|
أرشيف المنتدى هنا نقل الموضوعات المكررة والروابط التى لا تعمل |
|
أدوات الموضوع | ابحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
حليمة الزنجبارية.. والساعي جبريل
منقول من البريد حليمة الزنجبارية.. والساعي جبريل حليمة.. امرأة افريقية شديدة السواد.. من جزيرة صغيرة ذات اغلبية مسلمة اسمها زنجبار.. متزوجة ولديها عدة اطفال.. التقيتُها قبل اكثر من عشرين عاما (وكنتُ في المرحلة الابتدائية وقتها) عندما كانت جارة لبيت خالتي. كان المجلس مجلس قرآن، وكانت امي وخالتي تتدارسان القرآن عندما رن جرس الباب واقبلت حليمة لتعرّفها خالتي علينا، كانت تتحدث باللغة العربية الفصحى، ثم جلست وبدأ صوتها يصدح بالقرآن. لازلتُ اذكر ذلك الصوت العذب الندي، ولا يزال يتردد في اذني وكأنه ألقي على مسامعي بالامس، وهي تقرأ سورة من القرآن بصوت اشبه بصوت القاريء الشيخ عبد الباسط عبد الصمد (رحمه الله )! هل كانت تتلو قصة يوسف عليه السلام عندما ألقوه اخوته ظلما في البئر؟ ام كانت قصة مريم عليها السلام عندما فاجأها المخاض الى جذع النخلة؟ لا اذكر.. ولكن ما كان بوسعك وانتِ في ذلك المجلس تستمعين الى حليمة، الا ان تدمع عيناكِ وانت تسترجعين في فيلم الرسالة المشهد الذي يمثل الصحابي الجليل بلال بن رباح بوجهه الاسود وشفتيه الغليظتين وعيناه اللامعتين وهو يصعد على ظهر الكعبة ليؤذن في مكة لاول مرة!!! انه صوت يرجف له القلب.. ويُسري القشعريرة في الجسد.. و لا يمكن لاذنك ان تنساه ما حييتِ! انتهينا من قراءة القرآن، ثم اخذت تسرد علي وعلى والدتي حكايتها.. والد حليمة حلم ذات ليلة انه رأى احدى طفلتيه حافظة للقرآن الكريم، فاستيقظ واخبر رؤياه لهما وقال: من منكما تريد حفظ القرآن؟؟ فاجابت الطفلة حليمة بلا تردد: انا يا ابتِ! وكانت لا تفقه أي كلمة عربية آنذاك.. متنقلة بين الكتاب والمحفظين في زنجبار، حفظت الطفلة حليمة القرآن عن ظهر غيب ، وهي لا تقرأ ولا تكتب ولا تفهم حرفا عربيا واحدا! كم استغرقها الامر؟ لا ادري. اترك لكِ الخيال لذلك! تزوجت بعد ذلك وانتقلت هي وزوجها الى دولة الامارات العربية المتحدة بحكم عمله.. حيث التقيتُها هناك. مرت الايام والسنوات، ولم تكن الحياة الزوجية لحليمة كاملة، فقد وصلت هي وزوجها الى مفترق طرق: طريق الدنيا وطريق الاخرة، وانفصلا، ليترك لها الاطفال تربيهم بمفردها رغم ضيق ذات اليد. ضاقت الدنيا بحليمة، فهي أميّة لا تعرف القراءة او الكتابة، تتحدث الانجليزية (اللغة الثانية في زنجبار) لكنها لا تعرف من العربية الا النزر اليسير، وكانت تعمل في المجال الديني وتحفيظ القرآن الكريم . كانت احلامها كبيرة، وطموحها عارما، رغم اغترابها وطلاقها وعدم وجود اية خلفية تعليمية لها. الا انها كانت تحمل القرآن في صدرها، وعاهدت نفسها ان تنقله لابنائها وبناتها الواحد تلو الاخر. فكانت تُخرج ابنها من المدرسة عندما يصل الى مرحلة معينة، وتسلمه عاما كاملا الى احد الشيوخ المقرئين، ولا تعيده الى المدرسة الا العام الذي يكون قد حفظ القرآن خلاله عن ظهر قلب. لا ادري كم لديها من الابناء والبنات ، لكن ما اعلمه انهم ما شاء الله تبارك الله كلهم من حفظة القرآن الكريم، او انهم في طريقهم الى ذلك بعد تردد طويل قررت حليمة ذات يوم قرارا مصيريا كان نقطة تحول في حياتها.. لقد قررت ان تتعلم مع ابنتها الصغرى بالصف الاول الابتدائي القراءة والكتابة. فانتسبت لمدرسة مسائية، وبدأت السلم من الصفر… لتتعلم كتابة الحروف وتهجئة الكلمات وكتابة الجمل، وتعود لتراجع مع ابنتها الدروس بكل حبور طفل يخطو خطواته التعليمية لاول مرة! كانت جذلة سعيدة وهي تتأمل حروف القرآن وتفهمها لاول مرة، تستطيع ان تنظر الى الايات، تستطيع ان تهجئ الكلمات، شعور لا يوصف لا يعرفه الا أمّي محروم من العلم سنوات طويلة! كان حلم حليمة ان تقرأ وتكتب، بداية….. ولكن الحلم ما لبث ان تحول الى هدف صعود السلم درجة درجة، كان السلم ممتد امامها، فيه عقبات ومطبات على غرار “لكن” و “بس” و”أصلو…”….. لكنها كانت بين حين واخر تنبش جيوبها… لتنفضها من الاعذار… ويممت وجهها شطر ما تريد وما تحلم.. وحثت الخطى دون توقف. كم كان عمرها؟ ربما ثلاثين او يزيد.. حقيقة لا اعرف.. لكن ما اعرفه انها ام.. مطلقة.. مغتربة.. معها دستة اطفال.. والتزامات مالية.. واجتماعية.. ووظيفية… ومجتمع يبخر الهمم والعزائم ويشدك الى القاع .. واعذار لا تنتهي (بالنسبة للكثيرات منا!).. تابعت حليمة مشوارها حتى انتهت من المرحلة الابتدائية.. ولم تكتفِ.. ثم تابعت المرحلة الاعدادية.. واردفتها بالمرحلة الثانوية… وانهتهما بنجاح… لكنها لم تكتفِ.. كانت عيناها على التعليم الجامعي.. يا الهي.. هل تتشجع؟؟ نعم تشجعت.. هي استطاعت ان تبدأ من الصفر.. فما المانع ان تتابع العد حتى نهاية الاعداد؟؟؟؟ هو أمر عسير على الفهم.. امرأة انهت تعليمها المدرسي بنجاح.. اصبحت تقرأ وتكتب… واصبحت في عداد المتعلمات بمتوسط حدود الثقافة في مجتمعاتنا اليوم.. ما الذي يدفعها لتكمل؟؟ هو امر لا يفهمه.. الا من تذوق حلاوة صعوده.. درجة درجة… ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما.. سهل الله له طريقا الى الجنة… وحليمة كانت تشم رائحة الجنة في اعلى ذاك السلم!! وقفت حليمة هنيهة.. تسترد انفاسها … وتقلب كفيها في حيرة… من اين لها ان تدخل الجامعة وليس لديها ما يكفي من مال للدراسة؟ كانت انفقت ما انفقت على اولادها.. ولكن هي.. هل تستحق ان تضع مبلغا باهظا من المال لاجل اكمال تعليم جامعي بمثابة شيء كمالي لها؟؟ ترددت في حيرتها.. وهي تراوح نظراتها بين اسفل السلم وأعلاه… هل تقف هنا.. وينتهي الحلم؟ هل تتابع؟ لكن كيف؟؟؟ جلست ذات ليلة تبكي وتدعو ربها.. يا رب.. ماذا عساي ان افعل؟؟؟ هي رغبة شديدة جامحة.. تريد ان تتابع التعليم الشرعي.. تريد ان تتعلم اصول الدين والفقه.. تريد وتريد.. لكن ما باليد حيلة! هو الرزاق الكريم.. فتوكلوا عليه… اضاء نور هذه الكلمات في قلبها.. صلت استخارة.. ثم تناولت ورقة وقلما.. وكتبت رسالة.. الى: شيخ الامارة صاحب السمو فلان ابن فلان… حفظه الله.. ماذا طلبت؟ طلبت منحة دراسية.. لتكمل تعليمها الجامعي.. في جامعة امارة الشيخ. شرحت ظروفها، واوضحت مستوى تعليمها، كيف بدأت وإلام وصلت.. كم لديها من ابناء، كم يحفظون من القرآن. واتصور انها قالت في نهاية ما قالت: قد لا اكون اكثر من يستحق هذه المنحة.. لكن اعلم ان ربي كريم واني استحق كرمه! وضعت الرسالة في المظروف.. واغلقت المظروف.. وتأملته طويلا… ما هو عنوان الشيخ؟ لا تدري! الى من تعطي الرسالة؟ ايضا لا تدري.. قرأت من القرآن ما شاء الله ان يقرأ.. ودعت ما شاء الله ان تدعو.. وكتبت على ظهر المظروف بيقين يملؤ الارض: الى صاحب السمو …… حفظه الله.. ساعي البريد/ جبريل وألقت الرسالة في صندوق بريد المدينة وقلبها يخفق ويلهج بالدعاء… لتتركها بين يدي الله سبحانه وتعالى…… جاءها الرد بعد عدة ايام.. او ربما اسابيع… جاءها مختوما من ديوان الشيخ… ليبلغها انه تم تسجيلها في كلية الشريعة الاسلامية بالجامعة الفلانية وفق طلبها في رسالة وصلت منها….. ما هو شعورك عندما تغلق كل الابواب الا بابه؟ حليم كريم… لا يرد أمته. ان كنتِ صادقة… صدق الله معك! بدأت حليمة حياة جديد… ودخلت كلية الشريعة.. وانهت البكالوريوس.. ولم تكتفِ.. تابعت واتمت الماجستير…. ولم تكتفِ.. يا الهي هل تجرؤ؟؟؟ نعم جرأت وتجرؤ وتتجرأ… كان الله كريما معها… فارادت ان تكون أهلة لكرمه وجوده… وتعدت كل حدود البشر…! نعم.. حليمة اليوم اتمت رسالة الدكتوراه.. تحمل لقب د. حليمة.. وتعمل كمحاضرة في نفس الجامعة بكلية الشريعة… وحصلت على درع تكريم من سمو الشيخ الذي امهر بختمه على رسالة طلبها… كان هذا ما آخر وصلني من اخبار حليمة الزنجبارية… انقلها لك مع بعض الاسقاطات البسيطة.. وهذه الاسقاطات تشمل سنوات من المعاناة والتعب والالتزامات والظروف حولها… لم اذكرها لأني لا اعرفها تفصيلا.. لكن بامكانك ان تتخيلي حجمها وهي في هذه المسيرة المضنية يوما بعد يوم لسنوات!! لكل من ضاقت بها الدنيا.. لكل من فشلت ولم تستطع المتابعة.. لكل من تعثرت.. وتدهورت.. واستصعبت.. واستسلمت.. وانقطعت بها السبل… لكل اولئك.. قصصتُ عليكن قصة حليمة الزنجبارية.. قصة صمود وكفاح.. ونجاح مبارك بفضل الله تعالى اولا واخيرا. تحية اكبار واجلال لحليمة وامثال حليمة.. تحية للامهات.. القدوات الرائعات لابنائهن في كل زمان ومكان… تحية للمطلقات.. اللواتي لا يعتبرن الطلاق نهاية المطاف.. انما بداية التفاؤل بالحياة.. تحية للطالبات المجدات.. اللواتي يقطفن العلم ثمرة ثمرة من اشجار المجد.. تحية للمغتربات.. اللواتي يعتبرن غربتهن نزهة علم وتحقيق طموح وبلوغ أمانيّ.. تحية لحافظات كتاب الله.. اللواتي يقدسن واجب من علم القرآن وعلمه.. تحية لكل امرأة مسلمة.. ترى انها تستحق كل خير.. وتستحق كل نجاح…. واتحية لمن اخلت جيوبها من الاعذار.. وتحدت الزمان والمكان والظروف المحيطة.. تحية لمن اثبتت انها تقدر.. بتوكلها على رب العالمين.. وبيقينها انه لا يضيع عمل عامل منكم من ذكر او انثى… كانت هذه قصة نجاح حقيقية.. واقعية.. تبعد بضع ومضات عن عقلك.. فهل لديكِ بعد الان من عذر؟ اترك الجواب لك! |
#2
|
||||
|
||||
|
العلامات المرجعية |
|
|