اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > الاقسام المميزة > أخبار و سياسة

أخبار و سياسة قسم يختص بعرض الأخبار و المقالات من الصحف يوميا (المصرية والعربية والعالمية )

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16-02-2012, 09:27 AM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 27,929
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor is a glorious beacon of lightaymaan noor is a glorious beacon of light
افتراضي هكذا تكلم «العسكري»..

هكذا تكلم «العسكري»..

قراءة في تحولات خطاب المجلس الأعلي خلال عام من الحكم

منذ عام وبضعة أيام، والمجلس الأعلى للقوات المسلحة يتولي إدارة شؤون البلاد، إثر خطاب اللواء عمر سليمان، نائب رئيس الجمهورية وقتها، في 11 فبراير 2011، الذي أعلن فيه «تخلي الرئيس حسني مبارك، عن منصبه، وتكليف المجلس بهذه المهمة». وجاء رد المجلس العسكري في شكل «بيان» أعلن فيه قبوله المسؤولية، مؤكدًا إنه «ليس بديلاً عن الشرعية التي يرتضيها الشعب» (بيان المجلس رقم 3 ).

وطوال هذه الفترة، أنشأ «العسكري» قنوات للتواصل الإعلامي مع جموع الشعب المصري، يعلن من خلالها عن تعهد، أو يوجه مطلب، أو يوضح موقف، أو يرد على اتهام. وهي القنوات التي كان بعضها تقليديًا مألوفًا مثل المؤتمرات الصحفية والخطابات والتصريحات التلفزيونية والبيانات التي تنشر بالجريدة الرسمية، وغيرها مستحدثاً تمثل في تدشين صفحة للمجلس على موقع التواصل الاجتماعي«فيس بوك»،يوجه من خلالها رسائل عديدة بلغت 98 رسالة يوم 10 فبراير 2012.

وعبر كافة تلك القنوات، التقليدية وغير التقليدية، وجّه المجلس رسائلاً إعلامية مثلت في مجملها خطابا يوضح كيف يرى صاحب الخطاب «المجلس العسكري» ذاته ودوره، وكيف ينظر للآخرين.

ونحن هنا نقدم قراءة تحليلية لـ 125 مادة، انقسمت إلى 7 بيانات، و99 رسالة على «فيس بوك»، و10 مؤتمرات صحفية لأعضاء المجلس، و9 خطب وكلمات وتصريحات رئيسية للمشير محمد حسين طنطاوي، وذلك في الفترة الممتدة من 10 فبراير 2011 حتى 10 فبراير 2012، لنحاول معرفة «كيفية تقديم المجلس الأعلى للقوات المسلحة لنفسه من حيث الصفات والأدوار»، و«الإطار الذي قدم فيه الفاعلين الآخرين داخل خطابه الإعلامي». كما سنتعرض بالتحليل، للمقولات الرئيسية التي قدمها ذلك الخطاب، والبراهين التي ساقها للتدليل على الأحكام أو التفسيرات أو التعهدات، التي تضمنها خطابه.

أولاً ـ كيف يقدم المجلس نفسه:

تكشف كيفية تقديم المجلس لنفسه عبر خطابه الإعلامي الرسمي، عن القناعات الرئيسية لطبيعة الدور الذي يؤديه وعلاقته بالفاعلين الآخرين، وهو ما يفسر العديد من الإجراءات أو القرارات التي يتخذها بناء على ذلك، ويظهر تحليل هذا الخطاب التماهي الشديد بين القوات المسلحة والمجلس العسكري، ورفض الأخير أي فصل في الوصف أو الدور بينهما، وهو ما جاء صراحة على لسان المشير طنطاوي، في الفيوم، 2 أكتوبر الماضي، عندما أكد أن المجلس العسكري «جزء لا يتجزأ من القوات المسلحة».

ولعل ذلك يعكس إصرار المجلس على تقديم صفته العسكرية كمجلس أعلى للقوات المسلحة، على صفته السياسية كحاكم لمصر يمثلها رئيسه في كافة المحافل المحلية والدولية، ويفسر مطالبته المنتقدين لقراراته بمراجعة مواقفهم الوطنية، طالما أن المجلس والقوات المسلحة، التي هي «درع وحصن الأمان لهذا الشعب»، باتا كياناً واحداً لا يتجزأ.

ووفق النتائج التي أسفر عنها تحليل الخطاب الإعلامي الرسمي للمجلس، وأخذاً في الاعتبار حالة التماهي المذكورة، يمكن تحديد ثلاثة أدوار رئيسية للمجلس قدمها لنفسه من خلال خطابه الإعلامي

1ـ حامي الثورة:

حرص المجلس الأعلى للقوات المسلحة في بيانه الأول يوم 10 فبراير الماضي، على إعلان تأييده لمطالب الشعب المشروعة، وهو ما تكرر نصًا في بيانه الثاني، وكذلك في أول رسالة أطلقها على موقع فيس بوك يوم 17 فبراير الماضي، التي تحدثت عن «دور القوات المسلحة الرائد في حماية المتظاهرين».

ففي الرسائل الإعلامية المبكرة للمجلس، تم وصف القوات المسلحة بـ«الحامية والضامنة لأهداف ومطالب هذه الثورة العظيمة»، وهو الدور الذي تم تحديد معناه في «موقفها المنحاز للثوار منذ بدء الثورة والتعامل، والتعهد بعدم التعامل، بأي صورة من صور ال*** مع أبناء هذا الشعب العظيم» (رسالة 24 – 26 فبراير 2011)، حتى أصبحت «حماية الثورة» لازمة متكررة في خطاب المجلس الإعلامي ليبلغ إجمالي عدد الإشارات إليها «31»، مرة خلال فترة الدراسة.

واتبع خطاب المجلس لهجة عنيفة عند التشكيك في ولائه للثورة واتهامه بالضلوع في «ثورة مضادة» ضد الثورة، وهو ما رد عليه المجلس برسالة، في 18 فبراير الماضي، اتهم فيها مرددي هذه «التعبيرات المستحدثة» بـ«محاولات إحداث الفتنة بين النسيج الوطني لهذه الأمة»، واصفًا إياها بـ«مخططات لا تتفق مع أخلاق وعادات أبناء هذا الوطن الغالي».

وعلى الرغم من تصريح المشير محمد حسين طنطاوي، أثناء حفل تخريج دفعة استثنائية من أكاديمية الشرطة، 16 مايو الماضي، بإنه «لم يطلب مننا في القوات المسلحة أو المجلس الأعلى للقوات المسلحة، لم يطلب أحد مننا استخدام النيران علشان دي شهادة حق وشهادة صدق ربنا هيحاسبنا عليها»، وتكراره لنفي إصدار القيادة السياسية أي أوامر بإطلاق النيران على المتظاهرين إبان الثورة، في الفيوم، 2 أكتوبر الماضي، مؤكداً صدقه في ذلك من منطلق شخصيته كقائد ومقاتل، إلا إن الخطاب الإعلامي للمجلس ظل يؤكد على دور «حماية الثورة»، ليس فقط في البيانات الصادرة عن المجلس وإنما في كلمات المشير نفسه، وفي نفس الكلمة التي تضمنت نفي أوامر إطلاق النار، في أكاديمية الشرطة، حيث تحدث عن تكليف القوات المسلحة بنزول الشارع لـ«مساعدة الشرطة»، لافتًا إلى إن «كل المجموعة بتاعت المجلس الأعلى للقوات المسلحة كان القرار بتاعها عدم فتح النيران على الشعب».

وليس وجه التناقض في هذا الشأن نفي صدور أوامر بإطلاق النار على الثوار والحديث عن تأييد القوات المسلحة للثورة، وإنما تمثل وجه التناقض في النفي ثم الحديث عن «اتخاذ قرار» بعدم إطلاق النار عقب مشاورات داخل المجلس أو حماية القوات المسلحة للمتظاهرين، إذ ينتفي الرفض بانتفاء الطلب وتنتفي الحماية بانتفاء الخطر، الأمر الذي يعكس قدرًا من عدم الاتساق داخل النص الإعلامي الموجه للجمهور، بما يؤدي للارتباك في فهم المعنى.

والجدير بالذكر هنا، إن التأكيد على دور المجلس والقوات المسلحة في حماية الثورة، كان يستفيض ويتعاظم داخل خطاب المجلس عند مواجهة اتهامات عنيفة كالتي واجهها إثر أحداث شارع «محمد محمود»، إذ خصص المشير 598 كلمة من إجمالي 874 كلمة، هي إجمالي خطابه، أي أكثر من 68%، للحديث عن حماية القوات المسلحة للثورة وما تعرضت له من تجريح ومزايدة وما واجه المجلس من عقبات لم تخلو من التخطيط المغرض، في سرد تخلله ذكر الثورة 3 مرات، مرتان منهما لدى التأكيد على دور القوات المسلحة في حمايتها واتخاذ قرار بعدم إطلاق الرصاص.

2ـ درع الوطن الذي ينأى بنفسه عن الصراع:

ظل الخطاب الإعلامي للمجلس يؤكد على دوره الوطني كحامي ومنقذ وليس طرفًا في الصراع، ذو مصلحة أو يسعى لسلطة، فهو «يستمع، ويتحاور، ويتواصل ويبذل الجهود»، «لا يطمح في الحكم ولا يبغي إلا وجه الله والوطن» (خطاب المشير، 22 نوفمبر الماضي)، وهو درع الوطن وحاميه والشعب المصري «ليس له سند وليس لمصر سند ولا توجد قوة تحمي مصر الآن من كل ما يوجه لها من تهديدات ومؤمرات إلا القوات المسلحة» (اللواء مختار الملا، مؤتمر صحفي، 24 نوفمبر الماضي).

ومن منطلق هذه المهمة الوطنية، أكد المجلس، في رسالة رقم «59»، يوم 29 مايو الماضي أنه «لم ولن يقفز على السلطة في مصر، احترامًا للشرعية والتزامًا بمبادئ وقيم المؤسسة العسكرية العريقة”، وإنما يعمل «بكل جدية وإخلاص من أجل إنهاء الفترة الانتقالية لتسليم البلاد إلى سلطة مدنية منتخبة بشكل ديمقراطي من الشعب».

واتجه المجلس، من منطلق دوره كمظلة وطنية، إلى توجيه الإرشادات، في رسالته رقم 59، يوم 29 مايو الماضي، إلى تلك القوى المتناحرة لـ«نبذ الخلافات وتوحيد الجهود والإيمان بأن الرأي النهائي دائما للشعب» ولتأكيد أنه غير طرف صراع وحامي للوطن يتعهد بإن« القوات المسلحة لن تسمح لأي من كان بالقفز على السلطة دون موافقة الشعب».

قدم المجلس نفسه باعتباره غير طرف في صراع، وإنما مظلة وطنية تسعى للتوافق في فترة أزمة وصراع وخلاف، «يتواصل مع أبنائه» كما جاء في رسالته رقم 2، يوم 17 فبراير الماضي، و«يتابع كافة تساؤلات الشعب المصري وشباب ثورة 25 يناير»، بحسب رسالته رقم 6، يوم 21 فبراير الماضي، ويتعامل «مع كافة القوى الوطنية للشعب المصري دون انحياز أو إقصاء لأيًا منها»، كما أكد في رسالته رقم 59 يوم 29 مايو الماضي، من أجل «تحقيق التوافق الوطني خلال هذه الفترة التاريخية» (رسالة رقم 60 – 30 مايو 2011).

وحدد «العسكري» دوره في المرحلة الانتقالية، عبر الرسالة رقم «31»، 2 إبريل الماضي، باعتباره دورًا وطنيًا محضًا يرتكز على «المحافظة على تماسك نسيج هذا الوطن بكل فئاته وأطيافه دون تحيز أو تمييز وبما يضمن الحفاظ على سلامة مصرنا الغالية داخليًا وخارجيًا»، وبذلك فإن هذا الدور الوطني ينأى عن التصارع أو التمسك بسلطة من منطلق إن «القوات المسلحة ليست ولا يجب أن تكون طرف يستعدى أحد، ولكنها مصرية مؤسسة وطنية شريفة تعهدت بتحمل المسؤولية للانتقال بهذا البلد لتحقيق أهداف الثورة العظيمة وليس لها أهداف غير هذا إطلاقا، ومن يزايد على هذا فعليه أن يراجع موقفه الوطني لأنه يحتاج إلى المراجعة»، كما قال اللواء محمود حجازي، في مؤتمر صحفي، عقده 12 أكتوبر الماضي.

وظل المجلس يؤكد على هذا «الدور الوطني» في احتواء الأطراف المختلفة، حتى الرسائل الأولى في عام 2012، حينما أكد المجلس، في الرسالة رقم «1»، يوم 21 يناير، أن «عقولنا تتسع لكل الأفكار والآراء، وأن قلوبنا تسع كل أبناء مصر وفي الصدارة منهم شباب الثورة النقي الطاهر دون إقصاء لحركة أو إئتلاف ، ودون إنتقاء أو استثناء»، ووصولاً إلى آخر الرسائل التي شملتها الدراسة، والذي سمى السلطة فيها بـ«الأمانة»، وتتضمن صياغات ذات طابع عاطفي، عن موقف «الجيش» الذي كان «سندا قوياً للشعب وعمادا وحيدا للوطن عند مفترق طرق حاسم بين الصمود والانتكاس حين غاب الأمن وعز الأمان وانفتحت السجون وعربدت جماعات الإجرام حين تداعت مؤسسات الدولة الدستورية وتفككت أجهزة الأمن والنظام وفرض القانون»، رسالة «5»، يوم 10 فبراير الجاري.

ولعل ذلك يفسر اعتبار المجلس أي اتهام له بالاعتداء على المتظاهرين أو الطمع في السلطة أو سوء إدارة الفترة الانتقالية بإنه نوع من الإساءة للسمعة والتجريح والتخوين، من منطلق الدور الوطني الذي يقدم نفسه من خلاله، بل إنه تم التعبير عن ذلك صراحة بالتساؤل، علي لسان اللواء عادل عمارة، في مؤتمر صحفي، 12 أكتوبر الماضي: «كيف يمكن أن يوجه الاتهام للمجلس الأعلى للقوات المسلحة وهو على رأس هذه المؤسسة العظيمة اللى حمت مصر وحمت الثورة فى 25 يناير من بدايتها ولولا وجود هذه المؤسسة العظيمة وهذا المجلس العظيم ما كانت الأحوال تبقى فى مصر فى الشكل اللى احنا موجودين فيه إن شاء الله فى المستقبل، وإنتوا شايفين العالم كله شكله ايه»

3ـ مصدر الحقائق:

دائما ما يصف «العسكري»، ما يوجه إليه من اتهامات بـ«الشائعات، والأكاذيب»، فيما يصف ما يعلنه من معلومات وتصريحات، لم تخلو في كثير من الأحيان من اتهامات لأطراف مجهولة أو معلومة، بـ«الحقائق التي لا تقبل الشك».

ففي أحداث ماسبيرو، ورغم إذاعة تسجيلات مصورة لدهس المتظاهرين، عقد المجلس مؤتمرًا صحفيًا في 12 أكتوبر الماضي، اتهم فيه اللواء عادل عمارة، عضو المجلس، البعض بالانحراف عن «المسار الطبيعى، المؤدى للحقائق الكامنة للأحداث التي وقعت وبشكل لا يخلو عن سوء النية»، معلنًا إنه سيرد على ذلك «من خلال الأرقام والبيانات بكل دقة وشفافية».

وعند النظر إلى مضمون المؤتمر، الذي استهل بالإعلان عن اعتزامه إعلان «حقائق» من «أرقام وبيانات» نجد إنه حدد تلك الحقائق في عدم تسليح عناصر التأمين بذخائر، ووجود دعوات للتحريض قبل وبعد المظاهرة، ثم استخدام عناصر داخل التظاهرات لسيوف وأنابيب بوتاجاز وسنج وإشعال الحرائق في سيارات القوات المسلحة، استنادًا إلى تسجيلات مصورة تم عرضها في المؤتمر.

ولم يقدم المؤتمر تفسيرًا واضحًا لدهس المتظاهرين بالمدرعات، بل وشهد حالة من عدم الاتساق بين الإعلان عن إحالة الأمر للتحقيق، والجزم بأن القوات المسلحة لم ت*** المتظاهرين بل واعتبار اتهامها بذلك نوع من «الجحود» لدورها في تأمين المنشآت الحيوية، ثم سرد «عمارة»، مجموعة من التقييمات الذاتية عن الحالة النفسية التي قد تنتاب الجنود وقد تؤثر على قيادتهم للمدرعات.

وتكرر نفس الموقف في الأحداث التالية بشارع محمد محمود ومجلس الوزراء، التي سرعان ما يتم فيها كيل الاتهامات للمتظاهرين «الذين لا يمكن أن يكونوا من شباب 25 يناير الأطهار»، والحديث عن المؤامرات الرامية لإسقاط الدولة، وتبرير أي اعتداء ترتكبه قوات الجيش والشرطة، وهو الأمر الذي سيتم عرضه بشيء أكثر تفصيلاً لاحقًا.

ويمكن القول إن الافتقاد للتوازن في تقييم الأحداث يتعارض بشكل كبير مع الصورة التي يقدمها المجلس لنفسه باعتباره المظلة التي تحتوي كافة المواطنين وتتعامل مع الجميع دون تمييز وتقف على مسافة واحدة من كافة القوى. إذ إن القيام بهذا الدور لا يتطلب منه فقط الحديث بعض الحقائق، وإنما ينبغي عليه ذكر الحقائق كاملة دون تشويه.

ثانيًا ـ كيف يرى المجلس الثورة؟:

تضمنت كافة المواد الإعلامية الصادرة عن المجلس أوصافًا بالغة الإيجابية عن ثورة 25 يناير باعتبارها «من أعظم ثورات هذا العصر قياسًا لما ارتبط بمناخها من سلام وتسامح ورصيد عظيم من الحب لهذا البلد يؤهلها للانطلاق نحو آفاق مستقبل مشرق وواعد بإذن الله»، كما جاء في رسالته رقم 51، يوم 13 مايو الماضي، وإنها «وحدت الشعب المصري رجالاً ونساءً ، شباباً وشيوخاً ، مسلمين ومسيحيين ، تحت راية الوطن في ثورة سلمية كانت مثار إعجاب كل الأحرار في العالم»، رسالة «1»، 21 يناير الماضي،، أو على الأقل نفي السلبية عنها بأن «الهدف من الثورة لم يكن هدف سيء»، (كلمة المشير في تخريج دفعة استثنائية من أكاديمية الشرطة، 16 مايو 2011).

وأصبحت ثورة 25 يناير رمز طالما تم استدعائه في خطاب المجلس الإعلامي عند توجيه مطالب للجمهور بـ«الهدوء» وحفظ الأمن، أو عند الإعلان عن خطوات إيجابية اتخذها المجلس كحفظ التحقيق مع الرائد أحمد شومان (رسالة فيس بوك رقم 4)، أو قرار إعادة الإجراءات القانونية الخاصة بمحاكمة شباب الثوار أمام المحاكم العسكرية (رسالة رقم 50)، في تأكيد لجهوده من أجل تحقيق أهداف الثورة، أو الاعتذار عن «الاحتكاكات» مع المتظاهرين (رسالة 22).

وعلى النقيض من إيجابية الأوصاف المنسوبة لحدث الثورة ذاته، إلا أن أوصافًا سلبية سادت ما أعقبها من أحداث، حيث «كان في الأول فيه حماس وثورة.. ما حدث بعد ذلك في الشهور التالية حدث بعض السلبيات»، و«لم يكن لدينا فتنة طائفية وانما حاليا فيه في بعض المواقف نرى اننا لو استمرنا على ذلك، سيكون الموضوع في منتهى الخطورة على مصر» (كلمة المشير 16 مايو)، فـ«بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير التى فجرها شباب مصر، وحمل لواءها الشعب، وحمتها وتحافظ عليها القوات المسلحة، اختلفت الآراء وتشتت وظهرت أصوات التشكيك فى النوايا، وصاحبها بعض الأزمات والمخاطر على كافة الأصعدة وخاصة الأمنية والاقتصادية» (خطاب المشير في ذكرى 6 أكتوبر 2011).

ورغم إن هذا التعاقب لا يتضمن السببية المباشرة بين الثورة وتدهور الأوضاع، إلا إنه على الأقل يتضمن قدرًا من «الظرفية» بينهما، وهو ما يتضمن قدرًا من الإيجاز المخل الذي يوحي بتمام الأوضاع واكتمال انضباطها قبل الثورة، ثم انهيارها وتفككها عقبها.

كما تحدث المجلس عن الثورة باعتبارها امتداد تاريخي لكفاح طويل كان للقوات المسلحة دور بالغ فيه، وهو ما ظهر بوضوح في خطاب المشير بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو، حينما ربط بينها وبين ثورة 25 يناير في إشارة لاعتبار الأخيرة امتداد لذلك الكفاح.

ثالثًا ـ كيف يرى الثوار؟:

الفصل بين شباب الثورة والمتظاهرين في الفعاليات الاحتجاجية التي أعقبتها، إذ تم التمييز بين ثلاث فئات رئيسية من المتظاهرين.

الأولى:هم «شباب الثورة الذي يتمتع بالوعي والوطنية وهو على دراية بحجم المسؤوليات الملقاة على عاتق القوات المسلحة التي أيدت مطالبه المشروعة منذ اللحظة الأولى»، (رسالة فيس بوك رقم 24 – 26 فبراير 2011)، و«رووا بدمائهم شجرة الحرية والديمقراطية»، (رسالة 89 – 4 ديسمبر)، و«واجهوا القمع الوحشي بصدورهم» (رسالة 1 – 21 يناير).

الثانية : هم المشاركون في الفعاليات الاحتجاجية للعمال والموظفين أو ما أطلق عليها «الاحتجاجات الفئوية»، التي تم اتهامها بالتعامل بمنطق «التكية» متسببة في تراجع عائدات السياحة (تصريحات المشير في الفيوم، 2 أكتوبر 2011)، كما تم اعتبارها السبب المباشر في «تراجع الاقتصاد في مصر الذي يعاني معاناه كبيرة جدًا» وإنها تعطي «فرصة لمجموعة في منتهى الخطورة تسمى بالبلطجية - يركبوا فوق عملية الاعتصامات والإضرابات - لكي يوصلوا البلد لتحقيق أهدافهم غير الشرعية وغير المنطقية» (خطاب المشير، 16 مايو).

الثالثة : هم متظاهرون «اساءوا استخدام الديمقراطية»، وهم من نفى عنهم خطاب المجلس صفة الثورية، لأن «كل من يخرب في البلد ليس ثائر ومحتاج يراجع موقفه الوطني»، والذين تراوحت أفعالهم بين أنشطة إعلامية على القنوات التلفزيونية حتى تعطيل المصالح العامة، وفق ما أشار إليه اللواء محمود حجازي، عضو المجلس العسكري، في مؤتمر صحفي يوم 12 يوليو بقوله: «من يخرج يقول ايه في القناة واللى بيقطعوا الطريق واللى بيعطل حركة ايه هذا ليس ثائر يكدر الحياة العامة ويهدد مصالح الدولة».

وبعد ذلك اتجه المجلس إلى الحديث عن عدم تمثيل التحرير لكل الشعب المصري، فـ«إذا نظرنا لمن هم موجودين في التحرير أيًا كان عددهم فهم لا يمثلون كل الشعب المصري.. ميدان التحرير هو اللى بنستقبل منه التعبيرات». (اللواء مختار الملا، في مؤتمر صحفي، 24 نوفمبر الماضي).

الرابعة : «عناصر مدسوسة تحاول إفساد الثورة وإثناؤها عن أهدافها وإحداث الوقيعة بينها وبين القوات المسلحة» (رسالة فيس بوك رقم 24 – 26 فبراير)، حيث تم التأكيد على التفرقة بين هذه الفئة، وهم عادة المشاركين في فعاليات احتجاجية سياسية أعقبت الثورة وعارضت سياسات المجلس العسكري في فعاليات شهدت اشتباكات مع الأجهزة الأمنية، وبين الثوار، بل ودعوة شباب الثورة إلى مقاومة نشاطات هذه الفئة وإجهاضها حفاظًا على أمن وسلامة مصر (رسالة 65 – 29 يونيو).

ولا يمكن القول إن تلك الفئات الأربعة مثلت تطورًا في وصف خطاب المجلس الإعلامي للمتظاهرين، وإنما كانت تستخدم كلها بالتزامن، بل وداخل الرسالة الإعلامية الواحدة.

وظلت رسائل المجلس تتوجه إلى شباب الثورة، حتى مطلع فبراير 2012، حينما اختفت الجملة الشهيرة التي كانت تتصدر كافة الرسائل السابقة «استمرارًا للتواصل مع الشعب المصري العظيم وشباب الثورة»، وتم توجيه الحديث إلى «شعب مصر العظيم»، وانتقل توجيه الحديث من شباب الثورة إلى القوى الوطنية والسياسية (رسالة 3 – 3 فبراير الجاري). وانتقل الحديث من تحقيق أهداف الثورة وحمايتها إلى الحديث عن مكتساباتها (رسالة 4 – 6 فبراير 2012). ولعل ذلك يثير التساؤل عما إذا كان المجلس قد اتجه إلى اتباع خطابًا جديدًا مع انتقاله لعام جديد، يقصر الحديث عن الثوار على 25 يناير فقط، دون غيرها من الفعاليات التي يصف منظميها بالمتظاهرين أو البلطجية؟ وما إذا كان يتجه إلى استبدال توجيه الحديث إلى شباب الثورة بتوجيهه إلى إلى القوى السياسية في ظل استبدال من يمثل الشعب من قوى التحرير إلى قوى البرلمان؟ ولعل الرسائل الإعلامية القادمة هي التي قد تكشف عن مدى تحقق ذلك.

رابعًا ـ كيف يقيم دور القوى السياسية؟:

لم يرد ذكر أو دور واضح للقوى السياسية في خطاب المجلس الأعلى للقوات المسلحة، إلا بمطالبتها بالحوار وإنكار الذات وإعلاء المصلحة العليا للوطن في مواضع مختلفة من بياناته ورسائله، أو الحديث عن مساندة المجلس للقوى السياسية وحواره معها و«معاونة هذه التكتلات الموجودة منهم من أنشأ أحزاب والقوات المسلحة تحملت تكاليف انشاء الاحزاب ومنهم من القوات المسلحة بتقدم لهم المساعدة عشان يكون له تواجد في الشارع»، (اللواء ممدوح شاهين، في مؤتمر صحفي، 24 نوفمبر).

وفي المقابل وجه المجلس عدة رسائل تراوحت في درجة صراحتها و***ها يعبر من خلالها على عدم الرضا عن بعض المواقف التي تتخذها بعض القوى السياسية، وكانت أقوى تلك الرسائل وأكثرها صراحة، الرسالة رقم 69 – 22 يوليو الماضي، التي وجه فيها المجلس اتهامات صريحة لحركة 6 إبريل بأن لها «أجندات خاصة» وتحرض «لزرع الفتنة بين الشعب والقوات المسلحة»، مع التحذير من «الانقياد وراء هذا المخطط المشبوه الذي يسعى إلى تقويض استقرار مصر والعمل على التصدي له بكل قوة».

كما وجه المجلس تلميحات أقل حدة في رسائل تالية، إذ تحدث عن «دعوات تحريضية لمهاجمة وحدات القوات المسلحة ووزارة الداخلية وتم نسبها إلى عدد من القوى»، وهو ما اعتبره «محاولة للتشكيك في النزعة الوطنية لهذه القوى وهو ما يضعها أمام مسؤوليتها التاريخية أمام الشعب» (رسالة 74 – 7 سبتمبر)، أي إنه يرسل بإشارات ضمنية إلى القوى السياسية التي قد تدعوا أو تساند فعاليات احتجاجية أمام المنشآت الأمنية إلى مراجعة موقفها مع تحميلها المسؤولية عن ذلك.

وكما سبق الحديث، فقد تبدل خطاب المجلس إلى الإشارة لإيجابية الدور الذي يمكن أن تقوم به القوى السياسة والوطنية عقب بدء أعمال مجلس الشعب، سواء بمناشدة «كافة القوى الوطنية والسياسية من أبناء هذا الوطن العظيم إلى سرعة المبادرة الإيجابية وتحمل دورها الوطني والتاريخي.. وتفويت الفرصة على المغرضين في إحداث المزيد من الخسائر سواء في الأرواح أو الممتلكات العامة أو الخاصة» (رسالة 3 – 3 فبراير الماضي)، أو الحديث عن تسليم سلطة التشريع لمجلس الشعب وفاء بتعهد تسليم السلطة لسلطة مدنية (رسالة 5 – 10 فبراير الماضي)

وقد تكون تلك الرؤية باستبدال قوى الثورة بالقوى السياسية أو قوى البرلمان، رؤية غير صحيحة في ظل توجيه المجلس خطابه إلى «القوى السياسية والوطنية»، بيد إن ما دفعنا إلى تقديم هذا الاستخلاص هو الاختفاء التام لمخاطبة شباب الثورة كعادة خطاب المجلس على مدار عام كامل، ثم الحديث عن دور القوى السياسية في تفويت الفرصة على المغرضين في إحداث المزيد من الخسائر (رسالة 3 – 3 فبراير)، واقتصار حديثه عن الشباب على ما فعلوه إبان الثورة وتضحياتهم من أجلها (رسالة 5 – 10 فبراير).

خامسًا ـ قوات الشرطة:

حرص خطاب المجلس على توجيه عبارات داعمة لدور رجال الشرطة، والتخفيف من تحملهم المسؤولية الكاملة عن حالة الانفلات الأمني التي شهدتها البلاد أو ما سماه المشير في كلمته في حفل تخريح دفعة استثنائية من طلبة كلية الشرطة يوم 16 مايو الماضي، «شئ من الضغط على الأمن»، معتبرًا إنه «مش من رجال الشرطة» الذين كانوا «مجروحين بس اللى حصل مش بايدهم»، مشيرًا إلى إن «الأغلبية العظمي من وحدات الأمن والشرطة شرفاء وكانوا يقومون بواجبهم على أكمل وجه وعلى أحسن صورة»، واصفًا ما حدث بوزارة الداخلية بـ«الشرخ»، الذي ينبغي سرعة تضميده.

وعلى مدار فترة الدراسة، وبالرغم من تكرر الأحداث التي شهدت «احتكاكات» بين الشرطة والمتظاهرين، حرص المجلس على التأكيد على عدم تحمل رجال الشرطة مسؤوليات ال*** والاعتداءات أو على الأقل البدء في تلك الاعتداءات.

ففي أحداث شارع محمد محمود والتي شهدت سقوط نحو 40 قتيل و1500 مصابًا، أصر المجلس على تبرئة الشرطة من أية اعتداء، بل والحديث عن أي اتهام باعتباره شائعات وأكاذيب رغم تسجيلات الفيديو التي أظهرت استخدام ال*** والخرطوش إزاء المتظاهرين وسقوط العشرات بين قتيل وجريح.

وأصر «العسكري»، على أن «المسؤول عن ال*** هم البلطجية» (اللواء سعيد عباس، عضو المجلس العسكري، مؤتمر صحفي، 21 نوفمبر)، وأن «الشرطة لم تستخدم ذخيرة حية ولم تستخدم خرطوش، وطلع البعض وقال انهم استخدموا غازات سامة والبعض قال دا غاز الخردل والبعض قال ان الغاز طالع من محطات المترو كل واحد عمل قصة ونشرها عن الشرطة انا لا أدافع عن الشرطة انا بتكلم كلام حقيقي» (اللواء مختار الملا، مؤتمر صحفي، 24 نوفمبر).

وفي أحداث مجلس الوزراء، التي شهدت ذات الاعتداءات وسط سقوط عشرات الضحايا، وضع خطاب المجلس الإعلامي الشرطة في موضع المفعول به حيث لم يتم نسبة أي فعل بالاعتداء أو التجاوز إزائها، وإنما هي مدعى عليها ويصطدم بها من قبل متظاهرين أو على الأقل مدنيين «أساءوا استخدام الديمقراطية» أو مجهولين يسعون للتخريب، وبالمقابل فإن «جندي الأمن المركزي لا بيضرب ولا بيستخدم *** ولا يكرر سياسات قديمة إحنا رفضناها» وإنما هو «يؤمِّن وزارة الداخلية»، (اللواء عادل عمارة، مؤتمر صحفي، 19 ديسمبر).

وحرص المجلس في العيد الأول للثورة، على الإشادة بدور رجال الشرطة، بل والحديث عن عودتهم بفكر جديد يحترم القانون والمواطن (كلمة المشير، 24 يناير 2012)، وهو الحديث الذي تزامن مع حالات عديدة للسطو وال***، وأعقب اشتباكات عديدة شهدت اعتداءات من رجال الشرطة مع المدنيين، مع إعلان إحالة هذه الحالات للتحقيق دون أي إعلان عن نتائج أي من هذه التحقيقات.

ولا يقتصر تأثير هذا الخطاب الإعلامي الذي يقوم على تبرئة قوات الشرطة من أي تجاوز، مع إحالة أي اتهام إلى لجان تحقيق لا يصدر عنها أي نتائج، في التأثير سلبًا على خطط تطهير جهاز الشرطة فقط ـ وهو ما لسنا بصدد الحديث عنه هنا، ولكنه يؤثر في مصداقية الخطاب برمته، في ظل مشاهدة الجمهور لمشاهد الاعتداءات في وسائل الإعلام المختلفة، التقليدية وغير التقليدية، وسقوط ضحايا من شيوخ الأزهر وطلبة الجامعات والأطباء وغيرها من الأشخاص الذين لا ينطبق عليهم أوصاف البلطجة والتخريب التي ينسبها الخطاب الإعلامي لهم.

فهذا التناقض بين ما يتضمنه الخطاب، وما يشاهده الجمهور في وسائل الإعلام، يخلق حالة من اللبس التي قد تفضي إلى افتقاد الثقة في المعلومات الصادرة عن المصدر الرسمي الأول في فترة انتقالية تعاني العديد من الأزمات، تجعل من المواطنين بحاجة ماسة إلى المعلومات المدققة.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 16-02-2012, 09:35 AM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 27,929
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor is a glorious beacon of lightaymaan noor is a glorious beacon of light
افتراضي

أوضحنا فى الجزء السابق كيفية تقديم المجلس الأعلى للقوات المسلحة لنفسه من حيث الصفات والأدوار، وكذلك الإطار الذي قدم فيه الفاعلين الآخرين، وهو ما توصل إلى اعتماد المجلس خطابًا يقوم على التماهي بينه وبين القوات المسلحة ككل، بما يقدم صفته العسكرية على صفته السياسية في تلك الفترة، حارصًا على تأكيد أدواره كحامٍ للثورة ودرع للوطن يقوم بمهمة وطنية ويقدم الحقائق للمواطنين.

وفي المقابل تأتي صورة المتظاهرين والقوى السياسية مشوشة ومتذبذبة بين الإشادة والاتهام، وهو الأمر الذي تزداد فيه حالات الاشتباك بين القوات المسلحة والاحتجاجات في الشوارع، واتهام الشباب والقوى السياسية على الأقل بـ«إساءة استخدام الديمقراطية».

ويقدم هذا الجزء تحليلاً للمقولات الرئيسية التي قدمها ذلك الخطاب سواء تمثلت في أحكام أو تفسيرات أو تعهدات، مع تحديد مدى اتساقها مع بعضها البعض أو مع السياق الذي تقدم فيه.

أولاًـ استخدام «المؤامرة» كإطار تفسيري للأزمات:
ظلت فكرة «المؤامرة» حاضرة بقوة داخل الخطاب الإعلامي للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، حيث استخدمها كإطار تفسيري لمختلف الأزمات السياسية والأمنية التي واجهها، ولاسيما التي واجه انتقادات فيها، بل إن المجلس نفسه دافع عن استخدامه لفكرة «المؤامرة»، نافيًا إيمانه بنظريات المؤامرة «لكن التاريخ أثبت أن فيه مؤامرات فى التاريخ»، على حد قول اللواء محمود حجازي، عضو المجلس العسكري، في مؤتمر صحفي حول أحداث ماسبيرو، 12 أكتوبر الماضي.

وجاءت الإشارة إلى المؤامرات التي تحيكها أطراف داخلية أو خارجية، بشكل مبكر في خطاب المجلس، بل إنه في رسالته الأولى على الفيس بوك طالب المتظاهرين بـ«عدم اللجوء لثقافات غير مصرية لم تولد على أرض مصر مثل ارتداء الزي الأسود خلال التظاهر»، في إشارة ضمنية للتأثر ـ على الأقل ـ بثقافات غربية وافدة.

ثم ظهرت أول إشارة صريحة لفكرة «المخطط المنظم»، عقب أسبوعين فقط من تولي المجلس السلطة، وذلك في الرسالة رقم 18 يوم 24 فبراير الماضي، حيث أشارت إلى «محاولات إحداث الفتنة بين النسيج الوطني لهذه الأمة»، وودعت المصريين إلى مواجهة هذه «المخططات التي لا تتفق مع أخلاق وعادات أبناء هذا الوطن الغالي»، في إحالة إلى مجهول الهوية ولكنه يتآمر ويخطط ويسعى إلى إثارة الفتنة.

وهي الإحالة التجهيلية التي استمرت فيما بعد على مدار الخطاب الإعلامي للمجلس، سواء في حديث عام عن «معوقات داخلية وخارجية»، دون تحديد ماهيتها أو مصدرها (رسالة 21 – 25 فبراير الماضي) أو اتهام طرف ثالث بإثارة الأزمات والسعي لإسقاط الدولة وهو ما تكرر في كل الأزمات التي شابت العلاقة بين المجلس والشعب فيما بعد أو ما أطلق عليها «الوقيعة بين القوات المسلحة والشعب».

إذ توالت الإحالات للمجهول، كالحديث عن اعتداءات قد يتعرض إليها شباب الثورة في ميدان التحرير (رسالة 35 – 12 أبريل الماضي)، أو محاولات إثارة الفتنة بين الشعب وقواته المسلحة (رسالة 42 – 27 أبريل) أو «أعداء هذا الوطن الذين يسخرون كل إمكانياتهم في سبيل تحقيق أمانيهم بانهياره» (رسالة 44 – 1 مايو الماضي)، وكذلك «الدور المشبوه لأعداء البلاد بالداخل والخارج، والتي تعرضت فيها مصر لمؤامرات مدروسة من الداخل والخارج» (رسالة 51 – 13 مايو الماضي)، وهو ما تكرر عند الحديث عن «عناصر هدامة قد تقدم على أي تصرفات من شأنها الإضرار بصورة مصر وشباب الثورة أمام العالم تحقيقًا لأهداف عناصر داخلية تحاول إجهاض الثورة، وعناصر خارجية تستهدف الأمن القومي المصري» (رسالة 74 – 7 سبتمبر)، و«استمرار المخطط الهادف إلى إفشال وإسقاط الدولة»، بتصعيد الاعتصامات والاحتجاجات واستهداف المرافق الحيوية للدولة» (رسالة 92 – 21 ديسمبر).
كما مثلت الإحالة للأطراف الخفية جزءًا رئيسيًا ليس فقط من خطاب المجلس إبان الأزمات التي واجه فيها اتهامات بالاعتداء على مدنيين، وإنما جاءت كإطار تفسيري أيضًا عند الحديث عن حالات الانفلات الأمني والاعتداء على الممتلكات العامة، إذ ظهر هذا الطرف الخفي في تصريحات المشير عن «انفجار خط الغاز» بالعريش، متسائلاً: «مين اللي بيعمل كده ولصالح مين؟»، متعهدًا بالضرب بيد من حديد على أيدي هؤلاء «الخونة» (تصريحات المشير طنطاوي في 2 أكتوبر الماضي)، وهو الخطاب الذي يمثل ارتباكًا للمتلقي الذي يستشعر خطرًا بالغًا عندما يجد أكبر الأجهزة في الدولة تحيل أحداثا أمنية ضخمة تهدد حياته ومصالحه إلى أطراف مجهولة، لا يأتي تجهيلها لعدم رغبتها في الإفصاح عنها، وإنما لعدم معرفتها بها من الأساس.

هذا بخلاف الإحالات المتكررة إلى لجان تقصي حقائق لا يعلن عن نتائجها أو ما توصلت إليه، بما يزيد الأفراد حيرة وقلقا، ويجعلهم أكثر عرضة لتقبل الشائعات.

ولعل تكرار إحالة الأزمات إلى «مؤامرات» يحيكها «أعداء في الداخل والخارج» تثير 3 نقاط رئيسية،
النقطة الأولى : الأولى: في ظل تلك التفسيرات التي تعمد إلى مفهوم «المؤامرة» كإطار تفسيري، تبدو إشكالية الاستدلال على وجود تلك المؤامرة بالفعل. فتحليل مسارات البرهنة كإحدى أدوات تحليل الخطاب، يقوم على رصد الحجج التي ساقها النص للتدليل على الاستخلاصات أو الأحكام أو التقييمات التي تضمنها، بيد أن أيا من النصوص التي قدمها المجلس في خطابه الإعلامي لم تتضمن حججًا تبرهن صحة ذلك الاستخلاص، فالفاعل مجهول، والرابط بين الأحداث المتفرقة التي جمعها في إطار واحد مفقود، ما يجعل السياق ذا لهجة انطباعية أكثر من كونه خطابًا منطقيًا ومبرهنًا عليه.

النقطة الثانية : هي تضمين اتهامات غامضة، غير واضحة المعنى في إطار هذه «الموآمرات المدروسة» دون تحديد لماهيتها، مثل «محاولات الوقيعة بين الجيش والشعب»، ووضعها على نفس درجة جرائم خطيرة مثل قطع الطرق واقتحام الأقسام وإثارة الفتنة الطائفية، والتلويح بتطبيق أقصى العقوبات على مرتكبيها (رسالة 51 – 13 مايو).
فـ«الوقيعة»، مفهوم مطاط يمتد من توجيه الانتقاد إلى ارتكاب أبشع الجرائم، فقد أشار خطاب المجلس إلى تلك «الوقيعة» باعتبارها «لغة التشكيك في المصداقية والتحريض والإساءة الواضحة والتي لا تتناسب مع قيم وعراقة هذه الدولة ومؤسستها العسكرية» (رسالة 55 – 18 مايو الماضي)، أو عند الحديث عن قيام عناصر مدسوسة بالتعدي على أفراد القوات المسلحة بالحجارة والزجاجات (رسالة 24 – 26 فبراير الماضي)، أو ما تم تروج له «العديد من المواقع الإلكترونية التي يديرها مجموعة من العملاء والحاقدين» (رسالة 70 – 23 يوليو الماضي)، أو «بعض العناصر الخارجية المشبوهة من مدعي البطولة والوطنية» تقوم بـ«الإدلاء بمجموعة من التصريحات الكاذبة والمختلقة من وهم هذا الخيال المريض بالتحريض على بعض قيادات المجلس الأعلى بغرض إحداث الوقيعة بين الجيش والشعب» و«توجيه أتباعها من الخارجين على القانون وتنظيم تحركاتهم في كل التظاهرات الحرة للثورة بغرض الاندساس بين المتظاهرين للتحرش واستفزاز رجال القوات المسلحة والشرطة بغرض حدوث انفلات أمني»، كل ذلك بهدف «ضرب استقرار المؤسسة العسكرية باعتبارها الركيزة الأساسية في حفظ أمن وسلامة مصر» (رسالة رقم 56 – 22 مايو).

وامتدت تهمة «الوقيعة»، إلى مجرد توجيه الانتقادات للمجلس، ووصفها بـ«محاولات التشوية والتخويف والتخوين»، بل واتهام مصدرها بالتآمر لإسقاط الدولة، في تأكيد على إن «الانتقادات الموجهة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة إنما تستهدف إضعاف مهامنا وعزائمنا وتحاول النيل من رصيد الثقة الكبير بين الشعب وقواته المسلحة عبر تاريخ طويل، بل وتستهدف إسقاط الدولة المصرية، وهو ما ظهر بوضوح من قبل بعض القوي التي تعمل في الخفاء لإثارة الفتن وإحداث الوقيعة أم بين الشعب والقوات المسلحة أو بين فصيل وآخر من المصريين» (خطاب المشير، 22 نوفمبر الماضي).

وبالتالي، فإن كل وقيعة، وهي لفظ مطاط غير محدد يبدأ من الانتقاد حتى استخدام أقصى درجات ال***، وكل فعل ضد «الاستقرار» هو «مؤامرة مدروسة» سيتم توقيع أقصى العقوبة على فاعليها من «الفئة الضالة»، مع مطالبة «أبناء الوطن العظيم» بـ«التحلي بالوعي والفهم والمسؤولية تجاه المخاطر»، أي أنها الصفات التي تفتقدها تلك «الفئة الضالة»، وهو ما يفسر وصف المشير لـ«بعض المواطنين» بأنهم ليسوا خونة وإنما «مش فاهمين» (خطاب المشير، 29 يناير الماضي).

النقطة الثالثة : هي خطورة الإحالة المتكررة إلى «المؤامرة» كإطار تفسيري لكل الأزمات باختلاف ظروفها وسياقاتها، فيما يعد نوع من القولبة أو التنميط، بإطلاق لفظ «المؤامرات المدروسة» وتعميمه على مجموعة من الأفعال غير المتجانسة، بعض منها مفهوم المعنى مثل إثارة الطائفية، والبعض غير مفهوم وغير محدد مثل الوقيعة بين الجيش والشعب، مع توحد الفاعل من حيث الصفة والدور بكونه «فئة ضالة تعبث بأمن واستقرار مصر» (رسالة 51 – 13 مايو الماضي)، فيما تكون هويته غامضة وغير محددة.
ومكمن التأثير في تنميط كل فعل ضد «الاستقرار»، ترتكبه «الفئة الضالة» على إنه «مؤامرة مدروسة»، في كونه يوفر مرجعية سهلة لتصنيف الأحداث وتفسيرها تريح الأفراد من حالة الارتباك التي تصيبهم في فترات الأزمات ولا يستطيعون احتمالها في ظل تهديدها لحتميات وضرورات حياتهم، فيجد المتلقي أمامه قالبًا سهلاً يريحه من تلك الحالة ويجد فيه إطارًا لفهم تلك البيئة المرتبكة والمتداخلة، من خلال كلمة واحدة تختزل جميع التقييمات والأحكام، وتفسر له ما يحدث، وتوصله إلى حالة من «الفهم» يبني من خلالها تصوراته ويتخذ قراراته، باعتبار جميع تلك الأفعال «مؤامرات مدروسة» ترتكبها «فئة ضالة»، «لن يتوانى العسكري عن استخدام جميع إمكانياته وقدراته في مواجهتها حتى يتم القضاء نهائيا على هذه الظاهرة وفي أسرع وقت»، بما يريحه أيضًا من التفكير في كيفية التخلص من تهديدها لحياته، إذ سيتولى المجلس هذا الأمر، ما يعني بالتالي قولبة كل فعل أو حكم يتخذه بأنه «مواجهة لهذه المؤامرات».

كما تحمل تلك القولبة قدرًا من التعميم المتكرر لطيف واسع من الأفعال التي تمتد من مجرد توجيه النقد حتى ارتكاب أبشع الجرائم، دون إتاحة مساحة للتمييز والتفنيد، لاسيما في ظل استخدام توصيفات مطاطة لما يندرج تحتها من أفعال.

ثانيًا ـ التعهد بكفالة حق الاعتصام السلمي للجميع:

يعتبر التأكيد على حق الاعتصام السلمي أحد المقولات الرئيسية التي قدمها الخطاب الإعلامي للمجلس الأعلى للقوات المسلحة باعتباره «حق مكفول لأبناء هذا الشعب العظيم الذي أعاد كتابة تاريخ مصر الحديثة من خلال ثورته السلمية التي أبهرت العالم أجمع» (رسالة 58 – 26 مايو الماضي)، و«أحد الركائز الأساسية التي أقرها المجلس الأعلى منذ بداية الثورة وإنه لم ولن يحيد عنها» (رسالة 68 – 16 يوليو الماضي).
بيد إن إقرار حق التظاهر لم يأت مطلقًا وإنما جاء مشروطًا بـ«ألا يتسبب هذا التظاهر في إحداث أي أضرار بالممتلكات العامة للدولة أو الممتلكات الخاصة لأفراد الشعب» أو «إيقاف عجلة الإنتاج» (رسالة 68 – 16 يوليو الماضي)، الأمر الذي بات مخرجًا لتبرير الاعتداءات التي تم وضعها في إطار ردع المعتدين على الأمن والممتلكات والمنشآت العامة، الذين هم بدورهم جزء من مؤامرة تسعى لإسقاط الدولة.

والصحيح إن تبرير المجلس للاعتداء على المظاهرات لم يقفز مباشرة إلى الاتهام بالتآمر، وإنما جاء متدرجًا من الاعتذار حتى الاتهام بالتآمر والاشتراك في مخطط لإسقاط الدولة، باستخدام قالب «الموآمرات المدروسة» السابق الإشارة إليه.

ففي أول اعتداء للشرطة العسكرية على المتظاهرين يوم 25 فبراير أو ما وصفه المجلس بـ«الاحتكاكات غير المقصودة»، تقدم الأخير باعتذار واضح لـ«أبناء الثورة» تحت عنوان «اعتذار ورصيدنا لديكم يسمح» مؤكدًا إنه لم ولن يصدر أوامر بالتعدي على أبناء هذا الشعب العظيم» (رسالة 22 – 26 فبراير).

وعقب هذا الاعتذار، اتجه المجلس إلى نفي أي اتهام له باستخدام ال***، ومتهمًا مصدر تلك الاتهامات بالكذب وترويج الشائعات، فعند توجيه الاتهامات لبعض الضباط بتوقيع «كشوف العذرية» على المتظاهرات، رد المجلس بإحالته هذا الموضوع للتحقيق مطالبًا الشعب المصري وشباب الثورة بعدم الانسياق أو الالتفات إلى الشائعات المغرضة أو الاتهامات والافتراءات ومحاولة تشويه السمعة لكثير من الشرفاء والتي لا تخدم سوى أعداء الثورة وتعمل على إثارة البلبلة والفتنة في هذه اللحظات التاريخية (رسالة 29 ـ 28 مارس الماضي).

كما أنكر المجلس أية اتهامات باستخدام ال*** منبهًا إلى إدراكه الخطورة البالغة إذا فعل ذلك، ومتهمًا أصحاب تلك الاتهامات «بتعمد ترديد الأكاذيب» مشددًا على تعهده بأنه «لم ولن يتم استخدام ال*** ضد أيا من شباب الثورة أو أبناء هذا الشعب العظيم، لأنه لو حدث مثل هذا الأمر من أي قوات مسلحة فإن النتائج لا يعلم عواقبها إلا الله سبحانه وتعالى وهو ما أكدناه ونؤكده إننا من هذا الشعب ونحن درعه الواقي والحامي له من الأخطار الداخلية والخارجية» (رسالة 55 – 18 مايو الماضي).

وفي حالات ثبوت الاعتداء أو على الأقل التقصير في حماية المتظاهرين بما يخل بتعهدات المجلس بحمايتهم منذ بياناته الأولى، يتجه خطاب «العسكري» الإعلامي إلى الترنح والتضارب، بالبدء في توجيه الاتهامات بالتآمر ثم العدول والإعلان عن الاستجابة لمطالب المتظاهرين، وهو ما ظهر بوضوح في أحداث مسرح البالون في يونيو 2011، حيث بادر المجلس إلى وصف الأحداث بأنها «خطة مدروسة ومنظمة يتم فيها استغلال دم الشهداء»، وتهدف إلى «الوقيعة بين الثوار والمؤسسة الأمنية» (رسالة 65 – 29 يونيو الماضي).

ثم ما لبث أن تراجع المجلس بالإعلان عن الاستجابة للمطالب المتعلقة بحقوق أهالي الشهداء بإعلان «صندوق الرعاية الصحية والاجتماعية لشهداء ثورة 25 يناير وأسرهم» (رسالة 66 – 30 يونيو الماضي)، وهو ما يكشف عن عدم الاتساق بين المبادرة بالاتهام بالتآمر واستغلال دماء الشهداء، ثم الاستجابة لمطالب المتآمرين عقب يوم واحد فقط. فالمنطقي عند اتهام المتظاهرين باستغلال دماء الشهداء لتحقيق «خطط مدروسة» أن يكون النص التالي هو الإعلان عن ذلك المخطط أو خطوات إجهاضه أو غيرها من الأمور التي تأتي اتساقًا مع الحكم المقدم في النص السابق، إلا إنه بالعكس تظهر استجابة لما طالب به أصحاب هذه المخططات، ما يعني ـ حال تفسير النص في سياق التحليل النصي المجرد ـ انصياع المجلس لتلك المخططات التي سبق أن حذر منها وطالب شباب الثورة بالتعاون لإجهاضها، أو خطأ اتهامه للمتظاهرين بالتآمر، وهو ما لم يقدم أي تفسير أو اعتذار بشأنه.
وفي أحداث ماسبيرو، التي شهدت تسجيلات مصورة لدهس المدرعات للمتظاهرين المحتجين أمام مبنى اتحاد الإذاعة والتليفزيون، عقد المجلس مؤتمرًا صحفيًا أعرب فيه عن «أسف المجلس عن الأحداث التي راح ضحيتها عدد من شباب مصر، وأصيب آخرون»، دون أدنى إشارة لأي مسؤولية تتحملها قواته في سقوط هؤلاء الضحايا من الشهداء والمصابين.

ثم ما لبث أن قفز إلى قالب «المؤامرات»، والحديث عن «الدخلاء» و«البلطجية»، مستدلاً بتكرار سيناريو الاشتباكات بين الوقائع المختلفة وإنه «لو بصينا على الأحداث من العباسية للسفارة للأحداث الأخيرة فى ماسبيرو نجد أن الأمور بتبدأ من مظاهرة ممكن تبقى سلمية ولكن فجأة بتنقلب هذه السلمية إلى *** يهز أركان الأمن فى الوطن ويؤدى إلى نتائج قد تكون غير محمودة» (اللواء محمود حجازي، عضو المجلس العسكري، مؤتمر صحفي، 12 أكتوبر الماضي)، ثم التحذير من «عناصر هدامة قد تقبل على أي تصرفات من شأنها الإضرار بصورة مصر أمام العالم تحقيقا لأهداف داخلية تحاول إجهاض الثورة، أو عناصر خارجية تستهدف النيل من أمن مصر القومي»، (اللواء عادل عمارة، عضو المجلس العسكري، مؤتمر صحفي، 12 أكتوبر).

ومع تصاعد المواجهات في أحداث محمد محمود، تراجع «العسكري»، إلى موقع المراقب للمشهد الذي يتابع الأطراف المتناحرة دون أن ينخرط في الصراع، إذ عبر عن «الأسف الشديد» حيال الأحداث، مع تكليف مجلس الوزراء بالوقوف على الأسباب وإنهائها ومنع تكرار ذلك مستقبلا من خلال حوار إيجابي مع كافة القوى والتيارات السياسية والشباب على أن ينتهي ذلك في أسرع وقت ممكن (رسالة 81 – 20 نوفمبر الماضي)، ونفي استخدامه «السلاح أيا كان نوعه ضد أبناء هذا الوطن الغالي حفاظا على الدم المصري الطاهر» (رسالة 83 – 23 نوفمبر الماضي).

وفي النهاية لجأ إلى «الاعتذار الشديد لسقوط الشهداء من أبناء مصر المخلصين»، متعهدًا بالتحقيق السريع والحاسم لمحاكمة كل من تسبب في هذه الأحداث، وبذل كل تلك الجهود من أجل منع تكرارها (رسالة 84 – 24 نوفمبر الماضي).

بيد إنه في أحداث مجلس الوزراء، التي تم فيها توجيه اتهامات بالغة للشرطة العسكرية وفق تسجيلات مصورة، اتجه المجلس إلى الهجوم المباشر على المتظاهرين واتهامهم بالاستفزاز المتعمد، مصدرًا الرسالة رقم 90 يوم 17 ديسمبر الماضي، التي أرفق بها شريط فيديو يتضمن اعتداءات على المباني الحكومية، وجاء فيها تبرير الاعتداء على المتظاهرين بحماية «ممتلكات الشعب المصري العظيم والتي أقسمنا على حمايتها»، معتبرًا الفيديو يجسد «صورة المخطط الذي يتم تنفيذه ضد مصر».

ثم أخذ «العسكري» في نسبة الأفعال الإيجابية لقوات الجيش من حيث كونها تحمي وتدافع وتتبع أعلى درجات ضبط النفس مقابل أفعال استفزازية من متظاهرين يسيئون استخدام الديمقراطية، مع وصف المواقف التي تشهد نوع من الاعتداءات بـ«الاحتكاكات»، بل حتى ضرب أحد المتظاهرين داخل مجلس الشعب، وهو ما مثل الفتيل الرئيسي للأحداث، تم سرده بشكل ينسب فعل دخول المجلس للشاب نفسه بالقول إنه «دخل مجلس الشعب»، بما يضعه في موقف الفاعل وليس المحتجز، وإحالة ضربه إلى مجهول باستخدام كلمة «أصيب» (اللواء عادل عمارة، مؤتمر صحفي، 19 ديسمبر الماضي).

وردًا على مشاهد سحل الفتيات في الشوارع، أصدر المجلس الرسالة أعرب فيها عن «أسفه الشديد» لما حدث من «تجاوزات»، معلنًا إنه تم اتخاذ كافة الإجراءات القانونية لمحاسبة المسؤولين عنها (رسالة 91 – 20 ديسمبر الماضي)، وهو ما لم يتضمن اعتذارًا واضحًا عن التجاوزات التي تم تصويرها ونشرها في وسائل الإعلام المصرية والعالمية، أو حتى الحديث عن هوية مرتكبيها أو الإجراءات التي تم اتخاذها ضدهم، ليتم إحالة الأحداث مرة أخرى إلى «عناصر البلطجة المندسة والمأجورة والتي تهدف في المقام الأول بخلاف التدمير والتخريب إلى الإساءة إلى الثوار وشباب مصر العظيم»، بل تم وصف جميع الاتهامات الموجهة للقوات المسلحة بـ«محاولة إظهارها بما لا يصح ولا يجوز باستخدام ال*** ضد المتظاهرين وهو ادعاء باطل لا تسانده الحقائق أو الأسانيد أو الأدلة» (اللواء عادل عمارة، مؤتمر صحفي، 19 ديسمبر).

وفي خضم هذه الأحداث المتباينة، وعند تحليل الخطاب الإعلامي للمجلس، فإن ما يهمنا هو البحث عن مدى اتساق الحجج التي ساقها النص للتدليل على الاستخلاص الذي قدمه للمتلقي وهو تبرير الاعتداء على المتظاهرين. فالواضح إن قدرًا من التعتيم تم اتباعه عند الحديث على التجاوزات التي ارتكبتها الشرطة العسكرية، وتحميل جانب كبير من الأحداث إما لمتظاهرين «يدعون السلمية ويستغلون ملفات الشهداء والمصابين» أو لعناصر تخريبية مجهولة، وهو ما يخلق في مجمله صورة مشوهة، لا تسهم من الناحية السياسية والأمنية في معالجة هذه الأخطاء وترسيخ مبدأ سيادة القانون، كما لا تسهم من الناحية الإعلامية في خلق خطاب يحظى بالاتساق ويقدم للأفراد استخلاصات وأحكام تتوافق مع الصور التي يرونها من قلب الحدث نفسه.

فالانفتاح الإعلامي الذي منح كل فرد القدرة على التصوير باستخدام كاميرا هاتفه المحمول، لم يعد يجد معه أساليب التعتيم أو الإحالة لعناصر مجهولة، في خطاب إعلامي قوامه الإحالة لأفكار «الموآمرات» دون ترسيخ منهج شفاف يزيد الثقة في مصدر الخطاب ويعلي من أسهم مصداقيته.

ثالثًا ـ عدم محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري:
تعهد المجلس الأعلى للقوات المسلحة في بيانه الثاني يوم 10 فبراير 2011 بعدم الملاحقة الأمنية للشرفاء الذين رفضوا الفساد وطالبوا بالإصلاح، بيد إن الأيام التي تلت الثورة شهدت عرض بعض المشاركين في التظاهرات على المحاكم العسكرية وإصدار أحكام عسكرية ضدهم، الأمر الذي أثار انتقادات سياسية وشعبية.

وفي البداية، لم يتجاوز خطاب المجلس الإعلامي في هذا الشأن سوى الإعلان عن إعادة الإجراءات القانونية لمحاكمة الصادر ضدهم أحكامًا في هذا الشأن، وهو ما تم إرجاعه إلى التماسات أمهاتهم وآبائهم (رسائل 29، و 36، و 40) أو من منطلق إن «القوات المسلحة لم ولن تكن ضد الشباب الحر»، مبررًا اللجوء لتلك الإجراءات بمواجهة «أعمال البلطجة التي تروع الشعب الآمن» (رسالة 30 – 28 مارس الماضي)، أو إنها «اتخذت في ملابسات غير واضحة» (رسالة 45 – 3 مايو الماضي)، إذ تم القبض عليهم في فترة «لم يكن هناك شرطة ولا قضاء ولا محاكم والبلد سايبة، فكان اللى بيتم القبض عليه يحاكم أمام القضاء العسكري» (اللواء مختار الملا، مؤتمر صحفي، 24 نوفمبر).

ورغم تعهد المجلس بمراجعة مواقف كافة الشباب الذين تمت محاكمتهم (رسالة 36 – 14 أبريل الماضي)، ثم اتخاذه قرار بإعادة الإجراءات القانونية الخاصة بمحاكمة جميع شباب الثورة، خاصة المعتقلين في أحداث مارس وأبريل 2011، والإفراج فورا عن «كافة الشرفاء من أبناء هذه الثورة» (رسالة 50 – 13 مايو لاماضي).

إلا إن خطاب المجلس لجأ إلى استخدام الألفاظ غير المحددة مرة أخرى إبان اقتصار مجال المحاكمات العسكرية على: أعمال البلطجة المصحوبة باستخدام الأسلحة النارية أو الأسلحة البيضاء التي تؤدي إلى ترويع المواطنين، جرائم ال******، جرائم التعدي العمد على رجال الأمن أثناء تأدية مهام وظيفتهم (رسالة 68 – 16 يوليو الماضي)، إذ يظل التعدي على رجال الأمن أمر مطاط غير محدد يسمح بالعديد من التجاوزات، إذ لم يوضح حجم هذا التعدي وسياقه وماهيته وما إذا كان في إطار الدفاع عن النفس، ما يدخل خطاب المجلس مرة أخرى في نطاق التعميم وعدم التدقيق، والمساواة بين مدى واسع من التعبيرات، بما يسهم - من الناحية الإعلامية- في خلق لبس واضح في فهم النص ووضوحه.

وبخلاف هذا التعريفات المطاطة، تتعارض الحالات الثلاث المذكورة آنفًا، مع ما تم إعلانه من إحالة صحفيين إلى محاكم عسكرية وفق المادة رقم 85 من قانون العقوبات والتي تلزم الحصول على إذن كتابي من القيادة العامة للقوات المسلحة إبان الكتابة عنها، ومخالفة ذلك تعد جريمة توجب الإحالة للنيابة العسكرية (اللواء ممدوح شاهين، مؤتمر صحفي، 12 يوليو)، وهو ما يكشف عن الأثر السلبي لعدم التحديد الدقيق وفق عبارات واضحة لأسباب الإحالة لمحاكم عسكرية، وما يخلقه ذلك من اضطراب وعدم اتساق داخل الخطاب الإعلامي، بغض النظر عن جواز إحالة المدنيين من عدمه، وهو ما ليست الدراسة بصدده.

ورغم افتراض وضوح الهدف من الإحالة للمحاكم العسكرية، وخضوعها لأحكام القانون حفاظًا على المصالح العليا، إلا إن موقف المجلس بدأ يشهد تراجعًا ينافي تلك الصرامة، إذ اتجه للحديث عن «التسامح التام» الذي يتعامل به المجلس مع المتظاهرين المتهمين أمام المحاكم العسكرية (رسالة 72 – 18 أغسطس)، ثم الإعلان عن قرارات الإفراج عن أعداد من الصادر ضدهم أحكام نهائية من القضاء العسكري (رسالة 77 – 2 نوفمبر)، وكذلك الإعلان عن إحالة التحقيق في أحداث ماسبيرو والتحرير من النيابة العسكرية للنيابة العامة المختصة (رسالة 82 – 22 نوفمبر).

وانتهى المجلس إلى تعهده بـ «الالتزام بعدم محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية إلا في إطار الجرائم المنصوص عليها في قانون القضاء العسكري» (رسالة 88 – 1 ديسمبر الماضي)، وهو القانون الذي لم يتضمن أي من رسائل المجلس وبياناته أية إشارة لماهيته، وهو ما يعود إلى إن القانون ذاته يمنح السلطات القضائية العسكرية وحدها حق تحديد ما يدخل في اختصاصاتها وفق المادة رقم 48، هذا بخلاف قدرة رئيس الدولة على إحالة قضايا المدنيين للمحاكم العسكرية في حالات الطوارئ، أي إن إحالة المتلقي للقانون - غير الموضح بالأساس - هو أمر لا يعني قصر حالات المحاكمة العسكرية على حالات بعينها، وإنما هو يبقي الحال على ما هو عليه بفعل ما يتضمنه القانون من اقتصار لتحديد الاختصاص على السلطات القضائية العسكرية ذاتها.

ولعل هذا التذبذب في الخطاب الإعلامي نفسه بين الحديث التباس الظروف، التي أدت للقبض على متظاهرين، ثم التأكيد على اقتصار المحاكمة العسكرية على البلطجية، ثم التراجع إلى إصدار قرارات عفو ضد المحكوم عليهم بأحكام نهائية، ثم التعلل بقانون القضاء العسكري، الذي هو في ذاته مجهول الاختصاصات.. كل ذلك يخلق نوع من البلبلة في فهم أسباب عرض المدنيين على محاكم عسكرية، ومعايير ذلك وضوابطه، وملابساته، ومدى اتساقه بتعهدات المجلس بكفالة حق التظاهر، وعدم ملاحقة المتظاهرين، بما يؤثر في النهاية على ثقة المتلقين في الخطاب الإعلامي ومصدره لعدم وضوح وشفافية المعايير التي يستند إليها منذ البداية وعلى مدار تطور الأحداث.

رابعًا ـ سرعة تطبيق العدالة في محاكمة النظام السابق:

في 2 أبريل 2011، وجه المجلس رسالة تعهد فيها بـ«سرعة الانتهاء من تطبيق العدالة على من ارتكب الجرائم ضد شعبنا العظيم أو تلوثت يده بالدماء الزكية للشهداء والمصابين» وتأكيد «مبدأ إن جميع المواطنين سواء أمام القانون ولا يوجد من هو فوق القانون أيا كان موقعه»، مع التعهد بملاحقة الفاسدين واستعادة ثروات البلاد من كل من استولى عليها بطرق غير مشروعة.

كما شدد على ذلك التعهد في رسالته رقم 34 يوم 9 أبريل الماضي، مشددًا على إنه سوف «يستمر بكل حسم وقوة وراء فلول النظام السابق والحزب الوطني».

وبعد مرور عام تقريبا، عقب المجلس على التظاهرات المطالبة بسرعة محاكمة الفاسدين و***ة الثوار بما أورده في رسالته رقم 4 يوم 6 فبراير 2012، التي تضمنت: «نؤكد دائما على احترامنا الكامل لاستقلالية القضاء ودوره الوطني في غرس قيم العدالة والقانون ونرجو من الجميع تفهم ذلك، مع إدراكنا أن العدالة الناجزة أمر يتطلع إليه الجميع».

خامسًا ـ مطالبة المواطنين بالمشاركة في حماية الأمن:

استخدم خطاب المجلس الهاجس الأمني لدى الحديث عن المخاطر التي أعقبت الثورة، أو حين المطالبة بالتوقف التظاهرات التي تتيح مجالاً للبلطجية والخارجين عن القانون.
ويبدو الحديث عن ذلك أمرًا طبيعيًا ومنطقيًا في ظل حالة الانفلات الأمني التي شهدتها البلاد، ورغبة القائد الأعلى في منح دفعة معنوية لرجال الشرطة وكوادرها، بيد إن فكرة رئيسية أخرى ظلت حاضرة بقوة في خطاب المجلس الأعلى لاسيما في النصف الثاني من العام، وهي التأكيد على ضرورة مشاركة المواطنين في حماية الأمن.

ولم يقتصر ذلك على مطالبة الشعب بالتضامن مع جهاز الشرطة لمساعدته على العودة مرة أخرى والعمل بكفاءة فحسب (رسالة 33 – 4 أبريل الماضي)، وإنما امتدت إلى الحديث عن ضرورة نزول المواطنين «الشرفاء» الشارع وإلقاء القبض على الخارجين عن القانون وتسليمهم للجهات المسؤولة وحماية منشآت الدولة واعتقال البلطجية، وغيرها من المسؤوليات التي لا تكمن خطورة مطالبة المواطنين العاديين بتحملها في إنها مسؤولية الأجهزة الأمنية فحسب، وإنما لكون ذلك يمنح الفرد سلطة الاعتقال والاستجواب والمطاردة بما يرسخ لمبدأ فوضوي يتعارض مع تعهدات المجلس بحماية الأمن وسيادة القانون.

ففي أعقاب أحداث شارع محمد محمود، وجه المجلس الرسالة رقم 85 يوم 24 نوفمبر، التي طالب فيها «المواطنين الشرفاء المعاونة في الفصل بين أبناء الشعب المصري الواحد من المتظاهرين وقوات الأمن من وزارة الداخلية ومشاركة قوات الجيش في تنفيذ مهام التأمين للمواطنين والمنشآت الحيوية وإتاحة الفرصة لإخلاء المصابين إلى المستشفيات للحد من تداعيات وتطورات الموقف»، مع «متابعة كل الموجودين بأماكن التظاهر والقبض الفوري على من يشتبه به دون إيذاءه وتسليمه لجهة الاختصاص».

وقد سبق تلك الأحداث تحميل المتظاهرين مسؤولية حماية تظاهراتهم واقتصار دور القوات المسلحة على تأمين المنشآت الهامة والحيوية (رسالة 58 – 26 مايو)، (رسالة 74 – 7 سبتمبر)، ثم امتد الأمر إلى تحميلهم مسؤولية التنظيم والتأمين وكذلك الحفاظ على كافة المنشآت الخاصة والممتلكات العامة للدولة (75 – 29 سبتمبر)، وهو الانسحاب الذي تم تعليله بدرء محاولات العناصر المشبوهة للوقيعة بين الجيش والشعب واعتمادًا على شباب الثورة.

وفي تحول لافت بالخطاب الإعلامي للمجلس، تم استخدام هذا التوجيه في دفع الناس للتصدي للمتظاهرين المحتجين على سياسات المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وحفز الناس على مواجهتهم، إذ وجه المجلس تحية إلى «الشرفاء من الشعب المصري العظيم والذين أقاموا درعًا بشريًا بين المتظاهرين والقوات المسلحة، ما يؤكد على عبقرية هذا الشعب وحسه الوطني الذي أبهر العالم بثورته البيضاء» (رسالة 70 – 23 يوليو)، وذلك عقب أحداث العباسية التي اشتبك فيها الأهالي مع المتظاهرين القادمين من التحرير إلى مقر وزارة الدفاع ما أسفر عن إصابة 308 جريحًا، في تقسيم للشارع بين ناس شرفاء تمنع الفتنة، ومتظاهرين، وأطراف ثالثة عبارة عن محرضين يحيكون المؤامرات.

وبلغت تلك التصريحات ذروتها في تصريحات المشير طنطاوي، يوم 29 يناير 2012 إبان استقباله للاعبي النادي الأهلي عقب «م***ة بورسعيد» حيث تضمنت: «الشعب ساكت له .. كله لازم يشترك في حاجات زي دي.. الشعب ما يقعدش.. هو مين اللي عمل كده .. أفراد من الشعب المصري.. الشعب المصري ساكت عليهم ليه.. كله يشترك».

وتكمن خطورة توجيه خطابًا إعلاميًا يحمل تلك المفاهيم في فترة زمنية تعاني من اضطراب أمني غير مسبوق، كونها تحمل المواطن مسؤولية أمنه، في ظل دولة لها أجهزتها الأمنية المعنية بحفظ الاستقرار، وأجهزتها القضائية المعنية بالتحقيق والمحاكمة، ما يؤسس لمفهوم فوضوي يمنح الفرد الحق في ملاحقة الآخرين، تحت مبدأ المشاركة، دون تقنين تلك المشاركة وتوضيح مفهومها وحدودها.

ويعزز الخطاب الإعلامي للمجلس شعور الفرد بتحمله مسؤولية أمنه ليس فقط بمطالبته بالمشاركة في أعمال منوطة بالأجهزة الأمنية، وإنما ببث بعض الرسائل التي تعطي انطباعات سلبية عن قدرة المجلس كحاكم للبلاد في الوفاء بتعهد بحفظ الأمن

فقد تضمنت الرسالة رقم 57 – 25 مايو ، إصدار رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة أمرًا باتخاذ الإجراءات اللازمة لإعادة 3 ضباط اختفوا في العريش، إثر نشر أحد القنوات التلفزيونية للواقعة، دون أن تتضمن الرسالة أدنى توضيح لما إذا كانت القيادة على معرفة مسبقة بالحادث أو إن عمليات البحث جارية بالفعل أو غيرها من الأمور التي تعكس عدم استقاء أهم جهاز أمني في الدولة لمعلوماته عن أفراده من وسائل الإعلام، بما أعطى انطباعًا سيئًا عن قدرة المؤسسة على حماية أمن أفرادها أو على الأقل معرفتها بما يتعرضون له من مشكلات وحصولها على تلك المعلومات من وسائل الإعلام. وإذا كنا هنا لسنا بصدد تقييم الأداء الأمني، إلا إنه من الناحية الإعلامية، ينبغي مراعاة أعلى درجات الحساسية إزاء الانطباعات التي يولدها اختيار الألفاظ وترتيب الحجج والأسانيد وغيرها من عناصر بناء النص، والتي تزداد أهميتها في الموضوعات ذات الحساسية كالحفاظ على الأمن.

سادسًا ـ المجلس لا يسعى لإطالة الفترة الانتقالية:
تعهد المجلس في بيانه الثاني الصادر يوم 10 فبراير بـ«رعاية مطالب الشعب المشروعة والسعي لتحقيقها من خلال متابعة تنفيذ هذه الإجراءات في التوقيتات المحددة بكل دقة وحزم»، ما كان يعني وضع جدول زمني للفترة الانتقالية وعدم تجاوزه.

وعقب الإعلان عن نتائج الاستفتاء الدستوري يوم 19 مارس، أخذ المجلس يؤكد على انعقاد الانتخابات البرلمانية والرئاسية خلال عام 2011، بل وحرص المجلس على نفي أية أنباء عن تأجيل انتخابات الرئاسة لعام 2012 ، في تأكيد على سعي «القوات المسلحة لإنهاء مهمتها في أسرع وقت ممكن وتسليم السلطة الدولة إلى السلطة المدنية التي سيتم انتخابها بواسطة هذا الشعب العظيم» (رسالة 28 - 27 مارس).

وهو ما تأكد في مؤتمر إعلان «الإعلان الدستوري» يوم 30 مارس، حينما أوضح اللواء ممدوح شاهين، عضو المجلس العسكري، أن انتخابات مجلس الشعب ستكون في سبتمبر 2011 فيما تعقد انتخابات الرئاسة في أكتوبر أو نوفمبر 2011.

بيد إن هذه التوقيتات شهدت تعديلات تالية، لتأخير انعقاد الانتخابات بما يطيل الفترة الانتقالية، وهي الإطالة التي تأكدت بإعلان المجلس عن خطته للمرحلة الانتقالية بعقد انتخابات مجلسي الشعب والشورى ثم كتابة الدستور ثم انتخابات الرئاسة، وهو ما تأكد في بيانه بيوم يوم 14 يوليو الذي حدد فيه خطته لإدارة شئون البلاد خلال الفترة الانتقالية من خلال إجراءات انتخابات مجلسي الشعب والشورى ثم إعداد دستور جديد للبلاد وانتخاب رئيس للجمهورية وتسليم البلاد للسلطة المدنية الشرعية المنتخبة من الشعب.

وقد مثل محتوى هذا البيان عدم اتساق واضح مع ديباجته التي تضمنت إشارة إلى شرعية استفتاء 19 مارس، والذي بدوره تحدث عن تراتبية إجراء انتخابات البرلمان ثم الرئاسة ثم كتابة الدستور، بما يطيل الفترة الانتقالية لشهور لحين الاستقرار على صيغة توافقية للدستور.

ثم ظل المجلس يصر على هذا الترتيب الذي سماه «خارطة طريق»، مدعيًا استمدادها من الاستفتاء على التعديلات الدستورية الذي يتعارض تمامًا معها، ليحدد أهداف المجلس/القوات المسلحة في «أن تقيم انتخابات مجلس شعب شفاف ونزيهة قد تكون لأول مرة فى تاريخ مصر، أن تنفذ دستور يعكس رغبات شعب ويليق بمصر أن تأتى برئيس جمهورية ينتخبه الشعب» (اللواء محمود حجازي، مؤتمر صحفي حول أحداث ماسبيرو، 12 أكتوبر).

وعلى الرغم من تلك المخالفة للترتيب الذي أقره الاستفتاء، والذي لا يتعارض بأي حال من الأحوال مع الإعلان الدستوري - رغم تضمنه بنودًا غير متوافقة على التعديلات المستفتى عليها - إلا إن الخطاب الإعلامي للمجلس ظل يلح على إنه «لا يسعى لإطالة الفترة الانتقالية وإنه لن يسمح لأي جهة بعرقلة عملية التحول الديمقراطي وبناء مؤسسات الدولة (رسالة 81 – 20 نوفمبر)، وإنه «لا عودة للماضي ولا هدف إلا للاستقرار والأمن وتحقيق أهداف الثورة مهما تكلف ذلك من تضحيات» (رسالة 48 – 8 مايو).

ولكن مع تزايد المطالبات بتسليم السلطة المدنيين، طرح المشير طنطاوي فكرة طرح تسليم السلطة في استفتاء شعبي (خطاب المشير، 22 نوفمبر)، وهو ما تم إيضاحه والتأكيد عليه من قبل أعضاء المجلس بالقول: «لما اجي اسيب السلطة مسبهاش على ضوء مجموعة من المنادين ببعض الشعارات التي ليس لها معنى، اذا سبت السلطة الآن هكون خاين للأمانة امام الشعب والتاريخ ويذكر التاريخ بعد ذلك أن المجلس الأعلى تخلى عن شعبه وأن المجلس الأعلى لم يحفظ الأمانة التي كلفه بها الشعب» (اللواء مختار الملا، مؤتمر صحفي، 24 نوفمبر).

وعقب انعقاد انتخابات مجلس الشعب، اعتبر المجلس انتخابات مجلس الشعب جزء من تنفيذ وعده «بنقل المسؤولية إلى سلطة مدنية منتخبة بطريقة نزيهة وشفافة» (رسالة 89 – 4 ديسمبر)، وظل مصرًا على «خارطة الطريق»، التي أعلن عنها، إلا إنه في ظل الضغوط الشعبية، اتجه إلى الإعلان عن فتح باب الترشح لانتخابات الرئاسة يوم 10 مارس، موضحًا إنه سوف يسلم سلطة الرئاسة إلى رئيس الجمهورية بعد إجراء الانتخابات لتنتهي المرحلة الانتقالية، و«يعود جيشكم الوافي الشجاع إلى مهمته الأصلية مدافعا عن الحدود وحاميا للثغور والأجواء» (رسالة 5 – 10 فبراير).

وبعيدًا عن التقييم السياسي، ومن منظور الخطاب الإعلامي، تتجلى مرة أخرى مخاطر التمسك بخطوات محددة والإدعاء بكونها من منطلق اختيار الشعب وإرادته، ثم العدول عنها بضغوط من الشارع، ليبدو الخطاب غير متسق، وغير مرتكز إلى حقائق ومعايير واضحة تجعله يكتسب مصداقية المتلقي وثقته.


آخر تعديل بواسطة aymaan noor ، 16-02-2012 الساعة 09:50 AM
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 16-02-2012, 03:17 PM
mr_moh555555 mr_moh555555 غير متواجد حالياً
عضو خبير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 609
معدل تقييم المستوى: 15
mr_moh555555 is on a distinguished road
افتراضي

__________________
السمك مهما كبر هيفضل صغير
و الحوت هيفضل حوت
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 17-02-2012, 03:43 AM
الصورة الرمزية راغب السيد رويه
راغب السيد رويه راغب السيد رويه غير متواجد حالياً
مشرف عام اللغة العربية
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 9,313
معدل تقييم المستوى: 24
راغب السيد رويه is a jewel in the rough
افتراضي

جزاك الله خيرا
__________________
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 04:32 PM.