ذهـــب مــــــــع الريــــح

[mohammed ahmed25]

منقول
ذهـــب مــــــــع الريــــح
مدخل : أيها الانسان مهما بلغ بطشك وزاد ظلمك ستبقى ضعيفا... فكل شيئ مآله الزوال الا صالح الاعمال وان نامت عيون البشر عن ظلم الانسان لاخيه الانسان فهناك عيون في السماء لا تنام .


اشرقت شمس سبتمبر ناشرة اشعتها في ارجاء الغرفة الفسيحة المطلة على الشاطئ .. نسمات
الخريف الاولى الهادئة تعبث بستائرها المخملية البيضاء الرقيقة فتطير في الهواء تطاير الفراشات الزاهية , المفروشات الساحرة التي كست الغرفة تشكل ديكورا رائعا ’ اما الاركان والجدران فقد انتصبت فيها التماثيل العرفونية واثار عالمية ولوحات زيتية ومنمنمات لكبار النحاتين والرسامين في العالم اما بلاط الارض فقد غطته السجاد الفارسية الراقية . فيخيل لمن يرى ديكور الغرفة وكأنه في متحف ضم في اركانه وجوانبه كل حظارات الدنيا .
فتح عيناه المثقلتان بالمرض والهموم بصعوبة بالغة جال بنظره اركان غرفته الفسيحة .. حاول ان ينهض ان يتحرك ويستدير قليلا فواجه صعوبة بالغة .. فالسرطان يكاد ينهي حياته وهو يدرك جيدا انه قاب قوسين او ادنى من الموت فالمرض انتقل الى كبده وايامه في هذه الحياة اصبحت معدودة وكل شيئ اصبح ورائه حتى المستقبل خلفه ورائه .. ربما يموت الان او بعد قليل والاكيد النه لن يتم شهرا واحدا .. في خضم هذا كله قفزت ذكرى زوجته الراحلة التي استعبدها وكال لها شتى اشكال العذاب والهوان حتى لفضت انفاسها حزنا وكمدا وهي التي وقفت الى جانبه مذ كان ضابطا بسيطا وعندما على نجمه رد لها الجميل سما من العذاب لتموت تحت رحمة العذاب والغدر .. لو بقيت حية لوجدها اليوم امامه تسهر على راحته وتواسيه في مصابه وتخفف عنه وطأة الالم وتسهر الليالي الطوال على راحته باكية داعية الله ان يمنحه طول العمر .. زوجته الثانية ابنة العشرين التي من اجلها سمح في كل شيئ وجعلها فوق كل شيئ هربت مع عشيق لها بعدما لهفت وسحبت كل شيئ كان قد كتبه بأسمها وباعت كل عقار منقول وو ثابت .. او الاولاد فانفضوا من حوله وتركوه يواجه مصيره ’ ابنه البكر تركه منذ ماتتامه تحت عذابه وقهره وهاجر الوطن بلا رجعه قاطعا عهدا على نفسه ان لا يعود ابدا .. ابنته من كثرة فقدانها للحنان وعدم اهتمامه بها استسلمت للهو والمجون ال ان دخلت عالم الادمان ولا احد يعرف لها مكانا .. اما اصغر ابنائه واقربهم الى قلبه فقابع خلف اسوار السجن بعدما تراكنت عليه ديون البنوك وكثر دائنوه واختلاساته ’ قبل اليوم كان هو القوي يذود عنه ويعطل عمل القانون . لكن يد القانون طويلة تطول سطوة الظالم ولو الى بعد حين , اليوم اصبح مجردا من كل شيئ لا كلمة له ولا سلطة له . اليوم اصبح لا شيئ .
ترقرقت عيناه وفاضت دمعا وهو يرى مجده ينهار ويتهاوى كقصور من رمال كأنه لم يكت يوما جنرال .. تنقطع لرؤيته الانفاس واذا اصدر امرا تبلغ القلوب الحناجر ... لا الاصدقاء الذين مكنهم من المناصب العالية ولا الاقارب الذي اقتطع لهم العقارات من كد وعرق الضعفاء التفتوا اليه مجرد التفاته ولو للمجاملة والمواسات على الاقل له جميل عليهم بل هو سبب رخاء العيش الذي هم فيه .. كم ظالمون هم البشر ؟ وراحت دموعه تنهمر بلا توقف على وجنتاه الذابلتان دموع لم تنحدر بهذا الصدق على وجنتاه ومن قلبه ابدا.
ماذا تفعل له اليوم السيارات الفخمة المصطفة في مرآب قصره .. ماذا يعني رصيد في سويسرا واخر في نيورك واخر في باريس وووو ماذا يعني كل هذا ؟؟؟ اصبح كل شيئ مجرد هباء ... تفاهة ... خسة .. اليوم فقط اكتشف نفسه اليوم اكتشف قيمة الجنرال عندما يكون خارج بزته العسكرية ’ التفت بعيناه الدامعتان الى خزانته الضخمة والمشرعةابوابها تبدوا فيها البزات مصطفة بأنتظام تفحص فيها النياشين التي تحيطها حتى تخيلها طحالب من كثرة الامعان فيها وشدة اخضرارها .
الذين كانوا يحيطون به وتصعد وتهبط اكتافهم ارتعاشا منه ويبتسمون له ابتسامة الرياء كانوا يحترمون فيه هاته النياشين التي تشبه الطحالب وهاته البذلة الواقفة اما هو فشيئ اجوف .. اخرق , وصخر من نفسه .. جنرال بلا حرب .. بلال معركة , جنرال همه ان يبقى جنرال وكفى .. وهو في غمرة التفكير والتأمل واسترجاع ذكرياة الماضي الافل دخل عليه كلبه وقطع عنه شريط الذكريات وشريط التفكير .. وتمدد امام قدميه .. التفت اليه وقال بصوت خافت متقطع مثقل بالام والمرارة :
وحدك يا كلبي الوفي كنت معي في قوتي وضعفي وحدك المخلص من دون الناس جميعا بقيت معي بعدما تخلى عني الجميع حتى اقرب الناس الي .. حاول ان يواصل كلامه فعاجله الالم والسعال الحاد .. استقام الكلب مذعورا من سعال سيده وراح ينبح وينبح لكن لا احد سمع نباحه ولا سعال سيده فالقصر طويل عريض ولا احد يسمعه فالقصر اصبح اضيق عليه من قبر .. رمى يده المرتعشة الى كبسوله الدواء فلم يمسكها جيدا فسقطت ارضا وتناثرت الاقراص في ارجاء الغرفة الفسيحة .. وراح هو يزحف على سريره العريض واضعا يده على كبده موضع الالم فقد توازنه وخر ساقطا على الارض بلا حراك وما هي الا ساعة حتى جاء الطبيب واعلن وفاته .
في اليوم التالي نزل خبر نعيه في اخر صفحة في احدى الجرائد المهملة ’ حضر جنازته بعض الرسميين والاقارب ورجال الاعمال , تكلموا امام نعشه عن الصقفات والترقيات والمناصب والمكاسب .. وفي زحمة الحديث قهقهوا ونفثوا دخان لفافاتهم الفاخرة , وما ان نفضوا ايديهم من تراب قبره حتى انفضوا من حوله ولم يبقى سوى كلبه يعوي عواءا مرا .وذهب كل المجد الزائف مع الريح
د لـــــــــومي محمد

[خالد ابوالمجد]

شكرا جدا جدا