|
محمد ﷺ نبينا .. للخير ينادينا سيرة سيد البشر بكل لغات العالم |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
أين الاقتداء برسول رب العالمين في رحمته التي شملت العالمين؟
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]. ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء: 1]. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾. [الأحزاب:70، 71]. أما بعد؛ فإن أصدق الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار. أعاذنا الله وإياكم وسائر المسلمين من النار، ومن كل عمل يقرب إلى النار، اللهم آمين. أين الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في رحمته التي شملت العالمين؟ أين هذه الأمة ورجالها ونساؤها وأطفالها وشبابها كبارها وصغارها من رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم للعالمين. ومن رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمته بالعالمين عامة والأمة، قال سبحانه: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]، وقال سبحانه: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159]. إنه صلى الله عليه وسلم رحمة للمؤمنين وغير المؤمنين؛ قال ابن جرير رحمه الله بعد أن ذكر قولين في المسألة: [إن الله أرسل نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم رحمة لجميع العالم، مؤمنهم وكافرهم. فأما مؤمنهم فإن الله هداه به، وأدخله بالإيمان به، وبالعمل بما جاء من عند الله -أدخله ذلك- الجنة. وأما كافرهم -كيف يكون الرسول رحمة للكافر؟- فإنه دفع به عنه عاجل البلاء الذي كان ينـزل بالأمم المكذّبة رسلها من قبله]. بتصرف من تفسير الطبري. [1] انظر! [كيف كانت رحمته - صلى الله عليه وسلم - للناس كافة؟! وأنهم حصلوا على رحمته من وجهين: أحدها: أن عموم العالمين حصل لهم النفع برسالته: 1- أما أتباعه؛ -مثل الصحابة ونحن من بعدهم إلى يوم الدين- فنالوا بها كرامة الدنيا والآخرة. 2- وأما أعداؤه المحاربون له، فالذين عجّل ***هم وموتهم خير لهم من حياتهم، لأن حياتهم زيادة لهم في تغليظ العذاب عليهم في الدار الآخرة، وهم قد كتب عليهم الشقاء فتعجيل موتهم خير لهم من طول أعمارهم في الكفر. 3- وأما المعاهَدون له -المعاهد صاحب كتاب يهودي أو نصراني يعيش بين الأمة، يعني مواطنين- فعاشوا في الدنيا تحت ظلِّه وفي عهدِه وذمَّتِه، وهم أقلُّ شرًّا بذلك العهد من المحاربين له. 4- وأما المنافقون فحصل لهم -كرامته لهم- بإظهار الإيمان به؛ حقنُ دمائهم وأموالهم وأهلهم، واحترامُها، وجريانُ أحكام المسلمين عليهم في التوارث وغيرها. 5- وأما الأمم النائية عنه -كيف وصلتهم رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟- فإن الله سبحانه رفع برسالته العذاب العام عن أهل الأرض، فأصاب كل العالمين النفع برسالته. الوجه الثاني: أنه رحمة لكل أحد، -أي كل فرد بذاته- لكنِ المؤمنون قبلوا هذه الرحمة، فانتفعوا بها دنيا وأخرى، والكفار ردُّوها، فلم يخرج بذلك عن أن يكون رحمة لهم، لكن -هم- لم يقبلوها]. بتصرف من قطوف من الشمائل. [2] وهذه بعض معاملته صلى الله عليه وسلم لغير المسلمين التي يجب علينا أن نقتدي به فيها؛ فمنها حرصُه صلى الله عليه وسلم على هدايتهم ودعاؤه لهم، وكان يأبى الدعاءَ عليهم بالهلاك، ويتحاشى أن يكون سبباً في هلاكهم؛ فقد رفض الدعاء على قبيلة دوس اليمنية لمّا رفضت أن تسلم، ولم يقبلْ عرضَ ملكِ الجبال بإطباق الأخشبين أي الجبلين -جبل أبي قبيس والذي يقابله- على كفار قريش الذين آذوه، ولم يقبلْ دعوةَ قومِه أن يدعوَ ربَّه بأن يحوِّلَ لهم الصفا ذهباً؛ خشية أن يُكذِّبوا فيستحقوا نزول العذاب، كما جرت سنة الله تعالى بذلك. ونهى عن *** المصلين، فقد جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِمُخَنَّثٍ - يتشبه بالنساء - قَدْ خَضَّبَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ بِالْحِنَّاءِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا بَالُ هَذَا؟!" فَقِيلَ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ، يَتَشَبَّهُ بِالنِّسَاءِ)، فَأَمَرَ بِهِ فَنُفِيَ إِلَى النَّقِيعِ، -وهي بلدة قريبة من المدينة- فَقَالُوا: (يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا نَقْتُلُهُ؟) فَقَالَ: "إِنِّي نُهِيتُ عَنْ قَتْلِ الْمُصَلِّينَ"، قَالَ أَبُو أُسَامَةَ: (وَالنَّقِيعُ نَاحِيَةٌ عَنِ الْمَدِينَةِ وَلَيْسَ بِالْبَقِيعِ). رواه أبو داود. [3] نعم! كان رحيماً بالعالمين رفيقاً، فقد (كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم رحيمًا، وكان لا يأتيهِ أحدٌ إلاَّ وَعَدَه)، -أي يعطيه شيئا- (وأَنْجَزَ لَه؛ إِنْ كانَ عندَه)، وأقيمت الصلاةُ، وجاءه أعرابىٌّ فأخذ بثوبه، فقال: (إنما بقي من حاجتي يسيرة، وأخاف -أن- أنساها)، -يعني انتظر حتى تعطيني، الأعرابي يريد أن يأخذ من النبي صلى الله عليه وسلم حاجته- فقام معه حتى فرغ من حاجته، ثم أقبل فصلى. رواه البخاري في الأدب المفرد. [4] قال المناوي رحمه الله في شرح هذا الحديث: [(كان رحيماً) حتى بأعدائه؛ لما دخل يوم الفتح مكةَ على قريش وقد أُجلُسوا بالمسجد الحرام، وصحبُه ينتظروه أمره فيهم؛ من *** أو غيره -لما قدموه من أذى للمسلمين ولدعوة الإسلام، قال: "ما تظنون أني فاعل بكم؟!" قالوا: (خيراً! أخ كريم وابن أخ كريم). فقال: "أقول كما قال أخي يوسف: ﴿ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ﴾ [يوسف: 92]" اذهبوا فأنتم الطلقاء...]. فيض القدير. [5] إنه رحمة لمن في الأرض عامة: إن أردت أيها المسلم! رحمةَ مَن في السماء سبحانه؛ فعليك أن ترحم من في الأرض، من مخلوقات الله سبحانه وتعالى، وذلك بتوجيه من الرحمة المهداة صلى الله عليه وسلم، فعن جرير رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من لا يرحم من في الأرض؛ لا يرحمه من في السماء". رواه الطبراني.[6] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحَمْكم من في السماء". رواه أبو داود والترمذي. [7] "ومن" للعموم "ارحموا من في الأرض" تشمل الكافر والمسلم والعاقل الإنسان وغير العاقل؛ من الحيوانات والحشرات وما شابه ذلك. قال ابن حجر: [قَالَ اِبْن بَطَّال: فِيهِ الْحَضُّ عَلَى اِسْتِعْمَالِ الرَّحْمَةِ لِجَمِيعِ الْخَلْق؛ فَيَدْخُل الْمُؤْمِن وَالْكَافِر، وَالْبَهَائِم؛ الْمَمْلُوك مِنْهَا وَغَيْر الْمَمْلُوك، وَيَدْخُل فِي الرَّحْمَة -وكيف نرحمهم؟- التَّعَاهُدُ بِالإِطْعَامِ وَالسَّقْي، وَالتَّخْفِيف فِي الْحَمْل، وَتَرْك التَّعَدِّي بِالضَّرْبِ. وَقَالَ اِبْن أَبِي جَمْرَة: يَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمَعْنَى مَنْ لا يَرْحَم غَيْره بِأَيِّ نَوْع مِنْ الإِحْسَان؛ لا يَحْصُل لَهُ الثَّوَاب كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴾ [الرحمن: 60]..] أهـ من الفتح. [8] إنه صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]، وتشمل كلمة العالمين العالم الذي يعيش في البرِّ أو البحر أو الهواء، ولا يستثنى من ذلك حشرةٌ صغيرةٌ مأواها جبل أو جُحْر، أو كائن دقيق يعيش في بحر أو نهر، فهو صلى الله عليه وسلم أرسل رحمة لها، سواء بالنصّ العامّ أو -بالنص- الخاصّ. ومن معالم رحمته في الحروب؛ أن منَعَ من *** النساء غير المحاربات، فعَنْ رَبَاحِ بْنِ رَبِيعٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةٍ، فَرَأَى النَّاسَ مُجْتَمِعِينَ عَلَى شَيءٍ، فَبَعَثَ رَجُلاً فَقَالَ: "انْظُرْ عَلاَمَ اجْتَمَعَ هَؤُلاَءِ" فَجَاءَ فَقَالَ: (عَلَى امْرَأَةٍ قَتِيلٍ). فَقَالَ: "مَا كَانَتْ هَذِهِ لِتُقَاتِلَ!" قَالَ: وَعَلَى الْمُقَدِّمَةِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، فَبَعَثَ رَجُلاً فَقَالَ: "قُلْ لِخَالِدٍ: لاَ يَقْتُلَنَّ امْرَأَةً وَلاَ عَسِيفًا". رواه أبو داود [9]، والعسيف: الأجير، فنحن منهيون عن *** النساء وكذلك *** العبيد المملوكين. وحذر صلى الله عليه وسلم من *** أطفال المشركين في الحروب وغيرها، وذلك بعد انتصار المسلمين عليهم، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ سَرِيعٍ رضي الله عنه قَالَ: (بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةً يَوْمَ حُنَيْنٍ، فَقَاتَلُوا الْمُشْرِكِينَ، فَأَفْضَى بِهِمُ الْقَتْلُ إِلَى الذُّرِّيَّةِ)، فَلَمَّا جَاؤُوا قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا حَمَلَكُمْ عَلَى قَتْلِ الذُّرِّيَّةِ؟!" قَالُوا: (يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّمَا كَانُوا أَوْلَادَ الْمُشْرِكِينَ)، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ خِيَارَكُمْ أَبْنَاءُ الْمُشْرِكِينَ"، ثُمَّ قَالَ: "أَلَا لَا تَقْتُلُوا ذُرِّيَّةً، أَلَا لَا تَقْتُلُوا ذُرِّيَّةً، كُلُّ نَسَمَةٍ تُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ حَتَّى يُعْرِبَ عَنْهَا لِسَانُهَا، فَأَبَوَاهَا يُهَوِّدَانِهَا وَيُنَصِّرَانِهَا"). رواه أحمد [10] فأين من يسفكون دماء الأبرياء باسم الدين من هذه النصوص النبوية؟ وفي الجهاد يرحم صلى الله عليه وسلم ويدعو للمجاهدين والمقاتلين المسلمين أن يرحموا؛ الزهادَ والمنقطعين للعبادة من العُبَّاد، وغيرهم من كبار السن والعجزة. وعلينا أن نقتدي به صلى الله عليه وسلم في معاملته ورحمته بالأسرى؛ والأسير من وضع سلاحه من جيش العدو المقاتل، ورفع يديه وأسلم نفسه، فهذا له أحكامه عندنا فلا يجوز ***ه، فقد حثَّ على تقديم ما يحتاج إليه الأسير، دون ***** أو تجويع، بل شجّع على إطلاق الأسرى؛ بمقابل وبدون مقابل، عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "فُكُّوا الْعَانِيَ"، يَعْنِي الأَسِيرَ، "وَأَطْعِمُوا الْجَائِعَ، وَعُودُوا الْمَرِيضَ". رواه البخاري [11] هذه هي صفات الرحماء الذين يتبعون هدي الرحمة المهداة صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: ﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ﴾ [الإنسان: 8]. ورَبط صلى الله عليه وسلم أسيراً في المسجد حتى يسمع كلام الله، رحمةً به لعله يهتدي إلى الإسلام، وينجو من الخلود في النيران، عن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَيْلاً قِبَلَ نَجْدٍ، فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ؛ يُقَالُ لَهُ: ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ". فَانْطَلَقَ إِلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنْ الْمَسْجِدِ، فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. رواه البخاري ومسلم [12] وعلينا أن نقتدي به صلى الله عليه وسلم في معاملته ورحمته بأهل الذمة من اليهود والمعاَهدين، والمستأمَنين، الذين يعيشون كمواطنين في أمة الإسلام، وكذلك من دخل ديار المسلمين بإذن ولي الأمر، بتصريح أو تأشيرة أو ما شابه ذلك، فحذَّر من ***هم، أو الاعتداء عليهم دون وجه حقٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا؛ لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا". رواه البخاري [13] وهذا يشمل السُّفَراء والتجار والزوار والسواح، وكل من أُذن لهم بدخول البلاد لا يجوز التعرض لهم بال*** وغير ذلك؛ لأنهم دخلوا بتأشيرة وأمان، ودخلوا بإذن فهم في حكم المستأمنين، وأيضا المعاهدين. وكان اليهود يعيشون في المدينة المنورة في أمن وسلام، حتى إن بعض أبنائهم كان يحب النبي صلى الله عليه وسلم لأخلاقه، فقد كَانَ غُلاَمٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَرِضَ -أي الغلام اليهودي-، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ: "أَسْلِمْ!" فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ؟ فَقَالَ: (لَهُ أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم). فَأَسْلَمَ -الغلام-، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقُولُ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنْ النَّارِ". رواه البخاري [14] ومات صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي ثمنا لطعامه عليه الصلاة والسلام، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: (تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ، بِثَلاَثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ)... قال الأَعْمَشُ: (رَهَنَهُ دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ). رواه البخاري [15] وليس من خُلُق نبي الرحمة تحجيرُ رحمة الله الواسعة عليه فقط، فعن أبي هُرَيْرَةَ -رضي الله تعالى عنه- قَالَ: (قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي صَلاةٍ وَقُمْنَا مَعَهُ)، فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ وَهُوَ فِي الصَّلاةِ: (اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا وَلا تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا)، فَلَمَّا سَلَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِلأَعْرَابِيِّ: "لَقَدْ حَجَّرْتَ وَاسِعًا". رواه البخاري [16] يُرِيدُ رَحْمَةَ اللَّهِ؛ التي وسعت كل شيء، وأنت تريد أن تقصرها علي وعليك؟ فأين من يريد تحجير رحمة الله به وبحزبه وفصيلته التي تؤيه فقط؟ وبمن يمشي على منهجه فقط وبقية الأمة يحرمهم من رحمة أرحم الراحمين، ويحرم باقي المسلمين من رحمة الله الرحمن الرحيم؟! نسأل الله السلامة. وعلينا يا عباد الله! أن نقتدي به في رحمة الفسقة والفجار والمجرمين، ومن ارتكب جرما وخطيئة يستحق عليها الحدّ، أو التعزير أو الرجم أو الجلد، فلم تشرع الحدود والتعزيرات انتقاماً، ولم تسنّ ظلماً وإجحافاً، وإنما شرع ذلك للعدل والإنصاف والحكمة، وليسودَ الأمنُ والسلامُ ولتعمَّ الرحمة، فمن ذلك إذا وقع من بعض الناس ما يقتضي الحدَّ كالسرقة أو ال*** مثلاً، أو اقتضى التعزيرَ كالشتم والسبَّ؛ فالأصلُ التعافي والتسامحُ والتصالح، وعدمُ رفع الأمر إلى الإمام، وذلك من توجيهات نبي الرحمة وإرشاداته عليه السلام، فعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "تَعَافَوْا الْحُدُودَ قَبْلَ أَنْ تَأْتُونِي بِهِ، فَمَا أَتَانِي مِنْ حَدٍّ فَقَدْ وَجَبَ". أبو داود؛ والنَّسائي [17] وحتى لا يُظلمَ البريء، ولا يجرَّمَ المظلوم؛ فلا بد من إثباتٍ للجريمة، وأدلةٍ للجُنْحةِ، وذلك بشهادة الشهود، أو الاعتراف دون سُكر أو إكراه، قَالَ ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: كَانَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ خُصُومَةٌ فِي بِئْرٍ، فَاخْتَصَمْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ". رواه البخاري ومسلم [18] حتى لو اعترف أحدهما بذنب، فليس كلُّ اعتراف مقبولاً، بل لا بد أن يكون اعترافاً خالياً من الإكراه، والسكر والجنون، فعَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ: جَاءَ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ! طَهِّرْنِي). فَقَالَ: "وَيْحَكَ! ارْجِعْ فَاسْتَغْفِرْ اللَّهَ، وَتُبْ إِلَيْهِ". قَالَ: فَرَجَعَ غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ! طَهِّرْنِي). -أَلَمُ الذنب يحرق قلبه، فلذلك هو يريد أن يتطهر،- فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "وَيْحَكَ ارْجِعْ فَاسْتَغْفِرْ اللَّهَ، وَتُبْ إِلَيْهِ". قَالَ: فَرَجَعَ غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ طَهِّرْنِي)، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ ذَلِكَ، حَتَّى إِذَا كَانَتْ الرَّابِعَةُ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ: "فِيمَ أُطَهِّرُكَ؟!" فَقَالَ: (مِنْ الزِّنَى). فَسَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم -ولم يكتف باعترافه-: "أَبِهِ جُنُونٌ؟" فَأُخْبِرَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَجْنُونٍ، فَقَالَ: "أَشَرِبَ خَمْرًا؟" فَقَامَ رَجُلٌ فَاسْتَنْكَهَهُ -أي يشم رائحة فمه- فَلَمْ يَجِدْ مِنْهُ رِيحَ خَمْرٍ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَزَنَيْتَ؟" فَقَالَ: (نَعَمْ). -يريد أن تخرج كلمة لا، لكنه قال: نعم- فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ، فَكَانَ النَّاسُ فِيهِ فِرْقَتَيْنِ؛ قَائِلٌ يَقُولُ: (لَقَدْ هَلَكَ، لَقَدْ أَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ). وَقَائِلٌ يَقُولُ: (مَا تَوْبَةٌ أَفْضَلَ مِنْ تَوْبَةِ مَاعِزٍ؛ أَنَّهُ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَوَضَعَ يَدَهُ فِي يَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: اقْتُلْنِي بِالْحِجَارَةِ). قَالَ: فَلَبِثُوا بِذَلِكَ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلاثَةً، ثُمَّ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُمْ جُلُوسٌ، فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ، فَقَالَ: "اسْتَغْفِرُوا لِمَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ". قَالَ: فَقَالُوا: (غَفَرَ اللَّهُ لِمَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ). قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَقَدْ تَابَ تَوْبَةً؛ لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ أُمَّةٍ لَوَسِعَتْهُمْ". قَالَ: ثُمَّ جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ غَامِدٍ مِنْ الأَزْدِ، فَقَالَتْ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ! طَهِّرْنِي). فَقَالَ: "وَيْحَكِ ارْجِعِي، فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ، وَتُوبِي إِلَيْهِ". فَقَالَتْ: (أَرَاكَ تُرِيدُ أَنْ تُرَدِّدَنِي كَمَا رَدَّدْتَ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ؟!) قَالَ: "وَمَا ذَاكِ؟!" قَالَتْ: (إِنَّهَا حُبْلَى مِنْ الزِّنَى). فَقَالَ: "آنْتِ؟!!" قَالَتْ: (نَعَمْ). فَقَالَ لَهَا: "حَتَّى تَضَعِي مَا فِي بَطْنِكِ". قَالَ: فَكَفَلَهَا رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ حَتَّى وَضَعَتْ، قَالَ: فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: (قَدْ وَضَعَتْ الْغَامِدِيَّةُ). -والنبي صلى الله عليه وسلم لا يريد منها أن ترجع، وهم يرجعونها مرة بعد مرة- فَقَالَ: "إِذًا لا نَرْجُمُهَا وَنَدَعُ وَلَدَهَا صَغِيرًا لَيْسَ لَهُ مَنْ يُرْضِعُهُ". -أنظر إلى هذه الرحمة المهداة- فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ فَقَالَ: (إِلَيَّ رَضَاعُهُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ). -تشدّد الصحابة رضي الله تعالى عنهن فكانت النتيجة-، قَالَ: فَرَجَمَهَا. رواه مسلم [19] أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم. الخطبة الأخيرة الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، يوافي نعمه، ويكافئ مزيده، والصلاة والسلام على رسول الله المبعوث رحمة مهداة للعالمين كافة، وعلى آله وصحبه ومن والاه واتبع خطاه إلى يوم الدين، أما بعد: إن ما يجري اليوم من أخذ الناس بالشبهات، وتكفير المسلمين والاعتداء على الآمنين مخالف لهدي سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم هذه المعاملة النبوية مع المعترفين بجرمهم؛ تنِمُّ عن رحمته وشفقته ورأفته على المذنبين من الأمة، والتحقيق معهم وسؤالهم عن هذا الفعل وكيفيته التي- يتتبع الأحوال التي توجد فيها أدنى شبهة، حتى يسقطَ الحدُّ، بل بعد الاعتراف لو فرَّ أثناء إقامة الحد فلا مانع من تركة ليتوب، عن يَزِيدَ بْنِ نُعَيْمِ بْنِ هَزَّالٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ فِي حِجْرِ أَبِى، فَأَصَابَ جَارِيَةً مِنَ الْحَيِ، فَقَالَ لَهُ أَبِى: (ائْتِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبِرْهُ) -هذا الحديث نفهم منه أن من فعل فعلا لا يعرض نفسه لإقامة الحد عليه يتوب بينه وبين الله يكثر من الحسنات، يكثر من الدعاء والتوسلات، والصلاة في الليل، وقيام الليل في الثلث الأخير منه، يا من فعلت كبيرة لا تفضح نفسك، توجه إلى الله وكلما فعلت حسنة انتقص من قدر الكبيرة عندك، فإن كانت الكبيرة مائة بالمائة وعملت حسنات ربما تصل إلى تسعين إلى خمسين، فكلما أكثرت ربما تأتي يوم القيامة وليس عليك سيئة يا مرتكب الكبيرة، ولكن أراد أن يقع من الصحابة أخطاء حتى يكون تشريع لنا أن نفعل وأن نهتدي وأن نقتدي بهم وفيهم- (ائْتِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبِرْهُ بِمَا صَنَعْتَ، لَعَلَّهُ يَسْتَغْفِرُ لَكَ). وَإِنَّمَا يُرِيدُ بِذَلِكَ رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَخْرَجٌ، فَأَتَاهُ فَقَالَ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي زَنَيْتُ فَأَقِمْ عَلَىَّ كِتَابَ اللَّهِ). فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ فَقَالَ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي زَنَيْتُ فَأَقِمْ عَلَىَّ كِتَابَ اللَّهِ). ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي زَنَيْتُ فَأَقِمْ عَلَىَّ كِتَابَ اللَّهِ). ثُمَّ أَتَاهُ الرَّابِعَةَ فَقَالَ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي زَنَيْتُ فَأَقِمْ عَلَىَّ كِتَابَ اللَّهِ). فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّكَ قَدْ قُلْتَهَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فَبِمَنْ؟". قَالَ: (بِفُلاَنَةَ). قَالَ: "هَلْ ضَاجَعْتَهَا؟" قَالَ: (نَعَمْ). قَالَ: "هَلْ بَاشَرْتَهَا؟" قَالَ: (نَعَمْ). قَالَ: "هَلْ جَامَعْتَهَا؟" قَالَ: (نَعَمْ). قَالَ: (فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُرْجَمَ -قَالَ-: فَأُخْرِجَ بِهِ إِلَى الْحَرَّةِ، فَلَمَّا رُجِمَ فَوَجَدَ مَسَّ الْحِجَارَةِ)؛ -وجد الألم- (جَزَعَ، فَخَرَجَ يَشْتَدُّ)، -وفر من تنفيذ الحد- (فَلَقِيَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ؛ وَقَدْ أَعْجَزَ أَصْحَابَهُ)، -وهم خلفه- (فَنَزَعَ لَهُ بِوَظِيفِ بَعِيرٍ فَرَمَاهُ بِهِ فَقَتَلَهُ)، -عظمة من جمل ف*** بها-. -قَالَ-: ثُمَّ أَتَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: "هَلاَّ تَرَكْتُمُوهُ لَعَلَّهُ يَتُوبُ فَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْهِ!". قَالَ هِشَامٌ -راوي الحديث-: فَحَدَّثَنِى يَزِيدُ بْنُ نُعَيْمِ بْنِ هَزَّالٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لأَبِى حِينَ رَآهُ -وهذا كلام النبي صلى الله عليه وسلم ومنطقه وحديثه-: "وَاللَّهِ يَا هَزَّالُ! لَوْ كُنْتَ سَتَرْتَهُ بِثَوْبِكَ؛ كَانَ خَيْراً مِمَّا صَنَعْتَ بِهِ". رواه أحمد [20]. يقول له: انظر لم سلمته لهذا الحدِّ، وهذا من قوة إيمانهم، لكن خطأ في الفهم بينه لنا النبي صلى الله عليه وسلم، لو سترته بثوبك كان خيرا مما صنعت به. انظر إلى هذا التحقيق النبوي، الذي فيه الرحمة على المعترف، يبحث له عن أي شبهة حتى لا يقيم عليه الحدَّ، ومن ذلك قول: "وَيْحَكَ! ارْجِعْ فَاسْتَغْفِرْ اللَّهَ، وَتُبْ إِلَيْهِ". "أَبِهِ جُنُونٌ؟"، "أَشَرِبَ خَمْرًا؟"، ويوجه له الأسئلة المباشرة: "أَزَنَيْتَ؟"، "هَلْ ضَاجَعْتَهَا؟" "هَلْ بَاشَرْتَهَا؟" "هَلْ جَامَعْتَهَا؟". يبحث له عن شبهة، ويلقنه الأعذار: لعلك قبلت أو غمزت -كما في بعض الروايات-، وتركه إن تراجع "هَلاَّ تَرَكْتُمُوهُ لَعَلَّهُ يَتُوبُ فَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْهِ!". ومن هدي نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم أنه نهى الأمَّة عن الاستهزاءِ بمن أقيمت عليهم الحدود أو سبِّهم أو لعنِهم، ومن فعل ذلك كان معاوناً للشيطان على إخوانه، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله تعالى عنه- قَالَ: (أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِسَكْرَانَ، فَأَمَرَ بِضَرْبِهِ)؛ -لأن السكران يجلد- (فَمِنَّا مَنْ يَضْرِبُهُ بِيَدِهِ، وَمِنَّا مَنْ يَضْرِبُهُ بِنَعْلِهِ، وَمِنَّا مَنْ يَضْرِبُهُ بِثَوْبِهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ)، قَالَ رَجُلٌ: (مَا لَهُ؟ أَخْزَاهُ اللَّهُ!) فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لا تَكُونُوا عَوْنَ الشَّيْطَانِ عَلَى أَخِيكُمْ". رواه البخاري [21] وفوق ما هو فيه أن الشيطان أغواه وتريد أنت أن تؤيد الشيطان وتكون عونا له على أخيك؟ لا تسبه، ولا تشتمه، بل ادع له بالهداية. وعلينا أن نتبع هديه صلى الله عليه وسلم في معاملته ورحمته بالمذنبين، أصحاب المعاصي والخطايا، وأرباب الآثام فإنه صلى الله عليه وسلم يرحمهم ويحثهم على التوبة. قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا ﴾ [الإسراء: 70]، وكلُّ بني آدم مكرَّمون ومكرمون، فما أكثر من يدعو على المشركين اليوم بسبب وبدون سبب، وقد يكون يدعو دعاءً عامًّا على كلّ المشركين حتى الأبرياء، من أطفالٍ وشيوخٍ ونساء، وذلك ناشئ عن قسوة في القلوب، فالرحمة المهداة صلى الله عليه وسلم لم يكن كذلك، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ. قَالَ: "إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً". رواه مسلم [22]. رحمة لمن؟ للجميع حتى المشركين! ولكن ما ثبت من دعائه صلى الله عليه وسلم على جماعة مخصوصة من المشركين مثل: (رعل وذكوان وعصية). دعا عليهم شهرا كاملا، وقصتهم لها سبب معروف، وذلك أنهم غدروا واعتدوا على الصحابة، و***وا جماعة منهم، فحق له أن يدعو عليهم لا أن يدعو على غيرهم. بل من معالم رحمته بقومه المشركين، مع شدة معاداتهم له ولدعوته؛ ول***** المسلمين، دعا لهم بالغيث والمطر، عَنْ مَسْرُوقٍ (... أَنَّ قُرَيْشًا لَمَّا اسْتَعْصَتْ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ دَعَا عَلَيْهِمْ بِسِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ، فَأَصَابَهُمْ قَحْطٌ وَجَهْدٌ، حَتَّى جَعَلَ الرَّجُلُ يَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ، فَيَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ مِنْ الْجَهْدِ، وَحَتَّى أَكَلُوا الْعِظَامَ)، فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ -رحم قومه- فَقَالَ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ! اسْتَغْفِرْ اللَّهَ لِمُضَرَ)، -بعد أن فعلوا فعلوه معنا، وأخرجونا من المدينة و***وا من ***وا وعذبوا من عذبوا!- (فَإِنَّهُمْ قَدْ هَلَكُوا!) فَقَالَ: "لِمُضَرَ؟ إِنَّكَ لَجَرِيءٌ!" قَالَ: فَدَعَا اللَّهَ لَهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ ﴾ [الدخان: 15]. قَالَ: فَمُطِرُوا! فَلَمَّا أَصَابَتْهُمْ الرَّفَاهِيَةُ؛ قَالَ: عَادُوا إِلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ. قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [الدخان: 10، 11]. ﴿ يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ ﴾ [الدخان: 16]. قَالَ: يَعْنِي يَوْمَ بَدْرٍ). رواه البخاري ومسلم [23]، وهزمهم الله سبحانه وتعالى يوم بدر. وقام صلى الله عليه وسلم لجنازة يهوديِّ معللاً أنه نفس إنسانية لها حقوق، يعني مواطن يعيش عندك لابد أن يكون له حق معين، فـعَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ وَسَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ كَانَا بِالْقَادِسِيَّةِ، فَمَرَّتْ بِهِمَا جَنَازَةٌ، فَقَامَا، فَقِيلَ لَهُمَا: إِنَّهَا مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ! -أي من أهل الذمة- فَقَالا: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّتْ بِهِ جَنَازَةٌ، فَقَامَ، فَقِيلَ: إِنَّهُ يَهُودِيٌّ! فَقَالَ: "أَلَيْسَتْ نَفْسًا؟!". رواه البخاري [24] ومسلم. وال***** يا عباد الله! ينافي الرحمة، حتى ***** أهل الذمة لا يجوز، ولو تأخروا في دفع ما عليهم من حقوق، فكيف ب***** المسلم لأخيه المسلم، ففي فلسطين حدثت هذه الحادثة مع السلف الأول؛ حيث (مَرَّ هِشَامُ بْنُ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ عَلَى أُنَاسٍ مِنْ الأَنْبَاطِ بِالشَّامِ)، -يعني العمال والفلاحين الذين يعملون في الأرض- (قَدْ أُقِيمُوا فِي الشَّمْسِ)، وفي رواية: (وَصُبَّ عَلَى رُءُوسِهِمْ الزَّيْتُ) فَقَالَ: (مَا شَأْنُهُمْ؟) قَالُوا: (حُبِسُوا فِي الْجِزْيَةِ)، وفي رواية: (قِيلَ يُعَذَّبُونَ فِي الْخَرَاجِ)، -ما دفعوا ما عليهم-. فَقَالَ هِشَامٌ: (أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا"). وزاد في رواية: قَالَ: (وَأَمِيرُهُمْ يَوْمَئِذٍ عُمَيْرُ بْنُ سَعْدٍ عَلَى فِلَسْطِينَ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَحَدَّثَهُ فَأَمَرَ بِهِمْ فَخُلُّوا). رواه مسلم [25] ومن رحمته صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الخروج على المسلمين، فقَالَ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاحَ فَلَيْسَ مِنَّا". رواه البخاري ومسلم [26] ومن رحمته بأمته صلى الله عليه وسلم نهى حتى عن الإشارة بالسلاح ولو كان مازحا، أن يشير لأخيه المسلم فلا يجوز هذا، عَنْ ابْنِ سِيرِينَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ؛ فَإِنَّ الْمَلائِكَةَ تَلْعَنُهُ، حَتَّى يَدَعَهُ؛ وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لأَبِيهِ وَأُمِّهِ". وفي رواية: (فقال أبو موسى: والله ما متنا حتى سدَّدنا بعضها في وجوه بعض). رواه مسلم [27] ولقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم على ولاة الأمور أمور المسلمين؛ القساة على الأمة بالمشقة، ودعا للولاة الرحماء بالأمة بأن يرفق الله بهم، فعنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ! مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ"). رواه مسلم [28] قال سبحانه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]. اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى وآله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات يا رب العالمين. اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وأن ثبت أقدامنا وأن ينصرنا على القوم الكافرين. اللهم وحد صفوفنا وألف بين قلوبنا، اللهم أزل الغل والحقد والحسد والبغضاء من صدورنا، برحمتك يا أرحم الراحمين. وأقم الصلاة؛ ﴿ ... إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45]. [1] تفسير الطبري (18/ 552). [2] قطوف من الشمائل المحمدية لجميل زينو (1/ 35). [3] (د) (4928). [4] (خد) (278)، انظر الصَّحِيحَة: (2094). [5] فيض القدير (5/ 171). [6] انظر: صحيح الترغيب (2255). وقال الهيثمي (8/ 187): [رجاله رجال الصحيح]. [7] (د) (4941)، (ت) (1924)، صحيح الترغيب (2256) (حسن لغيره). [8] فتح الباري (10/ 440). [9] (د) (2669)؛ انظر الصحيحة ح(701). [10] (حم) (15589), (حب) (132)، (الصحيحة) (402). [11] (خ) (3046). [12] (خ) (462)، (م) 59- (1764). [13] (خ) (3166). [14] (خ) (1356). [15] (خ) (2068). [16] (خ) (6010). [17] أبو داود (4376)؛ والنَّسائي (4885)؛ الصحيحة (1638). [18] (خ) (2515)، (م) 221- (138). [19] (م) 22 - (1695). [20] (حم) (21890)، انظر: (الصحيحة) (3460). [21] (خ) (6781). [22] (م) 87- (2599). [23] (خ) 4821 (م) 40- (2798). [24] (خ) 1312 (م) 81- (961). [25] (م) 118- (2613). [26] (خ) (6874)، (م) 161- (98). [27] (م) 123- (2615). [28] (م) 19- (1828). الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد
__________________
|
العلامات المرجعية |
|
|