#1
|
|||
|
|||
![]() حتى تفرح بصيامك قال - تعالى-(شهر رمضانالذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهرفليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريدبكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون) (185) البقرة لا بد أولا أن نعلم أنالله - تعالى -له الحكم وحده، وأحكامه - سبحانه - في غاية الحكمة والكمال و الإتقان قال - تعالى-(أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون) (115) المؤمنون والله - عز وجل - ما شرع الصيام من اجل مس الجوع والظمأ نعذب به أنفسناقال - تعالى-(ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان اللهشاكرا عليما) (147)النساء. إن الله - تعالى -لم يشرع حكما من الأحكام إلاوله فيه حكم عظيمة، قد نعلمها، وقد لا تهتدي عقولنا إليها، وقد نعلم بعضها ويخفىعلينا الكثير فمن الحكم المعلومة: أولا: تربية العبد علىالإخلاص لله - تعالى -الذي لا تقبل الأعمال عند الله إلا به قال تعالى(وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاةويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة) (5)البينة وكما جاء في الحديث الصحيح"كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به" [رواهالإمام البخاري لآن الصوم هو العبادة الخفية التي لا يعلمها أحد إلا اللهيستطيع العبد أن يأكل ويشرب ملىء بطنه في الخفاء ثم يخرج على الناس يقول إني صائم. الصيام فيه تقديم رضا الله على النفس، وتضحية بالوجود الشخصيبالامتناع عن الطعام والشراب، وبالوجود النوعي بالإمساك عن الشهوة الجنسيةالتي هي سبب تكاثر البشر وعدم فنائهم، وذلك ابتغاء وجه الله وحده، الذي لايتقرب لغيره من الناس بمثل هذا الأسلوب من القربات، ومن هنا كان ثوابه عظيما، يوضحهويبين علته قول النبي - صلى الله عليه وسلم - "كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشرأمثالها على سبعمائة ضعف. قال الله - عز وجل -: إلا الصوم فإنهلي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي..الحديث" [رواه البخاريومسلم]. وفي الصوم إحساس بمقدار نعمة الطعام والشرابوالمتعة الجنسيةعندما يحرم منها ونفسه تائقة إليها، فيكون شكره عليهابالإطعام المتمثل في كثرة الصدقات في فترة الصيام.وفي توقيت الصيام بشهر رمضان الذيأنزل فيه القرآن تذكير للإنسان بنعمة الرسالة المحمدية التي هي خير نعمة الإسلامقال - تعالى-(قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير ممايجمعون) (58) يونس، ونعمة الهداية القرآنية التي يكون الشكر عليهابالاستمساك بها"لعلكم تشكرون"، وفي فترة إشراق الروحبالصيام وتلاوة القرآن تتوجه القلوب إلى الله بالدعاء الذي لا يرد لقول النبي - صلىالله عليه وسلم -: "ثلاثة لا ترد دعوتهم، الصائم حتى يفطر -أوحين يفطر- والإمام العادل، ودعوة المظلوم"رواه أحمد والترمذي وابن ماجهوابن خزيمة وابن حبان، وحسنه الترمذي ولعل مما يشير إلى الإغراء في الصيام توسطقوله - تعالى -(إذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذادعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون)بين آيات الصيام سورة البقرةفلا ننسى الإكثار من الدعاء أثناء الصيام. تحقيق معنىالعبودية لله تبارك وتعالى، والاستسلام له،ولهذا كان الصيام أحد أركانالإسلام بالاتفاق، فالإسلام لا يتم إلا بالصيام، والصيام فيه تدريب العبد علىالطاعة والامتثال، وتذكيره بأنه عبد لله- تبارك وتعالى -لا لغيره، ولهذا الله - سبحانه وتعالى - يأمر العبد في وقت أن يأكل، فلو صام لكان عاصيا كما في العيد أوالوصال على الخلاف، وفي أحوال أخرى يأمره - سبحانه - بالصوم حتى لو أنه أفطر لكانعاصيا، وهكذا تجد هذا يتحقق في الإحرام؛ لأن العبد يمنع من أشياء في الإحرام ويؤمربها في غيره؛ ليتحقق فيه أشياء كثيرة يتذكر فيها أنه عبد لله - سبحانه وتعالى - يأتمر بأمره ويقف عند حده، وهذا معنى عظيم لو أن الناس أدركوه وتفطنوا له فيعباداتهم، لكان أثره ليس مقصورا على الأركان المعروفة، بل جعل المسلم في أحوالهكلها مثل الجندي الملتزم وهو واقف ومستعد إذا أمر أن يقدم أقدم وإذا أمر أن يحجمأحجم، ومعنى العبودية لله جل جلاله من أعظم مقاصد الصوم ومقاصد العبادات، وكثير منالمسلمين يخلون بهذا المعنى، فقد يلتزمون ببعض العبادات، لكنها فقدت روحها عندهمفأصبحت لا تؤثر فيهم الأثر المطلوب في تحقيق معنى العبودية لله- تبارك وتعالى -منالحكم كذلك. أنه يربي العبد على التقوى،ولهذا قالالله جل جلاله: "لعلكم تتقون" [البقرة: 183] لأن الإنسانإذا كان صائما فرضا أو نفلا تذكر أنه لا يشرب ولا يأكل مع أن هذه الأشياء في الأصلمباحة له؛ لأنه مرتبط مع الله - سبحانه وتعالى - بوعد، فهو ممسك ابتغاء ثواب الله - سبحانه -، فحينئذ من باب أولى أنه سيكف عن المعاصي التي يعرف أنها محرمة في كلالظروف، وهذا المعنى لو عقله المسلم أنه سر الصيام، ومعناه: أنه كيف يمسك عن الطعاموالشراب مع أنهما مباحان في الأصل، ثم يقبل على الغيبة أو النميمة أو قول الزور أوشهادة الزور أو غير ذلك، ولهذا جاء في الحديث الصحيح المتفق عليه "من لم يدع قولالزور والعمل به، والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" فالذي لم يترك قولالزور و العمل به ليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه، وفى هذا تنبيه للصائمين الذييسلون صيامهم أمام الأفلام والمسلسلات الهابطة فالصيام ليس صيام البطن فقط وإنماحفظ الرأس وما حوى (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصروالفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤول) (36)الإسراء وإنما معنى الحديث أن الله جلجلاله لم يشرع الصيام لحاجته إليكم أن تدعوا طعامكم وشرابكم، وإنما شرع الصيام منأجل أن تتدربوا على ترك قول الزور والعمل به، فإذا لم تتركوا قول الزور ولم تتركواالعمل به فأي معنى لصيامكم؟ فإذا لم يحدث الصيام فيكم هذا المعنى فصيامكم حينئذ غيرذي جدوى لهذه العلة، وهذا معنى لطيف جدا إذا تأملته تجده ظاهرا، فالصوم يربيالإنسان على التقوى وترك المحرمات كلها من الغيبة والنميمة والفحش والبهتان وغيرهامن الأخلاق السيئة الرديئة المدمرة للفرد والمجتمع. في الصيام تخليص للإنسان من رقالشهوة والعبودية للمادة، وتربية عملية على ضبط الغرائز والسيطرة عليها، وإشعارللإنسان بأن الحريات مقيدة لخير الإنسان وخير الناس الذين يعيش معهم، هذا جهاد شاقيعود الصبر والتحمل، ويعلم قوة الإرادة ومضاء العزيمة، ويعد الإنسان لمواجهة جميعاحتمالات الحياة بحلوها و مرها وسائر متقابلاتها ليجعل منه إنسانا كاملا في عقلهونفسه وجسمه يستطيع أن يتحمل تبعات النهوض بمجتمعه عن جدارة. وقد شرعه النبي - صلىالله عليه وسلم - علاجا لقوة الشهوة لمن لا يستطيع الزواج، ففي الحديث: قال يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليهبالصوم فإنه له وجاء" أي قاطع.رواه البخاري ومسلم. وهذا علاج نبوي ناجحلضبط شهوة الفرج إذا أحس الإنسان بقرص الجوع ذهبت عنه الشهوة، والإنسان إذا تحرر منسلطان المادة اتخذ لنفسه جنة قوية تحصنه ضد الأخطار التي ينجم أكثرها عن الانطلاقوالاستسلام للغرائز والأهواء. يقول النبي - صلى الله عليه وسلم-"الصيام جنة فلا يرفث ولا يصخب. وفي رواية: ولا يجهل، وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: إني صائم.. مرتين.. "[رواه البخاري ومسلم]. والصائم الذي يمتنع عن المحرمات وعن الحلال الذيتدعو له الشهوة إنسان عزيز كريم، يشعر بآدميته وبامتيازه عن الحيوانات التي تسيرهاالغرائز فالصيام علاج لأمراض خطيرة مثل التدخين وإدمان المخدرات التي هي عبارة عنعادات سيئة لا يستطيع المرء الإقلاع عنها ولذلك يعلاج المدمنون على المخدرات بالعزلوالبعد عنها حتى يصفو الدم منها ويعود الإنسان طبيعيا في الصيام يقلع المرء طيلةالنهار عن التدخين ولمدة شهر كامل بل يغير الكثير من عاداته ويتعود النظامالاستيقاظ مبكرا لتناول وجبة السحور وهذا الوقت من أفضل الأوقات البكور وكذلك وقتالإفطار فيعتاد النظام الذي هو سر النجاح في الحياة. والصيام أيضا يعود التواضعوخفض الجناح ولين الجانب، وبالتالي يعرف الإنسان قدره ويحس بضعفه، ومن عرف قدر نفسهتفتحت له أبواب الخير واستقام به الطريق. الجوع والعطش حين يحس بهما الصائم تتحركيده فتمتد بالخير والبر للفقراء الذين عانوا مثل ما عانى من ألم الجوع وحر العطش،ومن هنا كانت السمة البارزة للصيام هي المواساة والصدقات وعمل البر، وكانت شعيرةيوم العيد هي زكاة الفطر للتوسعة على الفقراء، وهي بمثابة امتحان للصائم بعد الدروسالطويلة التي تلقاها في شهر رمضان، وبهذا كانت زكاة الفطر جواز المرور لقبول الصومكما يقول الحديث: شهر رمضان معلق بين السماء والأرض ولا يرفع إلى الله إلا بزكاةالفطر" رواه أبو حفص بن شاهين حديث ضعيف ولكنه يقبل في فضائل الأعمال. الصيام بهذاالمظهر يعد للحياة الاجتماعية القائمة على التعاون على البر، وعلى الرحمة الدافعةلعمل الخير عن طيب نفس وإيمان واحتساب، ورد عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: كان رسولالله - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس، وكان أجود ما يكون فيرمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - "أجودبالخير من الريح المرسلة" رواه البخاري ومسلم. في الصوم قهر للشيطان، وإضعافله، فتضعف وسوسته للإنسان، فتقل منه المعاصي، وذلك لأن(الشيطانيجري من ابن آدم مجرى الدم)كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -، فبالصيامتضيق مجاري الشيطان فيضعف، ويقل نفوذه. قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (25/246): ولا ريب أن الدم يتولد من الطعام والشراب، وإذا أكل أو شرب اتسعت مجاريالشياطين - الذي هو الدم - وإذا صام ضاقت مجاري الشياطين، فتنبعث القلوب إلى فعلالخيرات، وترك المنكرات. أنه يربي الإنسان على قوة الإرادة، وعلى الصبر كذلك، ولهذامن أسماء الصوم الصبر، ولذلك سمي شهر رمضان شهر الصبر، بل في قول الله جل جلاله: ("واستعينوا بالصبر والصلاة)"[البقرة: 45] قال بعضالمفسرين: المقصود بالصبر هنا الصوم. أي: استعينوا بالصوم والصلاة، وذلك لأن الصوميربي ملكة الصبر وقوة الإرادة، وكثير من الناس يحتاجون دائما إلى تقوية في إرادتهفتقوية إرادة الإنسان من أعظم أسباب النجاح للإنسان في دنياه وفي آخرته، والصوميمرن النفس على أن تمضي في عزمها وتنفذ إرادتها فالصائم يصمم كل ليلة على الإمساكيومها وينفذ ذلك العزم ولا يسمح لنفسه بنقضه. ويكرر هذه الظاهرة ثلاثين يوما. ولاشك في أن ذلك تقوية للإرادة وتربية للنفس على المضي في سبيلها والصوم يربي الإنسانعلى تحمل المشاق في أمور الحياة كلها، وهي لا توجد إلا عند الناجحين الذين استطاعواأن يحققوا هذه الرغبات من خلال استخدام القوة الموجودة لديهم الصوم فيه صحة بدنيةأسهب المختصون في بيانها وتأكيد آثارها الطيبة منها إراحة الجهاز الهضمي كذلك حميةللبدن فمن حكمة الله - تعالى -أن في الصيام حمية للبدن عن الفضلات ولا شك أن الحميةمن أقوى أنواع العلاجات والأدوية فالصيام يكسب البدن المناعة والقوة ولا شك أنالبدانة مرض العصر والمعدة هي بيت الداء ففي الحديث: "صوموا تصحوا" رواه الطبرانيعن رواة ثقات، وإذا كان الصيام في أوله مرا فلذة النجاح ونشوة الظفر قاضية علىمرارته. ألا ترى أن الصائمين ترقص قلوبهم فرحا وقت الغروب. فتراهم يلهجون بشكر اللهعلى توفيقهم للقيام بالواجب فتكون صدورهم منشرحة ووجوههم باشة وليس ذلك لطعام وشرابيتناولونه ولكن ذلك سرور النصر على القوة الشهوية وإرغامها على ما أرادته القوةالعقلية والحكمة النفسية. ولذلك جاء في الحديث: إن للصائمفرحتين: فرحة عند إفطاره وفرحة عند لقاء ربه. فالفرحة الأولى فرحة الفراغ منأداء الواجب والثانية فرحة المكافأة على القيام به. وأخر دعوانا أن الحمد لله ربالعالمين. |
العلامات المرجعية |
|
|