#1
|
|||
|
|||
آثار الهزائم بين شمولية المنهج القرآني، وقصور غيره
آثار الهزائم بين شمولية المنهج القرآني، وقصور غيره تأتي غزوةُ أُحُدٍ بعد غزوة بدر، وقد ترتَّب على النصر المؤزر في بدر أمورٌ في غاية الأهمية والتأثير في المسيرة الإسلامية، بل وفي جزيرة العرب كلها، فقد ظهر المسلمون كقوة جديدة يُحسَب لها حساب، وثبت أنه قد صار للإسلام بجوار الكتاب الهادي سيفٌ ناصر؛ مما ترتب عليه دخولُ عددٍ كبير من الناس في الإسلام رغبًا ورهبًا، وعلى رأسهم رأس النفاق عبدالله بن أبي ابن سلولَ، وبالتالي لم يَعُدِ الصفُّ قاصرًا على المؤمنين الذين تربَّوا على المنهج الإيماني في الفترة المكية، وكذلك لعلَّه دخل نفوسَ البعض أن النصر إنما يأتي لأننا نحن المسلمون وعدوُّنا كافر؛ إذ النصرُ قد أتى بما يشبه المعجزة، فقد كان المسلمون أقلَّ من ثلث جيش الكفار، وعتادُهم لا يُقارَن بعتاد الكفار؛ إذ قد خرجوا أصلاً للعِير لا للنَّفير. فجاءت غزوة أُحُدٍ لتنفي عن الصف ما أصابه من دَخَنٍ، له أثر بالغ السوء في بناء الفرد والمجتمع إن ترك المؤمنون عليه، فكان ذلك التناولُ القرآني البالغ الروعة للغزوة في سورة آل عمران، والذي يبدأ بتذكيرهم أولاً بما جرى في غزوة بدر ليُقرِّر لهم ويُعِيد عليهم مصدر النصر وأسبابه الحقيقية، وأنه من عند الله عز وجل وحدَه وبتأييده: ﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾ [آل عمران: 126]، وأنه لا يتأتى إلا بأسباب واضحة؛ ﴿ بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ ﴾ [آل عمران: 125]، فالنصر من عند الله وحدَه، ولا يتأتى إلا بتحقيق التقوى والصبر، فإذا افتقد ذلك التصوُّر لمصدر النصر وأسبابه تغيَّرت النتيجة وتحوَّل النصر إلى هزيمة. وبينما يحدِّثنا القرآن الكريم عن غزوة أحد وغزوة بدر في سورة آل عمران، والذي بدأ بقوله - تعالى -: ﴿ وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [آل عمران: 121]، إذا بالسياق ينتقلُ للحديث عن الربا، والاستغفار من الذنوب، والنفقة، وذكر الله - عز وجل - ونحو ذلك من العبادات في قوله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 130] إلى قوله - تعالى -: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴾ [آل عمران: 135، 136]، فلعل البعض يتعجَّب من ذكرها في سياق الحديث عن المعارك والقتال، وتخفى عليه مناسبتها للسياق. ولكن الحقيقة أنها مناسبة تمامًا للسياق، إذا أخذنا في الاعتبار شمولية المنهج القرآني، والحكمة البالغة من ذلك السياق في تلك السورة، فسورة آل عمران سورة مدنية، وهذا لا يعني مجرَّد أنها السور التي نزلت بعد الهجرة النبوية، بل يعني أنها إحدى السور التي نزلت والمؤمنون بصددِ بناء المجتمع الإسلامي، ذلك المجتمع الذي سيكون منارةً ينتقل الإسلام منها إلى العالم كله، الإسلام الذي يبني الحضارة الإنسانية الحقيقية في ظلال العبودية لله. وذلك المجتمع الإسلامي، وتلك الحضارة الحقيقية، لا تنبني إلا بإنسان مسلم حقًّا، متحضِّر حقيقة في تصوراته وتوجهاته وسلوكياته، محقِّق للعبودية الكاملة لا بعضها، يعبدُ الله بكل حركاته وسكناته، لا بالصلاة والصيام والزكاة وغيرها من الشعائر فقط، هو الإنسان الذي يسير في الدنيا وعينُه على الآخرة، يتعامل مع البشر وهو يراقب ربه، ولا يفعل ذلك على سبيل المثالية، بل على أساس أن ذلك هو المنهج الذي لا يستقيم غيره، طالما ارتضى دين الله - عز وجل - ومنهجه، إنه وبمنتهى الاختصار (المسلم المحقق للتقوى). فكيفيتحصلذلكالإنسان؟ هذا الإنسان هو الذي بدأ القرآنُ صناعتَه في مكة، ويقوم الآن في المدينة بإتمام بنائه، وبه يصنع المجتمع الإسلامي، ومن ثَمَّ الحضارة الإنسانية في كل أرجاء الأرض. وفي ظل هذا التصور يمكنُنا التعرُّف ببساطة على سر ورود تلك التشريعات الخاصة بالمنع من الربا، والترغيب في النفقة، والاستغفار، ونحوها من التشريعات في سياق الحديث عن المعارك والقتال؛ إذ كلها تشريعات تصبُّ في صالح البناء المطلوب لإنسان الحضارة، ومجتمع نشر الحضارة، وكلاهما مَبنِيٌّ بالإسلام، ولذلك تكرر ذكر التقوى في كثير من الآيات في السياق؛ كقوله - تعالى -: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾، و﴿ بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ ﴾، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾، و﴿ وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ﴾، و﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾، و﴿ هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ ﴾. إن القرآن يصنع الإنسان المطلوبَ بتشريعاته كلها، لا بتشريع معين، يشرع له الطاعات المطلوبة فيقوم بها، ويصبر على التعبُّد بها، فتكون لَبِنةً من لَبِنات البناء الإيماني المرجوِّ لذلك الإنسان، ويشرع له ترك المعاصي فيمتنع عنها، ويصبر عنها، فتكون تلك لبنةً أخرى في ذلك البناء الإيماني، فالإيمان يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي. ويبتليه بالنصر ﴿ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ﴾، فيفرح به وتثبت أقدامه على الطريق والمنهج، ويرتفع إيمانه فتكون لبنة أخرى في البناء، ودافعًا لإيمان البعض في ظل الانتصارات. ويبتليه ببعض المصائب؛ ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾ فيصبر عليها، فتكون لبنة أخرى. ويبتليه ببعض الهزائم التي تبين ما في الأنفس من خبث مستقر فيها تحتاج لتنقيته كما في قوله - تعالى -: ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ * وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ﴾ [آل عمران: 142]، وتبيّن ما في الصف من منافقين يحتاج الصف لنفيِهم عن نفسه؛ كما قال - تعالى -: ﴿ وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ ﴾ [آل عمران: 141]، وتعدل تصورات بعض الناس في النصر والهزيمة، فلعلَّ بعضهم أصابه النظر للحسابات الدنيوية الأرضية لهما، وغير ذلك من التصورات - كما سبق - فيقول تعالى: ﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾ [آل عمران: 126]، ويرى الجميع أثر المعصية في تأخُّر أو منع النصر، كما في فعل فريق الرماة الذين عصَوْا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدم النزول من الجبل في كل الأحوال. بكل هذه الأحداث، وبكل التشريعات المعالِجة لها، يبني القرآن إنسانَ الحضارة الرباني؛ تمهيدًا لبناء الحضارة الإنسانية الربانية. وفي ظل تلك المنهجية في البناء لعل الهزيمة تكون أكثر فائدة من الانتصار، وهذا ما لعله حدث في غزوة أُحُد رغم ال***ى والجراحات؛ إذ النصرُ لعله يُصِيبُ النفس بالزهو والعجب، ويصيب الصفَّ الإسلامي بانضمام بعض المنافقين، بخلاف الهزيمة. إن المنهج القرآني لا يريد مجرَّد جمع أكبر عدد من المنتسبين للإسلام؛ لتكثير السواد، كلاَّ، فالعدد غير معتَبَر في طريق البناء المرجوِّ للحضارة الإنسانية الربانية، ولذلك في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يوشك الأمم أن تَدَاعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها))، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذٍ؟ قال: ((بل أنتم يومئذ كثير، ولكن غثاء كغثاء السيل، ولينزِعنَّ الله من صدور عدوِّكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوَهَن))، قال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: ((حب الدنيا وكراهية الموت)). فالفرد المصنوع على المنهج القرآني، المبني بناءً ربانيًّا، يعدِلُ أمَّة من التائهين الذين لا ينتمون للإسلام إلا انتماءً شكليًّا، ويمكن أن نستدلَّ لذلك أيضًا بقوله صلى الله عليه وسلم: ((ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط))، فالعدد (مائة شرط) لا قيمة له طالما أن الجوهر غير مستقيم، وغياب ذلك المنهج الرباني هو الذي أدى إلى ظهور أفراد مشوهين عقديًّا وعمليًّا، وهي نتيجة طبيعية لمناهج تدور بين التشوه والتحريف. فالبعض يتصوَّر أن بناء الإنسان على المنهج الرباني يكون بارتياد المساجد، وملازمة المصاحف، والنوافل، وقيام الليل، والصيام، ونحو ذلك من العبادات، وترك المعاصي والمنكرات؛ مما يؤدي إلى ظهور جيل متعبِّد لله - عز وجل - وبالتالي يكون جيلاً مستحقًّا للتمكين في الأرض، وربما استدلوا على ذلك بقوله - تعالى -: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ﴾ [النور: 55]، فيحصُرون (العمل الصالح) في العبادات المذكورة، خلافًا لشمولية المنهج القرآني. وحتى يخرج هذا الجيل المنشود، وهو الجيل الملتزم بالعبادات، مرتاد المساجد، الصائم، القائم، يرى هؤلاء أنه لا تفاعل مع الأحداث، وعليه، فكلما أراد الشباب التفاعل مع حدث من الأحداث رماهم بتعجل الثمار، والحماسة، والعاطفية التي لا تنضبط بضوابط الشرع، فلا مواجهة بينه وبين أعدائه، بل أحيانًا لا يعتبرهم أعداءً، فهم دائمًا عنده لا يقصدون عداوة الدين، بل هم يعادون فقط التصرفات الشخصية لبعض حملة الدعوة المخالفين لمنهجه الحكيم. وعليه فهو بين أيديهم كالميت بين يدي المغسل، فإذا أفسحوا له بعض المجال انتفش مختالاً، واعتبره نصرًا مؤزرًا نتيجة منهجه الحكيم، وإذا ضيَّقوا عليه بحث: هل اشتددت في شيء؟ هل لم أكن حكيمًا بالقدر الكافي (يقصد: هل لم أقدِّم تنازلات كافية)! ولا شك أن العبادة وملازمة الطاعات - المفروض منها والمسنون - ومجانبة المعاصي، من أعظم عوامل البناء، إلا أنه قد غاب عن هؤلاء حقيقة المنهج القرآني الواقعي الشامل في بناء الأمم. وخلاصةالأمر: أن المنهج الذي يجب أن يكون معتبرًا في التربية هو المنهج الذي وضعه القرآن، لا المنهج الذي يتصوره كل مربٍّ بحسب وجهة نظره. وأن المتأخِّرين لا يصلحهم إلا ما أصلح الأولين. وأنه لا بد وأن نستفيد من كل الأحداث حولنا - ومنها الهزيمة في بعض المراحل - فالهزيمة من أهم لبنات البناء في المنهج القرآني الشامل.
__________________
|
#2
|
|||
|
|||
يسلموو ع ـاْلمجهوود الرآائع يعطيك الف ع ـآْاْفيه عوآآفي ع الطرح يالغلااآـآ لآـاْ حرمنَآأ الإبدآع و ـاْلتميُز منكَـ كُلْ ـاآلشُكًرْ |
العلامات المرجعية |
|
|