#1
|
|||
|
|||
حوار من القرآن
حوار من القرآن ربي، كلما شعرت بالحزن يجول بخاطري مسكن الغربة في سكينة وهدوء لاضطراب قلبي، والذي تواسيه دموع عيوني، يبدو عليَّ الحزن، يذوب بداخلي ويتفوق على آهاتي في أن خوفي منك يا الله يزلزل فكري وطموحي، رهبًا وطوعًا لك يا رب. أرى جميل صنعك في نفسي وفي غيري وفي كل شيء يحيط بي، تتقاذفني الأقدار حتى أتعب من تفسير الأحداث بتعاقب الآلام، وتكالب صفوف المراقبين، لما ضممت مصحفي إلى صدري، لأني أستمد قوتي من هذه الضمة، وأترجم ألغاز الحياة من آياتك، فرُحْتُ أناجيك في وحدة الغربة، وظلمة الوحدة، فلم تُغنِني البلاغة عن خفة لساني، ولم تُرضني فرص الدنيا عن كمال عجزي. فقد علمتني الحياة أن أتلقى كل ألوانها رضًا وقبولاً؛ لأني رأيت أن الرضا يخفف أثقال صدري، إن رضيت بما قسمته لي يا الله، فرُحْتُ أمزج الحمد والشكر حمدًا جزيلاً؛ لأني لم أخشَ من اللئيم أذاه، ولا من النبيل انقطاعًا عن الإحسان؛ لأن في قلبي مكانًا لكل ضيف، ولا يهمني إن كان مؤنسًا أو ثقيلاً، فلا يضيق صدري بغم عند حادثة؛ لأني أدركت أن في الغم أحيانًا خيرًا كثيرًا، فكم من مسرات لي انقلبت عذابًا منغصًا، وإليك لجأت يا الله، أسعى بالدعاء والترجي بكرة وأصيلاً، فكيف لي أن أكفَّ عن مناجاتك وأنت مَن وهبتني القوة والشجاعة لأغيِّر ما تقدر يدي على تغييره، فأمسيت أميِّزُ بين هذا وذاك بعد أن أعجزني الصبح أن أميز بين شظايا اليوم الزاهي ونسمات الليل السائحة. كلما توكلت عليك يا رحمان، يرحل الندم من أوج إصراره إلى ضعف تأكيده من أني في الحياة أسكن ببواطن الصعاب لأولد من جديد دون أن يلفني الغضب تمردًا من الحرمان. بالأمس كنت أبكي حينما أغرق في بحر التيه، ولكني اليوم أمسح دمعي حينما أستشعرك بداخلي في كل اللحظات أكثر من ساعات الأمس، فيتولد لهيب المقاومة لكل ما هو رديء، فقد كانت لي هفوات أقر أنها غيَّرت مجرى حياتي، فأيقنت أن في المحنة منحةً جميلة خفية، لو لم أتعلم ثقافة الابتلاء لَمَا عرَفْتُ ما جهلتُ من فضلك. يقودني الخيال إلى أن أسبح في متاهات هذا الكون الواسع، كم يبدو الاستخفاف من ظلي، ولم أكن أدري، فهل من الضعف والعجل أني لم أنتبه لنقَّادي من خلفي أم لتركيزي على التسبيح أكثر من تفاهة النقد الهدام؟ بالأمس وإلى اليوم رفضتني خواطر أحبابي في أنه لا مكان لي بين أشعارهم، فانسحبت بكبريائي عنهم، وأنا أرتدي رداء العزة والزهد؛ لأستظل في ظلال القرآن فوجدت: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ ﴾ [الحجرات: 11]، فرُحْتُ أنهل من البيان ما كان لي حجة لي من أن ما عندك يا الله خير مما يملكون؛ ﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ [القصص: 60]. لكم كبرت أمام نفسي حينما استصغرني الغير أمامهم؛ فكان النداء من ﴿ الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 32]، فكان لإيماني متاعٌ ووقف لمتاع الغرور، فرُحْتُ أرتل {﴿ لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ [الحديد: 23]. كان ترتيلاً أبديًّا دونما فواصل، فالصوت كان يلتحق برنة التجويد مرة، وبغنة الترتيل مرة أخرى. لكم تمتعت بنشوة الوعد، وحتى لا أصاب بالغرور تذكرت قصة سيدنا داود أن ناداه الله في قوله: {﴿ يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ ﴾ [ص: 26]. الآن أعرف جيدًا مقصدي من هذا الحوار القرآني بمعية الله في رحلة العبودية، وبعد أن استيقظت من غفلة الحزن، لك الحمد يا رب. فليتَك تحلو والحياةُ مريرة وليتك ترضى والأنام غِضابُ وليت الَّذي بيني وبينك عامرٌ وبيني وبين العالَمين خرابُ إذا صحَّ منك الودُّ فالكلُّ هيِّنٌ وكلُّ الذي فوق التُّرابِ ترابُ اللهم اجعل القرآنَ الكريم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي وغمي. رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Culture/0/57149/#ixzz2YkkOtcAj
__________________
|
العلامات المرجعية |
|
|