بالعربية لفظة مستحدثة كمقابل لكلمة Laîcite أو Laicisme بالفرنسية و كلمة Laicite مشتقة من اليونانية Lai*** و من اللاتينية المتأخرة Laicus التى تعنى العامى أو ابن الشعب أى المدنى غير المتعلم ، و ذلك فى مقابل كلمة Clere التى كانت تطلق على رجل الدين لأنه كان وحده المتعلم عمليا فى القرون الوسطى ، و أول من استحدث كلمة علمانية بالعربية هو الياس بقطر واضع المعجم الفرنسى – العربى الصادر عام 1828 ، على أن الكلمة لم تأخذ طريقها الى الانتشار الواسع الا بعد قرن و نيف من الزمن ، و قد فرضت نفسها لأول مرة على معجم عربى – عربى هو المعجم الوسيط الصادر عن مجمع اللغة العربية فى مصر فى أواخر الخمسينات من القرن العشرين .
و خلافا للاعتقاد الشائع ، فإن كلمة علمانية غير مشتقة من العلم ، بل من العالم ، و على هذا فإن العلمانى هو من ينتسب الى العالم أو العالمين أى الناس ، فى مقابل الربانى المنسوب الى الرب ، و بذلك يكون الاشتقاق العربى المستحدث مطابقا للاشتقاق اليونانى – اللاتينى لكلمة Laΐs . و لكن ليس من قبيل الصدفة أن تذهب الأذهان الى العلم عند ذكر العلمانية ، فما ذلك لتشابه فى اللفظ فحسب ، بل كذلك للصفة المضمونية ، فـ العلمانى هو بالإجمال من يأخذ بالتصور العلمى للعالم فى مقابل التصور الدينى .
و أذا كانت الألفاظ تفهم بأضدادها ، فإن نقيض العلمانى هو الأكليريكى Clerical ، أى ماينتسب الى الاكليروس ، و هم طبقة رجال الدين ، أو من يناصر الإكليريكية ، و هى مذهب يقول بضرورة تدخل رجال الكهنوت فى الشئون العامة .
و استحداث لفظة العلمانية فى القرن التاسع عشر و فى سياق من الترجمة المعجمية يعنى أن المشكلة لم تكن مطروحة فى ظل الحضارة العربية الاسلامية التى مااحتاجت بالتالى الى نحت المفهوم . و الواقع أن إشكالية العلمانية هى تاريخيا إشكالية غربية ، و فى المقام الأول فرنسية . ففى فرنسا صيغ المفهوم لأول مرة ، و فى فرنسا أيضا عرف الصراع بين الدولة و الكنيسة أكثر أشكاله ضراوة ، و فى فرنسا أخيرا تطور ، عبر فلسفة الأنوار وورثتها ، فكر فلسفى معاد للدين أو لرجاله أو لكليهما معا .
و من الممكن القول إن المسيحية هى التى أعطت للعلمانية فرصة رؤية النور . فعل الرغم من أن الكنيسة مارست هيمنة شبه مطلقة على الدولة بدءا من تنصر الإمبراطور قسطنطين و على امتداد الألف سنة التى تتألف منها العصور الوسطى ، فإن المسيح يمكن أن يعد هو الزارع الأول لبذرة العلمانية عندما دها على نحو لايحتمل التباسا الى الفصل بين السلطتين الزمنية و الروحية بقوله : " أعطوا ما لقيصر لقيصر ، و لله ما لله " .
و ابتداء من عصر النهضة حدث مايشبه الإنقلاب فى العلاقة بين الكنيسة و الدولة . فبعد أن كانت الأولى هى التى تسعى باستمرار الى استتباع الثانية ، صارت الدولة ، و بخاصة من خلال المونارشيات أو الحكومات الملكية المركزية القوية ، هى التى تتطلع الى استتباع الكنيسة و ربطها بعجلة مصالحها . و مع الإنشقاق البروتستانتى الكبير ظهرت إمكانية قيام كنائس قومية ، أى كنائس مستقلة عن الزعامة المركزية البابوية و تابعة للأمير المحلى . و فى فرنسا بالذات ، و بعد الصدام الكبير فى مختتم القرن الثالث عشر بين فيليب الجميل ، ملك الفرنسيين ، و بين بونيفاسيوس الثامن ، بابا روما ، تطور فى عهد شارل السابع ثم فى عهد لويس الرابع عشر المذهب الانجليكانى و هو المذهب الذى يقر لكنيسة فلرنسا باستقلال نسبى عن الكرسى البابوى ، و لملوك فرنسا باستقلال مطلق فى المجال التشريعى الزمنى . و هكذا ما كان لفكرة فصل الدولة عن الكنيسة أن ترى النور لا فى القرن السادس عشر و لا فى القرن السابع عشر ، إذ ماكان للدولة أن تبتر نفسها بنفسها بعد أن أضحت الكنيسة عضوا من أعضائها . و فى الواقع كان لابد من إنتظار أواسط القرن الثامن عشر حتى تنفجر ، من خلال فلسفة الأنوار ، نزعة ضاربة فى عدائها للاكليريكية لا على الصعيد النظرى فحسب ، بل كذلك على الصعيد العملى من خلال الإجراءات القانونية و الاقتصادية التى اتخذتها الثورة الفرنسية ضد الكنيسة و السلك الكهنوتى . و من وجهة نظر فلسفية خالصة وجدت الأيديولوجيا العلمانية أو المعادية للأكليريكية خير ناطقين بإسمها فى أشخاص مفكرين مشاهير من أمثال روسو ، داعية الدين الطبيعى ، و فولتير الذى نذر نفسه و فكره لمحاربة النذل ، و الموسوعيين مونتسيكو و ديدرو و دالميير الذين جعلوا من المادة مبدأ أول و من الانسان ، لا الله ، مركز الكون .
و بالمقابل ، و باستثناء مرحلة عامية باريس القصيرة الأمد ، خفت على امتداد القرن التاسع عشر ضجيج النزعة المعادية للاكليريكية . و لكن مع استقرار الجمهورية الثالثة ابتداء من عام 1879 عادت العلمانية تفرض نفسها ، و فى شكل سياسى هذه المرة . فقد باتت الغالبية فى البرلمان للعلمانيين ، و أمكن بالتالى اصدار سلسلة من القوانين وضعت حدا شبه نهائى لتدخل الكنيسة فى الشئون العامة و كفت يدها فيما يتعلق ، بوجه خاص ، بالتعليم و قانون الأحوال الشخصية ، مما استتبع قطع العلاقات الدبلوماسية مع الفاتيكان سنة 1904 على أنه كان لابد من انتظار قيام الجمهورية الرابعة فى عام 1945 ليكرس الدستور الفرنسى بصورة نهائية علمانية الدولة ، أى لاطائفيتها و حيادها فى موضوع الدين .
و بالإضافة الى فرنسا فإن أسبق الدول الأوروبية الى اعلان علمانيتها كانت أسبانيا فى ظل الحكم الجمهورى بين 1868 و 1676 . أما فى أمريكا ، فعل الرغم من الطابع الليبرالى و العقلانى لإعلان استقلال الولايات المتحدة فى عام 1776 ، فإن المكسيك كانت هى السباقة الى التكريس العلنى لعلمانية الدولة منذ أواسط القرن التاسع عشر . كما كانت تركيا فى عهد مصطفى كمال أتاتورك هى أول دولة اسلامية تتبنى العلمانية . و بالمقابل ، فإن الدولة اليهودية الوحيدة فى العالم ، نعنى اسرائيل ، ماتزال بين سائر دول العالم أكثرها طائفية لأنها جعلت من الدين نفسه قومية و لم تتخذ لنفسها دستورا لأن أى دستور معناه الحد من سلطة التوراة والشريعة الموسوية . و باستثناء الدول الاشتراكية ، فإنه يندر اليوم أن نقع على دول أو دساتير علمانية خالصة . فالقانون الأساسى لجمهورية ألمانيا الاتحادية ( الغربية ) ، و الصادر فى عام 1949 ، يؤكد مثلا أن " الشعب الألمانى واع لمسئوليته أمام الله " . و دساتير النرويج و السويد لا تبيح أن يكون رئيس الدولة غير بروتستانتى ، كما لايبيح دستور انكلترا أن يكون الملك غير انجليكانى . كذلك فإن دساتير بعض الدول العربية و الاسلامية التى أخذت بالحداثة تشترط أن يدين رئيس الدولة بدين الاسلام ، كما تنص على أن الشريعة الاسلامية هى مصدر رئيسى أو المصدر الرئيسى للتشريع ، أما سويسرا التى لاتزال تعمل بدستورها الاتحادى الصادر عام 1874 ، فلاتزال أقرب الى الغاليكانية منها الى العلمانية ، و تنتصر بالتالى لمبدأ سيطرة الدولة على الكنيسة ، بالإضافة الى قوانين يعض كانتوناتها تتضمن مواقف تمييزية ازاء بعض الطوائف أو الجمعيات الدينية ، و ذلك هو أحد الأسباب التى جعلت سويسرا تمتنع حتى الآن عن التصديق على الاعلان العالمى لحقوق الانسان ، الصادر عام 1948 . و حتى الدول الاشتراكية لايمكن أن تعتبر علمانية خالصة ، لأن قوانين بعضها تلزم الدولة أو أجهزتها بالقيام بالدعاية الالحادية ، مما يخل بمبدأ اساسى من مبادئ العلمانية ، ألا و هو حيادية الدولة فى موضوع الدين
و بالفعل ، اذا كانت العلمانية تعنى ، فى المقام الأول ، عدم كفاءة الكنيسة فى الشئون العامة و المجال الزمنى ، فإنها تتضمن بالمقابل عدم كفاءة الدولة فى المجال الروحى ، فالحرية الدينية شرط أول و مطلق ، و بانتفائه تنتفى العلمانية من أساسها . و الدولة العلمانية ليست دولة لادينية ، بل هى دولة لاطائفية . ليست هى الدولة التى تنكر الدين ، بل هى الدولة التى لاتميز دينا على دين ، و لاتقدم أبناء طائفة على أبناء طائفة أخرى ، و لاتخص بعض وظائف الدولة بأبناء طبقة بعينها دون سائر الوظائف .
هذا من الناحية القانونية ، أما من الناحية الفلسفية و المعرفية ، فإن أقصى ماتعنيه العلمانية ليس الإلحاد أو نفى وجود الله بل " تأسيس حقل معرفى مستقل عن الغيبيات و الافتراضات الإيمانية المسبقة " ، أى مستقل عن المرجعيات التى تعطى نفسها حق تنظيم العلم و تضع لحرية الفكر حدودا تتنافى مع ماهية الفكر بالذات من حيث أنه لايقبل الحد . و بكلمة واحدة ، إن العلمانية ليست نفيا للإعتقاد ، بل هى تحرير له من القيود و الإكراهات الخارجية . ولا غرو بالتالى أن يكون الفكر الدينى الحديث قد عرف فى ظل العلمانية تطورا فى العمق ما أتيح له أن يعرفه فى ظل الأنظمة الثيوقراطية . فقد استعاد الدين بعده الداخلى بعد أن كان تقلص ، فى ظل الثيوقراطيات الآفلة ، الى مجرد طقوس خارجية
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 15-01-2014, 12:40 AM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 27,929
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor is a glorious beacon of lightaymaan noor is a glorious beacon of light
افتراضي

العلمانية فى الفكر العربى
يرتبط مفهوم العلمانية ارتباطا شديدا بالفكر الغربى ، و قد ظهرت الفكرة اثر الدعوات التى انطلقت منذ أواسط القرن السادس عشر ، و بعد الصراع الناشئ بين الكنيسة الكاثوليكية المسيطرة آنذاك على الحياة الدينية و على الحياة السياسية ، و بين الحركات البروتستانتية التى اعتبرت بمثابة اصلاح على المستويين الدينى و السياسى ، و من ضمن هذه الدعوة كان التوجه لتحقيق نوع من الاصلاح يحقق فصلا بين الدين و السياسة ، و اعتبار الدين علاقة ايمانية بين الانسان و خالقه ، و ذلك من أجل ضرب نفوذ الكنيسة القوى و اعتبار السياسة طريقة تنظيم للحياة لا حاجة لها لرجال الدين . لكن سلطة الكنيسة ظلت مع ذلك قوية ، و كانت الثورة الفرنسية بمثابة أول تحقيق فعلى لهذه المبادئ ، إذ استطاعت الثورة أن تحد من سلطة رجال الإكليروس الذين مثلوا الدين فى السياسة من ضمن تحالفهم مع النبلاء ، و من ضمن نفوذهم فى البلاط . و قد استطاعت الثورة الفرنسية أن تقنن المبادئ الليبرالية التى قامت عليها و أن توجد إطارا للعلمانية التى لم تقتصر على الحد من سلطة رجال الدين بل تعدت ذلك الى علمنة قوانين الدولة ، و إقرار فصل نهائى بين السلطة الدينية و السلطة السياسية ، فحل التشريع المدنى بدل الكنسى فى العديد من المجالات ، و لعل أهمها ميادين التعليم و الأحوال الشخصية و إقرار الزواج المدنى مع كل ما يرتبط بذلك من تغيرات إجتماعية و تربوية .
كانت مبادئ هذه الثورة من أولى الأفكار التى تسربت الى الشرق . و كان لها تأثيرها فى توجيه الأفكار الإصلاحية ، و منها الأفكار العلمانية . و لم يكن الاحتكاك بأفكار الثورة الفرنسية الاحتكاك الوحيد بين الشرق و الغرب ، فقد تم هذا الاحتكاك بأشكال مختلفة و ساهم فيه العديد من المصلحين فى مصر و سوريا و لبنان ، إن بزيارتهم لبعض عواصم أوروبا و تسجيل انطباعاتهم أو من خلال نشر هذه المبادئ فى الصحف و المجلات التى انتشرت مع مطلع القرن التاسع عشر و أسهمت الى حد بعيد فى نقل الأفكار و نشرها . يضاف الى ذلك حملة نابليون على مصر بما أعقبها من نشر مبادئ جديدة و إدخال اصلاحات بدت فريدة فى حينها ، يضاف الى ذلك بدء اتصال وثيق بين الشرق و الغرب ، فى تركيا وسط الدولة العثمانية و فى مصر وذلك من خلال تعزيز الجيش و تحديثه و إدخال أساليب جديدة فى التعليم ، كدراسة الحقوق و الهندسة و الطب و إرسال بعثات متكررة للإطلاع على الأفكار الجديدة الرائجة فى الغرب ، يضاف الى ذلك أيضا الاطلاع على الأساليب و النظم السياسية الديموقراطية التى سادت فى تلك الفترة و ابداء الإعجاب بها ، و قد نقلت بعض مواد هذه الدساتير وراجت الدعوات للإقتداء بها و الأخذ بما يتمشى مع روح الدين الاسلامى و مع التطور الاجتماعى . و قد ساهم كل من رفاعة رافع الطهطاوى ، ( 1801 – 1873 ) ، و خير الدين التونسى ، ( 1810 – 1879 ) ، و هما من أوائل المصلحين فى نصيب من ذلك .
كذلك ساهمت الإصلاحات التى أقرت فى الدولة العثمانية ووضع دستور جديد يكفل حرية المواطنين و يضمن تساويهم بنصيب فى توفير جو للأفكار العلمانية الجديدة . و كذلك كان التأثر بالغا جدا بالتنويرين الأوروبيين ، من فولتير الى مونتسيكو و روسو و بعلماء الاجتماع على تعدد مذاهبهم من دارون الى سبنسر و دوركهايم و أوغست كونت و سواهم .
فى هذا الجو وبسبب الانفتاح على الغرب بدأت استجابة المثقفين و ذلك من ضمن اتجاهين متباينين . الإتجاه التقليدى ، الداعى الى أخذ موقف سلبى من الغرب بقيمه و علومه ، و الدعوة الى نوع من السلفية تكون بمثابة تحصين من الغرب . و الدعوة التحديثية التى اتخذت موقفا ايجابيا اتسم بالدعوة الى التكيف مع الأشكال السياسية و الاجتماعية الجديدة ، و الاستفادة من العلوم و الاكتشلفات التى اعتبرت سببا فى تقدم الغرب و رقيه و تفوقه . هذا الاتجاه الثانى يضعنا مباشرة أمام تيار الأفكار التى برزت فى هذه الفترة ، و التى ننسبها الى الاتجاه العلمانى ، ذلك أن الحركة الاصلاحية التى كانت تهدف كما قال الامام محمد عبده ( 1849 – 1905 ) ، و هو ليس من المفكرين العلمانيين ، الى تحرير العقل من قيود التقليد ، و كانت جميع الأنظار متجهة الى التفوق العلمى الذى اعتبر محك الأفكار الاصلاحية و غاية الاصلاح فى آن . و قد أدت الرغبة هذه الى بروز اتجاه عقلانى فى التفكير ، صحيح أنه لم يثمر فى البداية ، إلا أن هذا الاتجاه كان الممهد لتقبل اصلاحات سياسية أول الأمر و لتقبل الأفكار الراديكالية فى ميادين العلوم الاجتماعية و الأنثروبولوجية .
يمكن تقسيم العلمانيين العرب الى قسمين : علمانيون مسيحيون ، و علمانيون مسلمين ، و ذلك انسجاما مع الواقع التاريخى من جهة و تسهيلا للدراسة من جهة ثانية .

آخر تعديل بواسطة aymaan noor ، 15-01-2014 الساعة 12:43 AM
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 15-01-2014, 12:41 AM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 27,929
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor is a glorious beacon of lightaymaan noor is a glorious beacon of light
افتراضي

العلمانيون المسيحيون فى الثقافة العربية
فالعلمانية المسيحية هى التى قادها رجال فكر مسيحيون قد نشأت ضمن ظروف خاصة و تلبية لحاجات نفسية و اجتماعية و سياسية مختلفة عن الحاجات و الرغبات التى ظهرت فى العلمانية الاسلامية .
صحيح أن المحيط العام كان هو نفسه ، الشرق العربى الخاضع للسلطنة العثمانية ، الا أن النظرة لهذا المحيط قد أدت الى هذا التمايز . فالفكر المسيحى كان فى أحيان كثيرة يشعر بغربته عن هذا المحيط الشامل و يرتد الى البحث عن وطن أصغر ، فكانت سوريا مثلا بالنسبة لعدد منهم الوطن الذى يقابل الامبراطورية العثمانية ، و ذلك تعبيرا عن عدم استطاعة المفكر المسيحى القبول بوطن هويته الاسلام ، و ايمانا منه بوطن يكون الولاء فيه لا للدين بل للقيم الوطنية و الاجتماعية و الانسانية . و من هنا كان الطرح القومى عنوانا كبيرا نادى به عدد كبير من العلمانيين المسيحيين كبديل عن التوجه و الطرح الدينيين .
ماهى الخلفية الفكرية التى كانت وراء طروحات العلمانيين المسيحيين ؟ كان هؤلاء فى طليعة الفئات التى استطاعت و قبل سواها من المسلمين تحقيق بعض السبق فى تحصيل العلوم . و ذلك لأسباب أهمها انتشار التعليم فى أوساطهم بفضل ما استطاعت المدارس التى أسسها المبشرون و الارساليات الأجنبية . و كان نمط التعليم فى هذه المدارس مغايرا لما كان سائدا فى المدارس الدينية الاسلامية . إذ دخلت الأساليب الحديثة ، و كان تعليم اللغات ، الفرنسية و الانكليزية حافزا كبيرا مكن هؤلاء من الاطلاع على الفكر الغربى فى مصادره الأصلية . فتعمقت بذلك الصلة بين هؤلاء المفكرين و بين آخر النظريات الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية التى كانت أوروبا مسرحا لها فى تلك الفترات . إلى جانب إجادة اللغة الأجنبية ، أجاد العلمانيون المسيحيون اللغة العربية اجادة جيدة . و قد ذهب العديد منهم الى اعتبار هذه اللغة وحدها ، و دون الدين ، بمثابة الرابط الذى يجمع أبناء الوطن الواحد . فكانت اللغة عندهم من أهم مقومات القومية و الوطنية . فى مقابل وطنية تركية أو عثمانية أو أفغانية أو ماسوى ذلك . لذلك نجد أن عددا من العلمانيين المسيحيين قد اتجه نحو إحياء اللغة العربية و إبراز آدابها و فنونها . فكان أن ازدادت حركة التأليف فى هذه اللغة ووضعت القواميس و دوائر المعارف و أعيد التأليف فى أبواب أدبية تبرز طواعية اللغة و جمالها ، كالتأليف فى المقامات و الشعر و قواعد اللغة . رافق هذا النظام التعليمى ، اتجاه عقلانى جديد ليس اقله الاطلاع على العلوم الحديثة من علم اجتماعى بل تجاوزوا ذلك الى العلوم الصرفة كالرياضيات و الفيزياء و الطب . و بعضهم كان طبيبا بالفعل كالشميل مثلا . و قد فرض هذا الاتجاه إدخال أساليب جديدة فى طرق التعليم بحد ذاتها . أى أن ثمة اتجاها عقلانيا و علمانيا كان قد بدأ يشق طريقه فى هذه الأوساط مستندا الى النتائج العلمية و التقنية التى افرزتها النهضة الصناعية و ما رافقها من تطور فى العلوم و المعارف و من تقدم تقنى و مهنى .
أدت هذه الخلفية الى توثيق الصلة بين المفكرين المسيحيين و الغرب . فلم يعد الغرب مخيفا بالنسبة لهم بقدر ما صار عالما يجب الأخذ بقيمه و علومه ، و لم تعد الهجرة الى الغرب عامل سلب أو إغتراب و بعد ، كما كان بالنسبة لقرنائهم من المفكرين المسلمين . بل أصبحت الهجرة حافزا للتزود بالمزيد من العلوم و الفنون . الا أنه تجدر الاشارة الى أن العلمانيين المسيحيين لم يوجهوا مطلقا دعوة للالتحاق بالغرب من الناحية السياسية ، إذ أن دعوتهم قد اقتصرت على الحرص على وطن عربى فى معظم الأحيان ، و على إدخال قيم الحضارة الغربية و طرقها العلمانية . و لعل أقصى هذا الطرح قد تمثل بوطن مستقل علمانى تفصل فيه الدولة عن الدين فصلا كليا . و قد كان شعار معظمهم الدعوة لقومية عربية يكون الرابط فيها اللغة لا الدين . و تكون القيم السائدة فيها هى القيم الانسانية العالمية ، لا القيم الدينية . من هنا توجه هذا التيار العلمانى توجها اجتماعيا انسانيا ، و لم تكن النظرة الى التراث نظرة الى العصور الاسلامية و تطوراتها ، بل نظرة الى الأدب و قيمه الخالدة ، و الى هذا التراث كحضارة لا تاريخ صنعه الاسلام فى كل أبعاده . أى أن الاسلام كان بالنسبة لهم ذلك الاسلام الحضارى ( لا الدينى ) الذى أبدع فى كل المجالات . فى الآداب و العلوم و الفنون .
كذلك فرض هذا الاتجاه العلمانى نظرة تجديدية للمجتمع ترتكز على مقومات سياسية و معرفية جديدة . فالنظرة الاصلاحية التى رأت التجديد من خلال الدين ، إن من حيث تحديثه بفتح باب الاجتهاد مثلا ، أو من خلال الاقتداء به اقتداءا تاما و بعث عصره الذهبى ، أو كتلك الدعوات السلفية ، معظم هذه الدعوات بدت للعلمانيين المسيحيين نظرات حذرة و لسببين : السبب الأول أنها قد لاتعنيهم لأنهم ليسوا مسلمين ، و بالتالى لايستطيعون المساهمة من ضمن هذا الاطار . و السبب الآخر ، لقد رأوا فى مثل هذه الدعوات توجها نحو الماضى أكثر مما هو توجه مستقبلى . و بالتالى لابد من اختيار بديل . و البديل كان اللحاق بالتقدم الأوروبى و لذلك طريق واحد هو الطريق الذى سارت به اوروبا . إن الاصلاح يوجب تخطى الجمود الفكرى الحاصل و اللحاق بحركة الأفكار التى تفجرت فى الغرب و استطاعت أن تحدث تغييرا كبيرا فى بنية المجتمع بأنظمته و قوانينه . هذا الى جانب الصناعة المتقدمة و النظام السياسى الديموقراطى المتمثل بالحكومات الدستورية التمثيلية . لقد بدت مثل هذه المقومات بمثابة وحدة لا تتجزأ ، فالتقدم سببه العلم و اكتساب أداة معرفية جديدة لابد من استعارتها من الغرب الذى يملكها . لكن هذه الاستعارة قد ظلت فى اطار الأمنية ، لقد أدرك العلمانيون المسيحيون الحاجة لهذه العلوم كسبيل للدخول فى عالم الصناعة . لكن أداة نقل هذه العلوم لم تكن متوفرة كليا ، ثم أنه لايمكن نقلها بسرعة وبقوة . فلا بد من أرضية لذلك ، و للتدليل على عمق هذه الحاجة و مدى ضرورتها أكثرت الصحف و المجلات التى كانت حامل هذه الدعوات العلمانية من الإشارة الى معنى العلم متحدثة عن ضرورته و أفردت على الدوام أبوابا تقدم فيها آخر المبتكرات و الاكتشافات العلمية بأسلوب محبب مشوق و كأنه بشرى تزف للقراء . لقد بدت النظرة الى العلوم نظرة مفعمة بالإعجاب و التقدير و محملة بأبعاد إنسانية و فلسفية أكثر مما كانت دعوة عملية قابلة للتحول الى ممارسة توضع فى متناول الجميع . لم يكن المناخ الذى أطلقت منه هذه الدعوات مناخا خاصا للعلوم منفتحا عليها . و قد ترافقت الدعوة للأخذ بالعلوم مع الدعوة لإدخال الصناعة الحديثة . فبدون الصناعة لايمكن تحقيق قفزة نوعية فى الحياة و فى العلاقات الإجتماعية . الا أن هذا الادراك كان نظريا أكثر منه عمليا . إذ أن توجيه الدعوة لإدخال الصناعة لا يكفى دون تحقيق الأرضية التحتية لذلك . و هذا مالم يكن بمقدور الحركة العلمانية أن تؤمنه . لذلك عبرت هذه الحركة عن مجرد الوعى النظرى لضرورة التكيف مع الأوضاع الجديدة دون أن تتمكن فعلا من إيجاد أوضاع جديدة . على كل إن مثل هذه الأمور هى جزء من مشروع بناء الدولة ، و لم يكن العلمانيون المسيحيون فى الدولة ، باستثناء بسيط ، حتى يعملون على تحويل هذه الأمنيات الى مشاريع .
ترافقت هذه الدعوة بشقيها النظرى فى الأخذ بالعلوم ، و العملى بالدعوة للاستفادة من الصناعة مع الدعوة السياسية التى تنسجم معها . فالواضح أن هذه الدعوات كانت منسجمة مع التيارات الفكرية الفعلية السائدة فى أوائل القرن التاسع عشر ، باتجاهاتها الليبرالية العامة ، الداعية للتخلى عن أوهام الدين و التحرر من الخوف و التبعية . و قد توجت هذه الدعوات بالالتزام بالمبادئ السياسية التى ترافقت معها . من هنا نجد أن معظم العلمانيين المسيحيين قد دعوا لاعتماد نظام حكم سياسى ليبرالى تكون الأداة التمثيلية و الطرق الديموقراطية عماده الأول . و مثل هذه الأنظمة كانت السائدة فى بلدان أوروبا و أمريكا . و يتماشى هذا النظام مع التطلعات الانسانية الليبرالية أولا ، كما ينسجم أيضا مع موقع العلمانيين الاجتماعى . إذ ان معظم العلمانيين المسيحيين كانوا من أبناء الطبقة الوسطى . و هذه النظم كانت وليدة هذه الطبقة فى أولاوبا . لذلك لم يواجهوا فى تبنيها أى حرج . هذا أولا ، ثم أن هذه النظم كانت بوعى منهم أو بدون وعى ، البديل للحكومات التوتاليتارية التى يخضعون لها ، و نقدا غير مباشر أيضا لفكرة توحيد العالمين الدينى و السياسى طبقا لمبدأ الخلافة الإسلامية . فالدعوة السياسية الليبرالية بوجهها العملى كانت تعنى الفصل بين الزمنى و بين الروحى ، بين الدين و الدولة بالشكل الذى تحقق فيه ذلك فى أوروبا إذ حلت الدولة العلمانية مكان سلطة الكنيسة و مكان نفوذ رجال الدين .
انعكست هذه الأفكار على جملة من التوجهات التى ميزت الفكر العلمانى فى تلك الفترة . و لعل أبرزها قد تمثل فى خلق تيار علمانى ينادى بالتجديد و بالتغيير فى الحياة ، لا فى محاولة إصلاح و ترميهم بعض الأخطاء السابقة . لقد أدرك المصلحون العلمانيون ضرورة إحداث تغيير شامل على المستويات كافة ، متأثرين بذلك بما تم إنجازه فى الغرب ، و لذلك بدت محاولة العلمانيين محاولة لها طابعها الانسانى الشامل ، فكان مصدرهم أفكار المتنورين الأوروبيين و علماء الاجتماع أمثال اوغست كونت و سبنسر و داروين و سواهم .
إذا كانت العلمانية فى جوهرها و منطلقاتها دعوة لفصل الدين عن الدولة ، فإن التصورات السياسية هى من أهم التصورات التى أبرزتها هذه الحركة . ففى هذا الاطار طرحت شعارات القومية كسبيل لإحياء رابط جديد بديل عن الرابط الدينى . و قد ارتبطت الدعوة القومية بفكرة الوطن و الدعوة الوطنية . صحيح أن الطهطاوى كان السباق فى ذلك ، لكن فكرة الولاء للوطن قد ظلت بالنسبة له ملازمة للولاء للدين . أما مع العلمانيين المسيحيين فقد كان الدور الأول للغة لا للدين ، و الولاء للإدارة التى يجب أن تكون منبثقة عن الأمة بشكل ديموقراطى ، هكذا أبرزت فكرة الزطن و ظهرت الدعوات القومية التى تراوحت بين الدعوة للاستقلال التام ، بل الإنسلاخ عن الدولة العثمانية ، و بين تحقيق نوع من لا مركزية إدارية تتيح للمجموعات ( أو الأقليات ) إدارة شؤونها بذاتها . لقد ظهرت الوحدة الاجتماعية بديلا عن الوحدة الطائفية ، و كان ذلك بمثابة تعزيز لفكرة الوطن كما كان من جهة ثانية مقاومة للاستبداد الحميدى . و من أبرز ممثلى هذا الاتجاه القومى نشير الى بطرس البستانى 1819 – 1893 و أديب اسحاق 1851 – 1885 و نجيب عازورى الذى ألف بالفرنسية عام 1905 و انطون سعادة و سواهم . إلا أن التيار المتأخر من جيل القوميين و فى إطار السعى لتحديد معنى القومية كان أقرب للأخذ بتعريف أوسع لهذا المفهوم . فاللغة وحدها لاتكفى لتشكل رابطا قوميا ، و إحياء التراث الأدبى و اللغوى ليس كافيا من أجل تكوين رابط قومى عريض ، لأن الجزء الأكبر من هذا التراث له طابعه الدينى المميز ، و هذا ما أدركه كل من قسطنطين زريق و ادمون رياض ، و هما من دعاة القومية العلمانية ، على أن لايشكل ذلك خروجا على الدين الاسلامى ، فالدين الاسلامى يبقى الحاضن لهذا التراث ، حتى لو جرت التفرقة بين الأمور الدينية و الأمر الزمنية فى إطار كامل من العلمنة ، يظل الدين كحضارة عاملا موحدا ، إنه الجانب الروحى و الأخلاقى للحياة السياسية ، و لا علاقة للمحتوى المذهبى بالشأن السياسى .
كذلك حملت الأفكار العلمانية أفكارا جديدة فى ميادين الاجتماع و تنظيم الحياة ، فضلا عن إضفاء طابع فلسفى شمولى يشرح تطور الكائنات الحية . تعنى بذلك الأفكار الداروينية حول نظرية النشوء و الارتقاء التى دافع عنها شبلى شميل بقوة و *** . كما دافع يضا عن الاشتراكية التى اعتبرها مذهبا اجتماعيا قائما بذاته . حتى أنه عبر عن الاشتراكية بكلمة اجتماعية و هى مايرافق العمران . و الاشتراكية هى المذهب الذى يحقق المساواة بين الناس ، و بذلك تتحقق سعادتهم . و هذا هدف فلسفى بحد ذاته . و الى جانب الشميل نذكر بفرح انطون 1871 – 1922 الذى دعا الى اعتماد العلم فى كل الأمور حتى فى مجالات التفسير الدينى ، و قد استند الى ابن رشد 1126 – 1198 ، و أثارت كتاباته ضجة حين عارضها محمد عبده . كذلك آمن أنطون بالاشتراكية و دعا اليها حتى لو استعمل ال*** ، مع أن معظم العلمانيين السابقين قد دعوا الى التدرج فى الإصلاح . كذلك ساهم جرجى زيدان 1861 – 1914 ، فى التعريف بالمذاهب الاشتراكية من الفابية الى الماركسية . على العموم لقد نادى معظم هؤلاء المصلحين بإصلاح الدولة و بإصلاحها يتساوى الجميع ، و لذلك كان الإصرار على الدوام على الطابع الدستورى و التمثيلى للدولة ، حتى تتمكن من رفع المظالم و إقامة العدل و تحقيق المساواة .
أهم العلمانيين المسيحيين أديب اسحق 1856 – 1885 ، ناصف اليازجى 1800 – 1871 ، ابراهيم اليازجى 1847 – 1906 ، بطرس البستانى 1819 – 1893 ، جرجى زيدان 1861 – 1914 ، لويس شيخو 1859 – 1927 ، عيسى اسكندر المعلوف 1969 1956 ، يعقوب صروف 1852 – 1927 ، شبلى الشميل 1860 – 1916 ، فرح أنطون 1871 – 1922 ، سليمان البستانى 1856 – 1925 ، أمين الريحانى 1876 – 1940 .
لا يقتصر وجود العلمانيين على المسيحيين وحدهم ، صحيح أنهم كانو السباقين لطرح مواضيعهم ضمن هذا الاطار العلمانى بفعل أوضاعهم الاجتماعية و بفضل اطلاعهم على الأفكار الأوروبية التى احتضنت هذا الاتجاه ، لكن الصحيح أيضا أن ثمة تيارات عريضة من العلمانيين المسلمين قد شقت طريقها وسط فكر عصر النهضة متحدية بذلك الاتجاهات المحافظة والتقليدية ، فالعلمانية فى تحديدها وجوب الفصل بين الدين والدولة مثلت بالنسبة للمسلمين اشكالية من نوع خاص ووضعتهم مباشرة تجاه السلطة المتثلة بالخلافة ، أى باتحاد الدينى مع الدنيوى ، و اتجاه المصلحين الآخرين الذين كانوا فى الغالبية من علماء الدين و يملكون السيطلرة على المؤسسات الدينية الفاعلة كالأزهر مثلا .
وسيكون الحديث عن المسلمون العلمانيون هو موضوع المشاركة القادمة

آخر تعديل بواسطة aymaan noor ، 15-01-2014 الساعة 12:45 AM
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 15-01-2014, 12:42 AM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 27,929
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor is a glorious beacon of lightaymaan noor is a glorious beacon of light
افتراضي

العلمانيون المسلمون فى الثقافة العربية
بدأت الحركة العلمانية بين المسلمين بعيد الحركة السياسية التى قادتها حركة تركيا الفتاة . و قد تكونت فئات هؤلاء من عناصر مختلفة من مهنيين و مدرسين و أطباء و محاميين و تجار و ضباط جيش ، و قد تسنى للبعض منهم الدراسة فى مدارس حديثة إما فى مصر أو فى القسطنطينية أو فى الخارج و عادوا بانطباعات جديدة و تصورات جديدة . إلا أن الموقف من الغرب لم يكن دائما ايجابيا ، بل ان بعض العائدين قد عبر عن خيبة أمل قاسية و عن نقد عنيف يترجم عدم تكيفه مع الواقع الجديد .
إلا أن النتائج لم تكن جميعها رافضة ، فقد برز تيار عريض يتقبل الافكار العلمانية و يسعى الى ادخالها مجالات الحياة الاجتماعية والعلمية والسياسية . و لعل أهم هذه الدعوات التى ارتبطت بهذه الحركة كانت الدعوة المزدوجة الى المزيد من الحرية و الى المزيد من العلم . فقد أدرك العلمانيون المسلمون أن صراعهم هو صراع مزدوج . صراع منع الاستبداد الذى تمثله الدولة العثمانية بنظامها المطلق . و صراع مع الغرب الذى تمثلت قوته الأساسية فى تقدمه العلمى و الصناعى والتقنى . من هنا كانت الدعوة للاستزادة من العلوم و اطلاق التربية و تنظيمها من الدعوات العلمانية المبكرة سواء كانت دعوة عامة لما لدى عبد الرحمن الكواكبى 1849 – 1902 ، أو دعوة مبرمجة الى حد ما ، كما نجدها لدى قاسم أمين 1863 – 1908 الذى يعتبر من أوائل العلمانيين المسلمين ، و من رواد التربية الحديثة .
قاسم أمين ( 1863 – 1908 )
كان قاسم أمين جريئا و صاحب حس نقدى متميز ، و قد أدرك شأن سائر المتنورين الآخرين أن العلم هو السبيل الوحيد الذى يكفل تحقيق المساواة مع الغرب ، و العلم لايتحقق إلا من خلال منهج تربوى متكامل يشارك فيه كل أفراد المجتمع ، بما فى ذلك المرأة . . و لكى يشارك الجميع فى هذه العملية التربوية الشاملة لابد من مناخ معين تكون الحرية فيه البند الأول . الا أن هذه النظرة على بساطتها لابد لها أن تستند الى نظرة فى الاجتماع الانسانى ككل . و قد اختار قاسم أمين دراسة الظاهرة الاجتماعية دراسة كاملة ، و فى علاقاتها بالسياسة ، فلا يرى أن الأحداث تقع عبثا ، بل لابد لها من مسوغات أملت وجودها بالشكل الذى وجدت فيه . و قد آمن قاسم أمين بتطور المجتمع وفق قوانين معينة ، و كان منسجما مع مذهب سبنسر فى نظرته الى معنى الاجتماع الانسانى و فى تحديده للتطور والترقى وان لم يحدد هذه العبارات فى وضوح تام . و فى تحديده لمعنى الصراع الاجتماعى كان قاسم أمين أقرب لمذهب داروين من المذاهب الأخرى .
ترافقت دعوة قاسم أمين هذه مع دعوات مماثلة ، قال بها محمد عبده صديق قاسم أمين ، لكن دعوة قاسم أمين كانت أكثر برمجة و أكثر تحديدا ، إذ أدرك قاسم أمين أن العلم وحده هو الذى يحرر الانسان من الخوف و ذلك بتحرره من الجهل ، و هذا ما أشار اليه عبد الرحمن الكواكبى أيضا ، و التحرر يعنى تحقيق نوع من الحرية الفردية ، الحرية التى تمكن الانسان من التعبير عن معتقداته و مبادئه ونشر أفكاره دون إعاقة ودون معارضة ، انها تشبه ذك النمط من الحرية الليبرالية التى سادت أوساط المثقفين جميعا تقريبا فى مطالع القرن العشرين . اعتمد قاسم أمين الى جانب ذلك الى نقد الماضى معتبرا التقليد من جملة الأمراض التى تؤخر نمو المجتمع ، فتجعله يعيش فى الماضى عقلية و سلوكا . و رأى أن العلم و تطور المجتمع لابد أن يساعدا على فرز قيم إجتماعية و أخلاقية جديدة ، لذلك لايجب التمسك بقيم الماضى و يجب مواكبة الحضارة و الرقى و التقدم .
ساطع الحصرى ( 1880 – 1968 )
إن قاسم أمين ليس الا نموذجا معينا من العلمانية الاسلامية التى برزت آنذاك . و هو لم يكن النموذج الوحيد رغم تميزه ، و ذلك لتوسع المواضيع التى طرحتها هذه العلمانية . ففى اطار التفكير بالقومية يبرز اسم ساطع الحصرى 1880 – 1968 كممثل للقومية العلمانية ، بشكل تفوق فيه على الأجيال السالفة من العلمانيين المسيحيين . و قد وضع الحصرى نظرية منهجية منسجمة فى بحثه فى القومية العربية ، إذ أدرك و بتجربته أن الدين ليس ليس بالضرورة الرابط الأول الذى تقوم على أساسه القوميات . بل إن رابط اللغة والثقافة المشتركة والمتميزة عن ثقافات الجوار لمن أقوى الروابط و من أشدها لحمة . فهى التى صهر المجتمع و تجعل منه أمة واحدة و دولة واحدة . فالعرب أو الشعب العربى ، هم من يتكلم لغة واحدة حتى لو بدت هذه الأمة فى مرحلة من تاريخها مجزأة الى أوطان . فلابد أن تتحد هذه الأوطان ضمن أمة واحدة ، كذلك رفض الحصرى النظرية العرقية فى تكون القومية ، إذ لا وجود لأمة صافية العروق ، و بالتالى فالقومية لا تخلق الا ببث الوعى القومى و إبراز الروابط الروحية و الفكرية التى تتشكل منها القومية ، و أهم هذه الروابط التاريخ و اللغة . فباللغة يتوحد الشعور و يتوحد التفكير ، و التاريخ هو الذى يخلق نوعا من القرابة المعنوية تشد أبناء القومية الواحدة الى بعضهم بعضا . و التاريخ ليس تذكر أمجاد الماضى بقدر ماهو فعل من أجل المستقبل . إذ القومية ليست حلما رومانسيا بل عملا فى المحيط الذى تنشأ فيه . فقومية الحصرى و إن تشابهت مع قومية العلمانيين المسلمين من حيث النتائج إلا أنها كانت موضوعا مستقلا مشيعا بالدراسة و غنيا بالتفاصيل ، و لم تكن مجرد أمنية أو ردا على الحركات السياسية الأخرى كالعثمانية ، أو دعوة للانفصال عن الدولة الأم . بكل الأحوال لقد كانت هذه الدولة فى طريقها الى التفكك حين كانت أفكر الحصرى تشق طريقها . لذلك تبدو دعوته دعوة للتوحيد أكثر مما هى دعوة للاستقلال .
على عبد الرازق ( 1888 – 1966 )
و من الأسماء البارزة فى إطار العلمانية الاسلامية يطالعنا اسم على عبد الرازق 1888 – 1966 الذى يعتبر من أشد الأسماء بروزا لما التصق باسمه من ثورة اعتبرت فى حينها ثورة على الاسلام بالذات . و كان السبب فى ذلك وضعه لكتابه ( الاسلام و أصول الحكم ) الذى ألفه بعد اعلان النظام الكمالى فى تركيا ، فصل الدين عن الدولة و انهاء الخلافة رسميا . فظهرت محاولة على عبد الرازق بمثابة تبرير لهذه الدعوة و محاولة نظرية أراد من خلالها الإثبات أن الخلافة ليست ضرورية لأنها ليست من صلب الاسلام . و قد حاول على عبد الرازق إثبات ذلك بكل الوسائل ، و خاصة بالرجوع الى المصادر عينها التى استعملت سابقا لتبرير الخلافة ، أى بالعودة الى النص و الحديث و هما مصدرا كل تشريع فى الأساس . و قد أثبت أن ماجاء فى هذه المصادر من إشارات الى الخلافة لاتقوم كمبرر كاف لتسويقها . إذ أن الهدف من نظام الحكم هو تحقيق رفاهية المواطنين و تحقيق سعادتهم . فإن استطاع نظام سياسى آخر تحقيق ذلك كان نظاما محمودا ، و لا حاجة بعده للخلافة . أما فصل السلطة الدينية عن السلطة السياسية فيرى على عبد الرازق أن ذلك قد تحقق فعلا بعد وفاة الرسول . فرسالة النبى الدينية انتهت بوفاته ، و انتخاب أبى بكر كان سابقة أرست الحياة السياسية ، و مركز الخلافة كان سياسيا و لم يكن دينيا ، و إن تم بعد ذلك اللجوء الى تقديم الجوانب الدينية ، بل و تغليبها فلأسباب سياسية أهمها إضفاء مزيد من اللحمة على مجتمع كان التفكك يصارعه فى كل أجزائه ، فالخلافة لم تكن أكثر من منصب سياسى فرضته ظروف معينة ، و مع تغير كل ظرف يجوز أن تتغير الأشكال السياسية المرافقة له .
يؤدى ذلك بطبيعة الحال لنوع من فصل الدين عن الدولة ، و هذا ما ذهب إليه على عبد الرازق ، بل ما أكده فى كتابه معتبرا أن التشريعات المدنية التى تستند الى أحاديث نبوية يجوز تغييرها . فأحاديث النبى ليست معصومة كالنص القرآنى ، و قد أشار على عبد الرازق الى أحاديث متعددة أكد فيها الرسول على الطابع الزمنى أى الوقتى ، و بالتالى لابد من تغيير ذلك تبعا لتغير الأوقات كما أشار الى أحاديث لاتجنب الرسول من الخطأ . أما الأهم من ذلك فهو وجوب التمييز بين دور الرسول كنبى و دوره كقائد سياسى ، ثم ان الخلفاء أصدروا تشريعات جديدة استندوا فيها الى إجماع الصحابة و لم يقم أحد ضد ذلك . إذن ، إن مبدأ التجديد قائم فى الاسلام ، فلماذا لانجدد فى الحياة السياسية .
أثارت آراء على عبد الرازق عاصفة شديدة ، فحوكم و صودر كتابه و منع من مزاولة مهنته و من التعليم فى الأزهر ، و هو أحد شيوخه . و مع ذلك فآراؤه من أبرز الآراء العلمانية التى دعت فصل الدين عن الدولة و حاولت إثبات ذلك بالطرق المنهجية نفسها التى يستخدمها العلماء و المجتهدون فى وضع فتاويهم .
طه حسين ( 1889 – 1974 )
لم يكن تيار العلمنة القاضى بهذا الفصل التام بين الدين و الدولة قصرا عى الشيخ على عبد الرازق و إن كان من أكثرهم دقة و جرأة . فالدعوة هذه استمرت بعده وان إتخذت أشكالا أقل تماسكا . نشير هنا الى طه حسين 1889 – 1974 الذى شكك بأنماط الفكر التقليدية حتى فى كتاباته المبكرة . و لكن أشد الهجوم له نجده فى كتابه ( فى الشعر الجاهلى ) الذى شكك فيه بمعظم هذا الشعر معتبرا أنه من نسج شعراء لاحقين نسب الى الجاهلية لمزيد من الانتشار . اعتمد طه حسين أسلوب الشك الديكارتى و منهجية ديكارت التى تقضى بأن لايسلم الانسان بشئ حق مالم يبدو له بسيطا مقنعا و يقينيا . و قد يكون نقده للشعر محقا أو لايكون ، لو لم يوسع طه حسين دائرة شكه لطول قسما من مقدسات الدين الاسلامى . إذ أبدى شكا قويا فى بعض القصص الواردة فى القرآن الكريم ، و منها أيضا مايتعلق بوجود ابراهيم و ابنه اسماعيل و اليهما يعود العرب فى الأصل كما تورد التواريخ و الديانة الاسلامية بالذات . بل لقد رفض طه حسين قصة الحجر الأسود و هذا مايعتبر خرقا لأهم مقدسات الدين . و قد أثارت هذه الآراء ضجة قوية فتداعى العديد من الكتاب للرد على طه حسين ، حتى اضطر هو بالذات للاعتذار من الجامعة معلنا تمسكه بالاسلام و بأن آراءه محض أدبية و لا علاقة لها بالدين . و لكن طه حسين لم يتوقف بعد ذلك من الدعوة الى آراء تحديثية فى مجال الأدب أو فى مجالات الحياة السياسية و الاجتماعية ، بل لقد دعا الى ربط تراث مصر الحضارى بتراث البحر المتوسط داعيا الى مزيد من الإشراف الحكومى على التعليم بهدف رفعه و تطويره و تحديثه .
اسماعيل مظهر ( 1891 – 1962 )
من المساهمين الآخري فى نشر هذه الروح العلمانية ، يشار الى اسماعيل مظهر 1891 – 1962 صاحب مجلة العصور التى انبرت لنشر الآراء التحديثية و نشر العلوم و المبتكرات الجديدة . و كانت منبرا للدعوة الى إحياء حياة برلمانية حقة تعتمد الأسس التمثيلية الصحيحة . و قد حفلت المجلة بآراء نقدية جريئة طالت الفكر الدينى التقليدى و دعت الى خلق عقلية جديدة تقوم على الأخذ بالمبادئ الفلسفية و السياسية السائدة فى الغرب .
عبد الرازق السنهورى (1895 – 1964 )
أخيرا نشير الى ذلك النوع من العلمانية التشريعية ، الذى برز مع عبد الرازق السنهورى الذى اطلع على القوانين الاوروبية ، و على التشريع الاسلامى ، و قد عمل فى هذا المجال مشاركا فى وضع قوانين و دساتير متعددة خاصة فى العراق و فى مصر . إلا أن مايمتاز به السنهورى هو اعتماده الدمج بين التشريعات الدينية و القوانين الوضعية الأوروبية بهدف الاستفادة من أفضل مانجده فى التشريعات و فى القوانين . و تجربة السنهورى تجربة رائدة مازالت تلقى المزيد من الاهتمام .
أهم العلمانيين المسلمين : قاسم أمين 1863 – 1908 ، عبد الرحمن الكواكبى 1849 – 1902 ، ولى الدين يكن 1873 – 1921 ، محمد كرد على 1876 – 1953 ، شكيب أرسلان 1869 – 1945 ، رفيق العظم 1865 – 1924 ، أحمد لطفى السيد 1872 – 1963 ، محمد حسن هيكل 1888 – 1956 ، معروف الرصافى 1875 – 1945 ، صدقى الزهاوى 1863 – 1936 .
يضاف اليهم : ساطع الحصرى 1880 – 1966 ، طه حسين 1889 – 1974 ، اسماعيل مظهر 1891 – 1962 ، عبد الرازق السنهورى 1895 – 1964 .

*** انتهى ***

آخر تعديل بواسطة aymaan noor ، 15-01-2014 الساعة 12:47 AM
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
موسوعة ، فلسفة ، الانماء


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 09:24 PM.