#1
|
||||
|
||||
مجالات حسن الخلق
مجالات حسن الخلق إن كثيراً من الناس يذهب فهمه إلى أن حسن الخلق خاص بمعاملة الخلق دون معاملة الخالق ولكن هذا الفهم قاصر , فإن حسن الخلق كما يكون في معاملة الخلق , يكون أيضاً في معاملة الخالق , فموضوع حسن الخلق إذن : معاملة الخالق جلا وعلا , ومعاملة الخلق أيضاً وهذه المسألة ينبغي أن يتنبه لها الجميع . أولاً / حـسن الخلق في مـعاملة الخالق : حـسنُ الخلق في مـعاملة الخالق يجمع ثلاثة أمـور : (1) تلقي أخبار الله بالتصديق (2) وتلقي أحكامه بالتنفيذ والتطبيق (3) وتلقي أقداره بالصبر والرضا . هذه ثلاثة أشياء عليها مدار حسن الخلق مع الله تعالى , 1/ تلقي أخبار بالتصديق : بحيث لا يقع عند الإنسان شك , أو تردد في تصديق خبر الله تبارك وتعالى , لأن خبر الله تعالى صادر عن علم , وهو سبحانه أصدق القائلين كمال قال تعالى عن نفسه ( وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا)]النساء87[ , ولازم تصديق أخبار الله أن يكون الإنسان واثقاً بها , مدافعاً عنها , ومجاهداً بها وفي سبيلها , بحيث لا يداخله شك أو شبهة في أخبار الله عز وجل و أخبار رسوله صلى الله عليه وسلم . وإذا تخلق العبد بهذا الخلق أمكنه أن يدفع أي شبهة يوردها المغرضون على أخبار الله ورسوله صلى الله عليه وسلم , سواء أكانوا من المسلمين الذين ابتدعوا في دين الله ما ليس منه , أم كانوا من غير المسلمين الذين يلقون الشبه في قلوب المسلمين بقصد فتنتهم وإضلالهم . ولنضرب لذلك مثلاً - حديث الذباب - ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا ولغ الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم ليطرحه فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر الدواء)(1) . هذا خبر صادر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صلى الله عليه وسلم في أمور الغيب لا ينطق عن الهوى , لا ينطق إلا بما أوحى الله تعالى إليه لأنه بشر , والبشر لا يعلم الغيب بل قد قال الله له (قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ)]الأنعام50[. وهذا الخبر يجب علينا أن نقابله بحسن الخلق وحسن الخلق نحو هذا الخبر يكون بأن نتلقاه بالقبول والانقياد , فنجزم بأن ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث فهو حق وصدق , وإن اعترض عليه من اعترض , ونعلم علم اليقين أن كل ما خالف ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه باطل , لأن الله تعالى يقول (فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ)]يونس32[ . ومثال آخر – من أخبار يوم القيامة - أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الشمس تدنو من الخلائق يوم القيامة بقدر ميل (2) , وسواء كان هذا الميل ميلَ المكحَلة أم كان ميل المسافة , فإن هذه المسافة بين الشمس ورءوس الخلائق قليلة ومع هذا فإن الناس لا يحترقون بحرها , مع أن الشمس لو تدنو الآن في الدنيا مقدار أنملة لاحترقت الأرض ومن عليها . قد يقول قائل : كيف تدنو الشمس من رءوس الخلائق يوم القيامة بهذه المسافة , ثم يبقى الناسُ لحظةً واحدةً دون أن يحترقوا ؟! نقول لهذا القائل : عليك أن تكون حسن الخلق نحو هذا الحديث . وحسنُ الخلق نحو هذا الحديث الصحيح يكون أن نقبله ونصدق به , وأن لا يكون في صدورنا حرج منه ولا ضيق ولا تردد , وأن نعلم أن ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم في هذا فهو حق , ولكن هناك فارقاً عظيماً بين أحوال الناس في الدنيا , وأحوالهم في الآخرة , بحيث لا يمكن أن نقيس أحوال الدنيا بأحوال الآخرة , لوجود هذا الفارق العظيم . فنحن نعلم أن الناس يقفون يوم القيامة خمسين ألف سنة !! ــــــــــ (1) أخرجه البخاري رقم5782 (2) أخرجه مسلم 2864 وعلى مقياس ما في الدنيا , فهل يمكن أن يقف أحدٌ من الناس خمسين أ لف دقيقة ؟ الجواب : لا يمكن ذلك , إذن الفارق عظيم , فإذا كان كذلك , فإن المؤمن يقبل مثل هذا الخبر بانشراح صدر وطمأنينة , ويتسع فهمه له , وينفتح قلبه لما دل عليه . 2/ ومن حسن الخلق مع الله عز وجل , أن يتلقى الإنسان أحكام الله بالقبول والتنفيذ والتطبيق فلا يرد شيئاً من أحكام الله , فإذا رد شيئاً من أحكام الله فهذا سوء خلق مع الله عز وجل , سواءٌ ردها منكراً حكمها , أو ردها مستكبراً عن العمل بها , أو ردها متهاوناً بالعمل بها , فإن ذلك كله منافٍ لحسن الخلق مع الله عز وجل . مثال على ذلك – الصوم – الصوم لا شك فيه أنه شاقٌ على النفوس , لأن الإنسان يترك فيه المألوف , من طعام وشراب , ونكاح , وهذا أمر شاق على الإنسان ولكن المؤمن حسن الخلق مع الله عز وجل , يقبل هذا التكليف , أو بعبارة أخرى : يقبل هذا التشريف , فهذه نعمة من الله عز وجل في الحقيقة , فالمؤمن يقبل هذه النعمة التي في صورة تكليف بانشراح صدر وطمأنينة , وتتسع لها نفسه فتجده يصوم الأيام الطويلة في زمن الحر الشديد , وهو بذلك راضٍ منشرح الصدر , لأنه يحسن الخلق مع ربه , لكن سيئ الخلق مع الله عز وجل يقابل مقل هذه العبادة بالضجر والكراهية, ولولا أنه يخشى من أمر لا تُحمد عقباه , لكان لا يلتزم بالصيام . مثال آخر – الصلاة – فالصلاة لا شك أنها ثقيلة على بعض الناس , وهي ثقيلة على المنافقين , كمال قال النبي عليه الصلاة والسلام ( أثقل الصلاة على المنافقين : صلاة العشاء وصلاة الفجر )(1) . لكن الصلاة بالنسبة للمؤمن ليست ثقيلة قال تعالى ( وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ )]البقرة45-46[ , فهي على هؤلاء غري كبيرة وإنما سهلة يسيرة , ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام ( و جعلت قُرة عيني في الصلاة )(2) . فالصلاة هي قرة عين المؤمن , وزاده اليومي الذي يتزود به للقاء الله تعالى , ولذلك فهو يعظم قدرها لها أعظم الاهتمام , لأنها عماد الدين وأول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة . فحسن الخلق مع الله عز وجل بالنسبة للصلاة أن تؤديها وقلبك منشرح مطمئن ,وعينك قريرة تفرح إذا كنت متلبساً بها , وتنتظرها إذا فات وقتها , فإذا صليت الظهر , كنت في شوق إلى الصلاة العصر , وإذا صليت المغرب كنت في شوق إلى صلاة العشاء , وإذا صليت العشاء كنت في شوق إلى صلاة الفجر . و لهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( يا بلال أرحنا بالصلاة )(3) . ــــــــــ (1) مسلم رقم251 كتاب المساجد ورقم651/252 (2) أخرجه مسلم النسائي رقم3949 , 3950 كتاب عشرة النساء , وأحمد في المسند 3/128 , 199 , 285 , وهو في صححي الجامع رقم3134 (3) أخرجه أبو داود رقم4985 . وأحمد في المسند 5/364 والحديث في صحيح الجامع للألباني رقم7892 . يقول : أرحنا بها , فإن فيها الراحة والطمأنينة والسكينة , لا كما يقول البعض : أرحنا بها , لأنها ثقيلة عليهم , وشاقة على نفوسهم . وهكذا دائماً تجعل قلبك معلقاً بهذه الصلوات فهذا لا شك أنه من حسن الخلق مع الله تعالى . مثال ثالث – تحريم الربا – وهذا في المعاملات فقد حرم الله علينا الربا تحريماً أكيداً وأحل لنا البيع وقال في ذلك (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهـَى فَلـَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى الـلَّهِ وَمـَنْ عَادَ فَأُولَـئِكَ أَصْـحَابُ النَّارِ هُمْ فِيـهَا خَالِـدُونَ)]البقرة275[, فتوعد من عاد إلى الربا بعد أن جاءته الموعظة , وعلم الحكم , توعد بالخلود في النار , والعياذ بالله , بل إنه توعده في الدنيا أيضاً بالحرب فقال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مؤمنين * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ..)]البقرة278,279[ هذا يدل على عظم هذه الجريمة وأنها من كبائر الذنوب والموبقات . فالمؤمن يقبل هذا الحكم بانشراح ورضا وتسليم , وأما غير المؤمن فإنه لا يقبله , ويضيق صدره به , وربما يتحيل عليه بأنواع الحيل , لأننا نعلم أن في الربا كسباً متيقناً وليس فيه أي مخاطرة, لكنه في الحقيقة كسب لشخص وظلك لآخر ’ ولهذا قال الله تعالى ( وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ)]البقرة279[ . 3/ ومن حسن الخلق مع الله تعالى : تلقي أقدار الله تعالى بالرضا والصبر ,وكلنا نعلم أن أقدار الله عز وجل التي يجريها على خلقه ليست كلها كلائمة للخلق بمعنى أن منها ما يوافق رغبات الخلق ومنها ما لا يوافقهم . فالمرض مثلاً : لا يلائم الإنسان , فكل إنسان يحب أن يكون صحيحاً معافى . وكذلك الفقر : لا يلائم الإنسان , فالإنسان يحب أن يكون غنياً . وكذلك الجهل : لا يلائم الإنسان فالإنسان يحب أن يكون عالماً . لكن أقدار الله عز وجل تتنوع لحكمة يعلمها الله عز وجل , منها ما يلائم الإنسان ويستريح له بمقتضى طبيعته , ومنها ما لا يكون كذلك . فمت هو حسن الخلق مع الله عز وجل نحو أقدار الله ؟ حسن الخلق مع الله نحو أقداره : أن ترضى بما قدر الله لك , وأن تطمئن إليه وتعلم أنه سبحانه وتعالى ما قدره إلا لحكمة عظيمة وغاية محمودة يستحق عليها الحمد والشكر . وعلى هذا فإن حسن الخلق مع الله نحو أقداره , هو أن يرض الإنسان ويستسلم ويطمئن , ولهذا امتدح الله الصابرين فقال ( ... وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)]البقرة155-156[ . . ثانياً : حسن الخلق في معاملة الخَلق : أما حسن الخلق مع المخلوق فعرّفه بعضُهم بأنه كفُّ الأذى ، وبذلُ النّدى، وطلاقة الوجه . ويذكر ذلك عن الحسن البصري – رحمه الله. 1/ معنى كفى الأذى : معنى كف الأذى أن يكف الإنسان أذاه عن غيره سواء كان هذا الأذى بالمال، أو يتعلق بالنفس، أو يتعلق بالعرض، فمن لم يكف أذاه عن غيره سواء كان هذا الأذى بالمال، أو يتعلق بالنفس، أو يتعلق بالعرض، فمن لم يكف أذاه عن الخلق فليس بحسن الخلق، بل هو سيئ الخلق. وقد أعلن الرسول صلى الله عليه وسلم حُرمة أذية المسلم بأي نوع من الإيذاء وذلك في أعظم مجمع اجتمع فيه بأمته حيث قال ( إن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا ، في بلدكم هذا )(1) . إذا كان رجل يعتدي على الناس بأخذ المال، أو يعتدي على الناس بالغش، أو يعتدي على الناس بالخيانة، أو يعتدي على الناس بالضرب والجناية، أو يعتدي على الناس بالسبّ والغيبة والنميمة، لا يكون هذا حسنَ الخلق مع الناس، لأنه لم يكف أذاه، ويعظم إثم ذلك كلما كان موجهاً إلى من له حق عليك أكبر. فالإساءة إلى الوالدين مثلاً أعظم من الإساءة إلى غيرهما، والإساءة إلى الأقارب أعظم من الإساءة إلى الأباعد، والإساءة إلى الجيران أعظم من الإساءة إلى من ليسوا جيراناً لك. ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام ( والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن ) قالوا : من يا رسول الله؟ قال ( من لا يأمن جاره بوائقه )(2) . 2 / معنى بذل الندي : الندى هو الكرم والجود، يعني: أن تبذل الكرم والجود. والكرم ليس كما يظنه بعض الناس أنه بذل المال فقط، بل الكرم يكون في بذل النفس، وفي بذل الجاه، وفي بذل المال، وفي بذل العلم. إذا رأينا شخصاً يقضي حوائج الناس، يساعدهم، يتوجه في شئونهم إلى من لا يستطيعون الوصول إليهم، ينشر علمه بين الناس، يبذل ماله بين الناس، هل نصفُ هذا بحس الخلق؟ نعم، نصفه بحسن الخلق، لأنه بذل الندى، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم ( اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحُها، وخالق الناس بخلق حسن )(3) . ومن مخالفة الناس بخلق حسن : أنك إذا ظُلمت أو أسيء إليك، فإنك تعفو وتصفح وقد امتدح الله العافين عن الناس، فقال في أهل الجنة( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)] آل عمران 134[ وقال تعالى ( وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ...) ]البقرة237[ وقال تعالى ( وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ... ) ]النور 22[ ــــــــــ (1) أخرجه البخاري رقم67 وأخرجه مسلم رقم29,30 كتاب القسامة (2) أخرجه البخاري رقم6016 ومسلم نحوه رقم73 كتاب الإيمان ( لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه)(3) أخرجه الترمذي رقم1987 وقال ( حديث حسن صحيح ) وأحمد في المسند 4/153 , 158 , 236 من حديث أبي ذر ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما وهو في صحيح الجامع رقم97 . وقال تعالى ( فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) ]الشورى 40[ وكل إنسان يتصل بالناس، فلابد أن يجد من الناس شيئاً من الإساءة، فموقفه من هذه الإساءة أن يعفو ويصفح، وليعلم علم اليقين أنه يعفوه وصفحه ومجازاته بالحسنى، سوف تنقلب العداوة بينه وبين أخيه إلى ولاية، ومحبة، وصداقة، قال تعالى ( وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ) ]فصلت 34[ وتأملوا أيها العارفون باللغة العربية كيف جاءت النتيجة بإذا الفُجائية، لأن ( إذا ) الفجائية تــدل على الحــدوث الفــوري في نتيجتها ( فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنــَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِــيٌّ حَمــِيمٌ ) ]فصلت 34[ , ولكن ليس كل أحد يوفق لذلك قال ( وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ) ]فصلت 35[ . هل نفهم من هذا أن العفو عن الجاني محمود مطلقاً ومأمور به؟ وقد يفهم البعض من الآية هذا الكلام، ولكن ليكن معلوماً أن العفو إنما يُحمد إذا كان العفو أحمد، فإن كان الأخذ أحمد فالأخذ أفضل. ولهذا قال تعالى ( وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) ]الشورى 40[ , فجعل العفو مقروناً بالإصلاح. فالعفو قد يمكن أن يكون غير إصلاح، فقد يكون هذا الذي جنى عليك واجترأ عليك رجلاً شريراً معروفاً بالشر والفساد، فلو عفوت عنه لتمادى في شره وفساده فالأفضل في هذا المــقام أن تــأخذ هذا الرجل بجريـرته، لأن في ذلك إصــلاحا ً. قال شيــخ الإسلام ابــن تيمـيه ( الإصلاح واجب، والعفو مندوب، فإذا كان في العفو فوات الإصلاح فمعنى ذلك أننا قدمنا مندوباً على واجب، وهذا لا تأتي به الشريعة) وصدق رحمه الله . ** تنبيه مهم** وإنني بهذه المناسبة أود أن أنبه على مسألة يفعلها كثير من الناس بقصد الإحسان، وهي أن تقع حادثه من شخص، فيهلك بسببها شخص آخر، فيأتي أولياء المقتول فيسقطون الدية عن هذا الجاني الذي فعل الحادث، فهل إسقاطهم للدية محمود ويعتبر من حسن الخلق؟ أم في ذلك تفصيل؟ في ذلك تفصيل، فلابد أن نتأمّل ونفكر في حال هذا الجاني الذي وقع منه الحادث، هل هو من الناس المعروفين بالتهور وعدم المبالاة؟ هل هو من الطراز الذي يقول: أنا لا أبالي أن أدهس شخصاً لأن ديته في الدرج والعياذ بالله. أم أنه رجل حصلت منه هذه الحادثة مع كمال التعقل وكمال الاتزان، ولكن الله تعالي قد جعل لكل شيئاً مقداراً. في ذلك تفصيل، فلابد أن نتأمّل ونفكر في حال هذا الجاني الذي وقع منه الحادث، هل هو من الناس المعروفين بالتهور وعدم المبالاة؟ هل هو من الطراز الذي يقول: أنا لا أبالي أن أدهس شخصاً لأن ديته في الدرج والعياذ بالله. أم أنه رجل حصلت منه هذه الحادثة مع كمال التعقل وكمال الاتزان، ولكن الله تعالي قد جعل لكل شيئاً مقداراً. إن كان من هذا الطراز الأخير فالعفو في حقه أولى، ولكن حتى وإن كان من هذا الطراز المتعقل المتزن ، يجب قبل أن نعفو عنه أن ننظر: هل على الميت دين؟ فإذا كان على الميت دين، فإنه لا يمكن أن نعفو، ولو عفونا فإن عفونا لا يعتبر. وهذا مسألة ربما يغفل عنها كثير من الناس، ونحن نقول ذلك لأن الورثة يتلقون الاستحقاق لهذه الدية من الميت الذي أصيب بالحادث، ولا يردُ استحقاقهم إلا بعد قضاء الدين إن كان الميت مديناً. ولهذا لما ذكر الله الميراث قال ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ) ]النساء 11[ والحاصل أن من حسن الخلق: العفو عن الناس وهذا من باب بذلك الندى، لأن بذل الندى إما إعطاء وإما إسقاط، والعفو من الإسقاط. 3 / طلاقة الوجه : وطلاقة الوجه: هو إشراقه حين مقابلة الخلق، وضدُّ ذلك عبوس الوجه. ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام ( لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق )(1) وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه سئل عن البر فقال ( وجه طـلق ولسان لـيـّن ) وقد نظمه بعض الشعراء فقال: بني إن البر شيء هين *** وجه طليق ولسان لين فطلاقة الوجه وتُدخل السرور على الناس، وتجذب المودة، والمحبة، وتوجب انشراح الصدر منك وممن يقابلك. لكن إذا كنت عبوساً ، فإن الناس ينفرون منك، ولا ينشرحون بالجلوس إليك، ولا بالتحدث معك، وربما تصاب بعُقدٍ نفسيه، وربما تصاب بالمرض الخطير وهو ما يسمى بالضغط، فإن انشراح الصدر وطلاقة الوجه من أنجع العقاقير المانعة من هذا الداء ولهذا ينصح الأطباء من ابتلي بهذا الداء بأن يبتعد عما يثيره ويغضبه، لأن ذلك يزيد في مرضه، فانشراحُ الصدر، وطلاقة الوجه تقضي على هذا المرض، ويكون بذلك الإنسان محبوباً إلى الخلق كريماً عليهم. هذه هي الأصول الثلاثة التي يدور عليها حسنُ الخلق في معاملة الخلق. ومن علامات حسن الخلق مع الخلق : أن يكون الإنسان حسن المعاشرة مع من يعاشره من أصدقاء وأقارب , لا يضيق بهم ولا يضيق عليه , بل يدخل السرور على قلوبهم بقدر ما يمكنه في حدود شريعة الله , وهذا القيد لا بد منه , لأن من الناس من لا يسر إلا بمعصية الله – والعياذ بالله –فهذا لا ينبغي أن نوافقه عليه , لكن إدخال السرور على من يعاشرك من أهل ,ــــــــــ (1)أخرجه مسلم رقم144 كتاب البر و الـصلة وأصدقاء وأقارب في حدود الشرع من حسن الخلق . ولهذا قال النــبي عليه الصلاة والــسلام ( خيركم لأهله , وأنا خيركم لأهلي )(1) . وكثير من الناس – مع الأسف الشديد يحسن الخلق مع الناس , ولكنه لا يحسن الخُلُق مع أهله , وهذا خطأ عظيم , وقلبٌ للحقائق , إذ كيف تحسن الخُلق مع الأباعد وتسيء الخلق مع الأقارب ؟ قد يقول : لأن الأقارب أمونُ عليهم . فنقول : هذا ليس بسبب يجعلك تسيء الخلق معهم , فالأقارب أحق الناس بأن تحسن إليهم في الصحبة والعشرة , ولهذا قال رجل يا رسول الله من أحق الناس بحسن مصاحبتي ؟ قال ( أمك ) قال : ثم من ؟ قال ( أمك ) قال ثم من ؟ قال ( أمك ) قال ثم من ؟ قال ( أبوك )(2) . والأمر عند بعض الناس على العكس تجده يسيء العشرة مع أمه , ويحسن العشرة مع زوجته , فيكون مقدماً إحسان العشرة مع زوجته التي هي عنده بمنزلة الأسير , كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ( استوصوا بالنساء خيراً فإنهن عوان عندكم )(3) , يعني : بمنزلة الأسرى . والحاصل : أن إحسان العشرة مع الأهل والأصحاب والأقارب كل ذلك من مكارم الأخلاق . ***
__________________
ألستَ الذى رَبيتني وهديتني ولازلتَ منّانًا عليَّ ومُنعما؟! //*//*// عسى مَنْ له الإحسانُ يغفرُ ذلّتي ويسترُ أوزاري وماقدْ تقدّما
|
#2
|
||||
|
||||
جزاك الله خير وجعله فى ميزان حسناتك
__________________
ردد معي سبحان الله ، والحمدلله ، ولا اله الا الله ،والله اكبر ، ولاحول ولاقوة الا بالله
|
#3
|
||||
|
||||
أميييين وإياكـ أخى
__________________
ألستَ الذى رَبيتني وهديتني ولازلتَ منّانًا عليَّ ومُنعما؟! //*//*// عسى مَنْ له الإحسانُ يغفرُ ذلّتي ويسترُ أوزاري وماقدْ تقدّما
|
العلامات المرجعية |
|
|