اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > القسم الإداري > أرشيف المنتدى

أرشيف المنتدى هنا نقل الموضوعات المكررة والروابط التى لا تعمل

 
 
أدوات الموضوع ابحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 29-07-2009, 02:53 AM
الصورة الرمزية شهدالجنة
شهدالجنة شهدالجنة غير متواجد حالياً
عضو قدوة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2008
المشاركات: 1,732
معدل تقييم المستوى: 18
شهدالجنة is on a distinguished road
افتراضي مواقف دعوية من السيرة النبوية (15)... مواقف في هجرتي الحبشة الأولى والثانية (1)

مواقف في هجرتي الحبشة الأولى والثانية (1)

لقد اشتد أذى المشركين على المسلمين في مكة المكرمة كما تقدم ذكر أمثلة من ذلك, ولقد واجه المسلمون ذلك الأذى بالصبر الجميل , ولكن المشركين أصبحوا يضاعفون من ذلك الأذى كلما تقدم بهم الزمن ورأوا أن كفة المسلمين تعلو شيئا فشيئًا بدخول بعض أشراف أهل مكة في الإسلام .

فلما رأى صلى الله عليه وسلم ذلك وجه أصحابه إلى الهجرة ليسلموا من الأذى وليعبدوا الله تعالى في حرية, وليقوموا بنشر الإسلام في بلاد أخرى , وقد اختار لهم الحبشة لما اشتهر عن حاكمها من العدل والرحمة .

وقد أخرج أهل السير خبر الهجرتين , ومن ذلك ماذكره الحافظ ابن كثير من رواية يونس بن بكير عن ابن إ**** قال : حدثني الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت : لما ضاقت مكة وأوذي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لايستطيع دفع ذلك عنهم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في منعة من قومه ومن عمه , لايصل إليه شيء مما يكره ومما ينال أصحابه , فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن بأرض الحبشة ملكًا لايُظلم أحد عنده فالحقوا ببلاده حتى يجعل الله لكم فرجًا ومخرجًا مما أنتم فيه" ([1]) .

وذكر ابن هشام عن ابن إ**** هذا الخبر ولم يذكر إسناده وذكر فيه أسماء العشرة الذين خرجوا في الهجرة الأولى , وقد اصطحب بعضهم نساءهم ([2]) .

وأخرج ابن سعد من طريق شيخه محمد بن عمر الواقدي بإسناده عن الحارث بن الفضيل ورجل من بني ظفر قالا : فخرجوا متسللين سرًّا وكانوا أحد عشر رجلاً وأربع نسوة حتى انتهوا إلى الشعيبة منهم الراكب والماشي , ووفق الله تعالى للمسلمين ساعة جاؤوا سفينتين للتجار, حملوهم فيهما إلى أرض الحبشة بنصف دينار , وكان مخرجهم في رجب من السنة الخامسة من حيث نُبِّئَ رسول الله صلى الله عليه وسلم , وخرجت قريش في آثارهم حتى جاؤوا البحر حيث ركبوا فلم يدركوا منهم أحدا ([3]) .

وفي هذا الخبر زيادة على ماذكر ابن إ**** بيان تاريخ هذه الهجرة , ومطاردة قريش لهم وعدم ظفرهم بهم .

وذكر الحافظ ابن حجر أن مخرجهم كان في شهر رجب من السنة الخامسة , ونسبه إلى أهل السير ([4]) .

ثم ذكر ابن إ**** رحمه الله خبر الهجرة الثانية مطولاً من حديث أم سلمة رضي الله عنها.

قال ابن إ**** : حدثني محمد بن مسلم الزهري عن أبي بكر ابن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي , عن أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: "لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار النجاشيَّ , أمِنَّا على ديننا , وعبدنا الله تعالى, لانُؤْذى ولانسمع شيئًا نكرهه .

فلما بلغ ذلك قريشًا ائتمروا بينهم أن يبعثوا إلى النجاشي فينا رجلين منهم جَلْدَين , وأن يهدوا للنجاشي هدايا مما يستطرف من متاع مكة , وكان من أعجب مايأتيه منها الأُدم ([5]) , فجعلوا له أدمًا كثيرًا , ولم يتركوا من بطارقته بطريقًا إلا أهدوا له هدية , ثم بعثوا بذلك عبد الله ابن أبي ربيعة , وعمرو بن العاص , وأمروهما بأمرهم , وقالوا لهما : ادفعا إلى كل بطريق هديته قبل أن تكلما النجاشي فيهم , ثم قدِّما إلى النجاشي هداياه , ثم سَلاَه أن يُسلمهم إليكما قبل أن يكلمهم .

قالت : فخرجا حتى قدما على النجاشي , ونحن عنده بخير دار عند خير جار , فلم يبق من بطارقته بطْريقٌ إلا دفعا إليه هديته قبل أن يكلما النجاشي , وقالا لكل منهم : إنه ضَوَى إلى بلد الملك منا غلمان سفهاء , فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا دينكم , وجاؤوا بدين مبتدع, لانعرفه نحن ولا أنتم , وقد بعثَنَا إلى الملك فيهم أشرافُ قومهم ليردوهم إليهم , فإذا كلمنا الملك فيهم , فأشيروا عليه بأن يسلمهم إلينا ولايكلمهم , فإن قومهم أعلى بهم عينًا وأعلم بما عابوا عليهم, فقالوا لهما : نعم .

ثم إنهما قدَّما هداياهما إلى النجاشي فقبلها منهما ثم كلماه فقالا له : أيها الملك إنه قد ضوى إلى بلدك منا غلمان سفهاء , فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك , وجاؤوا بدين ابتدعوه لانعرفه نحن ولا أنت , وقد بعثَنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردَّهم إليهم فهم أعلى بهم عينًا وأعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه .

قالت : ولم يكن شيء أبغض إلى عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص من أن يسمع كلامهم النجاشي .

قالت : فقالت بطارقته حوله : صدقا أيها الملك , قومهم أعلى بهم عينًا , وأعلم بما عابوا عليهم , فأسْلمْهم إليهما فليرداهم إلى بلادهم وقومهم .

قالت : فغضب النجاشي , ثم قال : لاها الله , إذًا لا أسلمهم إليهما , ولايُكاد قوم جاوروني ونزلوا بلادي , واختاروني على من سواي , حتى أدعوهم فأسألهم عما يقول هذان في أمرهم , فإن كانوا كما يقولان أسلمتهم إليهما , ورددتهم إلى قومهم , وإن كانوا على غير ذلك منعتهم منهما , وأحسنت جوارهم ماجاوروني " .


هذا خبر مهم فيه كشف مخططات الأعداء التي يدبرونها للقضاء على المسلمين ومواقف عالية في عدالة الحكام , ومواقف إسلامية عالية من الصحابة رضي الله عنهم في التمثيل الصادق للإسلام, ثم نتائج باهرة في صمود أهل الحق واعتزازهم بدينهم , ونتائج فاضحة لأهل الباطل في كيدهم لأهل الحق .

ونبدأ بالإشارة على المخطط الأثيم الذي رسمه زعماء الكفر في مكة آنذاك لإرغام المسلمين على العودة والبقاء تحت سياط الذل والتبعية الممقوتة .

وإنه لعجيب أن يلاحق الكفار المسلمين خارج بلادهم , وكأنهم رأوا أن حرية العبادة التي سعدوا بها في أرض الحبشة لايجوز أن يهنئوا بها وهم قد خرجوا عن الإطار العام الذي رسمه الطغاة في مكة لأبناء قبائلهم ومن حالفهم أو صار مملوكًا لهم , وهذا مثال لنوع من التفكير المحدود, وضيق الأفق الذي يعيش فيه الطغاة في كل زمن , حيث يقفز إلى أذهانهم تصورات طائشة مبنية على الشعور بأن خروج طائفة من متبوعيهم عن الإطار المرسوم يعدُّ إهانة لهم , وعدم اعتراف بسلطتهم , وبالتالي يتطور هذا الشعور إلى التفكير بإمكان قيام هؤلاء بعمل مضاد , وإن كانوا لا دولة لهم ولاسلطان , فيحملهم ذلك على المزيد من الملاحقة والمتابعة .

ولذلك رأينا زعماء الكفر حاولوا إعادة المهاجرين إلى مكة المكرمة ليعيشوا تحت سلطانهم, فقام الطغاة بتشكيل الوفد المذكور الذي يضم عمرو بن العاص رضي الله عنه , الذي يُعدُّ أعظم دهاة العرب كما شهد له عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما وجهه لحرب داهية الروم "أرطبون" فقال : رمينا أرطبون الروم بأرطبون العرب فانظروا عمَّ تنفرج .

وأعدوا مجموعة من الهدايا لملك الحبشة ووزرائه , واختاروا الجلود المدبوغة , لأنها أنفس شيء يأتي إلى الحبشة من بلاد العرب , ولقد أحسنوا إعداد الخطة , حيث أجادوا الوفد , ووجهوا عضوي الوفد إلى الاتصال أولاً بالوزراء وتقديم الهدايا لهم , وشرح القضية أمامهم ليكسبوهم إلى صفهم فيما إذا بحث الوفد القضية مع النجاشي .

كما أن من بنود الخطة أن يحاول الوفد التأثير على النجاشي ليُصدر حكمه دون أن يسمع كلام المسلمين , وذلك لعلمهم بأن المسلمين يملكون من الحجة والقوة المعنوية ما لايملكه غيرهم وإن كان خصمهم آنذاك عمرو بن العاص , لكنه بعد أن أسلم زاده الإسلام عظمة وتفوقًا , وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء من بعده يُعدونه لعظائم الأمور .

لقد اتفق وفد قريش ووزراء النجاشي على الخطة الأثيمة التي تقضي بتسليم المسلمين بدون استجواب , وبدون أن ينالوا حريتهم في التعبير عن أنفسهم ومايريدون , وهي خطة جاهلية درج عليها الطغاة من قديم الزمن , ولم ينكرها وزراء النجاشي لأن ملوكهم السابقين كانوا على درجة من الطغيان , فقد كان مألوفًا عندهم أن يؤخذ فرد أو أفراد فيحكم عليهم غيابيًّا , وينفذ الحكم من غير حضورهم ولاتمكُّنهم من الدفاع عن أنفسهم .

وهكذا حينما يتمكن الطغيان من النفوس يرى أصحاب السلطة أن الأمر بيدهم, فإن شاؤوا أعطوا الحريات , وإن شاؤوا منعوها , وحينما يخشون من الاعتراض عليهم فإنهم قد يعرضون قضايا المتهمين في المحاكم , ويقومون بأدوار تمثيلية متقنة , توهم العالم أنهم يعطون حرية الكلمة والدفاع عن النفس , ثم هم ينفذون ما يمليه عليهم طغيانهم , إذ أن الطغاة من البعيد جدًّا أن يتنازلوا عن مظاهر الطغيان إلا بقوة قاهرة تنقلهم من الجو المتعفن الذي يعيشون فيه إلى جو آخر يضطرون فيه إلى التنازل عن بعض مافي نفوسهم من الجبروت والترفع , أو يزولون ويزول معهم طغيانهم .

وهكذا كان وقوف النجاشي وحده وإصراره على منح المسلمين حرية الكلمة هو الذي أنقذ الله تعالى به أولئك الصحابة رضي الله عنهم , ولقد زال الطغاة أو زال طغيانهم بدخولهم في الإسلام وبقيت مظاهر العدالة التي سطرها التاريخ للنجاشي شاهدة على ما للعدالة من بقاء وخلود .

وأخيرًا خضع وزراء النجاشي لرأيه الذي يمثل العدالة والوفاء .

" قالت أم سلمة رضي الله عنها : - ثم أرسل إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهم , فلما جاءهم رسوله اجتمعوا , ثم قال بعضهم لبعض : ماتقولون للرجل إذا جئتموه ؟ قالوا : نقول والله ماعلَّمَنا وما أمرنا به نبينا صلى الله عليه وسلم كائنًا في ذلك ماهو كائن " .

وهكذا كان أمر المسلمين شورى بينهم , وكل أمر يتم عن طريق الشورى فهو أدعى إلى نجاحه , لأنه يضم خلاصة عقول كثيرة .

وإن من مظاهر السمو التربوي في هؤلاء الصحابة أنهم لم يختلفوا , بل أجمعوا على رأي واحد, هو أن يعرضوا الإسلام كما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم كائنًا في ذلك ماهو كائن , وإن هذا الاجتماع يعدُّ ثاني خطوة من خطوات النجاح بعد الشورى وكان عددهم بعد الهجرة الثانية ثلاثة وثمانون رجلا .

هذا وإن الذي أجمعوا عليه يعدُّ دليلاً على قوة توحيدهم واستسلامهم لله تعالى , حيث عزموا على عرض الإسلام بعزة وإن كان في ذلك هلاكهم , ولم يجعلوا لآرائهم واجتهاداتهم مدخلاً في ذلك الأمر لوضوحه , حيث كان الأمر إما أن يَعرضوا الإسلام كاملاً كما جاء من عند الله تعالى , أو أن يسلكوا سبيل المداهنة فيعرضوا منه مايوافق هوى ملك الحبشة ووزرائه, وفي هذا سلامتهم في ظاهر الأمر , لكنهم لقوة توحيدهم لم ينظروا إلى موضوع سلامتهم في الدنيا , وإنما نظروا إلى سلامتهم في الآخرة , فعزموا على عرض الإسلام كاملاً وعدم المداهنة .

وجاء في رواية أخرجها الحاكم والطبراني من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن عمرو بن العاص وصاحبه قالا للنجاشي : إنهم – يعني المسلمين – لايسجدون لك , قال: فلما انتيهنا إليه زَبَرَنَا مَنْ عنده : اسجدوا للملك , فقال جعفر : لانسجد إلا لله , فقال النجاشي: وماذاك ؟ قال : إن الله بعث فينا رسوله وهو الرسول الذي بشر به عيسى عليه السلام برسول يأتي من بعده اسمه أحمد فأمرنا أن نعبد الله ولانشرك به شيئًا ... الحديث ([6]) .

وهذا موقف عظيم من مواقف الاعتزاز بالإسلام والمحافظة على سلامة التوحيد, مع رهبة الموقف الذي كانوا فيه , حيث إن الأمر يتطلب في حياة الناس المعتادة أن يسلك جعفر وأصحابه طريق المداراة , ولو أدى ذلك إلى المداهنة , ولكن المؤمنين حقًّا لايفعلون ذلك بل يمثلون الحق الذي أمرهم به دينهم مهما حصل عليهم من أذى , وكذلك فعل المؤمنون في الحبشة رضي الله عنهم, وقد سخَّر الله تعالى قلب النجاشي فكان نعم النصير والحامي لهم , وكان لهذا الموقف الشجاع وأمثاله من جعفر رضي الله عنه الأثر الكبير في قناعة النجاشي بالإسلام .

إنه لابد من الدعوة إلى الإسلام بكل مافيه من قوة وتميز وإن أنكره الناس في أول الأمر, فإن قوة إصرار دعاته على تطبيقه والاستعلان به مع مخالفة التيار العام لهم يدفع المخالفين والحيارى ومن خلت أذهانهم من أي دين إلى التفكير الجاد في دوافع هذا الإصرار القوي , وفي النهاية يهديهم التأمل والتفكير السليم إلى عظمة هذا الدين الذي يدفع معتنقيه إلى المجابهة والمغامرة بالأنفس والأموال .

قالت أم سلمة رضي الله عنها في سياق روايتها : "فلما جاؤوا وقد دعا النجاشي أساقفته فنشروا مصاحفهم حوله سألهم فقال لهم : ما هذا الدين الذي قد فارقتم فيه قومكم ؛ ولم تدخلوا في ديني , ولا في دين أحد من هذه الملل ؟

قالت : فكان الذي كلمه جعفر بن أبي طالب رضوان الله عليه فقال له : أيها الملك , كنا قومًا أهل جاهلية , نعبد الأصنام , ونأكل الميتة , ونأتي الفواحش , ونقطع الأرحام, ونسيء الجوار, ويأكل القوي منا الضعيف ؛ فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا , نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه , فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده , ونخلع ماكنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان , وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة , وصلة الرحم , وحسن الجوار, والكف عن المحارم والدماء , ونهانا عن الفواحش , وقول الزور , وأكل مال اليتيم , وقذف المحصنات وأمرنا أن نعبد الله وحده لانشرك به شيئًا , وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام .

قالت : فعدد عليه أمور الإسلام , فصدَّقناه وآمنَّا به واتبعناه على ماجاء به من الله , فعبدنا الله وحده فلم نشرك به شيئًا , وحرَّمنا ماحرم علينا , وأحللنا ما أحل لنا , فعدا علينا قومنا , فعذبونا وافتتنونا عن ديننا , ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله تعالى , وأن نستحل ماكنا نستحل من الخبائث , فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا , وحالوا بيننا وبين ديننا , خرجنا إلى بلادك , واخترناك على من سواك ورغبنا في جوارك , ورجونا أن لانظلم عندك أيها الملك" .

وهكذا سألهم النجاشي عن دينهم الجديد الذي خالفوا فيه دين قومهم وجميع الأديان, فكان جواب جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه مشتملاً على أمرين مهمَّين : أولهما نقد الدين الذي تحولوا عنه وهو الوثنية , والثاني الإشادة بالدين الذي هداهم الله تعالى إليه وهو الإسلام وهكذا يكون الحوار الناجح .. البدء بالتخلية قبل التحلية .

فقد بدأ بتفريغ الأذهان من تصور أي صلاح وخير في دين الوثنية , وركز في ذلك على عبادة الأصنام , وهي انحدار فكري سحيق .

وذكر أكل الميتة , وهو أمر تتقزز منه النفوس الطيبة .

وذكر إتيان الفواحش , وهو أمر تنفر منه الطباع السليمة .

وذكر قطع الرحم وإساءة الجوار , وهي أخلاق تتنافى مع خلق الوفاء الذي تنشده الأمم في شعوبها .

وذكر عدوان القوي على الضعيف , وهذا هبوط عن مرتبة الإنسانية إلى الحيوانية , حيث إن من سمة الحيوانات المفترسة العدوان على الحيوانات الضعيفة وافتراسها .

ثم أشاد بدين الإسلام الذي هداهم الله إليه , فأثنى أولاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي عن طريقه كانت هذه الهداية , حيث ذكر أنه منهم يعرفون نسبه ونشأته فليس غريبًا عنهم , ووصفه بالصدق والأمانة والعفاف , وهذه من أصول مكارم الأخلاق التي تقاد بها الأمم والشعوب إلى الخير والرشاد .

ثم ذكر موجزًا لدعوته استفتحه بالدعوة إلى التوحيد ونبذ الشرك .

وإنه لفرق هائل بين من يدعوك لعبادة مدبر الكون وخالق الأرض والسماوات الذي يملك إماتة الناس وإحياءهم ورزقهم .. ومن يدعوك إلى من هو دونه ولايمكن أن يوضع معه في مفاضلة, حيث يدعوك إلى عبادة أصنام من الشجر والحجر لاتسمع ولاتبصر ولاتضر ولاتنفع .

ثم ذكر مادعا إليه من مكارم الأخلاق التي تقوم عليها الحياة الكريمة , وتنتظم بها أمور الأمة من صدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار .

ثم أشار إلى مادعا إليه من الكف عن مساويء الأخلاق التي تعوق قيام المجتمع الصالح وتفرق بين أفراد الأمة وتغذي حياة الفوضى والاضطراب , فذكر الكف عن المحارم والدماء , واجتناب الفواحش , وقول الزور , وأكل مال اليتيم , وقذف المحصنات البريئات بالفاحشة .

ثم ذكر إيمانهم بهذا الدين الحنيف , وتطبيقهم ماجاء فيه من تكاليف , وماقام به قومهم من العدوان عليهم ليعيدوهم إلى الوثنية , وأن هذا هو الذي دفعهم إلى الهجرة , وأشاد بجوار النجاشي, وبين أن الذي حملهم على اختيار بلاده رجاؤهم التمتع بعدله المشهور .

وهكذا جاء بيان جعفر الذي قوض به أركان الجاهلية وكشف زيفها , ثم شرح مقاصد الإسلام العالية التي يؤمن بسموها كل ذي عقل سليم مجرد من اتباع الهوى المنحرف .

وكان هذا البيان الرائع مقدمة لتلاوة آيات من كتاب الله تعالى كان لها الأثر النهائي في حسم الموقف لصالح دعاة الحق , وهذا مابينته أم سلمة في روايتها حيث قالت : "فقال له النجاشي : هل معك مما جاء به عن الله من شيء ؟ قالت : فقال له جعفر : نعم , فقال له النجاشي : فاقرأه علي , قالت : فقرأ عليه صدرًا من (كهيعص) (مريم : 1 )

ولم يرد في الخبر تحديد نهاية الآيات التي قرأها ولكن يظهر من سياق القصة أنه قد أكمل آيات قصة مريم في خبر ولادتها بعيسى عليهما السلام وماجرى منه من خطاب قومه آنذاك, حيث كان إيراد القصة هو سبب بكاء النجاشي وأساقفته وذلك إلى قول الله تعالى : (فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً) (مريم : 23 )

ولقد كان جعفر رضي الله عنه حكيمًا حينما أعرض عن قراءة الآيات التي تلي هذه الآيات حيث إنها تشتمل على الرد على النصارى في ادعائهم أن عيسى ابن الله جل وعلا عن ذلك, لأنه كان في مقام الدعوة ولم يكن في مقام الجدل وبيان الحق في هذه القضية , هذا على فرض أن السورة قد نزلت كلها في ذلك الوقت .

ولكن ماتحاشاه جعفر قد كادهم به عمرو كما سيأتي .

" قالت : فبكى والله النجاشي حتى اخضلت لحيته , وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلا عليهم , ثم قال لهم النجاشي : إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة ([7]) , انطلقا فو الله لا أسلمهم إليكما ولايُكادون" .

وهكذا كان اختيار جعفر بن أبي طالب موفقًا حيث اختار الآيات التي تتحدث عن مريم وابنها عيسى عليهما السلام أمام قوم يعظمونهما كثيرًا , وكان من آثار حسن الاختيار , إلى جانب حسن العرض وصدق النية أن تأثر ذلك الملك ووزراؤه فبكوا جميعًا .

وهذا الموقف من النجاشي يدلنا على مدى وضوح دعوة النبي صلى الله عليه وسلم أمام أهل الكتاب, فلقد عرف أنه النبي الذي ذكر في كتبهم المقدسة , وأنه ينـزل عليه جبريل عليه السلام الذي كان ينـزل على موسى عليه السلام , مع أنه لم ير النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعش معه , فكيف بأهل الكتاب الذين عاشوا معه في المدينة واطلعوا على معجزاته وصاحبوا التنزيل ؟!

وإنه لموقف رائع أن يبلغ التأثير على تلك الطبقة الراقية إلى حد البكاء , مما يدل على تفوق ظاهر عند المسلمين آنذاك في مجال الدعوة .
__________________

جدول حملة انا ملتزمة فى رمضان
  #2  
قديم 29-07-2009, 12:55 PM
الصورة الرمزية Mr.Hani
Mr.Hani Mr.Hani غير متواجد حالياً
عضو مميز 2013
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
المشاركات: 11,767
معدل تقييم المستوى: 27
Mr.Hani will become famous soon enough
افتراضي

شكرا لمجهودك فى سرد تلك المواقف

جزاك الله خيرا
__________________


For You Only
أنا البحر في أحشاءه الدر كامن فهل تسائل الغواص عن صدفاتي
  #3  
قديم 29-07-2009, 02:56 PM
الصورة الرمزية بنت دمنهور
بنت دمنهور بنت دمنهور غير متواجد حالياً
عضو قدوة
 
تاريخ التسجيل: Jun 2008
المشاركات: 1,974
معدل تقييم المستوى: 18
بنت دمنهور is on a distinguished road
افتراضي

السلام عليكم

جزاكي الله خير يا شهودة

على هذه المواقف

جعله الله في ميزان حسناتك ان شاء الله
__________________

أجمل شي في الحياة حينما تكتشف وجود أناس قلوبهم مثل اللؤلؤ المكنون في الرقة واللمعان .. والصفاء والنقاء .. قلوبهم تحمل الحب والعطاء .. اللهم احفظهم واكرمهم واجمعنا بهم تحت ظلك يوم لا ظل إلا ظلك .. اللهم ياارب لا تحرمنا من وجودهم فى حياتنا
آمييييييييييين يا رب العالمين.

  #4  
قديم 29-07-2009, 08:03 PM
الصورة الرمزية شهدالجنة
شهدالجنة شهدالجنة غير متواجد حالياً
عضو قدوة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2008
المشاركات: 1,732
معدل تقييم المستوى: 18
شهدالجنة is on a distinguished road
افتراضي

وجزاكم الله خيرا ايضا
__________________

جدول حملة انا ملتزمة فى رمضان
  #5  
قديم 23-11-2009, 07:51 PM
looody looody غير متواجد حالياً
طالبة جامعية اولى حقوق القاهرة
 
تاريخ التسجيل: Sep 2009
المشاركات: 319
معدل تقييم المستوى: 16
looody is on a distinguished road
افتراضي

بارك الله فيكى
__________________
وحياه ما قلبى اديته ليك \اياك تخيب املى فيك
  #6  
قديم 23-11-2009, 07:52 PM
looody looody غير متواجد حالياً
طالبة جامعية اولى حقوق القاهرة
 
تاريخ التسجيل: Sep 2009
المشاركات: 319
معدل تقييم المستوى: 16
looody is on a distinguished road
افتراضي

موضوع رائعععععععععععععععععععععععععععع
__________________
وحياه ما قلبى اديته ليك \اياك تخيب املى فيك
 

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 10:52 PM.