اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > حى على الفلاح

حى على الفلاح موضوعات و حوارات و مقالات إسلامية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 06-12-2013, 12:44 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي مضار الفرقة في الكتاب والسنة


مضار الفرقة في الكتاب والسنة
والآثار المروية عن الصحابة رضي الله عنهم
ضرر الفرقة على الفرد المفارق

لقد جاء النهي الأكيد والتحذير الشديد من الفرقة، كما أن الله عز وجل توعد الساعي في تفريق الأمة، المفارق لجماعتها بالوعيد الشديد مما يلحق به الضرر البالغ، ومن ذلك:

أولا: الوعيد الشديد من الله تعالى لأهل الفرقة
لقد توعد الله سبحانه المفارق للجماعة المسلمة في نصوص عديدة، يقول الله تعالى: وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا [النساء: 115]
فمن سلك غير طريق الشريعة التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخالف ما اجتمعت عليه الأمة المحمدية ، وخالف طريق المسلمين فقد عرض نفسه للعقاب الشديد من الله عز وجل في قوله تعالى: نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا [النساء: 115] أي : إذا سلك هذه الطريق جازيناه على ذلك بأن نحسنها في صدره ونزينها له استدراجا له كما قال تعالى : فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [الصف: 5]
وجعل النار مصيره في الآخرة لأن من خرج عن الهدى لم يكن له طريق إلا النار يوم القيامة .
وقال الله عز وجل متوعدا المفارقين : ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِقِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [الأنفال: 13]
فهؤلاء الذين خالفوا الله ورسوله وساروا في شق وتركوا الشرع والإيمان واتباعه في شق، وشقوا العصا وجعلوها فرقتين ... فهؤلاء توعدهم بقوله: فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ هو الطالب الغائب لمن خالفه وناوأه، لا يفوته شيء ولا يقوم لغضبه شيء تبارك وتعالى لا إله غيره ولا رب سواه .
ويكفي أهل الفرقة أصحاب البدع وعيدا لهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم بريء، وهم منه برءاء. يقول الله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ [الأنعام: 159]
عن الحسن البصري قال: خرج علينا عثمان بن عفان رضي الله عنه يوما يخطبنا، فقطعوا عليه كلامه، فتراموا بالبطحاء، حتى جعلت ما أبصر أديم السماء، قال: وسمعنا صوتا من بعض حجر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فقيل: هذا صوت أم المؤمنين، قال: فسمعتها وهي تقول : ألا إن نبيكم قد برئ ممن فرق دينه واحتزب، وتلت: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ .
وعند الطبري أن أم سلمة قالت: ليتق امرؤ أن لا يكون من رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء، ثم قرأت: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ .
ولما كان هؤلاء المفارقون بريئين من محمد صلى الله عليه وسلم، ومحمد منهم بريء توعدهم الله فقال: إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ [الأنعام:159].
أي : أنا الذي إلي أمر هؤلاء المشركين الذين فارقوا دينهم وكانوا شيعا، والمبتدعة من أمتك الذين ضلوا عن سبيلك دونك ودون كل أحد، إما بالعقوبة إن أقاموا على ضلالتهم وفرقتهم دينهم فأهلكهم بها، وإما بالعفو عنهم بالتوبة عليهم والتفضيل مني عليهم, ويوم القيامة يجازي كلا منهم بما فعله في الدنيا، المحسن منهم بالإحسان، والمسيء بالإساءة كما قال: ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ .

__________________
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 06-12-2013, 12:47 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

ثانيا – تسويد الوجوه يوم القيامة
إن الفضيحة أن يأتي أهل الفرقة أصحاب البدع يوم القيامة وقد اسودت وجوههم عقابا لهم لما أحدثوه في دين الله وفرقوا به المسلمين، يقول الله تعالى: وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ [آل عمران: 105 – 106]
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيرها: "يعني يوم القيامة حين تبيض وجوه أهل السنة والجماعة، وتسود وجوه أهل البدعة والفرقة – قاله ابن عباس رضي الله عنهما" .

ثالثا – أن شذوذه عن الجماعة شذوذ إلى النار
هذا ما توعد به رسول الله صلى الله عليه وسلم المفارق للجماعة، فإن مفارقته هذه وشذوذه عن الصراط المستقيم إنما هو شذوذ إلى النار والعياذ بالله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لا يجمع أمتي على ضلالة، ويد الله على الجماعة، ومن شذ شذ إلى النار)).
بل إن هذا الذي خلع طاعة إمامه، وفارق جماعة المسلمين قد ارتكب إثما عظيما عند الله, ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((فمن خرج عن الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يرجع)) .
وقال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: "والله ما فارق رجل الجماعة شبرا إلا فارق الإسلام".

رابعا – إن المفارق يأتي يوم القيامة ولا حجة له
ولا يسأل عنه لسوء حاله، ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له))
وقال: ((ثلاثة لا تسأل عنهم: رجل فارق الجماعة وعصى إمامه ومات عاصيا، وأمة أو عبد أبق فمات، وامرأة غاب عنها زوجها قد كفاها مؤونة الدنيا فتبرجت بعده)) .

__________________
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 06-12-2013, 12:51 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

خامسا – الحرمان من الشرب من حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم
ما أشد عطش الناس يوم القيامة ؟! ومن أشد الحرمان أن يحرم العبد المسلم من أن يشرب من حوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم شربة لا يظمأ بعدها أبدا، ويخشى على المبتدعة المفارقين لجماعة المسلمين أن يكونوا ممن يحال بينهم وبين الشرب من الحوض .
ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إني على الحوض حتى أنظر من يرد علي منكم، وسيؤخذ ناس دوني، فأقول: يا رب مني ومن أمتي، فيقال: هل شعرت ما عملوا بعدك؟ والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم)) .
وقال صلى الله عليه وسلم : ((أنا فرطكم على الحوض، ليرفعن إلي رجالا منكم حتى إذا أهويت لأناولهم اختلجوا دوني، فأقول: أي رب، أصحابي، فيقول : لا تدري ما أحدثوك بعدك)) .

سادسا – الموت ميتة جاهلية
إن هذا المفارق للجماعة لو مات وهذا حاله فميتته ميتة جاهلية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات، مات ميتة جاهلية)).
ويقول صلى الله عليه وسلم: ((من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر، فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات فميتته جاهلية))
والمراد بالمفارقة : السعي في حل عقد البيعة التي حصلت للأمير ولو بأدنى شيء، فكنى عنها بمقدار الشبر لأن الأخذ في ذلك يؤول إلى سفك الدماء بغير الحق .
فهذا وعيد شديد لكل من يسعى لقلب الحكم وحل البيعة بسيفه بالإفساد كالتفجير والتهديد وال*** وإخلال الأمن، أو بلسانه بتأليب الناس على الإمام وتحريضهم للخروج عليه، فمن هذا شأنه ومات على ذلك فحال موته كموت أهل الجاهلية على ضلال وليس له إمام مطاع، لا أنه يموت كافرا بل يموت عاصيا .

سابعا – البعد عن التوبة، واستدراجه في معصيته
لقد حجب الله سبحانه التوبة عن صاحب البدعة المفارق للجماعة الخارج عن الصراط المستقيم، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله حجز - أو قال حجب - التوبة عن كل صاحب بدعة)) .
وعن يحيى بن أبي عمرو السيباني قال : "كان يقال: يأبى الله لصاحب بدعة توبة، وما ينتقل صاحب بدعة إلا إلى شر منه" .
وتصديق ذلك ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخوارج: ((يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، ثم لا يرجعون إليه حتى يرجع السهم إلى فوقه)) .
ولعل بيان سبب حجب التوبة عنه وبعدها منه في قوله صلى الله عليه وسلم بعد ذكر الافتراق المشهور وذكره لافتراق أمته قال: ((وإنه سيخرج في أمتي أقوام تجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله))
يقول الإمام الشاطبي رحمه الله شارحا ذلك: "وسبب بعده عن التوبة أن الدخول تحت تكاليف الشريعة صعب على النفس لأنه أمر مخالف للهوى، وصاد عن سبيل الشهوات، فيثقل عليها جدا لأن الحق ثقيل، والنفس إنما تنشط بما يوافق هواها لا بما يخالفه، وكل بدعة فللهوى فيها مدخل، لأنها راجعة إلى نظر مخترعها لا إلى نظر الشارع، فعلى حكم التبع لا بحكم الأصل مع ضميمة أخرى: وهي أن المبتدع لابد له من تعلق بشبهة دليل ينسبها إلى الشارع، ويدعي أن ما ذكره هو مقصود الشارع، فصار هواه مقصودا بدليل شرعي في زعمه، فكيف يمكنه الخروج عن ذلك؟ وداعي الهوى مستمسك بحسن ما يتمسك به, وهو الدليل الشرعي في الجملة .
ثم ما الذي يصده عن الاستمساك بمنهجه، والازدياد من رأيه، وهو يرى أن أعماله أفضل من أعمال غيره، واعتقاداته أوفق وأعلى؟ أفيفيد البرهان مطلبا؟! كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء [المدثر:31] .
وينبغي أن نعلم أن هذه النصوص لا تدل على أن لا توبة أصلا للمبتدع المفارق للجماعة، بل قد يتوب ويرجع إلى السنة والجماعة، وقد وقع، فالعموم في الحديث ليس عموما بإطلاق يقتضي الشمول، بل هو عموم عادي يقتضي الأكثرية .
وأغلب من تحجب عنهم التوبة، وتكون بعيدة المنال عنه : من قد أشرب قلبه بهذه البدعة، وأعجب برأيه وفعله، وظن أنه يتقرب بذلك إلى الله، فأخذ يدعو إلى بدعته وفعله، ويوالي ويعادي على ذلك، فهذا بحق يتجارى به الهوى كما يتجارى الكلب بصاحبه .
ولقد توعد الله سبحانه هذا المفارق للجماعة المعجب ببدعته توعده باستدراجه على عمله، قال تعالى: وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا [النساء: 115].
فهذا المفارق للجماعة السالك غير طريق الشريعة التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، المخالف سبيل المؤمنين يجازيه الله تعالى بأن نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى أي : نحسن فعله في صدره ونزينه له استدراجا له، وكما قال تعالى: وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [الصف: 5] .
__________________
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 06-12-2013, 12:54 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

ثامنا – عدم قبول العمل وإحباطه
إن هذا المفارق للجماعة، المحدث في دين الله، المخالف لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم عمله مردود عليه وإن ظن أنه حسن وصواب، أو كانت نيته حسنة فلا ينفعه ذلك ما دام أنه مخالف للسنة، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) ، فلا يقبل الله منه ما ابتدع وأحدث في دين الله فإنه ضلالة .
وقيل: إن صاحب البدعة لا يقبل منه عمل بإطلاق على أي وجه وقع، من وفاق السنة أو خلافها، قال ابن عمر رضي الله عنهما عن القدرية : "إذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم، وأنهم برآء مني، فوالذي يحلف به عبد الله بن عمر لو كان لأحدهم مثل أحد ذهبا فأنفقه ما تقبله الله منه حتى يؤمن بالقدر" .
وكذلك جاء عن عبادات الخوارج حينما ذكر من صلاتهم وصيامهم وعملهم الصالح قال بعد ذلك صلى الله عليه وسلم : ((يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية))
ويؤيد هذا القول ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((المدينة حرم من عائر إلى كذا، من أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل)) .
وذلك على رأي من فسر الصرف بالفريضة، والعدل بالنافلة، وهذا شديد جدا على أهل الإحداث في الدين .
وقيل: بل يرد عمله ولا يقبل إذا كانت بدعته أصلا يتفرع عليه سائر الأعمال، كما إذا ذهب إلى إنكار العمل بخبر الواحد بإطلاق، أو كانت بدعته تخرجه عن الإسلام، أو كان اعتقاده في الشريعة ضعيفا بأن يدعي أنها مكملة أو تابعة لرأيه وعقله .

تاسعا – الحرمان من شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم
ففي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((رجلان ما تنالهما شفاعتي، إمام ظلوم غشوم، وآخر غال في الدين مارق منه)) .

عاشرا – البعد عن رحمة الله، والوقوع في عذابه تعالى
إن أهل الفرقة بعيدون عن رحمة الله تعالى، إذ الرحمة تكون لأهل الاتفاق والائتلاف من الأمة، قال تعالى: وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [هود: 118-119]. فأهل الاختلاف المذكورين في الآية مباينون لأهل الرحمة ، معرضون لعذاب الله, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الجماعة رحمة، والفرقة عذاب))، فالفرقة وأهلها بعيدون عن رحمة الله، واقعون في عذاب، معرضون أنفسهم لعقوبته تعالى.
__________________
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 06-12-2013, 12:57 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

الحادي عشر – جواز *** المفارق المفرق للجماعة، وهدر دمه
لقد أجاز الشرع الحكيم *** المفارق لجماعة المسلمين الساعي لتفريقها إذا لم يندفع إلا بذلك، وما ذاك إلا لخطورة فعله على الأمة، بل وجعل دمه هدرا لا دية ولا قصاص فيه .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنه ستكون هنات وهنات ، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائنا من كان)). وقال أيضا: ((من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فا***وه)) .

الثاني عشر – تسلط الشيطان عليه وملازمته له
إن شأن كل معرض عن الحق، مقبل على هواه مخلد إلى دنياه, شأنه أن يكون وليا للشيطان، تابعا له، يقول الله عز وجل: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [الأعراف: 175-176].
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد)).
وقال أيضا: ((يد الله مع الجماعة، فإذا شذ الشاذ منهم اختطفته الشياطين كما يختطف الشاة ذئب الغنم)) .
فليحذر المفارق للجماعة، الساعي في تفريق كلمة المسلمين، والعامل على شق عصا الطاعة، فليحذر المفارق للجماعة، والساعي في تفريق كلمة المسلمين، والعامل على شق عصا الطاعة، فليحذر من استزلال الشيطان إياه، وتزيينه له عمله، وليعد إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وليلزم الصراط المستقيم، جماعة المسلمين، وليكن وليا من أولياء الرحمن، وليبعد عن حزب الشيطان.

الثالث عشر – إن صاحب البدعة الساعي للفرقة تنزع منه العصمة، ويبعد عن الرحمة، ويوكل إلى نفسه قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [آل عمران: 102 -103].
فأشعر أن الاعتصام بحبل الله هو تقوى الله حقا، وأن ما سوى ذلك تفرقة لقوله: وَلاَ تَفَرَّقُواْ والفرقة من أخس أوصاف المبتدعة لأنه خرج عن حكم الله وباين جماعة أهل الإسلام .
__________________
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 06-12-2013, 01:01 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

الرابع عشر – ما يلقى المفارق للجماعة من الذل في الدنيا والغضب من الله
قال تعالى : إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ [الأعراف: 152]. فالآية وإن كانت في شأن عباد العجل من بني إسرائيل، ولكن قوله: وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ عموم فيهم وفيمن أشبههم من حيث كانت البدع كلها افتراء على الله.
فكل من ابتدع في دين الله فهو ذليل حقير بسبب بدعته، وإن ظهر لبادي الرأي في عزه وجبروته فهم في أنفسهم أذلاء، وما العز الذي ينالوه إلا بسبب ملازمتهم للسلاطين واللوذ بأهل الدنيا، أما من لم يقدر على ذلك فهو ذليل مستخف ببدعته عن الجمهور . ومن ذلة أهل البدع والفرقة ما جاء في النهي عن توقيرهم ومجالستهم ومخالطتهم .

الخامس عشر – أن هذا المبتدع المفرق لجماعة المسلمين المفارق لصراطه المستقيم عليه إثم من عمل ببدعته
وسار على ضلالته إلى يوم الدين، فياله من إثم عظيم ووزر ثقيل؟! .
قال تعالى: لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ [النحل: 25].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعمل بها بعده كتب عليه مثل وزر من عمل بها ولا ينقص من أوزارهم شيء)) .

السادس عشر – أنه يخشى عليه فتنة وسوء الخاتمة
جاء رجل إلى مالك بن أنس رحمه الله وسأله: يا أبا عبدالله من أين أحرم؟ قال من ذي الحليفة من حيث أحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إني أريد أن أحرم من المسجد. فقال: لا تفعل، قال: فإني أريد أن أحرم من المسجد من عند القبر. قال: لا تفعل فإني أخشى عليك الفتنة، فقال: وأي فتنة هذه؟ إنما هي أميال أزيدها. قال: وأي فتنة أعظم من أن ترى أنك سبقت إلى فضيلة قصر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ إني سمعت الله يقول: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور: 63] .
وهذه الفتنة التي ذكرها مالك رحمه الله تفسير الآية هي شأن أهل البدع وقاعدتهم التي يؤسسون عليها بنيانهم، فإنهم يرون أن ما ذكره الله في كتابه، وما سنه نبيه صلى الله عليه وسلم دون ما اهتدوا إليه بعقولهم .
لذلك قال عبد الله بن مسعود لمن رآهم في المسجد يذكرون الله بطريقة جماعية قال لهم: "لقد أحدثتم بدعة ظلما أو قد فضلتم أصحاب محمد علما . وفي لفظ آخر: "لقد هديتم لما لم يهتد له نبيكم أو أنكم تمسكون بذنب ضلالة .
وأما ما يخاف عليه من سوء الخاتمة لأن صاحب البدعة الساعي في الفرقة مصر على ما نهى الله عنه، ومن مات مصرا على المعصية فيخاف عليه .
ويلخص الشاطبي ما تقدم ويزيد فيقول: "فاعلموا أن البدعة لا يقبل معها عبادة من صلاة ولا صيام ولا صدقة ولا غيرها من القربات، ومجالس صاحبها تنزع منه العصمة، ويوكل إلى نفسه، والماشي إليه وموقره معين على هدم الإسلام، فما الظن بصاحبها، وهو ملعون على لسان الشريعة، ويزداد من الله بعبادته بعدا؟! وهي مظنة إلقاء العداوة والبغضاء، ومانعة من الشفاعة المحمدية، ورافعة للسنن التي تقابلها، وعلى مبتدعها إثم من عمل بها، وليس له من توبة، وتلقى عليه الذلة والغضب من الله، ويبعد عن حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويخاف عليه أن يكون معدودا في الكفار الخارجين عن الملة، وسوء الخاتمة عند الخروج من الدنيا، ويسود وجهه في الآخرة، يعذب بنار جهنم، وقد تبرأ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرأ منه المسلمون، ويخاف عليه الفتنة في الدنيا زيادة إلى عذاب الآخرة .
__________________
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 06-12-2013, 01:06 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

ضرر الفرقة على المجتمع المسلم

إن ضرر الفرقة عظيم، وخطرها جسيم على المسلمين أجمع، ولعل القارئ لحظ معنا في الفصول الماضية كيف أن شرر الفرقة كان باديا، وضررها كان فاشيا ينهش في جسد الأمة، ومن هذه المضار:

أولا – تعطيل الجهاد في سبيل الله، وتسلط الأعداء على الأمة المسلمة
لقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بالجهاد في سبيله فقال عز من قائل: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [التوبة:73].
وقال سبحانه: انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [التوبة: 41]. ولقد جعل الجهاد ذروة سنام الإسلام التي يعلو بها الأمم، كما في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد)) .
ثم إن الذل والمهانة تقع على الأمة إذا تركت الجهاد في سبيل الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم)) .
يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "إن الجهاد باب من أبواب الجنة، فتحه الله لخاصة أوليائه، وهو لباس التقوى، ودرع الله الحصينة، وجنته الوثيقة، فمن تركه رغبة عنه ألبسه الله ثوب الذل، وشمله البلاء، وديث بالصغار والقماءة، وضرب على قلبه بالأسداد، وأديل الحق منه بتضييع الجهاد، وسيم الخسف، ومنع النصف ... فو الله ما غزي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا" .
إن الأمة القوية والدولة المتماسكة العاملة بأمر الله وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم هي التي تستطيع أن تقيم الدين وترفع علم الجهاد، ومتى ما شغلت الأمة بهمومها، وانصرفت الدولة إلى تسكين الثائرة بين أبنائها، وتوطيد حكمها، فهي مشغولة عن جهاد عدوها.
وحينما تنشغل الأمة بآلامها، وتضعف لتفرقها وتترك جهاد أعداء الدين، فلا ريب أن العدو يتربص بها، ويتسلط عليها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها، وأعطيت الكنزين: الأحمر والأبيض، وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة بعامة، وأن لا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم. وإن ربي قال: يا محمد إني إذ قضيت قضاء فإنه لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة بعامة، وأن لا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بأقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعضا، ويسبي بعضهم بعضا)) .
ومعنى الحديث: إن الله تعالى لا يسلط العدو على كافة المسلمين حتى يستبيح ما حازوه من البلاد. فالله لا يسلط الكفار على معظم المسلمين وجماعتهم وإمامهم ماداموا بضد هذه الأوصاف المذكورة في قوله: "حتى يكون بعضهم يهلك بعضا، ويسبي بعضهم بعضا. فأما إذا وجدت هذه الأوصاف فقد يسلط الكفار على جماعتهم ومعظمهم وإمامهم كما وقع .
فإن هذه الأمة لما جعل بأسها بينها تفرقت جماعتهم، واشتغل بعضهم ببعض عن جهاد العدو فاستولى .
وحاضر العالم الإسلامي برهان واقع، وتاريخها الماضي أصدق شاهد؛ أنه متى عز المسلمون دينهم، وأقاموا شرع الله تعالى، وامتثلوا أمره ونهيه علماء وأمراء وعامة، وائتلفوا واجتمعوا صفا واحدا ضد عدوهم فهم الأعلون الغالبون.
أما إذا ضعف الامتثال لأمر الشريعة، وتفرقت الأمة واشتغلت بقتال بعضها بعضا، فهنا يتسلط العدو ويغلب وينتصر.
يقول ابن كثير واصفا حال الخلافة الإسلامية من عز وجهاد عند اتحاد صف المسلمين في خلافة عمر وعثمان وواليه معاوية رضي الله عنهم للشام، فيقول: "ولم تزل الفتوحات والجهاد قائما على ساقه في بلاد الروم والفرنج وغيرها، فلما كان من أمره وأمر أمير المؤمنين علي ما كان، لم يقع في تلك الأيام فتح بالكلية، لا على يديه ولا على يدي علي، وطمع في معاوية ملك الروم بعد أن كان قد أخشاه وأذله، وقهر جنده ودحاهم، فلما رأى ملك الروم اشتغال معاوية بحرب علي؛ تدانى إلى بعض البلاد في جنود عظيمة وطمع فيه، فكتب معاوية إليه: "والله لئن لم تنته وترجع إلى بلادك يا لعين لأصطلحن أنا وابن عمي عليك، ولأخرجنك من جميع بلادك، ولأضيقن عليك الأرض بما رحبت". فعند ذلك خاف ملك الروم وانكف وبعث يطلب الهدنة.
ثم كان من أمر التحكيم ما كان، وكذلك ما بعده إلى وقت اصطلاحه مع الحسين بن علي فانعقدت الكلمة على معاوية، وأجمعت الرعايا على بيعته. فلم يزل مستقلا بالأمر في هذه المدة إلى هذه السنة التي كانت فيها وفاته؛ والجهاد في بلاد العدو قائم، وكلمة الله عالية،والغنائم ترد إليه من أطراف الأرض، والمسلمون معه في راحة وعدل، وصفح وعفو .
هذا هو حال أعداء الإسلام يتربصون بنا الدوائر، فما أن تحل الفرقة بين المسلمين حتى يثوروا ويغزوا بلاد الإسلام، يقول ابن كثير: "ثم دخلت سنة 70هـ فيها ثارت الروم واستجاشوا على من بالشام، واستضعفوهم لما يرون من الاختلاف الواقع بين بني مروان وابن الزبير، فصالح عبدالملك ملك الروم وهادنه على أن يدفع إليه عبدالملك في كل جمعة ألف دينار خوفا منه على الشام .
فالله المستعان، بعد أن كان ملك الروم يدفع الجزية للمسلمين، صار المسلمون يدفعون له ثمن سكوته وكفه عن بلادهم، فأي ضرر أشد على الأمة من تسلط أعدائها بسبب فرقتها واختلافها فيما بينها، فهل ينظر المسلمون إلى تاريخهم، ويتعظوا بأسلافهم، ويعودوا إلى الاجتماع صفا مرصوصا ويدا واحدة وجماعة متحدة، تعمل بكتاب ربها وتهتدي بسنة نبيها صلى الله عليه وسلم ضد عدوها؟ نسأل الله ذلك.
ويعطينا شيخ الإسلام ابن تيمية صورا عدة تظهر تسلط العدو الكافر على الأمة المسلمة حينما تتفرق وتختلف فيقول: "وبلاد الشرق من أسباب تسليط الله التتر عليها، كثرة التفرق والفتن بينهم في المذاهب وغيرها .
ويقول: "وفي دولة بني بوية ونحوهم كان منهم أصناف المذاهب المذمومة، قوم منهم زنادقة، ومنهم قرامطة كثيرة، ومتفلسفة، ومعتزلة، ورافضة، وهذه الأشياء كثيرة فيهم غالبة عليهم، فحصل في أهل الإسلام والسنة في أيامهم من الوهن ما لم يعرف، حتى استولى النصارى على ثغور الإسلام، وانتشرت القرامطة في أرض مصر والمغرب والمشرق وغير ذلك، وجرت حوادث كثيرة .
ويقول مبينا سبب هذا التسليط: "وهذا التفريق الذي حصل من الأمة – علمائها ومشايخها وأمرائها وكبرائها- هو الذي أوجب تسلط الأعداء عليها، وذلك بتركهم العمل بطاعة الله ورسوله كما قال تعالى:
وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ [المائدة: 14] .نعم، إن الله يعاقب الأمة المسلمة حينما تعصيه, ويعذبها بما يدب بينها من فرقة وتناحر حينما تتهاون في العمل بكتابها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم، فهل من عودة إلى الدين والعمل به؟ ليعود للأمة مجدها وسيادتها
__________________
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 06-12-2013, 01:09 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

ثانيا- ذهاب قوة المسلمين
إن من مضار الفرقة الجسيمة والتي تقع على الأمة ما يحدث بسببها من ذهاب قوة المسلمين: القوة المعنوية، والقوة المادية، لما تسببه الفرقة من تناحر وتقاتل بين الجماعات المسلمة كما في الحديث: ((حتى يكون بعضهم يهلك بعضا، ويسبي بعضهم بعضا))
ولما نزل قوله تعالى: قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ [الأنعام: 65].
فاستجاب الله دعاء نبيه وأعاذه من الأمرين الأولين، ولم يجبه في الأمرين الآخرين وهو أن يجعلهم فرقا مختلفين، ويذيق بعضهم بأس بعض بالحروب وال*** .
إن الفرقة متى ما دبت في الأمة قاتل بعضهم بعضا، وصار كل يريد الغلبة لنفسه، والسيادة لملكه، وتحقيق مصلحة نفسه، حتى لو *** أخاه المسلم، وسبى أهله واعتدى على أرضه وماله.
ولعل المسلم ينظر ويعتبر بما حصل من مفاسد عظيمة جراء الخروج على عثمان رضي الله عنه، ومفارقة الجماعة والإمام؛ فخرج عليه السفهاء الجهلاء حتى ***وه شهيدا مظلوما رضي الله عنه وأرضاه.
ولقد نبه عثمان رضي الله عنه وحذر الذين حاصروه يريدون ***ه ونبههم على ضرر الفرقة فقال: "يا أيها الناس لا ت***وني واستتيبوني، فوالله لئن ***تموني لا تصلون جميعا أبدا، ولا تجاهدون عدوا جميعا أبدا، ولتختلفن حتى تصيروا هكذا، وشبك بين أصابعه" .
ولما *** عثمان قال حذيفة بن اليمان : "والله لئن كان ***ه خيرا ليحلبنها لبنا، ولئن كان ***ه شرا ليمتصن بها دما . وقال عبدالله بن سلام رضي الله عنهم يوم *** عثمان: "اليوم هلكت العرب" . وقال: "والله لا تهرقون محجما من دم إلا ازددتم من الله بعدا" .
ولقد امتصت الأمة الدماء ب*** عثمان رضي الله عنه، فبعد الرخاء والأمن بدأت الفتن تثور بين المسلمين وفي بلادهم، وبدأ القتال والتفرق يطحن في كيان الأمة، فجاءت وقعة الجمل، وأعقبتها صفين، و*** من المسلمين خلق كثير، ف*** في الجمل قرابة العشرين ألفا، وفي صفين سبعون ألفا . وما توالى على المسلمين من وقائع ونكبات أشد وأنكى.
وانظر كيف أشغلت الخلافة الإسلامية في العصور الماضية والحاضرة بقتال الفرق الخارجية الشاقة لعصا الطاعة، وكم من الدماء سفكت لتسكين ثائرتها؟ وكم من الأموال أنفقت لإسكات هذه الفرق؟
إن زعزعة الأمن، وإثارة القلاقل والفتن في المجتمع المسلم تنهك اقتصاده، وتبعثر طاقاته التي من المفترض أن تجتمع لإعمار الأرض بدين الله، والدعوة إلى توحيد المولى سبحانه، والجهاد في سبيله لإقامة الحق ورد الباطل.
فهل يكف هؤلاء المبتدعة أصحاب الفرقة عن مساعدة أعداء الإسلام على الإسلام وأهله؟ وليتقوا الله فيما يقومون به ويفعلونه من إذهاب قوة المسلمين، وإضعاف مواردهم. وليعودوا إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وليسيروا مع الجماعة المسلمة على الصراط المستقيم لتكون صفا واحدا يعلو ويعلو ...، ويرد كيد الأعداء، ويتذكروا قول المولى عز وجل: وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ [آل عمران: 103].
__________________
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 06-12-2013, 01:11 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

ثالثا: الهزيمة والفشل
مما لا شك فيه أن الهزيمة والفشل تصيب الجماعة المتفرقة، المختلفة فيما بينها، والمعترضة على قيادتها، إذ كيف ينتصرون ويغلبون وهم لم ينتصروا بعد على هوى أنفسهم، ولم يغلبوا شيطانهم.
ولقد نبه المولى العزيز سبحانه عباده المؤمنين على ذلك، وأمرهم بالاجتماع على طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ليتحقق لهم النصر على عدوهم، ولكن إن أبو إلا التفرق والاختلاف فالضرر لاحق بهم من الهزيمة والفشل.
يقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال: 45-46].
فيا أيها المؤمنون أطيعوا ربكم ورسولكم فيما أمركم به ونهاكم عنه، ولا تخالفوهما في شيء، وَلاَ تَنَازَعُواْ أي : لا تختلفوا فتفرقوا وتختلف قلوبكم. فَتَفْشَلُواْ أي : فتضعفوا وتجبنوا. وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ أي : تذهب قوتكم وبأسكم ووحدتكم، وتنقطع دولتكم، ويدخلكم الوهن والخلل ، والضعف عن جهاد العدو والانكسار له .
لذلك يوصيهم الله عز وجل بالصبر فيقول في ختام الآية: وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ. وقد كان الصحابة رضي الله عنهم في باب الشجاعة والائتمار بما أمرهم الله ورسوله، وامتثال ما أرشدهم إليه ما لم يكن لأحد من الأمم والقرون قبلهم، ولا يكون لأحد ممن بعدهم، فإنهم ببركة الرسول صلى الله عليه وسلم وطاعته فيما أمرهم فتحوا القلوب والأقاليم شرقا وغربا في المدة اليسيرة، مع قلة عددهم بالنسبة إلى جيوش سائر الأقاليم من الروم والفرس والترك والصقالبة والبربر والجيوش وأصناف السودان والقبط وطوائف بني آدم، قهروا الجميع حتى علت كلمة الله وظهر دينه على سائر الأديان، وامتدت المماليك الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها في أقل من ثلاثين سنة فرضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين، وحشرنا في زمرتهم إنه كريم تواب .
إن القوة والنصر مع الوحدة والجماعة: وحدة الرأي، ووحدة القيادة، ووحدة القوة، وإن الهزيمة والفشل مع الفرقة والاختلاف وتعدد القيادات حتى لو كثر العدد.
مثال ذلك ما حكاه الإمام ابن كثير رحمه الله يقول: "لما مات علي قام أهل الشام فبايعوا معاوية على إمرة المؤمنين لأنه لم يبق له عندهم منازع، فعند ذلك أقام أهل العراق الحسن بن علي رضي الله عنه ليمانعوا به أهل الشام، فلم يتم لهم ما أرادوه وحاولوه، وإنما كان خذلانهم من قبل تدبيرهم وآراؤهم المختلفة المخالفة لأمرائهم، ولو كانوا يعلمون لعظموا ما أنعم الله به عليهم من مبايعتهم ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيد المسلمين، وأحد علماء الصحابة وحلمائهم وذوي آرائهم.
وعن الزهري أنه قال: لما بايع أهل العراق الحسن بن علي طفق يشترط عليهم أنهم سامعون مطيعون مسالمون من سالمت، محاربون من حاربت، فارتاب به أهل العراق وقالوا: ما هذا لكم بصاحب؟ فما كان عن قريب حتى طعنوه فأشووه، فازداد لهم بغضا وازداد منهم ذعرا، فعند ذلك عرف تفرقهم واختلافهم عليه" . ثم كان ما كان من الصلح مع معاوية وتنازله عن الخلافة له، فرضي الله عنهم وأرضاهم .
__________________
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 06-12-2013, 01:12 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

رابعا- خروج الفرق، وفشو الفتن والبدع
ما أن تتفرق الأمة، وتخالف أمر الله تعالى لها بالتزام الجماعة وسلوك الصراط المستقيم إلا وتقوى الفرق، وتخرج على إمام المسلمين، وتقاتل الجماعة، وتوقد معها الفتنة، وتنشر معها البدعة مما يزيد الأمة وهنا، والمسلمين بلاء، ولقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخوارج: ((أنهم يخرجون في فرقة من الناس))
وهذا شأن الفرق المبتدعة، شأن الضلالات والظلمات لا تجسر على الخروج إلا عند ضعف شمس الحق، يقول ابن تيمية رحمه الله: "وتجد الإسلام والإيمان كلما ظهر وقوي كانت السنة وأهلها أظهر وأقوى، وإن ظهر شيء من الكفر والنفاق ظهرت البدع بحسب ذلك، مثل: دولة المهدي، والرشيد ونحوهما ممن كان يعظم الإسلام والإيمان، ويغزو أعداءه من الكفار والمنافقين، كان أهل السنة في تلك الأيام أقوى وأكثر، وأهل البدع أذل وأقل ...
وفي دولة أبي العباس المأمون ظهر "الخرمية" ونحوهم من المنافقين، وعرب من كتب الأوائل المجلوبة من بلاد الروم ما انتشر بسببه مقالات الصابئين، وراسل ملوك المشركين من الهنود ونحوهم حتى صار بينه وبينهم مودة.
فلما ظهر ما ظهر من الكفر والنفاق في المسلمين ، وقوي ما قوي من حال المشركين وأهل الكتاب، كان من أثر ذلك ما ظهر من استيلاء الجهمية والرافضة وغيرهم من أهل الضلال، وتقريب الصابئة ونحوهم من المتفلسفة ...
فتولد عن ذلك محنة الجهمية حتى امتحنت الأمة بنفي الصفات والتكذيب بكلام الله ورؤيته، وجرى من محنة الإمام أحمد وغيره ما جرى مما يطول وصفه" .
__________________
رد مع اقتباس
  #11  
قديم 06-12-2013, 01:16 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

خامسا – وقوع العداوة والبغضاء، وذهاب المحبة والألفة:
إن من أصول الدين العظيمة، وقواعده المهمة التي هي من جماع الدين ما وصى الله به من تأليف القلوب واجتماع الكلمة وصلاح ذات البين .
ولكن يأبى أهل الفرقة والبدعة ذلك فما يزالون يهدمون الدين، ويفرقون قلوب المسلمين، ويوقعون بينهم العداوة والبغضاء بما يفعلونه من تفريق المسلمين شيعا وأحزابا، يقول الله تعالى: مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ [الروم: 31 -32].
ولقد أخبر الله عز وجل عن حال أهل الفرقة والاختلاف من التنازع والشقاق الواقع بينهم، والذي هو مظنة إلقاء العداوة والبغضاء، قال الله تعالى :فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [البقرة: 137]. وقال عز وجل: لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ [الحج: 53].
فهؤلاء المفارقين للجماعة، المخالفين للحق في شقاق: عداوة ومنازعة للحق وأهله، وعداوة ومنازعة فيما بينهم، يسعون لشق عصا الطاعة ولصدع الكلمة، وكما وصفهم سبحانه: تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ [الحشر: 14]. إن كل هذه العداوة والبغضاء التي بين أهل الفرقة وبين أهل الحق، والتي هي فيما بين المختلفين أنفسهم كلها بسبب تركهم ما أمروا به من الجماعة وإقامة الألفة والمحبة في المجتمع المسلم، يقول الله تعالى: وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ [المائدة: 14].
يقول ابن تيمية رحمه الله: "فمتى ترك الناس بعض ما أمرهم الله به وقعت بينهم العداوة والبغضاء، وإذا تفرق القوم فسدوا وهلكوا، وإذا اجتمعوا صلحوا وملكوا، فإن الجماعة رحمة والفرقة عذاب" .
ويبين الإمام الشاطبي كيف يوقع أهل الفرقة بتفرقهم العداوة والبغضاء في الأمة فيقول: "وقد بين عليه الصلاة والسلام أن فساد ذات البين هي الحالقة، وأنها تحلق الدين، هذه الشواهد تدل على وقوع الافتراق والعداوة عند وقوع الابتداع. وأول شاهد عليه في الواقع قصة الخوارج إذ عادوا أهل الإسلام حتى صاروا ي***ونهم، ويدعون الكفار كما أخبر عنه الحديث الصحيح، ثم يليهم كل من كان له صولة منهم بقرب الملوك، فإنهم تناولوا أهل السنة بكل نكال وعذاب و*** أيضا، حسبما بينه جميع أهل الأخبار.
ثم يليهم كل من ابتدع بدعة فإن من شأنهم أن يثبطوا الناس عن اتباع الشريعة، ويذمونهم ويزعمون أنهم الأرجاس الأنجاس المكبين على الدنيا، ويضعون عليهم شواهد الآيات في ذم الدنيا وذم المكبين عليها، كما يروى عن عمرو بن عبيد أنه قال: "لو شهد عندي علي وعثمان وطلحة والزبير على شراك نعل ما أجزت شهادتهم"
وقيل له: كيف حدث الحسن عن سمرة .في السكتتين؟ فقال: "ما تصنع بسمرة!! قبح الله سمرة" . بل قبح الله عمرو بن عبيد. فهكذا أهل الضلال يسبون السلف الصالح لعل بضاعتهم تنفق ، يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [التوبة: 32].
وأصل هذا الفساد من قبل الخوارج فهم أول من لعن السلف الصالح، وكفر الصحابة رضي الله عن الصحابة، ومثل هذا كله يورث العداوة والبغضاء .
ولما كانت الفرقة بهذه الخطورة وهذا الضرر كان الصحابة رضي الله عنهم أبعد ما يكون عنها، وأسلم الناس منها .

__________________
رد مع اقتباس
  #12  
قديم 06-12-2013, 01:20 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

سلامة الصحابة رضي الله عنهم من الفرقة
لقد اختار الله عز وجل الصحابة رضي الله عنهم لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، وتبليغ دينه إلى الناس كافة، وما ذاك إلا لما علم ما في قلوبهم من محبة الحق، والعمل على نصرته، والاجتماع عليه، وبذل الأموال والأنفس في سبيل ذلك، يقول الحسن البصري رحمه الله واصفا الصحابة: "أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا أبر هذه الأمة قلوبا، وأعمقها علما، وأقلها تكلفا، قوم اختارهم الله عز وجل لصحبة نبيه وإقامة دينه، فتشبهوا بأخلاقهم وطرائقهم فإنهم كانوا على الهدى المستقيم" .
وقد تقدم معنا شيئا عن فضل الصحابة وعن فقههم، ولعله بان لنا موقفهم من الفرقة من خلال الفصول السابقة، وكيف أنهم ذموها وعابوها، فهم أعرف الناس بخطرها وضررها، وكانوا كذلك أبعد الناس عنها وأسلمهم منها، ولا يعني ذلك أنهم رضي الله عنهم لم يختلفوا؛ بل اختلفوا ولكنهم لم يفترقوا، وهذا شأن أهل الرحمة الذين ذكرهم الله تعالى في قوله: وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [هود: 118 -119] ، فهم يختلفون اختلافا لا يضرهم .
يقول ابن تيمية رحمه الله: "وقد كان العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إذا تنازعوا في الأمر اتبعوا أمر الله تعالى في قوله: فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً [النساء: 59]. وكانوا يتناظرون في المسألة مناظرة مشاورة ومناصحة، وربما اختلف قولهم في المسألة العلمية والعملية مع بقاء الألفة والعصمة وأخوة الدين" .
ويقول الإمام إسماعيل الأصبهاني رحمه الله: "فإنا وجدنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا في أحكام الدين فلم يفترقوا، ولم يصيروا شيعا لأنهم لم يفارقوا الدين، ونظروا فيما أذن لهم، فاختلفت أقوالهم وآراؤهم في مسائل كثيرة ... وكانوا مع هذا الاختلاف أهل مودة ونصح، وبقيت بينهم أخوة الإسلام ولم ينقطع منهم نظام الألفة .
هكذا كان الصحابة رضي الله عنهم متآلفين، مجتمعين، بعيدين عن أهل الفرقة وعن مناهجهم، وهناك نماذج ودلائل عدة على ذلك منها:

أولا: ما تقدم من أقوالهم العديدة في أمرهم المسلمين بالجماعة، ونهيهم عن الفرقة، وتحذيرهم من مغبة عواقبها
يقول ابن عباس رضي الله عنه لسماك الحنفي: "يا حنفي الجماعة الجماعة !! فإنما هلكت الأمم الخالية لتفرقها، أما سمعت الله عز وجل يقول: وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ [آل عمران: 103]
ويقول عبدالله بن مسعود رضي الله عنه : "يا أيها الناس عليكم بالطاعة والجماعة فإنهما حبل الله الذي أمر به، وإن ما تكرهون في الجماعة والطاعة هو خير مما تستحبون في الفرقة" .
ويقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه محذرا الأمة: "إياكم والفرقة بعدي" . أما علي بن أبي طالب رضي الله عنه والذي يسير على نفس المنهج يقول: "الاختلاف حالقة الدين وفساد ذات البين، وإياكم والخصومات فإنها تحبط الأعمال، والاختلاف يدعو إلى الفتنة، والفتنة تدعو إلى النار، وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ [الأنفال: 46] .
وهذا معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ينصح الأمة ويحذرها من الفتنة فيقول: "إياكم والفتنة فلا تهموا بها، فإنها تفسد المعيشة، وتكدر النعمة، وتورث الاستيصال"
__________________
رد مع اقتباس
  #13  
قديم 06-12-2013, 01:31 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

ثانيا: العمل على جمع الكلمة وتوحيد الصف
لقد حرص الصحابة رضي الله عنهم على جمع كلمة المسلمين، وتوحيد صفوفها، وسعوا إلى سد باب الفرقة حتى لو كان على حساب مصلحته، فمصلحة المسلمين أولى، وحقن دمائهم أحرى بالعمل لأجله.
وخوفا من الفرقة سارع الصحابة رضي الله عنهم بتولية أبي بكر الصديق الخلافة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولإدراكهم أهمية جمع كلمة المسلمين على رجل يتولاهم، اجتمعوا رضي الله عنهم على بيعة أبي بكر رضي الله عنه ولم يقضوا شيئا من أمر تجهيز رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفنه حتى أحكموا أمر البيعة .
لقد كانوا يعلمون أهمية الاجتماع على طاعة الإمام، إذ في الخروج عن أمره ومخالفته زعزعة للأمن وتأليب للناس، وتفريق لجماعة المسلمين لذلك لما حج عثمان رضي الله عنه سنة 29هـ وهو خليفة وأتم الصلاة في منى ولم يقصرها، عاتبه في ذلك عبدالرحمن بن عوف، واعتذر له عثمان رضي الله عنه بأنه قد تزوج بمكة فكان في حكم المقيم لا المسافر، وبأن أناسا من أهل اليمن ظنوا أن الصلاة للمقيم ركعتان، فأتم عثمان رضي الله عنه لذلك.
ولما خرج عبدالرحمن بن عوف من عند عثمان لقي عبدالله بن مسعود وخاطبه في ذلك فقال ابن مسعود: "الخلاف شر، قد بلغني أنه صلى أربعا فصليت بأصحابي ركعتين، وأما الآن فسوف يكون الذي تقول "أي نصلي معه أربعا .
هذا هو منهج العالمين بأمر الله تعالى، المدركين أهمية الجماعة وخطر الفرقة، وأنه أصل من أصول الدين وقاعدة من قواعده الكلية، لا يقدمون عليه أمر جزئي أو فرعي من أمور الدين .
يقول العلامة صالح بن المهدي المقبلي ، مبينا حرص الصحابة على جمع الكلمة، واحتواء الخلاف وتجاوزه من أجل ذلك يقول: "أن أكثر إغضائهم كان لصيانة أخوة الإسلام وحرمة أهله، لا لتساهل في الخلاف، حتى ربما يقضي أحدهم ويترك رأيه خشية شيوع الخلاف"، كقول علي رضي الله عنه: "اقضوا كما كنتم تقضون فإني أكره الخلاف، حتى تكون الناس جماعة أو أموت كما مات أصحابي" .
ونقم ابن مسعود على عثمان رضي الله عنه ترك القصر وتابعه في الصلاة، فقيل له، فقال: "الخلاف كله شر". فتركوا التنويه بالخلاف محاذرة لتفاقم الشر، لا لأنه مرضي عندهم، بل مراد الله تعالى كما شاع في المتأخرين وانتشر، إنما كان المهم المقدم عند أحدهم أن يكون الناس جماعة أو يموت سالما من الفتنة كما قال علي رضي الله عنه .
ويضرب لنا ذو النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه أروع مثال وأصدقه لحرص الصحابة رضي الله عنهم على جمع الكلمة، والعمل على حقن دماء المسلمين ولو بسفك دمائهم، فلقد ضحى بنفسه ولم ينخلع من الخلافة خشية على أمة محمد صلى الله عليه وسلم أن يتركوا بلا إمام، أو تكون سنة للخارجين فينفتح باب شر على الأمة.
لقد دخل عبدالله بن عمر رضي الله عنه على عثمان وهو محصور في الدار، وقال: "ما ترى فيما أشار به علي المغيرة بن الأخنس؟ قال ابن عمر: ما أشار به عليك؟ قال: إن هؤلاء القوم يريدون خلعي فإن خلعت تركوني، وإن لم أخلع ***وني، قال ابن عمر: أرأيت إن خلعت تترك مخلدا في الدنيا؟ قال: لا، قال: فهل يملكون الجنة والنار؟ قال: لا. قال ابن عمر: أرأيت إن لم تخلع هل يزيدون على ***ك؟ قال: لا. قال: فلا أرى أن تسن هذه السنة في الإسلام كلما سخط قوم على أميرهم خلعوه، لا تخلع قميصا قمصكه الله .
وفي رواية عن عثمان أنه قال: "أما أن أخلع لهم أمرهم فما كنت لأخلع سربالا سربلنيه الله" ، وقال: "والله لأن أقدم فتضرب عنقي أحب إلي من أن أخلع أمة محمد بعضها على بعض .
وليس هذا فقط؛ بل إنه رضي الله عنه نهى الصحابة عن الدفاع عنه، وقتال من حاصروه حتى لا يراق دم بسببه، فقد جاء زيد بن ثابت إلى عثمان، وقال له: "هذه الأنصار بالباب يقولون إن شئت كنا أنصارا لله مرتين. فيقول له عثمان: أما القتال فلا" .
وقال رضي الله عنه يوم حصر في الدار: "إن أعظمكم عني غناء رجل كف يده وسلاحه" .
وقال لأبي هريرة لما طلب منه الإذن بقتال هؤلاء الخارجين عليه المحاصرين له، قال: يا أبا هريرة أيسرك أن ت*** الناس جميعا وإياي؟ قال: لا، قال: فإنك والله إن ***ت رجلا واحدا فكأنما *** الناس جميعا، فرجع أبو هريرة ولم يقاتل .
فعثمان رضي الله عنه اختار أهون الشرين، فآثر التضحية بنفسه على توسيع دائرة الفتنة وسفك دماء المسلمين . والصحابة حوله امتثلوا أمر الله بطاعة الإمام، وكان رضي الله عنه قد عزم عليهم بحقه في طاعتهم له ألا يقاتلوا، فقال: "أعزم على كل من رأى أن لي عليه سمعا وطاعة إلا كف يده وسلاحه، فإن أفضلكم غناء من كف يده وسلاحه" ..
ولقد سار الصحابة رضي الله عنهم على المنهج نفسه الذي رباهم عليه رسول اله صلى الله عليه وسلم من بغض الفرقة، والسعي لجمع الكلمة، والتنازل عن بعض الحقوق، من أجل ذلك، مثاله: أنه لما توفى الحسن بن علي رضي الله عنه وكان قد أوصى أخاه الحسين أن يدفن بجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن خاف قتالا أو فتنة فليدفن بالبقيع.
فلما مات رضي الله عنه لبس الحسين السلاح وتسلح بنو أمية وقالوا: لا ندعه يدفن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، أيدفن عثمان بالبقيع، ويدفن الحسن بن علي في الحجرة؟ وخاف الناس وقوع الفتنة والقتال، فأشار سعد بن أبي وقاص، وأبو هريرة، وجابر، وابن عمر رضي الله عنهم على ألا يقاتل، فامتثل رضي الله عنه ودفن أخاه قريبا من قبر أمه بالبقيع .
رضي الله عنهم وأرضاهم إنهم والله لهم الحكماء والعلماء والمريدون وجه الله بما يشيرون، وبما يجمعون به الأمة.
لم تكن الدنيا شغل الصحابة الشاغل، ولم يكونوا يسعون للملك والرئاسة، بل يريدون تبليغ دين الله تعالى، ويسعون في مصلحة المسلمين دون نظر إلى مصالحهم، أو السعي لتحقيق مآربهم، تعرض على أحدهم الدنيا فيردها يبتغي الأجر من الله بتوحيد صف المسلمين وحقن دمائهم، فها هو ذا الحسن بن علي رضي الله عنه يتنازل عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان سنة أربعين، ويسمى هذا العام عام الجماعة لاجتماع كلمة المسلمين على معاوية رضي الله عنه.
فالحسن تنازل عن الخلافة حرصا منه على الجماعة المسلمة، وخوفا من أن يراق دم من دماء المسلمين، لذلك لما اجتمع الجيشان ورآهم أمثال الجبال في الحديد من كثرتهم قال: "أضرب بين هؤلاء وهؤلاء في ملك من ملك الدنيا، لا حاجة لي فيه" .
وخطب رضي الله عنه في أهل العراق بعد وفاة علي بن أبي طالب وقال: إن كل ما هو آت قريب، وإن أمر الله عز وجل لواقع، ماله من دافع، ولو كره الناس، وإني ما أحب أن ألي من أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم ما يزن مثقال ذرة حبة من خردل يهراق فيه محجمة من دم، قد عرفت ما ينفعني مما يضرني" .
ولقد ذمه بعض أصحابه وأنصاره على تنازله عن الخلافة لمعاوية، حتى قال له رجل منهم لما قدم رضي الله عنه إلى الكوفة قال له: "السلام عليك يا مذل المؤمنين. فقال: لا تقل هذا!! لست بمذل المؤمنين، ولكني كرهت أن أ***هم على الملك" .
وقال له آخر: يا عار المؤمنين !! فقال له: العار خير من النار .
ثبات على المنهج وتصميم على الحق ولو عذل العاذلون، ولام اللائمون، ولم يكن السعي لجمع الكلمة والعمل على حقن الدماء صادر من الحسن بن علي وحده، بل كان هذا موقف الصحابة رضي الله عنهم ففي المقابل كان معاوية ومن معه من الصحابة حريصين أيضا على جمع الكلمة وعقد الصلح، وحقن الدماء، لذلك أرسل معاوية للحسن بن علي رضي الله عنه يطلب منه الصلح ويشترط لنفسه ما شاءه لا عن قلة عدد جيشه بل خوفا من إراقة دماء المسلمين.
فروى البخاري عن الحسن البصري قال: "استقبل والله الحسن بن علي معاوية بكتائب أمثال الجبال، فقال عمرو بن العاص: إني لأرى كتائب لا تولي حتى ت*** أقرانها. فقال له معاوية – وكان والله خير الرجلين – أي عمرو، إن *** هؤلاء هؤلاء، وهؤلاء هؤلاء من لي بأمور الناس، من لي بنسائهم، من لي بضيعتهم؟ فبعث إليه رجلين من قريش ... فقال: اذهبا إلى هذا الرجل فاعرضا عليه، وقولا له واطلبا إليه .
فأتياه فدخلا عليه فتكلما، وقالا له وطلبا إليه، فقال لهما الحسن بن علي: إنا بنو عبد المطلب قد أصبنا من هذا المال، وإن هذه الأمة قد عاثت في دمائها. قالا: فإنه يعرض عليك كذا وكذا، ويطلب إليك ويسألك. قال: فمن لي بهذا؟ قالا: نحن لك به ... فصالحه. فقال الحسن : ولقد سمعت أبا بكرة يقول : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر – والحسن بن علي إلى جنبه – وهو يقبل على الناس مرة وعليه أخرى ويقول : ((إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين)) .
يقول الإمام محمد بن الحسين الآجري رحمه الله عن ذلك : "انظروا رحمكم الله وميزوا فعل الحسن الكريم بن الكريم أخ الكريم ابن فاطمة الزهراء مهجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي قد حوى جميع الشرف، لما نظر إلى أنه لا يتم ملك من ملك الدنيا إلا بتلف الأنفس وذهاب الدين، وفتنة متواترة وأمور تتخوف عواقبها على المسلمين، صان دينه وعرضه، وصان أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يحب بلوغ ما له فيه حظ من أمور الدنيا، وقد كان لذلك أهلا، فترك ذلك بعد المقدرة منه على ذلك تنزيها منه لدينه،ولصلاح أمة محمد صلى الله عليه وسلم ولشرفه، وكيف لا يكون ذلك وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن ابني هذا سيد، وإن الله عز وجل يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين)) .
هذا هو المنهج، وهذا هو موقف الصحابة من الفرقة، موقف ثابت لثبات ما يستندون إليه من قول الله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم لا يتبدل أو يتغير، وإن تغير الأشخاص، فالخلافة والملك يعرض على صحابي آخر فيأباه خوفا على الأمة، وخشية إراقة دماء المسلمين، فلقد عرضت الخلافة على عبدالله بن عمر لكنه رفضها وقال: "إني والله لئن استطعت لا يهراق في سببي محجمة دم" .
ويقال له: لو أقمت للناس أمرهم، فإن الناس قد رضوا بك كلهم. فيقول لهم: "أرأيتم إن خالف رجل بالمشرق؟ قالوا: إن خالف رجل ***، وما *** رجل في صلاح أمة؟ فقال: والله ما أحب لو أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم أخذت بقائمة رمح، وأخذت بزجه ف*** رجل من المسلمين ولي الدنيا وما فيها .
وفي موقف آخر لابن عمر رضي الله عنه يظهر حرصه على موافقة الجماعة وعدم الخروج عنها، أو التسبب بالخروج عليها، إذ طلب معاوية بن أبي سفيان منه مبايعة يزيد ابنه بالخلافة بعده، وبين معاوية سبب ذلك قال: "إني خفت أن أذر الرعية من بعدي كالغنم المطيرة ليس لها راع"، فقال له ابن عمر: "إذا بايعه الناس كلهم بايعته ولو كان عبدا مجدع الأطراف" .
ولما تمت البيعة ليزيد بن معاوية، وشكى الناس منه، وأراد أهل المدينة خلعه، ظهر من حرص الصحابة على جمع الكلمة ووحدة الصف، ما ظهر من تسكين الثائرة، والمناصحة للمخالفين، فلما قيل لأسير . رضي الله عنه ما قيل في يزيد قال رضي الله عنه : "يقولون إن يزيد ليس بخير أمة محمد، ولا أفقهها فقها، ولا أعظمها فيها شرفا، وأنا أقول ذلك، ولكن والله لأن تجتمع أمة محمد صلى الله عليه وسلم أحب إلي من أن تفرق، أرأيتكم بابا لو دخل فيه أمة محمد صلى الله عليه وسلم وسعهم أكان يعجز عن رجل واحد لو دخل فيه؟ قالوا: لا، قال: أرأيتكم لو أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم قال: كل رجل منهم لا أهريق دم أخي، ولا آخذ ماله أكان هذا يسعهم؟ قالوا: نعم، قال: فذلك ما أقول لكم" ..
ولقد رفض عبدالله بن عمر ورفض النعمان بن بشير وغيرهم من الصحابة رفضوا خلع يزيد بن معاوية، واشتد نكير ابن عمر على من خلعه. وغضب رضي الله عنه، وخاف الفتنة والفرقة من خلعه والخروج عليه، فجمع حشمه وولده فقال: "إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة)) وإنا قد بايعنا هذا الرجل على بيع الله ورسوله ... وإني لا أعلم أحداً منكم خلعه، ولا تابع في هذا الأمر إلا كانت الفيصل بيني وبينه" .
بل ولعلمه رضي الله عنه بحرمة الخروج على السلطان وخطورته وضرره على المسلمين يذهب ناصحا لعبد الله بن مطيع ومن معه من أهل المدينة لما أرادوا خلع يزيد بن معاوية، فيذهب إليه ابن عمر فيقول عبدالله بن مطيع: اطرحوا لأبي عبدالرحمن وسادة، فقال ابن عمر: "إني لم آتك لأجلس، أتيتك لأحدثك حديثا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية)) .
وكذلك كان أبو أمامة رضي الله عنه حريصا على الجماعة فقال: عن حال الناس والأمراء في خلافة عبدالملك بن مروان قال: "أما والله إني لكاره لأعمالهم، ولكن عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم، والسمع والطاعة خير من الفجور والمعصية .
ومن حرصهم على الجماعة ووحدة الصف أنه لما طلب من ابن عمر مبايعة عبدالملك بن مروان بين رضي الله عنه أن قوله لا يخرج عن قول جماعة المسلمين، وأنه متى ما بايعه الناس بايعه، وفعلا لما تمت البيعة لعبد الملك لم يتأخر ابن عمر في مبايعته.
كل ذلك يبين لنا سلامة الصحابة من الفرقة وحرصهم على الجماعة، فرضي الله عنهم وأرضاهم.
__________________
رد مع اقتباس
  #14  
قديم 06-12-2013, 01:33 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

ثالثا: حرصهم على حسم مادة الاختلاف قبل وقوعه، واستدراكه قبل استفحاله
لقد أدرك الصحابة رضي الله عنهم أهمية الجماعة وضرورتها لإقامة هذا الدين، وجعل كلمة الله هي العليا، وعلموا يقينا – كما أخبرهم ربهم – خطر هذه الفرقة إذا دبت في المجتمع المسلم، لذلك حرصوا أشد الحرص على حسم مادة الفرقة والاختلاف بتعلم الناس أصول الاعتقاد، وبيان مسائله التي قد تكون شبهة على بعض الناس، كما كان علي بن أبي طالب يعلم الناس إثبات القدر، وكان عبادة بن الصامت يوصي ابنه بالإيمان بالقدر .
كما حرص الصحابة رضي الله عنهم على اجتماع الأمة، وعدم حدوث شيء يشوش على العامة أو يوجب اختلافهم، لذلك لما رأى عمر بن الخطاب أبي بن كعب وعبدالله بن مسعود يختلفان في الصلاة في الثوب الواحد، إذ قال أبي : الصلاة في الثوب الواحد حسن جميل، وقال ابن مسعود: إنما كان والثياب قليلة، فخرج عمر مغضبا وقال: "اختلف رجلان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن ينظر إليه ويؤخذ عنه، وقد صدق أبي، ولم يأل ابن مسعود، ولكني لا أسمع أحد يختلف فيه بعد مقامي هذا إلا فعلت به كذا وكذا .
ومن حرصه أيضا رضي الله عنه ما جمع الناس عليه من عدد تكبيرات صلاة الجنازة، فقد كان الصحابة مختلفين منهم من يكبر خمسا، ومنهم من يكبر سبعا، ومنهم من يكبر أربعا ، فحسم الفاروق رضي الله عنه مادة الاختلاف وجمع الصحابة على أربع تكبيرات ونهاهم عما سوى ذلك.
ومن ذلك أيضا ما وقع بين سلمان الفارسي رضي الله عنه، وحذيفة بن اليمان، حيث كان حذيفة بالمدائن فيذكر أشياء قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأناس من أصحابه في الغضب، فينطلق ناس ممن سمع ذلك من حذيفة فيأتون سلمان فيذكرون له قول حذيفة، فيقول سلمان: حذيفة أعلم بما يقول، فيرجعون إلى حذيفة ويخبرونه بذلك، فجاء حذيفة لسلمان وقال له: وما يمنعك أن تصدقني بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال سلمان: "أن رسول الله كان يغضب فيقول في الغضب لناس من أصحابه، ويرضى فيقول في الرضى لناس من أصحابه، أما تنتهي حتى تورث رجالا حب رجال، ورجالا بغض رجال، وحتى توقع اختلافا وفرقة؟ ... والله لتنتهين أو لأكتبن إلى عمر".
فرضي الله عنهم وأرضاهم كانوا أعلم الناس وأحرصهم على الجماعة، وأبعدهم عن الفرقة، يوصي بعضهم بعضا، وينبه وينصح بعضهم بعضا بذلك.
إن مما أوصى به الصحابة ومن بعدهم لحسم مادة الاختلاف، والحد من انتشار الفرقة ما أوصوا به من هجر أصحاب البدع، والنهي عن مجالستهم ومحادثتهم بل حتى السلام عليهم.
فهذا عمر بن الخطاب يضرب صبيغ بن عسل . لما بدأ يسأل أسئلة تثير الشبهة في نفوس الناس، ولا يكتفي عمر بضربه بل يأمر بهجره وعدم الجلوس معه تأديبا له ومنعا من انتشار شره بين الناس حتى أعلن توبته .
وكذلك يوصي ابن عباس بهجر القدرية فيقول: "لا تجالسهم ولا تكلمهم" .
ومن مواقف الصحابة رضي الله عنهم ومحاولتهم استدراك الخلاف واحتوائه قبل فشوه وانتشاره ما حصل في زمن عثمان رضي الله عنه ذلك أن حذيفة بن اليمان قدم عليه، وكان يغازي بأهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في قراءة القرآن، فلما رجع قال لعثمان: "يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى". إذ بلغ اختلافهم أن كفر بعضهم بعضا، فاستشار عثمان الصحابة رضي الله عنه في أن يجمع الناس على مصحف واحد فلا تكون فرقة ولا اختلاف فكان ذلك .
فرضي الله عنهم وأرضاهم، وأعاننا الله على السير بهداهم.
__________________
رد مع اقتباس
  #15  
قديم 06-12-2013, 01:36 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

تنبيه:
لا يرد في الذهن أن سلامة الصحابة من الفرقة تعارض بما وقع بين الصحابة يوم الجمل وصفين، بل إن ما وقع يشهد لهم رضي الله عنهم بسلامتهم من الفرقة، وحرصهم رضي الله عنهم على إقامة الحق، واجتهادهم في ذلك.
فأما ما حدث في وقعة الجمل ومسير أم المؤمنين عائشة رضي الله عنهما، والزبير ابن العوام وطلحة إلى البصرة إنما كان غرضهم في ذلك أمرين:
1- الصلح ولم الشمل وجمع كلمة المسلمين.
2- الطلب بدم أمير المؤمنين عثمان بن عفان .
وكان قصد علي بن أبي طالب رضي الله عنه الصلح أيضا .
ولبيان ذلك نذكر ما دار بين القعقاع بن عمرو رضي الله عنه حينما أرسله علي رضي الله عنه إلى طلحة والزبير وعائشة رضي الله عنهما وهم في البصرة، حيث أرسله علي إليهم يدعوهم إلى الألفة والجماعة، يعظم عليهما الفرقة والاختلاف، فذهب القعقاع إلى البصرة فبدأ بعائشة أم المؤمنين فقال: "أي أماه ما أقدمك هذا البلد؟ فقالت: أي بني الإصلاح بين الناس. فسألها أن تبعث إلى طلحة والزبير ليحضرا عندها، فحضرا فقال القعقاع: إني سألت أم المؤمنين ما أقدمها؟ فقالت: إنما جئت للإصلاح بين الناس، فقالا: ونحن كذلك. قال: فأخبراني ما وجه هذا الإصلاح؟ وعلى أي شيء يكون؟ فوالله لئن عرفناه لنصطلحن. قالا: ***ة عثمان، فإن هذا إن ترك كان تركا للقرآن. فقال: ***تما ***ته من أهل البصرة وأنتما قبل ***هم أقرب منكم إلى الاستقامة منكم اليوم، ***تم ستمائة رجل، فغضب لهم ستة آلاف فاعتزلوكم، وخرجوا من بين أظهركم، وطلبتم حرقوص بن زهير فمنعه ستة آلاف، فإن تركتموهم وقعتم فيما تقولون، وإن قاتلتموهم فأديلوا عليكم كان الذي حذرتم، وفرقتم من هذا الأمر أعظم مما أراكم تدفعون وتجمعون منه – يعني أن الذي تريدونه من *** عثمان مصلحة، ولكنه يترتب عليه مفسدة هي أربى منها – وكما أنكم عجزتم عن الأخذ بثأر عثمان من حرقوص بن زهير لقيام ستة آلاف في منعه ممن يريد ***ه، فعلي أعذر في تركه الآن *** ***ة عثمان، وإنما أخر *** ***ة عثمان إلى أن يتمكن منهم، فقالت عائشة رضي الله عنها: فماذا تقول أنت؟ قال: أقول إن هذا الأمر الذي وقع دواؤه التسكين، فإذا سكن اختلجوا، فإن أنتم بايعتمونا فعلامة خير وإدراك الثأر، وإن أنتم أبيتم إلا مكابرة هذا الأمر كانت علامة شر وذهاب هذا الملك، فآثروا العافية ترزقونا، فكونوا مفاتيح خير كما كنتم أولا ... فقالوا: قد أصبت وأحسنت فارجع، فإن قدم علي وهو على مثل رأيك صلح الأمر. فرجع إلى علي فأخبره فأعجبه ذلك، وأشرف القوم على الصلح، كره ذلك من كرهه ورضيه من رضيه، وأرسلت عائشة إلى علي تعلمه أنها إنما جاءت للصلح، ففرح هؤلاء وهؤلاء .
والتقت الطائفتان قرب البصرة وهما على ما فارقا القعقاع بن عمرو من الصلح بين الناس، فاطمأنت النفوس وسكنت، واجتمع كل فريق بأصحابه من الجيشين وباتوا بخير ليلة، وبات ***ة عثمان بشر ليلة، لأنهم علموا أن الفريقين اصطلحوا على دمائهم، وأن في اصطلاح الناس هلاكهم، فباتوا يتشاورون، وأجمعوا على أن نجاتهم في فرقة الطائفتين، فعزموا على أن يثيروا الحرب بين الطائفتين من الغلس، فنهضوا من قبل طلوع الفجر وهم قريب من ألفي رجل . ليس فيهم صحابي واحد، فانصرف كل فريق إلى قراباتهم فتهجموا عليهم بالسيوف، فثارت كل طائفة إلى قومهم ليمنعوهم، وقام الناس من منامهم إلى السلاح، فقالوا: طرقتنا أهل الكوفة ليلا، وبيتونا وغدروا بنا، وظنوا أن هذا عن ملأ من أصحاب علي، فبلغ الأمر عليا فقال: ما للناس؟ فقالوا: بيتنا أهل البصرة، فثار كل فريق إلى سلاحه ولبسوا اللأمة وركبوا الخيول، ولا يشعر أحد منهم بما وقع الأمر عليه في نفس الأمر، وكان أمر الله قدرا مقدورا وقامت الحرب على ساق وقدم .
يقول ابن حزم رحمه الله: "أما أم المؤمنين والزبير وطلحة رضي الله عنهم لم يمضوا إلى البصرة لحرب علي، ولا خلافا عليه ولا نقضا لبيعته، ولو أرادوا ذلك لأحدثوا بيعة غير بيعته، فصح أنهم إنما نهضوا إلى البصرة لسد الفتق الحادث في الإسلام من *** أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه ظلما، ولم يكن نهوض علي إلى البصرة لقتالهم لكن موافقا لهم على ذلك ليقوي بهم، وتجتمع الكلمة على ***ة عثمان رضي الله عنه، وبرهان ذلك أنهم اجتمعوا ولم يقتتلوا ولا تحاربوا، فلما كان الليل عرف ***ة عثمان أن الإراغة والتدبير عليهم، فبيتوا عسكر طلحة والزبير، وبذلوا السيف فيهم فدفع القوم عن أنفسهم، فردعوا حتى خالطوا عسكر علي، فدفع أهله عن أنفسهم، وكل طائفة تظن ولا تشك أن الأخرى بدأتها بالقتال، فاختلط الأمر اختلاطا لم يقدر أحد على أكثر من الدفاع عن نفسه، والفسقة ***ة عثمان – لعنهم الله- لا يفترون من شب الحرب، وإضرامها فكلتا الطائفتين مصيبة في غرضها، ومقصدها مدافعة عن نفسها .
فالقتال وقع بقصد أهل الفتنة لا بقصد السابقين الأولين . فرضي الله عنهم وأرضاهم.
أما ما جرى بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهم في صفين، فبين ابن حزم رحمه الله هذا الأمر حينما قال: إن ما حدث كان اجتهاد في الرأي من معاوية رضي الله عنه حيث أنه رأى تقديم أخذ القود من ***ة عثمان رضي الله عنه على البيعة، ورأى نفسه أحق بطلب دم عثمان من ولد عثمان، وله في ذلك مستند ، وإنما أخطأ من تقديمه ذلك على البيعة فقط، فله أجر الاجتهاد في ذلك، ولا إثم عليه، فما حرم من الإصابة كسائر المخطئين في اجتهادهم الذين أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لهم أجرا واحدا وللمصيب أجرين.
وأما علي رضي الله عنه فقاتل معاوية لامتناعه عن إنفاذ أوامره في جميع أرض الشام وهو الإمام الواجبة طاعته.
وقد علمنا أن من لزمه حق واجب وامتنع من أدائه، وقاتل دونه فإنه يجب على الإمام أن يقاتله، وإن كان متأولا وليس ذلك بمؤثر في عدالته وفضله، ولا بموجب له فسقا بل هو مأجور لاجتهاده ونيته في طلب الخير، فبهذا قطعنا على صواب علي رضي الله عنه وصحة إمامته، وأنه صاحب الحق وأن له أجرين أجر الاجتهاد وأجر الإصابة، وقطعنا أن معاوية رضي الله عنه ومن معه مخطئون مأجورون أجرا واحدا.
ولو أن معاوية بايع عليا لقوي به على أخذ الحق من ***ة عثمان، فصح أن الاختلاف هو الذي أضعف يد علي عن إنفاذ الحق عليهم، ولولا ذلك لأنفذ الحق عليهم كما أنفذوه على ***ة عبدالله بن خباب إذ قدر على مطالبة ***ته.
فعلي رضي الله عنه طلب حقه وقاتل عليه، وقد كان له تركه ليجمع كلمة المسلمين، ومن ترك حقه رغبة في حقن دماء المسلمين فقد أتى من الفضل بما لا وراء بعده، ومن قاتل عليه ولو أنه فلس فحقه طلب، ولا لوم عليه، بل هو مصيب في ذلك، وبالله التوفيق .
ثم ليعلم أن هذه الفتنة التي وقعت إنما هي بين بعض الصحابة رضي الله عنهم، وهم الذين اجتهدوا ورأوا أن الحق مع إحدى الطائفتين فلحق بها، أما أكثر الصحابة فاعتزلوا الفتنة.
يقول الإمام محمد بن سيرين رحمه الله: "هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرات الألوف، فلم يحضرها منهم مائة بل لم يبلغوا ثلاثين .
ويقول الشعبي رحمه الله: "بالله الذي لا إله إلا هو ما نهض في تلك الفتنة إلا ستة بدريين ما لهم سابع أو سبعة ما لهم ثامن" .
فكان منهجهم رضي الله عنهم اعتزال الفتنة ولزوم البيت وترك القتال.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "والذين قعدوا عن القتال جملة أعيان الصحابة كسعد وزيد وابن عمر وأسامة ومحمد بن مسلمة، وأبي بكرة، وهم يروون النصوص من النبي صلى الله عليه وسلم في القعود عن القتال في الفتنة.
وهذا مذهب أهل الحديث وعامة أئمة السنة حتى قال الإمام أحمد: لا يختلف أصحابنا أن قعود علي عن القتال كان أفضل له لو قعد، هذا ظاهر من حاله في تلومه في القتال وتبرمه به، ومراجعة الحسن ابنه له في ذلك، وقوله له: ألم أنهك يا أبت؟ وقوله: لله در مقام قامه سعد بن مالك, وعبدالله بن عمر، إن كان برا إن أجره لعظيم، وإن كان إثما إن خطأه ليسير" .
وينبه الإمام النووي على أمر مهم فيقول: "قوله صلى الله عليه وسلم : ((إذا تواجه المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار)) ، معنى : تواجها ضرب كل واحد وجه صاحبه أي ذاته وجملته، وأما كون القاتل والمقتول من أهل النار فمحمول على من لا تأويل له ويكون قتالها عصبية ونحوها ...
واعلم أن الدماء التي جرت بين الصحابة رضي الله عنهم ليست بداخلة في هذا الوعيد، ومذهب أهل السنة والحق إحسان الظن بهم والإمساك عما شجر بينهم، وتأويل قتالهم وأنهم مجتهدون متأولون لم يقصدوا معصية ولا محض الدنيا، بل اعتقد كل فريق أنه المحق ومخالفه باغ، فوجب عليه قتاله ليرجع إلى أمر الله، وكان بعضهم مصيبا وبعضهم مخطئا معذورا في الخطأ لأنه لاجتهاد، والمجتهد إذا أخطأ لا إثم عليه، وكان علي رضي الله عنه هو المحق المصيب في تلك الحروب. هذا مذهب أهل السنة، وكانت القضايا مشتبهة حتى أن جماعة من الصحابة تحيروا فيها فاعتزلوا الطائفتين، ولم يقاتلوا أو لم يتيقنوا الصواب ثم تأخروا عن مساعدته منهم" .
ختاما: إن الناظر في حال الصحابة رضي الله عنهم يظهر له ويتبين سلامتهم من الفرقة، فقد كانوا على الجماعة حريصين، ومن الفرقة بعيدين، وفي موقفهم من الفرقة متحدين، لتقديمهم نصوص الوحي، ولاتباعهم هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولسلوكهم السبيل الذي دعا إليه محمد صلى الله عليه وسلم كما قال الله تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [يوسف: 108].
فهم رضي الله عنهم سائرون على الصراط المستقيم الذي وصاهم به ربهم تعالى، مجانبون في ذلك سبل الضلالة، قال الله تعالى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام: 153]
إن وحدة الموقف تنتج من وحدة المنهج، فهل تعي الأمة ذلك وتعود لتوحد مناهجها لتتحد مواقفها، وتعود لقول ربها لتلتئم وحدتها بتوحيدها لله رب العالمين قولا وعملا، وتصديقا وتسليما، ويعود كما كان البنيان المرصوص، والجسد الواحد، أسأل الله ذلك.
__________________
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 05:47 PM.