|
قضايا سياسية وأخبار مصرية وعربية وعالمية منتدى يختص بعرض كافة الأخبار السياسية والإقتصادية والرياضية في جميع أنحاء العالم |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
استشراء العـنف والتحولات النفسية للمجتمع المصري
مـقاتلو الشوارع استشراء العـنف والتحولات النفسية للمجتمع المصري السفير د.عزمي خليفة جرمت الديانات السماوية والمواثيق الدولية العـنف والتعـذيب، فالوصايا العشر التي نزلت على نبي الله موسى عليه السلام حرمت العـنف والإيذاء صراحة، وقد ظلت هذه الوصايا العشر جوهرًا للمسيحية ثم الإسلام فيما بعد، كذلك حرمت المواثيق الدولية في أعقاب الحرب العالمية الثانية التـغذيب والعـنف. فقد اهتم ميثاق الأمم المتحدة بالتركيز على تحريم الحروب، والتأكيد على أهمية حل المشكلات الدولية بالطرق الودية عن طريق التفاوض والتحكيم والتوفيق، مؤكدًا إقامة العلاقات الدولية وفق الطرق السلمية، واستكمل الميثاق هذه الأساليب الودية باتفاقات جنيف الأربعة عام 1948 الخاصة بتنظيم العلاقات بين الدول المتحاربة، والتي نظمت معاملة الأسرى والجرحى وتبادلهم، فكانت هذه الاتفاقات نقلة موضوعية في مجال العلاقات الدولية بتقنينها حقوقًا لهم ينبغي تمتعهم بها، والتزامات على الدول تجاههم ينبغي عليها التقيد بها. وفي منتصف السبعينيات من القرن العشرين، ومع تطور وسائل الإعلام -وخاصة المرئية منها- تطورت العلاقات الدولية مرة أخرى لتجعل من حقوق الإنسان مجالا من مجالات اهتماماتها، بعد أن كان هذا الحقل من الاختصاصات الداخلية للدول نتيجة خضوع العلاقة بين الدولة ومواطنيها لمبدأ السيادة، واشتد الجدل بين الولايات المتحدة من جانب والاتحاد السوفيتي من جانب آخر بشأن أسلوب التعامل مع المنشق السوفيتي حينذاك سول***تين، إلا أنه وبدءًا من منتصف التسعينيات تأكد أن حقوق الإنسان موضوعٌ عالميٌّ، وبخاصة بعد بلورة القانون الإنساني، وتطوير مواثيق الأمم المتحدة بشأن المرأة والطفل، وحقوق الإنسان عامة، وقيدت بالفعل سيادة الدولة على مواطنيها، وأضحى الفرد -إلى جانب الدولة- أساسًا لتحليل العلاقات الدولية. ولم تكن مصر بعيدة عن هذه التطورات، خاصة وأنها عانت في حروبها مع إسرائيل من عدم تقيد الأخيرة بالمواثيق والاتفاقيات الدولية فيما يتعلق بمعاملة الأسرى والجرحى، وفيما يتعلق باستهدافها أهدافًا مدنية كالمصانع والمدن والمدارس، وبخاصة خلال حرب الاستنزاف وخلال حرب 1973 وبعدها مباشرة.كذلك من المهم الإشارة إلى أنه بالرغم من تطور الفقه الدولي تطورًا كبيرًا في مختلف الميادين تقريبًا خلال العقد الأخير من القرن العشرين، والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين؛ فإن القضاء الدولي كان معدل تطوره أقل بكثير من تطور الفقة الدولي، مما ساهم في إيجاد فجوة بين النظريات والأفكار والمبادئ التي تقوم عليها هذه المواثيق خاصة والعلاقات الدولية عامة وبين الأدوات اللازمة لتحقيق المُثُل العليا التي يستهدفها النظام العالمي، وهو اتجاه امتد أيضًا للفقه والقضاء الداخلي في كل دولة على حدة، في مرحلة اتسمت بالتغييرات السريعة عادة والمتناقضة أحيانًا مما ساهم في ترتيب نتائج غير متوقعة في كثير من الحالات في العديد من الدول والمجتمعات. نتائج عير متوقعة إحدى هذه النتائج غير المتوقعة التي شملت العديد من المجتمعات ومنها المجتمع المصري هي تعرضه لحالة من ال*** غير المبرر، التي أدت بدورها إلى حالة من الاكتئاب الجماعي، خاصة وأنه مجتمع يلعب الدين فيه دورًا محوريًّا منذ قديم الأزل، بكل ما تعكسه الأديان من قيم تحض على الاعتراف بالآخر، وحرية العقيدة، وحرية التفكير، واحترام النفس البشرية التي كرمها الله بحملها الأمانة، وهي قيم تتعارض جذريًّا مع ال*** والاكتئاب. وقد بدأت موجة العـنف هذه على استحياء بظهور جرائم بشعة في عقد التسعينيات، إلا أن معدل تكرار هذه الجرائم آخذ في التزايد، وقد ربط باحثون بين زيادة المعدل من ناحية وتزايد معدل البطالة والفقر في المجتمع المصري من ناحية أخرى، كما ربط باحثون آخرون بين انتشار هذه الجرائم والتدين الشكلي الناتج عن عملية تديين الدولة نفسها وليس الأفراد، إلا أن ثورة 25 يناير 2011 جاءت خلافًا لكل التوقعات التي تنبأت بثورة جياع عنيفة، فإذا بالثورة هادئة وسلمية، ويقودها شباب متعلم يتقن استخدام تكنولوجيا العصر، الا أنه منذ انتخابات الرئاسة عادت موجة ال*** للظهور في المجتمع المصري مرة أخرى. سمات العـنف في مصر هذه الموجة الحالية للعـنف في تصاعد مستمر بحكم مؤشرات كمية ونوعية عديدة، غير أنها تتسم بسمات ينبغي أخذها في الاعتبار، ولعل أهم هذه السمات: أولا: أنها موجة ضد مؤسسات في الدولة أو تيار سياسي بعينه أو مدن كاملة، ولم يعد العـنف موجهًا ضد أفراد، ولكنه أضحى عـنفا جماعيًّا. فقد لاحظنا محاصرة المحكمة الدستورية، ومدينة الإنتاج الإعلامي، ومكتب النائب العام الجديد، ومحاولة إحراق دور بعض الصحف، ومقار بعض الأحزاب السياسية، وبعض مؤسسات الدولة، كما استمر استخدام ال*** كوسيلة لفض التظاهرات والاعتصامات، إلى درجة أنه ميز العلاقة بين الشرطة والشعب عامة، وتجسد هذا بصفة خاصة في العلاقة بينها وبين سكان بعض المدن والمحافظات في مصر مثل بورسعيد والدقهلية والغربية والسويس والإسماعيلية. ثانيًا: أن هذه الموجة من العـنف أضحت أكثر علنية من سابقيها، مما يدل على تحولات نفسية لتعايش المجتمع المصري مع العـنف، وتراجع دور المعايير، فالملاحظ أن ممارسة العـنف فيما مضى كانت تتسم بالسرية والإنكار، فحتى في حالات ضبط إنسان متلبسًا بارتكاب أي جريمة حتى ولو كانت تمس أمن الوطن الذي يعد بمثابة قدس الأقداس في المجتمع المصري كان يتم إلقاء القبض على مرتكبي الجرائم في هدوء، كما أن من كان يمارس العـنف ضد بعض المواطنين تعوّد أن يتم ذلك في سرية تامة، إلا أن الجديد في الأمر أن ممارسة التـعذيب والعـنف يتم علانية، بل ويتم بث هذه الممارسات على الهواء مباشرة مثل إلقاء زجاجات المولوتوف على بعض المؤسسات أو إحراقها بالفعل، وكذلك مشاهد سحل بعض الأشخاص، وتجريدهم من ملابسهم، ومشاهد الاعتداء بمختلف درجاته على المواطنين لفض اعتصاماتهم، والغريب أن المعتدين أصبحوا معروفين جيدًا لبعض المواطنين وأحيانًا بالاسم لبعض الجهات الأمنية والإعلامية، ولم يتم التعامل أمنيًّا وقضائيًّا مع هذه العناصر. ثالثًا: أن عددًا من أحداث العـنف التي تعرض لها المجتمع المصري لا يمكن فهمها أو تفسيرها في ضوء تسلسل الوقائع المرتبطة بها، وهو ما يؤكد استقلالية ال*** عن التطور السياسي نتيجة تعايش المجتمع معه، فعلى سبيل المثال قضية إحراق مبنى اتحاد كرة القدم ونادي الشرطة بالجزيرة، فقد ذكرت العديد من وسائل الإعلام أن من ارتكب هذه الأعمال هم ألتراس النادي الأهلي احتجاجًا على باقي أحكام أحداث استاد بورسعيد، إلا أن الألتراس كان قد عبر عن ترحيبه وتقبله لهذه الأحكام فور سماعه منطوق الحكم، فكيف نفهم هذا التفسير في ضوء هذه المعطيات؟. كذلك ما حدث خلال إحراق المجمع العلمي وما صاحبه من أحداث عـنف في شارع محمد محمود ومجلس الوزراء، فقد ثبت أن من قام بها بعض الخارجين على القانون، وبالرغم من ترديد أسماء بعض من قاموا بهذه الأعمال إلا أنه لم يلق القبض على أي منهم. رابعًا: ظهور جيل من مقاتلي الشوارع الذين يمارسون العـنف علانية في المجتمع في ظل غياب مختلف المعايير، وهو جيل يشمل فئتين، الفئة الأولى تتكون من المهمشين المحبطين، وهم أساسًا من أطفال الشوارع الذين وصلوا إلى سن الشباب دون أن يطرأ على حياتهم أي تغيير بخلاف تحولها نحو الأسوأ، ومن ثمَّ فهم فئة تغيب عنها المرجعية الاجتماعية (الأسرة)، والمرجعية الدينية، والمرجعية السياسية، وليس لهم عائل ولا مصدر رزق ولا أسرة، وبالتالي تفتقد إلى مختلف المعايير، أما الفئة الثانية فتتكون من شباب بعض التيارات السياسية ذات المرجعية الدينية، والذين برز دورهم خلال الاحتجاجات الأخيرة، ويسعون إلى فرض أمر واقع يتخطى القانون والدستور مثل أولاد أبو إسماعيل، أو اللجان الشعبية التي تسعى بعض التيارات الدينية من وراء تكوينها إلى بناء قوات أمن موازية للشرطة، وتابعة لها، على غرار الحرس الثوري الإيراني الذي تفوق على القوات الرسمية بالدولة الإيرانية والشباب الذي يسعى إلى فرض التوجهات الدينية وفقًا لمنظوره الخاص. وهنا قد يكون من المناسب الإشارة إلى أن المهمشين المحبطين فاقدي المعايير المشار إليهم سابقًا لن يتوقفوا عن الاستمرار في دورهم الحالي مستقبلا بغض النظر عن الانتماء السياسي للحاكم في مصر، وبغض النظر عن نجاح الحكومة في تحقيق إنجازات ملموسة أم لا، لأن ما يقومون به قد حقق لهم كينونة افتقدوها طوال حياتهم، كما أن ما يقومون به اليوم في ظل الفوضى التي تعم الدولة المصرية قد أصبح مهنتهم التي توفر لهم دخلا لم يسبق لهم الحصول عليه. والخلاصة، أن هذه الموجة الممتدة من العـنف قد أدت إلى تحولات في المجتمع المصري لا يتطلب علاجها سياسات أمنية وفقًا لما تقوم به الحكومات المصرية خلال السنوات العشر الماضية، بقدر ما يتطلب اتخاذ إجراءات سياسية واجتماعية واقتصادية أكثر انحيازًا للفقراء والفئات المهمشة والمحبطة، مع ضرورة البحث عن حلول إبداعية تخفف من وطأة الحياة على هذه الفئات، وذلك على غرار ما فكر فيه الراحل العظيم وجيه أباظة حينما تولى منصب محافظ البحيرة، ولاحظ ارتفاع نسبة المشردين بها، فكون بهم فرقة البحيرة للفنون الشعبية التي جابت العالم لعرض رقصاتها، فلم تعد التنمية الاقتصادية وفقًا للمؤشرات الكلية مثل معدل النمو السنوي كافية لتحقيق الاستقرار السياسي في المجتمع، فالأهم السياسات التوزيعية القادرة على تحقيق العدالة الاجتماعية لمختلف فئات وقطاعات المجتمع. فمن المؤكد أن مصر حققت مؤشرات مالية جيدة في عهد الرئيس السابق مبارك، فوصل معدل النمو السنوي إلى 7 في المائة، كما أن الدين الخارجي انخفض بنسبة 50 في المائة في أعقاب حرب تحرير الكويت فوصل إلى 22 مليار دولار، ووصل الاحتياطي النقدي الأجنبي إلى حوالي 45 مليار دولار، وبالرغم من ذلك كانت سياساته التوزيعية أكثر انحيازًا لفئة محدودة من أثرياء المجتمع، فلم تحقق العدالة الاجتماعية التي كانت أحد أسباب قيام ثورة 25 يناير التي استثمرتها التيارات الدينية للوصول إلى السلطة، وعجزت التيارات المدنية القائمة عن حمايتها، وما زال الشباب يسعى لحمايتها في إصرار يستحق التقدير والاحترام، وهذا أضعف الإيمان. آخر تعديل بواسطة aymaan noor ، 20-03-2013 الساعة 11:42 PM |
العلامات المرجعية |
|
|