|
قضايا سياسية وأخبار مصرية وعربية وعالمية منتدى يختص بعرض كافة الأخبار السياسية والإقتصادية والرياضية في جميع أنحاء العالم |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
خرائط العـنف على ساحات الثورات العربية
خرائط العـنف على ساحات الثورات العربية د.على ليلة لم يكن العـنف حاضراً فى مشهد البداية لثورات الربيع العربى، حيث تدفقت الجماهير، برغم تناقضاتها الداخلية العديدة لتؤسس الحدث الثورى. ومن الطبيعى أن تحافظ على مساحات الالتقاء بين مختلف الفئات المشاركة فى الثورة، وهى مساحة الإيثارية التى يتطلبها الحدث الثورى. فى لحظة أسقطت الجماهير حسابات المصالح الأنانية، لتبقى على مصلحة واحدة أثيرة تتمثل فى ضرورة نجاح الفعل الثورى. فى أثناء ذلك تساقطت حواجز النوع والدين والمذهب والأيديولوجية، وكل الحواجز الأخرى، بحيث شكلت الجماهير نتيجة لذلك كتلة صلبة، أصبح لها صوتها المدوى الصاخب، الذى عبر عن مخزون القوة الغاضبة، التى فرضت بسلامية رائعة – أذهلت العالم المتحضر – أن يسقط نظام سياسى، سامها سوء القهر والعذاب. ولتؤسس نظاما جديدا، توسمت فيه تجسيد شعارات الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة. وإذا كان نجاح الثورات حالة يعمل فيها الإنسان كل إرادته التى تحدد إتجاه حركة التاريخ، فإنه فى أعقاب لحظات الثورة يبدأ التأمل، حيث تتراجع الإيثارية التى نجح بها الفعل الثورى لتبدأ لحظة حساب المصالح ذات الطبيعة الأنانية. فى هذه اللحظة تبدأ الكتلة الثورية فى التشقق، وتأخذ حسابات المصالح فى التباين، وتتسع التشققات لتصبح اختلافات وتناقضات، وذلك ارتباطا برصيد القهر الذى فرض من قبل النظام السابق، والأمل فى تحقيق الطموحات على ساحة نظام اجتماعى وسياسى جديد، يعبر بنا إلى المستقبل، وعلى هذه الأسس تتحدد المواقف، ويبدأ العـنف فى الوجود والانتشار على ساحة الفعل الثورى. ويرجع انتشار العـنف على ساحة الحدث الثورى، بسبب تفاعلات عديدة تؤسس مناخه او سياقه، منها أن أداء القوى الثورية لم يكن متناغماً، الأمر الذى أسس كثيراً من المشكلات وتخوم الاحتكاك، الذى دفع البعض أحيانا إلى الاحتكاك بالبعض الآخر ولو من خلال العـنف. كما يرجع وجود العـنف إلى مشاعر الإحباط، التى بدأت فى التكثف فى أعقاب الحدث الثورى، ذلك لأن الطموحات التى ازدهرت أثناء الحدث الثورى تبدأ فى التساقط. حينما تكاثرت المشكلات وأصبحت لها وطأتها على البشر، وتأكد البعض أن الجميع لم يكن على نفس القدر من المسئولية والاستجابة لنداء الحدث الثورى. فالبعض ناضل واستشهد، بينما البعض الآخر لازال يناضل، حاملا فى صدره قابلية الاستشهاد. بينما البعض الثالث تسلل بين الصفوف والشقوق وإستولى على مضامين الحدث الثورى. وقد دفع ذلك بالكتلة الجماهيرية الصلبة، إلى التشطى، وبرز نوع من التشرذم الأيديولوجى، الذى تقوى أحيانا ببعض مشاعر التعصب. وإذا كان الجميع قد توقع أن تجسد الثورة شعاراتها بعد سقوط النظام القديم، فإذا بالنظام الجديد يبدد الطاقة دون أن يجسد هذه الشعارات. بالإضافة إلى ذلك، فقد تفاقمت المشكلات وتكاثرت الهموم، ووجدت الأغلبية نفسها فى مأزق، فى هذا السياق انتشرت سلوكيات التحالف والاستبعاد والإقصاء. الاسلاميون رأوا أن الفرصة التاريخية جاءت، وتجسيد أحلام الخلافة أروع من شعارات الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. وأدرك الليبراليون، أن اللحظة أصبحت مواتية حتى يشق التحول الديموقراطى طريقه، وليتمتع الجميع بحرية التعبير وصون الكرامة، وتأكيد العدل الاجتماعى، بحثا عن بناء المجتمع الحديث، تستعيد مصر من خلاله قوتها المادية والناعمة، بينما رأى الشباب أنهم هم الذين قدموا الشهداء، وكبار السن – مع كل الاحترام لهم – ما زالت خطواتهم ثقيلة، وأن الأحداث تسقهم. وعلى الشباب الذين فجروا الثورة، واستشهد رفاقهم من أجلها أن يتحملوا قدرها، حتى تستقر سفنها على خير مرفأ. فى هذا المناخ تفجر العـنف على ساحة المجتمع، بين قوى الثورة وبعضها بعضا من ناحية، وبينها وبين النظام السياسى وليد الثورة من ناحية ثانية، وبين الجميع فى مواجهة أجهزة الدولة العميقة من ناحية أخيرة، فى هذا الإطار برزت ظروف عديدة ساعدت فى انتشار العـنف. من هذه الظروف أن الثورات الإنسانية تعقبها عادة حالة من الفوضى، حيث يسعى رفاق الثورة إلى اقتسام كعكة الثورة، ومن الطبيعى فى هذا الإطار أن تكون هناك أحداث عـنف . بالإضافة إلى ذلك فإن الطموحات والآمال التى دفعت الجماهير للمشاركة فى الثورة، قد تشكل طاقة العـنف، إذا لم يسفر الحدث الثورى عن إشباع حاجات الجماهير التى عانت من الحرمان. يساعد على ذلك ظرف ثالث، يتمثل فى تدفق السلاح الغربى على ساحة الثورات العربية، بقصد أو بدون قصد، حتى يجد الفرقاء ما يتقاتلون به . من الظروف التى ساعدت على انتشار ال*** فى أعقاب الثورات العربية، أن الدولة لا تزال رخوة لم تترسخ أعمدتها بعد، إضافة إلى أن الثورة ظلت مهدده بعودة النظام السابق للقضاء عليها، واستعادة النظام القديم لموقعة ، إلى جانب وجود المهمشين وفقراء المدن الذين يشكلون ضغطا على الحدث الثورى ويهددون بتحويله إلى فوضى (4). ومن الطبيعى أن تلعب هذه الظروف مجتمعه دورها فى تأسيس مواجهات ال***، وترسم خرائطه على ساحات الثورات العربية. أولاً: خريطة التيار الاسلامى كفاعل فى احداث العـنف: يعد التيار الإسلامى بكل فصائلة أكثر الفواعل المشاركة فى الحدث الثورى تنظيما، وذلك بسبب خبرته التاريخية الطويلة، التى تشكلت له نتيجة لتعاملة مع أنظمة سياسية علمانية مختلفة ومتتابعة. تباينت فصائل هذا التيار لتضم – السلفيين – المفتونين بعظمة الماضى، حيث بدأ هذا الفصيل يستدعى مضامين هذه العظمة، ليعيد إنتاجها فى الحاضر، ليبنى مجتمعا إسلاميا منفصلا عن عصره وعالمه. بينما رأى الفصيل الثانى – جماعة الجهاد الإسلامى – أن تأسيس المجتمع الإسلامى فرض عين، ولو بالثورة والعـنف والقـتل، على حين رأى الفريق الثالث – الأخوان المسلمون – أن السياسة هى حاكمة كل شئ، ومن ثم فبناء المجتمع الإسلامى يمكن أن من باب السياسة. وجميعهم يختلف فى تدينه عن مرجعية التدين المصرى، الوسطى، المعتدل والمتسامح والمتفائل، والذى يدرك الإسلام من خلال مرونته وسماحته. فصيل الجهاد الإسلامى يتحدث عن إمارة إسلامية يحاول تأسيسها فى سيناء، يتبنى العـنف لبناء هذه الإمارة، يأتية السلاح من الجهاد الليبى ليخترق الفضاء المصرى ليستقر فى سيناء. فى أعقاب ثورة 25 يناير ارتكبوا باطلا وحراما كثيراً دخل بهم إلى منطقة الحرمة والحرام، فقد هاجموا مقار الشرطة فى العريش، وقـتلوا ستة عشر جنديا مصريا فى رفح أثناء تأهبهم لتناول الأفطار . وفى تونس احتجوا على عدم السماح للطالبات المنقبات بدخول الجامعة، وعلى تشخيص قناه «نسمة» للذات الإلهية ودعوا إلى إقامة إمارة إسلامية . كما أسس أنصار الشريعة، المرتبطون بهذا التيار فى تونس بقيادة «سيف الله بين حسين» المكنى «بأبى عياض» الذى قاتل فى أفغانستان جماعة أطلق عليها «الجماعة الاسلامية المقاتلة فى تونس» ، وفى سوريا يتدفق جهاديون من الجزائر وليبيا ومصر وتونس ومن وزيرستان فى باكستان، إضافة إلى عناصر من تنظيم القاعدة برعاية مخابراتية أمريكية. وإلى جانب العـنف الذى مارسه الجهاديون فى مصر، فقد قـتلوا زعماء علمانيين فى تونس، كما قـتلوا السفير الأمريكى واربعة من أعضاء السفارة الأمريكية فى ليبيا . ويشكل السلفيون الفصيل الإسلامى الثانى، وبرغم أنهم قد تميزوا قبل الثورة بالهدوء، ودعوا دائما إلى عدم الخروج على الحاكم. فإننا نجد أن سلوكهم بعد الثورة قد تغير، حيث تبنوا سلوكيات العـنف، مثال على ذلك نظمت السلفية فى مصر، مليونية تطبيق الشريعة فى 9 نوفمبر 2012 للضغط على الجمعية التأسيسية للدستور لتضمين الشريعة كمصدر رئيسى للتشريع . كما أحبطت قوات الأمن الأردنية، مخططا للجماعات السلفية، للقيام بعمليات إرهابية، إستهدفت بعثات دبلوماسية أجنبية ومراكز تسويق تجارية فى 21 أكتوبر 2012. وتم إعتقال 11 عنصرا من بينهم ينتمون لتنظيم القاعدة عائدون من سوريا. كما اندلعت إشتباكات بين قوات الأمن الليبية، والمليشيات السلفية عقب الهجوم الصاروخى على القنصلية الأمريكية فى بنى غازى، الذى أسفر عن مقـتل السفير الأمريكى «كريستوفر إستيفنز» فى منتصف سبتمبر الماضى عام 2012 (10). كما وقعت صدامات بين الجماعات السلفية والشرطة التونسية فى أكتوبر الماضى، عقب تدخل الشرطة لفض مشاجرة بين السلفيين وتجار خمور . كما وتندد التيارات السلفية فى مصر بالسلطة، برغم توجهاتها الإسلامية، تأكيداً لذلك قول «أحمد عشوش» أحد قياديى التيار السلفى، أنهم لا يعترفون بشرعية الرئيس، لأنه لا يحكم بما أنزل الله، داعيا له للتوبة»، وهو الأمر الذى يمثل تحولاً فى نهج السلفية. القائم على عدم الخروج على الحاكم . وفى تونس إتهم «رضا بالحاج» المتحدث الرسمى باسم حزب التحرير الإسلامى السلفى، الرئيس منصف المرزوقى «بالإلحاد والكفر». بعد تأكيد الأخير بأن السلفية تعد خطراً على الدولة، أثناء زيارته للولايات المتحدة فى السادس من أكتوبر 2012. وقد إتجهت التيارات السلفية أخيراً لاستخدام العـنف بهدف إثبات وجودها، حيث تجلى ذلك فى مصر من خلال محاولة قطع يد ولسان أخوين فى السويس، اعتراضا على اقتحام سلفيين لمتجرهم. ودعوة «مرجان سالم» أحد القيادات السلفية لتحطيم الأهرامات وأبو الهول والتماثيل، وألبسوا تمثال أم كلثوم النقاب. وفى تونس وقعت احداث عـنف قام بها السلفيون، إستهدفت الحانات والجامعات والتجمعات العامة. وفى ليبيا لا تزال الجماعات الاسلامية السلفية تقوم بدور الضبط المجتمعى، على الرغم من تفكيك بعض خلاياها . وفى اليمن مارس الحوثيون العـنف مع النظام السياسى، وحينما قامت الثورة انضموا إلى الثوار السلميين، وإن تميزوا بالقيام ببعض أحداث العـنف . ويشكل الإخوان المسلمون الفصيل الثالث للتيار الإسلامى، ولدى هذا التيار شك فى أجهزة الدولة القائمة، مؤشر ذلك حديث منظريه عن مقاومة الدولة العميقة التى يحاولون تطويعها. ويدعى هذا الفصيل تبنى الأسلوب السلامى فى التفاعل، وهو السلوك الذى ينطلق من قول الشيخ حسن البنا مؤسس الجماعة فى محاولة تعريفها بقوله إنها «دعوة سلفية، وحقيقة صوفية، وهيئة سياسية، وجماعة رياضية، ورابطة علمية ثقافية وشركة اقتصادية» . ويشير تأمل هذا التحديد أو التعريف إلى تأكيده على أربعة مكونات، المكون الأول هو «دعوة سلفية وحقيقة صوفية ورابطة علمية ثقافية. باعتبار أن هذا المكون يهتم بتربية «الأخ» عضو الجماعة، بينما يشير المكون الثانى إلى أنها «هيئة سياسية»، وهو مكون يؤكد على أنها ليست دعوة دينية وأخلاقية فقط، ولكنها سياسية كذلك، بما يتضمن ذلك أن تكون الجماعة لاعبا سياسياً من حقه أن يكسب اللعبة، فى حين يبرز المكون الثالث كونها شركة اقتصادية، بمعنى أن يكون لها إمكانياتها الاقتصادية، بينما يؤكد المكون الرابع على كونها جماعة رياضية تهتم بالتربية البدنية، إذا جاء اليوم الذى نحتاج فيه إلى إستخدام القوة، وهو ما يعنى أن تنظيم وجود هذه المكونات يشير إلى السعى لبناء دولة، موازية للدولة القائمة ، وهو ما نلاحظ بعض تباشيره الآن. وبرغم أن جماعة الإخوان المسلمين، كانت ضمن معارضي النظام السابق، إلا أنها لم تسع ابداً للإطاحة به، خوفا من أن ينالها العنت والعقاب. غير أنها التحقت بالثورة حينما لاحت فى الأفق مؤشرات انتصارها، وبسبب قدراتها التنظيمية العالية، مقارنة بالقوى السياسية الأخرى، فإنها تمكنت من السيطرة على مضامين الثورة ومن ثم على بعض مؤسسات الدولة، بما فى ذلك مؤسسة الرئاسة. وبرغم أن ميلها إلى ال*** محدود من الناحية الظاهرية، إلا أنه كامن فى بنيتها، تجلى أحيانا خلال بعض الأحداث. نذكر منها تظاهراتها لتأييد الحاكم الإخوانى كما حدث فى تأييد الإعلان الدستورى، وأحداث ال*** التى صاحبت انتخابات الرئاسة، أو الاستفتاء على الدستور . يضاف إلى ذلك التواجد المتعمد فى ساحات التظاهر السلمية، التى يقودها الشباب الثورى وتحويلها إلى ساحات ***. إلى جانب ذلك حصار المحكمة الدستورية، حتى لا تصدر حكما بحل الجمعية التأسيسية للدستور. يضاف إلى ذلك الحديث المتكرر شعبيا عن وجود الميلشيات التى تجلى وجودها من خلال بعض افعالها إبتداء من إعتقال بعض الشباب، الذين حاصروا قصر الاتحادية، وحتى التعامل العنيف معهم وحرق خيامهم حتى استشهاد بعضهم . يضاف إلى ذلك تصريحات بعض قادتها، بأن شبابنا – أى شباب الإخوان المسلمين - على استعداد «للاستشهاد» كأنما نحن فى معركة مع عدو خارجى، وليس صراعاً داخلياً بين قوى اجتماعية شاركت فى الثورة . ويمكن القول بأن *** التيار الإسلامى يرجع عموما إلى عدة عوامل أساسية. من هذه العوامل، أن العمل طويلاً تحت الأرض طور قدراتهم التنظيمية، وأن لم يفلح فى تنشئتهم سياسياً، وفق قواعد اللعبة السياسية العلنية. بينما يتصل العامل الثانى بأن أحلام بناء المجتمع الإسلامى بدت تلوح فى الأفق حينما أمسكوا بالسلطة. ومن ثم فقد أعجزهم ذلك عن رؤية المتغيرات الداخلية والخارجية، بحيث كانت تصرفاتهم ذات طبيعة تكتيكية وليست استراتيجية، إلى جانب الفشل فى إدراك مغزى التجارب الإسلامية الناجحة التى وصلت إلى الحكم، كما هى الحال فى إيران، التى عمقت تدين الجماهير أولاً، ثم انتقلت من الدين إلى السياسة، أو كما هى الحال فى تركيا، التى أجادت النخبة الدينية فيها قواعد اللعبة السياسية ووصلت إلى السلطة، ومن باب السياسة إتجهت تدعيم الدين. على عكس ذلك لم ينجز التيار الدينى فى مصر وتونس وليبيا وحتى سوريا تديين الجماهير، كما حدث فى إيران، ولا أتقن قواعد اللعبة السياسية كما حدث فى تركيا. نتيجة لذلك شعر بالحصار، وبمناخ عدائى محيط، فلم يكن أمامه وأمام قادتها، سوى العناد والعـنف، كطريق لكسر طوق الحصار. ثانياً: خريطة العـنف على ساحة الشباب: يعتبر الشباب هم الكتلة الفاعلة منذ بداية ثورة 25 يناير 2011، حيث توافرت لهم مجموعة من الخصائص التى أهلتهم لأن يلعبوا الدور المحورى فى تفاعلات الحدث الثورى. وترجع الفعالية الشبابية فى الثورة لعدة عوامل أساسية، منها أن التكوين الديموجرافى للمجتمع المصرى، يشير إلى أن الكتلة الشبابية تصل إلى 44% من حجم السكان. ومن الطبيعى أن يكونوا هم أصحاب المصلحة الغالبة فى المجتمع الحاضر والمستقبل ، يضاف إلى ذلك أن الشباب هم الذين عانوا من مجتمع ما قبل الثورة، حيث ارتفعت معدلات البطالة، وتردت الأوضاع المعيشية، وتضاءلت مختلف فرص الحياة أمامهم، إضافة إلى تردى أوضاع التعليم، وضعف المؤسسات الأسرية، وعجز مؤسسات المجتمع المدنى عن استيعابهم، وهو الأمر الذى رسخ فى وعيهم أن إشباع حاجاتهم ليس فى المجتمع الحاضر، ومن ثم ينبغى تغييره، وقد ساعد على ذلك أن الشباب، بسبب تكوينهم النفسى والاجتماعى، يميلون دائماً إلى المستقبل، وأنهم - خاصة شباب الشريحة العليا للطبقة المتوسطة - بحكم قدرتهم على التواصل من خلال تكنولوجيا المعلومات، هم الأكثر إدراكا لمدى التردى الذى أصاب مجتمعهم، إذا قورن بمجتمعات العالم المحيط . لذلك شكل الشباب المفرزة الأولى لحركة التغيير، التى تحولت إلى ثورة شاملة، وقد استندت ريادتهم للثورة، إلى أنهم كانوا الأكثر دراية بما يحدث فى العالم من حولنا، وبالتفاعل فى نطاق المجتمع الافتراضى. وقد ساعد انتشار المدونين والمدونات بين الشباب إلى إبرازهم باعتبارهم يشكلون كتلة متماسكة تعبر عن رأيها بصورة سلمية دون خوف أو قلق . يضاف إلى ذلك امتلاكهم لثقافة ومهارات العمل الجماعى، من خلال تشكيلهم اللجان الشعبية التى تولت حماية الثورة، إضافة إلى تنظيم المليونيات المتتابعة للحفاظ على الثورة حية فى الضمير والوعى المصرى الجماهيرى ، وهى الممارسات الشبابية التى دفعت السفير الألمانى فى القاهرة إلى القول «نشارك الشعب المصرى ذلك الشعور، وننظر إلى الشعب المصرى بإكبار، ونود فى هذا السياق أيضا تقديم دعمنا، حتى تتوج هذه الثورة الديموقراطية بالنجاح الحقيقى الذى تكون نتائجه لصالح كل أفراد شعب مصر» . كما أشارت بعض المصادر الأمريكية المنشورة على شبكة المعلومات إلى أن ثورة الشباب المصرى جعلت 70% من الأمريكيين ينظرون بإيجابية للشعب المصرى، إضافة إلى إعجاب القارة الأفريقية بالثورة ومحاولة تقليدها. يؤكد ذلك إشارة نائب الرئيس الغانى إلى «الدرس المصرى للحكام الأفارقة» . وبرغم إبهار الشباب المصرى العالم بثورته السلمية، إلا أنه وقعت مجموعة من الظروف التى شوهت ثوبها الأبيض. من هذه الظروف، أن الأنظمة السياسية التى ظهرت فى أعقاب ثورة 2011 بددت طاقة الحدث الثورى للشباب، سواء عن عدم دراية أو سوء قصد. وحينما طالب الشباب بتصحيح المسار، وقعت أحداث عـنف وصدامات، كان الشباب ضحيتها إما استشهادا أو زجا فى المعتقلات. من هذه الظروف كذلك أن الفصائل التى تولت بناء الحدث الثورى، اختلفت عن الفصائل التى استولت عليه واستمتعت بالسكنى فيه. من هذه الظروف أيضا أن التنظيمات والقوى السياسية المختلفة، لم تستطع استيعاب الكتلة الشبابية، أو تطوير الحركة الثورية فى إتجاه مسارات محددة. إضافة إلى المطالب الفئوية التى بدأت تزدهر، وبدلاً من مواصلة القوى الثورية دفع الحدث الثورى انصرفت تبحث عن الغنائم، بحيث أسلم حصار الحدث الثورى ومحاولة اختزاله إلى تفكيك الكتلة الشبابية، وبروز ائتلافات شبابية طورت رؤى مختلفة للمجرى الذى ينبغى أن ينطلق فيه الحدث الثورى. بحيث أصبحت نتيجة لهذا التشرذم هدفا لعـنف تدفق من مصادر عديدة . وقد شكل التيار الإسلامى أحد مصادر الـنف الموجه للشباب الثائر، وذلك باعتبار أن المؤسسة الرسمية أصبحت تنتمى لهذا التيار، حيث نظر هذا التيار إلى احتجاج الشباب وتظاهراتهم السلمية احتجاجاً على التيار الإسلامى والنظام السياسى الذى ينتمى إليه. لذلك تكررت كثيرا وبصورة كثيفة مظاهر المواجهات بين شباب التيار الإسلامى بفصائله المختلفة وشباب الثوار ذى الأيديولوجيات المدنية أو العلمانية، حيث تكرر ذلك فى الإسكندرية، كما تكرر فى محافظة البحيرة، وفى مدينة المحلة الكبرى، كما تكرر فى محافظة الغربية والدقهلية، إلى جانب بعض مناطق القاهرة. وأبرزها حرق خيام المعتصمين بجانب قصر الاتحادية، والقبض على بعضهم وتقييده وتعـذيبه. حسبما أشارت تقارير صحفية وإعلامية عديدة. وقد تكرر هذا المشهد كثيراً، حيث يبدأ شباب الثورة بتظاهرة سلمية، ثم ما تلبث أن تتحول إلى ساحة للعـنف. حينما تصبح هدفا للعـنف معها سواء من قبل أفراد التيار الإسلامى، خاصة جماعة الإخوان المسلمين، أو من البلطجية وأطفال الشوارع، أو حتى من جماعات «الفلول» . وتتمثل الظاهرة الثانية فى ظهور جماعات «البلاك بلوك»، التى تعتبر امتدادا لجماعات عالمية، ظهرت فى بعض الدول الغربية بسبب قضايا محددة، حيث ظهرت هذه الجماعات نتيجة للعـنف المفرط الذى مارسته الشرطة الألمانية، فى محاولتها إخلاء سكان بعض المناطق لإنشاء محطة للطاقة النووية. وامتدت الحركة إلى الولايات المتحدة أثناء تظاهرات حرب الخليج، وكان من عناصرها نشطاء الأناركية «الفوضية» واللاسلطوية التى «ترفض الدولة»، حيث بدت البلاك بلوك أكثر عـنفا فى عام 2011 ، حينما إحتجت على إرتفاع الأسعار، إذ قامت حينئذ بتخريب كثير من المحلات التجارية فى لندن . ومن خصائص جماعة البلاك بلوك تبنى العـنف واستخدام أدواته كقنابل المولوتوف، والحجارة. كما تميل إلى الدخول فى حرب شوارع مع الأمن، وهى تنصرف سريعا بعد تحقيق هدفها. من خصائصها كذلك أنها قد تلجأ إلى العـنف النوعى مثل قطع الطرق أو السكك الحديدية ، إضافة إلى التخفى خلف قناع أسود، واستخدامها لغة مشفرة على غرار حركات العـنف السرية، إلى جانب أنها تضم الفئة العمرية من 16-25 سنة، ولديهم قدرة عالية على التعامل مع الفضاء الألكترونى، إضافة إلى عدم امتلاكها لأى توجه أيديولوجى أو فكرى . وتوجد مجموعة من العوامل التى دفعت إلى ظهور جماعة «البلاك بلوك»، حيث يتمثل العامل الأول فى فشل القوى السياسية، فى الحكم أو المعارضة، فى استيعاب القوى الشبابية بعد الثورة. يضاف إلى ذلك أن الاستقطاب الدينى – المدنى لعب دوراً أساسياً فى ظهور الجماعة التى برزت لحماية شباب الثورة السلميين من شباب القوى الاسلامية، ومن أجهزة الأمن. تأكيداً لذلك أنه حينما أصدر النائب العام قرارا بضبط المنتمين لهذه الحركة طالبت القوى السياسية بفتح كافة ملفات ال***، ومنها أحداث قصر الاتحادية، دون الاقتصار على التعامل مع هذه المجموعة بشكل إنتقائى . يضاف إلى ذلك إتهام بعض عناصر التيار الاسلامى الكنيسة، بدعم شباب البلاك بلوك، ذلك إلى جانب رخاوة الدولة المصرية على صعيد فضاءات الأمن والقضاء والتنمية، الأمر الذى رسخ جرأة على الدولة . وتشكل البلطجة والتشبيح الظاهرة الثالثة التى نشرت العـنف على ساحة الثورات العربية، حيث تظهر هذه المجموعات فى كل التظاهرات الشبابية السلمية، لتؤسس تحولا نوعيا فى التظاهرات، إذ تبدأ المظاهرات عادة بالطبيعة السلمية غير أنها سرعان ما تنقلب إلى ارتكاب بعض سلوكيات العـنف، حيث تستخدم الحجارة وقنابل المولوتوف والخرطوش، ليتدخل الأمن، ويضرب الحابل بالنابل. وإذا كانت ظاهرة البلطجة تشوه وجه التظاهر السلمى، ومن ثم شباب الثورة، فإنه باستطاعتنا أن نتعرف على العناصر التى يهمها نشر هذه الظاهرة فى فضاء التظاهر . ارتباطا بذلك هناك من يؤكد على أن أطفال الشوارع يشكلون مكونا بارزا فى هذه الظاهرة، فهم يعانون من الحرمان، وتحتوى شخصايتهم روحاً انتقامية. تسعى لحرق هذا المجتمع. الذى لا ناقه لهم فيه ولا جمل، ولا بأس أن يوجه الانتقام إلى الشرطة، التى طالما سامتهم سوء العذاب، بينما يؤكد البعض الآخر بأن البلاطجة والشبيحة هم أدوات النظام القديم، الذى يسعى أفراده من «الفلول» لنشر حالة من الفوضى، لتكون شاهداً على انحراف الثورة، وهم يتحملون عادة تمويل ما يؤجج الحريق وينشر حالة الفوضى. بينما يذهب البعض الثالث إلى أن بعض هذه العناصر تنتمى إلى قوى الاسلام السياسى التى ترغب فى إثبات أن التظاهر يقف عقبه فى طريق الاستقرار. وتوجد شواهد كثيرة على ذلك، نذكر منها الهجوم على مقر حزب الوفد، وجريدة الوطن، وعلى مدينة الإنتاج الاعلامى، وعلى الثوار فى قصر الاتحادية، وماخفى كان أعظم. وفى أحيان كثيرة قد ينضم إلى هذه الشريحة الباعة الجائلون وأبناء الأحياء الشعبية الفقيرة الذين يتوقعون أن تتيح لهم فوضى التظاهر الحصول على بعض الغنائم. ويعد التحرش الجـنسى بالإناث وربما إغتصابهم عنوة أحد المظاهر السلبية التى ظهرت على ساحة التظاهر الثورى. وقد برزت هذه الظاهرة حينما خرجت المرأة بكثافة لتشارك فى التظاهر السلمى الذى استهدف استمرار الثورة وفى التظاهر، فى مواجهة سيطرة الاسلاميين على مقدرات الثورة. فى هذا الاطار تتعجب الناشطة اللبنانية «رويدا مروة» حول انتشار ظاهرة التحرش الجـنسى فى دول الربيع العربى، التى سيطر عليها إسلاميون، الذين من المفترض أن يعمل دعاتهم ورموزهم وبوليسهم باتجاه مراقبة السلوك فى محاولة لإعادة أسلمة المجتمع . وإذا كانت الأجهزة الأمنية قد عجزت عن معرفة المتحرشين إلى حد ****** تسع عشرة فتاة فى ميدان التحرير وما حولها فإن المنطق يشير إلى أن التحرش الجماعى يصدر عمن عادة يرفض أن تشارك المرأة فى التظاهر، بل والذى يرفض التظاهر أصلاً، وهو عادة الطرف الذى ينظر إلى المرأة نظرة متدنية، خاصة المرأة السافرة، حيث يتعامل المتحرش معها غريزيا وعنوة، حتى يكسر كبرياءها ولا تعود إلى ساحة الثورة والتظاهر من جديد . غير أن المرأة المصرية برغم كل ذلك تشارك فى نسج ثورتها، شامخة ومجيدة، بغض النظر عن تدنى الآخرين إلى مستويات غريزية وحيوانية. ثالثاً: خريطة الجماهير كفاعل أصيل فى الثورة: نجح شباب الشريحة العليا للطبقة الوسطى فى تصميم الحدث الثورى فى المجتمع الافتراضى، والنزول به إلى الواقع. حيث تحرك الحدث، وأثناء حركته يكبر وتتسع مساحته مثل كرة الثلج. وحينما هبط الحدث الثورى على أرض الواقع، التحقت به شرائح شباب الطبقة الوسطى، الذين يعانون من البطالة وتوقف حركة الحياة، ثم تداعت الطبقة الوسطى، التى كانت مهددة فى نظام ما قبل الثورة بالسقوط إلى أسفل، إضافة إلى القهر الذى فرض عليها بقانون الطوارئ. كما إنتشر حولها الفساد الذى حرمها من حقها فى الحصول على فرص الحياة . فى أعقاب ذلك تداعى فقراء الريف والحضر، يطلبون حياة جديدة، فقد جربوا أن الثورات تأتى دائماً بالخير، وآخرها ثورة ناصر فى 1952، حيث اندفع الجميع فى محاولة للإطاحة بالنظام السياسى القائم قبل الثورة، والذى فرض الحرمان فاستحق الكراهية من الجميع. فى اليمن أيضا تقدمت القبائل كى تتحالف مع شباب الثوار، وفى ليبيا تداعى الجميع ضد ملك ملوك أفريقيا. وبرغم أن حكام هذه المجتمعات – تونس ومصر وليبيا واليمن - قدموا تنازلات كثيرة، غير أن الشعوب رفضت كل ذلك، لأنها كانت فى شوق إلى مجتمع جديد، وفجر تشرق بعده الشمس. فقد تغيرت سيكولوجية الجماهير، كما تغير عقلها وقد بدأ هذا التغيير فى الشخصية العربية بصورة تدريجية، أدركت معها هذه الشخصية حلاوة مضامين الثورة والاحتجاج ، حيث سبقت الثورة فى مصر مرحلة من الاحتجاجات الفئوية، التى قابلها الجهاز الأمنى بالقسوة فى البداية، وبسبب الضغوط العالمية اكتفى بحصارها، حيث لعبت هذه الاحتجاجات دوراً أساسياً فى التساقط التدريجى لحاجز الخوف، فى مقابل التراجع التدريجى لقوة وهيبة النظام السياسى السابق على الثورة، ومعه جهازه الأمنى، إعتقادا منه أن الابتعاد عن ساحة المواجهة سوف يهيئ الخواطر والأمور . وفى مرحلة تالية بدأت الثورة تنسج رمزيتها، من خلال فريق من المحتجين الذين يطرقون الأطباق بالملاعق، إشارة إلى الجوع والحرمان، بينما فريق آخر يسير ممزق الملابس، يرمز بذلك إلى العجز عن الحصول على الكساء، فى حين افترش فريق ثالث أرضية الوزارات ورصيف مجلس الشعب، إشارة إلى افتقاد المسكن كلية أو المسكن الملائم . على هذا النحو شكلت خبرات الاحتجاج واكتمال الرمزية مرحلة التمهيد لثورة سلامية وحضارية، فى أثنائها سقطت رؤوس الأنظمة السياسية بصورة خاطفة، وبسرعة غير متوقعة. أدركت معها الجماهير أن القهر والحرمان الذى فرض عليها، ليس سببه جبروت الحاكم، بل حالة الخضوع والخنوع التى عاشت هذه الجماهير أسيرة لها. وإبتداء من نجاح الثورة لم تتوقف الجماهير عن الرفض، رفض ممارسات الجهاز الأمنى، بتأكيد أن الشرطة فى خدمة الشعب، وليست سيداً له. فى هذا الاطار تعالت الأصوات بإعادة تأهيل وتربية الأجهزة الأمنية، تحت مسمى إعادة الهيكلة. لذلك كانت كثافة العـنف فيما بعد الثورة، إذا حاولت الأجهزة الأمنية الخروج على طاعة الجماهير، أو إذا أراد الحاكم أن يكون فرعونا جديداً . وتشكل الأوضاع المجتمعية فى أعقاب الثورة ظرفا ملائما لتفريخ العـنف، ففى أعقاب نجاح الثورات العربية وجدت الجماهير نفسها فى مواجهة أنظمة سياسية، فى غالبها ذات توجهات إسلامية. تسعى إلى دفع الثورة فى إتجاهات بعينها، وبحسن نية أو عن سوء طوية، تأرجحت هذه الأنظمة بين الشرعية الدستورية والشرعية الثورية. وفى إطار هذا التأرجح ارتكبت أخطاء غير متسقة مع المزاج الثورى للجماهير، تأكيداً لذلك أن حركة النهضة فى تونس هى التى سيطرت على المجال السياسى. واستيقظت الجماهير فى مصر، فإذا بجماعة الإخوان المسلمين، قد سيطرت بوضع اليد على الثورة. وفى اليمن تحالف الحوثيون مع شباب الثورة، انتظاراً لاختطاف الثورة منهم حين نضجها، وسارت ليبيا وسوريا على نفس الدرب تقريبا، وأدركت الجماهير، خاصة شرائح الشباب، أن تدينها هو تدين معتدل، وسطى وبسيط، عملا بقول رسولنا الكريم «اللهم الهمنى إيمان البسطاء». ترفض هذه الجماهير العـنف باسم الدين كما يفعل الجهاديون، كما ترفض هذه الجماهير، الهروب إلى الماضى كما يذهب السلفيون، لأن الاسلام دين التقدم وإلى الأمام. كما يستبعدون استخدام الدين لقداسته، فى إتجاه تحقيق مآرب سياسية، والقفز على السلطة كما يحاول الإخوان المسلمون. بينما رسولنا الكريم مارس السياسة بعد استكمال بناء المجتمع المتدين، لم يدفع للفقراء زيت ولا سكر، بل قال من غش أمتى فليس منى. ومن الطبيعى أن يقع العـنف بين الذين يمارسون الدين بنقاء وطهاره، وبين الذين يتاجرون بالدين فى سوق نخاسة. وإذا كانت الجماهير التى قامت بالثورة قد تغيرت صورتها عن ذاتها، فهى التى صنعت الثورة، ومن الطبيعى أن يؤكد ذلك إنتماءها لمجتمعها . فإذا تراجع أداء النظام السياسى فى أعقاب الثورة، وإذا أدركت الجماهير أن الآمال تتساقط من بين اصابعها، فإنها تدرك أن رأس النظام السياسى قد أخل بمضامين العقد الاجتماعى، الذى سطرته أصابع الناخبين وقت الاقتراع عليه. فى هذه اللحظة تدرك الجماهير أن الثورة هى التى أعادت إليها روحها، وإنتماءها وكبرياءها، وهى الآن فريسة سوء الأداء السياسى والاقتصادى على السواء، الأمر الذى يهدد بعودة الحالة السابقة على الثورة من جديد. فى هذه الحالة تحدث حالة من التوحش الشعبى، إذا لم يستجب النظام السياسى لمطالبها المشروعة، فإنها قد تنحدر إلى حالة من الفوضى، غير محمودة العواقب. تأكيدا لذلك حالة الانتفاضات الجماهيرية التى انحدرت إلى العـنف، وسقوط قـتلى أو شهداء، فإذا عجز النظام السياسى عن إدارة الأزمة، فإن الجماهير تصبح قابلة لكل سلوكيات العـنف المحتملة، حتى لا تضيع الثورة. وعلينا أن ننظر إلى استمرار العـنف الجماهيرى على ساحات الثورات العربية، باعتبارها خوفا على الثورة، التى أكدت الكبرياء والشموخ، ودعمت الانتماء والارتباط بالوطن. رابعاً: النظام السياسى وإدارة ساحات العـنف: تغيرت أشياء كثيرة فى سيكولوجيا المجتمعات العربية ومنها مصر، فلم يعد الحاكم سليل الفراعنة، ولكنه أصبح أحد أبناء الكادحين فى هذا الشعب، ومن ثم فقد سقطت عنه هالة الفرعون. كما تآكلت قابلية الخضوع لدى الجماهير، وأصبحت المساءلة والتمرد والرفض مفاهيم دخلت فى قاموس حياتها اليومية. كما أنها أصبحت جماهير أكثر وعيا، تدرك ضرورة الحرب على الفساد، وتؤكد على أهمية التحول الديموقراطى. كما تدرك أهمية الاتجاه مباشرة إلى حل المشاكل الاقتصادية للجماهير التى صبرت كثيراً. فإذا لم يحقق النظام السياسى ذلك، فإن التظاهر كمظهر للاحتجاج يصبح واجبا، وهو مقدمة لل*** حينما تتصادم الإرادات. ومنذ قيام ثورات الربيع العربى وجدنا الأنظمة السياسية تمارس العـنف مع شعبها كأن شيئا لم يحدث، ففى مصر مارس المجلس العسكرى العـنف مع المتظاهرين، وإستخدمت أدوات البطش، بواسطة الشرطة المدنية والعسكرية، والقناصة والبلاطجة ذوى الرواتب الحكومية. كما أن الحكومة اليمنية أعملت القتـل والضـرب والتعـذيب فى الشعب اليمنى، وشباب الثورة، ضاربة عرض الحائط بكل مواثيق وإعلانات وإتفاقيات حقوق الإنسان . وحينما تمكنت بعض هذه المجتمعات من قطع خطوات على طريق التحول الديموقراطى، حيث أجريت الانتخابات التى أتت بحكام مدنيين، توقعت الجماهير خيراً غير أنها وجدتهم عاجزين عن تحقيق الاستقرار، الذى اشتاقت إليه هذه الجماهير. ففى كل الثورات العربية وقعت اشتباكات بين المتظاهرين وكتائب الأمن المركزى، الذى إستخدم المياة الساخنة وقنابل الغاز وطلقات الخرطوش والرصاص الحى، حدث ذلك فى مصر وتونس وليبيا واليمن على السواء. بالإضافة إلى ذلك، فقد أصبحت الدولة متناقضة، فهى أمام العالم الخارجى والقوى العالمية خاضعة ومطيعة، غير أنها مستأسدة على شعوبها، وإذا كانت الشعوب قد ثارت على التبعية، فإنها تثور وتعـنف وتتظاهر، حينما تدرك أنه أصبح للتبعية موطئ قدم من جديد . يضاف إلى ذلك أنها دولة تفتقد القدرة على الإبداع، سواء فى التعامل مع شعبها، أو فى مواجهة المشكلات الواقعية، التى تعانى منها الجماهير، أو فى إزالة حالة الاحتقان السياسى وحل تعقيداتها. سلوكها هروبى، تتسبب فى صنع المشاكل ثم تختفى وراء جدران القصور، الأمر الذى أسس حالة من الجرأة عليها، خاصة من قبل جماهير عانت من الحرمان طويلاً. كسرت حاجز الخوف، تأكيداً لذلك الهجوم المتتابع على قصر الاتحادية فى مصر، وكل القصور فى ثورات الربيع العربى. يضاف إلى ذلك أن الدولة لم تعد وحدها تحتكر العـنف، كما يؤكد تنظير الاجتماع السياسى، الذى يؤكد على ضرورة احتكار الدولة وحدها لحق ممارسة العـنف، وفق القانون لفرض النظام. دون الخضوع لطائفة أو جماعة أو طبقة. غير أننا نلاحظ فى بعض دول الربيع العربى مثل تونس ومصر أن الدولة لم تعد تحتكر العـنف، بل ثمة جماعات غامضة من البلطجية تارة، أو بعض فصائل التيار الاسلامى تارة أخرى، أو القناصة و قـتلة الثوار تارة ثالثة، أصبحت هى الأخرى مؤسسات تمارس العـنف ، وهو الأمر الذى يدفع الأطراف التى يوجه إليها العـنف إلى ان تعـنف هى الأخرى فى المقابل، ونتيجة لذلك تنتشر حالة من الفوضى. يضاف إلى ذلك أن بعض دول الربيع العربى بعد القيام بثوراتها أصبحت تعانى من حالة من الانسداد السياسى، حيث تتجه غالبية الأنظمة السياسية بعد الثورة إلى تهميش غالب القوى السياسية. كما تتجاهل المطالب الثورية، التى تظل عالقة فى فضاء المجتمع، والتى تستنفر الجماهير لتطرق سلوكيات العـنف. يضاف إلى ذلك محاولة اختزال بعض النظم السياسية، الدولة لصالح الجماعة أو الفئة التى ينتمى لها رأس النظام السياسى، أو محاولة اختزال الديموقراطية إلى ديموقراطية الصندوق المصاب بالعبث أحيانا. ذلك إلى جانب ميل الأنظمة السياسية التى تشكلت فى أعقاب الثورات، إلى الاحتكام للعصا الأمنية فى تعاملها مع الجماهير ، وكأن شيئا لم يتغير، وأن ثورة لم تتفجر، أو أن الليلة من المؤكد أنها أصبحت أشبة بالبارحة. آخر تعديل بواسطة admin ، 05-05-2013 الساعة 08:34 AM سبب آخر: محتوى عنيف |
#2
|
||||
|
||||
الغليان الاجتماعي: المتغيرات الوسيطة لبروز "العـنف الفوضـوي" في الدول العربية محمد عز العرب تشهد عدد من الدول العربية، بدرجات متفاوتة وأشكال مختلفة، تصاعدًا في الغليان الاجتماعي social Turmoil، الذي قاد العـنف ليتحول إلى فوضى، أو بروز ما يطلق عليه علماء الاجتماع "العـنف الفوضوي"، وهو ما برز في مؤشرات عملية متصاعدة وليست أحداثًا فردية عابرة، تعبر عن سياسة القوة المنفلتة التي تتبعها الجماهير الثائرة في المنطقة العربية، ومنها الهجوم على مديريات الأمن وأقسام الشرطة، ومحاصرة المحاكم، واستهداف مقرات المحافظات والحكم المحلي، وقطع الطرق، وتعطيل المترو، والتمثيل بالجثث، وتصاعد الاحتجاجات الفئوية إلى درجة وصلت إلى مطالبة المساجين بالإفراج الفوري عنهم، على نحو يعطي انطباعًا بتآكل إن لم يكن انهيار دور الدولة في نهاية المطاف، لأن نمط "التفكير الفوضوي" صار هو الحاكم في الممارسة العملية. وقد عبرت عن هذه الحالة التساؤلات التي طرحها الكاتب والإعلامي عماد الدين أديب "الدولة إما أنها موجودة أو معدومة الوجود.. السلطة إما أنها لدولة القانون أو الفوضى.. الاحتكام إما أنه للقضاء الحر أو للشارع الغاضب.. إدارة للبلاد أم فوضى"، وهو ما أعاد إلى الأذهان المقولة الشهيرة للرئيس المصري السابق مبارك "أنا أو الفوضى". غير أن العـنف ليس ظاهرة سلبية على الدوام. ففي بعض الأحيان تنتج عنه آثار إيجابية، فممارسات العـنف غير الرسمي قد تدفع النظام السياسي إلى تطوير سياسات فعالة لمواجهة المشكلات التي تفرز العـنف، وتؤدي إلى تصاعده.كما قد يكون العـنف الوسيلة الوحيدة المتاحة للتخلص من أوضاع بائسة وظالمة، على نحو ما خبرته الأمم والمجتمعات التي شهدت تحولات ثورية كبرى، إذا ارتبطت غالبًا بدرجة ما من العـنف السياسي. ومن ثم، فإن واحدًا من الأسئلة المركزية المثارة خلال المراحل الانتقالية في دول الثورات العربية أو حتى تلك الناجية من عاصفة التغيير الجذري، تلك التي تتعلق بالمتغيرات الوسيطة التي تجعل بعض المجتمعات لا تشهد ***ا صريحًا وتتفادى ما يطلق عليه "دوامات العـنف المتكرر" أو تحتويه الدول في مناطق جغرافية صغيرة أو خلال فترات زمنية قصيرة، مقارنة بتحول العـنف إلى فوضى مستمرة، خاصة وأن العـنف مرحلة سابقة على الفوضى، ويمكن التعامل معه واحتوائه بدرجات مختلفة، لكن الفوضى يصعب السيطرة عليها في كثير من الأحيان، لا سيما في لحظات الانتقال الديمقراطي حيث تزداد أعمال ال*** أكثر من الوقاية والتعافي منه، فمن الصعوبة بمكان الفصل بين أسباب العـنف وآثاره. فأغلب المجتمعات تواجه بيئة قاعدية ملائمة لاندلاع العـنف، وفي بعض الأحيان تحوله إلى فوضى عارمة، فالدخول المنخفضة والبطالة المرتفعة والمؤسسات الضعيفة والثقة المتدنية والمخاطر المستمرة وزيادة عدم المساواة بين الفئات الاجتماعية والسلطوية السياسية، لها جميعًا علاقات سببية بالعـنف الداخلي بأبعاده المختلفة، سواء الاجتماعي أو الجنائي أو السياسي. وتكمن المشكلة التحليلية في فرملة تدحرج العـنف ككرة الثلج إلى فوضى، وهو ما يتعين التعامل معه بمعالجة المشكلات "من المنبع" كما هو متبع في النظام الضريبي الحجز من المنبع. مسببات اندلاع الفوضى هناك العديد من المتغيرات التي تفسر تحول العـنف إلى فوضى، في العديد من الدول العربية، لأن هناك ما يسمى بلغة الإحصاء "معامل الارتباط المتعدد" أي العلاقة بين العـنف من جانب والمتغيرات الأخرى من جانب آخر على النحو التالي: (*) هشاشة المؤسسات. تركزت أغلب الإجابات في أدبيات العلوم السياسية على المتغير الوسيط وهو "ضعف الشرعية المؤسسية والحوكمة السياسية" إذ إن مؤسسات الدولة القوية التي تتيح فرصًا سياسية واقتصادية مفتوحة، مما يخلق سبلا سلمية للتنافس ولها مصداقيتها؛ هي الكفيلة بذلك باعتبارها قوة النظام المحصنة أو القدرة الاجتماعية على التكيف الكامنة في صلب المؤسسات الشرعية. على الجانب الآخر، يتبنى البنك الدولي مفهوم "الهشاشة" للدلالة على العلاقة الارتباطية بين الضعف المؤسسي والعـنف الفوضوي. ففي الأوضاع الهشة، وهي الفترات التي تفتقر فيها الدول أو المؤسسات للقدرة، والخضوع للمساءلة، أو المشروعية اللازمة للتوسط في العلاقات بين مجموعات المواطنين والدولة نتيجة ضعف رأس المال الاجتماعي، مما يجعلها معرضة للمعاناة من العـنف. وهنا يقارن تقريرُ البنك الدولي لعام 2011 العلاقة السببية بين المشروعية المؤسسية الضعيفة والعـنف بالعلاقة بين نظام المناعة في جسم الإنسان وبين المرض. فالمؤسسات الضعيفة تجعل الدولة معرضة للمعاناة من تحول العـنف إلى فوضى، مثلما يجعل نظام المناعة الضعيف الجسم معرضًا للمعاناة من المرض. ولا تعني استعادة صحة الجسم معالجة المرض فحسب، بل تعني أيضًا استعادة قدرة الجسم على محاربة المرض. والحال مماثل بالنسبة لضعف الشرعية المؤسسية، قد يتباين سبب كل نشوب للعـنف، لكن العلة الأساسية لعجز المجتمعات عن مقاومة الضغوط هي أن مؤسساتها أضعف من أن تعالج سلميًّا. ومن ثم، تتطلب الحلول الدائمة للعـنف ما هو أكثر من مجرد التصدي لكل ضغط بمفرده، فالحلول السببية التي لا تنطوي على تغيير المؤسسات قد تؤدي إلى تأجيل المشكلات بدلا من الاتجاه إلى حلها. بعبارة أخرى، العـنف لا يمكن احتواؤه بسهولة وخاصة عندما لا تكون المؤسسات ضعيفة. ويجد هذا التصور جذورًا له في كتابات أحد فلاسفة العقد الاجتماعي "توماس هوبز" الذي يرى أن الصراع المدني العنيف يحدث نتيجة ضعف قدرة الدولة على ردع من يتحدونها وإدارة الصراع بين الجماعات في المجتمع. وقد عبر البعض عن هذه المعضلة بالثنائيات الحدية "تعسف في استخدام الحرية من جانب قوى المعارضة، يوازيه تعسف في استخدام الحرية من جانب أحزاب السلطة" أو ما أطلق عليه المفكر السيد يسين "انتهازية النخبة وغوغائية الشارع". (*) مخاطر التوقعات المعاكسة. تبرز إشكالية أخرى تسهم في تحول العـنف إلى فوضى، وفقًا لأحد التفسيرات، وهي ارتفاع الضغوط الاجتماعية في مرحلة ما بعد الثورات الشعبية والانتفاضات الجماهيرية، مع تصاعد الإحباطات المجتمعية نتيجة الإخفاقات المتلاحقة في تحقيق أهداف الحالة الثورية، وهو ما يطلق عليه "مخاطر التوقعات المعاكسة"، لا سيما في ظل محاولة الحزب الحاكم في السلطة أو التيار السياسي المهيمن من خلال صندوق الاقتراع السيطرة على مفاصل الدولة، وليس مجرد الاكتفاء بمواقع الحكم، على نحو يُعلي من هدف المغالبة على الاتجاه نحو المشاركة، وفقًا لمنطق "الفائز يحصد كل شيء"، وهو ما يؤدي إلى عدم استيعاب مغزى العـنف، وتحوله إلى فوضى، الأمر الذي عبر عنه البعض بـ"الطغيان الانتحاري". وهناك العديد من النظريات الاقتصادية والسياسية المفسرة لاندلاع العـنف الفوضوي في المجتمعات، منها التغيير السريع المتلازم بتصاعد التوقعات. ومفادها أن العـنف السياسي والاجتماعي يحدث عندما تعاني جماعات ما من مشاعر الحرمان النسبي وتشعر بالإحباط إزاء التوقعات المتعلقة بمكانة اجتماعية أو اقتصادية تستحقها. وفي هذا السياق، يُشير عالم السياسة الأمريكي "صامويل هانتجتون" إلى أن حدوث العـنف الفوضوي مرهون بافتقار المؤسسات السياسية إلى القدرة على التوفيق بين المطالب المتزايدة سريعًا والقدرة على تحقيقها. وبلغة إحصائية، ارتفاع الضغوط + ضعف المؤسسات= مخاطر تحول العـنف إلى فوضى. (*) أعباء الالتزامات. يرى الكثير من علماء الاقتصاد والسياسة أن العـنف يتطور إلى فوضى نتيجة "مشاكل الالتزام"، وهي أوضاع تكون فيها للجماعات المنظمة مصالح متضاربة لكنها لا تستطيع الاتفاق على نحو يحظى بالمصداقية على الامتناع عن ممارسة العـنف لطائفة متنوعة من الأسباب. وينصب محور هذه النظريات على صعوبة التزام أفراد وجماعات في بعض الهياكل بعدم استخدام القوة عندما يكون ذلك مفيدًا لها. وهنا، يرى البعض أن "تحالفات النخبة" تمنع تحول ال*** إلى فوضى، ويمكنها أن تحتوي العـنف، إذ إن التغير في علاقات القوى السياسية بما يترتب عليها من نزاعات تعتبر سمة ثابتة في مختلف المجتمعات، ولا غرابة في حدوث مواجهة اجتماعية حادة إبان دمقرطة المؤسسات، الأمر الذي ينطوي على إحداث تغيرات في توزيع السلطة والثروة. لكن هذا النوع من الاتفاقات عرضة لإعادة تفاوض مستمرة مع تغير الظروف، ومن ثم يظل خطر ال*** قائمًا والفوضى محتملا. فقد حذر راشد الغنوشي -رئيس حزب النهضة- مؤخرا من إحياء الذكرى الثانية للثورة التونسية من تحول الثورة إلى فوضى. (*) تصارع الشرعيات. هناك سبب محوري يؤدي إلى سيادة العـنف الفوضوي وهو التنازع القائم في عدد من الدول العربية بين الشرعية الديمقراطية القانونية والشرعية المؤسسية، وعدم قدرة إحداهما على حسم هذا التنازع لمصلحته حتى الآن، وهو ما أدى إلى عدم تنظيم أو تقنين للصراع السياسي الذي تحول في كثير من الأحيان إلى فوضى لأنه عـنف غير مبرر. ففي الوقت الذي يرى فيه البعض أن الثورة هي قمة اللا قانون، فإن الثورة على الجانب الآخر لا بد أن تترجم وبسرعة إلى إصلاحات قانونية ومؤسسية حتى نتحول من شرعية الثورة وفوضى الشارع إلى دولة القانون وشرعية المؤسسات. (*) تلاحم المتغيرات. يؤدي اندماج المتغيرات الخاصة بالعـنف مع بعضها إلى تحوله إلى فوضى بمرور الوقت، ووفقًا لما يشير إليه "بيترم سروكين" فإن حجم وطبيعة العـنف يتحدد بناء على عدة متغيرات أساسية، يتمثل المتغير الأول في حجم البشر المشاركين فيه من داخل وحدة اجتماعية معينة (النطاق)، فيما يتصل المتغير الثاني بقدر التدمير الذي تحققه أعمال العـنف، وهو ما يعرف بالعمق، ويشير المكون الثالث إلى الفترة التي يستمر فيها العـنف أو ما يعرف بدوامة العـنف. ويضيف د. علي ليلة إلى ذلك متغيرًا رابعًا يتمثل في ضرورة حضور النظام السياسي أو أي من العناصر التي تمثله كطرف بارز في موقف العـنف. ومن ثم، فإن حاصل جمع هذه المتغيرات يؤدي في النهاية إلى زيادة مخزون التوتر، وتنشيط سلوكيات الخروج على القانون، وتكثيف العـنف، وتدحرجه إلى الفوضى، أو ما يعرف بالعشوائية الفوضوية في الدول العربية. إجراءات مواجهة الفوضى إن هناك إجراءات عديدة لمواجهة العـنف الفوضوي الآخذ في التزايد في عدد من الدول العربية. فالمؤسسات القادرة والخاضعة للمساءلة، والمشروعة هي العامل المشترك الذي يفسر السبب في أن بعض المجتمعات أكثر قدرة على التصدي للعـنف من غيرها. وبغير الاهتمام بتغيير المؤسسات، تتعرض الدول لدائرة مفرغة من العـنف المتكرر. فالإجراء المحوري، في هذا السياق، يتطلب توجهًا فوريًّا لمعالجة أعراض الهشاشة في الأبنية المؤسسية في الدول أو المناطق المبتلاة بالعـنف، وخاصة تلك التي توفر للمواطن الأمن والعدالة وفرص العمل، مع إيجاد توازن دقيق بين السرعة المفرطة والبطء الشديد، والموازنة بين مخاطر العمل ومخاطر التقاعس عن العمل. فالمؤسسات المحورية لحل الصراعات تسمو على كل أعمال العـنف المدّعاة أو التفسيرات المختلفة للقواعد التي تضعها المجتمعات لتحكم بها سلوك أعضائها، وخاصة عناصر نظام العدالة الأشد حسمًا بالنسبة لمنع العتنف أو استبعاده، وهي وظائف العدالة الجنائية الأساسية، وقدرة الشرطة والمحاكم والنظام الجزائي على التحقيق والتحري والملاحقة والعقاب بصورة سليمة على الأعمال المرتبطة بالعـنف المنظم. بعبارة أخرى، إن إعادة الثقة بين المجتمع والدولة ينبغي أن يبدأ بالوظيفة الجوهرية للدولة، والقدرة على تأكيد احتكارها للاستخدام الشرعي للقوة. غير أن بناء الثقة بمثابة مقدمة ضرورية لتغير مؤسسي أكثر ديمومة في مواجهة العـنف. ولا يمكن للدولة وحدها أن تستعيد الثقة، فبناء الثقة في أوضاع العـنف والهشاشة يتطلب جهدًا مجتمعيًّا لبناء ائتلافات تضم فئات أوسع من المجتمع. وهذه الائتلافات تكون شاملة لنطاق أوسع من فئات المجتمع. وتعمل هذه الائتلافات بطريقتين: على مستوى عريض، ببناء تأييد وطني للتغيير من خلال التعاون بين الحكومة وقوى المعارضة والقطاع الخاص وممثلي المجتمع المدني. وعلى مستوى محلي بالتشجيع على التواصل بين المؤثرين كل في محيطه، بهدف تحديد الأولويات وتقديم البرامج، وإرسال إشارات دالة على إحداث قطيعة مع الماضي، مثل إنهاء الإقصاء السياسي والاقتصادي للجماعات المهمشة. إن إعلانات الحكومة عن التغيير لن تحظى بالمصداقية دون عمل ملموس. فضلا عن التشاركية في الحلول للمشكلات وخاصة الاقتصادية القائمة، لا سيما وأن أحد الأسباب لتفاقم العـنف الفوضوي "تحمل العبء السابق لأوانه" من قبل المؤسسات، إذ إن كثيرًا من المطالب والتوقعات تُلقَى على عاتقها في فترة وجيزة. حالات مكافحة الفوضى تجدر الإشارة إلى عدد من التجارب التي استعادت الثقة في انتقال آمن وتفادي حالة الفوضى، وهي ليست ككتب في فن الطبخ تقدم وصفات جاهزة، إذ إن كل بلد يختلف في سياقه الداخلي، وهو ما يتطلب تطويع البيئة لذلك، فهناك دول ركزت على وضع البرامج التي تدعم علاقات الدولة بالمجتمع من أسفل إلى أعلى في المناطق غير الآمنة، عبر خلق فرص العمل، وتسوية المنازعات والقدرة على تحقيق العدالة المحلية، مثل برنامج التضامن الوطني في أفغانستان، والبرامج متعددة القطاعات لمنع العـنف أو تجدده في أمريكا اللاتينية. وتقدم جنوب إفريقيا تجربة ملهمة في كيفية بناء الثقة بين الدولة والمجتمع، بعد لحظة التحول في عام 1994، والتي نتج عنها إقامة الديمقراطية والمصالحة، والنقاش حول العنصرية وانعدام المساواة والإقصاء الاجتماعي وإرساء نموذج الدولة الدستورية، وتنشيط دور المجتمع المدني والمساءلة وتطوير الرعاية الصحية، واستخدام هياكل المجتمعات المحلية في تحسين إمدادات المياه، وهي عوامل أسهمت في الحفاظ على الثقة في الحكومة الجنوب إفريقية. فضلا عن ذلك، هناك تجربة كولومبيا في عام 2002، التي واجهت تحدي انهيار الدولة بواسطة هجمات رجال حرب العصابات والقوات شبه العسكرية ومهربي المخدرات، حيث كانت هذه الجماعات تخطف السيارات والأفراد. ومن هنا، جعلت الحكومة من استعادة الأمن في الشوارع وعلى الطرق الرئيسية أولوية على جدول أعمالها، وفقًا لشعار مرفوع على نطاق واسع "تحيا كولومبيا.. تنقَّل في أرجائها". وكان الهدف من هذا البرنامج هو استعادة السيطرة على الشوارع الرئيسية من أيدي الجماعات المسلحة غير الشرعية من خلال عملية كبرى للجيش والمخابرات والشرطة (قوات الانتشار السريع) لترسيخ الأمن وإعادة تنشيط السياحة والتجارة، مما أدى إلى استعادة الثقة لدى المجتمع الكولومبي. كما قدمت سنغافورة تجربة جديرة بالتأمل في عقد الستينيات من القرن الماضي، حيث تم استحداث جهاز الخدمة الوطنية في غضون عام، وتم وضع حد للمجتمعات السرية وغيرها من الأنشطة الإجرامية، بحيث استُئصل الفساد، وتم تشجيع الاستثمار، وخلق فرص العمل، وإصلاح قوانين حيازة الأراضي. فقد كان مقياس النجاح هو كسب ثقة الناس. مسارات مستقبل الفوضى إن المسار الأكثر احتمالا للدول العربية التي تشهد حالة من التحول المؤسسي، في المرحلة الراهنة، يتوقع أن تستمر في حالة وسيطة بين العـنف والفوضى، لا سيما في إطار الطبيعة المتغيرة للعـنف، لعدة أسباب رئيسية. أولها أن مسألة شكل الدولة وطبيعة نظام الحكم فضلا عن أبعاد أخرى كثيرة يحكمها عدم التوافق المبدئي، لأن النخب الحاكمة والقوى المعارضة لا تثق ببعضها. كما أن هناك قطاعًا من المجتمع لا يثق بالدولة. ثانيها، أن الحفاظ على توافق ما مسألة صعبة لأن التغيير المؤسسي قد يزيد مخاطر العـنف على المدى القصير، نظرًا لافتقاد مجموعات داخل المعارضة للسلطة السياسية أو المزايا الاقتصادية لرموز النظام القديم. ثالثها، أن الدول لا توجد في عزلة عن بعضها، ومثلما شهدت المجتمعات عدوى الثورات تشهد نفس هذه المجتمعات عدوى "الفوضى" في ظل تهديدات خارجية ومشكلات داخلية إبان مراحل الانتقال. ويصعب التغلب على هذه التحديات حينما يكون رأس المال المادي والبشري والمؤسسي منخفضًا نسبيًّا. وأخيرًا، فإن التعافي من الأوضاع الهشة ليس عملية مقيدة تسير في اتجاه خطي، لا سيما في صعوبة السيطرة على تحركات وسياسات الشارع. آخر تعديل بواسطة aymaan noor ، 03-05-2013 الساعة 09:57 AM |
#3
|
||||
|
||||
تغيرت أشياء كثيرة فى سيكولوجيا المجتمعات العربية ومنها مصر، فلم يعد الحاكم سليل الفراعنة، ولكنه أصبح أحد أبناء الكادحين فى هذا الشعب، ومن ثم فقد سقطت عنه هالة الفرعون. كما تآكلت قابلية الخضوع لدى الجماهير، وأصبحت المساءلة والتمرد والرفض مفاهيم دخلت فى قاموس حياتها اليومية. كما أنها أصبحت جماهير أكثر وعيا، تدرك ضرورة الحرب على الفساد، وتؤكد على أهمية التحول الديموقراطى. كما تدرك أهمية الاتجاه مباشرة إلى حل المشاكل الاقتصادية للجماهير التى صبرت كثيراً. فإذا لم يحقق النظام السياسى ذلك، فإن التظاهر كمظهر للاحتجاج يصبح واجبا، وهو مقدمة لل*** حينما تتصادم الإرادات.
جزاك الله خيرا وبارك فيك
__________________
|
العلامات المرجعية |
|
|