إفساد الرئيس

[راغب السيد رويه]

إفساد الرئيس

يبدأ الحاكم بسيطًا ومتواضعاً، يحاول استكشاف الساحة من حوله ويرضى أكبر عدد من مواطنيه، لكنه لا يلبث أن يتحول إلى النقيض، يمكن أن يصبح طاغية.. ديكتاتورا، وقد يصير دموياً يطيح بالرقاب ويملأ السجون بالمعتقلين والمخالفين له فى الرأى والموقف.. لا أتحدث عن الحاكم فى المطلق، بل عن حاكم مصر، هكذا بدأ الملك فاروق فتى وسيماً، متدينًا، ولكن ما لبث أن انقلب عدوًا للدستور ولاهيًا فى سهراته.. ودخل الرئيس السادات الرئاسة مبشراً بالديمقراطية وانتهى بأن وضع رموز مصر من أقصى اليسار إلى اليمين فى السجون تحت مسمى «التحفظ».
أما الرئيس مبارك، فله وحده الكثير من القصص، بدأ الرئاسة بشعار أن الكفن بلا جيوب، ويمكن لأى إنسان أن يقابله وأن يتحدث معه، ذهب إليه فى بداية حكمه د. يوسف إدريس وخرج مشدوهاً، فقد أبدى الرئيس أمامه اندهاشه من أن يكون هناك إنسان لديه عشرة ملايين جنيه، وأن هذا الإنسان لو أنه يأكل يومياً «فلوس» ويرتدى «فلوس» وليس ملابس فإن هذا المبلغ لا يمكن أن ينتهى.. يومها وعد مبارك كذلك ألا يبقى فى الحكم أكثر من فترتين، وغضب من قصة السيدة الأولى وتدخل زوجة الرئيس السادات، السيدة جيهان السادات فى الحكم، وأنه لا يريد لزوجته أن تكون كذلك، ولا يحب لقب السيدة الأولى، وناشد مبارك المواطنين ألا ينشروا صفحات بالصحف فى تهنئته.. ومضت الأيام وانقلب الرجل إلى النقيض، ولم نسأل أنفسنا كيف تحول مبارك إلى هذا الحد؟ لا يبدأ الحاكم طاغية مستبداً، لكن نحن نجعله كذلك بالنفاق والرياء والتهاون فى حقوقنا، نترك أنيابه السلطوية تظهر، حينما كان مبارك يحاكم وددت لو أن هناك آخرين كثرا حوكموا بتهمة إفساد الرئيس، صحيح أنه هو المتهم الأولى، لكن هناك شركاء له، هناك من أفسدوه أو ساعدوه على الفساد، وزينوا له كل اختراق للقانون وتحايل على الدستور.
فى يوم واحد، قبل أن يؤدى السيد الرئيس اليمين الدستورية، تنشر صفحات فى الصحف تهنئة للرئيس، من أولئك الذين كانوا يهنئون مبارك وهيأوا له أن يورث نجله جمال الرئاسة من بعده، الرئيس مرسى طلب عدم نشر هذه الصفحات، لكن لن يرتدع هؤلاء.. وتتحدث إحدى المطبوعات عن السيدة زوجة الرئيس بأنها «الأم الفاضلة»، وهناك من يتحدث عن أن أربع سنوات ليست كافية لينفذ الرئيس برنامجه، ترى هل نجعلها أربعين سنة؟!
وضع روائى إنجليزى قصة عن القاهرة أثناء الحرب العالمية الثانية، وكان يتحدث عن حجم التحولات التى جرت فى شخصيتى الملك فاروق والزعيم مصطفى النحاس، وقال إن السياسيين فى القاهرة لديهم القدرة على «إفساد الأنبياء»، نحن يا سادة من يفسد الرؤساء والحكام بالنفاق والسلبية والصمت والتواطؤ، وآن الأوان أن نكف عن ذلك، نكف عن محاولة إفساد الرئيس الجديد، ولن يتحقق ذلك بالنداءات الأخلاقية فقط، شاعر النيل حافظ إبراهيم أكد فى كتابه المجهول «ليالى سطيح» أن النفاق سمة فى الشخصية المصرية، وأتصور أنه بالغ، هى نتيجة من نتائج قرون الاستبداد والقهر، ولابد أن نتوقف عن ذلك، وهنا يجب أن تصدر تشريعات وقوانين تحت مسمى جريمة «إفساد الرئيس» أو «إفساد موظف عام»، تعاقب من ينافق، من يزين للرئيس أن يتأبد فى السلطة أو يشترى صفحات من الصحف لتهنئة الرئيس بأى شىء، التهنئة تكون ببرقية إلى رئاسة الجمهورية أو إلى مكتب السيد الرئيس وأكثر من ذلك يعد تجاوزاً، المهم أن نكف عن إفساد رئيسنا، فعلناها من قبل مع كل حكامنا والنتيجة أمامنا، رئيس مخلوع، ورئيس مقتول، ولا نريد للرئيس د. محمد مرسى هذا المصير.