اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > حي على الفلاح

حي على الفلاح موضوعات وحوارات ومقالات إسلامية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 01-04-2008, 05:38 AM
الصورة الرمزية الطيب الحنون
الطيب الحنون الطيب الحنون غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ التسجيل: Mar 2008
العمر: 33
المشاركات: 223
معدل تقييم المستوى: 17
الطيب الحنون is on a distinguished road
Icon114 قصة: حي على الفلاح


حي على الفلاح
محمد صوانه
انتعل حذاءه وخرج.. وجد سعيد نفسه في الشارع الطويل.. الناس يروحون ويجيئون.. تساءل بعفوية: لماذا لا يسير الناس في اتجاه واحد؟! قهقه في داخله، وقال: فكرة سخيفة!
تخيّل أنه في عيد؛ لكنه تذكّر أنه زار عمته قبل شهر واحد في عيد الأضحى، كان يوماً جميلاً، ليت العيد يأتي من جديد. ولكن، أي عيد؟! "وكيف للمسلمين أن يهنأوا بأعيادهم قبل أن يستعيدوا أرضهم المغتصبة من اليهود، لتكون صلاة العيد في ساحة المسجد الأقصى؟"، هذا ما قاله الشيخ عبدالرحمن إمام المسجد الكبير في خطبة العيد الفائت. أجل، لقد كان الشيخ محقاً فيما قاله..
بدأت أصوات تجار سوق الخضار – في وسط المدينة – تقترب منه.. كان سعيد ما زال سائراً.. يحدث نفسه، بصوت مسموع أحياناً.. هؤلاء التجار، ألا تبح أصواتهم؟ كم يبيعون في كل يوم؟ وكم يربحون من تجارتهم هذه؟ ما هذه الحياة التي يعيشونها؟ وهل يحتاجون إلى كل هذا العناء لتأمين طعام أولادهم؟ إنهم لا يدخلون بيوتهم إلا في الليل!! ولكن.. ما شأني بهم؟ وهل أجبرهم أحد على هذه المهنة؟ ألم يختاروا "مهنة الصراخ" هذه بأنفسهم؟ كان في إمكانهم أن يكونوا حدادين أو نجارين؛ بل كان لبعضهم أن يتعلم كتابة "المعروضات الرسمية" لأولئك الناس، الذي يتزاحمون دائما أمام دائرة الأحوال المدنية والجوازات أو دوائر الأراضي، أو المحاكم التي يتعاظم عملها يوما بعد يوم!
كانت الأفكار الغريبة تتزاحم في رأسه المثقلة؛ فبدا كأنه تائه، يسير في الشوارع لا يلوي على شيء! تقوده قدماه كيفما اتفق!
كاد أن يقطع الشارع المزدحم بالسيارات والإشارة حمراء.. من المؤكد أنه ما زال شارد الذهن.. توقف بعد أن اصطدم بصره باللون الأحمر.. تساءل: هل أنا نائم؟ وهل ينام من يمشي؟! توقفت السيارات .. سار بهدوء في عرض الشارع من رصيف إلى رصيف، أيقظه من نومه صوت لم يكن غريباً عنه:
- السلام عليكم.. كيف أنت اليوم يا سعيد؟
- وعليكم السلام.
إنه أحمد، شاب تقي ونشيط.. ربما كان مشغولاً، وإلا لوقف معي، وشاركني المسير.. ولكن إلى أين أسير أنا؟! وإلى أين أنا ذاهب؟!
لم يكن يدري..!
أحمد هذا، غريب شأنه .. لم يمضِ على عودته من أمريكا سوى شهر واحد.. كان يدرس الهندسة الكهربائية هناك.. كيف هي أمريكا؟ بالتأكيد ليست كبلادنا.. ولكن ما الذي غيّر أحمد هناك؟ لقد كان تلميذاً عادياً عندما كنا ندرس سوياً في المدرسة.. لم يكن يذهب إلى المسجد إلا يوم الجمعة. وها هو الآن يصلي في المسجد الصلوات كلها! ما الذي هداه إلى ربه في أمريكا؟!
رباه ارحمني – هتف سعيد، وكأنما يستيقظ من نوم طويل – في أمريكا يهتدي الناس ويعودون إلى ربهم، وأنا هنا، في بلاد المسلمين أعيش في ضياع وبعد عن الله!! أي تناقض هذا؟!
أخذ سعيد يؤنب نفسه كما لم يفعل من قبل.. ويل لك أيها الأحمق من لقاء الله، كيف سيكون موقفك عندما يناجيك ربك بلا وسيط يوم القيامة؟؟
رباه اغفر لي ذنوبي الكثيرة وتقصيري.. لقد أصبحت ذنوبي أثقل من أن أستطيع حملها.. لم أعد أطيقها أبداً.. إنها تؤرقني وتسلب من نفسي شعورها بالراحة والاطمئنان؛ وأي راحة واطمئنان لمن لم يصاحب إلا تائهاً أو شريراً؟! لم أكن أعرف أن للذنوب هذا التأثير الثقيل الوطأة على النفس.. أشعر وكأنني أحمل على عاتقي جبلاً من الذنوب والخطايا ..
تحسس سعيد عاتقه بحركة سريعة.. لا أحمل شيئاً.. نظر حوله ظاناً أن أحداً يراقبه، لكنه شاهد الناس على حالتهم: يروحون ويجيئون في الشوارع.. مشهد متكرر..
إنه يحس بوطأة أشياء أثقل عليه من الجبال..!!
تذكّر كلمات جاره الذي لم تكن تفوته صلاة واحدة في المسجد.. كان "أبو عائشة" يقول له دائماً:
- لماذا تختار طريق الشقاء يا سعيد؟!
- ولكنني يا "أبا عائشة" سعيد بحياتي..
- لا يا بني هذه ليست سعادة،إنها تعاسة تورث الشقاء الأبدي يوم القيامة!!
كانت الآيات التي قرأها على مسمعه ذات يوم لا تكاد تفارق مخيلته لحظة: (فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى . ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى. قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً. قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى) طه: 123-126
حقاً لقد كان أبو عائشة محقاً..إنني أشعر دائماً بالقلق والحيرة.. التعاسة لا تكاد تجد شخصاً غيري! لا أدري لماذا هي متعلقة بي..؟!
كان سعيد ما يزال يسير في طرقات المدينة.. دارت عيناه بشكل نصف دائري.. هؤلاء الناس يبدو أنهم سعداء.. بالتأكيد أنا لست سعيداً مثلهم.. لم يظلم إنسان نفسه كما فعلت أنا!! نعم لم يظلم إنسان نفسه كما فعلت..كيف أمضيت زهرة شبابي هائماً على هواي؟ رباه: كم ظلمت نفسي؟ ومن يدري كم بقي من عمري؟ ليتني أعرف! إنني لم أدع ذنباً إلا واقترفته.. ليست هناك خطيئة لم أجربها!! كنت طائشاً بشكل جنوني..
- رباه إنني أعلن توبتي..
أريد أن أخلع هذا الجلد الملطخ بالآثام دفعة واحدة، كما يفعل ثعبان هرم ثوبه!
شعر سعيد بأنه توقف في منتصف الشارع.. أصوات سيارات قادمة من بعيد قال في نفسه: لم لا أبدأ منذ اليوم حياة جديدة؟ بل منذ اللحظة.. نعم منذ اللحظة.. نعم سأبدأ حياة جديدة.. لن أعود إلى ما كنت أفعله من قبل.. لقد كنت أقترف مختلف الذنوب ولا أبالي..
ارتعش جسده كله، أحس بسعادة عظيمة.. ابتسم.. وكاد أن يغني بأعلى صوته فرحاً.. هناك ذنب لم أقترفه في حياتي – ولله الحمد – لم أقتل إنساناً قط .. بل لم يخطر ذلك في مخيلتي، ولم أفكر به أبداً.. ولكن أيها الأبله، هل يجب عليك أن تقتل حتى تكون من أصحاب النار؟! .. النار .. لا .. لا.. إنني مؤمن بالله: ونطق بالشهادتين من جديد: أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله.
صرخ أحدهم في وجهه:
هل التصقت قدماك في منتصف الشارع؟ تحرك من طريق السيارات يا رجل! لم يكن قد سمع أصوات أبواق السيارات.. قال في نفسه: ربما شتمني السائق، سامحه الله..
لا يدري كيف اصطدم بفتاه تسير على الرصيف؟ تساقطت كتب من يدها الصغيرة.. انحنى أحدهم يجمع لها الكتب.. حاول سعيد أن يعتذر منها.. تلعثم.. عاد يؤنب نفسه .. رباه ارحمني، هذه الطفلة خير مني.. كنت وأنا في مثل سنها إذا أساء إليَّ أحدهم أوسعته تأنيباً وتوبيخاً.. وربما لكمته أو ركلته بعنتريه!
إنني مثقل بالذنوب بشكل لا يطاق، حتى هذه اللحظة ما زلت أرمي بكتل من الذنوب في ميزان سيئاتي! مسكينة "كفة الميزان الأخرى"، لا أعتقد أن فيها شيئاً يذكر!!
ولكن تذكر جيداً يا سعيد، فربما تجد شيئاً..
مرَّ شريط الذكريات سريعاً.. ثمة بعض الحسنات: تصدقت مرة ببعض القروش على متسول أعمى، وشاركت مرة في تنظيف ساحات المدرسة، وكنت أعين والدتي في إرسال بعض الطعام إلى الجيران أيام رمضان، وكنت أحرص على إطعام هرة صغيرة اختارت من حديقة منزلنا مأوى لها، و... و... ولكنها فُتات لا تسمن ولا تغني مقابل التقصير في جانب الأعمال التي ترضي الله ..
انتفض كمن يستيقظ من نومه متأخراً، وقد كاد أن يفوته موعد مهم..
رباه ماذا أسمع.. كان صوت المؤذن ينطلق من مئذنة المسجد الكبير: (حي على الصلاة.. حي على الصلاة.. حي على الفلاح .. حي على الفلاح)..
الصلاة .. الفلاح.. الفلاحـ حـ حـ ح، تداخلت أصداء النداء في نفس سعيد، كأنها تتجاوز أذنيه لأول مرة في حياته!
كأنني أفيق من نوم طويل؟ كأنني واحد من أهل الكهف؟؟ .. بل ربما كنت الذي أرسلوه إلى هذه المدينة ليحضر لهم بعض الطعام..!
في أي زمان أعيش؟
كاد سعيد أن يقسم أنه لم يسمع المؤذن يتغنى بمثل هذا الصوت الرائع من قبل! ولكنه مؤذن المسجد الكبير، في الأربعين من عمره؟ أعتقد أن صوت عبدالهادي جميل إلى درجة أنه يشبه صوت بلال مؤذن الرسول - صلى الله عليه وسلم- ولكن، كيف لي أن أقرر ذلك؟
أحس بنشوة غريبة.. رباه: ما أجمل هذا النداء.. اللهم غفرانك أرجو.. ولرحمتك أفتقر.. اللهم اجعلني من المفلحين.. واغفر لي خطيئتي يوم الدين.. رباه خذ بيدي؛ فإنني تبت إليك وأنبت..
وجد سعيد نفسه في تلك اللحظة أمام مدخل المسجد.. خلع نعليه ودخل، ثم ذهب ليتوضأ..
وقف يتأمل بعض الفتية وهم يتوضاون في صحن المسجد استعداداً لصلاة العصر.. ما أجمل هذا المشهد، وما أروعه!! تخيّل سعيد أن الذنوب والخطايا تتساقط من قطرات الماء المنساب من غسيل الأطراف. نعم، بالتأكيد للوضوء سحر عجيب في تطهير النفس والأطراف من آثار الذنوب والخطايا.
أطرق هنيهة وعزم في قرارة نفسه أنه لن تفوته بعد اليوم – بإذن الله – رؤية مثل هذا المشهد الرائع، ما أحياه الله..
توضأ سعيد كما لم يتوضأ من قبل! ثم حمد الله، ودعا: اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين، وانتظم في الصف مع المصلين وراء الإمام.
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 05:10 PM.