#1
|
|||
|
|||
درس من سورة فصلت: لا تغفل عن سلاحك
* في عصرِنا الحديثِ، وفي كل العصورِ، ما من دولة تصنعُ سلاحًا أو ترقيه؛ لترفع من كفاءته وتطوره، إلا وأعداؤها يرسلون عليها العيونَ؛ ليعرفوا لأي مدًى تصل، وعند أي حدٍّ تقف؛ ليستعدوا كيف يواجهون، وما سبيلهم حتى يغلِبوا، إن قصدتهم يومًا بهجمة، أو ناوشتهم صراحةً أو من خلف الجدار، كما في حروب آخر إصدار، ولقد علمَ الكافرون منذ القدمِ أن سرَّ غلبةِ المسلمين وقوتهم، وترسانة أسلحتهم الزاخرة المنيعة - هي القرآن بما فيه من الآي التي تبني النفوسَ، فتصوغ منها جنودًا تتهاوى أمامها العروش، فآياته تصوغهم فرسانًا، الواحدُ منهم بألفٍ، وآخرُ إصبعُه بجيش، ولو كانوا مشاةً أو حفاةً، أو كان قوتُ أحدِهم في اليوم تمرةً، ولكنه رجل في وزنِه يفوق أمةً، وينير بلدةً، هذه صبغة الله، فَدُلَّنِي على أحسن منها صبغةً، فهيهاتَ ثم هيهاتَ أن يقتربَ منها مثال؛ لذا فمنذ البداية تعاهَدَ الكفار وتواصَوا لِيَفُلُّوا هذا السلاحَ، فقال بعضهم لبعض: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ﴾ [فصلت: 26]، فهم درسوا القضيةَ، وعلموا سرَّ تفوقِ المسلمين، وراحوا يواجهون السلاحَ ويسعون لِفَلِّه، وإبطال أثره، في حرب باردة وأخرى ساخنة، والهدف: "لعلهم يغلبون"، وهم يدركونَ أنها معركةٌ، ويركزون فيها على الغلبةِ ويسلكون سبيلَها، "فـلا تسمعوا له"؛ خشيةَ أن تنقلبوا مِن حمَلتِه؛ اعترافًا منهم أنه يُجَيِّش القلوبَ ويأسِر النفوسَ، فخافوا على أنفسِهم أن يغزوَهم في أفئدتهم، ويحوِّلَهم إلى صفِّه وجنده، وهذه ما زالوا يفعلونَها حتى يومِهم، يعتمون على شعوبهم أن يصلَ إليهم صوتُ الحقِّ، فيوقفون لديهم وسائل الإدراك، وأعلاها السمع، فقالوا: لا تسمعوا؛ حتى لا يخترق هذا الدين جدرانَ ثقافتِهم الأرضيةِ، وحضارتِهم المهترئةِ، فيصيبها في م***ٍ؛ ليُحييَ منهم قلوبَهم التي مسحوا أيديهم من دفنها وتكفينها في قبورِ الشهواتِ والشبهاتِ. و﴿ لَا تَسْمَعُوا ﴾ [فصلت: 26] هذه أشبه ما تكونُ بحربٍ دفاعيةٍ؛ للحفاظِ على هُوِيَّتِهم المرقعةِ، أما حربُهم الهجوميةُ، فقالوا: ﴿ وَالْغَوْا فِيهِ ﴾ [فصلت: 26]؛ شَـوِّشُوا وشَغِّبُوا حتى تحُولوا بينه وبين قلوب محبيه، فهم يعلمون كيف يُشْعِلُ القرآنُ فيها جذوةَ الإيمانِ؛ لتكون نورًا في قلوبِ المؤمنين، يسعون إلى نشره تحتَ وعدِ العزيزِ الذي لا يُغلَبُ: ﴿ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾ [الصف: 8]، فلا تغفل عن قرآنِك؛ فإنه حصنُكَ الذي يحميك، وقائدُك الذي يهديك إلى طريق النصر، فكيف عنه تغفل وأنت تعلمُ خطورةَ القضيةِ، وتَرَبُّصَ الأعداءِ، وكيدَهم الدائمَ؟ الذي صوَّرتْه الآيةُ وأوضحته؛ لتكون أنت وأنا على نور ودليل: ﴿ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً ﴾ [النساء: 102]، فلا تَدَعْ عنكَ سلاحَكَ، وإلا فستُهلِكُ نفسَكَ وأمَّتَكَ بميلة واحدة من أممٍ توحَّدت، وتتربص بك لحظة الغفلة هذه، فهل ترى ستُهديها لهم وتتخلى عن سلاحك؟! لا أظن هذا بك يليقُ، فقد اصطفاك الله وابتعثك حاملًا لهذا الدينِ، فلا تغفلْ عن سلاحِكَ أو حتى متاعِكَ؛ فإنهم من حولِنا ما زالوا كما هم: "ودُّوا .. لَوْ تَغْفُلُونَ". صفية محمود
__________________
|
#2
|
|||
|
|||
بارك الله فيك
__________________
|
العلامات المرجعية |
|
|