جفاء الصديق لابن العميد

[عاطف خليفة]

جفاء الصديق ( لابن العميد )

* الأهداف :

بعد دراستك لهذا الدرس ينبغي أن تكون قادرا على أن :
· تتعرف شخصية ابن العميد .
· تتعرف أحد أعماله الفنية .
· تتعرف أسلوب ابن العميد .
· تتعرف كلمات جميلة .
· تستخدم الكلمات الجديدة .
· تحلل النص تحليلا أدبيا بلاغيا .
· تحب صديقك وتحاول عدم جفائه .
· تربط بين هذا النص ونص اختيار الصديق .
· تتعرف إحدى الرسائل الإخوانية في العصر العباسي الثاني .

* تمهيد:

الصداقة أمر جميل ، على الإنسان أن يحافظ عليها وعلى الصديق حتى تدوم المودة بين الصديقين وربما يحدث عكس ذلك من الجفاء والقطيعة، وهذا ما حدث مع أبي الفضل محمد بن الحسين والمعروف بابن العميد والذي كان وزيرا لركن الدولة ثم لعضد الدولة كما كان عالما بالعلوم الدينية والدنيوية، ويعتبر صاحب مدرسة في الكتابة العربية بعد مدرسة عبد الحميد الكاتب وابن المقفع والجاحظ والقاضي الفاضل ، فقد قيل بدئت الكتابة بعبد الحميد، وختمت بابن العميد . وتوفي عام 360 هـ.

* مناسبة الرسالة :

كان لابن العميد صديق يسمى ( عبد الله الطبري ) ثم وقعت بينهما جفوة وانقطاع، وبعد فترة أرسل عبد الله الطبري رسالة إلى ابن العميد إلا أنها وصلت بعد أن قرر ابن العميد قطع علاقته بصديقه لتأكده من سوء خلقه ورد عليه بالرسالة التالية.

* نص الرسالة :

النص:

" وصل كتابك فصادفني قريب العهد بانطلاق من عنت الفراق، ووافقني مستريح الأعضاء والجوانح من جوى الاشتياق.. فإن الدهر جرى على حكمه المألوف في تحويل الأحوال، وجرى على رسمه المعروف في تبديل الأشكال، وأعتقني من مخالتك عتقا لا تستحق به ولاءَ، وأبرأني من عهدتك براءة لا تستوجب دركا ولا استثناء، ونزع من عنقي ربقة الذل في إخائك بيدي جفائك، وتغلغل في مسالك أنفاسي فعـوض عن النزاع إليك نزوعا منك ، ومن الذهاب فيك رجوعا دونك. وكشف عن عيني ضبابات ما ألقاه الهوى على بصري ورفع عني غيابات ما سدله الشك دون نظري، حتى حدر النقاب على صفحات شيمك، وسفر عن وجوه خليقتك فلم أجد إلا منكرا ولم ألق إلا مستنكرا فوليت منهم فرارا وملئت منهم رعبا. فاذهب فقد ألقيت حبلك على غاربك ورددت إليك ذمم عهدك.

"

* الراحة بعد المقاطعة :

" وصل كتابك فصادفني قريب العهد بانطلاق من عنت الفراق، ووافقني مستريح الأعضاء والجوانح من جوى الاشتياق.. "

مفردات:

1- صادفني

:وجدني.

2- انطلاق

: تحرر .

3- عنت الفراق

: شدته.

4- الجوانح

: الضلوع جمع جانحة

5- جوى الاشتياق

: الحرقة وشدة الوجد.

شرح:

· يقول ابن العميد: لقد وصلني خطابك عندما كنت قد استرحت وتحررت من صداقتك كما كنت مستريحا من حرقة الاشتياق.

بلاغة:

انطلاق من عنت الفراق: استعارة مكنية حيث صور الاشتياق قيدا.
جوى الاشتياق: تشبيه بليغ حيث شبه الاشتياق بالجوى . ومن المحسنات البديعية السجع في

( الفراق - الاشتياق

). والجناس الناقص بين( جوانح وجوى ). والإطناب بالترادف في:
( صادفني قريب العهد بانطلاق.. ) ( ووافقني مستريح الأعضاء ) وقيمته تـأكيد المعنى.

* الدهر كشف عن حقيقتك

" فإن الدهر جرى على حكمه المألوف في تحويل الأحوال، وجرى على رسمه المعروف في تبديل الأشكال، وأعتقني من مخالتك عتقا لا تستحق به ولاءَ، وأبرأني من عهدتك براءة لا تستوجب دركا ولا استثناء، ونزع من عنقي ربقة الذل في إخائك بيدي جفائك، وتغلغل في مسالك أنفاسي فعـوض عن النزاع إليك نزوعا منك، ومن الذهاب فيك رجوعا دونك ."

مفردات:

1- رسمه

: طريقته.

2- مخالتك

: صداقتك .

3- أبرأني

: خلصني أو شفاني .

4-

ربقة : حبل والجمع ربق و رباق و أربق .

5- النزاع إليك

: الشوق إليك.

6-

نزوعا عنك: بعدا عنك.

7- الذهاب فيك

: الاختلاط بك .

8- رجوعا عنك

: بعدا عنك .

شرح :

ويوضح ابن العميد أن الدهر من شأنه تبديل الأمور والأشياء فعلى سنته غير أحوالنا وخلصني من صداقتك الزائفة وحررني تماما بقطع كل أواصر الحب والصداقة وأصبحت لا أتحمل مسئولية تلك الصداقة ولقد عوضني الدهر عن الشوق إليك الابتعاد عنك.

بلاغة:

الدهر جرى: استعارة مكنية فيها تشخيص . و أعتقني ، وأبرأني: ترشيح للاستعارة فالخيال ممتد. ربقة الذل: تشبيه بليغ. بيدي جفائك: استعارة مكنية فيها تشخيص.

المحسنات البديعية

ومن المحسنات البديعية : ( الأحوال، الأشكال - ولاء، استثناء - إخائك، جفائك ) سجع يعطي جرسا موسيقيا.
وبين ( النزاع إليك، نزوعا منك ) مقابلة تبرز المعنى وتوضحه بالتضاد. وبين ( حكمه المألوف ورسمه المعروف) و( تحويل الأحوال ـ تبديل الأشكال) إطناب بالترادف.وكذلك ( أعتقني وأبرأني) وقيمته التوكيد.

* ظهر زيفك

"

وكشف عن عيني ضبابات ما ألقاه الهوى على بصري ورفع عني غيابات ما سدله الشك دون نظري، حتى حدر النقاب على صفحات شيمك، وسفر عن وجوه خليقتك فلم أجد إلا منكرا ولم ألق إلا مستنكرا فوليت منهم فرارا وملئت منهم رعبا."

مفردات :

1- ضبابات :

الضباب الذي يظهر صباحا فيعوق الرؤية والمفرد ضبابة.

2- غيابات :

ظلمات ومفردها غيابة .

3- سدله :

أرسله

4- حدر

: أزال وكشف.

5- شيمك

: أخلاقك. والمفرد شيمة.

6- خليقتك

: طبائعك..والجمع خلائق .

7- منكرا :

معيبا.

8- مستنكرا

: مكروها أو مستقبحا .

9- وليت

: فررت وهربت

شرح:

لقد كشف الدهر حقيقة أمرك، وأزاح الحجاب عن عيني الذي كان الحب قد وضعه على بصري وإذا بك تظهر أمامي على حقيقتك وأخلاقك السيئة وما طبعت عليه من خداع وعيوب قبيحة كريهة، ففررت من صداقتك فزعا منك ومن أخلاقك.

بلاغة:

ضبابات: استعارة تصريحية توضح المعنى برسم صورة له . وكذلك غيابات. ( ما ألقاه الهوى على بصري ) استعارة مكنية فيها تشخيص. وكذلك:إلا منكرا: أسلوب قصر وسيلته النفي والاستثناء. وكذلك لم ألق إلا مستنكرا ) . (فوليت منهم فرارا وملئت منهم رعبا: تأثر بالقرآن الكريم. والإطناب بالترادف في ( كشف عن عيني ضبابات ، ورفع عني غيابات ) وكــذلك ( حدر النقاب ، سفر عن وجوه خليقتك) ، و ( لم أجد إلا منكرا ، ولم ألق إلا مستنكرا ) وهذا يفيد التوكيد .

* القطيعة الدائمة

"

فاذهب فقد ألقيت حبلك على غاربك ورددت إليك ذمم عهدك ."

مفردات :

1- غاربك: الغارب الكاهل أو أعلى الشيء والجمع غوارب وغوارب الماء أعالي موجه .

2-

ذمم: حقوق عهدك المراد عهد صداقتك.

شرح:

فابتعد عني واذهب حيث شئت غير مأسوف عليك، فقد انقطع ما بيننا من ودّ، وانتهى كل ما بيننا من عهود وحقوق الصداقة

بلاغة :

( ألقيت حبلك على غاربك )

: استعارة مكنية ، حيث شبه صديقه بالقارب الذي ترك له الحبل لتحركه الأمواج كما تشاء ، وتوحي بنهاية الصداقة والافتراق
( رددت إليك ذمم عهدك ) استعارة مكنية حيث شبه حقوق الصداقة بأشياء مادية ترد ، وفيها تجسيم .

* التعليق العام على الرسالة

النص من الرسائل الإخوانية.

وقد نجح الأديب في اختيار الألفاظ المناسبة لعاطفة الغضب والثورة الممتزجة بالسخرية والتحقير لصديقة، وكذلك جاءت الصور تكشف عن هذه العاطفة.
وفي ملامح شخصية ابن العميد، فيقال إنه ينتقي أصدقاءه ولا يقبل الصداقة الزائفة، وصاحب ثقافة واسعة.

* الخصائص الفنية لأسلوب ابن العميد ومدرسته :

· التأنق في التعبير والميل إلى الإطناب والإكثار من الجمل المترادفة والاهتمام باللفظ، مع الاهتمام بالمعنى والموازنة بين الجمل طولا وقصرا، والإكثار من المحسنات البديعية، والتأثر بالقرآن الكريم والشعر.