اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > حي على الفلاح

حي على الفلاح موضوعات وحوارات ومقالات إسلامية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 22-03-2011, 11:50 PM
الصورة الرمزية مستر/ عصام الجاويش
مستر/ عصام الجاويش مستر/ عصام الجاويش غير متواجد حالياً
مدرس اللغة الانجليزية للمرحلة الثانوية
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
العمر: 57
المشاركات: 5,854
معدل تقييم المستوى: 21
مستر/ عصام الجاويش is on a distinguished road
Icon114 معلومه هامه جدا


يقول بعض المعترضين على ان يقول الدستور المصرى ان دين الدوله الرسمى الاسلام ويتحدوا ان يكون هناك دستور فى دوله اوروبيه يتكلم نصف كلمه عن المسيحيه او الكنيسه وهم يرددون كلام منى الشاذلى التى عندما قالت هذا الكلام الغير صحيح تماما حاولت الاتصال على البرنامج لأبين لها انها تتكلم بلا علم كى اقول لها :
1
- ينص دستور دولة الدنمارك في القسم الرابع على: «أن الكنيسة الإنجيلية اللوثرية هي الكنيسة المعترف بها من قبل دولة الدنمارك، وعليه ستتولى الدولة دعمها».
2- كما ينص دستور دولة النرويج في المادة الثانية على: «أن الإنجيلية اللوثرية ستظل الدين الرسمي للدولة، ويلتزم السكان المعتنقون لها بتنشئة أولادهم بموجبها».
3- وفي أيسلندا، تنص المادة 62 من الدستور على: «أن الكنيسة الإنجيلية اللوثرية هي كنيسة الدولة، وبموجب هذا ستظل هذه الكنيسة مدعومة ومحمية من قبل الدولة».
4- وفي المملكة المتحدة - إنجلترا - أقر البرلمان مختلف النظم الأساسية التي تعد القانون الأعلى والمصدر النهائي للتشريع (أي الدستور القانوني).. وجاء فيه حول كنيسة إنجلترا: «إن كنيسة إنجلترا هي الكنيسة المعترف بها، وإن العاهل الإنجليزي - بحكم منصبه - هو الحاكم الأعلى لكنيسة إنجلترا، وهو مُتطلب مقرر في قانون التسوية لعام 1701م بأن ينضم كنسياً لمجتمع كنيسة إنجلترا. وكجزء من مراسم التتويج، يطالب العاهل بأن يؤدي القسم «بالحفاظ على التسوية المبرمة مع كنيسة إنجلترا، وأن يحفظها بدون خروقات، كما يحفظ العقيدة والشعائر والنظام الذي يتضمن الحكومة، وذلك بموجب القانون الذي تم إقراره في إنجلترا، «وذلك قبل التتويج بواسطة الأسقف الأعلى للكنيسة رئيس أساقفة كانتربري».
5- وفي أسكتلندا حيث الكنيسة المشيخية المعترف بها رسمياً: يؤدي العاهل الجديد القسم في مجلس اعتلاء العرش، ويقسم جميع رجال الدين في الكنيسة يمين الولاء للعاهل قبل توليه منصبه.
6- وفي اليونان الأرثوذكسية، ينص الدستور في المادة الثالثة - من القسم الثاني - على: «أن الديانة السائدة في اليونان هي ديانة كنيسة المسيح الأرثوذكسية الشرقية.. والكنيسة الأرثوذكسية اليونانية، والتي تقر بأنه على رأسها يسوع المسيح، تتحد في مذهبها مع كنيسة المسيح العظمى في القسطنطينية، كما تتحد مع كل كنيسة تتبع نفس المذهب بقدر ما يلتزمون بذلك، وكذلك الكرسي الرسولي والشرائع والتقاليد المجمعية المقدسة، وهي كنيسة مستقلة يديرها المجمع المقدس لخدمة الأساقفة، والمجمع المقدس الدائم المنبثقون عنها، والذي يجتمع على النحو المحدد في الميثاق القانوني للكنيسة، المتمثل للمرسوم البطريركي للبطريرك «تومي» الصادر في 29 يونيو سنة 1850م، والقانون الخاص بالمجلس الكنسي الصادر في سبتمبر سنة 1928م. 2- ولن يعتبر النظام الكنسي الموجود في مناطق معينة من اليونان مناقضاً للأحكام الواردة في الفقرة السابقة. 3- ويجب الحفاظ على نص الكتاب المقدس دون تحريف، وتحظر الترجمة الرسمية للنص لأي صيغة لغوية أخرى دون موافقة مسبقة من الكنيسة المستقلة لليونان، وكنيسة المسيح العظمى في القسطنطينية.
7- وفي الأرجنتين الكاثوليكية، ينص الدستور - في القسم الثاني - على: «أن الحكومة الاتحادية تدعم الديانة الرومانية الكاثوليكية».
8- وفي السلفادور الكاثوليكية، ينص الدستور - الصادر سنة 1983م، والمعدل سنة 2003م - في المادة (26) على: «أن الشخصية القضائية/القانونية للكنيسة الكاثوليكية موضع اعتراف، ويجوز للكنائس الأخرى الحصول على اعتراف بشخصيتهم بما يتوافق مع القانون».
9- وفي كوستاريكا الكاثوليكية، تنص المادة (75) من الدستور على: «أن الكاثوليكية الرومانية الرسولية هي دين الدولة، وهي تساهم في الحفاظ على الدولة، دون أن يمنع هذا من حرية ممارسة شعائر أي أديان أخرى في الجمهورية، طالما أن هذه الديانات لا تتعارض مع الأخلاق المتعارف عليها أو العادات الحميدة».
10- وفي إسبانيا الكاثوليكية، ينص الدستور في المادة (16) على: «أنه على السلطات العامة أن تأخذ في الاعتبار المعتقدات الدينية للمجتمع الإسباني، والحفاظ على علاقات التعاون المناسبة مع الكنيسة الكاثوليكية والطوائف الأخرى». تلك عشرة نماذج - وهي مجرد نماذج - لدول مسيحية غربية، تمثل مذاهب المسيحية البروتستانتية والأرثوذكسية والكاثوليكية، تنص دساتيرها على دين الدولة، بل وعلى مذهب هذا الدين، وعلى دعم الدولة للكنيسة والدين، رغم أن المسيحية تدع ما لقيصر لقيصر
__________________
مستر/ عصام الجاويش
معلم خبير لغه انجليزيه بمدرسه التل الكبير الثانويه بنات بمحافظه الاسماعيليه
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 22-03-2011, 11:58 PM
MoUStaFa DarwiSh MoUStaFa DarwiSh غير متواجد حالياً
مدرس حاسب آلي
 
تاريخ التسجيل: Mar 2011
المشاركات: 262
معدل تقييم المستوى: 14
MoUStaFa DarwiSh is on a distinguished road
افتراضي

يا استاذ عصام هؤلاء هم الروبيضه الذي تحدث عنهم الرسول صلي الله عليه وسلم
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 22-03-2011, 11:58 PM
الصورة الرمزية مستر/ عصام الجاويش
مستر/ عصام الجاويش مستر/ عصام الجاويش غير متواجد حالياً
مدرس اللغة الانجليزية للمرحلة الثانوية
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
العمر: 57
المشاركات: 5,854
معدل تقييم المستوى: 21
مستر/ عصام الجاويش is on a distinguished road
افتراضي اقرأ هذا المقال جيدا

الاستغلال الأمريكي للأقليــات (2) الهُويَّة الإسلاميّة لمصر
طباعةارسال إلى صديق
د.محمد عمارة
أما النصُّ الدستوريُّ على أن دين الدولة في مصر هو الإسلام، وأن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس للتشريع، وأن اللغة العربية هي اللغة القومية لمصر.. فهو جزء أصيل وموروث من تاريخ مصر الإسلامية، الذي مضى عليه أكثر من أربعة عشر قرناً. وهو تعبير عن هوية الدولة والمجتمع والأمة والحضارة، مثلما تعبر «العلمانية» عن هوية بعض المجتمعات، وتعبر «الليبرالية» عن هوية مجتمعات أخرى.. وفي هذه المجتمعات العلمانية والليبرالية تعيش أقليات مسلمة يزيد تعدادها في كثير من الأحايين على تعداد المسيحيين في مصر، ففي فرنسا - مثلاً - ثمانية ملايين مسلم، وفي الولايات المتحدة مثلهم، بل إن الهند تعيش بها أقلية مسلمة يقترب عددها من ثلاثمائة مليون نسمة؛ أي مثل تعداد أمريكا! ولا تطلب أي أقلية من هذه الأقليات المسلمة تغيير هوية المجتمع الذي تعيش فيه، ولا تعترض على الهوية العلمانية لتلك المجتمعات. ثم إن هذه الهوية العربية الإسلامية لمصر، قد اختارتها وأقرتها اللجنة التي وضعت دستور سنة 1923م، بإجماع أعضائها، بمن فيهم القيادات الدينية المسيحية واليهودية.. ولقد صادقت الأمة بإرادتها الحرة على هذا الاختيار في كل التعديلات التي أجريت على هذا الدستور، على امتداد عقود القرن العشرين، فهذه الهوية العربية الإسلامية لمصر هي تعبير حر عن إرادة الأمة، على اختلاف أديانها، وليست أمراً مفروضاً على غير المسلمين. ثم، أليس غريباً وعجيباً أن يعترض تقرير الخارجية الأمريكية على نص الدستور المصري على الهوية الإسلامية للدولة والمجتمع؟ وهو ما يقتضيه الإسلام، الذي يجمع بين الدين والدولة - بشهادة فقهاء القانون من المستشرقين وغيرهم - إذ الدولة في الإسلام مدنية مرجعيتها الإسلام، بينما لا يعترض التقرير الأمريكي على دول مسيحية كثيرة؛ كاثوليكية، وإنجيلية، وأرثوذكسية.. تفصِّل دساتيرها على الهوية المسيحية للدولة، بل وعلى المذهب المسيحي لهذه الدول، مع أن المسيحية - كما يعرف الجميع - تدع ما لقيصر لقيصر، ولا دخل لها في نظم الحكم، وتشريع القانون وسياسة المجتمعات! وعلى سبيل المثال لا الحصر: 1- ينص دستور دولة الدنمارك في القسم الرابع على: «أن الكنيسة الإنجيلية اللوثرية هي الكنيسة المعترف بها من قبل دولة الدنمارك، وعليه ستتولى الدولة دعمها». 2- كما ينص دستور دولة النرويج في المادة الثانية على: «أن الإنجيلية اللوثرية ستظل الدين الرسمي للدولة، ويلتزم السكان المعتنقون لها بتنشئة أولادهم بموجبها». 3- وفي أيسلندا، تنص المادة 62 من الدستور على: «أن الكنيسة الإنجيلية اللوثرية هي كنيسة الدولة، وبموجب هذا ستظل هذه الكنيسة مدعومة ومحمية من قبل الدولة». 4- وفي المملكة المتحدة - إنجلترا - أقر البرلمان مختلف النظم الأساسية التي تعد القانون الأعلى والمصدر النهائي للتشريع (أي الدستور القانوني).. وجاء فيه حول كنيسة إنجلترا: «إن كنيسة إنجلترا هي الكنيسة المعترف بها، وإن العاهل الإنجليزي - بحكم منصبه - هو الحاكم الأعلى لكنيسة إنجلترا، وهو مُتطلب مقرر في قانون التسوية لعام 1701م بأن ينضم كنسياً لمجتمع كنيسة إنجلترا. وكجزء من مراسم التتويج، يطالب العاهل بأن يؤدي القسم «بالحفاظ على التسوية المبرمة مع كنيسة إنجلترا، وأن يحفظها بدون خروقات، كما يحفظ العقيدة والشعائر والنظام الذي يتضمن الحكومة، وذلك بموجب القانون الذي تم إقراره في إنجلترا، «وذلك قبل التتويج بواسطة الأسقف الأعلى للكنيسة رئيس أساقفة كانتربري». 5- وفي أسكتلندا حيث الكنيسة المشيخية المعترف بها رسمياً: يؤدي العاهل الجديد القسم في مجلس اعتلاء العرش، ويقسم جميع رجال الدين في الكنيسة يمين الولاء للعاهل قبل توليه منصبه. 6- وفي اليونان الأرثوذكسية، ينص الدستور في المادة الثالثة - من القسم الثاني - على: «أن الديانة السائدة في اليونان هي ديانة كنيسة المسيح الأرثوذكسية الشرقية.. والكنيسة الأرثوذكسية اليونانية، والتي تقر بأنه على رأسها يسوع المسيح، تتحد في مذهبها مع كنيسة المسيح العظمى في القسطنطينية، كما تتحد مع كل كنيسة تتبع نفس المذهب بقدر ما يلتزمون بذلك، وكذلك الكرسي الرسولي والشرائع والتقاليد المجمعية المقدسة، وهي كنيسة مستقلة يديرها المجمع المقدس لخدمة الأساقفة، والمجمع المقدس الدائم المنبثقون عنها، والذي يجتمع على النحو المحدد في الميثاق القانوني للكنيسة، المتمثل للمرسوم البطريركي للبطريرك «تومي» الصادر في 29 يونيو سنة 1850م، والقانون الخاص بالمجلس الكنسي الصادر في سبتمبر سنة 1928م. 2- ولن يعتبر النظام الكنسي الموجود في مناطق معينة من اليونان مناقضاً للأحكام الواردة في الفقرة السابقة. 3- ويجب الحفاظ على نص الكتاب المقدس دون تحريف، وتحظر الترجمة الرسمية للنص لأي صيغة لغوية أخرى دون موافقة مسبقة من الكنيسة المستقلة لليونان، وكنيسة المسيح العظمى في القسطنطينية. 7- وفي الأرجنتين الكاثوليكية، ينص الدستور - في القسم الثاني - على: «أن الحكومة الاتحادية تدعم الديانة الرومانية الكاثوليكية». 8- وفي السلفادور الكاثوليكية، ينص الدستور - الصادر سنة 1983م، والمعدل سنة 2003م - في المادة (26) على: «أن الشخصية القضائية/القانونية للكنيسة الكاثوليكية موضع اعتراف، ويجوز للكنائس الأخرى الحصول على اعتراف بشخصيتهم بما يتوافق مع القانون». 9- وفي كوستاريكا الكاثوليكية، تنص المادة (75) من الدستور على: «أن الكاثوليكية الرومانية الرسولية هي دين الدولة، وهي تساهم في الحفاظ على الدولة، دون أن يمنع هذا من حرية ممارسة شعائر أي أديان أخرى في الجمهورية، طالما أن هذه الديانات لا تتعارض مع الأخلاق المتعارف عليها أو العادات الحميدة». 10- وفي إسبانيا الكاثوليكية، ينص الدستور في المادة (16) على: «أنه على السلطات العامة أن تأخذ في الاعتبار المعتقدات الدينية للمجتمع الإسباني، والحفاظ على علاقات التعاون المناسبة مع الكنيسة الكاثوليكية والطوائف الأخرى».      تلك عشرة نماذج - وهي مجرد نماذج - لدول مسيحية غربية، تمثل مذاهب المسيحية البروتستانتية والأرثوذكسية والكاثوليكية، تنص دساتيرها على دين الدولة، بل وعلى مذهب هذا الدين، وعلى دعم الدولة للكنيسة والدين، رغم أن المسيحية تدع ما لقيصر لقيصر، وتعلن أن مملكة المسيح ليست في هذا العالم، وإنما في ملكوت السماء. ومع كل ذلك، فإن تقرير الخارجية الأمريكية لم ير كل هذه «الأخشاب» التي تمتلئ بها عيون الدول الغربية، ولم ترَ سوى النص الدستوري المصري الذي يقول: إن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة، وهو نص نابع من كون الإسلام ديناً ودولة.. عقيدة وشريعة.. يرتبط فيه كل حكم قانوني بمبدأ من مبادئ الدين والأخلاق، وتنضبط فيه السياسة بتحقيق الصلاح الديني.. كما يعبر هذا النص عن الهوية الحضارية للأمة عبر تاريخها الطويل.      ثم، أليس غريباً أن يعترض تقرير الخارجية الأمريكية على كون مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس للتشريع، معتبراً ذلك تمييزاً سلبياً ضد المسيحيين المصريين، مع العلم أن التشريعات الإسلامية لا تجور على الخصوصيات الدينية للمواطنين غير المسلمين، الذين أمرت الشريعة الإسلامية «أن يُتركوا وما يدينون»؟! إن فقه المعاملات الإسلامية، بالنسبة لغير المسلمين، هو قانون وضعي يضعه قيصر - أي الدولة - الذي أمرت المسيحية أن تترك له هذه الميادين في الحكم والسياسة والتشريع، وعلاوة على ذلك، فإن القانون الإسلامي يعده بديلاً لقانون مسيحي، إذ المسيحية - كما يعرف الجميع - ليس بها نظم قانونية ولا تشريعات تنظم الدولة والاجتماع. ولذلك، كان القانون الإسلامي بديلاً للقانون الأجنبي الذي جاء إلى بلادنا في ركاب الغزوة الاستعمارية الغربية، قاصداً مسخ هويتنا الحضارية في التشريع، فالقانون الإسلامي هو قانون وطني، يعبر عن الخصوصية الحضارية لأمتنا في التشريع والقضاء، وليس بديلاً ولا نقيضاً لقانون مسيحي. وعن هذه الحقيقة عبر الكاتب القبطي صادق عزيز، فقال: «إنه فيما عدا الأحوال الشخصية فإن أحكام الشريعة الإسلامية لا تتعارض إطلاقاً مع المسيحية، وذلك لعدة أسباب، أهمها: 1- أنه إذا كانت الدولة إسلامية؛ فالقوانين الوضعية يجب أن تكون إسلامية، وعلينا قبول ذلك، بل والترحيب به، عملاً بقول المسيح: «أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله». 2- أن أحكام الشريعة الإسلامية تنطبق في كثير جداً من الأحوال مع شريعة العهد القديم، وهي ما جاء المسيح لا لينقضها، بل ليكملها. 3- أن المسيحية لم تأت بأحكام وقوانين وضعية عملاً بقول المسيح: «مملكتي ليست في هذا العالم»، ومن ثم ترك للحكام أو لقيصر وضع الأحكام الأرضية، وأمرنا بأن نعطي ما للحاكم للحاكم...»(1). ولهذه الحقيقة - حقيقة أن القانون الإسلامي هو قانون وطني؛ فلقد اختاره 63% من المواطنين المسيحيين المصريين، الذين استطلعت آراؤهم حول تطبيق الشريعة الإسلامية - بما فيها عقوبات الحدود - في المنظومة القانونية المصرية، وجاء ذلك في استطلاع الرأي الذي أجراه «المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية» بمصر سنة 1985م، تحت إشراف الأستاذ الدكتور أحمد المجدوب، والذي نشره المركز في ذلك التاريخ(2). ولقد صادق على هذا الاتجاه - اتجاه تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية على المصريين - مسيحيين ومسلمين - الأنبا «شنودة الثالث» بطريرك الأقباط الأرثوذكس، وصرح لصحيفة «الأهرام» قائلاً: «إن الأقباط في ظل حكم الشريعة يكونون أسعد حالاً وأكثر أمناً، ولقد كانوا كذلك في الماضي، حينما كان حكم الشريعة هو السائد، نحن نتوق إلى أن نعيش في ظل «لهم ما لنا وعليهم ما علينا»، إن مصر تجلب لقوانين من الخارج حتى الآن، وتطبقها علينا، ونحن ليس عندنا ما في الإسلام من قوانين مفصلة، فكيف نرضى بالقوانين الحكومية ولا نرضى بقوانين الإسلام؟!»(3). هكذا مثلت مبادئ الشريعة الإسلامية كمصدر أساسي للتشريع في مصر منطقة اتفاق بين شعبها، على اختلاف دياناته؛ لأنها كما قال الأنبا «شنودة الثالث» بديل للقوانين الأجنبية المجلوبة من الخارج، وليست بديلاً لقانون مسيحي، ولأنها قد حققت عندما طبقت السعادة والأمن للأقباط.. وفي ظلها كان الأقباط أسعد حالاً منهم في ظل القوانين الأجنبية المجلوبة.. إنها شريعة «لهم ما لنا وعليهم ما علينا» التي تحقق كامل المواطنة، وتجعل هذه المواطنة مقدسة، وليست منحة يمنحها حاكم ويمنعها آخرون! ثم.. أليس غريباً وعجيباً ومريباً، اعتراض تقرير الخارجية الأمريكية على الهوية الحضارية الإسلامية لمصر - وهي مشترك بين المسلمين والمسيحيين في مصر - بينما تنخرط كل أمريكا وراء إعلان إسرائيل «دولة يهودية»؛ الأمر الذي يمهد ويشرع للعنصرية الصهيونية التي تسعى لتهجير العرب من «إسرائيل»، أي تهجير نحو ربع سكان «إسرائيل»؟!> الهوامش (1) جمال بدوي: «الفتنة الطائفية: جذورها وأسبابها، دراسة تاريخية ورؤية تحليلية»، ص 137 - 141، طبعة القاهرة، 1992م. (2) انظر: «استطلاع الرأي العام في مصر حول تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية على جرائم الحدود»، ص 84، طبعة المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، القاهرة، سنة 1985م. (3) صحيفة «الأهرام» في 6 مارس سنة 1985م.
__________________
مستر/ عصام الجاويش
معلم خبير لغه انجليزيه بمدرسه التل الكبير الثانويه بنات بمحافظه الاسماعيليه
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 23-03-2011, 12:25 AM
الصورة الرمزية مستر/ عصام الجاويش
مستر/ عصام الجاويش مستر/ عصام الجاويش غير متواجد حالياً
مدرس اللغة الانجليزية للمرحلة الثانوية
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
العمر: 57
المشاركات: 5,854
معدل تقييم المستوى: 21
مستر/ عصام الجاويش is on a distinguished road
افتراضي اقرأ هذه الايات لمن يقول لادين فى السياسه

  • قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (24) فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} آل عمران

  • وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا (62) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا (63) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا (64) فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} النساء
  • وقوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (105)} النساء
  • وقوله تعالى: {وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ}.. ففيه نفي للإيمان عمن تولى عن حكم الله
  • وقوله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} المائدة
  • وقوله تعالى: {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا} الأنعام
  • وقوله تعالى: {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47) وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50) إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} النور
__________________
مستر/ عصام الجاويش
معلم خبير لغه انجليزيه بمدرسه التل الكبير الثانويه بنات بمحافظه الاسماعيليه
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 23-03-2011, 12:34 AM
الصورة الرمزية مستر/ عصام الجاويش
مستر/ عصام الجاويش مستر/ عصام الجاويش غير متواجد حالياً
مدرس اللغة الانجليزية للمرحلة الثانوية
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
العمر: 57
المشاركات: 5,854
معدل تقييم المستوى: 21
مستر/ عصام الجاويش is on a distinguished road
افتراضي الدكتور القرضاوى يشرح "الاسلام السياسى"

الإسلام السياسي!
ومن التعبيرات التي يُشنِّع بها العلمانيون والحداثيون: تعبير (الإسلام السياسي)، وهي عبارة دخيلة على مجتمعنا الإسلامي بلا ريب، ويعنون به الإسلام الذي يُعنى بشئون الأمة الإسلامية وعلاقاتها في الداخل والخارج، والعمل على تحريرها من كل سلطان أجنبي يتحكَّم في رقابها، ويُوجِّه أمورها المادية والأدبية كما يريد، ثم العمل كذلك على تحريرها من رواسب الاستعمار الغربي الثقافية والاجتماعية والتشريعية، لتعود من جديد إلى تحكيم شرع الله تعالى في مختلف جوانب حياتها ...
وهم يطلقون هذه الكلمة (الإسلام السياسي) للتنفير من مضمونها، ومن الدعاة الصادقين، الذين يدعون إلى الإسلام الشامل، باعتباره عقيدة وشريعة، وعبادة ومعاملة، ودعوة ودولة.
وقد كنت رددت على هذه الدعوة، وفنَّدت هذه التسمية، في فتوى مطوَّلة، ظهرت في الجزء الثاني من كتابي: (فتاوى معاصرة)، يحسن بي أن أقتبس فقرات منها فيما يلي:
هذه التسمية مردودة وخاطئة:
وذلك لأنها تطبيق لخُطة وضعها خصوم الإسلام، تقوم على تجزئة الإسلام وتفتيته بحسب تقسيمات مختلفة، فليس هو إسلامًا واحدًا كما أنزله الله، وكما ندين به نحن المسلمين.
بل هو (إسلامات) متعدِّدة مختلفة كما يحب هؤلاء.
فهو ينقسم أحيانًا بحسب الأقاليم: فهناك الإسلام الآسيوي، والإسلام الإفريقي.
وأحيانًا بحسب العصور: فهناك الإسلام النبوي، والإسلام الراشدي، والإسلام الأُموي، والإسلام العباسي، والإسلام العثماني، والإسلام الحديث.
وأحيانًا بحسب الأجناس: فهناك الإسلام العربي، والإسلام الهندي، والإسلام التركي، والإسلام الماليزي ... إلخ.
وأحيانًا بحسب المذهب: هناك الإسلام السُّني، والإسلام الشيعي، وقد يقسمون السُّني إلى أقسام، والشيعي إلى أقسام أيضًا.
وزادوا على ذلك تقسيمات جديدة : فهناك الإسلام الثوري، والإسلام الرجعي أو الراديكالي، والكلاسيكي، والإسلام اليميني، والإسلام اليساري، والإسلام المُتزمِّت، والإسلام المُنفتح.
وأخيرًا الإسلام السياسي، والإسلام الروحي، والإسلام الزمني، والإسلام اللاهوتي!
ولا ندري ماذا يخترعون لنا من تقسيمات يُخبِّئها ضمير الغد؟!
تقسيمات مرفوضة للإسلام:
والحق أن هذه التقسيمات كلَّها مرفوضة في نظر المسلم، فليس هناك إلا إسلام واحد لا شريك له، ولا اعتراف بغيره، هو (الإسلام الأول) إسلام القرآن والسنة.
الإسلام كما فهمه أفضل أجيال الأمة، وخير قرونها، من الصحابة ومن تبعهم بإحسان، ممَّن أثنى الله عليهم ورسوله.
فهذا هو الإسلام الصحيح، قبل أن تشُوبه الشوائب، وتلوِّث صفاءه تُرَّهَات المِلَل وتطرفات النِحَل، وشطحات الفلسفات، وابتداعات الفِرَق، وأهواء المُجادلين، وانتحالات المُبطلين، وتعقيدات المُتنطِّعين، وتعسُّفات المُتأوِّلين الجاهلين.
ثانيًا: الإسلام لا يكون إلا سياسيًا:
وهنا يجب أن أُعلنها صريحة: إن الإسلام الحق -كما شرعه الله- لا يمكن أن يكون إلا سياسيًا، وإذا جرَّدت الإسلام من السياسة، فقد جعلته دينًا آخر يمكن أن يكون بوذية أو نصرانية، أو غير ذلك، أما أن يكون هو الإسلام فلا.
وذلك لسببين رئيسين :
السبب الأول: الإسلام يوجِّه الحياة كلها:
إن للإسلام موقفًا واضحًا، وحكمًا صريحًا في كثير من الأمور التي تُعتبر من صُلب السياسة.
فالإسلام ليس عقيدة لاهوتية، أو شعائر تعبُّدية فحسب، أعني أنه ليس مجرد علاقة بين الإنسان وربه، ولا صلة له بتنظيم الحياة، وتوجيه المجتمع والدولة.
كلا ... إنه عقيدة، وعبادة، وخلق، وشريعة متكاملة، وبعبارة أخرى: هو منهاج كامل للحياة، بما وضع من مبادئ، وما أصَّل من قواعد، وما سنَّ من تشريعات، وما بيَّن من توجيهات، تتَّصل بحياة الفرد، وشؤون الأسرة، وأوضاع المجتمع، وأُسس الدولة، وعلاقات العالم.
ومن قرأ القرآن الكريم والسنة المطهرة، وكتب الفقه الإسلامي بمختلف مذاهبه، وجد هذا واضحًا كل الوضوح.
حتى إن قسم العبادات من الفقه ليس بعيدًا عن السياسة، فالمسلمون مُجْمِعُون على أن ترك الصلاة، ومنع الزكاة، والمجاهرة بالفطر في رمضان، وإهمال فريضة الحج مما يوجب العقوبة، والتعزير، وقد يقتضي القتال إذا تظاهرت عليه فئة ذات شوكة، كما فعل أبو بكر رضي الله عنه مع مانعي الزكاة.
إن فكرة التوحيد في الإسلام تقوم على أن المسلم لا يبغي غير الله ربًا، ولا يتَّخذ غير الله وليًا، ولا يبتغي غير الله حَكَمًا، كما بيَّنت ذلك سورة التوحيد الكبرى المعرفة باسم (سورة الأنعام).
وعقيدة التوحيد في حقيقتها ما هي إلا ثورة لتحقيق الحرية والمساواة والأخوَّة للبشر، حتى لا يتخذَّ بعض الناس بعضًا أربابًا من دون الله، وتُبطل عبودية الإنسان للإنسان، ولذا كان الرسول الكريم صلوات الله عليه يختم رسائله إلى ملوك أهل الكتاب بهذه الآية الكريمة من سورة آل عمران: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران:64].
وهذا سر وقوف المشركين وكبراء مكة في وجه الدعوة الإسلامية، من أول يوم، بمجرد رفع راية (لا إله إلا الله) فقد كانوا يُدركون ماذا وراءها، وماذا تحمل من معاني التغيير للحياة الاجتماعية والسياسية، بجانب التغيير الديني المعلوم بلا ريب.
السبب الثاني: شخصية المسلم شخصية سياسية:
إن شخصية المسلم -كما كوَّنها الإسلام وصنعتها عقيدته وشريعته وعبادته وتربيته- لا يمكن إلا أن تكون سياسية، إلا إذا ساء فَهمها للإسلام، أو ساء تطبيقها له.
فالإسلام يضع في عنق كل مسلم فريضة اسمها: الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر وقد يُعبِّر عنها بعنوان: النصيحة لأئمة المسلمين وعامتهم، وهي التي صحَّ في الحديث اعتبارها الدِّين كله[1]، وقد يُعبر عنها بالتواصي بالحق، والتواصي بالصبر، وهما من الشروط الأساسية للنجاة من خُسر الدنيا والآخرة، كما وضَّحت ذلك (سورة العصر).
ويُحرِّض الرسول صلى الله عليه وسلم المسلم على مقاومة الفساد في الداخل، ويعتبره أفضل من مقاومة الغزو من الخارج، فيقول حين سئل عن أفضل الجهاد : "أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر"[2]، وذلك لأن فساد الداخل هو الذي يمهِّد السبيل لعدوان الخارج.
ويعتبر الشهادة هنا من أعلى أنواع الشهادة في سبيل الله: "سيد الشهداء حمزة، ثم رجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله"[3].
ويغرس في نفس المسلم رفض الظلم، والتمرُّد على الظالمين حتى إنه ليقول في دعاء القنوت المروي عن ابن مسعود، وهو المعمول به في المذهب الحنفي وغيره: "نشكرك الله ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يَفجرُك"[4].
ويُرغِّب في القتال لإنقاذ المُضطهدين، والمُستضعفين في الأرض، بأبلغ عبارات الحثِّ والتحريض، فيقول: {وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً} [النساء:75].
ويصبُّ جام غضبه، وشديد إنكاره على الذين يقبلون الضَّيم، ويرضون بالإقامة في أرض يهانون فيها ويظلمون، ولديهم القدرة على الهجرة منها والفرار إلى أرض سواها، فيقول: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً * إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً * فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً} [النساء:97-99].
حتى هؤلاء العجزة والضعفاء قال القرآن في شأنهم: {عََسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ}، فجعل ذلك في مَظِنَة الرجاء من الله تعالى، زجرًا عن الرضا بالذل والظلم ما وجد المسلم إلى رفضه سبيلاً.
وحديث القرآن المُتكرِّر عن المُتجبرين في الأرض من أمثال فرعون، وهامان، وقارون وأعوانهم وجنودهم، حديث يملأ قلب المسلم بالنقمة عليهم، والإنكار لسيرتهم، والبغض لطغيانهم، والانتصار -فكريًا وشعوريًا- لضحاياهم من المظلومين والمستضعفين.
وحديث القرآن والسنة عن السكوت على المنكر، والوقوف موقف السلب من مقترفيه -حكامًا أو محكومين- حديث يُزلزل كل من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان.
يقول القرآن : {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون} [المائدة :78،79].
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكرًا فليُغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان"[5].
ومن الخطأ الظن بأن المنكر ينحصر في الزنى، وشرب الخمر، وما في معناهما.
إن الاستهانة بكرامة الشعب منكر أي منكر، وتزوير الانتخابات منكر أي منكر، والقعود عن الإدلاء بالشهادة في الانتخابات منكر أي منكر، لأنه كتمان للشهادة، وتوسيد الأمر إلى غير أهله منكر أي منكر، وسرقة المال العام منكر أي منكر، واحتكار السلع التي يحتاج إليها الناس لصالح فرد أو فئة منكر أي منكر، واعتقال الناس بغير جريمة حكم بها القضاء العادل منكر أي منكر، وتعذيب الناس داخل السجون والمعتقلات منكر أي منكر، ودفع الرشوة وقبولها والتوسط فيها منكر أي منكر، وتملُّق الحكام بالباطل وإحراق البخور بين أيديهم منكر أي منكر، وموالاة أعداء الله وأعداء الأمة من دون المؤمنين منكر أي منكر.
وهكذا نجد دائرة المنكرات تتَّسع وتتَّسع لتشمل كثيرًا مما يعدُّه الناس في صُلب السياسة.
فهل يَسَع المسلم الشحيح بدينه، الحريص على مرضاة ربه، أن يقف صامتًا؟ أو ينسحب من الميدان هاربًا، أمام هذه المنكرات وغيرها ... خوفًا أو طمعًا، أو إيثارًا للسلامة؟
إن مثل هذه الروح إن شاعت في الأمة فقد انتهت رسالتها، وحُكِم عليها بالفناء، لأنها غَدَت أمة أخرى، غير الأمة التي وصفها الله بقوله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110].
ولا عجب أن نسمع هذا النذير النبوي للأمة في هذا الموقف إذ يقول: "إذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم : يا ظالم فقد تُودِّع منهم"[6]. أي فقدوا أهلية الحياة.
إن المسلم مطالب -بمقتضى إيمانه- ألا يقف موقف المتفرج من المنكر، أيًا كان نوعه : سياسيًا كان أو اقتصاديًا أو اجتماعيًا أو ثقافيًا، بل عليه أن يقاومه ويعمل على تغييره باليد، إن استطاع، وإلا فباللسان والبيان، فإن عجز عن التغيير باللسان انتقل إلى آخر المراحل وأدناها، وهي التغيير بالقلب، وهي التي جعلها الحديث : "أضعف الإيمان".
وإنما سماه الرسول صلى الله عليه وسلم تغييرًا بالقلب، لأنه تعبئة نفسية وشعورية ضد المنكر وأهله وحماته، وهذه التعبئة ليست أمرًا سلبيًا محضًا، كما يتوهم، ولو كانت كذلك ما سماها الحديث (تغييرًا).
وهذا التعبئة المستمرة للأنفس، والمشاعر، والضمائر لا بد لها أن تتنفَّس يومًا ما، في عمل إيجابي، قد يكون ثورة عارمة أو انفجارًا لا يُبقى ولا يُذر، فإن توالى الضغط لا بد أن يُولِّد الانفجار، سنة الله في خلقه.
وإذا كان هذا الحديث سمي هذا الموقف (تغييرًا بالقلب)، فإن حديثًا نبويًا آخر سماه (جهاد القلب)، وهي آخر درجات الجهاد، كما أنها آخر درجات الإيمان وأضعفها، فقد روى مسلم عن ابن مسعود مرفوعًا: "ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته، ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خُلُوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمَن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومَن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومَن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، ليس ذلك من الإيمان حبة خردل"[7].
وقد يعجز الفرد وحده عن مقاومة المنكر، وخصوصًا إذا انتشر شراره واشتد أواره، وقَوِي فاعلوه، أو كان المنكر من قِبَل الأمراء الذين يفترض فيهم أن يكونوا هم أول المحاربين له، لا أصحابه وحرَّاسه، وهنا يكون الأمر كما قال المثل : حاميها حراميها، أو كما قال الشاعر :
وراعي الشاة يحمي الذئب عنها فكيف إذا الرعاة لها ذئاب؟!
وهنا يكون التعاون على تغيير المنكر واجبًا لا ريب فيه، لأنه تعاون على البر والتقوى، ويكون العمل الجماعي عن طريق الجمعيات أو الأحزاب، وغيرها من القنوات المتاحة، فريضة يوجبها الدِّين، كما أنه ضرورة يُحتِّمها الواقع.
بين الحق والواجب:
إن ما يُعتبر في الفلسفات والأنظمة المعاصرة (حقًا) للإنسان في التعبير والنقد والمعارضة، يَرقى به الإسلام ليجعله فريضة مقدسة يبوء بالإثم، ويستحق عقاب الله إذا فرَّط فيها.
وفرق كبير بين (الحق) الذي يدخل في دائرة (الإباحة)، أو (التخيير) الذي يكون الإنسان في حِلٍ من تركه إن شاء، وبين (الواجب) أو (الفرض) الذي لا خيار للمكلف في تركه أو إغفاله بغير عذر يقبله الشرع.
وممَّا يجعل المسلم سياسيًا دائمًا: أنه مطالب بمقتضى إيمانه ألا يعيش لنفسه وحدها، دون اهتمام بمشكلات الآخرين وهمومهم، وخصوصًا المؤمنين منهم، بحكم أُخوة الإيمان: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10].
وفي الحديث : "مَن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، ومَن لم يصبح ناصحًا لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم فليس منهم"[8]، "وأيما أهل عَرْصَة بات فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة الله وذمة رسوله"[9].
والقرآن كما يفرض على المسلم أن يُطعم المسكين، يفرض على أن يحضَّ الآخرين على إطعامه ... ولا يكون كأهل الجاهلية الذين ذمَّهم القرآن بقوله: {كَلَّا بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ * وَلا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} [الفجر:17،18]، ويجعل القرآن التفريط في هذا الأمر من دلائل التكذيب بالدِّين: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} [الماعون:1-3].
وهذا في المجتمعات الرأسمالية والإقطاعية المضيعة لحقوق المساكين والضعفاء تحريض على الثورة، وحضٌّ على الوقوف مع الفقراء في مواجهة الأغنياء.
وكما أن المسلم مطالَب بمقاومة الظلم الاجتماعي، فهو مطالَب أيضًا بمحاربة الظلم السياسي، وكل ظلم أيًا كان اسمه ونوعه ... والسكوت عن الظلم والتهاون فيه، يوجب العذاب على الأمة كلها: الظالم والساكت عنه، كما قال تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال:25].
وقد ذمَّ القرآن الأقوام الذين أطاعوا الجبابرة الطغاة وساروا في ركابهم كقوله عن قوم نوح: {وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَاراً} [نوح:21].
بل جعل القرآن مُجرَّد الركون والميل النفسي إلى الظالمين موجبًا لعذاب الله: {وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ} [هود:113].
ويُحمِّل الإسلام كل مسلم مسئولية سياسية: أن يعيش في دولة يقودها إمام مسلم يحكم بكتاب الله، ويبايعه الناس على ذلك، وإلا التحق بأهل الجاهلية، ففي الحديث الصحيح : "من مات وليس في عنقه بيعة لإمام مات ميتة جاهلية"[10].
الصلاة والسياسة:
وكما ذكرنا من قب أن المسلم قد يكون في قلب الصلاة، ومع هذا يخوض في بحر السياسة حين يتلو من كتاب الله الكريم آيات تتعلق بأمور تدخل في صُلب ما يسميه الناس (سياسة).
فمن يقرأ في سورة المائدة: الآيات التي تأمر بالحُكم بما أنزل الله، وتدمغ من لم يحكم بما أنزل الله سبحانه بالكفر والظلم والفسوق : {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة:44]، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة:45]، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة:47]، يكون قد دخل في السياسة، وربما اعتُبر من المعارضة المُتطرفة، لأنه بتلاوة هذه الآيات يُوجه الاتِّهام إلى النظام الحاكم، ويُحرض عليه، لأنه موصوف بالكفر أو الظلم أو الفسق أو بها كلها.
ومثل ذلك من يقرأ الآيات التي تُحذر من موالاة غير المؤمنين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُبِيناً} [النساء:144].
ومن قَنَتَ (قنوت النوازل) المُقرَّر في الفقه، وهو الدعاء الذي يُدعى به في الصلوات بعد الرفع من الركعة الأخيرة، وخصوصًا في الصلاة الجهرية، وهو مشروع عندما تنزل بالمسلمين نازلة، كغزو عدو، أو وقوع زلزال، أو فيضان أو مجاعة عامة، أو نحو ذلك ... كما نفعل كثيرا عندما يقع عدوان صهيوني كبير على فلسطين، أو على لبنان، وكما حدث كثيرا في حرب السوفيت لأفغانستان، وحرب الصرب للبوسنة والهرسك وغيرها.
وهكذا كنا ندخل في مُعترك السياسة، ونخوض غِماره، ونحن في محراب الصلاة متبتلون خاشعون ... فهذه هي طبيعة الإسلام، لا ينعزل فيه دين عن دنيا، ولا تنفصل فيه دنيا عن دين، ولا يعرف قرآنه ولا سنته ولا تاريخه دينًا بلا دولة، ولا دولة بلا دين ...
الساسة يدخلون الدِّين في السياسة متى أرادوا!
الذين زعموا أن الدِّين لا علاقة له بالسياسة من قبل، والذين اخترعوا أكذوبة (لا دين في السياسة، ولا سياسة في الدِّين) من بعد، أول من كذَّبوها بأقوالهم وأفعالهم.
فطالما لجأ هؤلاء إلى الدِّين ليتخذوا منه أداة في خدمة سياستهم، والتنكيل بخصومهم، وطالما استخدموا بعض الضعفاء والمهازيل من المنسوبين إلى علم الدِّين، ليستصدروا منهم فتاوى ضدَّ من يُعارض سياستهم الباطلة دينا، والعاطلة دنيا.
لا زلت أذكر كيف صدرت الفتاوى ونحن في معتقل الطور سنة 1948م، 1949 م بأننا -نحن الدعاة إلى تحكيم القرآن وتطبيق الإسلام- نحارب الله ورسوله ونسعى في الأرض فسادًا فحقنا أن نُقتل أو نُصلب، أو تُقطَّع أيدينا وأرجلنا من خِلاف، أو ننفى من الأرض!
وتكرَّر هذا في أكثر من عهد، تتكرَّر المسرحية وإن تغيرت الوجوه!
ولازلت أذكر -ويذكر الناس- كيف طلب من أهل الفتوى أن يصدروا فتواهم بمشروعية الصلح مع إسرائيل، تأييدًا لسياستهم الانهزامية، بعد أن أصدرت الفتوى من قبل بتحريم الصلح معها، واعتبار ذلك خيانة لله ولرسوله وللمؤمنين!
ولا زال الحكام يلجأون إلى علماء الدِّين، ليفرضوا عليهم فتاوى تخدم أغراضهم السياسية، وآخرها محاولات تحليل فوائد البنوك وشهادات الاستثمار، فيستجيب لهم كل رخو العود -ممن قلَّ فقههم أو قلَّ دينهم- ويأبى عليهم العلماء الراسخون : {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً} [الأحزاب:39].
__________________
مستر/ عصام الجاويش
معلم خبير لغه انجليزيه بمدرسه التل الكبير الثانويه بنات بمحافظه الاسماعيليه
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 23-03-2011, 12:37 AM
الصورة الرمزية مستر/ عصام الجاويش
مستر/ عصام الجاويش مستر/ عصام الجاويش غير متواجد حالياً
مدرس اللغة الانجليزية للمرحلة الثانوية
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
العمر: 57
المشاركات: 5,854
معدل تقييم المستوى: 21
مستر/ عصام الجاويش is on a distinguished road
افتراضي الدولة الإسلامية وحقوق الإنسان

الدولة الإسلامية وحقوق الإنسان

الدولة الإسلامية وحقوق الإنسان
ومما أثاره الحداثيون والعلمانيون من يمينيين ويساريين: ادِّعاؤهم أن قيام الدولة الإسلامية التي تحكم بالشريعة الإسلامية يتعارض مع ميثاق حقوق الإنسان، الذي صدر عن الأمم المتحدة، وتلقَّاه العالم بالقَبول.
فهم يرون حكم الشريعة الإسلامية يتعارض مع حقوق الإنسان في عدة مجالات:

1.
منها: مجال الحرية الدِّينية، التي تفرض على من دخل في الإسلام: ألا يخرج منه، وإلا كانت عقوبته القتل على جريمة الرِّدَّة عن الإسلام.
2.
ومنها: مجال حقوق المرأة، التي يجعلها الإسلام -فيما زعموا- في مرتبة دون مرتبة الرجال، ومن ذلك: أنها لا تتزوج إلا بإذن وليها، وأنها إذا تزوجت كان الرجل قواما عليها، وكان الطلاق بيده، وإذا ورثت كان نصيبها كما قال القرآن:لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ [النساء:11]، ولهذا توقف عدد من الدول الإسلامية في قبول اتفاقية إزالة كافة أشكال التمييز ضد المرأة.
3.
ومنها: مجال حقوق الشواذ والعراة وال*****ين، التي تتعارض مع أحكام الشريعة في تحريم الزواج المثلي، وتحريم اللواط والسحاق، وتحريم الزنى، والتبرج والخلاعة.
4.
ومنها: مجال حقوق الأقليات الدِّينية، وقد أفردناها بالحديث.
عناية الإسلام بحقوق الإنسان:

ويهمنا أن نبين في هذا المقام أنه لا يوجد دين كالإسلام عُني بالإنسان، وقرَّر أن الله كرمه:
وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ [الإسراء:70]، وأنه جعله في الأرض خليفة، وأنه سخر له ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه، وأسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة، وأنه خلقه في أحسن تقويم، وعلمه البيان، ومنحه العقل والإرادة، وأنزل له الكتب، وبعث له الرسل. كل هذا من كرامته على الله سبحانه.
كما عُني الإسلام بحقوق الإنسان التي جعلها في معظم الأحيان فرائض وواجبات، إذ الحق يجوز للإنسان أن يتنازل عنه، أما الفرض والواجب اللازم، فلا يجوز فيه ذلك.

وبخاصة حقوق الضعفاء لدى الأقوياء: حقوق الفرد لدى المجتمع ... حقوق الشعوب لدى الحُكَّام ... حقوق الفقراء لدى الأغنياء ... حقوق الأُجَرَاء لدى المُلاَّك ... حقوق العمال لدى أرباب العمل ... حقوق النساء لدى الرجال ... حقوق الأطفال لدى الآباء والأمهات ... حتى حقوق الحيوان لدى الإنسان!

ونوَّع هذه الحقوق بين مادي وعقلي، وفردي وجماعي، وآني ومستقبلي، وجعل من ضمير كل إنسان حارسا على حقوقه، يطالب بها، ويدافع عنها، ويتعاون مع غيره في الذود عنها. ويهاجر من الأرض التي تضيع فيها، ولا يجد له وليا ولا نصيرا.

ولقد كتب الكثيرون في موضوع حقوق الإنسان، وأُلِّفت فيه كتب[1]، وقُدمت فيه أو في بعضه رسائل جامعية للماجستير والدكتوراه، وأُشبع بحثا ودراسة.

ولكني أكتفي هنا بخلاصة ذكرتها في كتابي (الثقافة العربية والإسلامية بين الأصالة والمعاصرة)[2].

وهذه الخلاصة مقتبسة من كتاب الأستاذ الدكتور محمد فتحي عثمان بعنوان (حقوق الإنسان بين الشريعة الإسلامية والفكر القانوني الغربي). وهي خلاصة علمية موثَّقة بالأدلة الشرعية والتاريخية المستقاة من مصادرها الأصيلة.

(وفيها بيَّن أن تقرير حقوق الإنسان في الإسلام، استوعب الاتجاهات الوضعية كلها قديما وحديثا وتفوَّق عليها، مؤكدا ما يلي:

1.
أن تقرير حقوق الإنسان في الإسلام قد شمل الحقوق الشخصية الذاتية والفكرية والسياسية والقانونية والاجتماعية والاقتصادية، وأكَّد الحريات العامة المتنوعة والمساواة.
2.
وقد شمل تقرير حقوق الإنسان في الإسلام: الرجال والنساء اللائي هن "شقائق الرجال"[3]، كما ورد في الحديث، والأطفال وهم (الذرية الضعاف) الذين تمتعوا بالرعاية الشرعية من جانب كل المؤسسات القائمة في المجتمع الإسلامي: الأسرة والجماعة والدولة.
3.
كما شمل تقرير حقوق الإنسان في الإسلام: المسلمين وغير المسلمين في داخل دولة الإسلام وخارجها، لأن (البر) في الإسلام إنساني وعالمي: لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الممتحنة:8].
4.
وحقوق الإنسان الشاملة في الإسلام هي في ضمان الفرد والجماعة والدولة على السواء، لأن (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) هو واجب هؤلاء جميعا: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ[التوبة:71].
5.
ومما يتجلى فيه تفوُّق حكم الله على وضع البشر بالنسبة لتقرير حقوق الإنسان وحرياته العامة: أن تقرير الحقوق في الإسلام يستند إلى (عقيدة الإيمان)، وهي في عمقها وشمولها ودوامها لا تقارن بفكرة (القانون الطبيعي) أو (العدالة) أو (العقد الاجتماعي) أو (المذهب الفردي) ... إلخ. فـ(الله) مصدر تقرير الحقوق في دين الإسلام، حقيقة ثابتة، لا مجرد افتراض غامض، والعقيدة في الله ترتكز إلى أصولها في الفكر والنفس، ولها آثارها الواسعة الشاملة المستمرة في سلوك الفرد والجماعة والدولة.
6.
إن استناد تقرير الحق إلى الله عز وجل وشريعته يؤدي إلى اقتران الحق بالواجب، واقتران حق الفرد بحق الجماعة، واقتران الحقوق الفكرية والسياسية بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية. فكل ما هو حق للفرد هو واجب على غيره: سواء أكان الغير فردا آخر أم الجماعة أم الدولة، وهكذا لا مجال في المجتمع الإسلامي للأنانية والفردية، ففي الحديث: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"[4]، "لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض"[5]، والقرآن يعبِّر في جلاء أن الأخوة ثمرة الإيمان الصحيح: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ [الحجرات:10].
7.
بل إن تقرير حقوق الإنسان من قِبَل خالق الإنسان عز وجل قد جعل إحقاق الحق واجبًا على صاحب الحق نفسه، كما هو واجب على الذي عليه الحق، فعلى صاحب الحق أن يطالب به ويحرص عليه، ويناضل لأجله إن كان المانع مماطلاً أو باغيًا أو غاصبًا. ففي الحديث: "مَن قُتل دون دمه فهو شهيد، ومَن قُتل دون عرضه فهو شهيد، ومَن قُتل دون ماله فهو شهيد"[6]، والمؤمنون أفرادا وجماعة ودولة في أي مكان مأمورون بمظاهرة صاحب الحق في طلبه والنضال لأجله: فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ[الحجرات:9]. والمؤمن مأمور ألاَّ يفرط في حقوقه، وبخاصة ما يمسُّ إنسانيته وفكره واعتقاده، حتى ولو اضطر إلى ترك الأرض التي عاش فيها وارتبط بها وأَلِفها.
وهكذا تكون الهجرة أو (الالتجاء) بالاصطلاح القانوني المعاصر واجبا على المضطهد وليست حقًا فحسب. كما أن من واجبه النضال والجهاد حيثما كان.

8.
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في شريعة الإسلام يعني إحقاق الحق ومقاومة البغي، وهو التزام فذٌّ يفرضه الإسلام على الفرد والجماعة والدولة، وهو واجب ديني شرعي يرتكز إلى العقيدة، ويتغلغل إلى أعماق ضمير المؤمن، وهو مقرون بالإيمان نفسه في عدد من آيات القرآن.
9.
وإن الإسلام ليرتضي في مجال الاجتهاد والسياسة الشرعية كل ما يتوصَّل إليه التفكير والتجربة من إجراءات محكمة مخلصة ناجعة، لضمان حقوق الإنسان ومنع المساس بها والاعتداء عليها. وفي حدود ما ورد من نصوص القرآن والسنة وما وقع في تاريخ الإسلام، يمكن القول بوجود الضمانات التالية:
‌أ.
واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المُلقَى على عاتق الفرد والجماعة والدولة في الإسلام، والذي يعني حراسة هؤلاء جميعا للحق في مختلف صوره ومدافعتهم للبغي في مختلف صوره. ومن الوسائل التي عرفها تاريخ الإسلام في هذا الصدد وظيفة المُحتَسب بالنسبة للحكومة، ودعوى الحسبة بالنسبة للأفراد، ويمكن إدخال مراقبة رعاية حقوق الإنسان في نطاق كليهما.
‌ب.
كذلك من اختصاص والي المظالم -وهو اختصاص القاضي قبل ذلك وعندما لا يوجد مثل هذا المنصب- النظر في تعدي الولاة على الرعية وأخذهم بالعسف في السيرة. فهذا من لوازم النظر في المظالم التي لا تقف على ظلامة متظلم، فيكون لسيرة الولاة متصفحًا، وعن أحوالهم مستكشفًا، ليقويهم إن أنصفوا، ويكفُّهم إن عسفوا، ويستبدل بهم إن لم ينصفوا.
‌ج.
ولا مانع أن يقوم قضاء داخل الدولة الإسلامية على أعلى مستوى لحماية حقوق الإنسان: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ[النساء:59].
‌د.
ومن الإجراءات المعروفة في شريعة الإسلام وتاريخه (التحكيم) لمحاولة الإصلاح بين طرفي النزاع، سواء أكان ذلك على المستوى الداخلي أو العالمي. والنص صريح في مجال الأسرة، ولا مانع من تعديته إلى الجماعة داخل الدولة والجماعة الإنسانية الدولية، يقول تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا[النساء:35].
‌ه.
والإسلام يشرع الجهاد لحماية حقوق الإنسان، ومنع استضعافه، والبغي على ذاته وحقوقه: وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا[النساء:75].
‌و.
وحق الهجرة الالتجاء مكفول للفرد، للفرار بنفسه وعقيدته وفكره من الاضطهاد، وكل ما يمكن أن يستحدث من وسائل لحماية الحق وكفالة العدل ومقاومة البغي، فإن الإسلام يرتضيها ويحتويها[7].
هذه هي حقوق الإنسان في الإسلام، واضحة بيِّنة موثَّقة من أصوله ومصادره.

ولكن الذي نؤكده هنا: أن الإسلام يمتاز عن الفكر الغربي بما قرَّره من التوازن بين الحقوق والواجبات. فالإنسان في حضارة الغرب يركض أبدا وراء ما هو له، ولا يهتم كثيرًا بما هو عليه. والإنسان في الإسلام مشدود إلى ما يجب عليه أولاً، الإنسان في نظر الغرب مُطالِب سائل، وفي نظر الإسلام مُطالَب مسؤول. وفرق كبير بين الموقفين، فرق بين مَن يقول: ماذا لي؟ ومَن يقول: ماذا عليَّ؟ فالأول يدور حول حاجته، والآخر يدور حول قيمة أخلاقية. ومن خلال أداء الواجبات تُرعى الحقوق؛ إذ ما من حق لفرد أو جماعة إلا كان واجبا على غيره. فحقوق المحكومين إنما هي واجبات على الحُكَّام، وحقوق المستأجرين إنما هي واجبات على المالكين، وحقوق الأولاد إنما هي واجبات على الوالدين وهكذا اهـ.

وأما ما قيل من أن هناك بعض القضايا والأحكام الإسلامية تتعارض مع حقوق الإنسان، فسنرد عليها واحدة واحدة:

1.
الحرية الدِّينية:
أما مجال الحرية الدِّينية، فالواقع أن من المبادئ الأساسية في الإسلام، التي لا يختلف عليها اثنان: أنه
{لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ[البقرة:256].
بل لا يُتصور أن يقبل الإسلام إيمان امرئ مكره، لأن شرط الإيمان أن يكون عن اختيار حر، واقتناع ذاتي، ولهذا رفض القرآن إيمان فرعون عند الغرق، ورفض إيمان الأمم حين ينزل بها بأس الله وعقوبته:
فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا [غافر: 85].
فحرية الاعتقاد مكفولة للجميع:
فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ[الكهف:29]، يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ[يونس:108].
أما الكلام عن حرية الارتداد عن الدِّين، فهذا الذي يحتاج إلى بيان. فالإسلام لا يريد أن يتخذ الناس الدِّين ملعبة، يدخله اليوم ويخرج منه غدا. أو كما قالت طائفة من اليهود في عهد النبوة:
آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [آل عمران:72].
وهو هنا لا يحجر على تفكير الإنسان، إذا اختار غير الإسلام، ولكنه يحجر عليه الدعوة لتكفير غيره، وإشاعة الفتنة في صفوف الأمة. ومن حق كل نظام: أن يضع من التشريعات ما يحميه، ويوفر له الحياة والبقاء والانتشار.

والرِّدَّة إذا انتشرت وأمست جماعية: فإنها تهدد المجتمع كله بالخطر، ولا بد أن تقاوم، كما قاومها سيدنا أبو بكر والصحابة معه. ولو تركوا هذه الرِّدَّة وقادتها من المتنبئين الكذابين أمثال: مُسيلِمة وسَجَاح والأسود وغيرهم، لاجتُثَّ الإسلام من أصله.

وقد رأينا في عصرنا ماذا فعلت الرِّدَّة بجماعة من العسكريين الأفغان، أرسلوا في بعثة إلى روسيا، فاعتنقوا الشيوعية التي هي ضد الإسلام، وضد الأديان بصفة عامة، ثم جاءوا، فقاموا بانقلاب، واستولوا على الحكم، وأرادوا فرض النظام الشيوعي على المجتمع الأفغاني المسلم، فرفضهم المجتمع، وقاومهم بما في يديه من أسلحة قديمة ضعيفة، فاستعانت الطائفة المرتدة على قومهم بالسوفييت، يضربونهم بالطائرات من فوق، وبالدبابات من تحت، وقتلوا منهم نحو مليونين، ولا تزال المأساة الأفغانية قائمة إلى اليوم، من جراء تلك الرِّدَّة وأهلها!!

والرِّدَّة ليست مجرد موقف عقلي، إنها تعني: نقل الولاء والانتماء من أمة إلى أمة أخرى مخالفة، فهي -بمعيار الدِّين- لون من الخيانة ونقض العهد، كما أن نقل الولاء من وطن إلى وطن -بمعيار الوطنية- يعتبر من الخيانة العظمى، ولا يقبل أحد أن يُعطَى الفرد حق تغيير ولائه لوطنه، فيصبح مواليًا للدولة المستعمرة، كأن يصبح الجزائري مواليًا لفرنسا المستعمرة، أو الفلسطيني مواليًا لإسرائيل.

على أن عقوبة المرتد بالقتل ليست أمرًا متفقًا عليه، فقد جاء عن عمر من الصحابة، وعن النَّخَعِي من التابعين، وعن الثوري من الأئمة: العقوبة بالسَّجن ونحوه. والحوار وطلب التوبة منه دائما[8].

2.
مجال حقوق المرأة:
وأما مجال حقوق المرأة، فلا ينكر أحد عَرَف الإسلام من مصادره الأصيلة: أن الإسلام أول من حرَّر المرأة وأنصفها وكرمها: إنسانا وأنثى وبنتا وزوجة وأما وعضوا في المجتمع.

وهذا ما قرَّرته آيات القرآن الكريم، وأحاديث الرسول القولية، وسنته العملية، وما طبقه الصحابة والخلفاء الراشدون.

وحسبنا أن القرآن يسويها بالرجل في الوظائف الدِّينية:
إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً [الأحزاب:35].
ويسوي بينهما في الوظائف الاجتماعية والسياسية:
وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ... [التوبة:71]، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: وظيفة اجتماعية وسياسية معا.
ويسوي بينهما في أصل الخَلق والتكليف:
فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ [آل عمران:195]، ومعنى بعضكم من بعض: أنّ الرجل من المرأة، والمرأة من الرجل، لا يستغني عنها، ولا تستغني عنه.
يؤكد هذا الحديث النبوي: "إنما النساء شقائق الرجال"[9].

وقد كانت المرأة تشارك الرجل في عبادة الصلاة في المسجد، ولها صفوفها خلف الرجال، وفي جلسات العلم مشاركة مع الرجال، ومنفردة بالرسول، وفي الحج والعمرة، وفي الغزوات في خدمة الجيش وإسعاف الجرحى، وفي حمل السيف أحيانا إذا اقتضى الحال.

وكانت تشير على ولي الأمر بما يأخذ به ولا يهمله، كما فعلت أم سلمة في الحديبية، وترد على ولي الأمر أحيانا ما تراه خطأ، ولو كان فوق المنبر، كما حدث في عهد عمر.

وكانت المرأة تعمل محتسبة على السوق، -كالشفاء بنت عبد الله العدوية في عهد عمر- لإيقاف الناس رجالا ونساء عند حدود الشرع في البيع والشراء والتعامل. ووظيفة المحتسب تجمع بين التنبيه والرقابة والتأديب، ولها سلطة التنفيذ.

وقد أجاز أبو حنيفة أن تعمل المرأة قاضية في غير الجنايات، وأجاز الطبري والظاهرية: أن تكون قاضية في كل شيء، وأن تتولى الوظائف ما عدا الإمامة العظمى، أي رئاسة الدولة. بل ربما قيل: إن الإمامة العظمى ليست مجرد رئاسة دولة إقليمية، فهذه أشبه بوالي الولاية. أما الإمامة العظمى -أو الخلافة- فهي رئاسة عامة على الأمة الإسلامية كلها!

وقد أصدرت فتوى منذ سنين وضحت فيها مشروعية قيام المرأة بالإدلاء بصوتها في الانتخاب، لأنه لا يعدو أن يكون شهادة، والله تعالى يقول:
وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ[الطلاق:2]، وإذا كان مطلوبا منها الشهادة في الحقوق الشخصية حتى لا تضيع كما قال القرآن: وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا [البقرة:282]، فكيف لا تشهد فيما يتصل بحقوق المجتمع أو الأمة كلها؟
وكذلك أجزت لها أن ترشح نفسها لمجلس الشورى أو النواب إذا كانت أهلا لذلك، ورددت على دعاوى الغلاة والمتشددين في هذا الأمر[10].

وأما القول بأنه لا يجوز أن تزوج نفسها إلا بإذن وليها، فهذا أمر ليس متفقا عليه، فمذهب أبي حنيفة وأصحابه يجيز لها أن تزوج نفسها بمن هو كفء لها. وظاهر القرآن يؤيد ذلك، حيث نسب النكاح إليها. والأحاديث الواردة في اشتراط الوليّ ليست في الصحيحين، وهي ليست محل اتفاق بين العلماء.

وأما جعل الطلاق بيد الرجل، فلحكمة لا تخفى على المنصف، وهو أن الرجل أبصر بالعواقب، وأكثر تحكما من المرأة في عواطفه، ومع هذا وضع الشرع قيودا كثيرة على الطلاق، حتى لا يقع إلا في أضيق نطاق.

وبعض الفقهاء أعطى المرأة حق طلب أن تكون العصمة بيدها، إذا أصرت على ذلك، وقَبِل الرجل، فتكون هي صاحبة الحل والعقد في ذلك.

وإذا لم يكن فقد أعطاها الشرع مقابل الطلاق: حق التحكيم عند الخلاف
فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا [النساء:35]، وحق الخلع، ومن الفقهاء من يرى إجبار الرجل على قبوله إذا تمسكت به المرأة، وأنا أرجح ذلك. وهناك حق القاضي في التطليق للضرر إذا وقع بالمرأة. ومن الفقهاء من أجاز للمرأة أن تشترط في العقد ما تشاء من الشروط لحفظ حقوقها، وضمان مستقبلها.
وأما قضية القوامة على الأسرة
الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ [النساء:34]، فليس لأن الرجل أفضل من المرأة، فلم يأت في القرآن ولا السنة نص صريح بذلك. وإنما الزواج شركة لا بد لها من مدير، والرجل هو الأولى بالإدارة من المرأة؛ بما فضل به من التبصر والأناة، كما أشرنا، ولأنه الذي ينفق على الأسرة في تأسيسها وفي استمرارها، فإذا انهدَّ هذا البناء، انهدَّ على أم رأسه، وهو الخاسر في كل حال. وليس معنى القوامة على الأسرة: أن يستبد الرجل بكل شيء، ولا يستشير زوجته في أمر، فليس هذا شأن المؤمنين، فالمؤمنون يشاور بعضهم بعضا: وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُم[الشورى:38]، ولا خاب من استخار، ولا ندم من استشار.
وأما الميراث وتفاوته بين الرجل والمرأة، فهو مبنيّ على تفاوت الأعباء والتكاليف المالية بين الرجل والمرأة، كما شرحناه في موضعه.

على أن ميثاق حقوق الإنسان ينبغي أن يقبل في الجملة، أما في الجزئيات والتفاصيل، فمن الواجب أن نراعي خصوصيات الأمم والأقوام، إذ لا يجوز أن نجبر أمة كبرى (مليار وثلث المليار) على أن تتخلى عن أحكام دينها وشريعتها من أجل الأمم المتحدة!!

ولهذا كان للجهات الإسلامية موقف من اتفاقية إلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة، فقد قبلت أكثرَ بنودها، ورفضت أقلَّها، لأنها لا تتفق مع قواطع الأحكام، وثوابت الشريعة.

حقوق العراة والشواذ:

بقي ما يقال عن موقف الإسلام المتصلب مما يسمى (حقوق العراة والشواذ) الذي وصفه بعضهم بأنه موقف عدواني من هذه الفئات، حيث حرم عليها أن تشبع شهواتها، كما تريد، ما دام ذلك بالتراضي. ولماذا يمنع الإسلام أن يستمتع الرجل بالمرأة والمرأة بالرجل كما يشتهيان؟ ولماذا لا يتمتع الرجل بالرجل، والمرأة بالمرأة؟ لماذا لا يتزوج كل منهما الآخر؟ ويكوِّنان أسرة مثلية؟!!

وأعتقد أن موقف الإسلام هنا ليس موقفا منفردا، فكل الأديان السماوية -على الأقل- تقف موقف الإسلام، تحرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، كلها تحرم الزنى أي التقاء الرجل بالمرأة لمجرد الشهوة، على غير عقد معلوم مشهود.

ومن قرأ أسفار العهد القديم (التوراة) وجد فيها الوصايا العشر المشهورة: (لا تقتل، لا تسرق، لا تزن ...)[11]، فحرم الاعتداء على النفس بالقتل، وعلى الأموال بالسرقة، وعلى الأعراض بالزنى. وكلها تريد أن ترتفع بالإنسان حتى لا يكون عبدا لشهواته، إنما عليه أن يزكي نفسه، حتى ترتقي بالفضائل.

وقد جاء في الإنجيل عن المسيح أنه قال لتلاميذه: لقد كان من قبلكم يقولون: لا تزن، وأنا أقول لكم: من نظر إلى امرأة يشتهيها بقلبه فقد زنى[12]!

حتى النظرة يعتبرها نوعا من الزنى، وهو يلتقي مع ما جاء به محمد نبي الإسلام: "العينان تزنيان، وزناهما النظر، واليدان تزنيان، وزناهما البطش، والرجلان يزنيان، وزناهما المشي، والفم يزني، وزناه القُبَل، والقلب يهوي ويتمنى، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه"[13].

كما حرم (الكتاب المقدس) عند المسيحين عمل قوم لوط، وهو الفاحشة التي ابتكرها هؤلاء، وعبر عنها القرآن بقوله:
أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ [الشعراء:166،165].
وجاء في القرآن كما جاء في التوراة: أن الله عاقبهم عقوبة شديدة، وأهلكهم ودمر قريتهم عليهم، تطهيرا للأرض من رجسهم.

فموقف الإسلام هنا هو موقف اليهودية والمسيحية، وموقف القرآن هو موقف التوراة والإنجيل.

ومن هنا لا يجيز الإسلام ما يسمُّونه الزواج المثلي: الرجل بالرجل، والمرأة بالمرأة، فهذا في الحقيقة ليس زواجًا، لأن الزواج أو الزوجية لا تكون إلا بين الشيء ومقابله: الذكر والأنثى، الموجب والسالب، لا بين الشيء ومثله، وهو الذي جاء منه قول الله تعالى:
وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [الذريات:49]، ولهذا كان هذا التصرف ضد الفطرة التي فطر الله الناس عليها، ولو استسلمت البشرية لهذه النزعة، لهلك العالم الإنساني بعد جيل أو جيلين، إذ النسل لا يتم إلا بالتقاء ذكر وأنثى، كما تقضي بذلك الفطرة البشرية، وسنة الله الكونية، وقوانينه الشرعية.
__________________
مستر/ عصام الجاويش
معلم خبير لغه انجليزيه بمدرسه التل الكبير الثانويه بنات بمحافظه الاسماعيليه
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 23-03-2011, 12:43 AM
الصورة الرمزية مستر/ عصام الجاويش
مستر/ عصام الجاويش مستر/ عصام الجاويش غير متواجد حالياً
مدرس اللغة الانجليزية للمرحلة الثانوية
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
العمر: 57
المشاركات: 5,854
معدل تقييم المستوى: 21
مستر/ عصام الجاويش is on a distinguished road
افتراضي

دولة الإسلام دولة مدنية مرجعيتها الإسلام
الفصل الثالث
دولة الإسلام دولة مدنية مرجعيتها الإسلام
ومما يلزم مما اتفق عليه العلمانيون من حرمان الإسلام من حق إقامة دولة: ما نفَّقوه من مزاعم حول طبيعة هذه الدولة المرجوة، فقد تقولوا عليها الأقاويل، وصوروها تصويرا مليئا بالأخيلة والتهاويل.
قالوا إنها دولة (دينية) ويعنون بالدِّينية: أنها دولة كهنوتية، تتحكم في أهل الأرض باسم السماء، وتتحكم في دنيا الناس باسم الله، ويدعون أن (حاكمية الله) التي قال بها داعيان كبيران من دعاة العصر: أبو الأعلى المودودي في باكستان، وسيد قطب في مصر: توجب أن تكون هذه الدولة دينية. كدولة الكنيسة الأوربية فيما سمي: (العصور الوسطى).
وهذه الدولة في رأيهم، إنما يملك زمامها (رجال الدِّين) الذين ليس لأحد غيرهم أن يفسر الدِّين أو يصدر الأحكام، وهم يفسرون الدِّين من منطلق الجمود والأفق الضيق، ويرجعون إلى الأوراق القديمة، ولا ينظرون إلى الآفاق الجديدة.
وهذه كلها دعاوى ما أنزل الله بها من سلطان، ولا قام عليها برهان.
فالحق أن الدولة الإسلامية: دولة مدنية، ككل الدول المدنية، لا يميزها عن غيرها إلا أن مرجعيتها الشريعة الإسلامية.
ومعنى (مدنية الدولة): أنها تقوم على أساس اختيار القوي الأمين، المؤهل للقيادة، الجامع لشروطها، يختاره بكل حرية: أهل الحل والعقد، كما تقوم على البيعة العامة من الأمة، وعلى وجوب الشورى بعد ذلك، ونزول الأمير أو الإمام على رأي الأمة، أو مجلس شوراها، كما تقوم كذلك على مسؤولية الحاكم أمام الأمة، وحق كل فرد في الرعية أن ينصح له، ويشير عليه، ويأمره بالمعروف، وينهاه عن المنكر. بل يعتبر الإسلام ذلك فرض كفاية على الأمة، وقد يصبح فرض عين على المسلم، إذا قدر عليه، وعجز غيره عنه، أو تقاعس عن أدائه.
إن الإمام أو الحاكم في الإسلام مجرد فرد عادي من الناس، ليس له عصمة ولا قداسة. وكما قال الخليفة الأول: إني وليت عليكم ولست بخيركم[1]. وكما قال عمر بن عبد العزيز: إنما أنا واحد منكم، غير أن الله تعالى جعلني أثقلكم حملا[2].
هذا الحاكم في الإسلام مقيد غير مطلق، هناك شريعة تحكمه، وقيم توجهه، وأحكام تقيده، وهي أحكام لم يضعها هو ولا حزبه أو حاشيته، بل وضعها له ولغيره من المكلَّفين: رب الناس، مَلِك الناس، إله الناس. ولا يستطيع هو ولا غيره من الناس أن يلغوا هذه الأحكام، ولا أن يُجمِّدوها. ولا أن يأخذوا منها ويدعوا بأهوائهم. وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً [الأحزاب:36].
وهناك أمة هي التي اختارت هذا الحاكم، وهي التي تحاسبه، وتقومه إذا اعوج، وتعزله إذا أصر على عوجه، ومن حق أي فرد فيها أن يرفض طاعته إذا أمر بأمر فيه معصية بيّنة لله تعالى. بل من واجبه أن يفعل ذلك، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. وفي الحديث الصحيح المتفق عليه: "السمع والطاعة حق على المرء المسلم فيما أحب وكره، ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة"[3]، والقرآن الكريم حين ذكر بيعة النساء للنبي، وفيها طاعة النبي وعدم معصيته: قيد ذلك بقوله: وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ [الممتحنة:12]. هذا وهو المعصوم المؤيد بالوحي، فغيره أولى أن تكون طاعته مقيدة.
ولم نر أحدا من الخلفاء في تاريخ الإسلام، أضفى على نفسه، أو أضفى عليه المسلمون: نوعا من القداسة، بحيث لا ينقد ولا يُقَوَّم، ولا يؤمر ولا ينهى.
بل تراهم جرَّأوا الناس على أن ينصحوهم ويقوّموهم، كما قال أبو بكر في أول خطبة له: إن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوِّموني. أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم[4].
وكان عمر يقول: مرحبا بالناصح أبد الدهر. مرحبا بالناصح غدوا وعشيا[5]. وقال قولته المعروفة: من رأى منكم في اعوجاجا فليقومني[6].
أتمثل هذه الدولة -وهذا منهاجها، وهؤلاء أفرادها- دولة دينية تحكم بالحق الإلهي؟ أم هي دولة يحكمها بشر غير معصومين، تقيدهم شريعة الله، وتراقبهم الأمة، وتحاسبهم، وتعتبرهم أجراء عندها كما قال أبو مسلم الخولاني لمعاوية[7]. وقد نظم ذلك أبو العلاء بقوله:
مُلَّ المقامُ فكم أعاشرُ أمـــةً أمرَتْ بغير صلاحِها أمراؤها
ظلموا الرعية واستجازوا كيدَها وعدَوْا مصالحها وهمُ أُجَراؤها
وقولنا: إن الدولة الإسلامية دولة مدنية، قاله من قبلنا الإمام محمد عبده في رده الشهير على فرح أنطون في كتابه الأصيل المعروف: (الإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية). قال الأستاذ الإمام:
(إن الإسلام لم يعرف تلك السلطة الدِّينية ... التي عرفتها أوربا ... فليس في الإسلام سلطة دينية سوى سلطة الموعظة الحسنة، والدعوة إلى الخير، والتنفير عن الشر ... وهي سلطة خوَّلها الله لكل المسلمين، أدناهم وأعلاهم ... والأمة هي التي تولي الحاكم ... وهي صاحبة الحق في السيطرة عليه، وهي تخلعه متى رأت ذلك من مصلحتها، فهو حاكم مدني من جميع الوجوه. ولا يجوز لصحيح النظر أن يخلط الخليفة، عند المسلمين، بما يسميه الأفرنج (ثيوكرتيك)، أي سلطان إلهي ... فليس للخليفة -بل ولا للقاضي، أو المفتي، أو شيخ الإسلام- أدنى سلطة على العقائد وتحرير الأحكام، وكل سلطة تناولها واحد من هؤلاء فهي سلطة مدنية، قدرها الشرع الإسلامي ... فليس في الإسلام سلطة دينية بوجه من الوجوه ... بل إن قلب السلطة الدِّينية، والإتيان عليها من الأساس، هو أصل من أجَلِّ أصول الإسلام؟!)[8].
لكن نفي (الوصف الدِّيني) -أعني الكهنوتي والثيوقراطي والحكم بالحق الإلهي بواسطة طبقة بعينها- لا يعني نفي (الوصف الإسلامي) عنها. فهي دولة (مدنية) مرجعيتها الشريعة الإسلامية.
وذلك (لأن الإسلام -كما يقول الأستاذ الإمام: دين وشرع، فهو قد وضع حدودا، ورسم حقوقا ... ولا تكتمل الحكمة من تشريع الأحكام إلا إذا وجدت قوة لإقامة الحدود، وتنفيذ حكم القاضي بالحق، وصون نظام الجماعة ... والإسلام لم يدع ما لقيصر لقيصر، بل كان شأنه أن يحاسب قيصر على ما له، ويأخذ على يده في عمله ... فكان الإسلام: كمالا للشخص ... وألفة في البيت ... ونظاما للمُلك)[9].
الدولة الإسلامية ورجال الدِّين:
ومن الأوهام المعششة في كثير من الأذهان والتي يروجها دعاة العلمانية: أن الدولة الإسلامية هي دولة المشايخ ورجال الدِّين. وربما اقتبسوا هذه الصورة من حكم الكنيسة الغربية قديما، وهو الحكم الثيوقراطي المعروف. وربما ذكر بعضهم دولة الملالي وآيات الله وحجج الاسلام، في الجمهورية الإسلامية في إيران.
وقياس الإسلام على المسيحية قياس باطل من أساسه، فالمسيحية تقوم على نظام كهنوتي معترف به، له سلطانه ونفوذه وأملاكه، ورجاله، على اختلاف مراتبهم ودرجاتهم في سلم القيادة المسيحية. ولا يوجد هذا في الإسلام.
فالمسلم يستطيع أن يؤدي عبادته من صلاة وصيام وزكاة وحج، بدون وساطة كاهن، وليس بينه وبين الله وساطة، وباب الله مفتوح له في كل حين، وكل حال، ليس عليه حاجب ولا بواب. وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ [البقرة:186].
وحكم الملالي والآيات في إيران ليس لازما، وإن رشحتهم للقيادة أكثر من غيرهم: نظرية (ولاية الفقيه). ولكن رأينا أول رئيس للجمهورية بعد انتصار الثورة، وبإقرار الإمام الخميني نفسه: كان مدنيا، هو الحسن بني صدر. وإن حدث خلاف معه بعد ذلك.
ورأينا رئيس الجمهورية الحالي محمود أحمدي نجاد ينتصر في الانتخابات على أحد مشايخ الدِّين، ورموز النظام، وهو حجة الإسلام رفسنجاني.
وفي كل المذاهب الإسلامية -ومذهب أهل السنة خاصة- يرشح الشخص للمنصب: صفتان أساسيتان: القوة والأمانة، كما أشار إلى ذلك القرآن: إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِين [القصص:26]
والقوة تعني: الكفاية والقدرة على أداء العمل بجدارة، بما لدى الشخص من مواهب وثقافة وخبرة وقدرة. فهذا يعني: الجانب العلمي والفني.
والأمانة: تعني الجانب الخُلُقي، بحيث يخشى الله في عمله، لا يغش ولا يخون، ولا يهمل، ولا يتعدى حدا من حدود الله، ولا يجور على حق من حقوق الناس.
كلمة نيّرة للشيخ الغزالي:
فهذا هو المطلوب في رجل الدولة المسلمة، قبل أي شيء آخر. وتعجبني كلمات قالها شيخنا الشيخ محمد الغزالي رحمه الله حين كان يرد على الشيخ خالد محمد خالد، تحت عنوان (شبهات حول الحكم الدِّيني). أحببت أن أسجلها هنا لما فيها من روعة البيان وقوة الحجة. قال رحمه الله:
(يقع في الوهم أن الحكم الدِّيني إذا أقيم فسيكون رجاله هم أنفسهم أولئك الذين نسميهم الآن (رجال الدِّين) وقد تثبت في الخيال صور لعمائم كبيرة ولحى موفورة وأردية فضفاضة.
وقد تتوارد هذه الصور وملابساتها الساخرة فنظن أن الوزراء في هذه الحكومة سيديرون عجلة الحياة إلى الوراء، وينشغلون بأمور لا تمت إلى حقائق الدنيا وشئون العمران بصلة.
ومن يدري؟ فقد يشتغلون بالوعظ ومحاربة البدع والاستعداد للحياة الآخرة.
وحسبهم ذلك من الظفر بالحكم!
وهذا وهم مضحك، ولعله بالنسبة إلى الإسلام خطأ شائن.
فنحن لا نعرف نظاما من الكهنوت يحمل هذا الاصطلاح المريب (رجال الدِّين).
وقد يوجد فريق من الناس يختص بنوع من الدراسات العلمية المتعلِّقة بالكتاب والسنة، ولكن هذا النوع من الدراسات لا يعدو أن يكون ناحية محدودة من آفاق الثقافة الإسلامية الواسعة، تلك الثقافة التي تشمل فنونا لا آخر لها من حقائق الحياتين ومن المعرفة المادية وغير المادية.
والعلماء بالكتاب والسنة يمثلون فريقا من المسلمين قد يكون مثل غيره أو دونه أو فوقه، ولم يكن التقدم الفقهي مُرشِحا للحكم في أزهى عصور الإسلام.
وقد كان أبو هريرة وابن عمر وابن مسعود من أعرف الصحابة بالكتاب والسنة، ومن أكثرهم تحديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم فهل كانت منزلتهم في بناء الدولة الإسلامية منزلة الخلفاء الأربعة أو منزلة سعد بن أبي وقاص أو خالد بن الوليد أو أبي عبيدة بن الجراح؟
الواقع أن المسلمين كافة رجال لدينهم -أو ذلك ما يجب أن يكون -والذي يخدم دينه في ميدان القتال أو السياسة أو الحكم أو الصناعة أو العلم هو لا ريب رجل لدينه لا غبار عليه.
وليس أحد أحق من أحد بهذا الوصف، ولا كان احتكارا لطائفة دون أخرى يوما ما.
والصورة الصادقة للحكومة -كما يقيمها الإسلام- صورة رجال أحرار الضمائر والعقول، يفنون أشخاصهم ومآربهم في سبيل دينهم وأمتهم.
صورة كفايات خارقة، وثروات عريضة، من بعد النظر، ودقة الفَهم، وعظم الأمانة، تسعد بها المبادئ والشعوب.
صورة أفراد لهم مهارة عبد الرحمن بن عوف في التجارة، وابن الوليد في القيادة، وابن الخطاب في الحكم؛ قد يولدون في أوساط مجهولة فلا تبرزهم إلا مواهبهم ومَلَكاتهم في مناحي الدنيا وميادين العمل.
إن الحكم الدِّيني ليس مجموعة من الدراويش والمتصوفة والمنتفعين في ظل الخرافات المقدسة ... ويوم يكون كذلك فالإسلام منه بريء)[10].
قيام الدولة الإسلامية على عقيدة الحاكمية لا يعني: أنها دولة دينية:
وأما من استدل من الكتاب المعاصرين على أن الدولة الإسلامية دولة دينية -على معنى أنها تحكم بالحق الإلهي- بأنها تقوم على عقيدة الحاكمية الإلهية، التي دعا إليها بقوة: أبو الأعلى المودودي في باكستان، وسيد قطب في مصر. وهي نفس الفكرة التي دعا إليها الخوارج قديما.
فالحق أن فكرة الحاكمية أساء فَهمها الكثيرون، وأدخلوا في مفهومها ما لم يرده أصحابها.
وأود أن أنبه هنا على جملة ملاحظات حول هذه القضية:
1- الملاحظة الأولى: أن أكثر من كتبوا عن (الحاكمية) التي نادى بها المودودي وأخذها عنه سيد قطب، ردوا أصل هذه الفكرة إلى (الخوارج) الذين اعترضوا على علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قبوله فكرة التحكيم من أساسها، وقالوا كلمتهم الشهيرة: (لا حكم إلا لله)، ورد عليهم الإمام بكلمته التاريخية البليغة الحكيمة حين قال: كلمة حق يُراد بها باطل! نعم، لا حكم إلا لله، ولكن هؤلاء يقولون: لا إمرة إلى لله! ولا بد للناس من أمير بر أو فاجر[11]!
وهذا المعنى الساذج للحكم أو الحاكمية أصبح في ذمة التاريخ، ولم يعد أحد يقول به، حتى الخوارج أنفسهم وما تفرع عنهم من الفرق، فهم طلبوا الإمارة وقاتلوا في سبيلها، وأقاموها بالفعل، في بعض المناطق، فترات من الزمان.
أما الحاكمية بالمعنى التشريعي، ومفهومها: أن الله سبحانه هو المُشرَّع لخَلقه، وهو الذي يأمرهم وينهاهم، ويحل لهم ويحرم عليهم، فهذا ليس من ابتكار المودودي ولا سيد قطب، بل هو أمر مقرَّر عند المسلمين جميعا. ولهذا لم يعترض على رضي الله عنه على المبدأ، وإنما اعترض على الباعث والهدف المقصود من وراء الكلمة. وهذا معنى قوله: "كلمة حق يُراد بها باطل".
وقد بحث في هذه القضية علماء (أصول الفقه) في مقدماتهم الأصولية التي بحثوا فيها عن الحكم الشرعي، والحاكم، والمحكوم به، والمحكوم عليه.
فها نحن نجد إماما أصوليا مثل حجة الإسلام أبي حامد الغزالي، يقول في مقدمات كتابه الشهير (المستصفى من علم الأصول) عن (الحكم) الذي هو أول مباحث العلم، وهو عبارة عن خطاب الشرع، ولا حكم قبل ورود الشرع، وله تعلُّق بالحاكم، وهو الشارع، وبالمحكوم عليه، وهو المكلف، وبالمحكوم فيه، وهو فعل المكلف...
ثم يقول: (وفي البحث عن الحاكم يتبين أن (لا حكم إلا لله) وأن لا حكم للرسول، ولا للسيد على العبد، ولا لمخلوق على مخلوق، بل كل ذلك حكم الله تعالى ووضعه لا حكم لغيره)[12].
ثم يعود إلى الحديث عن (الحاكم) وهو صاحب الخطاب الموجه إلى المكلَّفين، فيقول: (أما استحقاق نفوذ الحكم فليس إلا لمن له الخَلق والأمر، فإنما النافذ حكم المالك على مملوكه، ولا مالك إلا الخالق، فلا حكم ولا أمر إلا له، أما النبي صلى الله عليه وسلم والسلطان والسيد والأب والزوج، فإذا أمروا وأوجبوا لم يجب شيء بإيجابهم، بل بإيجاب من الله تعالى طاعتهم، ولولا ذلك لكان كل مخلوق أوجب على غيره شيئا، كان للموجب عليه أن يقلب عليه الإيجاب، إذ ليس أحدهما أولى من الآخر، فإذن الواجب طاعة الله تعالى، وطاعة من أوجب الله تعالى طاعته)[13].
الملاحظة الثانية: أن (الحاكمية) التي قال بها المودودي وقطب، وجعلاها لله وحده، لا تعني أن الله تعالى هو الذي يولي العلماء والأمراء، يحكمون باسمه، بل المقصود بها الحاكمية التشريعية فحسب، أما سند السلطة السياسية فمرجعه إلى الأمة، هي التي تختار حكامها، وهي التي تحاسبهم، وتراقبهم، بل تعزلهم. والتفريق بين الأمرين مهم والخلط بينهما موهم ومضلل، كما أشار إلى ذلك الدكتور أحمد كمال أبو المجد، بحق[14].
فليس معنى الحاكمية الدعوة إلى دولة ثيوقراطية، بل هذا ما نفاه كل من سيد قطب والمودودي رحمهما الله.
أما سيد قطب، فقال في (معالمه):
(ومملكة الله في الأرض لا تقوم بأن يتولى الحاكمية في الأرض رجال بأعيانهم -هم رجال الدِّين- كما كان الأمر في سلطان الكنيسة، ولا رجال ينطقون باسم الآلهة، كما كان الحال فيما يعرف باسم (الثيوقراطية) أو الحكم الإلهي المقدس!! ولكنها تقوم بأن تكون شريعة الله هي الحاكمة، وأن يكون مردُّ الأمر إلى الله وفق ما قرَّره من شريعة مبينة)[15].
وأما المودودي، فقد أخذ بعض الناس جزءا من كلامه وفهموه على غير ما يريد، ورتبوا عليه أحكاما ونتائج لم يقل بها، ولا تتفق مع سائر أفكاره ومفاهيم دعوته، التي فصَّلها في عشرات الكتب والرسائل والمقالات والمحاضرات. وهذا ما يحدث مع كلام الله تعالى وكلام رسوله، إذا أخذ جزء منه معزولا عن سياقه وسباقه، وعن غيره مما يكمله أو يبينه أو يقيده، فكيف بكلام غيرهما من البشر؟
فقد ذكر المودودي خصائص الديمقراطية الغربية ثم قال: (وأنت ترى أنها ليست من الإسلام في شيء. فلا يصح إطلاق كلمة (الديمقراطية) على نظام الدولة الإسلامية، بل أصدق منها تعبيرا كلمة (الحكومة الإلهية أو الثيوقراطية)).
ثم استدرك فقال: (ولكن الثيوقراطية الأوروبية تختلف عنها الحكومة الإلهية (الثيوقراطية الإسلامية) اختلافا كليا، فإن أوروبا لم تعرف منها إلا التي تقوم فيها طبقة من السدنة مخصوصة يشرعون للناس قانونا من عند أنفسهم[16]، حسب ما شاءت أهوائهم وأغراضهم، ويسلطون ألوهيتهم على عامة أهل البلاد متسترين وراء القانون الإلهي، فما أجدر مثل هذه الحكومة أن تسمى بالحكومة الشيطانية منها بالحكومة الإلهية!
وأما الثيوقراطية التي جاء بها الإسلام فلا تستبد بأمرها طبقة من السدنة أو المشايخ، بل هي التي تكون في أيدي المسلمين عامة، وهم الذين يتولون أمرها والقيام بشئونها وفق ما ورد به كتاب الله وسنة رسوله. ولئن سمحتم لي بابتداع مصطلح جديد لآثرت كلمة (الثيوقراطية الديمقراطية) أو (الحكومة الإلهية الديمقراطية) لهذا الطراز من نظم الحكم، لأنه قد خوَّل فيها للمسلمين حاكمية شعبية مقيدة. وذلك تحت سلطة الله القاهرة وحكمه الذي لا يغلب، ولا تتألف السلطة التنفيذية إلا بآراء المسلمين، وبيدهم يكون عزلها من نصبها، وكذلك جميع الشئون التي يوجد عنها في الشريعة حكم صريح، لا يقطع فيها بشيء إلا بإجماع المسلمين.
وكلما مست الحاجة إلى إيضاح قانون أو شرح نص من نصوص الشرع، لا يقوم ببيانه طبقة أو أسرة مخصوصة فحسب، بل يتولى شرحه وبيانه كل مَن بلغ درجة الاجتهاد من عامة المسلمين.
فمن هذه الوجهة يعد الحكم الإسلامي (ديمقراطيا))[17].
فهذا ما يُفهم من مجموع كلام المودودي، وإن كان لنا تحفظ على تسميته الحكومة الإسلامية (ثيوقراطية) لما فيه من إيهام التشابه بـ(الثيوقراطيات) المعروفة في التاريخ، وإن نفى هو ذلك.
2- الملاحظة الثالثة: أن الحاكمية التشريعية التي يجب أن تكون لله وحده، ليست لأحد من خَلقه، هي الحاكمية (العليا) و(المطلقة) التي لا يحدها ولا يقيدها شيء، فهي من دلائل وحدانية الألوهية.
وهذه الحاكمية -بهذا المعنى- لا تنفي أن يكون للبشر قدر من التشريع أذن به الله لهم. إنما هي تمنع أن يكون لهم استقلال بالتشريع غير مأذون به من الله، وذلك مثل التشريع الدِّيني المحض، كالتشريع في أمر العبادات بإنشاء عبادات وشعائر من عند أنفسهم، أو بالزيادة فيما شرع لهم باتِّباع الهوى. أو بالنقص منه كما أو كيفا، أو بالتحويل والتبديل فيه زمانا أو مكانا أو صورة. ومثل ذلك التشريع في أمر الحلال والحرام، كأن يحلوا ما حرم الله ويحرموا ما أحل لله، وهو ما اعتبره النبي صلى الله عليه وسلم نوعا من (الربوبية) وفسر به قوله تعالى في شأن أهل الكتاب: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ [التوبة:31].
وكذلك التشريع فيما يصادم النصوص الصحيحة الصريحة كالقوانين التي تقر المنكرات، أو تشيع الفواحش ما ظهر منها وما بطن، أو تعطل الفرائض المحتَّمة، أو تلغي العقوبات اللازمة، أو تتعدى حدود الله المعلومة.
أما فيما عدا ذلك فمن حق المسلمين أن يشرعوا لأنفسهم. وذلك في دائرة ما لا نص فيه أصلا وهو كثير، وهو المسكوت عنه الذي جاء فيه حديث: "وما سكت عنه فهو عفو"[18]، وهو يشمل منطقة فسيحة من حياة الناس.
ومثل ذلك ما نص فيه على المبادئ والقواعد العامة دون الأحكام الجزئية والتفصيلية.
ومن ثَمَّ يستطيع المسلمون أن يشرعوا لأنفسهم بإذن من دينهم في مناطق واسعة من حياتهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، غير مقيدين إلا بمقاصد الشريعة الكلية، وقواعدها العامة. وكلها تراعي جلب المصالح، ودرء المفاسد، ورعاية حاجات الناس أفرادا وجماعات.
وكثير من القوانين التفصيلية المعاصرة لا تتنافى مع الشريعة في مقاصدها الكلية، ولا أحكامها الجزئية، لأنها قامت على جلب المنفعة، ودفع المضرة، ورعاية الأعراف السائدة.
وذلك مثل قوانين المرور أو الملاحة أو الطيران، أو العمل والعمال، أو الصحة أو الزراعة، أو غير ذلك مما يدخل في باب السياسة الشرعية، وهو باب واسع[19].
ومن ذلك تقييد المباحات تقييدا جزئيا ومؤقتا، كما منع سيدنا عمر الذبح في بعض الأيام، وكما كره لبعض الصحابة الزواج من غير المسلمات، حتى لا يقتدى بهم الناس، ويكون في ذلك فتنة على المسلمات.
والأستاذ المودودي -وهو أشهر من نادى بالحاكمية، وتشدد فيها- قد بيَّن في كلامه أن للناس متسعا في التشريع فيما وراء القطعيات والأحكام الثابتة والحدود المقرَّرة. وذلك عن طريق تأويل النصوص وتفسيرها، وعن طريق القياس، وطريق الاستحسان، وطريق الاجتهاد[20].
__________________
مستر/ عصام الجاويش
معلم خبير لغه انجليزيه بمدرسه التل الكبير الثانويه بنات بمحافظه الاسماعيليه
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 23-03-2011, 09:01 PM
أبو إسراء A أبو إسراء A غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Mar 2009
المشاركات: 6,315
معدل تقييم المستوى: 22
أبو إسراء A is a jewel in the rough
افتراضي

سلمت يمينك أخى الكريم ، وجعل ما سطرت فى ميزان حسناتك.
__________________
المستمع للقرآن كالقارئ ، فلا تحرم نفسك أخى المسلم من سماع القرآن .

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 27-03-2011, 07:17 PM
همس الهداية1 همس الهداية1 غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Mar 2011
المشاركات: 3
معدل تقييم المستوى: 0
همس الهداية1 is on a distinguished road
افتراضي

جزاك الله خيرا وبارك فيك
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 01-04-2011, 11:40 AM
الصورة الرمزية همسة امل
همسة امل همسة امل غير متواجد حالياً
عضو مجتهد
 
تاريخ التسجيل: Sep 2009
المشاركات: 63
معدل تقييم المستوى: 16
همسة امل is on a distinguished road
افتراضي

بارك الله فيك وجعله في ميزان حسناتك
رد مع اقتباس
  #11  
قديم 01-04-2011, 01:29 PM
فارسة الإسلام فارسة الإسلام غير متواجد حالياً
عضو خبير
 
تاريخ التسجيل: Aug 2010
المشاركات: 741
معدل تقييم المستوى: 15
فارسة الإسلام is on a distinguished road
افتراضي

جزاك الله خيراً وبارك الله فيك
رد مع اقتباس
  #12  
قديم 21-04-2011, 05:36 PM
mr.mahmoud roshdy mr.mahmoud roshdy غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2011
المشاركات: 36
معدل تقييم المستوى: 0
mr.mahmoud roshdy is on a distinguished road
افتراضي

مشكوووووووووووووووور
رد مع اقتباس
  #13  
قديم 25-04-2011, 03:29 PM
Observer Observer غير متواجد حالياً
عضو قدوة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2009
المشاركات: 8,627
معدل تقييم المستوى: 24
Observer is on a distinguished road
افتراضي


رد مع اقتباس
  #14  
قديم 11-05-2011, 11:50 AM
محمد التلاوى محمد التلاوى غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Oct 2010
المشاركات: 6
معدل تقييم المستوى: 0
محمد التلاوى is on a distinguished road
افتراضي

الله عليك يامستر عصام بحق انت هائل فى كل المجالاتwell done
رد مع اقتباس
  #15  
قديم 14-05-2011, 07:00 PM
الصورة الرمزية طارق احمد عبد السلام
طارق احمد عبد السلام طارق احمد عبد السلام غير متواجد حالياً
عضو متواصل
 
تاريخ التسجيل: Apr 2011
المشاركات: 879
معدل تقييم المستوى: 14
طارق احمد عبد السلام is on a distinguished road
افتراضي

اللهم اعذ الاسلام والمسلمين
__________________
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 04:54 AM.