|
محمد ﷺ نبينا .. للخير ينادينا سيرة سيد البشر بكل لغات العالم |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
صور من حياة أمهات المؤمنين
إن امرأة تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتلك كرامة وأي كرامة، وشرف وأي شرف. ثم كان تكريم الله تعالى لهن بأن جعلهن أمهات المؤمنين. ومع ذلك ظلت نوازع الفطرة آخذة مأخذها من نفوسهن بشأن الغيرة. ككل النساء في هذا الأمر. ويحسن بنا في هذه الفقرة أن نعرض بعض المشاهد من هذا الجانب من حياتهن رضي الله عنهن. أخرج البخاري عن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم عند بعض نسائه، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين بصحفة فيها طعام. فضربت التي النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها يدَ الخادم، فسقطت الصحفة فانفلقت. فجمع النبي صلى الله عليه وسلم فلق الصحفة ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة، ويقول: "غارت أمكم" ثم حبس الخادم حتى أُتيَ بصحفة من عند التي هو بيتها، فدفع الصحفة الصحيحة إلى التي كسرت صحفتها[1]. اتفق الشراح على أن التي كان النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها هي عائشة، وأن التي أرسلت الصحفة هي زينب بنت جحش. كما ورد في روايات أخرى. وواضح من سياق الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان عنده بعض أصحابه، وكان أنس واحدًا منهم، ولهذا خاطبهم الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: "غارت أمكم". ومما يلفت النظر في سلوكه صلى الله عليه وسلم أنه لم يحرج تجاه أصحابه في هذا، فهو سلوك فطري. وأمر آخر: أنه وجد الغيرة عذرًا لا تلام كاسرة الصحفة من أجله. وإن ألزمها أن تدفع بدلًا عنها. وقالت عائشة رضي الله عنها: ما رأيت صانعة طعام مثل صفية، أهدت إلى النبي صلى الله عليه وسلم إناءً فيه طعام، فما ملكت نفسي أن كسرته. فقلت يا رسول الله ما كفارته؟ قال: "إناء كإناء وطعام كطعام"[2]. وهكذا تخرجها الغيرة عن ضبط نفسها، ثم تفيء إلى الصواب. فتسأل عن المخرج.. وفي صحيح البخاري تنقل لنا عائشة رضي الله عنها صورة دقيقة عن زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم فتقول: إن نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم كنَّ حزبين: فحزب فيه عائشة وحفصة وصفية وسودة، والحزب الآخر: أم سلمة وسائر نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم[3]. وهذا يقتضي بدوره أن تناصر الواحدة منهن أفراد حزبها.. عند إثارة المشكلات وإلا فما فائدة هذا التحزب؟!. ويحسن أن نذكر صورة تبين أثرًا من آثار هذا التحزب، ففي الحديث المتفق عليه، عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمكث عند زينب بنت جحش، ويشرب عندها عسلًا، فتواصيت أنا وحفصة: أنَّ أيَّتَنَا دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم فلتقل إني أجد منك ريح مغافير. أكلت مغافير؟ فدخل على إحداهما فقالت له ذلك، فقال: "بل شربت عسلًا عند زينب بنت جحش ولن أعود له"[4]. على أن هذه الحزبية ليست عقدًا لازمًا، فإذا اقتضت المصلحة الخروج عليه فلا حرج في ذلك.. وكما قال الشاعر: وأحيانًا على بكر أخينا ♦♦♦ إذا ما لم نجد إلا أخانا والمؤامرة هذه المرة تحاك ضد حفصة، وبما أن حفصة كانت طرفًا في الحادثة السابقة فينبغي أن يعتني بالإخراج حتى لا تفشل الخطة.. قالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الحلواء، ويحب العسل، وكان إذا صلى العصر أجاز على نسائه فيدنو منهن، فدخل على حفصة، فاحتبس عندها أكثر مما كان يحتبس، فسألت عن ذلك، فقيل لي: أهدت لها امرأة من قومها عكة عسل، فسقت رسول الله صلى الله عليه وسلم منه شربة. فقلت: أما والله لنحتالن له، فذكرتُ ذلك لسودة، وقلتُ لها: إذا دخل عليك فإنه سيدنو منك، فقولي له: يا رسول الله، أكلت مغافير[5]؟ فإنه سيقول: لا، فقولي له: ما هذه الريح - وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتد عليه أن توجد منه الريح - فإنه سيقول: سقتني حفصة شربة عسل. فقولي له: جرست نحله العرفط[6]، وسأقول مثل ذلك، وقوليه أنت يا صفية. فلما دخل على سودة، قلت: تقول سودة - والذي لا إله إلا هو، لقد كدت أن أباديه بالذي قلت لي وإنه لعلى الباب، فرقًا منك - فلما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: يا رسول الله، أكلت مغافير؟ قال: "لا" قلت: فما هذه الريح؟ قال: "سقتني حفصة شربة عسل" قلت: جرست نحله العرفط. فلما دخل عليَّ قلت له مثل ذلك، ودخل على صفية فقالت له مثل ذلك. فلما دخل على حفصة قالت له: يا رسول الله، ألا أسقيك منه؟ قال: "لا حاجة لي به". قالت: تقول سودة: سبحان الله، لقد حرمناه، قالت: قلت لها: اسكتي[7]. وهكذا كانت حفصة كما قيل: بالكأس الذي سقيت أنت شارب. ويبدو من خلال الحديث قوة شخصية السيدة عائشة وهيمنتها على زميلاتها. على أن الأمور لا تسير دائمًا على وتيرة واحدة، والأيام دول. وكما تقص علينا عائشة رضي الله عنها أخبار انتصاراتها، تقص علينا أيضًا قصة فشلها بعض الأحيان فتقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم، كان إذا خرج أقرع بين نسائه، فطارت القرعة لعائشة وحفصة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم، إذا كان بالليل سار مع عائشة يتحدث، فقالت حفصة: ألا تركبين الليلة بعيري وأركب بعيرك، تنظرين وأنظر؟ فقالت: بلى، فركبت، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى جمل عائشة - وعليه حفصة - فسلم عليها، ثم سار حتى نزلوا، وافتقدته عائشة، فلما نزلوا جعلتْ رجليها بين الإذخر وتقول: يا ربِّ سلط عليَّ عقربًا أو حية تلدغني. ولا أستطيع أن أقول شيئًا[8]. تلك بعض الوقائع التي تسجل لنا جانبًا من حياتهن، وسواء أكان الباعث عليها الغيرة أم المزاح فإن صورة واقعيتها لا تختلف. وهذا ما يوضح حقيقة ينبغي ألّا تغيب عن الفكر، وهي أنهن كنَّ يتعاملن معه من خلال بشريته صلى الله عليه وسلم لا من خلال نبوته، فتارة يحتالون له، وتارة يحتالون عليه، وهو بسلوكه معهن يرسم لنا الصورة البشرية كاملة، لتكون هذه الصورة معلمًا للأزواج في تعاملهم مع أزواجهم، ويوضح هذا ويجليه ما نتناوله في الفصل القادم. وقبل أن نختم هذه الكلمة، لا بد من الإشارة إلى الوجه الآخر من التعامل بينهن - رضي الله عنهن - وهو تعامل التقدير والاحترام، وذكر الفضل لأصحابه، وقد مر معنا - عندما تحدثنا عن زينب بنت جحش - قول عائشة في الثناء عليها، وبينهما ما بينهما. وتتحدث عائشة عن سودة فتقول: ما رأيت امرأة أحبَّ لي أن أكون في مسلاخها من سودة بنت زمعة، من امرأة فيها حدة[9]. ولما كانت حادثة الإفك، سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، زينب بنت جحش عن أمر عائشة فقالت: يا رسول الله أحمي سمعي وبصري، والله ما علمت إلا خيرًا. قالت عائشة: وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فعصمها الله بالورع[10]. إنها صور وضيئة مشرقة. رضي الله عنهن. [1] أخرجه البخاري برقم (5225)، وهناك حادثة مشابهة بين أم سلمة وعائشة رضي الله عنهما أخرجها النسائي برقم (3966). [2] أخرجه أبو داود والنسائي (د 3568، ن 3967). [3] أخرجه البخاري برقم (2581). [4] متفق عليه (خ 5267، م 1474). [5] صمغ حلو ذو رائحة كريهة ينضحه شجر اسمه العرفط. [6] جرست: أي رعت. والمعنى أن النحل الذي أنتج هذا العسل كان قد وقف على شجر العرفط. [7] متفق عليه (خ 6972، م 1474). [8] متفق عليه (خ 5211، م 2445). [9] أخرجه مسلم برقم (1463) والمسلاخ هو الجلد، والمعنى: أن أكون أنا هي. [10] متفق عليه (خ 4141، م 2770). أ. صالح بن أحمد الشامي
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
صل الله عليه وسلم
ورضي الله عن ازواجه وصحابته وتباعه الي يوم الدين
__________________
إذا دعتك قدرتك علي ظلم الناس فتذكر قدرة الله عليك
|
العلامات المرجعية |
|
|