أبو ذر والقاعدة الدعوية: من عصي الله فيك.. فأطع الله فيه

[abomokhtar]

يقول الله عز وجل: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً", الحياة مليئة بالفواجع والمواجع, بالمتاعب والمصاعب " فقر وبطالة وجهل... الخ ", مثيرات ومتغيرات, وتتفاوت درجات الناس في الثبات أمام هذه المثيرات, فمنهم من تستحمقه التوافه فيستحمق على عجل, ومنهم من تستفزه الشدائد فيبقي مع واقعها الأليم محتفظا ً برجاحة فكره وحسن خلقه, فالناس تعتريهم أمام هذه المتغيرات الحدة والهدوء والعجلة والأناة والكدر والنقاء.
والرجل العظيم:
الذي كلما حلق في أفاق الكمال اتسع صدره وامتد حلمه وعذر الناس من أنفسهم والتمس المبررات لأغلاطهم.. فإذا عدا عليه غر يريد تجريحه كان قوله وفعله معه كما وصفه ربنا: " وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً", فرفعهم الله وأعلاهم قدرا ً بأن نسبهم إليه .
فالشرف كل الشرف في أن تكون عبدا ً لله .. وزاد الشرف في أن نسبوا إلي اسم الرحمن الذي يساير حالهم.
حسب نفسي عزا بأني عبد
يحتفي بي بلا مواعيد رب
هو في قدسه الأعز
ولكن القي متى وأين أحب
وفي قوله تعالي " عَلَى الْأَرْضِ " يدل علي الاستعلاء والتمكن.. فهم قد استعلوا على الدنيا وما فيها.. وجعلوها تحت أقدامهم.
والآية تصف اتساع صدورهم وامتداد حلمهم .. فلا كبرياء ولا عجب.. بل تواضع وخشوع .
وهذا المعني يفسر لنا حال هود عليه السلام وهو يستمع جهالات قومه بعدما دعاهم إلي توحيد الله.
" إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ * أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ "
فشتائم هؤلاء الجهال لم يطش لها حلم هود.. لأن الشقة بعيدة بين رجل اصطفاه الله لرسالته فهو في قمة الخير والبر.. وبين قوم سفهوا أنفسهم وتهاووا علي عبادة الأحجار .
وهذا درس تربوي للدعاة إلي الله سبحانه وتعالي .
فالمصلحون العظماء غايتهم وآمالهم في هذه الحياة إن يلجئوا أتباعهم إلي الخير إلجاء ً .
حالهم من عصي الله فيك فأطع الله فيه
سب رجل الأحنف بن قيس: وهو يماشيه في الطريق.. فلما قرب من المنزل تري ماذا فعل الأحنف؟
وتخيل ذلك في نفسك.. وحاول عقد مقارنة بينه وبين ما نحن عليه اليوم واستفزازنا لأتفه الأسباب .
وقف الأحنف قائلا ً لهذا الرجل وناصحا ً إياه:
" إن كان بقي معك شيء فقله هاهنا.. فإني أخاف إن سمعك فتيان الحي أن يؤذوك" .
قال رجل لأبي ذر:
أنت الذي نفاك معاوية من الشام؟.. لو كان فيك خير ما نفاك.
وضع نفسك أيها الكريم مكان الصحابي الجليل أبي ذر.. فماذا يكون حالك وردك ؟
قال ابن أخي:
"إن ورائي عقبة كؤودا .. إن نجوت منها لم يضرني ما قلت.. وإن لم أنج فأنا شر مما قلت" .
ما أعظمك سيدي أبا ذر.. فقد جعلت "من عصي الله فيك فأطع الله فيه" سبيلا ً مع من جهلوا عليك .
وذات مرة شتمه رجل وسبه سبا ً قبيحا ً .. فقال أبو ذر:
يا هذا لا تغرق في شتمنا .. ودع للصلح موضعا ً.. فإنا لا نكافئ من عصي الله فينا من أن نطيع الله فيه .
قال رجل لأبي بكر:
لأسبنك سبا ً يدخل معك قبرك.
فرد عليه أبو بكر رضي الله عنه ردا ً جميلا ً لا قبح فيه ولا سوء .. وحاشا لأبي بكر أن يقول هذا.. فقال بل يدخل معك أنت .
قال رجل لعمرو بن العاص:
والله لأتفرغن لك.
فرد عليه عمرو قائلا ً: هنا وقعت في الشغل.
قال كأنك تهددني.. والله لئن قلت في كلمة لأقولن فيك عشرا ً .
فرد عمرو قائلا ً : لئن قلت مائة لا أردن عليك بكلمة .
شتم رجل الشعبي فقال له:
إن كنت صادقا فغفر الله لي .. وإن كنت كاذبا ً فغفر الله لك .
هؤلاء حق لهم الدرجات العلي: " أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَاماً.. خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً" .
وأختم بهذا الحديث لرسول الله (صلي الله عليه وسلم) والذي يوضح فيه صلي الله عليه وسلم صنوف الخلق ومنازلهم في الفضل والمؤمن يضع نفسه حيث يجب .
" إن بني ادم خلقوا علي طبقات شتى: ألا وأن منهم البطيء الغضب سريع الفيء.. والسريع الغضب سريع الفيء.. والبطيء الغضب بطئ الفيء.. فتلك بتلك.. ألا وأن منهم سريع الفيء سريع الغضب.. ألا وخيرهم بطئ الغضب سريع الفيء.. وشرهم سريع الغضب بطئ الفيء.. ألا وإن منهم حسن القضاء حسن الطلب.. ومنهم سيئ القضاء حسن الطلب..ومنهم سيء الطلب حسن القضاء.. فتلك بتلك.. ألا وإن منهم سيئ القضاء سيئ الطلب.. ألا وخيرهم الحسن القضاء الحسن الطلب.. وشرهم سيئ القضاء سيئ الطلب" .
فضع نفسك أيها الحبيب حيث يجب سواء كنت داعية .. أبا .. زوجا .. أخا .. مدرسا ً .. طبيبا ً .
فعن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وسلم):
" ألا أنبئكم بما يشرف الله به البنيان ويرفع الدرجات؟.. قالوا : نعم يا رسول الله.. قال: تحلم علي من جهل عليك.. وتعفو عمن ظلمك.. وتعطي من حرمك.. وتصل من قطعك" .
بذلك أيها الحبيب تكون حققت: "من عصي الله فيك .. فأطع الله فيه"
http://www.egyig.com/Public/articles...32059786.shtml