#1
|
|||
|
|||
أجمل بياض
دخل سورها، ومضى حتى بلَغ محلها. استوقفته طويلًا، نظر إليها ثم رجَعَ البصرَ كرَّتين! تأمَّلَها وكانت آية! فبياضها أخذ بلبِّه، وأحاط بقلبه! بياضها لم يُقرأ في كتب الأدب، أو في وصف من كتب، ولا شاعر تغزل بالحسان، وأبدع القوافي والأوزان! نفسه تطمح إليها، وترجو الظفر بها... لكن ليس وحده يريدها، فالمنافسون كُثر. وعلم أن من بيده أمرُها جعل لها مهرًا، وهو (سارعوا) و(سابقوا)! * إنه بياض تلك الوجوه التي وصف رب العزة بـ: ﴿ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [آل عمران: 106، 107]. قال ابن عباس رضي الله عنهما: "تبيضُّ وجوهُ أهل السُّنة، وتسودُّ وجوه أهل البدعة، تبيضُّ وجوه المخلصين، وتسودُّ وجوه المنافقين". * فــ(المراد بالبياض معناه الحقيقي... يوسم أهل الحق ببياض الوجه، وإشراق البشرة؛ تشريفًا لهم، وإظهارًا لآثار أعمالهم في ذلك الجمع، ويوسم أهل الباطل بضد ذلك، والظاهر أن الابيضاض والاسوداد يكون للجسد جميعًا، إلا أنهما أُسندا للوجوه؛ لأن الوجه أول ما يلقاك من الشخص وتراه، وهو أشرف أعضائه)[1]. * (وفي تعريف هذا اليوم بحصول بياضِ وجوهٍ وسواد وجوه فيه: تهويلٌ لأمره، وتشويق لما يرد بعده من تفصيل أصحاب الوجوه المبيضَّة والوجوه المسودَّة؛ ترهيبًا لفريق، وترغيبًا لفريق آخر. وقدم عند وصف اليوم ذكر البياض الذي هو شعار أهل النعيم؛ تشريفًا لذلك اليوم بأنه يوم رحمة الله ونعمته، ولأن رحمة الله سبقت غضبه... ثم قدم في التفصيل ذكر سمة أهل العذاب؛ تعجيلًا بمساءتهم)[2]. * فاحذر - أيها العبد - أن تكون ممن قيل فيهم: ﴿ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ ﴾ [الزمر: 60]، فبتكذيبهم ﴿ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ ﴾ [الأعراف: 37]، قال ابن عباس: "أي: وهو ما ذكر في موضع آخر ﴿ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ ﴾ [الزمر: 60]". * تلك ﴿ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ ﴾ [عبس: 40، 41] ولا يرى أقبح من اجتماع الغَبَرة والسواد في الوجه كما ترى الزنوج إذا اغبرت، وكأن الله تعالى جمع في وجوههم بين السواد والغبرة كما جمعوا بين الكفر والفجور[3]. ﴿ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ ﴾ [القصص: 42]؛ مشوهين الخلقة بسواد الوجوه وزُرقة العيون[4]، (يقبح صورهم، ويقبح عليهم عملهم، ويجمع بين الفضيحتين)[5]. * وقفة: ما في داخل النفس ينضح على قالب الإنسان وتُظهره ملامحه، فقد يكون الأسْود مضيء الوجه بالبشر والإشراق والتجلي بالجاذبية الآسرة، وقد يكون الإنسان أبيضَ الوجه لكنه مظلم الروح[6]. [1] الآلوسي. [2] ابن عاشور. [3] الرازي. [4] ابن عباس. [5] الرازي. [6] الشعراوي. أسامة بن زيد بن سليمان الدريهم
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
جزاكم الله خيرا
|
العلامات المرجعية |
|
|