|
قضايا سياسية وأخبار مصرية وعربية وعالمية منتدى يختص بعرض كافة الأخبار السياسية والإقتصادية والرياضية في جميع أنحاء العالم |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
الدولة والدين فى الوطن العربى
الدولة والدين فى الوطن العربى - الجزء الأول موضوع هذه الورقة هو النظر فى مسألة الدين والدولة فى الوطن العربى، عن حالة مصر بعد ثورة 25 يناير سنة 2011، من حيث مكانة الدين وأثره فى النظام المصرى، وفى إطار ما هو مدرك من صعود التيار السياسى الإسلامى إلى السلطة.طارق البشرى والسؤال الذى ينبغى أن يطرح فى البداية هو: التفكر فيما إذا كانت الأوضاع السياسية قد أنتجت بعد الثورة نظامها السياسى، أم أنه نظام لا يزال فى طور التخليق والإيجاد؟ والحاصل أن هذا السؤال المبدئى لم تتحدد إيجابته بعد أو بعبارة أدق لم تكتمل إجابته بعد، لأن النظام المصرى بعد الثورة لم تكتمل ملامحه وتوازناته بعد، وإن كان يسير فى هذا الطريق، وهو يتحدد عبر عملية الصراع السياسى الذى يجرى الآن بين تيارات مختلفة وقوى سياسية متباينة، ونحن فى مجرى الثورة، وحلقات أحداثها لا تزال موصولة، وأقصى ما نستطيع استخلاصه الآن هو أن نتبين حقيقة الأوضاع الجارية والقوى السياسية التى تتعامل مع بعضها البعض بالصراع أحيانا وبالجدال والمحاورة أحيانا أخرى، وهى القوى التى نتجت عن الوضع الثورى خلال العام ونصف العام المنصرمين منذ 25 يناير 2011. وأنا أكتب فى هذا الموضوع من وجهة نظرى عن الحالة المصرية، وهى وجهة نظر أكاد أقول إنها متبلورة فى عدد من المكونات الفكرية المحيطة بالموضوع بالنسبة للدولة المصرية وأثرها فى المجتمع وأثر الجماعة الوطنية فيها. وبالنسبة للدين كمرجعية تعبر عن الحالة الثقافية السائدة بالنسبة للمصريين. وأشير إلى هذه المسألة لأن النقاط الإرشادية التى وردت فى خطاب المركز بإسناد هذا الموضوع لى، لم تكتف فيما ظننت بأن تبين حدوده حتى لا يتداخل مع موضوعات أخرى مطروحة فى الندوة، ولكنها أكاد أقول إنها عكست وجهة نظر عن الموضوع ذاته من حيث تمام سيطرة تيار معين على الدولة، ومن حيث وجهة النظر الدينية التى يتبناها. وإن الصورة فى ظنى من هذين الطرفين أكثر تعقيدا وتركيبا وأكثر تداخلا وأبعد عن الحسم فى إمكان الاستنتاج غير الظنى. (2) نحن نعلم أن أية ثورة تكون عادة بحشد قواها للإطاحة بالنظام القائم، ويشارك فى ذلك عادة قوى سياسية متباينة الأهداف، وقد تكون متخالفة فى تشكلها الثقافى العام أيضا، لكن يجمعها التصميم على إسقاط النظام القائم، والنظام المذكور يتمثل فى أشخاص الحاكمين وفى التنظيمات الحاكمة، وفى تشكيلات النخب السياسية التى قام هذا النظام فى إطار توازنات تقوم بينها. وإن أى نظام سياسى يتشكل فى تبلوره المستقر من أشخاص وتنظيمات وتوازنات نخب ويدور فى إطار العلاقات بين بعضها البعض. وإن هذه المرحلة من مراحل الثورة، الخاصة بالتقاء القوى الثورية على إسقاط النظام القائم، عادة ما تكون أسهل مما بعدها، لأن القوى التى تقوم بالثورة وتتجمع من أجل هذا الإنجاز تكون رغم التباينات السياسية بينها، تكون تلاقت على عقيدة أن النظام المراد إسقاطه قد صار يقف حجر عثرة كحائط صد مانع فى وجه أى تعديل أو تغيير ترى كل من هذه القوى وجوب تحققه لصالح الجماعة السياسية ولإنجاز حاجاتها الملحة، مع تباين هذه القوى فى نظرها لصالح الجماعة ولحاجاتها الملحة. ومفاد أن الحراك الثورى أزاح النظام السابق، لا يعنى أنه حطم جميع عناصر وجوده وهياكله الاجتماعية والتنظيمية، لكن يتحقق الجانب الأهم من الإزاحة بتقويض هياكل النظام وخلخلة التوازنات والعلاقات الاجتماعية والسياسية بين أشخاصه ونخبه حسبما كانت قائمة فيما قبل الثورة، وتكون الخلخلة بالقدر الذى يفقد النظام القدرة على السيطرة على الأوضاع السياسية. وبهذه الإطاحة أو بهذه الخلخلة المفقدة للسيطرة يكون قد ظهر فراغ فى الحكم، فراغ سياسى وتنظيمى، مما يستدعى أن تحل محله قوة سياسية أو قوى أخرى، وإن القاعدة التى تكاد تكون أقرب ما يكون إلى القانون فى السياسة، هى أن من أزاح النظام السابق يكون هو المرشح للحلول محله، سواء كان قوة واحدة أو قوى متعددة تشاركت فى أعمال الإزاحة، لكن الصورة فى الواقع لا تقوم بهذه البساطة التى يعبر بها هذا التعميم المجرد من ذكر القاعدة، وذلك على تفصيلات يتعين الإشارة إلى بعض عناصرها العامة. فإن القوة السياسية المعنية هنا يقصد بها الجماعة المنظمة، ويقصد بالتنظيم أن يكون لها القدرة على جمع المعلومات واتخاذ قرار بشأنها فيما تواجه من أمور السياسة الجارية وذلك فى إطار ما اجتمعت عليه من فكر وأهداف، وأن لها فى ذات الوقت من شبكات التنظيم البشرى ما يمكنها من إنفاذ هذا القرار المتخذ منها، وذلك بما يؤثر فى مجرى الأحداث بالفاعلية المعتبرة، وذلك سواء بتحريك شعبى منظم، أو بتحريك تنظيمات أخرى نقابية أو اجتماعية، أو بتحريك أجهزة من أجهزة الدولة، أو بإشاعة جملة من الأوضاع تؤثر فى سياسات الآخرين وتصرفاتهم بالتزكية أو التفكيك لها. ومع تعدد القوى التى تكون شاركت فى أفعال إزاحة النظام السابق، يتعين تقدير حجم التأثيرات التى شاركت فيها كل من هذه القوى، وهذا الحجم يقاس بالنسبة لكل منها حسب تأثيره فى أفعال الإزاحة، من حيث القوة السياسية المعنية شعبيا مثل الأحزاب والجماعات، أو من حيث موضع هذه القوة السياسية من دوائر الحكم فى الدولة بما يجعل لحركتها أثر فعال فى سير الأحداث مثل الأجهزة العسكرية وغيرها، أو من حيث الأدوات التى يكون فى الإمكان استخدامها للتأثير على الرأى العام وردود فعله مثل وسائل الإعلام، أو من حيث القدرة المادية مثل رجال الأعمال النشطين فى العمل السياسى، باستخدام ما يحوزونه من إمكانات مادية للتأثير فى أى من القوى السابقة. وإن حصيلة كل من هذه القوى السابقة فى الفعل الثورى المزيح للنظام السابق تكون لها حسابها من بعد فى المشاركة فى النظام الجديد، وتتأثر أوضاع المشاركة فى النظام الجديد بحسب التوازنات التى تنتج عن الأحجام النسبية لكل من هذه القوى فى علاقاتها بعضها البعض. وثمة عنصر آخر يعقد الصورة السابقة، هو يرد من أن الحالة الثورية التى تكون تفجرت فى ظروف سخط شعبى عام، هذه الحالة تكون مع الفعل الثورى للجماعات المنظمة، تكون جذبت أعدادا هائلة من الجماهير غير المنظمة، وهى أعداد وأحجام جماهيرية قد تفوق كثيرا جدا قدرة القوى المنظمة التى أشعلت الثورة أو حركات أحداثها الأولى، وهى تكون جماهير لم تأتِ من قنوات العمل التنظيمى، وبعضها يرد من جماعات منظمة فى غير العمل السياسى، ولكنها تحولت تلقائيا مع المد الثورى لاستخدام قنواتها التنظيمية الاجتماعية أو النقابية أو الثقافية أو الخدمية للعمل الثورى، وهؤلاء جميعا بحركاتهم التلقائية الحاشدة يصير لها فضل كبير فى إزاحة النظام السياسى المستهدف إسقاطه من قبل الثوار، لكن هذه القوة التلقائية المضافة مع أثرها الكبير فى الإنجاز السياسى فى إسقاط النظام لا يكون فى استطاعتها المشاركة فى التشكيلات النظامية التى يمكن أن تتولى الحكم من بعد الثورة، وهذه الكتلة الشعبية يكون على القوى المنظمة دائما أن تتصارع مع بعضها البعض فى جذب هذه الكتلة أو أجزاء منها لتقوى بها على القوى الأخرى فى موازين المشاركة فى السلطة الجديدة. ويزيد الأمر تعقيدا أيضا، أن القوى المنظمة المشاركة فى إزاحة الوضع السابق، أنها فى علاقاتها مع بعضها البعض إنما تتعدل وتختلف توازناتها النسبية مع بعضها البعض، بعد إزاحة النظام السابق، ذلك أن الفعل الثورى عندما أزاح النظام القديم بأشخاصه وعلاقات نخبه، يكون ترك فراغا من شأنه أن يغير من التوازنات التى كانت قائمة بين قوى الثورة ذاتها، إن فراغ الحكم وتغير العلاقات السياسية والاجتماعية الناتج عن الفعل الثورى، من شأنه أن يغير بالإضافة أو النقصان أو التعديل فى مجالات القوة السياسية، بالنسبة لكل من قوى الثورة النظامية، فمن كان أكثر فاعلية فى تحطيم قوة النظام السابق ليس بالضرورة يكون الأكثر فاعلية فى تحديد أوضاع النظام الجديد، ومن كان أقل فاعلية فى ذلك التحطيم قد يكون أكثر تأهيلا فى تولى مراكز فى الدولة الجديدة، وهكذا فإن التوازنات بين قوى الثورة فى عمليات الإزاحة للنظام السباق تختلف عن توازناتها فى العمل السياسى التالى لهذه الإزاحة، بتغير الأحجام وباختلاف الأهداف وبتباين المؤهلات الفنية ونوع الخبرات المكتسبة. وإن كل هذه التعقيدات تثير وجوه صراع أو بالأقل وجوه جدال واحتكاكات بين قوى الثورة التى تشاركت فى أفعال الإزاحة، وهو صراع يثور حول الأهداف المبتغاة من الثورة، وحول حصة كل من قواها فى المشاركات التالية ضمانا لتحقيق الأهداف المرجوة ولتشكيل النخب الجديدة المسيطرة والتوازنات بينها. ونكون فى كل ذلك مازلنا فى إطار العملية الممتدة، وهذا الصراع الجديد يدخل فيه كل ما استجد من تعديلات وقد يصل إلى حد التشابك بين هذه القوى، وقد يكون أكثر هدوءا وأبطأ مسعى، لكنه فى كل الأحوال يكاد يكون حتميا عند تعدد القوى التى شاركت فى الثورة. وهذا ما عرفنا من تتابع الثورات المصرية مثل فى تاريخها المعاصر، بدءا من محمد على فى 1805 إلى عرابى فى 1882 إلى وفد 1919 إلى ثورة 23 يوليو 1952 إلى ما لا نزال نحياه فى ثورة 25 يناير 2011. ومشكلة هذا الصراع الناشئ عن المرحلة الثانية للثورة، أنه صراع تزداد حركته صعوبة وتميل إلى الحدة وطول المدة وصعوبة التوقع بفعل عوامل منها: أولا: أن تكون قوى الثورة متقاربة فى تأثيرها وفاعليتها بحيث لا يملك إحداها أو بعضها إمكان الحسم السريع فى ترتيب أوضاع النظام الجديد. وثانيا: أن تكون قواها الذاتية والنظامية قبل الثورة وأثناءها ليست من التبلور والتحدد بما يساعد على إمكان الحسم الأسرع، وذلك كثيرا ما يحدث عندما يكون الحراك الشعبى التلقائى المنضم للثورة أثناء شبوبها أكبر كثيرا من حجم القوى المنظمة التى أشعلت الثورة وأطلقت شرارتها الأولى، وفى هذه الحالة يكون الكثير من القوى النظامية ليس على بينة من حقيقة حجمه وفاعليته السياسية الحقيقية، ولا يعرف مدى قوته الذاتية معرفة أقرب إلى التحدد الكافى لحساب مدى طموحه فى المشاركة السياسية بعد مرحلة الإزاحة. وثالثا: ألا تكون على بينة مما تعدل به موقعها السياسى وقدراتها الفعلية بعد إزاحة النظام السابق، وذلك بالنسبة لقدرتها الذاتية وقدرة غيرها من شركائها، ومن ثم ترتبك الحسابات السياسية ويصير الصراع السياسى بين هذه القوى أقرب للتكهن والتقديرات الظنية البعيدة عن الحسابات الدقيقة ذات الأبعاد المقدرة، ويصير كل من القوى المتصارعة إنما يتحسس قوته وقوة غيره أثناء عملية الصراع ذاتها بالتجربة والخطأ، ويفضى ذلك كله إلى شمول الموقف السياسى كله بغلاله من عدم التيقن وعدم إمكان التقدير والتوقع والحساب. (3) كانت مصر معبأة بالحالة الثورة من بضع سنوات قبل حدوثها فى 25 يناير 2011. وكانت النخبة الحاكمة محصورة فى عدد محدود جدا من رئيس الجمهورية وأسرته وبعض رجال الأعمال المحيطين بهم وعدد محدود من غير رجال الدولة القابضين على أجهزة الأمن والاقتصاد، وتحولت مصر إلى مجتمع تسيطر عليه هذه القلة القليلة جدا، تحكم سياساته وتسيطر على ثرواته وتفكك نظام دولته وتهدم أسس التطور الحضارى ذاتها، وهى فئة مغلقة على ذاتها تزداد مع الأيام ضيقا وانعزالا وشراسة. وحرصا منها على دوام بقائها اتبعت سياسة التحطيم لأى تشكيل أو جهاز تنظيمى يمكن أن يتشكل فيه قرار خارج إرادتها، سواء من أجهزة المجتمع كالأحزاب أو النقابات العمالية والمهنية والجمعيات، أو من أجهزة الدولة ذاتها فى غير مجال حفظ الأمن الداخلى لهذه النخبة ف:ى مواجهة الشعب. لذلك فإن عموم السخط لم يكن يقلقها فى السنوات الأخيرة، لأنها أجهزت بالتفكيك على أية تشكيلات تنظيمية يمكن أن يتبلور فيها قرار قابل للتنفيذ ضد مصلحتها. وقد سبق أن كتبت فى ديسمبر 2010 (1) ما يشير إلى هذا الوضع وما هى الإمكانات للخروج منه وإلى المظان التى يمكن أن يبدأ منها الحراك الثورى من خلال ما هو ممكن ومتاح فى هذا الظرف المضيق: «نحن عندما نرى ضعف الحركة الحزبية فى مصر وتهافتها الواضح، فإنما يقتضى الإنصاف منا ألا نرجع ذلك إلى أوضاعها الداخلية فحسب، ويتعين أن نعترف أن من أسباب هذا الوهن أن السياسة المتبعة على مدى سنوات وسنوات، خاصة فى العقدين أو الثلاثة الأخيرة، قد عملت على القضاء على هذه التشكيلات الاجتماعية، إذ إن الشعب لا يعد حقيقة ملموسة إلا بالتنظيمات التى ينظم فيها فئات وطبقات وتجمعات. والأحزاب لا تستطيع أن تكون لها حركة فاعلة فى الشأن السياسى إلا من خلال صلاتها بالتجمعات الشعبية العديدة الكائنة والموجودة بين الناس، سواء كانت هذه التجمعات التنظيمية ذات وجود تقليدى مثل القبائل والطوائف حيث توجد فى بلاد لسنا منها، أو تجمعات تنظيمية حديثة مثل النقابات والاتحادات العمالية أو الفلاحية أو الرأسمالية، وبغير هذه التشكيلات لا يتحول الرأى العام السياسى إلى قوة مادية». ثمة تنظيمات مهنية عسكرية ومدنية، وهى ذات وجود ضرورى، لأن وظائفها الاجتماعية والمهنية لا يمكن أن تتحقق فى الحياة الاجتماعية الجارية إلا بهذا الوجود، مثل مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والأمنية، وهى تنظيمات قادرة طبعا على الحركة المهنية والوظيفية فى المجال الوطنى الذى رسم لنشاطها، وهى تقوم بوظائفها المتخصصة المرسومة لها بالأسلوب الرتيب المعتاد، ولا تخرج عنه ولا تتجاوزه. لكنها فى موقف حرج يحدث أو فى لحظة أزمة مهددة للمجتمع يمكن لأى من هذه المؤسسات أو بعضها أن يستخدم شبكتها التنظيمية لا فى أداء وظائفها العادية المرسومة، بل فى القيام بعمل تمليه الضرورة السياسية الملحة، وتتحول هذه التنظيمات من وظائفها الرئيسية الرتيبة إلى أداة استثنائية ترى أنها ترفع شرا أو تنقذ وطنا، وحالات ذلك معروفة فى التاريخ. «وثمة تشكيلات تكاد تكون صغيرة الحجم من الناحية التنظيمية وضعيفة الأثر فى الحياة السياسية الجارية، ولا يكاد يحسب لها حسابا كبيرا فى توقعات المستقبل بالنسبة للأوضاع القائمة، ولكن فى أحوال أزمة محدقة أو انتفاضة غير منظمة، قد تتيح لأى من هذه التنظيمات ما يمكن أن تبلور حولها حجم شعبى مؤثر فى الحياة السياسية العامة، والتاريخ فيه من الأمثلة لهذه الحالات الكثير، وإن المطالعين لأحداث ثورة 1919 فى مصر بصورة تفصيلية يعرفون كيف كانت الجماعات الشعبية تجتمع فى تنظيمات محدودة النطاق وصغيرة الحجم، ثم لا تلبث أن تتقارب وتتجمع فى تكوينات أكبر. وهكذا». وبين التصورين السابقين ما يمكن أن تثمر عنه حركة المستقبل من صور وأشكال وأساليب مستحدثة، ولا يمكن لمن يتابع الأحداث أن يتنبأ بهذه الاحتمالات، لأن حركة الحياة أغنى كثيرا مما تنحصر فيه المعارف السابقة والتجارب التى مضت، وأن الأزمات تولد طاقات لا تلبث أن تجتمع وتنحشد، ثم لا تلبث أن تبحث عن مخرج منها، أرأيت النبتة الصغيرة الخضراء كيف تجد طريقا إلى الشمس والهواء رغم ما يطبق عليها من الأحجار الكثيفة. «إن المحافظين على الأمر الواقع يقاومون أى حراك يمكن أن يعارضهم، وهم فى صنيعهم هذا يستخدمون خبراتهم السابقة وتجارب التاريخ، إنهم يقمعون ما يخشون من حراك يكون معارضا لهم، لكنهم لا يعرفون من صور وأشكال هذا الحراك إلا ما سبق حدوثه، أما ما يثمر عنه الواقع الجديد من صور وأشكال جديدة لم تكن معروفة، فهم يفاجئون بها ولا يستطيعون مواجهته فى الوقت المناسب». وقد أردت بهذا المقتطف الطويل أن أوضح صورة الوضع المأزوم الذى كانت عليه الحالة الثورية فى مصر قبيل الثورة، وأنه لم يكن من حقائق الوجود الملموس ما هو مرشح ومؤهل للإنجاز الثورى المأمول، وإن التطلع كان إلى حلول مستجدة واستثنائية يتجه إليها الرجاء لتوجد بالحراك الثورى نفسه ويتفتق عنها، ولهذا الوضع أثره من بعد فى مسار الثورة بعد إنجاز مرحلتها الأولى بإزاحة النظام القائم. آخر تعديل بواسطة aymaan noor ، 30-10-2012 الساعة 11:18 AM |
#2
|
||||
|
||||
الدولة والدين فى الوطن العربى - الجزء الثانى
الدولة والدين فى الوطن العربى - الجزء الثانى طارق البشرى (4) الحاصل أن الحركة الشعبية التى فجرت ثورة 25 يناير كانت صاحبة السهم الأول فى إسقاط نظام حسنى مبارك، بدأت يوم الثورة ونمت من حيث الحشود الشعبية على نحو بالغ السرعة، فوصلت إلى ما يقدر ببضعة عشر مليونا فى المدن الرئيسية والأقاليم، بما أظهر للعيان استحقاقها للوصف الثورى، تماسكا وانتظاما وحشودا وتصميما وتناميا فى كثافتها وفى مطالبها عن إسقاط النظام. إلا أنها لم يكن لديها القيادات التنظيمية المؤسسية التى يمكن أن تحيل الحراك الثورى إلى قوة منظمة يتولد عنها ما يمكن أن يتولى السلطة أو يحل محل النخبة الحاكمة المزاحة. والأحزاب المعترف بها رسميا ضعيفة لم تعرف لها مساهمة كبيرة فى أشكال الثورة ولا فى تحريك معتبر للثائرين ولا تنظيم فعال لهم. وقد أشعل فتيل الثورة جماعات شبابية محدودة العدد، وكان الاندفاع التلقائى هو المَعين وهو ما تحولت به شرارة الإشعال إلى لهب أرق النظام السياسى القائم، وإن تحول الشرارة من إمكان إشعال سيجارة إلى استطاعة إشعال حريق مدمر لأبنية ومنشآت يتوقف على حجم الوقود المتاح، وكاد ألا يكون له وجود تنظيمى مؤثر إلا جماعة الإخوان المسلمين، ولكنه وجود وإن رجح الآخرين إلا أنه لم يكن بالحجم ولا بالقدرة التى تجعله يتحكم فى مسار الحركة الثورية. وكان ثمة قيادات فكرية وثقافية ثورية مشهود لها بالوطنية والمكافحة، بخاصة خلال السنوات الست السابقة منذ سنة 2005، وساهمت مساهمة ذات شأن وغير مشكوك فى أثرها المعتبر، وساهمت فى تهيئة الحالة الثورية التى انفجرت شعبيتها الكاسحة من 25 يناير حتى 10 فبراير، إلا أن هذه القيادات لم تكن ذات روابط تنظيمية قادرة على التحريك الشعبى المنظم بقرارات تتخذ وتعليمات حركية تتبع وأهداف تنفذ، فهى لم تكون قادرة على بلوغ الثورة هدفها وهى إحلال حكم جديد محل الحكم المزاح. وكان ثمة حركات احتجاج شعبى وتحركات اجتماعية حاشدة، عرفها عمال المصالح فى الكثير من أقاليم مصر ومدنها وموظفى إدارات ومصالح وطوائف اجتماعية، وذلك مدة السنوات الست أو السبع السابقة، وهى يقدر عددها بالمئات من حركات التجمع والاحتجاج والاعتصام، وكانت تتراوح مطالبها من المطالب الاقتصادية المتعلقة بالأجور والعمالة، وبين المطالب المتعلقة بالحريات والإفراج عن المعتقلين، وبين المطالب الفئوية الخاصة بالمساواة، وكل ذلك نمت به ثقافة التجمع والخروج والاحتجاج حتى صارت منتشرة. وقد أرهص ذلك للحدث الكبير، ولكن كل هذه الحركات عندما حدثت كل منها إنما حدثت بشكل متناثر ومعزول بعضها عن بعض، ولم تستطع الأحزاب القائمة أن ترتبط بها وأن تشملها بروابط تنظيمية تمكن من تحول هذا الحراك الاقتصادى الاجتماعى إلى حراك سياسى لتنظيمات سياسية محدودة ولتتأهل به للحلول محل النظام الساقط فى السلطة. لذلك فإن هذه الثورة الجماهيرية الحاشدة التى فاجأت القاصى والدانى وفاجأت صانعيها أنفسهم بحجمها الهائل وبتناميها المطرد وبتحديها إرادة حسنى مبارك ووعيها المصمم على هدف الإطاحة به وبنظامه، وبذكائها الجماعى فى اكتشاف كل محاولات التضليل وزيف الوعود غير الحقيقية، وبقدرتها على تصعيد الموقف السياسى والتمسك بأهدافها، وبحسها السلمى ومحافظتها على السلمية فى مواجهة عنف السلطة التى مارست ضدها القتل والتجريح، وبتمييزها بين العدو والصديق أثناء الحراك الثورى، بكل ذلك فهى لم تكن ذات قيادة مشتركة تعبر عنها وتتحدث باسمها، سواء من تنظيم واحد أو من عدد متحالف من التنظيمات. ولعل ذلك كان من توفيق الله سبحانه لهذه الحركة فى مرحلتها الأولى، لأن عدم تبلور القيادة فى أشخاص معينين وفى زعامات وتشكيلات معروفة وسبق التعامل معها، وعدم وجود من يملك من هؤلاء اتخاذ القرار المسموع بالنسبة للجماهير، إن ذلك ساهم فى شل قدرة الحكومة على أن تتصل بمن تتشخص فيهم الحركة والثورة، للتعامل معهم بالقمع أو بالعزل عن القواعد أو بالتضليل بالشائعات أو إثارة الفتن بين بعضهم البعض. وقد عُرف أن الحكومة بمستويات عالية تصل إلى رئيس المخابرات العامة الذى عين وقتها نائبا لرئيس الجمهورية حاول الاتصال والحديث ببعض من ظن أنهم ممثلو الحركة الثورية ولم تنجح مساعيه، وكان أحد أسباب ذلك أنه لم يكن لفرد أو لعدة أفراد ولا لجماعة معينة أن تدعى أنها تملك السيطرة على الحشود الثائرة أو التأثير الفعال فى حركتها. ويبدو أن ما ساهم فى إنجاح الثورة فى إزاحة نظام الحكم القائم رغم غياب القيادات والتنظيمات القادرة على السيطرة على حركة الجماهير هو هذه القدرة التى لدى الشعوب فى أن تندرج فى الأزمات فى حالة شعورية واحدة ينجم عنها موقف واحد أو مواقف متجانسة ،سيما إذا كانت لا تعرف فروقا ثقافية عامة آتية من الاختلافات الطائفية أو القبلية أو الاقليمية. لكن كل هذا شىء، أما الشىء الآخر فهو ما يتعلق بما يأتى بعد إنجاز ما اجتمع الناس عليه من إسقاط النظام السياسى والنظر فيمن يحل محله وما هى السياسات التى يتعين اتخاذها، كما أن السلطة السياسية فى الدولة هى تشكيل مؤسسى يجمع إرادات وينظمها ويصدر قرارات ويدفع أفعالا من خلال جماعات بشرية منظمة، وثمة قنوات لتجميع المعلومات وتشكيلات لدراسة الواقع الجارى ونظم قانونية أو عرفية لدراستها ثم إصدار القرارات بشأنها، وتوزيع مهام العمل والتنفيذ والثورة الشعبية بغيتها فى النهاية سلطة الدولة والإمساك بمؤسسة الحكم، ولا يستقيم تحقيق هذا الأمر مع وجود فراغ مؤسسى، لأن جهاز الدولة لا يحتمل الفراغ التنظيمى ولابد لمن يمسك به أن يكون له كيان تنظيمى، وهذا بالضبط ما لم يكن الفعل الثورى الحاصل يملك منه تنظيمات تمثل مجتمعة أو منفردة هذا الشمول الشعبى الحادث، وإن أقوى التنظيمات الشعبية الموجودة وقتها لم يكن يملك من الحجم التنظيمى الفعال ما يجعلها قادرة على ذلك. لذلك تقدم الجيش لملء هذا الفراغ، والجيش مؤسسة نظامية تخضع لشرعية الدولة القائمة ولقراراتها، وهى فى التحليل النهائى تمثل عمود الارتكاز النهائى لأية دولة، وحركة الجيش الحاصلة أثناء الثورة كانت فى بدايتها حركة شرعية بالنسبة لنظام حسنى مبارك، فإن حكومة مبارك هى من استدعى القوات المسلحة للنزول فى الشوارع لمواجهة الحركة الثورية بعد أن عجزت الشرطة عن هذه المواجهة، وبعد أن نزلت القوات المسلحة إلى الشوارع وسيطرت على المدن الرئيسية بقرار شرعى صادر لها من رئيس الجمهورية حسنى مبارك، لكنها لم تنفذ المهمة المطلوبة منها، وامتنعت عن مواجهة الجماهير بالعنف، ولا يوجد فى الثقافة المصرية الشعبية ما يذكر أن القوات المسلحة المصرية واجهت جماهير المصريين بالعنف، ونتج عن ذلك أن الجماهير الثائرة السلمية استقبلت المصفحات بمشاعر الود منذ نزولها للشوارع، ولم يكن انضمام القوات المسلحة إلى الحركة الشعبية يستدعى تحركا مضادا لشرعية الدولة القائمة لأنها هى من استدعت هذه القوات للحركة، إنما كان هذا الانضمام يأتى بموجب قرار من قيادة الجيش المتحرك بالانضمام إلى الثورة. وهذا ما حدث فى 10 فبراير عندما اجتمع المجلس الأعلى للقوات المسلحة برئاسة القائد العام وفى غياب قائده الأعلى حسنى مبارك وأصدر البيان رقم واحد عن حرصه على الشعب المصرى ومكتسباته، وفي اليوم التالى أعلن تنحى حسنى مبارك عن الرئاسة فى 11 فبراير. وسدت القوات المسلحة الفراغ الحادث فى الحركة الثورية من الناحية التنظيمية، لأنه أعلن تحقيق فعل الإزاحة للنظام وسيطر على الحركة بوصفه المؤسسى، وصار شريكا فى الثورة لأنه وفر بتشكله المؤسسى ما كانت القوى الثورية تفتقده وقتها. (5) سبقت الإشارة إلى أن ثمة قاعدتين سياسيتين شبه مطردتين، وهما: أن من يحقق الإطاحة بالنظام القديم هو من يكون مرشحا للحكم من بعده، وإن العبرة فى ذلك بالقوى السياسية المنظمة التى تكون لها تشكيلات قادرة على إصدار القرارات وعلى الفعل التنفيذى لها، وبهذين الأساسين يمكن النظر فى أحداث ما بعد الإطاحة بنظام مبارك، لان المشهد السياسى الذى تتابعت حلقاته من بعد الإطاحة يدور حول تبين ما هى القوة أو القوى السياسية التى ستتولى الحكم منفردة أو بالمشاركة. القوة المنظمة الأولى هى قوة جهاز الدولة المصرى، ويتعين الإشارة إلى أن هذا الجهاز كانت له مشاركاته فيما عرفت مصر من ثورات فى تاريخها المعاصر، وأولها ثورة المصريين بين 1800 و1805، وكانت مشاركة بين الحركة الشعبية تحت قيادة أزهريين وتجاريين وبين فصائل من القوة العسكرية متمثلة فى محمد على. ثم ثورة 1881 ـ 1882 التى قامت مشاركة بين القوات المسلحة برئاسة أحمد عرابى وبين جماهير مصرية عبر عنها ما عرف بالحزب الوطنى وقتها، وثورة 1919 لم تشارك فيها المؤسسة العسكرية لأن كتلتها الأساسية كانت موجودة فى السودان منذ أعوام 1896 ـ 1899، وبقيت هناك حتى خروج الجيش المصرى من السودان بإقصاء من الانجليز فى سنة 1924، ولكن جهاز الدولة المصرى المدنى شارك فى هذه الثورة بإضراب شامل له أفقد الانجليز القدرة على السيطرة على حكومة البلاد فسارعوا بالاعتراف باستقلالها فى 1922م. ثم ثورة 25 يناير الأخيرة التى بدأت بفعل شعبى ثورى ثم حسمت وقائعها حركة القوات المسلحة فى 10 فبراير، وهى ثورة هدفها الأساسى بناء التشكيلات الديمقراطية الحقيقية النزيهة المعبرة عن الشعب المصرى، فهى شعبية فى بدء اشتعالها وفى هدفها وشاركت فيها القوات المسلحة معبرة عن جهاز الدولة المصرى. وجهاز الدولة فيما نعرف يقوم بنوعين من المؤسسات حسب أصل تشكيله الحديث، نوع يتصل بالشأن السياسى من حيث تقدير المواقف واتخاذ القرارات، ويتمثل أساسا فى رئاسة الجمهورية والوزراء وفى المجال النيابية. والنوع الثانى يقوم فى الأساس بوظائف مهنية بعيدة نسبيا عن التصدى المباشر للعمل السياسى، وهما فى الأساس القوات المسلحة والقضاء، وقد قام حسنى مبارك ونظامه بإضعاف أجهزة الدولة المتعلقة بغير حفظ أمن النظام الذى يرأسه وعمل على تفكيها، لأنها كانت جميعها قد بُنيت فى عهد جمال عبدالناصر على أساس شمولية إدارتها للمجتمع المصرى بالنسبة لإدارة الاقتصاد والخدمات والمرافق وغيرها. وكان حرص نظام مبارك على تغيير هذه الوظائف ونقلها إلى النشاط الخاص لصالح النخبة الحاكمة الطفيلية، كان مقتضاه تفكيك روابط أجهزة الدولة، كما أن مقتضى السيطرة الفردية للحاكم على الدولة توجب على الرئيس الفرد أن يفكك كل ما هو دونه من مؤسسات العمل حتى لا تكون عنصر ضغط على إرادته الطليقة ولتكون أسلس قيادا له. وذلك فيما عدا طبعا أجهزة الأمن التى تصير تحت إشرافه المباشر هو والنخبة المرتبطة به. لذلك صارت مؤسسات الدولة السياسية مفككة وضعيفة، والمؤسسات غير السياسية بعيدة عن النشاط السياسى، وكان أحد وسائل التعامل معها هو شغلها بمشروعات وأعمال بعيدة عن تخصصها المهنى الوظيفى، فلما انهارت دولة حسنى مبارك وأطيح معها بالمؤسسات السياسية، سواء الرئاسة أو الوزارة أو المجال النيابية، بقيت المؤسسات غير السياسية أصلا وهى الجيش والقضاء، وفى خلال أزمة الحكم التى تولدت مع الحراك الثورى تحول الجيش بقيادته المهنية التقليدية إلى العمل السياسى سدا للفراغ السياسى الحاصل كما سبقت الإشارة، وبدأنا نلمح فى القضاء نزوعا إلى التحرك السياسى من خلال الدعاوى المرفوعة أمامه. ويلاحظ أن قيادة القوات المسلحة التى تحركت فى هذا الشأن السياسى كانت قيادة مهنية بحتة لم تتمرس فى أساليب العمل السياسى ولم تتراكم لديها خبرات سابقة فيه، لأنه كان ممنوعا عليها بحزم وصرامة الاشتباك فى العمل السياسى ولو بإبداء الآراء فيه، وكانت تتكون من قيادات عسكرية صرفت حياتها كلها فى العمل المهني بعيدا عن الخوض فى الشأن السياسى، وبلغت فى مهنتها أقصى ما يصل إليه الطموح المهنى من رتب وظيفية وفى آخر العمر المهنى، وألقيت عليهم المهمة السياسية مع الثورة بغير خبرة ولا وقت لاكتساب الخبرات فى مرحلة عمرية يصعب فيها أن يخوض الإنسان فى التجربة والخطأ ليتعلم ما لم يسبق له الاتصال به من معارض، ومن هنا نلحظ ضعف الأداء السياسى الواضح لهذه المؤسسة عندما استلمت السلطة بغير إعداد مسبق حلا لأزمة وطنية حلت. (6) أما القوة المنظمة الثانية فهى جماعة الإخوان المسلمين، وهى تمثل القوى المنظمة الأساسية فى النشاط السياسى الأهلى غير الحكومى، لما لها من أبنية تنظيمية تعتبر الأقوى فى مجال النشاط الأهلى فى مصر، من حيث العدد ودرجة الانضباط التنظيمى والاتساق الثقافى السائد بين صفوفها، وقد ساهمت الجماعة فى العمل الشعبى الذى شكل الجسم الأساسى للثورة الشعبية، وهى إن لم تكن من أطلق شرارات الثورة والدعوة بالتحريك لها، إلا أنها كانت بعد ذلك ذات حراك شعبى دار بدرجة من الانضباط ينبئ عنها سلوك يجمع بين إنكار الذات بعدم الإشارة إلى نشاطهم منسوبا للجماعة مع الاستعداد لتقديم التضحيات، فكان تشكلهم التنظيمى خلالها يفوق أى تشكل تنظيمى لأية قوة حزبية مفردة أو جماعة سياسية أخرى. ولكن جماعة الإخوان المسلمين فى ثورة 25 يناير، لم تكن كما كان الوفد مثلا فى ثورة 1919م كانت قوة سياسية فعالة بما لا يقارن معها فصيل سياسى أهلى آخر، ولكنها ليست قوة حاكمة، أى ليس لها من درجة القوة ما يمكنها من أن تقود الثورة أو يكون لها القرار الحاسم فى مسيرتها وفى تزكية أى من المواقف السياسية التى تجد. هى ليست مثل وفد 1919 فى مصر، ولا مثل حزب المؤتمر فى الهند أو حزب الكومنتانج أو الحزب الشيوعى فى الصين بالنسبة للثورة التى حدثت فى كل من هذين البلدين. فهى ليست قائدة وليست ذات أغلبية حاكمة، وإن كانت ذات أغلبية مؤثرة لابد أن يعمل حسابها، وهى إن استطاعت من بعد أن تصل إلى الحكم فلابد أن يكون ذلك بمشاركة غيرها لضمان استقرار هذا الوصول. وفى هذا الصدد ينبغي استدعاء الخبرة التاريخية لمصر، وإدراك ما يعتبر من الخصائص من هذه الخبرة. فإن وفد 1919 بوصفه تنظيما شعبيا أهليا استطاع أن يكسب من مقاعد مجلس النواب فى الانتخابات الأولى التى جرت بعد الثورة بأربع سنوات فى نهاية 1923، وفقا لدستور ونظام انتخابات أعده أعداء الوفد وقتها سواء الملك أو الأحرار الدستوريين، استطاع الوفد أن يكسب أكثر من 90٪ من مقاعد هذا المجلس. ومع ذلك لم تستمر حكومة الوفد فى الحكم أكثر من عشرة شهور استقالت بعهدا وحل مجلس النواب، وخلال ثلاثين سنة من عمر هذا الدستور فى مصر حتى 1952، جرت عشرة انتخابات منها ستة انتخابات نزيهة حصل الوفد على الأغلبية فيها جميعا بما لا يقل عن 70٪ التى حصل عليها فى 1950، ومع ذلك لم يتح له الحكم طول الثلاثين سنة إلا نحو سبع سنين وشهور ولا تزيد أقصى مدة متصلة قضاها فى كل مرة عن سنتين. وهذا مثال أرجو به أن أوضح أن مراكز القوى السياسية فى المجتمع ليست فقط تتمثل فى الأغلبية الشعبية ولا فى التنظيم الحزبى الشعبى الواسع المنضبط، وإن القوة السياسية الفعالة المؤثرة، قد تكون مرتكزة على الأجهزة الدولة وتستمد عنفوانها منها، وقد تكون متمركزة فى وسائل الإعلام وأجهزته، بما يهيئ لها تأثيرا كبيرا على صياغة الرأى العام وإبراز مسائل سياسية يفيدها إثارتها أكثر من غيرها مع تشكيل وجها النظر لدى الأغلبية غير المعنية بالشئون السياسية وبما يرتب ردود فعل تلقائية سابقة التجهيز، وقد تكون هذه القوة السياسية متمركزة فى رجال الأعمال بما لديهم من تأثير على جمهور مرتبط بأعمالهم، فضلا عما يوجهون إليه من فوائض دخولهم ما يدعم أنشطة مؤثرة فى العمل السياسى. آخر تعديل بواسطة aymaan noor ، 30-10-2012 الساعة 11:19 AM |
#3
|
|||
|
|||
شكرا
مقال رائع جدا والمقال مليئ بقطع الدرر التي ينبغي التعليق عليها ولكن اهم ما شد انتباهي
ذلك السؤال الذي قام عليه المقال كله وتم تحليله هو اقتباس:
النظام القديم لم يسقط بالكامل حتي اللحظة والنظام الجديد لا يزال في طور التخليق والايجاد ذلك ان المنظومات التي تحكم اي دولة لها ثلاث افرع السلطة التنفيذية - والسلطة التشريعية - والسلطة القضائية فالسلطة التنفيذية متمثله في الرئيس والحكومة ولكن تلك الحكومة غير مرضي عنها بالكامل لا علي مستوي التنظيمات السياسية الاسلامية او غيرها اليسارية او العلمانية فحتما هي الي تغيير في الفترة القادمة ولعل ايضا من الجدير بالذكر ان هناك حركة محافظين جدد ستعلن في القريب العاجل ستكون كبيرة ثانيا : ان الشكل السياسي الذي سوف يحكم مصر في الفترة القادمة لم يتشكل بعد لانه يتشكل فقط بإنتخاب مجلس شعب جديد حيث هو الذي يضع ويشرع ويوجة الحكومة الي الشكل السياسي الذي ينفذ ويحكم ويشكل ثنائي المنظومة التي تحكم الدوله ثالثا : القضاء وهو الضلع الثالث المهم والتي في نية الحركات السياسية التي سوف تفوز بإغلبية مجلس الشعب القادمة في نيتها إعادة هيكلة قوانين السلطة القضائية لغربلتها وتنقيتها من الفساد التي لحق بها طوال ثلاثين عاما مضت لتنسجم المنظومة الثالثة مع سابقيها ولتصبح الدولة ذات توجة واحد نحو البناء بفكر واحد حقيقي وهنا فقط تبدا عجلة التنمية والنهضة في الدوران لاننا حتي تلك اللحظة نعيش في كهف النظام السابق لان السلطة الحاكمة الحالية لا تعبر حقيقتها الا عن نخبة ما زالت او لا زالت تتثبت بالسلطة وبالمواقع السياسية والاقتصادية فلا سبيل للانطلاق سوي الانتهاء من انتخابات مجلس الشعب القادمة وبعدها يبدء القطار في الانطلاق وجزاك الله خيرا
__________________
#الإشـاعة يؤلفها #الحاقد وينشرها #الأحمق ويصدقها #الغبي حاول أن لا تكون من هؤلاء الثلاثة.
بالفيديو.. توثق أحداث الذكرى الثانية للثورة |
#4
|
||||
|
||||
اقتباس:
جزاك الله خيرا و بارك الله فيك
|
#5
|
||||
|
||||
طارق البشري !!!!
ده اللي عينه العسكري رئيس لجنة تعديل الدستور وسبب المهاترات اللي حصلت ايام الانتخابات وعدم وضوح الرؤيه طبقاً لآرائه وكتاباته المنشورة يريد مصر دولة دينية على طريقة أقرب إلى النموذج الإيرانى. ناهيك عن أنه يعتبر المخالفين معه فى الرأى أتباع "الصهيونية الأمريكية"، وأضف على ذلك أنه غير مؤمن بحقوق مواطنة متساوية لكل المصريين.(يمكنك الرجوع على سبيل المثال إلى ما كتبه فى العدد 413 من جريدة صوت الأمة بتاريخ 10-11-2008).
__________________
The deeper you look, the more you will find
|
#6
|
||||
|
||||
الدولة والدين فى الوطن العربى «الحلقةالثالثة»
الدولة والدين فى الوطن العربى «الحلقةالثالثة» «عقب نجاح ثورات الربيع العربى، وصعود نجم التيار الإسلامى، حضرت العلاقة بين الدين والدولة فى الوطن العربى بقوة، وفى خضم المعارك السياسية التى لا تنتهى بين القوى والأحزاب والحركات السياسية المصرية، يغوص المفكر والفقيه الدستورى المستشار طارق البشرى فى «حالة مصر ما بعد الثورة» شارحا لنظام لا تزال ملامحه تتشكل، من خلال ورقة قدمها فى الندوة التى عقدها مركز دراسات الوحدة العربية عن «الدين والدولة فى الوطن العربى» التى عقدت خلال الفترة من 15: 17 أكتوبر فى تونس، والتى تنشرها «الشروق» على حلقات..طارق البشرى الحاصل أن ما أسفر عنه المقياس الانتخابى من تأييد شعبى لجماعة الإخوان المسلمين، لا يتأتى من النظر فى نتيجة الاستفتاء على التعديلات الدستورية الجارية فى 19 مارس 2011 بعد الثورة، التى كانت تتمثل فى 77.2٪ للمؤيدين للتعديلات و22.08٪ للمعارضين لها، لأن هذه التعديلات كانت تتعلق فقط بأحكام دستورية تتوخى بناء مؤسسات سياسية للدولة بطريق ديمقراطى نزيه، سواء المجلسان النيابيان أو رئاسة الجمهورية، مع ضمان نزاهة الانتخابات، وإن تنتخب جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد للبلاد، تختار هى من المجلسين المنتخبين بطريقة ديمقراطية، ولا تكون هذه الجمعية مشكلة بالتعيين من غير منتخبين. ولم يكن بالأحكام المستفتى عليها أى نص يشير ولو من بعيد إلى ما يتعلق بهوية الدولة، ولا بالشعارات والنداءات التى تميز التشكيلات الدعوية الإسلامية، ومن ثم فإن أغلبية 77.2٪ وإن شملت الإسلاميين إلا أنها لم تقتصر على مؤيدى التنظيمات الدعوية الإسلامية، وليس من معيار يمكن به تحديد مدى أثرهم فى هذا الاستفتاء. إنما ما يمكن أن يرشد إلى حجم التأييد الشعبى الذى حصلت عليه جماعة الإخوان هو انتخابات مجلس الشعب التى جرت فى نوفمبر وديسمبر 2011، وكان نظام الانتخاب يجرى بالقوائم الحزبية بالنسبة لثلثى مقاعد كل من مجلسى الشعب والشورى وبالانتخاب الفردى بالنسبة للثلث الباقى، وقد تقدم الإخوان فى هذه الانتخابات من خلال جبهة ضمت إليهم بضعة أحزاب أخرى صغيرة، وكانت النتيجة أن مجموع ما حصلت عليه هذه الجبهة من مقاعد مجلس الشعب كلها هو 47٪، وللإخوان من هؤلاء ما تبلغ نسبته 40٪ من مجموع المقاعد، وذلك رغم أن الانتخابات جرت ولم يمض على الثورة أكثر من عشرة شهور. والمقياس لحجم التأييد الشعبى لجماعة الإخوان هو انتخابات رئاسة الجمهورية، فإن انتخابات الجولة الأولى استوجبت إعادة الانتخاب لعدم حصول أى من المرشحين على الأغلبية المطلقة لعدد من أدلوا بأصواتهم وإذا كان مرشح الإخوان صاحب الأغلبية النسبية الأكثر فإنها ظلت فى حدود الخمسة ملايين صوت بين أربعة مرشحين تراوحت أصوات كل منهم بين ما يدور حول الخمسة ملايين والأربعة ملايين، ثم جرت الإعادة بين مرشح الجماعة الدكتور محمد مرسى وبين الوزير السابق الفريق أحمد شفيق فحصل فيها الدكتور مرسى على الأغلبية المطلقة بما لا يجاوز 52٪ من الأصوات ويدور فى حدود الملايين الخمسة، وكان مجمل أصوات الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم فى الجولة الأولى من الانتخابات يبلغ نحو 23.6 مليون شخص، وقد تولى رئاسة الجمهورية بما يمكنه من استعمال سلطة الدولة فى تشكيل الوزارات وغير ذلك. ولكن يلاحظ أن منصب رئاسة الجمهورية وإن مكَّن شاغله من السيطرة على السلطة فى الدولة، فإن أمر السيطرة على جهاز أو أجهزة قديمة وتتكون من تشكيلات متنوعة عسكرية وأمنية ومصالح وهيئات تتراوح فى القدم والتخصص، ليست السيطرة تكون بسهولة أن يتولى فرد رئاسة فينصاع له الجميع وإن أظهروا الطواعية والانضباط، سيما عندما يكون هذا الفرد أو الأفراد من غير تشكيلاته الأساسية التى تعودوا على التعامل معها، وسيما إذا كان من غير ذوى الخبرة فى إدارة نوع العمل البيروقراطى المؤدى ومن كان خارج إطار التشكل الثقافى الوظيفى المعتاد لدى العاملين بهذا الجهاز أو هذه الأجهزة، وسيما إن كانت مدة رئاسته مؤقتة أو من غير المتيقن استمرارها استمرارا معتبرا. وخلال مطالعاتى لثورة 1919 وما بعدها فى مصر، بدا لى أن أدرس مسألة جذبنى إليها طرفاتها، وهى كيف تحولت الثورة إلى نظام، وما هى الآليات وأنواع الصراع التى جرت فى هذا التحول، وقد ظهر أن جهاز دولة عميق الجذور والسلطات كالجهاز المصرى إنما يشبه القلعة، ومن يحكم القلعة من الناحية التنظيمية إنما يترجح نجاحه فى حكمها وإحكام السيطرة عليها بقدر ما يكون من رجالها، وإن القلعة من خصائصها أن من دخلها من خارجها إما أن يسيطر عليها فتدافع عنه وتحميه وإنما أن تسجنه فيصير حبيسا بها، وهذا ما فسر لنا تردد سعد زغلول زعيم الثورة والسياسى ورجل الدولة المخضرم، فى قبول الحكم بعد أن حصل حزبه على 90٪ من مقاعد المجلس النيابى، ثم استقالته بعد عشرة أشهر فقط، وهو لم يصنع شيئا خلال هذه الأشهرة العشرة، وإنما كان يتصرف كما لو كان لا يزال فى المعارضة فيعلن موافقته واعتراضه ومواقفه دون أن يتخذ إجراء عمليا. والقلعة إما أن تحمى أو تحبس حسب نوع العلاقات التى تقوم بين من دخلها وبين رجالها. وإن أجهزة الدولة تملك مد رئيسها بالمعلومات التى يتخذ قراراته على أساسها وهى من يملك طريقة تنفيذ قراراته، وبهذين الأمرين تكون أحاطت بالسيد الرئيس. ولكننى أوضح أنه فى حدود التوجه الإسلامى لجماعة الإخوان المسلمين التى تولى أحد رجالها رئاسة الجمهورية فإن النزوع الإسلامى الذى يظهر فى ممارسة رجال أجهزة الدولة لا يكون فى الأساس مصدره هذه الرئاسة، لأن الثقافة السائدة فى المجتمع المصرى بين الغالبة الغالبة من المصريين هى ثقافة إسلامية أو أن مرجعيتها إسلامية، وهذا يظهر بوضوح من انتخابات النقابات المهنية فى مصر، إذ إنها عندما تجرى بنزاهة ترجح ذوى الاتجاه الإسلامى من بين ما يكون أغلبية مؤثرة من الفائزين فى الانتخابات، والمهنيون فيما هو معروف هم من يكونون الفئة التى تمثل العمود الفقرى فى كل أجهزة الدولة وفى سائر التخصصات وهم أعضاء فى النقابات المهنية بنسبة مؤثرة. وأن هذه الكوادر لديها توازناتها الفكرية بين ما يمليه عليها مهنتها وبين ما يحوط ذلك من ثقافة عامة سائدة مستمدة من المرجعية الإسلامية. ومن بين عناصر هذه القوة الثانية جماعات السلفيين، وهى لم تكن تؤدى دورا سياسيا ملحوظا قبل الثورة، ولم يلحظ لها بوصفها السلفى نشاط فى الفترة الأولى من الثورة التى أدت إلى الإطاحة بنظام حسنى مبارك، ولم يلحظ لها بدء نشاط سياسى فعال فى الشهور الأولى من الثورة، ولكنها ظهرت بوصفها قوة سياسية ذات نفوذ يجب الاعتبار به بعد ذلك. لقد كان نشاطها الأول نشاطا دعويا، ولكن الأوضاع السياسية والاجتماعية تؤدى أحيانا إلى أن التنظيمات التى تنشغل بشئون اجتماعية أو ثقافية كالجماعات الدعوية أو الصوفية أو النقابية أو غيرها، قد تلجئها الأوضاع العامة إلى أن تتحول بشبكاتها التنظيمية ورجالها من وجوه نشاطها المعتادة إلى وجوه أنشطة تستجد، وهنا يكون الظهور قويا لأنه يصدر عن وجود تنظيمى سباق ذى شأن، ولكنه قد ينطوى على الكثير من التردد فى الاستجابة لأنواع العمل الجديد بسبب الجدة وقلة الخبرة فى المجال المستحدث، وهذا ما كان من الجماعات السلفية وأظهرها الآن حزب النور والجماعة الإسلامية والجهاد وغيرها من التنظيمات. وإن ما أتاح للجماعات السلفية أن تظهر سياسيا وتقوى نسبيا هو تأخر إجراء انتخابات مجلس الشعب عن موعدها الذى كان شبه محدد فى يونيو 2011 فتراخت الانتخابات حتى نوفمبر وديسمبر التالى؛ لأن هذه الفترة أتاحت فرصة من الزمن لتحول السلفية الدعوية إلى النشاط السياسى، فكسب السلفيون فى هذه الانتخابات نحو 25٪ من المقاعد بمجلس الشعب، وأكسبهم هذا الفوز عزوتهم السياسية فيما بعد. ولكن يلاحظ أن الحراك السلفى السياسى ليس متجانس الأنشطة والمواقف، وهو يتسم بقلة خبرة فى المجال السياسى إلا من جماعات وشخصيات لا تمثل الطابع الغالب والمستمر له، وتتراوح المواقف السياسية بين العديد من التنوعات وقد انعكس ذلك فى انتخابات رئاسة الجمهورية، إذ توزع التأييد الانتخابى بين عدد من المرشحين المتنافسين مما أضعف من عزوتهم الانتخابية وخصم من بعضها البعض، وهى إن كان لها قوة حشد سريع، فإن التنظيم المنضبط الذى يمكن من العمل الدائب طويل المدى لم يختبر بعد. وخلاصة ذلك كله أن هذه القوة الثانية ليست بالحجم والإمكانات التى تمكنها منفردة من قيادة حركة المجتمع ودولته، وإن كان لها من الأثر القوى الفعال ما يتعين أن يكون فى التقدير فى إطار المشاركة الفعالة المؤثرة، وإنما ذات خبرات دعوية أكثر منها سياسية، كما أن قوة القيادة العسكرية ذات خبرات مهنية أكثر منها سياسية، وإن هذا النقص فى الخبرة السياسية سبب قدرا من الارتباك فى الحسابات السياسية، وما يكشف عن هذا المفاد أنه بعد انتخابات مجلس الشعب عملت هذه القوة على إسقاط الوزارة القائمة فلم تنجح، وبعد حكم المحكمة الدستورية الصادر فى 14 يونيو 2012 بما أفاد حل مجلس الشعب، عمل الرئيس المنتخب على عودة المجلس ودعاه للانعقاد فلم يتم، وإن الصراع السياسى لا يزال دائرا بين القوتين المذكورتين الأولى والثانية، ووجه خطأ كل منهما، أنها تحاول أن تستبد بالسلطة من دون الأخرى فلا تلبث أن تعرف أن ذلك ليس فى مقدورها فتعاود الكرة من جديد. (7) أما القوة الثالثة فهى المسماة بالقوة الليبرالية، وهى تتشكل من التنظيمات الحزبية والشخصيات السياسية المستقلة التى خرجت من مرحلة حسنى مبارك ضامرة من الناحية الشعبية، بدليل أن نشاطها السياسى المعارض والعالى الصوت لم يؤد بها إلى تشكيلات تنظيمية جماهيرية، وحتى بعد أن تصاعد المد الثورى من 2005 رغم أن حركات الاحتجاج الشعبى تعالت وصارت شديدة الكثافة من هذا التاريخ، وكان ذلك يشكل فرصة للأحزاب والتجمعات السياسية لسرعة بناء تنظيماتها بقدرة على الحراك الشعبى المنظم. هذه الأحزاب والشخصيات تتكون من نخب ثقافية واجتماعية لم يسمح لها فى العهد الماضى بتنمية صلاتها الجماهيرية فاقتصر نشاط هذه النخب على النشاط الإعلامى الذى كان متاحا دون العمل التنظيمى الشعبى، وقد عظم نشاطها فى الإعلام وفى المؤتمرات السياسية والتجمعات النخبوية، وعظمت قدراتها السياسية فى الرؤية للأحزاب والتعليق عليها، وكشف عورات النظام القائم، وأسهمت مساهمة جد حقيقية فى التمهيد لثورة 25 يناير، ولكن افتقدت الغالبية الغالبة من عناصرها خبرات العمل الجماهيرى والتنظيم. وإن ضمور النشاط التنظيمى شكل ضعفا فى القدرة على تحريك الجماهير فى صدد المعارك الانتخابية عندما سنحت الفرصة لهذا النوع من النشاط بعد الثورة، وكان ثمة ضمان أكيد لنزاهة العملية الانتخابية وقد مورست فعلا هذه النزاهة، سواء فى انتخابات المجالس النيابية أو فى انتخابات رئاسة الجمهورية، ولذلك فهم فى معالجتهم للشأن الانتخابى بعد الثورة طالبوا بما أضر بهم سياسيا، طالبوا بتأجيل الانتخابات لمجلس الشعب ليستعدوا تنظيما، ولكن لم يتح لهم الاستعداد للنمو الجماهيرى بهذا التأجيل، واستفاد من التأجيل التيار السلفى. إذ أتاحت له فسحة الوقت أن يتحول بتنظيماته وصلاته الجماهيرية إلى النشاط السياسى، وكان ذلك خصما من حساب التيار الليبرالى فيما يظهر. كما أن التجمعات الليبرالية طالبت وألحت فى الطلب بأن تكون الانتخابات بالقوائم الحزبية وضغطوا فى ذلك ضغطا شديدا حتى ووفق على ذلك فى ثلثى مقاعد مجلسى الشعب والشورى، وذلك رغم أن الانتخابات بالقائمة تحتاج إلى قوى حزبية تنظيمية قليلة العدد كبيرة الحجم وذات انتشار لدى الجماهير بأسمائها وقياداتها وبرامجها ومواقفها السابقة، وهى أوضاع لم تكن توافرت بعد للأحزاب القديمة بعد أن انفك عنها ضغط النظام السابق بسقوطه ولم تكن توافرت من باب أولى للأحزاب الجديدة الناشئة بعد الثورة، وكان أكثر من استفاد من انتخابات القائمة هو الاتجاه السلفى لسابق صلاتهم الشعبية فى مجال الدعوة ولحركتهم السابقة النشيطة فى الأحياء الشعبية والمساجد، ودليل ذلك أن السلفيين حصلوا فى انتخابات مجلس الشعب على نحو 15٪ من مقاعد الثلث الفردى، وحصلوا على نحو 29٪ من مقاعد الثلثين المنتخبين بالقوائم. إن قوة التيار الليبرالى تظهر فى مساهمته الكبيرة فى صياغة الرأى العام غير المنظم عن طريق سيطرته على الإعلام، وهى سيطرة تكاد تكون غالبة ولها تأثيرها لا فى الرأى العام غير المنظم فقط ولكن فى دوائر اتخاذ القرار فى داخل أجهزة الدولة، وإن ما يملك من قدرات ثقافية سياسية مع نفوذه الكبير فى وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة تمنحه هذه القدرة على انتشار رؤيته فى تصوير الأحداث وصناعتها وترتيب أولويات المسائل التى تثار والمطالب التى تبدى، وكل ذلك له أثره فى صياغة ردود الفعل فى الساحة السياسية، وإن أثره يقوى بقدر قيام الخلاف بين القوتين الأخريين. وإن أثر هذا الاتجاه بوصفه قوة سياسية تفتقد الأبنية التنظيمية ذات الوزن، إنما يتيح له لا أن يكون قوة مستقلة تسعى إلى الحكم بتشكيلاتها التنظيمية، ولكن أن يكون له دور ذو شأن فى الانحياز لأى من القوتين السابقتين ويكون له أثره المعتبر فى تقوية من ينحاز إليه وإضعاف من ينحاز ضده، سيما أن القوتين الأخريين لكل منها وجوه ضعفها وتردداتها مع نقص الخبرة، وسيما أن هاتين القوتين السابقتين لا تملك إحداهما إزاء الأخرى أغلبية نسبية محسومة، وسيما أن الجماهير غير المنظمة ذات حجم كبير جدا، وهو يؤثر فى تردداته فى موازين القوى، وهذا ما يفسر لنا ظاهرة «ميدان التحرير» التى استفاد منها التيار الليبرالى لما تضمه من جماهير غير منظمة، وتجتمع بالتجييش والاعتياد والتعبئة الإعلامية. على أن وجه الضعف الملازم للتيار الليبرالى أنه لعدم وجود كيانات تنظيمية ذات ثقل فيه، فإن مواقف أحزابه وجماعاته وشخصياته تتنوع وتتعدل بحيث إنه لا يمكن القول بأنه يمثل قوة واحدة، وإن هذا التنوع فى المواقف بداخله قد يؤدى إلى وقوف بعض قواه ضد بعضها الآخر مما يخصم من قوته الإجمالية المفترضة. ويدعم هذا التيار وسائل الإعلام ذائعة الانتشار، سيما ما كان منها ذا توجه سياسى وذا موقف من الصراعات السياسية الدائرة، والحاصل أن الإعلام فى مصر منذ جرى الإفساح للمشروعات الخاصة فيه قد سيطرت على أهم منابره مجموعة محددة من رجال الأعمال، وهم رجال أعمال من ذات النوع الذى كون ثرواته وضخمها فى عهد حسنى مبارك، اعتمادا على صلاتهم بنخبة الحكم وقتها، وهى تعتمد فى تركيم الثروة لا على المشروعات الإنتاجية فى الزراعة أو الصناعة أو الخدمات، ولكنها تعتمد أساسا على قروض البنوك وشراء أراضى البناء من الدولة، ووجهت رءوس أموالها إلى بناء العقارات وتجارة الاستهلاك وخصخصة ما تخصخص من مرافق كالاتصالات، وكان إنشاء أغلبهم لوسائل الإعلام دافعه الكسب المادى، والضغط من خلال النشاط الإعلامى على حكومة مبارك للحصول على المزيد من المزايا. ونحن نعلم أن رجل الأعمال نجيب ساويرس شارك رجل الأعمال صلاح دياب فى إصدار صحيفة «المصرى اليوم» وأنشأ قنوات o.t.v التليفزيونية وذلك منذ سنة 2004 و2005. فضلا عن أنه مؤسس حزب «المصريون الأحرار» الذى أنشئ بعد الثورة دون أن يكون عضوا به. وهناك قنوات الإذاعة السمعية والبصرية c.b.c التى يملكها رجل الأعمال محمد الأمين الذى أنشأ من بعد صحيفة «الوطن» وثمة رجل الأعمال وليد مصطفى الذى يدير الموقع الالكترونى «اليوم السابع»، ويصدر صحيفة بذات الاسم، ويقال: إن له علاقة عضوية برجل الأعمال حسين سالم، الذى كان على صلة وثيقة بحسنى مبارك وصفوت الشريف «صحيفة الحرية والعدالة 19 مايو 2012 مقال رجب الباسل».. وهكذا. |
#7
|
||||
|
||||
حالة مصر بعد الثورة
حالة مصر بعد الثورة مسائل ملحة فى السياسات المصرية: تحرير الإرادة الوطنية من الضغوط الأمريكية والإسرائيلية.إعادة ترميم وإصلاح جهاز الدولة.دعم وتقوية منظمات المجتمع الأهلى.وضع دستور يكفل جماعية اتخاذ القرار ويمنع الاستبداد.طارق البشرى الخميس 1 نوفمبر 2012 - 9:40 ص نجح التيار الليبرالى أيما نجاح خلال فترة الثورة فى أن يصرف انتباه الرأى العام المصرى عن قضايا أساسية ملحة، وهى قضايا السياسات التى يجب أن تتبع بعد الثورة، من حيث السعى لأن تسترد مصر إرادتها الذاتية المعبرة عن الصالح الوطنى لها فى شئون السياسة الخارجية والعربية، وأن تسترد هذه الإرادة فى شئون بنائها الداخلى المستقل باتباع سياسات اقتصادية واجتماعية تتبع مشروع تنمية اقتصادى يستهدف السعى إلى زيادة الإنتاج فى كل مجالاته وتتبع سياسة للتوازن الطيب فى توزيع الدخل ومراعاة العدالة الاجتماعية. صرف الإعلام الرأى العام عن هذه المسائل جميعها ليركز على قضية واحدة تتعلق بهوية الدولة المصرية وهل تكون دينية أم مدنية، رغم أنه كان الواجب الأول علينا جميعا أن نركز على المسائل السابقة التى تتعلق بمستقبل مصر، أما مسألة الهوية فإن مصر لا تكتشف هويتها اليوم، والهوية أمر لا نختاره ولكن يرجع إلى جماع التركيب الثقافى السائد فى المجتمع. وإن التيار الليبرالى إن لم تكن له قوة تنظيمية تمكنه من الاستقلال عن غيره، فإن له من عمق الثقافة السياسية التى يحملها ومن مواقف الغالب من عناصره الثقافية ومن نفوذه فى المجتمع وخبراته فى التأثير على الرأى العام ومواقف الغالبية الوطنية من عناصره ما يجعله يعتبر القوة الثالثة التى أسفرت عنها ثورة 25 يناير ويتعين أن يرعى مشاركته فى صيغة بناء المستقبل. ونخلص من ذلك إلى أن التيار الإسلامى الممثل للقوة الثانية وهو موضوع هذه الورقة فى الأساس ليس منفردا فى الساحة المصرية بالنسبة لمسألة الدولة والسيطرة عليها ولا بالنسبة لتحديد المستقبل المصرى، وإنه قوة ليست قائدة ولا حاكمة ولكنها قوة ذات أثر فعال ينبغى أن يكون لها الإسهام الذى تستحقه فى صياغة المستقبل الوطنى والثقافى والاجتماعى، وذلك ما دمنا نسعى إلى بناء مجتمع على أسس من التنظيم الديمقراطى الحقيقى، وإن المشاركة الفعالة هى ما يتعين أن تكون المعيار الجامع للقوى المصرية، لكى يقوى بعضها ببعض، لا لينفى بعضُها بعضَها الآخر. ننتقل إلى مسألة أخرى مطلوب الإشارة إليها وهى أنه ليس من الممكن لأى من القوى السابق الإشارة إليها التى تفتق عنها الوضع بعد الثورة وليس لأى منها أن ينفرد بالسلطة أو يعتبر أنه وحده العنصر الحاسم فى إعادة بنائها أو فى تقرير سياساتها، وأنه لابد من المشاركة، وهو ما أخال أن سيسفر عنه الصراع الحالى فى المدى الزمنى القريب، لا بالتغلب ولكن بطريق أن تعدل كل قوة من ذاتها وأوضاعها بما يسمح بحصول هذه المشاركة، وإذا كان هذا هكذا، فإنه يتعين عرض المسألة التى أحدثت الانقسام الفكرى الخطير فى مصر على مدى شهور الثورة الماضية، وهى مسألة هوية الدولة وهل هى مدنية أم دينية، وهى مسألة إنما تحل بمراعاة وجوب التشارك بين هذه القوى أو بين أقسام من كل منها، وهى قوة جهاز الدولة المؤسسى وقوة الحركة الإسلامية وقوة الأحزاب وجماعات المثقفين الذين يعرفون أنفسهم باسم التيار الليبرالى أو المدنى. ولكى ندرك المشكل الذى عانت منه وتعانى ثورة 25 يناير من هذه المسألة، يتعين ذكر أن الثورة تقوم بالإطاحة بنظام يسد الطريق أمام السعى للاستجابة للتحديات الواقعية التى تواجه الأمة والمجتمع ويمتنع من تقرير السياسات المناسبة لذلك وتنفيذها ويحقق ما تصبو إليه الجماعة الوطنية من حلول لمشاكلها، وهى فى ذلك تركز على ما يمكن من الإصلاحات أن يعتبر الحلقة الأساسية أو القاطرة التى تقود إلى حل المشاكل المحدقة فى المجال السياسى والاجتماعى. وقد كانت هذه الحلقة الأساسية فى مصر هى مسألة الديمقراطية، لأن كل ما استشرى فى المجتمع المصرى من سلبيات وانتكاسات وفساد، كان عن طريق الحكم الاستبدادى الفردى، والديمقراطية نظام للحكم وأسلوب لإدارة المجتمع بطريقة تكفل وتقود إلى ما يرنو إليه من إصلاح ونهوض وعدالة واستقلال، وإن الديمقراطية تصير شعارا أجوف إذا لم ترتبط وتوظف لخدمة حل المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية التى يعانى منها المجتمع، لأنها تفيد فى النهاية أن يكون الحكم معبرا عن إرادة المواطنين، ويستحيل تصور هذا التعبير إلا أن يكون مناسبا لمصالح الشعب فى الاستقلال والنهوض وإشاعة القدر المناسب من العدالة الاجتماعية التى تحفظ التوازن بين طبقات الشعب، فالديمقراطية يتعين أن تحتوى هذه الأحداث فى صورها العينية وفى برامجها الواقعية وإلا فقدت وظيفتها. والحاصل فيما يمكن تلخيصه فى كلمات قليلة، أن المسائل الملحة فى السياسات المصرية التى تستوجب المعالجة، أولا: تحرير الإرادة الوطنية المصرية فى سياساتها الخارجية والداخلية من الضغوط الأمريكية والإسرائيلية، وهذا الأمر «فى الظروف التى أدى إليها نظام حسنى مبارك» لا يتأتى إلا بتحقيق سياسات اقتصادية تؤدى إلى السعى للاعتماد الذاتى على الإنتاج المحلى بقدر ما تطيقه الموارد والإمكانات بالنسبة للمواد الغذائية والدواء، والمسألة الثانية هى إعادة ترميم وإصلاح جهاز إدارة الدولة لرده إلى فاعليته السابقة، بعد أن اتبع حسنى مبارك معه سياسات التفكيك والإضعاف والإفساد، وذلك لأنه الجهاز الأساسى الذى يعتمد عليه المجتمع المصرى فى إدارة شئون الخدمة المرفقية ورسم سياسات التنمية، والمسألة الثالثة هى دعم وتقوية ما يتعلق بحل المشكلات الخاصة بتنظيم المجتمع الأهلى من مؤسسات وتشكيلات هى من لوازم التنظيم الديمقراطى وهى مما يعصم الدولة من النزوع إلى الاستبداد، وهذا يتعلق بتشكيل وتأسيس الأحزاب والنقابات المهنية والعمالية واتحادات الفلاحين والحرفيين والجمعيات بأنواعها، فضلا عن وضع دستور يكفل جماعية اتخاذ القرارات وتعدد الهيئات التى تتداول التقرير والتنفيذ مراعاة للتخصص وحذرا من الاستبداد الفردى أو المؤسسى. ورغم أن كل هذه الأمور هى من لوازم ما تتحقق به أهداف الثورة، فإننا نفاجأ وما زلنا نفاجأ أن تطغى مسألة هوية الدولة «الدينية أو المدنية» على كل هذه المسائل، وقد جرى حرص عجيب قادته وسائل الإعلام على أن تشغل هذه المسألة كل ساعات ومساحات النشر فى الصحافة والإعلام المرئى والمذاع، وأن تطغى على كل ما يعانى منه المجتمع من مسائل. والعجيب أن يجرى هذا الأمر استمرارا لذات السياسة التى اتبعها نظام حسنى مبارك منذ انتخابات مجلس الشعب المصرى فى سنة 1984 كانت أول انتخابات حديثة يخوضها الإخوان المسلمين، وكان ذلك بالتحالف بينهم وبين حزب الوفد ضد مرشحى حزب الحكومة، واستمر حرص نظام مبارك على أن تكون هذه المسألة من المسائل الحاكمة لغيرها فى قضايا السياسة والثقافة المثارة، ولا ننسى فى هذا الشأن السياسة الأمريكية التى وضعت المسألة الحضارية الثقافية على رأس استراتيجيتها فى الصراع الفكرى والسياسى الدائر منذ ثورة إيران فى 1979 ومنذ ظهور الحركات الوطنية ذات المرجعية الإسلامية فى فلسطين وفى غيرها، ومنذ انهيار الاتحاد السوفييتى والبحث عن بديل للخصام السياسى والفكرى وظهور «صراع الحضارات»، لهانتنجتون، ولا ننسى الانقسام الذى ظهر فكريا مع كتاب «وليمة لأعشاب البحر» لحيدر حيدر، وكذلك كتاب سليمة نسرين الباكستانية وغيرها، مما صرف الانتباه فى مصر من قضايا سيناء وفلسطين وإسرائيل ومشروعات التوسع الزراعى إلى حرية الأديب فى العمل الروائى وغير ذلك. والعجيب أن كثيرين من الاتجاه الليبرالى واليسارى من أحزاب ومثقفين وسياسيين أفراد وجماعات ركزوا على هذه المسألة وساهموا فى أن تصير هى بؤرة الاهتمام وأساس الاستقطاب السياسى، وذلك توهما أن ما يبذلونه من جهود فى الدفاع عن «المدنية» هو دفاع ضد التخلف، رغم أن المدنية يمكن تحقيقها وأن المشكلة فى النظام الاستبدادى الذى هو أساس التخلف والهزائم. وقد ساهموا بذلك بغير قصد فى زيادة أسهم التيار الدينى، لأن طرح التخيير بين الدينى وغير الدينى أيا كان عنوانه هو خيار محسومة نتيجته لصالح «الدينى»، وكان الأصوب لسياساتهم طرح المسائل المتعلقة بالشئون الحياتية ليجرى الاستقطاب حولها، وهى سياسات تتصل بالشئون الحياتية أيا كانت المرجعية الثقافية لمن يؤيدها، وقد أوغل الكثير من الليبراليين فى التركيز على هذه المسألة حتى كادوا أن يصموا فكرة الانتخابات النزيهة بأنها ستفضى حتما إلى ما هو «دينى» فيطلبون التأجيل فيها إلى أجل لم يسموه، وكان ذلك من أهم أسباب تأخر الانتخابات من وسط عام 2011 إلى نهاية هذا العام 2012. والحاصل طبعا أن الاستقطاب الحادث لدى الرأى العام حول مسألة «الدينى والمدنى» يتحمل مسئوليته كل من شارك فيه من التيارين الليبرالى والإسلامى، لأنهم كما زلو أنهم تراضوا على أن تكون هذه المسألة هى ما يتعين أن يقوم عليها الصراع، ويحدث الاستقطاب، رغم أنها مسألة لا يقوم بشأنها صراع حقيقى، بدليل أنه بعد عام من الاستقطاب حول هذه المسألة تكاد تنتهى نتيجة الصراع إلى ذات ما كان عليه الموقف من توازن سابق، لأن نص المادة الثانية من دستور 1971 التى كانت تنص على أن دين الدولة هو الإسلام وأن الشريعة الإسلامى هى المصدر الرئيسى للتشريع، هذا النص هو ذاته ما يكاد يتفق عليه فى اللجنة التأسيسية للدستور الجديد فى هذه الأيام. والمسألة أصلا ما كان يثور بشأنها تناقض فى المجال الثقافى السياسى، لأن غالب من يتحدثون عن «المدنية» إنما يقصدون نظم الحكم والمعاملات، والمرجعية هى مفهوم فكرى يتعلق بالأصول الفكرية المرجوع إليها فى التقدير النهائى لبيان الصواب والخطأ أو الصحيح والفاسد، أو ما كان يعبر عنه قديما «بالحسن والقبيح»، وهى الأصول الفكرية والثقافية العامة التى تصدر عنها الأحكام فى المجتمع بالنسبة للتعامل ولما يتقرر من أوامر ونواه للسلوك والتصرفات، والأصول العامة التى تصاغ بها شرعية هياكل النظم السياسية والاجتماعية وعلاقات الجماعات التى تضمها الجماعة الوطنية. والمرجعية بهذا الوضع ليست هى الأحكام أو النظم ولكنها التشكل الثقافى الاعتقادى العام السائد فى المجتمع ولدى الجماعة الوطنية، الذى يجتمع الناس فى غالبهم الأعم على التراضى به، ولذلك فنحن لا نختار المرجعية كشأن ثقافى سائد ولكننا نستخلص خصائصها وسماتها مما يسود فى المجتمع من قيم ثقافية واعتقادية عامة، كما أننا لا نختار اللغة ولكننا نكتسبها اكتسابا تاريخيا وجماعيا مما يسود بين الناس فى تخاطبهم وتفاهمهم، وأن الدين إنما يجرى التعامل معه فى هذا السياق بوصفه الثقافة السائدة، ونحن لا نختار الثقافة السائدة ما لو كنا نختار بين سلع معروضة فى محال التجارة أو المعارض والمتاحف، ولكننا نختار أحكام التعامل حسبما يصلح ونختار النظم حسبما يصلح فى إطار الثقافة العامة السائدة. لذلك لا يثور فى ظنى تناقض حقيقى بين أمر يتعلق بالمرجعية وأمر يتعلق بالأحكام، والأحكام نختارها حسب ما نظن الأصلح فى إطار المرجعية السائدة، وعندما نتكلم عن المرجعية بوصفها ثقافة سائدة فإنها إنما ترد إلينا من التشكل الحقيقى والتاريخى المعاصر لمجمل ما يسود بين الناس فى إطار الجماعة الوطنية من أصول فكرية وتجديدات ومما يضمه الإطار الثقافى السائد فى المجتمع حسب ما آل الوضع الحالى فى بداية هذا القرن الحادى والعشرين، وقد ندرس هذا الأمر ونختلف حوله ولكن ذلك يكون فى الإطار الجامع الذى يقبل التنوع ويقبل التجدد حسبما تتفتق عنه أوضاع النظافة السائدة والمصالح العامة المستجدة. طلب إلىَّ الحديث عما ينتج من إسلامية التشريع من مشاكل سياسية واجتماعية تتعلق مثلا بالمرأة وبالأقباط وبالعلمانيين وبالحريات وغير ذلك. والحاصل أن كل هذه المسائل كانت محل بحث وجدل على طول القرن العشرين ووجد لها العديد من الصياغات أعدت من فقهاء وباحثين باتقان وعمق، وتعددت وتنوعت الآراء والاجتهادات فيما تسعه أحكام الشريعة من حلول، ومن ثم فإن الجهد الفقهى والقانونى موجود وهو سابق التجهيز، والعبرة هى بالاختيار والتوافق عليه. وفى صدد الاختيار، فإن له مجالين، المجال الثقافى العام الذى يدور فيه النقاش حرا طليقا ومتعدد الأوضاع والهيئات، وهو ليس المقصود ببحثه هنا. والمجال الآخر هو مجال ما تفرضه السلطة فى البلاد بعد أن تصير فى أيدى الإسلاميين. وقد خصصت هذه الورقة للحديث عن القوى السياسية الثقافية السائدة فى مصر الآن من التقارب فى القوة بحيث لا تملك إحداها أن تنفرد بحكم ولا بقيادة مجتمع ولا بفرض سياسة، وأنه لابد من المشاركة، ومقتضى المشاركة أن يصل المشتركون إلى الصيغة التى يلتقون عليها. وبالنسبة لمسألة تطبيق الشريعة، فإن أمر الأخذ من الشريعة الإسلامية فى القوانين الوضعية هو أمر حادث ومن عشرات السنين، ومحاولات تقنين الأحكام منها محاولات أتت بنتائج ومشاريع متكاملة، وبذل هذا الجهد على مدى القرن العشرين من فقهاء وباحثين لم يكن أغلبهم من الحركة الإسلامية السياسية، وكانوا فى الأساس ممن جمع بين الثقافتين القانونيتين الإسلامية والغربية، وأنتجوا مشاريع تعتبر ثروة فكرية، وكذلك الدعاة للأخذ من الشريعة كانوا من هؤلاء الفقهاء، ويقف فى مقدمة هؤلاء أمثال عبدالرزاق السنهورى، وعبدالحليم الجندى، وصوفى أبوطالب، وغيرهم كثيرون ولجان التقنيين التى عملت فى السبعينيات من القرن العشرين فضلا عن جهود الفقهاء فى سوريا والعراق والمغرب وغيرها، فالأمر واسع من أن يجرى تناوله بحسبانه مشكلة سياسية محددة ترد مع تنظيم معين يحتمل أن يتولى السلطة فى بلد معين، إنها شأن ثقافى عام ميدانه الفسيح خارج توازنات السلطة، ثم جرى تأثيره من خلال أثره الثقافى العام. |
#8
|
||||
|
||||
شكرا على المقال
__________________
|
#9
|
||||
|
||||
جزاك الله خيرا وبارك فيك
__________________
|
العلامات المرجعية |
|
|