اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > الاقسام المميزة > أخبار و سياسة

أخبار و سياسة قسم يختص بعرض الأخبار و المقالات من الصحف يوميا (المصرية والعربية والعالمية )

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 14-04-2013, 10:58 PM
الصورة الرمزية simsim elmasry
simsim elmasry simsim elmasry غير متواجد حالياً
عضو قدوة
 
تاريخ التسجيل: Sep 2010
المشاركات: 1,873
معدل تقييم المستوى: 15
simsim elmasry has a spectacular aura about
Opp طفـــــرة الثورات العربية ... بين التقليد والمحاكاة..


يحكي المفكر الفرنسي روجيه جارودي أنه عندما كان يحاضر في الجامعة خلال احتجاجات الشباب في فرنسا، وغيرها من دول الغرب، في مايو 1968 قال له أحد الطلاب: "هذه ليست ثورة، بل طفرة"، هذا التوصيف لم يكن مجرد مبالغة حماسية أو بلاغة لفظية، بل هو حقيقة سياسية وتجربة تاريخية، لم تكن الأولى وبالقطع لم تكن الأخيرة.
إذ يثبت التاريخ مراراً أن حمى الاحتجاجات والثورات تحمل بداخلها سحراً خاصاً يمكنها من تجاوز الخلافات التي عادة ما تفرق بين البشر، إذ تتعاون ظروف داخلية محفزة: استبداد سياسي وفساد اقتصادي واحباط اجتماعي، وظروف خارجية مواتية: روح عصر سائدة أو ثورة معلوماتية رائجة (الصحافة - التليفزيون - الإنترنت - الفضائيات) أو قوي إقليمية ودولية مرحبة أو مساندة، لتخلق عاصفة نموذجية تضم تحت مظلتها طوائف اجتماعية مختلفة وقوي سياسية متنافسة وتدفعها لإحداث "طفرة ثورية" تتجاوز تأثيراتها وتداعياتها حدود نقطة انطلاقها الأولى، علي نحو ما حدث في ثورات وسط أوروبا عام 1848، وفي احتجاجات وسطها وغربها عام 1968، وثورات شرقها عام 1989، وعلي نحو ما يحدث الآن في ثورات العالم العربي، بداية من تونس، مروراً بمصر وليبيا واليمن، وانتهاءً بسوريا، ففي كل مرة سقطت أنظمة فاسدة ومستبدة أمام حشود جماهيرية هادرة انتابها فجأة شعور بالتمرد والثورة والرغبة في الحرية مكنها من المقاومة والرد علي وحشية وقمع تلك النظم في بسالة نادرة وتضحية قل نظيرها.
والواقع أن هذه "الطفرة الثورية" لا تعزى، غالباً، إلي مجرد توافر دوافعها السياسية والاقتصادية ومحدداتها الداخلية والخارجية، وإنما ترجع، أحياناً، إلي عوامل نفسية وسيكولوجية عميقة الأغوار في الشخصية الإنسانية، تتمثل في نزعة الأفراد إلي "تقليد" و"محاكاة" سلوك الآخرين. فمنذ زمن بعيد قال أرسطو: "إن أهم ما يتميز به الإنسان علي ما دونه من الكائنات الحية، كونه أكثر المخلوقات في العالم قياماً بالتقليد". فالبشر يجيدون التكيف، وبعض ما يتكيفون به هم الآخرون من الناس، وربما لم يوجد في سلوك البشر - تالياً لقدرتهم علي التكيف - ما هو بوضوح قدرتهم علي المحاكاة والتقليد: الأطفال يتعلمون في ظرف دقائق تقليد تعبيرات وجوه أبويهم!، والرومان كانوا يستأجرون ندّابين ليطلقوا بدايات العويل الجماعي في جنازات ذوي الحيثية، ولدي البشر غرائز راسخة للتقليد، لكنهم أيضاً يقلدون في كثير من الأحيان عن وعي، إذ إن المحاكاة تشكل خيار (إستراتيجية) وحيد لدي البعض للانتفاع بما يمكن أن يكون الآخرون قد تعلموه، والمحاكاة يمكن أن تكون إستراتيجية مشروعة تعين كلاً من الفرد والجماعة. فهي صورة مما يسميه علماء البيولوجيا: التعلم الاجتماعي، تعلم الفرد بتفاعله مع الآخرين، بأكثر منه معتمداً علي نفسه وحدها.
ومن المعتاد ملاحظة ما يغلب علي الناس من "مسايرة الحشد"، وهي مسايرة ناتجة بالأساس عن افتقار الكثيرين إلي الثقة بالنفس. فالتركيبة الاجتماعية تبدل في إدراك الفرد للعالم. إذ وجد عالم الأعصاب بجامعة أطلانطا "جريجوري بيرنز" أنه في حال نجح الفرد في مقاومة ضغط الجماعة، جري نشاط المخ أساساً في المناطق المرتبطة بالانفعال، وكأن من خالفوا الجماعة شعروا بالفعل أنهم يخاطرون أو يرتكبون مخالفة!. إن جذور سلوك المحاكاة هي في بعض الأحوال شديدة التأصل حقاً. إنها تبدو تلقائية وغير واعية وغريزية وراسخة في تكوين الإنسان البيولوجي، ويمكن تسمية ذلك بـ"المحاكاة العميقة"، بما أن لها جذوراً نفسية عميقة يُستشف منها تاريخ البشر التطوري. غير أن هناك نوعاً من المحاكاة الأقل عمقاً، لكنه قد يكون أقوي تأثيراً، وهو يعبر في الأساس عن استراتيجية واعية في اتخاذ القرارات.
في عام 1978 حاول عالم الاجتماع بجامعة ستانفورد، مارك جرانوفيتر، تفسير هذه "المحاكاة" - مستلهماً ما توصل إليه توماس شلنج من منهج في العلوم الاجتماعية يقوم علي "الفيزياء الذرية"، فرأي أن كثير من الناس لا يبدأون فعل الاحتجاج - الثورة بلا سبب، لكنهم قد يشاركون فيه إذا وُجدت الظروف المناسبة التي تدفعهم إلي ذلك، بمعني أن لكل فرد "عتبة" ما تجعله لا يشارك في الفعل (الاحتجاج - الثورة) إلا إذا اجتازها!. قد يشارك شخص ما في الشغب إن تحقق من أن عشرة أشخاص آخرون قد سبقوه إلي المشاركة، بينما لن يشارك شخص ثان إلا إذا كان عدد من سبقوه بلغ المائة، ويتوقف مستوي "عتبة" شخص ما علي عديد من الأمور المختلفة مثل: شخصيته، مبادئه، خوفه من العقاب، طمعه في الثواب، وهناك البعض الآخر الذي لا يشارك مهما كانت الظروف، أما الذين قد يبادرون بأنفسهم إلي المشاركة، دون تحريض من أحد وعن طيب خاطر، فهُم قلة نادرة.
ومن الناحية المنطقية لابد أن يكون لكل شخص "عتبة" يصعب تقديرها بشكل عملي في أي موقف بعينه. هذه العتبة تمثل النقطة التي "عندها يتجاوز ما يتراءي للشخص من منافع اشتراكه فيما يفعله الآخرون ما يتراءي له من أضرارها وتبعاتها" علي حد قول جرانوفيتر. المهم أن التوازن بين المنافع والأضرار يتوقف في معظم الأحوال لا علي اختياراتنا الفردية فحسب، بل أيضاً علي ما يفعله الآخرون وعلي عدد الذين يفعلونه. ومنذ عدة سنوات، عندما عرف عالم الفيزياء الفرنسي جان فيليب بوشو بنماذج "العتبة" لسلوك المحاكاة لدي البشر التي وضعها جرانوفيتر، لفتت نظره علي الفور مصادفة يكاد لا يصدقها عقل، إذ يبدو واضحاً أن الطريقة التي يؤثر بها الناس في بعضهم البعض، هي نظرياً مماثلة من الناحية الرياضية للطريقة التي تؤثر بها الذرات في بعضها البعض. وعندما فحص بوشو هذه الصلة المدهشة بمزيد من التفصيل، اكتشف هو وزميله "كانتان ميشار"، إمكانية تكوين نظريات مماثلة بشأن الآدميين.
غير أن المحاكاة الاجتماعية علي كل ما فيها من منافع، يمكن أن تخرج بالناس عن سلوك المنطق السليم. إذ تبدو، أحياناً، المشاركة في الاضطرابات والاحتجاجات، بل والثورات كـ"نزعة منحرفة" بين البشر إلي محاكاة سلوك الآخرين في ال*** والتخريب، وتعطيل مصالح البلاد والعباد، إلي الدرجة التي ينتكس فيها نبل أهداف الاحتجاجات والثورات، ويبدو عي الأرجح أن أسلوب النظر إلي الأمور القائم علي فكرة "العتبة" والمدرك لقوة "المحاكاة"، أنه المفتاح الحقيقي لتفسير موجة المد الثوري التي تجتاح العديد من الدول العربية منذ مطلع العام 2011. إذ تحولت ميادين وساحات مدن وعواصم عربية عديدة إلي "هايد باراك" أو "سوق عكاظ" سياسي، يصدح بهتافات التغيير ويشدو بشعارات الإصلاح، تردد الجماهير فيه لحناً ونشيداً واحداً، وهو "الشعب يريد إسقاط النظام"، تلك الجملة السحرية التي باتت تتلذذ الألسن بتكرارها. فمتلازمة الفساد والاستبداد جامعة بين النظم العربية، ولا تقتصر علي تونس وحدها، فكان أن انطلقت شرارة الثورة المصرية في 25 يناير، أي بعد 11 يوماً من الثورة التونسية لتطيح بنظام حسني مبارك، بعد 18 يوماً فقط من انطلاقها، وسرعان ما انتشرت نيران الثورة في هشيم بلدان عربية أخرى، علي طريقة نظرية "أحجار الدومينو"، أو "الأواني المستطرقة"، إذ نشبت الثورة الليبية في 17 فبراير 2011، بعد أقل من أسبوع من الثورة المصرية، ولحقت بها الثورة اليمنية في نفس الشهر، ولم تلبث الشرارة أن انتقلت إلي سوريا في مارس من نفس العام. وفي النظم الملكية العربية عن هذه الموجة، إذ اتخذت الثورة فيها صورة احتجاجات شعبية لم تطور بعد إلي ثورة تطيح بالنظم القائمة، لكنها أجبرتها علي تقديم إصلاحات سياسية واقتصادية، مثلما حدث في المغرب والأردن سياسياً، ومعظم دول الخليج (والجزائر) اقتصاديا، وإن كانت هذه الاحتجاجات متعثرة في البحرين (والعراق)، لأسباب خارجية (دعم إيراني للمعارضة في البحرين وللنظام في العراق، في مقابل دعم خليجي للنظام في البحرين وللمعارضة في العراق) وأسباب داخلية تتعلق بهشاشة التركيبة الطائفية للمجتمع.
لقد أثارت الثورة التونسية "غيرة" و"حماسة" باقي الشعوب العربية للاقتداء والتأسي بها، فبعد فرار الرئيس السابق زين العابدين بن علي في 14 يناير 2011، كان طبيعياً أن يمثل هذا الإنجاز المبهر حافزاً للشعوب العربية لمحاولة تقليده ومحاكاته أو استنساخه طالما استطاع الشعب التونسي تحقيقه، في حين وفرت الثورة المصرية تحديداً قوة دفع هائلة لموجة الثورات العربية الحالية، ليس لما لمصر من ثقل سياسي وتاريخي في دائرتها العربية فحسب، بل لكونها أقدمت علي الخطوة "الثانية" للخطوة "الأولى" التونسية، ففعل الثورة والاحتجاج فارق واستثنائي في اللحظة التاريخية، وعندما لا يجد من يشاركه أو يعضده، ربما ينتكس أو يتراجع، ومن هنا قيمة الثورة المصرية في دعم وتثبيت الثورة التونسية "تقليداً"، وفي حفز وتشجيع بقية
الثورات العربية "محاكاةً".

جريدة الاهرام
http://digital.ahram.org.eg/Policy.aspx?******=1242034
__________________
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 12:14 PM.