#1
|
|||
|
|||
ويقبضون أيديهم
قال الله تعالى: ﴿ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [التوبة: 67]. وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ: تعبير عن الشُّحِّ والبخل، حيث يَضِنُّون بالمال، فلا ينفقونه في سبيل الله، والبخل لا يجتمع مع الإيمان في قلب العبد، وليس هناك داء أدوأ من البخل. * عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (لَا يَجْتَمِعُ غُبَارٌ فِي سَبِيلِ اللهِِ وَدُخَانُ جَهَنَّمَ فِي جَوْفِ عَبْدٍ أَبَدًا، وَلَا يَجْتَمِعُ الشُّحّ وَالْإِيمَانُ فِي قَلْبِ عَبْدٍ أَبَدًا)[1]. فانظر كيف نفى الإيمان عن البخيل، وهما صفتان متضادتان، كما أن الحياء والإيمان صفتان لا تفترقان. * وقال أبو بكر الصديق لجابر بن عبد الله رضي الله عنهما: [وَأَيُّ دَاءٍ أَدْوَأُ مِنَ البُخْلِ ]؟! [2]. وَعَنْ نَافِعٍ قَالَ: سَمِعَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنه رَجُلًا يَقُولُ: الشَّحِيحُ أَعْذَرُ مِنَ الظَّالِمِ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: كَذَبْتَ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (الشَّحِيحُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ)[3]. وهذا زجر شديد للبخلاء، حتى ينتهوا عن بخلهم وشحِّهم. فكل شحيح يدخل النار لتطهِّره من الشُّحّ والبخل (ما لم يكن منافقًا)، ثم يدخل الجنة. * أما منع الزكاة، فالزكاة صفة ملازمة في وصف المؤمنين، قال تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ ﴾ [المؤمنون: 1 - 4]. وهي من أركان الإسلام الخمسة التي بُنِيَ عليها. وكان أول شيء حاول المنافقون هدمه من الإسلام هو: ركن الزكاة، فقيَّض الله تعالى لذلك أبا بكر الصديق رضي الله عنه، حيث عقد أحدَ عشرَ لواءً لإعادة الخارجين على الإسلام من المرتدين مانعي الزكاة. * وقال الصديق رضي الله عنه: [وَاللهِِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ المَالِ، وَاللهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا ][4]. وعَنِ الْحَسَنِ البَصري قَالَ: " الْمُنَافِقُ الَّذِي إِذَا صَلَّى رَاءَى بِصَلَاتِهِ، وَإِنْ فَاتَتْهُ لَمْ يَأْسَ عَلَيْهَا، وَيَمْنَعُ زَكَاةَ مَالِهِ "[5]. * ألا يعلم هؤلاءِ أن البخل وقبض اليد عن الإنفاق في سبيل الله لإعزاز الدين ونشره في ربوع العالمين من أسباب التهلكة والاستبدال. قال تعالى: ﴿ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [البقرة: 195]. • وقال تعالى: ﴿ هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ﴾ [محمد: 38]. وأما (منع الماعون عن الناس): فالماعون: هو كل مُعاوَنة بمال أو منفعة أو غيره، وقَالَ عِكْرِمَةُ: " رَأْسُ الْمَاعُونِ: زَكَاةُ الْمَالِ، وَأَدْنَاهُ: الْمُنْخُلُ وَالدَّلْوُ وَالْإِبْرَةُ ". * وقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: "وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ، قَالَ: الْمَعْرُوفُ. وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ (كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ)"[6]، ومنع الماعون هو إحدى آفات النِّفاق العمليَّة، قال تعالى: ﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ﴾ [الماعون: 4 - 7] فمنع المعروف عن الناس عمل ذميم، لا يُقدِم عليه إلا كلُّ من كان لئيم الطبع، شحيح النفس، وَضِيعَ الخُلُقِ. بينما المؤمن بطبعه وسجيَّته يقدِّم المعروف للناس، شغوف بمساعدتهم.قَالَ صلى الله عليه وسلم: ( إِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ، مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ، وَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ مَغَالِيقَ لِلْخَيْرِ، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَ اللهُ مَفَاتِيحَ الْخَيْرِ عَلَى يَدَيْهِ، وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَ اللهُ مَفَاتِيحَ الشَّرِّ عَلَى يَدَيْهِ)[7]. [1] أخرجه النسائي: ك: الجهاد، ب: فَضْلُ مَنْ عَمِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَلَى قَدَمِهِ، ح (3110)، والحاكم، ح (2394)، وابن حبان، ح (3251)، وصحَّحه الألباني. [2] أخرجه البخاري: ك: المغازي، ب: قصة عمان والبحرين، ح (4383)، وانظر تفسير ابن كثير (2/ 265). [3] أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط، ح (4066). [4] أخرجه البخاري: ك: الزكاة، ب: وجوب الزكاة، ح (1400). [5] صفة النِّفاق وذم المنافقين للإمام الفريابي، رقم (64)، ص (109). [6] تفسير ابن كثير (8/ 471)، والحديث رواه البخاري (6021)، ومسلم (1005). [7] أخرجه ابن ماجه: ب: من كان مفتاحًا للخير، ح (237)، وابن المبارك في الزهد ح (968)،وحسَّنه الألباني. الشيخ أسامة بدوي
__________________
|
العلامات المرجعية |
|
|