#1
|
|||
|
|||
المشير محمد عبد الغني الجمسى " النحيف المخيف "ثعلب الحرب"!
المشير محمد عبد الغني الجمسى " النحيف المخيف "ثعلب الحرب"! صنف عسكريا ضمن أبرع 50 قائدا عسكريا في التاريخ كما ذكرت أشهر الموسوعات العسكرية العالمية. ولد محمد عبد الغني الجمسي (1921 - 7 يونيو 2003) في محافظة المنوفية بقرية البتانون لأسرة ريفية تتكون من خمسة أشقاء وكانت أسرته ميسورة الحال ,التحق بالكلية الحربية وهو ابن 17عاماوتخرج منها عام 1939 في سلاح المدرعات. بدأ المشير عبد الغني الجمسي حياته بزواجه من رفيقته السيدة (وفاء عبد الغنى) والتي رحلت في 20-11-19 79 بعد صراع طويل مع مرض الفشل الكلوي, وقد أنجبت له (مدحت - ماجدة - مها- وحيد- امين- منى) ولديه من الاحفاد (احمد- محمد- الاء - شيماء - شريف)وتأتي أهميتهم في حياة بطلنا حيث أهدى لهم كتابه عن حرب أكتوبر 1973. وكان يسمي ثعلب الحرب شغل منصب رئيس المخابرات الحربية (1972) ورئيس أركان القوات المسلحة (1973) و وزير الحربية (1974). الفلاح جنرالا بساطة الفلاح وعظمة الجنرال المنتصر هما وجهان لعملة واحدة لم يعرف المشير الجمسي غيرهما في حياته الطويلة التي لم يكن فيها سوى فلاح أو جنرال؛ ففي نهاية عام 1921 ولد الطفل محمد عبد الغني الجمسي لأسرة ريفية كبيرة العدد فقيرة الحال يعمل عائلها في زراعة الأرض في قرية البتانون بمحافظة المنوفية، ولفقر الأسرة المدقع كان الوحيد من بين أبنائها الذي حصل تعليما نظاميا قبل أن تعرف مصر مجانية التعليم، ولعب القدر دوره في حياة الجمسي بعد أن أكمل تعليمه الثانوي، حينما سعت حكومة مصطفى النحاس باشا الوفدية لاحتواء مشاعر الوطنية المتأججة التي اجتاحت الشعب المصري في هذه الفترة؛ ففتحت -لأول مرة- أبواب الكليات العسكرية لأبناء الطبقات المتوسطة والفقيرة التي كانت محرومة منها، فالتحق الجمسي ولم يكن قد أكمل السابعة عشرة بالكلية الحربية مع عدد من أبناء جيله وطبقته الاجتماعية الذين اختارهم القدر لتغيير تاريخ مصر؛ حيث كان من جيله جمال عبد الناصر، وعبد الحكيم عامر، وصلاح وجمال سالم، وخالد محيي الدين... وغيرهم من الضباط الأحرار، وتخرج فيها عام 1939 في سلاح المدرعات، ومع اشتعال الحرب العالمية الثانية ألقت به الأقدار في صحراء مصر الغربية؛ حيث دارت أعنف معارك المدرعات بين قوات الحلفاء بقيادة مونتجمري والمحور بقيادة روميل، وكانت تجربة مهمة ودرسا مفيدا استوعبه الجمسي واختزنه لأكثر من ثلاثين عاما حين أتيح له الاستفادة منه في حرب رمضان. وعقب انتهاء الحرب واصل الجمسي مسيرته العسكرية؛ فتلقى عددا من الدورات التدريبية العسكرية في كثير من دول العالم، ثم عمل ضابطا بالمخابرات الحربية، فمدرسا بمدرسة المخابرات؛ حيث تخصص في تدريس التاريخ العسكري لإسرائيل الذي كان يضم كل ما يتعلق بها عسكريا من التسليح إلى الإستراتيجية إلى المواجهة. فكان الصراع العربي الإسرائيلي هو المجال الذي برع فيه الجمسي، وقضى فيه عمره كله الذي ارتبطت كل مرحلة فيه بجولة من جولات هذا الصراع منذ حرب 1948 وحتى انتصار 1973، وحتى بعد اعتزاله للحياة العسكرية ظل مراقبا ومحللا للوضع المشتعل، مؤمنا بأن أكتوبر ليست نهاية الحروب، وأن حربا أخرى قادمة لا محالة؛ لأن مواجهة مصيرية لا بد أن تقع، وأن الانتفاضة الفلسطينية هي السلاح الأفضل والأنجع حاليا لضرب العدو الصهيوني، ولا بد من تدعيمها بكل ما نملك. وكانت هزيمة يونيه 1967 بداية تصحيح المسار في مواجهة آلة الحرب الصهيونية؛ حيث أسندت القيادة المصرية للجمسي مهام الإشراف على تدريب الجيش المصري مع عدد من القيادات المشهود لها بالاستقامة والخبرة العسكرية استعدادا للثأر من الهزيمة النكراء، وكان الجمسي من أكثر قيادات الجيش دراية بالعدو، فساعده ذلك على الصعود بقوة، فتولى هيئة التدريب بالجيش، ثم رئاسة هيئة العمليات، ورئاسة المخابرات الحربية، وهو الموقع الذي شغله عام 1972، ولم يتركه إلا أثناء الحرب لشغل منصب رئيس الأركان. هزيمة 67 يقول المشير محمد عبد الغني الجمسي: بدأت أحداث 67 بمعلومات غير صحيحة عن حشد للقوات الإسرائيلية على الحدود السورية للاعتداء عليها، ترتب عليها مظاهرة عسكرية في مصر تحولي إلى حرب حقيقية لم تكن مصر والدول العربية جاهز لخوضها بينما كانت إسرائيل على استعداد لها. للخروج بالدروس المستفادة من حرب يونيو 1967، لابد من إلقاء نظرة عليها لأننا -نحن العرب- مازلنا نعيش بعض أثارها القائمة، فقواتنا المسلحة اشتركت في حرب 67 وحرب 73 ضد نفس العدو، واختلفت النتيجة اختلافا واضحا بين الهزيمة والنصر..وأغلب الرجال الذين اشتركوا في حرب يونيو هم الذين اشتركوا في حرب أكتوبر بفاصل زمني حوالي ست سنوات، ولا يمكن أن يقال أن جيلا حل محل جيل. وأن الموقف الاستراتيجي العسكري في أكتوبر 73 كان أصعب منه في حرب 67، وبرغم ذلك فقد عبرت قواتنا الهزيمة وحققت النصر في ظروف سياسية وعسكرية أعقد مما كانت في يونيو 1967. "عبد الناصر كان مش عايز يحارب إسرائيل، عبد الناصر كان عايز يكتسب مظاهر دعائية إيجابية عن طريق استخدام القوات المسلحة كقوة" محمد فوزي - رئيس هيئة الأركان العامة للجيش المصري إذا كانت الحروب التي دارت بين إسرائيل والعرب تجذب الناس بأحداثها ونتائجها المباشرة، إلا إنني أشعر دائما أننا -نحن العرب- لا نتعمق في دراسة جذور الصراع العربي الإسرائيلي لمعرفة ما قامت به الصهيونية العالمية والدول الكبرى من تخطيط حتى أقامت دولة إسرائيل. والدليل على هذا مقولة دافيد بن جوريون منشئ الدولة-الإسرائيلية: "دولة إسرائيل هي مجرد مرحلة على طريق الحركة الصهيونية الكبرى التي تسعى إلى تحقيق ذاتها، بحيث لا تشكل هذه الدولة هدفا في حد ذاته بل وسيلة إلى غاية نهائية، وحدود إسرائيل تكون حيث يقف جنودها" وتأكيدا على كلام الجمسي يقول بهى الدين نوفل نائب رئيس قسم العمليات في الجيش المصري : شاهد الأردنيون 180 طائرة إسرائيلية تحلق متجهة إلى الحدود المصرية صباح يوم 5 تموز 1967 فأرسلوا ببرقية تحذير إلى المصريين، وصلت إليهم مشفرة، وكان نصها (عنب عنب)، عدا أن الشفرة قد تم تغيريها قبل يوم واحد فقط، واستغرق فك الشفرة وقتا طويلا أدى لانعدام جدوتها، حيث كانت القوات الإسرائيلية قد هاجمت بالفعل، وكان قد تم تدمير كل أغلبية الطائرات المصرية" وقد كان عدد الدبابات المصرية في سيناء يقدر بثلاثة أضعاف عدد الدبابات الإسرائيلية، ولكنها في غياب الغطاء الجوي أصبحت عاجزة تماما. يقول الجمسي: لقد خاضت قواتنا المسلحة حرب يونيو وحرب أكتوبر ضد نفس العدو، واختلقت النتيجة اختلافا واضحا بين الهزيمة والنصر وأغلب الرجال الذين اشتركوا في حرب يونيو هم أنفسهم الذين اشتركوا في حرب أكتوبر بفاصل زمني حوالي ست سنوات، وفضلا عن ذلك فإن الموقف العسكري الاستراتيجي في أكتوبر كان أصعب من الموقف في حرب يونيو وبرعم ذلك عبرت قواتنا الهزيمة وحققت النصر العسكري في ظروف سياسية أعقد مما كانت في يونيو. ومن الملفت للنظر أن إسرائيل انتصرت في حرب يونيو من حدود اعتبرتـُها غير آمنة وانتصرنا عليها -نحن العرب- في حرب أكتوبر من حدود اعتبرَتـَها آمنة". ويقول الرئيس المصري محمد أنور السادات: لم يكن يخامرني شك في أن هذه القوات كانت من ضحايا نكسة 1967 ولم تكن أبدا من أسبابا وكم كانت ملابسات حرب 67 سيئة على المصرين.. فمن المواقف التي حدثت أن أجبر الروس المصريين على التزام الحدود وعدم المبادرة بالهجوم -حتى وإن تلقوا الضربة الأولى. وعليه فقد وقف صدقي قائد القوات الجوية المصرية معترضا: "الضربة الأولى ستكون كاسحة لقواتنا" فرد المشير (عبد الحكيم عامر): طب يا (صدقي) تحب تاخد الضربة الأولى وتحارب إسرائيل، ولا متخدش الضربة الأولى وتحارب أمريكا. حرب أكتوبر يعتبر الجمسي من معدي خطة العبور فيما يسمى بكشكول الجمسي كما اطلق عليها الرئيس السادات "بدر.. بدر.. بدر.. بدر". هكذا صاح رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة -ظهر السادس من أكتوبر- لينطق بصوت متهدج متحمس كلمة السر المتفق عليها لبدء حرب استعادة الأرض المغتصبة والشرف المنتهك. بدر بدر بدر.. لتنطلق أربعة طائرات وتعبر خط برليف كبداية. لم يضيع الجمسي يوما واحدا؛ فبدأ الاستعداد لساعة الحسم مع العدو الصهيوني، فكان لا يتوقف عن رصده وتحليله وجمع كل المعلومات عنه، وعندما تم تكليفه مع قادة آخرين بإعداد خطة المعركة أخذ يستعين بكل مخزون معرفته، وبدأ تدوين ملاحظاته عن تحركات الجيش الصهيوني، وتوقيتات الحرب المقترحة، وكيفية تحقيق المفاجأة. وللحفاظ على السرية التامة دوَّنَ كل هذه المعلومات السرية في الشيء الذي لا يمكن لأحد أن يتصوره؛ فقد كتب الجمسي كل هذه المعلومات في كشكول دراسي خاص بابنته الصغرى؛ فلم يطلع عليه أو يقرؤه أحد إلا الرئيس المصري أنور السادات والسوري حافظ الأسد خلال اجتماعهما لاتخاذ قرار الحرب! واختار القائد المصري المحنك توقيت الحرب بعناية بالغة: الساعة الثانية ظهرا من يوم السادس من أكتوبر 1973 الموافق العاشر من رمضان 1393، وهو أنسب توقيت ممكن للحرب؛ نظرا لوجود 8 أعياد يهودية وموافقته لشهر رمضان. ولأن التنسيق بين الجيشين المصري والسوري كان من أصعب مهام الحرب، ويحتاج إلى قائد من طراز فريد؛ لم يكن هناك أفضل من الجمسي. ساعات عصيبة عاش رئيس هيئة العمليات المسئول الأول عن التحركات الميدانية للمقاتلين ساعات عصيبة حتى تحقق الانتصار، لكن أصعبها تلك التي تلت ما عرف بثغرة الدفرسوار التي نجحت القوات الصهيونية في اقتحامها، وأدت إلى خلاف بين الرئيس السادات ورئيس أركانه وقتها الفريق سعد الدين الشاذلي الذي تمت إقالته على إثرها ليتولى الجمسي رئاسة الأركان، فأعد على الفور خطة لتصفية الثغرة وأسماها "شامل"، إلا أن السادات أجهضها بموافقته على فض الاشتباك الأول عقب زيارة وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر للقاهرة! وبانتهاء المعركة وتكريم اللواء الجمسي، وترقيته إلى رتبة الفريق، ومنحه نجمة الشرف العسكرية.. لم تنته الساعات العصيبة في حياة الجمسي؛ فقد عاش ساعات أقسى وأصعب؛ هي ساعات المفاوضات مع عدو ظل يقاتله طيلة أكثر من ربع قرن. دموع وندم اختار السادات الفريق الجمسي ليتولى مسئولية التفاوض مع الإسرائيليين فيما عرف بمفاوضات الكيلو 101، وكقائد تجري دماء العسكرية في دمه نفذ الجمسي أوامر القيادة التي يختلف معها، وإن كان قد قرر ألا يبدأ بالتحية العسكرية للجنرال "ياريف" رئيس الوفد الإسرائيلي، وألا يصافحه، وهذا ما حدث فعلا. وبدا الرجل مفاوضا صلبا مثلما كان عسكريا صلبا، حتى جاءت أصعب لحظات عاشها الفريق في حياته كلها، لحظات دفعته -لأول مرة في حياته العسكرية- لأن يبكي! كان ذلك في يناير 1974 عندما جلس أمامه وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر ليخبره بموافقة الرئيس "السادات على انسحاب أكثر من 1000 دبابة و70 ألف جندي مصري من الضفة الشرقية لقناة السويس!! فرفض الجمسي ذلك بشدة، وسارع بالاتصال بالسادات الذي ما كان منه إلا أن أكد موافقته؛ ليعود الرجل إلى مائدة التفاوض يقاوم الدموع، ثم لم يتمالك نفسه فأدار وجهه ليداري دمعة انطلقت منه حارقة؛ حزنا على نصر عسكري وأرواح آلاف الرجال تضيعها السياسة على موائد المفاوضات. وكانت مفاجأة لهنري كيسنجر أن يرى دموع الجنرال الذي كثيرا ما أسرّ له القادة الإسرائيليون بأنهم يخشونه أكثر مما يخشون غيره من القادة العسكريين العرب. وأذكر أن آخر سؤال وجهته للمشير الجمسي في لقائنا الوحيد، كان عن القرار الذي ندم عليه في حياته، فصمت للحظات وقال بأسي: "اشتراكي في التفاوض مع اليهود". آخر وزير حربية بعد الحرب مباشرة رُقي الفريق الجمسي إلى رتبة الفريق أول مع توليه منصب وزير الحربية عام 1974 وقائد عام للجبهات العربية الثلاث عام 1975، وواصل أثناء توليه للوزارة استكمال تدريبات الجيش المصري؛ استعدادا للمعركة التي ظل طوال حياته يؤمن بها، وكان قرار السادات بألا يخرج كبار قادة حرب أكتوبر من الخدمة العسكرية طيلة حياتهم تكريما لهم، إلا أن السياسة أفسدت هذا التكريم؛ فقد تزايدت مساحة الخلاف بين الجمسي والسادات بعد مبادرة الأخير بالذهاب إلى إسرائيل عام 1977. وتطورت الأحداث بما أدى لخروج الجمسي من وزارة الحربية عام 1978، واختلف الناس حول أسباب هذا الإبعاد، ولكن ظل السبب الأرجح هو رفض الجمسي نزول الجيش إلى شوارع مصر لقمع مظاهرات 18 و19 يناير 1977 الشهيرة، فأسرّها السادات له، وكان قرار قبوله التقاعد بناء على طلب الجمسي، وتغير اسم وزارة الحربية إلى وزارة الدفاع. إلا أنه رقي عام 1979 إلى رتبة المشير، وحين خرج للحياة المدنية كان أول قرار له هو رفض العمل بالسياسة، وظل محافظا على ذلك، وكان دائما ما يردد: إن الرجل العسكري لا يصلح للعمل السياسي، وإن سبب هزيمتنا عام 1967 كان بسبب اشتغال وانشغال رجال الجيش بالألاعيب في ميدان السياسة؛ فلم يجدوا ما يقدمونه في ميدان المعركة. ماهى قصة ألقاب المشير خرج المشير الجمسي من الحياة العسكرية، لكنه ظل محتفظا بنفس التقاليد الصارمة من الالتزام والانضباط والتزام الصمت بعيدا عن الأضواء، وحين بدأت موجة الكتابة عن حرب أكتوبر تنتشر في مختلف أنحاء العالم، كانت المعلومات تتكشف تدريجيا عن دور الرجل في الحرب، وتعددت معها الألقاب التي أطلقت عليه؛ فجرت المقارنة بينه وبين الجنرال الألماني الأشهر روميل؛ فسمي "ثعلب الصحراء المصري"؛ نظرا لبراعته في قيادة معارك الصحراء، ولُقب بأستاذ المدرعات التي احترف القتال في سلاحها منذ تخرجه في الكلية الحربية.. أما أحب الألقاب إلى قلبه فكان لقب "مهندس حرب أكتوبر"؛ نظرا لاعتزازه بالحدث وفخره به. إلا أن أغرب الألقاب التي أُطلقت على المشير الجمسي؛ فكان ذلك الذي أطلقته عليه جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل إبان حرب أكتوبر، حين وصفته بـ"الجنرال النحيف المخيف". كلمات المشير الأخيرة : "انتصار أكتوبر هو أهم وسام على صدري، وليتني أحيا لأقاتل في المعركة القادمة"!
__________________
|
العلامات المرجعية |
|
|