اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > قصر الثقافة > المواضيع و المعلومات العامة

المواضيع و المعلومات العامة قسم يختص بعرض المقالات والمعلومات المتنوعة في شتّى المجالات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 31-05-2013, 10:44 AM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,687
معدل تقييم المستوى: 28
abomokhtar is just really nice
New مُكاشَـــفَة




بقلم د/ محمد عبد الشافي القُوصي
سُبْحَــانَ الذي أضحكَ وأبكى!!
ربما كانت هذه آخر الكلمات التي سمعها من شَيْخهِ قبل اختفائه بشكلٍ مفاجئ!
غاب بعد ذلك حيناً من الدهر باحثاً عن حياة الراحة والدعة والرفاهية .. وَلَمْ يدرِ بنفسه.. ولا شيخه يدري .. ولا المُنَجِّم يدري!
عندما سَمِعَتْ البلدةُ بذلك أصابها من الأَسَى ما أصابها .. وَغَشَّاها ما غشي!
مع مرور الليالي والأيام رَكَنَ إلى الدنيا واطمأن لها.. وَأَخْلَدَ إلى الأرض واتَّبعَ هواه .. وأصابه من العُجْب والخُيلاء والبَطَر ما أصابه.. إلى الحد الذي جعله ينهر السائل المسكين.. وَيُبكِّته على الملأ.. قائلاً له: اغرب عني يا أحقــر إنســان!
مكث بعيداً عن وطنه بلا هدفٍ ولا غاية .. وعانى من اغترابٍ نفسي مرير.. وفراغٍ روحي مهين.. وصار "كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا" فأصبح يُقلِّبُ كَفَّيْهِ على ما كان منه!
* * *
ذات ليلة كان مُسْتلقِياً على ظهره يتأمل في مصابيح السماء المتلألئة.. فاستشعر جلال الله وبدائع صنعه.. ثمَّ استرجَعَ خواطره القديمة في مجالس الذِّكْر وصحبة الأخيار!
فقال: يا رَبِّ كَمْ أَعصِيكَ ولا تُعاقبني؟!
فَقِيلَ له: كَمْ أُعاقبكَ وأَنْتَ لا تَدرِي .. أَلَمْ أَحْرِمْكَ حـلاوة مُنَاجَـاتي؟!
فاستيقظ فَزِعا ً.. وجفاه النومُ إلاَّ غفوةً قُبيْل الفجر .. رأى فيها رؤيا عجيبة.. رأى شيخه يمسك بلحيته.. ويعاتبه بصوتٍ خاشعٍ حزين.. قائلا ً:
يا ولدي؛ دنيا لا يملكها من يملكها .. أغنى أهليها سادتها الفقراء!.. الخاسر من لمْ يأخذ منها ما تعطيه على استحياء!.. والغافل من ظنَّ الأشياءَ هي الأشياء!
صدقني يا ولدي: أنَّ الموتى ليسوا هم هاتيكَ الموتى!.. وأنَّ الراحة ليست هاتيكَ الراحة!
يا ولدي: لنْ تبصرنا بمآقٍ غير مآقينا .. لنْ تعرفنا ما لم نجذبكَ فتعرفنا وتكاشفنا.
يا ولدي: أدنى ما فينا قدْ يعلونا .. فكن الأدنى تكن الأعلى فينا !
* * *
عندئذٍ ثار على نفسه الأمَّارة بالسوء ثورةً عارمة .. فأَجْمَعَ أمره وقرر العودة .. وَلَمْ ينتظر حتى يَتبيَّنَ له الخَيْطُ الأبيضُ من الخَيْطِ الأسودِ من الفجر!
تساءل مع نفسه:
هَلْ يحق ليَ الرجوع؟
وكيف أعتذر للشيخ الذي يرى بنور الله؟!
وماذا سأقولُ له؟!
وكيف أخفي عنه شيئاً؟
والصدقُ هو الخيط الذي يربط بيننا .. ولطالما تَفَرَّسَ الشيخُ الجليل في تلامذته ومُرِيديه وقرأ ما بداخلهم ..!
تَقاطرتْ بعض الخواطر القديمة على عقله فتوجَّسَ أكثر وأكثر.. خاصة عندما تذكَّرَ يوم أنْ أَمسكه الشيخ بيده وأخذه بعيدا ً عن الناس.. وسأله:
ما مَنَعَكَ عن صلاة التهجُّد الليلة الماضية؟
فقال: وَهَلْ تعْلَم الغَيْب؟!
قال: لا .. ولكنِّي لَمْ أَرَ النورَ الذي كان يشعُّ من وجهكَ كل صباح!
* * *
لَمَّا تَوَجَّه تلقاء البلدة داهمته ذكريات جميلة فقادته طوعاً إلى الطريق الأيمن المتجه إلى (ساحة الأحبة)!
هنالك استأذنَ في الدخول .. فَلَمْ يُؤذَن له!
فألحَّ على "الحاجب" أنْ يأذن له ... فزجره قائلاً: كيف تطمع أن تدخل على الشيخ وأنت مُكبَّل بشهواتك؟!
فَمَكَثَ غير بعيد يتململ باكيا ً.. نادماً أشدّ الندم .. حتى تَقطَّعتْ نفسه حسرات!
عندما عَلِمَ الشيخ بذلك استبشر به واطمأنَّ له.. وقال: أدخلوه عَليَّ الآن .. فطارَ فرحاً كفرح مُوسَـى بلقاء الخضــر! .. وراح يُقَبِّل يده، فسحبها منه، وقال: لا .. حتى تُصَلِّي بنا الظهر!
فأبَى بشدة ... لكن الشيخ أَصَرَّ إصراراً شديداً.
فقال: إنْ صَلَّيْتُ بكم "الظهـر" فلنْ أُصَلِّيَ بكم "العصـر".
فَضَحِكَ الشيخ حتى بَدَتْ نواجذه!.. ثُمَّ قال: كأنكَ تَأْمَل أنْ تعيش إلى العصر ... نعوذُ بالله من طول الأمل الذي ابتُلِيتَ به!
بعدما قُضِيَتْ الصلاة، عاتبه بِرقَّةٍ حانيةٍ وشفقةٍ مفرطة.. قائلاً: لماذا كرهتنا يا فتى؟!
فَأصابه الخجل، وَلَمْ يَردّ بكلمةٍ واحدة!
فأمسكَ الشيخُ بكتفه.. وقال:
كان (إبليـس) يُدْعَى طاووس الملائكة، فَلَمَّا عَصَى أُخرِجَ مَذءوماً مَدْحُوراً! و(قابيـل) حَبِطَ عمله بسبب جُرْمهِ في حق أخيه!.. و(بلعـام) كان معه الاسم الأعظم.. لكن بمعصيته صار مَثَلُه كَمَثَلِ الكلب! .. و(يهـوذا) كان من الحواريين الأصفياء لكنْ بخيانته للسيد المسيح دفع الثمن غاليا!
فطأطأ رأسه أسفاً.. وَتَصبَّبَ منه العرق!
سأله مرةً أخرى: لماذا أَخَذَتْكَ الدنيا إلى هذا الحد؟
فقال: بَلْ؛ إنَّني أبغضُ الدنيا أَشدّ البغض.
فَتَبَسَّمَ "الشيخ" وَهَزَّه هزةً عنيفة.. وقال:
يا بُنيَّ .. مَنْ ادَّعَى بُغْض الدنيا فهو عندي كَذّاب إلى أنْ يثبت صِدْقُه، فإنْ ثَبَتَ صِدْقُه فهو مجنون! .. فإنَّ "آدم" لَمَّا نُهِيَ عن الشجرة حرص عليها مع كثرة الأشجار المُغْنِية عنها! .. و"يعقـوب" لَمَّا طُلِبَ منه "بنيامين" ]قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ[؟ فقالوا: ]وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ[ فقال: خُذُوه! .. وبالرغم من كثرة مال "شُـعيْب" إلاَّ أنه طَمِعَ في زيادة الأجر من موسى.. فقال: ]فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ[! و"سُلَيْمَـان" دعا رَبَّه ]هَبْ لِي مُلْكاً[!
عندما سمع هذه الكلمات ذات المعاني البعيدة ضحك وَلَمْ يتمالك نفسه!.. ثمَّ خَرَّ يُقَبِّل يد الشيخ.
فسحبها منه بقوة، وقال:
لا .. حتى تَصْدُقني القول: هَلْ عَمِلْتَ بما عَلِمْت؟.
فقال: لا.
قال: فَلِمَ تَسْتكثِر من حُجَّة الله عليك؟ وَيْلٌ ثمَّ وَيْلٌ لمنْ لَمْ يعلم ولَمْ يعمل مرة. وَوَيْلٌ لِمَنْ عَلِمَ ولَمْ يعمل سبعين مرة!
أدركَ على الفور فَحْوَى الكلام ومراميه .. فاحْمَرَّ وجهه خجلاً.
فَمَسَحَ الشيخُ على رأسه.. وقال: اعلم يا بُنيَّ .. أنه يُغْفَر للجاهل سبعون ذنباً قبل أنْ يُغفَرَ للعالِمِ ذَنْبٌ واحد!
* * *
قبل أنْ ينصرف أراد "الشـيخ" أنْ يُعلِّمه درساً في التواضع وإنكار الذَّات فقال له: اذْهَب .. وابحث عن أحقـر إنسان.. وافعل أَيَّ خدمة يطلبها منك!
فراحَ يجوب شوارع (الأقصر) شرقاً وغرباً عسى أنْ يعثرَ على هذا الحقـير!
فجأة.. وَقَعَتْ عيناه على كَهْلٍ مريض يتساقط عليه المطر بغزارة، والرياح تجرف نحوه كناسة الشوارع .. حتى صَارَ كأنَّه كَوْمَةٌ من الطين!
فتساءلَ:
وَهَلْ هناكَ أحقــر من هذا؟
تَوَجَّه نحوه ببطء.. ثمَّ نادي - وفرائصه ترتعد-: يا عَـمِّي .. اطلب أيّ خدمةٍ أَقْضيها لك الآن!
فَتَقلَّبَ الرجل على جَنْبَيْه.. ثمَّ نظر إليه.. وقال ضاحكاً: لَسْـتُ أنا أحقــر إنسـان!!
__________________
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 06:10 PM.