اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > حى على الفلاح

حى على الفلاح موضوعات و حوارات و مقالات إسلامية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 23-02-2017, 06:55 AM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
مشرف سوبر ركن مسك الكلام فى الاسلام
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,696
معدل تقييم المستوى: 28
abomokhtar is just really nice
New الأمانة (خطبة)


الحمد لله الذي جعل الأمانةَ من مناقبِ الصَّالحين ومن أَعْظمِ صفاتِ المؤمنين، سبحانه لا يحب الخائنين، ويبغض أهل الجحودِ الآثمين.
*
يا أخا الإسلام:
وما حُمِّلَ الإنسانُ مثلَ أمانةٍ
أشقَّ عليهِ حينَ يحملُها حَمْلاَ
فإِن أنت حُملتَ الأمانةَ فاصطبرْ
عليها فقد حُمِّلْتَ من أمِرها ثِقْلاَ
ولا تقبَلْن فيما رَضْيتَ نَميمةً
وقلْ للذي يأتيكَ يحمِلُهَا: مَهْلاَ
*
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، أنزل شريعته هداية للناس وجعل أمة الإسلام خير الأمم بأخلاقها، وأثاب على حسن الأخلاق أوفى الأجور وأجزل الثواب.
وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه، حافظ الأمانات وراعيها ومبلغ الرسالات وهاديها، الذي أتم الله به الحجة وأقام به المحجة.
اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
*
أما بعد:
فإن الأمانةَ من أكرم أخلاقنا وأعز قيمنا، احتوت معاني الأمان والإطمئنان والعهد والميثاق بالقلب وعدم الجحود أو الخيانة أو الكذب أو الكفران، وهي تمثل الثقة الغامرة للمؤمنين بالقلوب حتى وإن تناءت الأقدام وتباعدت الدروب، فذكراها باقيةٌ تؤدي دورها المسفر الوضَّاء بين أهل الإيمان بمقتضى أوامر دينهم، وقد رَعَوْها بحمد الله وكان حُداؤهم على طريقها:
أَرْعى الأمانةَ لا أَخُونُ أمانَتي ♦♦♦ إِن الخَؤُونَ على الطريقِ الأنكبِ

والأمانة عهدُ الله تعالى إلى عباده المؤمنين حيث أمر بها وذكرها بهذا الوصف والبيان مرتيْن فقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴾ (المؤمنون: 8)، وقال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: ( أدِّ الأمانةَ إلى من ائتمنكَ، ولا تخنْ من خانك ) (سنن الترمذي 1264 وقال: حسنٌ غريبٌ عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه)، وهي خلق الإسلام الذي يجب أن لا يُفَارِقَ الشخصية المسلمة على الإطلاق.

وإذا كانت أزمةُ العالم اليوم هي أزمةُ أخلاقٍ فإن الإسلام العظيم يقدِّمُ الدواء الناجع لشفاء النفوس العليلة من أوضارها، ويأخذ بيدها إلى قافية السلامة من وَعْثَاءِ طريق الحياة، والبشرية اليوم تعاني من فواقر الخيانة في النفوس والأموال والمجالس والآراء بمثل ما لم تعانيه من قبل، والسبب هو هجمة الحضارة المادية الشرسة التي لا تَأْبَهُ بالقيم الرفيعة، لأنها ركّزت كل جهودها على شهوات الأبدان مع إغفال الجانب الروحيِّ، وبالطبع فإن الأمم تتأثر ويُبادِلُ بعضُها بعضاً في كل مجال وخصوصاً المجال الأخلاقي.
*
والأمانة تقف بين قوائم العلاج الربانيِّ الذي صاغه القرآن الكريم ونبَّهَ عليه النبي العظيم صلى الله عليه وسلم لسلامةِ مجتمعنا المسلم من التردِّي في مهاوي الخيانة لأنها سيئة الإسم والوصف والمنقلب.
*
وجاء الأمر بالأمانة في موقفٍ فاصلٍ في حياة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم لإثبات الحقوق المعنوية للناس قبل الحقوق المادية، إذ لما فتح الله تعالى على المسلمين مكة المباركة وتوقَّعَ الكثيرون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيجمع لأهله بين السقاية والرفادة وسيعطي مفاتيح الكعبة لبني عبد المطلب ولكنه لم يفعل، يذكر الإمام ابن كثير في تفسير قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ﴾ ( النساء: 58) [ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل بمكة واطمأنَّ الناس، خرج حتى جاء البيت، فطاف به سبعا على راحلته، يستلم الركن بمحجن في يده، فلما قضى طوافه دعا عثمان بن طلحة، فأخذ منه مفتاح الكعبة ففتحت له فدخلها، فوجد فيها حمامة من عيدان فكسرها بيده ثم طرحها، ثم وقف على باب الكعبة وقد استكف له الناس في المسجد، قال ابن إسحاق: فحدثني بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على باب الكعبة فقال: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده، ألا كل مأثرةٍ أو دمٍ أو مال يدعى فهو تحت قدمي هاتين إلا سدانة البيت وسقاية الحاج". وذكر بقية الحديث في خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ، إلى أن قال: ثم جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فقام إليه علي بن أبي طالب ومفتاح الكعبة في يده فقال: يا رسول الله اجمع لنا الحجابة مع السقاية، صلى الله عليك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أين عثمان بن طلحة؟" فدعي له فقال له: "هاك مفتاحك يا عثمان، اليوم يوم وفاءٍ وبِرٍّ" ] ( الإمام: أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي / تفسير القرآن العظيم/ ص340 ج2 / بتحقيق سامي بن محمد سلامة / ط2 دار طيبة للنشر والتوزيع 1999م).
*
منزلة الأمانة من الدين:
وقد علمنا الإسلام في مجمل معانيه أن الأمانةَ سعادةٌ والخيانةَ شقاءٌ، وأن الأمانَةَ عطاءٌ والخيانةَ سلبٌ وحرمانٌ، وأن الأمانة ضياء والخيانة ظلمة، وهي صمَّامُ أمانٍ لحفظِ الحقوقِ وضبطِ موازين العدل والمساواة والودِّ الصادق بين أفراد المجتمع. وأن الفرد الأمين عملةٌ نادرةٌ صالحة بين ركام الزيوف البشرية التي لم تعرف إلا الخيانةَ لها منهجاً وأسلوباً.
*
والمجتمع السعيد هو الذي يطبق أمر الله تعالى بوحيٍ من إيمانه، ولهذا فقد كان الأولون من السابقين في الإسلام يجعلونها آخر الوصايا بينهم قبل أن يودع بعضهم بعضاً، قال قزعة بن يحيي: (( أرسلَني ابنُ عمرَ في حاجةٍ فقال: تعالَ حتى أُودِّعَك كما ودَّعني رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وأرسلَني في حاجةٍ له فقال: أستودِعُ اللهَ دينَك وأمانتَك وخواتيمَ عملِكَ )) (أحمد شاكر في مسند أحمد 9/70 وقال: إسناده صحيحٌ).
*
والأمانة من بين أخلاق هذا الدين العظيم تُعَدُّ سقفاً من الفضائل الجمَّةِ وحدها للمجتمع كله يحميه من الآفات العارضة والمستكنَّةِ ، وتحيلُ المتصف بها إلى شخصٍ يراقب الله تعالى في سره وعلانيته، وفاقدُ الأمانة لا شك أنه فاقدٌ للإيمان، فعن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: (( قلّما خطبَنا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلا قال: لا إيمانَ لمن لا أمانةَ لهُ، ولا دينَ لمنْ لا عهدَ لهُ )) (البغوي في شرح السنة 1/100 وقال: حديثٌ حسنٌ).
*
وتعتبر الأمانة أشد العهود بين العبد وربه، لا يسقط حقها حتى مع الشهداء، فعن زادانُ الكندي أبي عبد الله أن ابنَ مسعودٍ رضيَ اللَّهُ عنهُ قالَ: (( القَتلُ في سبيلِ اللَّهِ يُكَفِّرُ الذُّنوبَ كلَّها إلَّا الأمانةَ قالَ يؤتى بالعبدِ يومَ القيامةِ وإن قُتِلَ في سبيلِ اللَّهِ فيقالُ لَه أدِّ أمانتَكَ فيقولُ أي ربِّ كيفَ وقد ذَهَبَت الدُّنيا فيقالُ انطلِقوا بهِ إلى الهاويةِ وتُمَثَّلُ لَه الأمانةُ كَهَيئتِها يومَ دُفِعت إليهِ فيراها فيعرفُها فيَهْوي في أثرِها حتَّى يُدْرِكَها فيحملُها علَى منكِبِهِ حتَّى إذا ظنَّ أنَّهُ خارجٌ زلَّت عنه منكِبِهِ فَهوَ يَهْوي في أثرِها أبدَ الآبدينَ ثمَّ قالَ الصَّلاةُ أمانةٌ والوضوءُ أمانةٌ والوزنُ أمانةٌ والكيلُ أمانةٌ وأشياءُ عدَّدَها وأشدُّ ذلِكَ الودائعُ. قالَ زادانُ فأتيتُ زيدَ بنَ عامرٍ فقلت ألا ترى إلى ما قالَ ابنُ مسعودٍ قالَ كذا وَكَذا، قالَ صدقَ. أما سمعتَ اللَّهَ تعالى يقولُ "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أنْ تُؤَدُّوا الْأمَانَاتِ إِلَى أهْلِهَا" )) (ذكره الهيتمي المكي في الزواجر 1/269وقال: صحيحٌ).
*
ومن فضلها أن كرام الخلق قد وصفوا بها كأمين الوحي سيدنا جبريل عليه السلام، قال الله تعالى: ﴿ وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ﴾ (الشعراء 192: 195)، ووصف القرآن الكريم بها ثلةً من الأنبياء والرسل مع أنها واجبةٌ لهم مع غيرها من الصفات، فهذا سيدنا لوطٌ وشعيبٌ ونوحٌ وهودٌ وصالحٌ يقولون لأقوامهم: ﴿ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ﴾ ( الشعراء: 178)، ووصفت إحدى بنتي شعيبٍ كليم الله موسى عليه السلام بصفة الأمانة الأخلاقية وذلك في قول الله تعالى: ﴿ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ﴾ (القصص: 26)، وكان الصديق يوسف عليه السلام أميناً على الأعراض المصونة بعقد الوفاء في قلب هذا النبي الكبير، إذْ لما ضاق الحال وانحصر المجال وخرجت زوجة العزيز من التلميح إلى التصريح وأفصحت عن مأربها تجلَّتْ أمانة الصدِّيق في أبهى معانيها، قال الله تعالى: ﴿ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴾ (يوسف: 23)، وقال له ملك مصر بعد بضع سنين من هذا الموقف في معرض التكريم بالأمانة أيضاً: ﴿ وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ ﴾ (يوسف: 54)، وكان تمام معنى الأمانة متجلياً في شخص مسك الختام ومصباح الظلام سيدنا محمد عليه الصلاة وأتم السلام الذي تمم الله به مكارم الأخلاق، ولهذا فقد نعته حُسَّادُهُ وأعدَاؤُهُ قبل مُحِبِّيهِ بأنه "الصادق الأمين"، وهكذا كان وصفه الكريم بين قومه، وقد نقل أبو سفيان بن حربٍ هذا الوصف لهرقل الروم في شهادته على صدق وأمانة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.
ويُلقي الله تعالى مظلة الأمن والأمانة على البلد الحرام مكة المكرمة ويُقْسِمُ بها درج الآيات المحكمات فيقول الله تعالى: ﴿ وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ ﴾ (التين: 3).
*
مجالات الأمانة وبعض صورها:
واختزال الأمانة في الودائع من النقود والحلي والعقود وما شابه ذلك تقليلٌ لشأنها وتحقيرٌ لقدرها، فالأمانة عهدٌ بين العبد وربه بحفظ أمره واجتناب نهيه وأداء واجباته والحذر من منهياته، وأمانة العالِمِ نشرُ العلم وأمانةُ القاضي تحرِّي العدل وأمانة الضابط والشرطي صناعة الأمن وأمانة كل فرد بتحمل مسئوليته تجاه وطنه وعمله، وأمانة أهل الودائع بردها إلى أهلها، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ (الأحزاب: 72)، والأمانة هنا [ يراد بها التكاليف والحقوق المرعية التي أودعها الله المكلفين وائتمنهم عليها وأوجب عليهم تلقيها بحسن الطاعة والإنقياد وأمرهم بمراعاتها وأدائها والمحافظة عليها من غير إخلالٍ بشئٍ من حقوقها ] ( الدكتور أحمد الشرباصي / موسوعة أخلاق القرآن ص/16/ج2 /ط3 /دار الرائد العربي / بيروت)
ومع هذا فللأمانة صورٌ تُشَخِّصُ كثيراً من واقع الحياة بين المؤمنين، وتفرض عليهم الحرص المشفق على النفس بعدم اقتحام هذه العقبات أو الخروج من ربقة الأمانة أو التخلي عن أوصاف الأمناء.
*
منها على الاختيار:
أمانة البيع والشراء، بمعنى حفظ حقوق المشترين من الغبن والغش والاحتكار وتغيير أوصاف السلع، فقد قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: (( مَن غشَّنا فليس منَّا والمكرُ والخداعُ في النَّارِ )) (صحيح ابن حبان 567 وقال: صحيحٌ عن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله تعالى عنه)، ومن الأمانة أن يكون البائع والمشتري صادقيْن في بيان أوصاف السلعة وطرائق السداد ومواعيده ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (( البيِّعانِ بالخيارِ ما لم يتفرَّقا، فإنْ صدقا وبيَّنا بُورِك لهما في بيعِهما، وإن كَذبا وكَتما مُحِقت بركةُ بيعِهما )) (صحيح البخاري2110 عن حكيم بن حزامٍ رضي الله تعالى عنه)، وقال الله تعالى في بيان عهد الأمانة بين المتعاملين بالبيع والشراء: ﴿ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ ﴾ (البقرة من الآية 283)، ومشكلة الناس في هذه الأيام أنهم يريدون أن يبيعوا أردأ السلع بأغلى الأثمان ويقابلهم في هذا الصدد أن غيرهم يريدون أن يشتروا أنفس السلع بأبخس الأثمان وهذا افتقاد واضح لأمانة التعامل بين البائعين والمشترين، كما أنه من الأمانة أن يتقي الله كلُّ وازنٍ في وَزْنِهِ وكُلُّ من يكيل كيلاً أو يَقيسُ أرضاً أو عقاراً أو من يُثَمِّنُ للناس بضائعهم وأراضيهم وبيوتهم وأملاكهم، وإلا ؛ وقع في فخِّ التطفيفِ المُخِيفِ الذي يُورثُ المُكْثَ في وادٍ حَرُّهُ شديدٌ وقعْرُهُ بعيدٌ وحليُّ المُعذَّبينَ فيه حديدٌ واسمه " ويل"، قال الله تعالى: ﴿ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ (المطففين 1: 6).
*
ومن صور الأمانة المنشودة أن يتقي الله أهل الحرف والصنائع فيعودوا من جديدٍ إلى خلق الأمانة في مناشطهم فلا يخونوا البسطاء وهم لهم مصدقون وفيهم واثقون، تالله إن هذه لأخلاقٌ تمحق البركة من المكاسب وتُسَوِّدُ الوجه أمام الله تعالى يوم القيامة، وعلى الصانع أن يكون أميناً في نصحه واختياراته للناس إذا سألوه ويكون أميناً في مواعيده التي تعبر بجلاء في هذه الأيام عن مواعيد عرقوبٍ الذي ضُرِبَ به المثل في الإخلافِ، مع أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم قال: (( أربعٌ من كن فيه كان منافقًا خالصًا. ومن كانت فيه خلةٌ منهن كانت فيه خلةٌ من نفاقٍ. حتى يدعَها: إذا حدث كذب. وإذا عاهد غدر. وإذا وعد أخلف. وإذا خاصم فجر )) (صحيح مسلم 58 عن عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما).، وإن المجتمع لن يحترم من كانت هذه حاله.
*
ومن أخص صور الأمانة أسرار الزوجية بين الزوجين فيجب حفظها وعدم إشاعتها، قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: (( إنَّ من أعظَمِ الأمانةِ عندَ اللَّهِ يومَ القيامةِ الرَّجلَ يُفضي إلى امرأتِهِ وتُفضي إليْهِ ثمَّ ينشُرُ سرَّها )) (صحيح مسلم 1437عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه).
*
وكذلك من الأمانات حفظ أسرار الناس وعدم إذاعتها وفي ذلك قال النبي الكريم صلى: (( إذا حدَّث الرجلُ بحديثٍ، ثم التفت فهي أمانةٌ )) (الألباني في صحيح الجامع 460 وقال: حديثٌ حسنٌ عن جابر بن عبد الله وأنس بن مالك رضي الله تعالى عنهما)، ومن منثور الحكم: "صدور الأحرار قبور الأسرار"، ولله در من قال:
كن للأمانة راعياً
لا للخيانة تستكين
حتى ولو سرا فكن
للسر حافظه الأمين
الناس تعجب بالذي
قد صانها في كل حين
وتُبَجِّلُ الشخص الذي
لم يفش سراً.. لا يلين
*
ومن صور الأمانة المَرْعِيَّةِ في جانب الشريعة الغراء تقديمُ النصيحة عند الإستشارة بالصدق، فقد قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: (( المُستشارُ مُؤتمنٌ )) (سنن الترمذي 2822 وقال: حديثٌ حسنٌ عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه).
وعلى المؤذنين التخلق بالأمانة في الصلاة مراعاةً للأوقاتِ وضبطها، فقد قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: (( الإمامُ ضامِنٌ، و المؤذِّنُ مؤتَمَنٌ، اللَّهمَّ أرشِدِ الأئمَّةَ، و اغفِر للمُؤذِّنينَ )) (الألباني في صحيح الترغيب 237 وقال: حديثٌ صحيحٌ عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه).
*
رفعُ الأمانةِ آخرُ الزَّمَان:
ومن أخبار الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم أن الأمانة سترفع من الصدور بعد أن كانت واقعاُ بين الناس وديناً، قال حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه وأرضاه: (( حدَّثَنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حديثَيْنِ فرأَيْتُ أحدَهما وأنا أنتظِرُ الآخَرَ: حدَّثَنا "أنَّ الأمانةَ نزَلَتْ في جَذْرِ قلوبِ الرِّجالِ ونزَل القُرآنُ فعلِموا مِن القُرآنِ وعلِموا مِن السُّنَّةِ" ثمَّ حدَّثَنا عن رفعِها قال: "ينامُ الرَّجُلُ نَومةً فتُقبَضُ الأمانةُ مِن قلبِه فيبقى أثرُها مِثْلَ أثَرِ الوَكْتِ ثمَّ ينامُ الرَّجُلُ نَوْمةً فتُقبَضُ الأمانةُ مِن قلبِه فيبقى أثَرُها مِثْلَ أثَرِ المَجْلِ كجَمْرٍ دَحْرَجْتَه على رِجْلِكَ فتراه مُنتَبِرًا وليس فيه شيءٌ فيُصبِحُ النَّاسُ يتبايَعونَ ولا يكادُ أحَدٌ يُؤدِّي الأمانةَ حتَّى يُقالَ: إنَّ في بني فُلانٍ رجُلًا أمينًا وحتَّى يُقالَ للرَّجُلِ: ما أجلَدَه وأطرَفَه وأعقَلَه وليس في قلبِه مِثقالُ حبَّةِ خَرْدلٍ مِن خيرٍ، ولقد أتى علَيَّ زمانٌ وما أُبالي أيُّكم بايَعْتُه لَئِنْ كان مُؤمِنًا لَيَرُدَّنَّه علَيَّ دِينُه ولئِنْ كان يهوديًّا أو نصرانيًّا لَيَرُدَّنَّه علَيَّ ساعيه فأمَّا اليومَ فما كُنْتُ أُبايِعُ إلَّا فُلانًا وفلانًا )) (صحيح ابن حبان 6762).
*
ومن ذلك أيضاً تحذيرٌ وتخويفٌ بضياع الأمانة وإقبال الفتن فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( لو تعلَمونَ ما أعلَمُ لَضحِكْتُم قليلًا ولبكَيْتُم كثيرًا يظهَرُ النِّفاقُ وتُرفَعُ الأمانةُ وتُقبَضُ الرَّحمةُ ويُتَّهَمُ الأمينُ ويُؤتَمَنُ غيرُ الأمينِ أناخ بكم الشُّرْفُ الجُونُ قالوا: وما الشُّرْفُ الجُونُ يا رسولَ اللهِ؟ قال: فِتَنٌ كقِطَعِ اللَّيلِ المُظلِمِ )) (صحيح ابن حبان 6706).
*
شؤم الغادرين وأهل الخيانة
والخيانة وصفها كاسمها، بلغت من الرداءة والشيْنِ ما يعكر صفو القلوب ويفقد الثقة بين أفراد المجتمع ويقطع العلاقات، ومن آثارها ضياع الأوطان والأعراض والأموال والأخلاق والقيم، وذلك أمرٌ معروفٌ بين الأمم، لكن الخيانة في الإسلام بلاءٌ مستطيرٌ يُضَيِّعُ عزَّ الدنيا وشرف الآخرة، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ ﴾ (الأنفال من الآية 58)، وحتى وإن توهَّمَ الخائنونَ نجاح مساعيهم المشبوهة واقترابهم من تحقيق أحلامهم القميئة التي تجرُّ الخرابَ والضياعَ فإنهم لن يهتدوا أبداً إلى إدراك أي نجاح، قال الله تعالى: ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ ﴾ (يوسف من الآية 52)، ولقد حذر القرآن الكريم من الوقوع في براثن الخيانة فقال الله سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ (الأنفال: 27)، وقد استعاذ منها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: (( أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ كان يقولُ: اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بِكَ منَ الجوعِ، فإنَّهُ بئسَ الضَّجيعُ، وأعوذُ بِكَ منَ الخيانَةِ، فإنَّها بئسَتِ البِطانةُ )) (الألباني في تخريج مشكاة المصابيح 2403 وقال: إسناده حسنٌ).
ولكل سخيمةٍ قدواتٌ صاروا مضرب الأمثال واشتهروا بها، ففي باب الغدر يقف [ عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله غدر بعلي بن أبي طالبٍ رضي الله تعالى عنه و***ه، وعمرو بن جرموز غدر بالزبير بن العوام رضي الله عنه و***ه، وأبو لؤلؤة المجوسي لعنه الله غلام المغيرة بن شعبة غدر بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه و***ه، وجعل المنصور العهد إلى عيسى بن موسى ثم غدر به وأخَّره ] (شهاب الدين محمد بن أحمد بن أبي الفتح الإبشيهي المحلي / المستطرف في كلِّ فنٍّ مستظرف ص 341 /ط1/2014م / دار ابن الجوزي/القاهرة).
وقد شيد بنَّاءٌ ماهرٌ قصراً مشيداً في قديم الزمان واسمه "سنمار"، وأعجب الناس به أيما إعجابٍ، وقال لأصحاب القصر: لو أعلم أنكم توفوني أجرته لبنيته لكم يدور مع الشمس حيث دارت، فقالوا: وإنك لتستطيع ولم تفعل؟! وأُمِرَ به فأُلقي من أعلى القصر فتقطع، ولهذا يقول الناس عن ناكري فضلهم وخائني عشرتهم: جزائي جزاءُ سنمار.
وورد عن الأصمعي أنه قال: [ دخلت البادية فإذا أنا بعجوزٍ بين يديها شاةٌ مقتولةٌ وإلى جانبها جَرْوُ ذئبٍ فقلت: ما شأنك؟ قالت: هذا جرو ذئبٍ أدخلناه صغيراً وربيناه في بيتنا وكان يُقَاسِمُ هذه الشاة رزقها من أمها فلما كبر غدر بالشاة في غيابنا وأنشدت:
*
بقرتَ شُوَيْهَتي وفَجَعْتَ قلْبي
وأنتَ لشَاتِنَا ابنٌ رَبيبُ
غُذِيتَ بِدُرِّهَا ونشأْتَ مَعَهَا
فمنْ أنبَأَكَ أنَّ أباكَ ذِيبُ
إذا كانَ الطِّبَاعُ طباعُ سُوءٍ
فَلا أَدَبٌ يُفِيدُ ولا أَدِيبُ]
(المستطرف ص342"سابق").
وقد خاف الصحابي الجليل أبو لبابة رضي الله عنه على نفسه من الخيانة لما أفشى سر النبي صلى الله عليه وسلم وأشار على حلقه بال*** لما سأله بنو قريظة ((... فارتبطَ بساريةِ التَّوبةِ التي عند بابِ أمِّ سلمةَ سبعًا بين يومٍ وليلةٍ في حرٍّ شديدٍ لا يأكُلُ فيهنَّ ولا يشرَبُ قطرةً. وقال لا يزالُ هذا مكاني حتَّى أفارِقَ الدُّنيا أو يتوبَ اللَّهُ عليَّ. فلم يزَل كذلِكَ حتَّى يسمَعُ الصَّوتَ من الجَهدِ. ورسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ ينظُرُ إليْهِ بُكرةً وعشيَّةً. ثُمَّ تاب اللَّه عليْهِ فنودِيَ إنَّ اللَّهَ قد تابَ عليكَ. فأرسل إليْهِ ليطلِقَ عنْهُ رِباطَهُ فأبى أنْ يطلِقَه عنْهُ أحدٌ إلَّا رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّم... )) (الذهبي / تاريخ الإسلام 2/651 في حديثٍ طويلٍ عن سعيد بن المسيب رضي الله تعالى عنه).

ومن ضرر الخيانة المحقق أنها تصمُ صاحبها بوصمة النفاق، قال النبي الكريم صلى الله عليه: (( آيةُ المنافِقِ ثلاثٌ: إذا حدَّثَ كذَبَ، وإذا وعَدَ أخلَفَ، وإذا اؤتُمِنَ خانَ )) (صحيح البخاري 6095 عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه)
ويقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: "من ضيع الأمانة ورضي بالخيانة فقد تبرأ من الديانة"
ومن صور الخيانة للأمة وللدين أن تسند الوظائف الهامة لغير الموهوبين وأهل الخبرات، وأن يكون التافهُ البائرُ الضعيفُ فاقد الخبرة في مواطن التميز والرفعة والتكرمة، وعند ذلك لا تطيب الحياة، فذلك من أجلى صور الخيانة للدين وللوطن حينما تحفظ الوظائف كأنها مُعَلَّبَةٌ لمن لا يستحقها لكنه يملك ثمنها من رشوةٍ أو شفاعةٍ سيئةٍ، فهي في يد المسئول أمانةٌ فلا يجوز له لأي حالٍ من الأحوال أن يتبع هواه أو ينتظر تلك المرابح المسمومة التي يرومها من جيوب الخلق حتى غدت الوظائف سوقاً كبيراً لجهود الخائنين الذين يوسدون الأمر لغير أهله، وقد جعله النبي الكريم صلى الله من علامات الساعة وقرب انتهاء الزمان كما جاء في الحديث الشريف: (( إذا ضُيِّعت الأمانةُ فانتظِرِ السَّاعةَ. قال: كيف إضاعتُها يا رسولَ اللهِ؟ قال: إذا أُسنِد الأمرُ إلى غيرِ أهلِه فانتظِرِ السَّاعةَ )) (صحيح البخاري 6496 عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه).
إِذا أنتَ حَملْتَ الخؤونَ أمانةً ♦♦♦ فإِنكَ قد أسندْتها شَرَّ مسندِ
*
وأخيراً:
إن العبادة بكل صورها أماناتٌ يجب حفظها، فالصلاة والصيام والزكاة والحج وسائر العبادات أماناتٌ وتكاليفٌ بما حُمِّلتْ من قبلها ومن بعدها وحدودها وأخلاقها.

والأسرة أمانة عند عائلها من الزوجة والزوجة والبنين والبنات والآباء والأمهات وسائر العلاقات.
والمهنة أمانةٌ في يد المسئول عنها كالمعلم والطبيب والحارس والكاتب والمهندس وسائر أرباب الصنائع والمهن.
والعمر بين يديك أغلى الأمانات وأهم المسئوليات فاحفظ عهد الله فيه وارع أمانته ولا تُخْسِرْهُ بالضياع.
والوطن أمانة عظمى في يد أبنائه حفظوه أم ضيعوه، وقَلِّبُوا النظر بعين البصيرة في دولٍ كانت تنعم بالسؤدد من حولنا وقد تخطَّفَهَا الهوى الجموحُ الخائنُ واغتالتها شياطين الإنس والجن داخلياً وخارجياً بأسلحة المكر الداهم والقادم من وراء الحدود والتخوم، وبأسلحة الهوى وضيق الأفق والعنصرية الفكرية والحماقة وسوء التصرف، كيف أضاعوا أوطانهم ودمروها باسم الدين وكيف سمح الآخرون لمجرمي الحروب أن يعيثوا بكل هذا الدمار والفساد؟!.

• وما أجمل الأمانة العامة حينما تكون لنا مناراً ودثاراً ومعلماً وهادياً وحافظاً من خطرات النفس ومكر الخائنين.
نسأل الله تعالى أن يفرغنا إلى حملنا وأن يقوي ظهورنا عليه وأن يبلغنا حفظ الأمانات ورعاية الحقوق.
والحمد لله في بدءٍ وفي ختمٍ.

الشيخ حسين شعبان وهدان

__________________
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 04:11 PM.