#1
|
||||
|
||||
صفات عباد الرحمن في سورة الفرقان
يقول الحق تبارك وتعالى : "وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً . وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً . وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً . إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاما ً. وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً . وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً . يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً . إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً . وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً . وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً . وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً . وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً . أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاماً . خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً . قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً " سورة الفرقان 63:77 هذه الآيات الكريمات يبرز فيها عباد الرحمن بصفاتهم المميزة ، ومقوماتهم الخاصة ، هؤلاء العباد هم الذين يعرفون الرحمن ، ويستحقون أن ينسبوا إليه ، وأن يكونوا عباده ، هم الذين يئس الشيطان من أن يغويهم أو يجد منفذاً للسيطرة عليهم فقد أقسم كما قال جل وعلا : " قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ . إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ " سورة ص 82-83 ، وقال تعالى : " إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْغَاوِينَ " سورة الحجر /42 إخوتي أتريدون أن تكونوا من عباد الرحمن ؟ أتريدون أن تنتسبوا إلى الله عز وجل ؟ أتريدون أن تكونوا من هؤلاء ؟ ما عليكم إلا أن تتصفوا بصفات عباد الرحمن قولاً وعملاً . الصفة الأولى : التواضع قال تعالى : " وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنا ً" فالصفة الأولى من صفات عباد الرحمن أنهم يمشون على الأرض مشية سهلة هينة ، ليس فيها تكلف ولا تصنع ، يمشون بسكينة ووقار بلا تجبر ولا استكبار ولا استعلاء على أحد . فالمشية ككل حركة تعبير عن الشخصية وعما يستكن فيها من مشاعر ، والنفس السوية المطمئنة الجادة القاصدة ، تخلع صفاتها هذه على مشية صاحبها ، فيمشى مشية سوية مطمئنة جادة قاصدة ، فيها وقار وسكينة ، وفيها جد وقوة . وليس معنى : " يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً " أنهم يمشون متماوتين منكسي الرؤوس كما يفهم بعض الناس ، فقد كان سيد ولد آدم (صلى الله عليه وسلم ) إذا مشى كأنما ينحط من صبب ، وكأنما الأرض تطوى له ، قال أبو هريرة (ما رأيت شيئا أحسن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كأن الشمس تجري في وجهه ، وما رأيت أحدا أسرع في مشيته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، كأنما الأرض تطوى له ، إنا لنجهد أنفسنا ، وإنه لغير مكترث ). ورأى عمر بن الخطاب رجلاً يمشي رويداً مطاطأ الرأس فقال : ما بالك ؟ أأنت مريضاً ؟ قال : لا ، فعلاه بالدرة ، وأمره أن يمشي مشية الأقوياء . وقد نهى القرآن عن مشي المرح والبطر والفخر والاختيال قال تعالى : " وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً "الإسراء37 وهذا لقمان يوصي ابنه : " وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ " لقمان18 وعن عبدالله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من تعظم في نفسه أو اختال في مشيته ، لقي الله عز وجل و هو عليه غضبان )وروى مسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (بينما رجل يتبختر ، يمشي في برديه ، قد أعجبته نفسه ، فخسف الله به الأرض ، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة) وقد كان صلى الله عليه وسلم سيد المتواضعين كان يمشي خلف أصحابه كواحدٍ منهم ، حتى أن الرجل الغريب ليأتي فيقول أيكم ابن عبد المطلب ؟ ، وكان في بيته في مهنة أهله ، يرقع ثوبه ويخصف نعله ويحلب شاتـه . وإلى لقاء آخر مع باقى صفات عباد الرحمن جعلنا الله وإياكم منهم
__________________
تهانينا لقد تم تحميل السرطان بنجاح
|
#2
|
||||
|
||||
الصفة الثانية : الحلم
قال تعالى :" وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً " الصفة الثانية من صفات عباد الرحمن أنهم إذا سفه عليهم الجهال بالسئ ، لم يقابلوهم عليه بمثله ، بل يعفون ويصفحون ، ولا يقولون إلا خيرا ، فهم لا يلتفتون إلى حماقة الحمقى وسفه السفهاء ولا يشغلون بالهم ولا وقتهم وجهدهم بالاشتباك مع السفهاء والحمقى في جدل وعراك ، ويترفعون عن المهاترة مع المهاترين الطائشين ، " وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً " لا عن ضعف ولكن عن ترفع ، ولا عن عجز إنما عن استعلاء ، وعن صيانة للوقت والجهد أن ينفقا فيما لا يليق بمن هو مشغول عن المهاترة بما هو أهم وأكرم وأرفع . كما قال تعالى : " وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ " القصص /55 وقال تعالى : " وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً " الإسراء/53 فقد أمر الله نبيه أن يأمر عباد الله المؤمنين أن يقولوا في مخاطبتهم الكلام الأحسن ، والكلمة الطيبة ، فإنهم إذا لم يفعلوا ذلك نزغ الشيطان بينهم وأخرج الكلام إلى الفعال ووقع الشر والمخاصمة والمقاتلة . وقال تعالى : " وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ " فصلت 34-35 أى ادفع من أساء إليك بالإحسان إليه ، فإذا أحسنت إلى من أساء إليك قادته تلك الحسنة إليه إلى مصافاتك ومحبتك ،والحنو عليك حتى يصير كأنه ولي لك حميم أى قريب إليك من الشفقة عليك والإحسان لك ، ومايقبل هذه الوصية ويعمل بها إلا من صبر على ذلك فإنه يشق على النفوس ، وما يلقاها إلا ذو نصيب وافر من السعادة في الدنيا والآخرة . وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) لا تزيده شدة الجهل إلا حلما عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية ، فأدركه أعرابي فجذبه جذبة شديدة ، حتى نظرت إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم قد أثرت به حاشية الرداء من شدة جذبته ، ثم قال : مر لي من مال الله الذي عندك ، فالتفت إليه فضحك ، ثم أمر له بعطاء .(متفق عليه) وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: { لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا متفحشا ، وكان يقول : ( إن من خياركم أحسنكم أخلاقا ) } . صحيح البخاري عن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة ، من خلق حسن ، وإن الله ليبغض الفاحش البذيء) الترمذي وابن حبان في صحيحه. وإلى لقاء آخر قريبا إن شاء الله تعالى دمتم في حفظ الله
__________________
تهانينا لقد تم تحميل السرطان بنجاح
|
#3
|
||||
|
||||
الصفة الثالثة : المواظبة على قيام الليل قال تعالى :" وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً ً " الصفة الثالثة من صفات عباد الرحمن المواظبة على قيام الليل ، فهم إذا خيّم الليل وأرخى سدوله وآوى الناس إلى فرشهم كان عباد الرحمن مع ربهم يبيتون له سجدا وقياما ، يتوجهون له وحده ، ويقومون له وحده ، ويسجدون له وحده ، هم قوم مشغولون عن النوم المريح اللذيذ ، بما هو أروح منه وأمتع , مشغولون بالتوجه إلى ربهم ، وتعليق أرواحهم وجوارحهم به ، ينام الناس وهم قائمون ساجدون ، ويخلد الناس إلى الأرض وهم يتطلعون إلى عرش الرحمن ، ذي الجلال والإكرام . قال تعالى : " كَانُوا قَلِيلاً مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ . وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ " الذاريات 17– 18 وقال تعالى : " تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ . فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ " السجدة 16-17 وقد حث حبيبنا محمد (صلى الله عليه وسلم ) على قيام الليل ورغّب فيه، فقال عليه الصلاة والسلام: " عليكم بقيام الليل ، فإنه دأب الصالحين قبلكم ، و قربة إلى الله تعالى ومنهاة عن الإثم و تكفير للسيئات ، ومطردة للداء عن الجسد " صححه الألباني وقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : " في الجنة غرفة يرى ظاهرها من باطنها ، وباطنها من ظاهرها فقال أبو مالك الأشعري : لمن هى يا رسول الله ؟ قال : لمن أطاب الكلام ، وأطعم الطعام ، و بات قائما والناس نيام " صححه الألباني وقال (صلى الله عليه وسلم ): { أفضل الصلاة ، بعد الفريضة ، صلاة الليل } صحيح مسلم 1163 الأسباب الميسِّرة لقيام الليل ذكر أبو حامد الغزالي أسباباً ظاهرة وأخرى باطنة ميسرة لقيام الليل: فأما الأسباب الظاهرة فأربعة أمور: الأول: ألا يكثر الأكل فيكثر الشرب، فيغلبه النوم، ويثقل عليه القيام. الثاني: ألا يتعب نفسه بالنهار بما لا فائدة فيه. الثالث: ألا يترك القيلولة بالنهار فإنها تعين على القيام. الرابع: ألا يرتكب الأوزار بالنهار فيحرم القيام بالليل. وأما الأسباب الباطنة فأربعة أمور: الأول: سلامة القلب عن الحقد على المسلمين، وعن البدع وعن فضول الدنيا. الثاني: خوف غالب يلزم القلب مع قصر الأمل. الثالث: أن يعرف فضل قيام الليل. الرابع: وهو أشرف البواعث: الحب لله، وقوة الإيمان بأنه في قيامه لا يتكلم بحرف إلا وهو مناج ربه. إخوتي شتان بين من يقضي الليل في طاعة الله وبين من يقضيه في معصية الله شتان بين من يسهر في لهو وعبث حتى قرب الفجر فإذا قرب الفجر نام وبين من يقضي الليل صلاةً واستغفاراً وتسبيحاً ونوماً على ذكر الله شتان بين من يقضي الليل في إجرام يدبر المكائد والشرور لعباد الله الصالحين وبين من يقضي الليل علماً وتعلماً ودعوة الى شرع الله عباد الرحمن تتجافى جنوبهم عن المضاجع كلهم مابين خائف متهجد وطامع تركوا لذة الكرى للعيون الهواجع وأستهلّت عيونهم فائضات المدامع ودعوا ياربنا ياجميل الصنائع جعلنا الله وإياكم منهم وإلى لقاء آخر بإذن الله تعالى
__________________
تهانينا لقد تم تحميل السرطان بنجاح
|
#4
|
||||
|
||||
جميل جداً
شكراً جزيلاً أستاذ أحمد جزاكم الله خيراً و جعله الله في موازين حسناتكم بإذن الله و متابعة
__________________
أَسْتَوْدِعُكُمُ اللهَ الْذِي لا تَضِيعُ وَدَائِعَهُ ،، و دُمْتُمْ بِحِفْظِ اللهِ ،، |
#5
|
|||
|
|||
شكرا يا استاذ احمد
ربنا يجعله في ميزان حسناتك وجزاك الله خيرا |
#6
|
|||
|
|||
بارك الله فيك وجعله فى ميزان حسناتك ان شاء الله
|
#7
|
||||
|
||||
اللهم اشرح بالقرآن صدورنا، وفرج به همومنا، وازح ببركته ونوره وهداه ظلام قلوبنا .. آمين
__________________
اللهم اجعلنا من الذين سرحت أرواحهم في دار العلى و حطّت همم قلوبهم في غاية التقى و جنوا من ثمار رياض التسنيم و استظلّوا تحت ظلّ الكرامة الظليل اللهم ألبسنا لباس التقوى واكفنا ما أهمنا وارزقنا من واسع كرمك واغفر لنا واحمنا بحمايتك واحفظنا من كل شر وارزقنا الطمأنينة وراحة البال وأدخلنا الجنة يا ذا الجلال والإكرام . |
#8
|
|||
|
|||
جزاكم الله خيرااا
|
العلامات المرجعية |
|
|