اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > حي على الفلاح

حي على الفلاح موضوعات وحوارات ومقالات إسلامية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 06-01-2010, 02:14 PM
الصورة الرمزية خالد مسعد .
خالد مسعد . خالد مسعد . غير متواجد حالياً
نـجــم الـعـطــاء
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
المشاركات: 5,554
معدل تقييم المستوى: 22
خالد مسعد . will become famous soon enough
افتراضي كيف نتعرف على الله عز وجل


تفريغ درس لقاء العقيدة على قناة الناس
فضيلة الدكتور محمود عبد الرازق الرضواني

·هل يصح قول العامة: (ربنا عرفناه بالعقل)
وهل الصحيح هو قول الخاصة: (ربنا عرفناه بالنقل)؟
·المقصود بالعقل؟ وهل هو الوصف المميز للإنسان؟
·الغاية الرئيسية من وجود العقل؟
·حدود المعرفة بالعقل؟
·مدارك اليقين العقلي.
·الأدلة على وجود الله:
1.هل هو دليل الغنى والافتقار؟
2.هل هو دليل دليل الحدوث؟
3.هل هو دليل دليل الإمكان؟
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 06-01-2010, 02:15 PM
الصورة الرمزية خالد مسعد .
خالد مسعد . خالد مسعد . غير متواجد حالياً
نـجــم الـعـطــاء
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
المشاركات: 5,554
معدل تقييم المستوى: 22
خالد مسعد . will become famous soon enough
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
(كيف نتعرف على الله عز وجل)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد.

·ما المقصود بالعقل؟
العقل في أصح الآراء: غريزة وضعها الله في قلوب الممتحنين من عباده لا نعرف كيفيتها، ولكن نتعرف على وجودها من أفعال الإنسان وقول اللسان، فيقال هذا عاقل إذا فعل أفعال العقلاء وهذا مجنون إذا لم يتصف بها.
قال تعالى: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) (الحج:46). فالآية تدل على أن العقل موجود في القلب.
قال الثعالبي في الجواهر الحسان: (هذه الآية تقتضى أن العقل في القلب وذلك هو الحق، ولا ينكر أن للدماغ اتصالا بالقلب يوجب فساد العقل متى اختل الدماغ).
وقال القرطبى في الجامع لأحكام القرآن: (أضاف العقل إلى القلب لأنه محله كما أن السمع محل الأذن، وقد قيل: إن العقل محله الدماغ وروي ذلك عن أبي حنيفة وما أراها عنه صحيحة).
والعقل يقوم بتحصيل المعلومات وجمعها من حواس الإنسان ثم يحللها ويصنف الحدث المرافق لها، ثم يخزنها في ذاكرة الإنسان الذي بدوره يقوم باستدعائها حسبما يشاء.
ما هي الغاية الرئيسية من وجود العقل؟ معرفة الإنسان بما ينفعه ويضره، وكيف يحصِّل الخير الأعلى ويدفع عن نفسه الشر الأدنى ويحقق لنفسه الأفضل دائما؟
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 06-01-2010, 02:15 PM
الصورة الرمزية خالد مسعد .
خالد مسعد . خالد مسعد . غير متواجد حالياً
نـجــم الـعـطــاء
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
المشاركات: 5,554
معدل تقييم المستوى: 22
خالد مسعد . will become famous soon enough
افتراضي

·هل العقل الوصف المميز للإنسان؟
الإرادة في القلب محل الكسب وهي مسئولة عن شحن العقل بالمعلومات أو تركه خاليا أجوف فارغا، والعقل بدوره يقوم بإدراكها المعلومات وتحصيلها وجمعها وترتيبها، كما أن حواس الإنسان وسيلة نقلها إليه؛ فهي المسئولة عن إدخال المعلومات وإخراجها، ثم يقوم العقل بعد ذلك بتحليلها وتصنيف الحدث المرافق لها، ثم يخزنها في الذاكرة لاستدعائها حسبما يشاء الإنسان.
والغاية الرئيسية من وجود العقل معرفة الإنسان ما ينفعه أو يضره، وكيف يحصِّل الخير الأعلى والأفضل دائما؟ فالعقل شأنه شأن العقل الالكتروني أو الكمبيوتر، غير أن هذا من صنع البشر، وذاك من صنع خالق البشر، وشتان بين هذا وذاك.
ولما كان عظم المنفعة من أجهزة الكمبيوتر يرتبط طرديا مع البرامج العلمية عالية التقنية كان عِظَمُ المنفعة من العقل البشري مرتبطا أيضا مع التزام الإنسان بالمناهج الدقيقة والتشريعات التي تضمن له سبل السعادة في الحياة، ولن نجد دستورا يتصف بالدقة والشمولية أكمل من منهج الله، فلو وضع الله U للإنسان منهجا ونظاما ودستورا وأحكاما كان الكمال كله فيه وكان صلاح العقل في اتباعة؛ لأن علم البشر لا يقارن بعلم الله، والحكم بغير شرعه ونظامه لا يرقي أبدا إلى الحكم بما أنزل الله، ومما لا شك فيه أننا نرى جميع الكائنات في حياتها حريصة كل الحرص على نفعها ودفع الشر عن نفسها، ومن ثم فإنها تطبق منهج الله أكثر من غيرها إلى حد يسمح بإطلاق لفظ التسخير على سلوكياتها فهي أعقل عند المقارنة من الإنسان.
والنملة مثلا على دقة حجمها ووزنها ترى في مسلكها عظمة عقلها وحسن إدراكها، فلو وضعتها في إناء فيه قطرات من ماء ثم نظرت إلى حركتها وتأملت طريقتها في الخلاص من الهلاك لرأيت في فعلها العجب، كيف ولماذا تتمكن النملة في حساباتها من الابتعاد عن الماء؟ وكيف علمت أن الماء يغرقها ويهلكها؟
قال ابن القيم في مفتاح دار السعادة 1/240: (تأمل هذه النملة الضعيفة وما أعطيته من الفطنة والحيلة، في جمع القوت وادخاره وحفظه ودفع الآفة عنه فإنك ترى في ذلك عبرا وآيات، فتري جماعة النمل إذا أرادت إحراز القوت خرجت من أسرابها طالبة له، فإذا ظفرت به أخذت طريقا من أسرابها إليه وشرعت في نقله، فتراها رفقتين، رفقة حاملة تحمله إلى بيوتها سربا ذاهبا، ورفقة خارجة من بيوتها إليه لا تخالط تلك في طريقها، بل هما كالخيطين بمنزلة جماعة الناس الذاهبين في طريق والجماعة الراجعين من جانبهم، فإذا ثقل عليها حمل الشيء من تلك اجتمعت عليه جماعة من النمل وتساعدت على حملة بمنزلة الخشبة والحجر الذي تتساعد الفئة من الناس عليه، فإذا كان الذي ظفر بالطعام منهن واحدة ساعدها رفقتها عليه إلى بيتها وخلوا بينها وبينه، وإن كان الذي صادفه جماعة تساعدن عليه ثم تقاسمنه على باب البيت) .
ومن عجيب ما ورد في عقل النمل وفطنته أنها إذا نقلت الحب إلى مساكنها كسرته لئلا ينبت فإن كان مما ينبت الفلقتان منه كسرته أربعا، فإذا أصابه ندا وبلل وخافت عليه الفساد أخرجته للشمس ثم ترده إلى بيوتها، ولهذا ترى في بعض الأحيان حبا كثيرا على أبواب مساكنها مكسرا ثم تعود عن قريب فلا ترى منه واحدة.
ومن ثم ليس الإنسان وحده المتميز بالعقل والفهم، بل يمكن القول إنه أقل من غيره عقلا وأردأ في حساباته العقلية، ويمكن بالتجربة لحيوان صغير أن يخدع الرجل الكبير، وروي من هذا القبيل الكثير والكثير في عالم الحيوان.
ذكر ابن القيم أن بعض العارفين شاهد منهن يوما عجبا، قال: رأيت نملة جاءت إلى شق جرادة فزاولته فلم تطق حمله من الأرض، فذهبت غير بعيد ثم جاءت معها بجماعة من النمل قال: فرفعت ذلك الشق من الأرض، فلما وصلت النملة برفقتها إلى مكانه دارت حوله ودرن معها فلم يجدن شيئا فرجعن، فوضعته، ثم جاءت فصادفته، فزاولته فلم تطق رفعه فذهبت غير بعيد ثم جاءت بهن، فرفعته، فدرن حول مكانه، فلم يجدن شيئا، فذهبن فوضعته فعادت فجاءت بهن، فرفعته فدرن حول المكان، فلما لم يجدن شيئا تحلقن حلقة وجعلن تلك النملة في وسطها، ثم تحاملن عليها فقطعنها عضوا عضوا حتى ماتت وأنا انظر.
وذكر أيضا في ذكاء الثعلب أن رجلا كان معه دجاجتان فاختبأ الثعلب له، وخطف إحداهما وفر، ثم أعمل فكره في أخذ الأخرى، فظهر لصاحبها من بعيد وفي فمه شيء شبيه بالدجاجة وأطمع الرجل في استعادة الدجاجة بأن ترك ما في فمه وفر؛ فظن الرجل أنها الدجاجة فأسرع نحوها وترك الأخرى، وخالفه الثعلب في خفية فأخذها وذهب.
إن من أعجب ما تنتبه له الأذهان التفكر في كيفية تقدير الطيور لعوامل الاتزان عند الطيران، أليست لديها تكنولوجيا أرقى وأعلى من عقول البشر؟ أتراها درست في معاهد الطيران؟ أم أنها تجهل قوانين الحركة التي عرف بها نيوتن؟
يقول ابن القيم: (وكثير من العقلاء يتعلم من الحيوانات البهم أمورا تنفعه في معاشه وأخلاقه وصناعته وحربه وحزمه وصبره وهداية الحيوان فوق هداية أكثر الناس).
ولا يمكن لمن يعلم أسس الحساب من العقلاء أن يرى ذاتين منفصلتين أو ثلاث ذوات ذاتا واحدة؛ فكيف بمن يشرك بالله ويجعل الإله اثنين أو ثلاثة؟ إن صاحب العقل السليم لا يقبل الشرك ولا يرضاه؛ فمن المحال عند العقلاء أن يكون الخالق إلهين اثنين متعادلين في وصف القدرة؛ فإذا أراد أحدهما شيئا ولم يرده الآخر فلا بد عند التنازع من غالب وخاسر وسيعود الأمر إلى قوي قادر والآخر مربوب مقهور عاجز قال تعالى: } مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ { [المؤمنون:91].
وقال: } أَمْ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنْ الأرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ لوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ { [الأنبياء:22].
وقد ذكر الله U رأي من خالف الإنسان وأنكر عليه اتخاذ الولد للرحمن، وبين أن هذه المخلوقات يرفضن ذلك بشدة، فقال تعالى: } وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا { [مريم:88/92].
ومن المعلوم لدى كل فطرة سليمة أن العاقل هو من يحرص على جلب المنفعة وتحصيلها وحب الخيرات وتفضيلها، ولا نجد عاقلا يفضل الخير الأدنى على الخير الأعلى والعاقل أيضا حريص على دفع المضرة وإبعادها، كما أنه يتحمل مشقة أدنى ليحصِّل منفعة أعلى ويضحي بالقليل ليحصِّل الكثير، ويحرص على الباقي ويزهد في الفاني فالمريض مثلا يتحمل مرارة الدواء طلبا للشفاء، هذه أوصاف العقلاء النابعة من الفطرة السليمة، ومن هنا كانت دعوة الإسلام دعوة عظيمة لأنها بنيت على إيثار ما عند الله بطلب الجنة والبعد عن النار، فليس بعد نعيم الجنة من خير، وليس بعد عذاب النار من شر.
روى مسلم من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ t أن رَسُول اللَّهِ S قال: (يُؤْتَي بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً ثُمَّ يُقَالُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لا وَاللَّهِ يَا رَبِّ وَيُؤْتَي بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيُصْبَغُ صَبْغَة فِي الْجَنَّةِ، فَيُقَالُ لَهُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لا وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا مَرَّ بِي بُؤْسٌ قَطُّ وَلا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ).
وقال سبحانه وتعالى: } بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى { [الأعلى:16/19].
والقرآن يخبرنا أن المعرض عن ربه يعترف بذنبه ويقر على نفسه بأن الله منحه غريزة العقل لكنه لم ينتفع بها، وأنه لم يكن عاقلا حين فضل الدنيا على الآخرة.
قال الحارث بن أسد المحاسبي: (جميع الممتحنين المأمورين من العقلاء البالغين كلهم لهم عقول يميزون بها أمور الدنيا كلها الجليل والدقيق وأكثرهم للآخرة لا يعقلون، ألم تسمعه U يقول: } وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ { [الأعراف:198]، وقال جل ثناؤه: } لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا { [الأعراف:179] وهم بالدنيا أهل بصر وسمع وعقل، ولم يعن أنهم صم خرس مجانين وإنما عذبهم لأنهم يعقلون، لو تدبروا ما يرون ويسمعون من الدلائل عليه من آيات الكتاب وآثار الصنعة واتصال التدبير الذي يدل عليه لعلموا أنه واحد لا شريك له، حكى تعالى قول أهل النار فقال: } وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ { [الملك:11]، وقد كانت لهم عقول وأسماع لزمتهم بها الحجة لله U، وإنما عني U أنها لم تعقل عن الله فهما لما قال من عظيم قدر عذابه فندمت ونادت بالويل والندم، لا أنها لم تكن تسمع ولا تعقل ولا كانوا بمجانين ولكن يعقلون أمر الدنيا ولا يعقلون عن الله ما أخبر عنه ووعد وتوعد).
ومن ثم نصل إلى أن الإنسان لم يتميز عمن حوله بالعقل والحكمة إذ يشتركون معه في ذلك على الأقل.
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 06-01-2010, 02:16 PM
الصورة الرمزية خالد مسعد .
خالد مسعد . خالد مسعد . غير متواجد حالياً
نـجــم الـعـطــاء
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
المشاركات: 5,554
معدل تقييم المستوى: 22
خالد مسعد . will become famous soon enough
افتراضي

·ما هي حدد المعرفة بالعقل؟ وما العتبات المطلقة للحواس الخمس؟
العقل هو أساس الجهاز الإدراكى البشرى فهو في القلب يشبه المعالج في الكمبيوتر، والحواس تشبه وسائل إدخال المعلومات أو إخراجها، والمخ فيه ذاكرة الإنسان أو ما يشبه القرص الصلب.
والله عز وجل قد خلق الإنسان بجهاز إداركى محدود، تحقيقا لعلة معينة، تمثلت في الابتلاء كما قال تعالى: (إِنَّا خَلقْنَا الإنسان مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً) (الإنسان:2).
وقد أجريت التجارب والدراسات الحديثة، لتقدير القيم التقريبية للحدود المعينة في المؤثرات الخارجية التي يستقبلها الجهاز الحسي والإدراكى في جسم الإنسان، والتي يطلقون عليها في علم النفس العتبات المطلقة للحواس الخمس فوجدوا الحقائق التالية:
1-أن البصر يدرك به العقل صورة شمعة مضاءة ترى على بعد 30 ميلا في ليل مظلم.
2-أن السمع يدرك به العقل صوت دقة ساعة في ظروف هادئة تماما على بعد 20 قدما.
3-والتذوق يدرك به العقل ملعقة صغيرة من السكر مذابة في جالونين من الماء.
4-الشم يدرك به العقل نقطة عطر منتشرة في غرفة مساحتها 6 أمتار مربعة.
5-وحاسة اللمس يدرك جناح ذبابة يسقط على الصدغ من مسافة 1 سم تقريبا.
فإذا كان الجهاز الإدراكى في الإنسان بهذه الصورة في الدنيا فمن الصعب أن يرى ما وراء ذلك، كالذي يحدث في القبر من عذاب أو نعيم أو يرى الملائكة أو الجن أو عالم الغيب، أو يرى ذات الله وصفاته من باب أولى، ومعلوم أن عدم رؤيته لهذه الأشياء لا يعنى عدم وجودها فالجن مثلا جهازه الإدراكى يختلف عن الإنسان من حيث القوة. قال تعالى في وصفه: (إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ) (الأعراف:27).
وموسى عليه السلام لما طلب رؤية الله لم يكن الجواب باستحالة الرؤية أو نفيها مطلقا، ولكن النفي معلق بانتهاء الحياة الدنيا، فإن الشيء لا يرى لسببين:
1 خفاء المرئي وهو ممتنع في حق الله. 2 ضعف الجهاز الإدراكى للرائي.
وهذا هو شأن موسى عليه السلام، ولذلك تجلى الله للجبل الذي يتحمل أقصى درجة ممكنة من ضوء الشمس والذي لا يتحملة الإنسان أكثر من تسع دقائق تقريبا، قال تعالى:
(وَلمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلمَهُ رَبُّهُ قَال رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِليْكَ قَال لنْ تَرَانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلى الجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي، فَلمَّا تَجَلى رَبُّهُ لِلجَبَلِ جَعَلهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً، فَلمَّا أَفَاقَ قَال سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِليْكَ وَأَنَا أَوَّلُ المُؤْمِنِينَ) (الأعراف:143).
فمن الخطأ طلب البحث عن كيفية الأمور الغيبية أو الذات الإلهية أو صفاتها في الدنيا، لأن النواميس التي أوجدها الله في الكون لا تسمح بذلك اللهم إلا إذا حدث خرق للعادة كأن يرى بعض الرسل الملائكة أو الجنة أو النار أو بعض أمور الغيب أو ما يعجز الإنسان العادي عن إدراكه.
كما ورد في حديث عائشة رضي الله عنها الذي رواه البخاري: (قَالتْ عَائِشَةُ: خَسَفَتْ الشَّمْسُ فَقَامَ النَّبِيُّ صَلى اللهُ عَليْهِ وَسَلمَ فَقَرَأَ سُورَةً طَوِيلةً .. لقَدْ رَأَيْتُ فِي مَقَامِي هَذَا كُل شَيْءٍ وُعِدْتُهُ، حَتَّى لقَدْ رَأَيْتُ أُرِيدُ أَنْ آخُذَ قِطْفًا مِنْ الجَنَّةِ حِينَ رَأَيْتُمُونِي جَعَلتُ أَتَقَدَّمُ، وَلقَدْ رَأَيْتُ جَهَنَّمَ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْتُ).
أما في الآخرة فالأمر مختلف تماما، إذ أن مدركات الإنسان في الآخرة تختلف عن مدركاته في الدنيا كما صح الخبر عن رسول الله بذلك في الحديث المتفق عليه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلى اللهُ عَليْهِ وَسَلمَ قَال:
(خَلقَ اللهُ آدَمَ عَلى صُورَتِهِ، طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، فَلمَّا خَلقَهُ قَال: اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلى أُولئِكَ النَّفَرِ مِنْ المَلائِكَةِ جُلُوسٌ، فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ، فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ، فَقَال: السَّلامُ عَليْكُمْ، فَقَالُوا: السَّلامُ عَليْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ، فَزَادُوهُ وَرَحْمَةُ اللهِ، فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الجَنَّةَ عَلى صُورَةِ آدَمَ، فَلمْ يَزَل الخَلقُ يَنْقُصُ بَعْدُ حَتَّى الآنَ).
فالإنسان يوم القيامة على صورة آدم طوله ستون زراعا، ومن أجل ذلك فإن مداركه وحواسه تتغير بالكيفية التي تناسب أمور الآخرة.
فإذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنكم سترون ربكم كما ورد في صحيح البخاري عن جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَال: (كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلى اللهُ عَليْهِ وَسَلمَ فَنَظَرَ إِلى القَمَرِ ليْلةً يَعْنِي البَدْرَ فَقَال إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا القَمَرَ لا تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ فَإِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لا تُغْلبُوا عَلى صَلاةٍ قَبْل طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْل غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا ثُمَّ قَرَأَ: (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْل طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْل الغُرُوبِ).
فإذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنكم سترون ربكم علمنا أن إدرك العين المبصرة في الدنيا وقدرتها تختلف عن إدراك العين المبصرة في الآخرة وقدرتها على الرؤية.
من أجل ذلك وجب الإيمان بالرؤية في الآخرة والتسليم بذلك لموافقته للعقل الصريح والنقل الصحيح، وكذلك الحال في بقية الصفات، فنؤمن بها ونثبتها لله دون أن نطلب كيفيتها.
أما العقل فأقصى حدوده أن يتعرف على وجود الله من خلال الأسباب، فهناك عدة أمور يدرك بها العقل حقائق الأشياء على وجه اليقين مدارك اليقين العقلي.
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 06-01-2010, 02:17 PM
الصورة الرمزية خالد مسعد .
خالد مسعد . خالد مسعد . غير متواجد حالياً
نـجــم الـعـطــاء
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
المشاركات: 5,554
معدل تقييم المستوى: 22
خالد مسعد . will become famous soon enough
افتراضي

·مدارك اليقين العقلي:
أولها: البديهيات أو الأوليات.
وذلك كالحكم على أن البعرة تدل يقينا على البعير وأن الأثر يدل يقينا على المسير، وهكذا كل موجود لابد له من موجد، وكل نتيجة لابد له من سبب. وما رأينا سيارة تتحرك دون قائدها، أو قلماً يوضع بجوار ورق فيسطر عليه سطورا دون أن يحركه كاتب، وما شاهدنا أبدا حجارة ورملا وأسمنتا على الأرض تتحرك جميعها وترصّ نفسها بنفسها فوق بعضها؛ فتقيم لنا بناء.فلا يوجد قط مصنوع من غير صانع، ولا مخلوق من غير خالق، لهذا وجدنا ذلك العربي الذي يعيش في الصحراء قد تعرف على الخالق بعقله وفطرته في قولته الشهيرة: "البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير؛ فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، ألا تدل على اللطيف الخبير؟".
ومحال عقلا أن يوجدث شئ ذاته أو يوجد مخلوق بغير خالق. وإلى هذا أشار رب العزة والجلال في قوله تعالى: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الخَالِقُونَ، أَمْ خَلقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ) الطور، فهذه الآية تشير إلى عدم وجود أي مخلوق بدون خالق، وقد أكد العقل بنظره في الواقع أن الإنسان لا يمكن أن يخلق نفسه فضلا عن غيره، ولو استطاع أن يخلق نفسه لصورها كما يشاء، ولأودعها كل صفات الكمال بداية ونهاية، ولما جعلها عرضة لأن يعتريها شئ مما يعتري النفس البشرية من نقص أو ضعف، ولما رأينا الإنسان يجوع ويعطش ويتعب وينام ويمرض ويموت، بل يبقى على حاله لا يعتريه تغير ولا تبديل.
كما أنه تعالى يدل الناس إلى التدبر في آيات خلقه جلّ وعلا في الآفاق وفي أنفسهم؛ حتى تهتدي نفوسهم إلى أن الله عز وجل هو الحق الشهيد على كل شئ، المحيط بكل شئ؛ فيقول سبحانه وتعالى:
(سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لهُمْ أَنَّهُ الحَقُّ أَوَلمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ) الشورى. ويلفتهم تعالى مرة أخرى إلى آياته في الأرض وفي أنفسهم، وإلى رزقهم المضمون في السماء في قوله تعالى:
(وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلمُوقِنِينَ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لحَقٌّ مِثْل مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) الذاريات.
ومن هنا كان المسلم على يقين بوجود الله من خلال إثبات وجود الخالق بدلالة المخلوقات، وقد ثبت ذلك بحكم الأوليات أو البديهيات.
إن من أكبر المحرمات جريمة الزنى، والحكم فيها لا بد أن يقوم على مفردات يقينية ولا يبنى على أمور ظنية، وقد بين القرآن وسائل إدراك اليقين عند الحكم على المرتكبين لها، فمن ذلك البديهيات وارتباط العلل بالمعلولات، كما قالت مريم للملك عندما قال لها:
(إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لكِ غُلامًا زَكِيًّا قَالتْ أَنَّى يَكُونُ لي غُلامٌ وَلمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ – بزواج وَلمْ أَكُنْ بَغِيًّا بزنا – لأن البديهيات تجعل العاقل يحكم حكما يقينيا بأن الولد لا يأتي إلا من طريق مشروع أو طريق ممنوع .
ولذلك أكد لها الملك أن ذلك واضح صحيح، وأن حالتها استثناء وأن الله يخلق ما يشاء قَال كَذَلكِ قَال رَبُّكِ هُوَ عَليَّ هَيِّنٌ وَلنَجْعَلهُ آيَةً للنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا – من أجل ذلك أثبت لها الخالق براءتها، بخرق العادات وظهور المعجزات، وأوحى إليها أنها إذا رأت من أنكر عليها، أن تلزم الصمت وتمتنع عن الكلام، وكل ما عليها أن تشير إلى الغلام وتقول:
(إِنِّي نَذَرْتُ للرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلنْ أُكَلمَ اليَوْمَ إِنسِيًّا فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا فَأَشَارَتْ إِليْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلمُ مَنْ كَانَ فِي المَهْدِ صَبِيًّا قَال إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتَانِي الكِتَابَ وَجَعَلنِي نَبِيًّا وَجَعَلنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ ‎وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا وَبَرًّا بِوَالدَتِي وَلمْ يَجْعَلنِي جَبَّارًا شَقِيًّا وَالسَّلامُ عَلي يَوْمَ وُلدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا).
سبحان الله أطفل صغير ينطق بهذه الكلمات؟ ويعرف كل هذه المعلومات، ويفهم لوازم العبارات (إِنَّ مَثَل عِيسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَل آدَمَ خَلقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَال لهُ كُنْ فَيَكُونُ).
(ذَلكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْل الحَقِّ الذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ مَا كَانَ للهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لهُ كُنْ فَيَكُونُ).
فالله عز وجل قادر على أن يعلم الناس ما يشاء، فيدركون بأبصارهم ما هو تحت الأرض وفوق السماء، كما قال سبحانه وتعالى: (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ) البقرة،
ولكنه من حكمته جعل جهاز الإدراك في الإنسان محدودا، وجعل باب الإطلاع على الغيب بالعقل وحده مسدودا، لكي تكون الحياة نوعا من أنواع الابتلاءات، ويكون أهل العلم بين الناس درجات، فآيات القرآن أثبتت للإنسان جهازا للإدراك شاملا متكاملا أساسه في القلب، أول مهامه إدراك الأشياء ومعرفة الأسماء، وتمييز خصائصها والتعرف على أوصافها.
قال الله تعالى: (أَفَلمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلكِنْ تَعْمَى القُلُوبُ التِي فِي الصُّدُورِ).
وقال أيضاً: (وَلقَدْ ذَرَأْنَا لجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنْ الجِنِّ وَالإِنسِ لهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلئِكَ كَالأَنْعَامِ بَل هُمْ أَضَلُّ أُوْلئِكَ هُمْ الغَافِلُونَ)، فالبديهيات من أبرز الأمور العقلية في الدلالة على وجود الخالق.
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 06-01-2010, 02:17 PM
الصورة الرمزية خالد مسعد .
خالد مسعد . خالد مسعد . غير متواجد حالياً
نـجــم الـعـطــاء
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
المشاركات: 5,554
معدل تقييم المستوى: 22
خالد مسعد . will become famous soon enough
افتراضي

ثانيا: من الأمور التي يدرك بها العقل حقائق الأشياء المحسوسات.
وقد جعلها الله وسيلة من وسائل الإثبات، في الحكم على الزانيات المومسات فقال: (وَالذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَنَاتِ ثُمَّ لمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلدَةً وَلا تَقْبَلُوا لهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلئِكَ هُمْ الفَاسِقُونَ إِلا الذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلكَ وَأَصْلحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)
جاء في الصحيح عَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود أنه قَال: (كنَّا ليْلةَ الجُمُعَةِ فِي المَسْجِدِ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَال: لوْ أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلا فَتَكَلمَ جَلدْتُمُوهُ، أَوْ قَتَل قَتَلتُمُوهُ، وَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ عَلى غَيْظٍ، وَاللهِ لأَسْأَلنَّ عَنْهُ رَسُول اللهِ صَلى اللهم عَليْهِ وَسَلمَ، فَلمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ أَتَى رَسُول اللهِ صَلى اللهم عَليْهِ وَسَلمَ فَسَأَلهُ، فَقَال يا رسول الله: لوْ أَنَّ رَجُلا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَتَكَلمَ جَلدْتُمُوهُ أَوْ قَتَل قَتَلتُمُوهُ أَوْ سَكَتَ سَكَتَ عَلى غَيْظٍ، فنزل قول الله تعالى:
(وَالذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلمْ يَكُنْ لهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لمِنْ الصَّادِقِينَ وَالخَامِسَةُ أَنَّ لعْنَةَ اللهِ عَليْهِ إِنْ كَانَ مِنْ الكَاذِبِينَ وَيَدْرَأُ عَنْهَا العَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لمِنْ الكَاذِبِينَ وَالخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَليْهَا إِنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ).
وقد أمر الله عبادة باستخدام المحسوسات التي هى من مكونات الجهاز الإدراكى في النظر إلى الإبداع الكونى، والتأمل في خلق السماوات والتفكر في سائر المخلوقات: (إِنَّ فِي خَلقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ الليْل وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولي الأَلبَابِ الذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).
وقال تعالى: (أَفَلمْ يَنْظُرُوا إِلى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لهَا مِنْ فُرُوجٍ وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُل زَوْجٍ بَهِيجٍ تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لكُل عَبْدٍ مُنِيبٍ وَنَزَّلنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الحَصِيدِ وَالنَّخْل بَاسِقَاتٍ لهَا طَلعٌ نَضِيدٌ رِزْقًا للعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلدَةً مَيْتًا كَذَلكَ الخُرُوجُ) ق/6: 11.
وقال أيضاً: (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلى الإِبِل كَيْفَ خُلقَتْ وَإِلى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلى الجِبَال كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ) الغاشية/171:21.
وقال تعالى: (قُل سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الخَلقَ ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (العنكبوت:20)
·النظر في آيات الله الكونية والنفس البشرية:
والحق سبحانه وتعالى يدعوا عباده إلى النظر في آياتة الكونية، والمخلوقات المرئية، بما في ذلك النفس البشرية، فهى في حقيقتها صفحات كونية وأدلة عقلية في كتاب الله الكونى، ودور الإنسان الذي أمر الله به في القرآن هو التفكر والاعتبار والنظر في الآثار، فالأثر يدل على المسير والبعرة تدل على البعير، سماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج ألا تدل على اللطيف الخبير، فدور العقل هنا البحث في المخلوقات وما فيها من حكم وآيات، فإن المفعولات دالة على الأفعال، والأفعال دالة على الصفات، فالمفعول يدل على الفاعل، والمخلوق يدل على الخالق، وذلك يدل باللزوم على وجود الله وقدرته وعلمه ومشيئته.
ثم ما في المخلوقات من أنواع التغييرات، وما فيها من تنوع في الأشكال والجمال والحسن والكمال، يدل على وجود إرادة للحق في إدارة الملك، كما أن ما فيها من المصالح والغايات والحكم البينات الواضحات، يدل على حكمته وإتقان صنعته، وغير ذلك مما دعانا الله تعالى إلى النظر فيه فقال سبحانه تعالى:
(إِنَّ فِي خَلقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ الليْل وَالنَّهَارِ وَالفُلكِ التِي تَجْرِي فِي البَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَل اللهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُل دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ المُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) البقرة/164.
ثالثا: من الأمور التي يدرك بها العقل حقائق الأشياء أيضا المتواترات.
وكذلك خبر العدل الضابط الصادق كعلمنا بوجود مكة والمدينة، فإن العلم بوجودهما علم يقيني، وكذلك بعثة النبي العلم بها علم يقينى، لما ورد فيها من تواتر الأخبار وحملة الآثار.
وقد اتفق علماء الحديث على أن الأحاديث المتواترة تدل على اليقين وهى التي رواها جمع يستحيل اتفاقهم على الكذب عن جمع آخر يستحيل اتفاقهم على الكذب إلى نهاية الإسناد إلى رسول الله صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ.
ويحصل اليقين أيضا بخبر الواحد المعروف معرفة شخصية بطول العشرة والمعهود عنه العدالة الضبط وعدم المبالغة في القول كالراوي الثقة الذي لم يعرف بارتكاب كبيرة ولا إصرار على الصغيرة. فربما يحدث خبره من اليقين ما لايحدثه خبر التواتر.
ولم يختلف أحد من الأمم في أن رسول الله صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ بعث إلى الملوك رسولا واحدا يدعوهم إلى الإسلام، واحدا واحدا مفردا إلى كل مدينة وقبيلة، كصنعاء وحضرموت ونجران وتيماء والبحرين وعمان وغير ذلك من البلدان، وكان كل رسول يُعَلم الناس أحكام دينهم كلها، عقيدة وشريعة، وافترض النبي صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ على كل جهة قبول رواية أميرهم ومعلمهم؛ فصح قبول خبر الواحد الثقة عن مثله مبلغا إلى رسول الله صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ.
روى البخاري عَنْ البَرَاءِ أنه قَال: (لمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَليْهِ وَسَلمَ المَدِينَةَ صَلى نَحْوَ بَيْتِ المَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يُوَجَّهَ إِلى الكَعْبَةِ فَأَنْزَل اللهُ تَعَالى (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلةً تَرْضَاهَا) فَوُجِّهَ نَحْوَ الكَعْبَةِ وَصَلى مَعَهُ رَجُلٌ العَصْرَ ثُمَّ خَرَجَ فَمَرَّ عَلى قَوْمٍ مِنْ الأَنْصَارِ فَقَال هُوَ يَشْهَدُ أَنَّهُ صَلى مَعَ النَّبِيِّ صَلى اللهُ عَليْهِ وَسَلمَ وَأَنَّهُ قَدْ وُجِّهَ إِلى الكَعْبَةِ فَانْحَرَفُوا وَهُمْ رُكُوعٌ فِي صَلاةِ العَصْرِ).
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 06-01-2010, 02:18 PM
الصورة الرمزية خالد مسعد .
خالد مسعد . خالد مسعد . غير متواجد حالياً
نـجــم الـعـطــاء
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
المشاركات: 5,554
معدل تقييم المستوى: 22
خالد مسعد . will become famous soon enough
افتراضي

رابعا:من الأمور التي يدرك بها العقل حقائق الأشياء التجريبيات.
وقد يعبر عنها باطراد العادات، وذلك مثل حكمك بأن النار محرقة وأن الشمس مشرقة، وأن الماء ينزل من السماء فيحي الأرض بعد موتها، فهي سنن وعادات وتجربة وممارسات، ولذلك حذرنا الله من العصيان، بما حدث لأعدائه في سالف الزمان، كان مصيرهم الخسف والمسخ والصيحة والنبران فقال تعالى: (قَدْ خَلتْ مِنْ قَبْلكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُكَذِّبِينَ) آل عمران. وقال تعالى: (فَهَل يَنْظُرُونَ إِلا سُنَّةَ الأَوَّلينَ فَلنْ تَجِدَ لسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلا وَلنْ تَجِدَ لسُنَّةِ اللهِ تَحْوِيلا).
وقال سبحانه: (وَإِنَّ لُوطًا لمِنَ المُرْسَلِينَ إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلهُ أَجْمَعِينَ إِلا عَجُوزًا فِي الغَابِرِينَ ثُمَّ دَمَّرْنَا الآَخَرِينَ وَإِنَّكُمْ لتَمُرُّونَ عَليْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِالليْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ) الصافات 138.
وقال تعالى:
(يَا أَيُّهَا الذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ وَالذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لهُمْ وَأَضَل أَعْمَالهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَل اللهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالهُمْ أَفَلمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللهُ عَليْهِمْ وَلِلكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلى الذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الكَافِرِينَ لا مَوْلى لهُمْ) محمد 7/11.
وفي الحديث الصحيح الذي رواه البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أن النَّبِي صَلى اللهُ عَليْهِ وَسَلمَ قَال: (لا يُلدَغُ المُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ).
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ أن رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَال: (إِنَّ الصِّدْقَ بِرٌّ وَإِنَّ البِرَّ يَهْدِي إِلى الجَنَّةِ وَإِنَّ العَبْدَ ليَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقًا وَإِنَّ الكَذِبَ فُجُورٌ وَإِنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إِلى النَّارِ وَإِنَّ العَبْدَ ليَتَحَرَّى الكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ كَذَّابًا).
خامسا:من الأمور التي يدرك بها العقل الإدراك الذاتي لأفعال الحواس كالاعتراف.
روى مسلم عن ُبرَيْدَةَ بن الحصيب رضي الله عنه أنه قَال: (جَاءَ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ إِلى النَّبِيِّ صَلى اللهُ عَليْهِ وَسَلمَ فَقَال: يَا رَسُول اللهِ طَهِّرْنِي؟ فَقَال: وَيْحَكَ ارْجِعْ فَاسْتَغْفِرْ اللهَ وَتُبْ إِليْهِ. قَال بريدة: فَرَجَعَ غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ جَاءَ فَقَال: يَا رَسُول اللهِ طَهِّرْنِي؟ فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَليْهِ وَسَلمَ: وَيْحَكَ ارْجِعْ فَاسْتَغْفِرْ اللهَ وَتُبْ إِليْهِ. قَال: فَرَجَعَ غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ جَاءَ فَقَال: يَا رَسُول اللهِ طَهِّرْنِي؟ فَقَال النَّبِيُّ صَلى اللهُ عَليْهِ وَسَلمَ مِثْل ذَلِكَ، حَتَّى إِذَا كَانَتْ الرَّابِعَةُ قَال لهُ رَسُولُ اللهِ: فِيمَ أُطَهِّرُكَ؟ فَقَال: مِنْ الزِّنَى، فَسَأَل رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَليْهِ وَسَلمَ أَبِهِ جُنُونٌ؟ فَأُخْبِرَ أَنَّهُ ليْسَ بِمَجْنُونٍ، فَقَال: أَشَرِبَ خَمْرًا؟ فَقَامَ رَجُلٌ فَاسْتَنْكَهَهُ، فَلمْ يَجِدْ مِنْهُ رِيحَ خَمْرٍ، قَال بريدة: فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَليْهِ وَسَلمَ: أَزَنَيْتَ؟ فَقَال: نَعَمْ، فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ، فَكَانَ النَّاسُ فِيهِ فِرْقَتَيْنِ، قَائِلٌ يَقُولُ: لقَدْ هَلكَ، لقَدْ أَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ، وَقَائِلٌ يَقُولُ: مَا تَوْبَةٌ أَفْضَل مِنْ تَوْبَةِ مَاعِزٍ، أَنَّهُ جَاءَ إِلى النَّبِيِّ صَلى اللهُ عَليْهِ وَسَلمَ فَوَضَعَ يَدَهُ فِي يَدِهِ ثُمَّ قَال: اقْتُلنِي بِالحِجَارَةِ.
قَال فَلبِثُوا بِذَلِكَ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلاثَةً، ثُمَّ جَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَليْهِ وَسَلمَ وَهُمْ جُلُوسٌ، فَسَلمَ ثُمَّ جَلسَ فَقَال: اسْتَغْفِرُوا لِمَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ. قَال بريدة: فَقَالُوا: غَفَرَ اللهُ لِمَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ، قَال بريدة: فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَليْهِ وَسَلمَ: لقَدْ تَابَ تَوْبَةً لوْ قُسِمَتْ بَيْنَ أُمَّةٍ لوَسِعَتْهُمْ.
قَال: ثُمَّ جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ غَامِدٍ مِنْ الأَزْدِ، فَقَالتْ: يَا رَسُول اللهِ طَهِّرْنِي؟ فَقَال: وَيْحَكِ ارْجِعِي فَاسْتَغْفِرِي اللهَ وَتُوبِي إِليْهِ، فَقَالتْ: أَرَاكَ تُرِيدُ أَنْ تُرَدِّدَنِي كَمَا رَدَّدْتَ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ، قَال وَمَا ذَاكِ؟ قَالتْ: إِنَّهَا حُبْلى مِنْ الزِّنَى. فَقَال: آنْتِ؟ قَالتْ: نَعَمْ. فَقَال لهَا: حَتَّى تَضَعِي مَا فِي بَطْنِكِ. قَال: فَكَفَلهَا رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ حَتَّى وَضَعَتْ. قَال: فَأَتَى النَّبِيَّ صَلى اللهُ عَليْهِ وَسَلمَ فَقَال: قَدْ وَضَعَتْ الغَامِدِيَّةُ. فَقَال: إِذًا لا نَرْجُمُهَا وَنَدَعُ وَلدَهَا صَغِيرًا ليْسَ لهُ مَنْ يُرْضِعُهُ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ فَقَال: إِليَّ رَضَاعُهُ يَا نَبِيَّ اللهِ، قَال بريدة: فَرَجَمَهَا).
فغاية ما للعقل النظر في الأسباب والتعرف على دلالتها، ولا يجوز للإنسان أن يتجاوز ذلك كما قال تعالى: (وَلا تَقْفُ مَا ليْسَ لكَ بِهِ عِلمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً).
لكن لو أردنا أن نتعرف على عالم الغيب وما يحدث في القبر من عذاب أو نعيم أو الملائكة أو الجن أو نتعرف ذات الله أسمائه وصفاته، فهل يصلح العقل لذلك، كما حاولت الجهمية والمعتزلة والأشعرية والماتردية وغيرهم من أتباع الجهمية، سوف يقع في الضلال وسوف يقول على الله بالمحال، فلا بد من طريق آخر هو طريق النقل.
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 06-01-2010, 02:18 PM
الصورة الرمزية خالد مسعد .
خالد مسعد . خالد مسعد . غير متواجد حالياً
نـجــم الـعـطــاء
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
المشاركات: 5,554
معدل تقييم المستوى: 22
خالد مسعد . will become famous soon enough
افتراضي

·معاني التوحيد بين وصف الغنى والكمال ووصف الافتقار إلى رب العزة والجلال.

عقيدة أهل السنة والجماعة في توحيد الربوبية قائمة على أن وصف الغنى والكمال وصف ذاتي انفرد به رب العزة والجلال، وأن وصف الحاجة والافتقار وصف ذاتي لكل مخلوق على وجه الاضطرار.
· الأدلة على ذلك:
1.قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الفُقَرَاءُ إِلى اللهِ وَاللهُ هُوَ الغَنِيُّ الحَمِيدُ) (فاطر:15).
2.وقال: (هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لتُنْفِقُوا فِي سَبِيل اللهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَل فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللهُ الغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلوْا يَسْتَبْدِل قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالكُمْ) (محمد:38).
3.وقال: (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لعِبَادِهِ الكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لكُمْ وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَليمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) (الزمر:7).
4. وقال تعالى: (فَسَقَى لهُمَا ثُمَّ تَوَلى إِلى الظِّل فَقَال رَبِّ إِنِّي لمَا أَنْزَلتَ إِليَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) (القصص:24).
قال ابن القيم: (فصل في أن الله هو الغني المطلق والخلق فقراء محتاجون إليه قال الله سبحانه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الفُقَرَاءُ إِلى اللهِ وَاللهُ هُوَ الغَنِيُّ الحَمِيدُ) (فاطر:15) بين سبحانه في هذه الآية أن فقر العباد إليه أمر ذاتي لهم لا ينفك عنهم، كما أن كونه غنيا حميدا ذاتي له، فغناه وحمده ثابت له لذاته، لا لأمر أوجبه، وفقر من سواه إليه ثابت لذاته، لا لأمر أوجبه، فلا يعلل هذا الفقر بحدوث ولا إمكان، بل هو ذاتي للفقير، فحاجة العبد إلى ربه لذاته، لا لعلة أوجبت تلك الحاجة، كما أن غنى الرب سبحانه لذاته، لا لأمر أوجب غناه.
كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
والفقر لي وصف ذات لازم أبدا.. كما الغنى أبدا وصف له ذاتي.
فالخلق فقير محتاج إلى ربه بالذات لا بعلة، وكل ما يذكر ويقرر من أسباب الفقر والحاجة فهي أدلة على الفقر والحاجة، لا عِلل لذلك، إذا ما بالذات لا يعلل، فالفقير بذاته محتاج إلى الغني بذاته، فما يذكر من إمكان وحدوث واحتياج فهي أدلة على الفقر لا أسباب له).
ولذلك فإن الحاجة دليل العبودية والافتقار، وعدم الحاجة دليل الغنى والكمال، والغنى المطلق لا يكون إلا لرب العزة والجلال، ففقر العبد بمعناه العام وظهور فقره من خلال الأقوال والأفعال يدل على فهمه لحقيقة الربوبية والعبودية معا، فإن استغنى عن الآخرين فإنه يستغني عنهم افتقارا إلى الله أن يمنحه من فضله في أخراه، لا أنه يستغني عن الحاجة مطلقا فلا يطلبها من الله أو من غيره كما فعل كثيرون من الصوفية.
والقصد أن علة احتياج العالم إلى الرب سبحانه أن وصف الغنى والكمال وصف ذاتي انفرد به رب العزة والجلال، وأن وصف الحاجة والافتقار وصف ذاتي لكل مخلوق على وجه الاضطرار.
·دليل الحدوث علة احتياج العالم إلى الرب سبحانه وتعالى عند المتكلمين.
معلوم أن مذهب السلف هو افتقار المخلوق إلى خالقه وأن وجوده تعالى وغناه بنفسه عمن سواه أمر فطري معلوم بالضرورة، يُعلم من نظر العبد إلى ضروريات نفسه وافتقاره إلى غيره, والأدلة على ذلك أكثر من أن تحصى نراها في الكون والنفس والآثار والآفاق والوحي.
أما الأشاعرة فدليل احتياج العالم للخالق يسمى عندهم دليل الحدوث، وهو الاستدلال على ضرورة وجود الله بأن الكون حادث، وكل حادث فلابد من محدث قديم، وأخص صفات هذا القديم عندهم مخالفته للحوادث، وملخص كلامهم كما قال الشهرستاني في نهاية الإقدام في علم الكلام أنهم قالوا:
(لو قامت الحوادث بذات الباري سبحانه وتعالى لاتصف بها بعد أن لم يتصف، ولو اتصف لتغير، والتغير دليل الحدوث، إذ لا بد من مغير).
ويستدلون لكلامهم العقلي بقوله تعالى: (وَإِذْ قَال إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آَزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آَلهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ وَكَذَلكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَليَكُونَ مِنَ المُوقِنِينَ فَلمَّا جَنَّ عَليْهِ الليْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَال هَذَا رَبِّي فَلمَّا أَفَل قَال لا أُحِبُّ الآَفِلينَ) أي لا أحبّ عبادة الأرباب المتغيرين من حال إلى حال، المتنقلين من مكان إلى آخر، المحتجبين بستر، فإنّ ذلك من صفات الأجرام.
·بطلان تفسير الأفول بمعنى الحركة.
واستدلال الأشعرية على دليل الحدوث بقول إبراهيم u: (لا أُحِبُّ الآَفِلينَ) استدلال باطل لأن الأفول هنا بمعنى الغياب وليس الحركة.
قال تعالى: (فَلمَّا رَأَى القَمَرَ بَازِغًا قَال هَذَا رَبِّي فَلمَّا أَفَل قَال لئِنْ لمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَكُونَنَّ مِنَ القَوْمِ الضَّالينَ فَلمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَال هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلمَّا أَفَلتْ قَال يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) (الأنعام:76/77).
ودليل الحدوث دليل من ضمن الكثير من الأدلة العقلية التي ورد ذكرها في القرآن للاستدلال على غنى الخالق وفقر جميع الخلائق إليه وحدوه دون سواه، والله عز وجل يذكره لإلزام العقلاء بتوحيد العبادة، وليس فقط لإثبات الربوبية ووجود الخالق:
قال تعالى: (قُل مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُل اللهُ قُل أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْليَاءَ لا يَمْلكُونَ لأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرّاً قُل هَل يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالبَصِيرُ أَمْ هَل تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا للهِ شُرَكَاءَ خَلقُوا كَخَلقِهِ فَتَشَابَهَ الخَلقُ عَليْهِمْ قُل اللهُ خَالقُ كُل شَيْءٍ وَهُوَ الوَاحِدُ القَهَّارُ) (الرعد:16).
وقال سبحانه: (أَمْ خُلقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الخَالقُونَ أَمْ خَلقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ) (الطور:35/36).
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 06-01-2010, 02:19 PM
الصورة الرمزية خالد مسعد .
خالد مسعد . خالد مسعد . غير متواجد حالياً
نـجــم الـعـطــاء
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
المشاركات: 5,554
معدل تقييم المستوى: 22
خالد مسعد . will become famous soon enough
افتراضي

·دليل الإمكان علة احتياج العالم إلى الرب سبحانه وتعالى عند الفلاسفة.
زعم الفلاسفة أن علة احتياج العالم إلى وجود الرب هو دليل الإمكان، ويعتمد عندهم على تقسيم المعقول إلى واجب وممكن وممتنع.وهي أقسام الحكم العقلي عندهم والتي تنحصر في ثلاثة أقسام:
الأول الوجوب: وهو في اللغة الحضور والثبوت والسقوط والاستقرار،ومنه قوله تعالى: (وَالبُدْنَ جَعَلنَاهَا لكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ لكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَليْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا القَانِعَ وَالمُعْتَرَّ كَذَلكَ سَخَّرْنَاهَا لكُمْ لعَلكُمْ تَشْكُرُونَ) (الحج:36) وفي الاصطلاح عدم قبول الانتفاء في العقل كوجود الخالق.
الثاني الاستحالة: في اللغة الامتناع، ومنه قوله تعالى: (إِنَّ الذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ حَتَّى يَلجَ الجَمَلُ فِي سَمِّ الخِيَاطِ وَكَذَلكَ نَجْزِي المُجْرِمِينَ) (الأعراف:40).وفي الاصطلاح انتفاء قبول الثبوت في العقل كانتفاء وجود الخالق
الثالث الجواز: في اللغة المرور والعبور، ومنه قوله تعالى: (فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلا قَليلاً مِنْهُمْ فَلمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لا طَاقَةَ لنَا اليَوْمَ بِجَالُوتَ) (البقرة:249) (فَلمَّا جَاوَزَا قَال لفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لقَدْ لقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً) (الكهف:62)، وفي الاصطلاح قبول الثبوت والانتفاء في العقل كوجود المخلوق.
ولما كان العالم في المعقول ممكنا فإنه لا بد من واجب مرجح للإمكان يرجح وجود العالم أو عدمه، فلابد إذا من واجب الوجود.
مثال لدليل الإمكان عند الفلاسفة: إِذا اتفق صديقان على إمضاء وثيقة واشترط كل واحد منهما لإِمضائها، إمضاءَ الآخر، فتكون النتيجة توقف إمضاء كل على إمضاء الآخر وعند ذلك لن تكون تلك الورقة ممضاة إلى يوم القيامة.
مثالا آخر: لو أَراد رجلان التعاون على حمل متاع، غيرَ أَن كلا يشترط في إقدامه على حمله إِقدام الآخر. فلن يحمل المتاع إلى مكانه أَبدا.
ثم يستدلون على كلامهم العقلي بنصوص من القرآن كقوله تعالى: (أَوَلمْ يَرَ الإِنْسَانُ أَنَّا خَلقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ وَضَرَبَ لنَا مَثَلا وَنَسِيَ خَلقَهُ قَال مَنْ يُحْيِي العِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُل يُحْيِيهَا الذِي أَنْشَأَهَا أَوَّل مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُل خَلقٍ عَليمٌ الذِي جَعَل لكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ أَوَليْسَ الذِي خَلقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلهُمْ بَلى وَهُوَ الخَلاقُ العَليمُ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُول لهُ كُنْ فَيَكُونُ فَسُبْحَانَ الذِي بِيَدِهِ مَلكُوتُ كُل شَيْءٍ وَإِليْهِ تُرْجَعُونَ) (يس:77/83).
وقوله تعالى: (اللهُ يَعْلمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ) (الرعد:8/10).وقوله تعالى: (أَوَلمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الذِي خَلقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلمْ يَعْيَ بِخَلقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ المَوْتَى بَلى إِنَّهُ عَلى كُل شَيْءٍ قَدِيرٌ) (الأحقاف:33).
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 06-01-2010, 02:19 PM
الصورة الرمزية خالد مسعد .
خالد مسعد . خالد مسعد . غير متواجد حالياً
نـجــم الـعـطــاء
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
المشاركات: 5,554
معدل تقييم المستوى: 22
خالد مسعد . will become famous soon enough
افتراضي

·الفقر الاضطراري فقر عام لا خروج لبر ولا فاجر عنه.
قال ابن القيم: (ولهذا كان الصواب في مسألة علة احتياج العالم إلى الرب سبحانه غير القولين اللذين يذكرهما الفلاسفة والمتكلمون؛ فإن الفلاسفة قالوا: علة الحاجة الإمكان. والمتكلمون قالوا: علة الحاجة الحدوث. والصواب أن الإمكان والحدوث متلازمان، وكلاهما دليل الحاجة والافتقار، وفقر العالم إلى الله سبحانه أمر ذاتي لا يعلل، فهو فقير بذاته إلى ربه الغني بذاته، ثم يُستدل بإمكانه وحدوثه وغير ذلك من الأدلة على هذا الفقر.
والمقصود أنه سبحانه أخبر عن حقيقة العباد وذواتهم بأنها فقيرة إليه سبحانه، كما أخبر عن ذاته المقدسة وحقيقته أنه غني حميد، فالفقر المطلق من كل وجه ثابت لذواتهم وحقائقهم من حيث هي، والغنى المطلق من كل وجه ثابت لذاته تعالى وحقيقته من حيث هي، فيستحيل أن يكون العبد إلا فقيرا، ويستحيل أن يكون الرب سبحانه إلا غنيا، كما أنه يستحيل أن يكون العبد إلا عبدا، والرب إلا ربا، إذا عرف هذا فالفقر فقران:
1- فقر اضطراري: وهو فقر عام لا خروج لبر ولا فاجر عنه، وهذا الفقر لا يقتضي مدحا ولا ذما ولا ثوابا ولا عقابا، بل هو بمنزلة كون المخلوق مخلوقا ومصنوعا.
2 - فقر اختياري: هو نتيجة علمين شريفين أحدهما معرفة العبد بربه، والثاني معرفته بنفسه فمتى حصلت له هاتان المعرفتان أنتجتا فقرا هو عين غناه، وعنوان فلاحه وسعادته.
وتفاوت الناس في هذا الفقر بحسب تفاوتهم في هاتين المعرفتين، فمن عرف ربه بالغنى المطلق عرف نفسه بالفقر المطلق، ومن عرف ربه بالقدرة التامة عرف نفسه بالعجز التام.
ومن عرف ربه بالعز التام عرف نفسه بالمسكنة التامة، ومن عرف ربه بالعلم التام والحكمة عرف نفسه بالجهل، فالله سبحانه أخرج العبد من بطن أمه لا يعلم شيئا ولا يقدر على شيء ولا يملك شيئا ولا يقدر على عطاء ولا منع ولا ضر ولا نفع ولا شيء البتة، فكان فقره في تلك الحال إلى ما به كماله أمرا مشهودا محسوسا لكل أحد).
أما من استغنى بماله أو جاهه أو ملكه وعصى الله ونازعه في أمره فإنه خرج عن حده من كونه عبدا فقيرا ومن شأنه الخضوع والافتقار إلى أن فطغى وبغى واغتر بعدم الحاجة والاضطرار، فأوقعه غرور الهوى في أن يرى نفسه مستغنيا عن غيره لا يفتقر إلى أحد في قيام وصفه وتحقيق مراده.
قال تعالى: (كَلا إِنَّ الإنسان ليَطْغَى) (العلق:6)، ثم بين أن طغيانه كان بسبب رؤيته لنفسه مستغنيا عن غيره فقال: (أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى) (العلق:7) ثم أعاد الله الأمر إليه سبحانه في كون الغني والاستغناء عن الغير إنما هو في حقيقته مقصور على الرب الأعلى فقال: (إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعَى) (العلق:8).
·حقيقة الطاغوت تجاوز الحد في الخروج من الفقر الذاتي.
حقيقة الطاغوت تجاوز الحد في الخروج من الفقر الذاتي إلى الغنى الذاتيباستعلاء هوى النفس في الإنسان والاستكبار والظلم والطغيان، وهو ما يعبد من دون الله، قال تعالى: (وَإِذْ قُلنَا للمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْليسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الكَافِرِينَ) (البقرة:34)وقال: (قَال فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ) (الأعراف:13). وقال: (اذْهَبَا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولا لهُ قَوْلا ليِّنًا لعَلهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَليْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى قَال لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى) (طه:46).
وقال: (هَل أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالوَادِ المُقَدَّسِ طُوًى اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُل هَل لكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشَى فَأَرَاهُ الآَيَةَ الكُبْرَى فَكَذَّبَ وَعَصَى ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى فَحَشَرَ فَنَادَى فَقَال أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلى فَأَخَذَهُ اللهُ نَكَال الآَخِرَةِ وَالأُولى إِنَّ فِي ذَلكَ لعِبْرَةً لمَنْ يَخْشَى). وقال عن استعلاء هوى النفس في الإنسان ومنازعته لربه في وصف المشيئة بالعلو والطغيان: (فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الكُبْرَى يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ مَا سَعَى وَبُرِّزَتِ الجَحِيمُ لمَنْ يَرَى فَأَمَّا مَنْ طَغَى وَآَثَرَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الجَحِيمَ هِيَ المَأْوَى وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الهَوَى فَإِنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأْوَى) النازعات
وقال تعالى عن الكفار واستغنائهم على الحق: (عَبَسَ وَتَوَلى أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى وَمَا يُدْرِيكَ لعَلهُ يَزَّكَّى أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى فَأَنْتَ لهُ تَصَدَّى وَمَا عَليْكَ أَلا يَزَّكَّى وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى وَهُوَ يَخْشَى فَأَنْتَ عَنْهُ تَلهَّى كَلا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ). وقال سبحانه لنبيه e: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (هود:1121).
وقد سمي الطاغوت طاغوتا لتجاوز الحد في كونه عبدا فقيرا زعم لنفسه أو زعم له غبره أنه علا في الكمال واستغنى عن الطلب والسؤال، كما قال رب العزة والجلال: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالعُرْوَةِ الوُثْقَى لا انْفِصَامَ لهَا وَاللهُ سَمِيعٌ عَليمٌ) (البقرة:257).
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 12:50 PM.