اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > حي على الفلاح

حي على الفلاح موضوعات وحوارات ومقالات إسلامية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 29-01-2017, 12:46 PM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,986
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي

المبحث الثالث

الطلاق بالتوكيل أو بالتفويض


(1)التوكيل هو الاعتماد على الغير، ويكون بالوكالة أو بالتفويض في الجملة. أما الوكالة فتعني في اللغة التفويض إلى الغير ورد الأمر إليه. أما الوكالة في اصطلاح الفقهاء فهي كما ورد في "التعاريف" للمناوي (ت1031هـ): "استنابة جائز التصرف مثله فيماله عليه تسلط أو ولاية ليتصرف فيه"، مثل أن يقول الرجل لآخر: "وكلتك في طلاق زوجتي فلانة". والتفويض عند الفقهاء هو "رد الأمر إلى الغير لينظر فيه"، مثل أن يقول الزوج لآخر: "أعطيك الإذن في طلاق زوجتي فلانة"، أو يقول لزوجته: "أفوضك في طلاق نفسك، أو معك الإذن في طلاق نفسك".

وقد اختلف الفقهاء في تحديد الفرق بين التوكيل وبين التفويض في الطلاق على مذهبين. المذهب الأول: يرى أن الفرق بين التوكيل وبين التفويض في الطلاق هو أنه يحق للموكل أن يلغي الوكالة قبل تصرف الوكيل بخلاف التفويض؛ لأنه كاليمين فيصير المفوض تحت سلطان الحائز على التفويض مدى حياته. وهذا مذهب الحنفية والمالكية وبعض الشافعية وقول للإمامية.

المذهب الثاني: يرى أن الفرق بين التوكيل وبين التفويض في الطلاق هو أن التفويض له أثر فوري فإن فات مجلس التعاقد دون أن يستعمله صاحب التفويض لم يكن له حق في إنفاذ الطلاق بعد، وأكثر ما يكون التفويض أن يكون للزوجة. أما التوكيل بالطلاق فله أثر ممتد إلى حين إلغاء الوكالة. وهذا مذهب الشافعية في الجديد وإليه ذهب الحنابلة وأحد القولين للإمامية.

(2)واختلف الفقهاء في طبيعة الطلاق هل هو من الحقوق العينية الذاتية التي لا تصح إلا من أصحابها كالصلاة والصيام واليمين والظهار واللعان والشهادة في الجملة، أم أنه من العقود الموضوعية المهنية التي يجوز فيها الإنابة بالتوكيل أو بالتفويض كالبيع والإجارة ونحوهما في الجملة؟ مذهبان للفقهاء.

المذهب الأول: يرى أن الطلاق من العقود الموضوعية التي يجوز فيها الإنابة بالتوكيل أو بالتفويض. وهو مذهب جمهور الفقهاء في المذاهب الأربعة المشهورة وأحد القولين عند الإمامية، وروي عن إبراهيم النخعي والحسن البصري؛ قياسًا على سائر عقود المعاملات كالبيع والإجارة لرفع الحرج عن الناس كما قال سبحانه: "وما جعل عليكم في الدين من حرج" (الحج:78).

المذهب الثاني: يرى أن الطلاق من العقود العينية الذاتية التي لا تصح إلا من أصحابها الأصليين كالزوج المكلف أو ولي أمره إذا كان مجنونًا، فلا يصح الطلاق بالتوكيل أو بالتفويض. وهو مذهب الظاهرية والقول الثاني عند الإمامية؛ لعموم قوله تعالى: "ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى" (الأنعام:164). قالوا: فلا يجوز عمل أحد عن عمل أحد آخر، ولا يجزئ كلام أحد عن كلام غيره إلا حيث أجازه القرآن أو السنة الثابتة، ولم يأت في طلاق أحد بتوكيله إياه قرآن ولا سنة، فهو باطل. بل إن كل مكان ذكر الله تعالى فيه الطلاق فإنه خاطب به الأزواج لا غيرهم فلا يجوز أن ينوب غيرهم عنهم وإلا كان تعديًا لحدود الله. وقياسًا على أنه لا يجوز أن يظاهر أحد عن أحد، ولا أن يلاعن أحد عن أحد، ولا أن يحلف أحد عن أحد لا بوكالة ولا بغيرها.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 29-01-2017, 12:48 PM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,986
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي

المبحث الرابع

طلاق الفضولي


الفضولي في اللغة هو من يشتغل بما لا يعنيه، نسبة إلى الفضول جمع فضل، وهو الزيادة. والفضولي في اصطلاح الفقهاء كما يقول الجرجاني (ت816هـ) في "التعريفات" هو: "من لم يكن وليًا ولا أصيلًا ولا وكيلًا في العقد"، أو كما يقول الزيلعي (ت970هـ) في: "البحر الرائق": "هو من يتصرف في حق الغير بلا إذن شرعي". ويكون الطلاق من الفضولي كما لو قال رجل من آحاد المسلمين لإمرأة متزوجة من غيره: "أنت طالق من زوجك"، فهل يكون هذا الطلاق لغوًا، أو يكون موقوفًا على إذن زوجها، أو يكون صحيحًا مع الإثم؟ ثلاثة مذاهب للفقهاء، كما يلي:

المذهب الأول: يرى أن طلاق الفضولي لغو مطلقًا، حتى ولو أجازه الزوج الأصيل. وهو مذهب الشافعية في الجديد والحنابلة في المعتمد والظاهرية والإمامية؛ لصدور الطلاق من غير ذي صفة، وما بني على باطل فهو باطل.

المذهب الثاني: يرى أن طلاق الفضولي موقوف على إجازة الزوج الأصيل، وتكون سراية آثار الطلاق من بعد الإجازة لا قبلها. وهو مذهب الحنفية والمالكية ورواية للحنابلة اختارها ابن تيمية؛ لصدور الطلاق ممن يصح منه التصرف وإن كان لا يملكه، فاستعيض بإجازة المالك عن عدم ملك الفضولي للتصرف.

المذهب الثالث: يرى أن طلاق الفضولي صحيح مع الإثم. وهو رواية ثالثة عند الحنابلة ذكرها المرداوي (ت885هـ) في "الإنصاف" اختارها القاضي أبو بكر عبد العزيز (ت363هـ) في "التنبيه"؛ لعموم الأدلة الآمرة بالوفاء بالعقود مثل قوله تعالى: "أوفوا بالعقود" (المائدة:1)، والعبرة في صحة العقود هي صدورها ممن يتصف بأهلية التصرف، فإن كان يملك هذا التصرف لم يكن آثمًا لأنه يستعمل حقه، وإن كان لا يملك هذا التصرف كالفضولي فإنه يأثم لتعديه على حق غيره، وهذا الإثم لا يمنع الحكم بصحة التصرف؛ قياسًا على الحاكم المتغلب فإنه يأثم بتغلبه ويصح تصرفه، وقياسًا على حكم القاضي بشهادة الزور فيما أورده القرافي (ت684هـ) في "الفروق"، والسرخسي (ت483هـ) في "المبسوط"، أنه روي عن علي بن أبي طالب أنه ادعى عنده رجل نكاح امرأة، وشهد له شاهدان، فقضى بينهما بالزوجية، فقالت والله يا أمير المؤمنين ما تزوجني، فاعقد بيننا عقدًا حتى أحل له، فقال: "شاهداك زوجاك".

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 29-01-2017, 12:50 PM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,986
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي

المبحث الخامس

الطلاق بغير الإشهاد


الأصل في حكم الإشهاد على الطلاق قوله تعالى: "يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا. فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم وأقيموا الشهادة لله ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ومن يتق الله يجعل له مخرجًا" (الطلاق:1-2).

قال الإمام الشافعي (ت204هـ) في كتابه "الأم": فأمر الله عز وجل في الطلاق والرجعة بالشهادة، وسمى فيها عدد الشهادة فانتهى إلى شاهدين فدل ذلك على أن كمال الشهادة على الطلاق والرجعة شاهدان .. وأني لم ألق مخالفًا حفظت عنه من أهل العلم أن حرامًا أن يطلق بغير بينة على أنه والله تعالى أعلم دلالة اختيار لا فرض يعصى به من تركه، ويكون عليه أداؤه إن فات في موضعه.

وقال ابن تيمية (ت728هـ) في كتابه "مجموع الفتاوى": فأمر الله تعالى بالإشهاد على الرجعة .. وقد ظن بعض الناس أن الإشهاد هو الطلاق وظن أن الطلاق الذي لا يشهد عليه لا يقع، وهذ خلاف الإجماع وخلاف الكتاب والسنة، ولم يقل أحد من العلماء المشهورين به.

وقد اختلف الفقهاء في عود الأمر بالإشهاد الوارد في الآية الثانية من سورة "الطلاق" على الطلاق أو الرجعة أو هما معًا. كما اختلفوا في دلالة هذا الأمر على الإيجاب أو الاستحباب. ويرجع سبب الخلاف إلى أن الأمر بالإشهاد ورد في مناسبة المفارقة بتخلية سبيل المطلقة إذا قضت عدتها، وهذا ليس بطلاق ولا برجعة ولا نكاح، وإنما هو لصيرورة المرأة خلية بدون زوج، والإشهاد في هذا محل اتفاق بدون نزاع؛ لذلك وجب عود الأمر بالإشهاد إلى الطلاق أو إلى الرجعة أو إليهما معًا؛ حتى يتحقق بالآية الكريمة إضافة حكم جديد، فقد قال تعالى: "فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا". ثم إن الأمر بالإشهاد يحتمل أن يكون حتمًا واجبًا؛ مراعاة لظاهره، كما يحتمل أن يكون للاستحباب؛ لرفع الحرج عن الناس. ويمكن إجمال أقوال الفقهاء هنا في المذاهب الخمسة الآتية.

المذهب الأول: يرى أن الأمر بالإشهاد في قوله تعالى: "وأشهدوا ذوي عدل منكم" يعود إلى الرجعة التي تكون بعد الطلاق. وهو قول جمهور الفقهاء في المذاهب الأربعة المشهورة. وحجتهم: أن عود الأمر بالإشهاد على الطلاق يتعارض مع حق الزوج به أبدًا من غير حاجة إلى فترة زمنية. أما الرجعة فهي التي إذا تأخرت إلى انقضاء العدة امتنعت؛ لذلك وجب عود الأمر بالإشهاد إليها حتى نطمئن إلى أن الرجعة وقعت صحيحة قبل انقضاء العدة.

ثم اختلف هؤلاء الفقهاء في دلالة الأمر بالإشهاد على الرجعة، وذلك على قولين:

القول الأول: يرى أن الأمر بالإشهاد على الرجعة للإيجاب؛ بحيث إذا وقعت بدون الإشهاد كانت والعدم سواء، وقيل تصح مع الإثم. وهو قول بعض المالكية والقديم عند الشافعية وحكاه النووي قولًا في الجديد، كما أنه رواية عند الحنابلة. وحجتهم: (1)ظاهر الأمر في قوله تعالى: "وأشهدوا ذوي عدل منكم" على أساس عود الأمر إلى الرجعة، وحمله على الوجوب لعدم وجود قرينة تصرفه عن ظاهره. (2)ما أخرجه أبو داود وابن ماجه والطبراني بسند صحيح عن عمران بن حصين رضي الله عنهما، أنه سئل عن الرجل يطلق امرأته ثم يقع بها ولم يشهد على طلاقها ولا على رجعتها؟ فقال للسائل: طلقت لغير سنة، وراجعت لغير سنة، أشهد على طلاقها وعلى رجعتها ولا تعد. (وليس عند ابن ماجه جملة "ولاتعد").

القول الثاني: يرى أن الأمر بالإشهاد على الرجعة للاستحباب، فلا أثر على صحة الرجعة بدونه. وهو قول الحنفية وأكثر المالكية والجديد عند الشافعية، وقال النووي هو الأظهر، وهو الرواية الثانية عند الحنابلة. وحجتهم: (1)أن الرجعة حق خالص للمطلق لا تحتاج إلى إذن المطلقة، فلم تفتقر إلى شهادة كسائر حقوق الزوج. (2)أن الأثر الوارد عن عمران بن حصين وأنه أمر بالإشهاد في الطلاق والرجعة موقوف عليه، فلا يصح للاحتجاج؛ لأنه وارد في أمر من مسارح الاجتهاد، وما كان كذلك فليس بحجة، كما نص على ذلك الشوكاني في "نيل الأوطار".

المذهب الثاني: يرى أن الأمر بالإشهاد في قوله تعالى: "وأشهدوا ذوي عدل منكم" يعود بصفة الوجوب إلى الرجعة أو عند انتهاء العدة من غير أن يكون شرطًا في صحة الطلاق أوالرجعة. وهو قول حكاه ابن رشد عن بعض المالكية في "بداية المجتهد"؛ استدلالًا بسد الذريعة، وذلك خوفًا من أن يموت فتدعي أنها زوجة لم تطلق، أو تموت هي فيدعي الزوج مثل ذلك، فأمر بالإشهاد في إعلان البينونة بانتهاء العدة؛ لينحسم ما يخشى من ذلك.

وقال ابن بكير المالكي (ت231هـ): "ويجب عندي لمن أبان زوجته (أي طلقها الثالثة، أو طلقها الأولى بصفة البينونة الصغرى) ألا ينظر انقضاء العدة وليشهد شاهدين حين الطلاق أنها قد بانت منه خشية المعنى الذي ذكرناه؛ لأن البائن في معنى التي انقضت عدتها".

قال ابن رشد الجد (ت520): "ويلزم على قياس قوله أن يلزم الإشهاد في الطلاق الرجعي حين الطلاق مخافة الموت. ويشهد أيضًا إذا انقضت العدة".

قال ابن رشد الحفيد (ت595): "وإذا قلنا إن الإشهاد واجب فمعنى ذلك أنه يكون بتركه آثمًا لتضييع الفروج وما يتعلق به من الحقوق من غير أن يكون شرطًا في صحة الطلاق والرجعة".

المذهب الثالث: يرى أن الأمر بالإشهاد في قوله تعالى: "وأشهدوا ذوي عدل منكم" يعود إلى الطلاق، فإذا وقع بدونه كان لغوًا. وهو مذهب الإمامية نص عليه الهذلي في "شرائع الإسلام في الفقه الإسلامي الجعفري". وحجتهم: (1)أن السياق القرآني في أول سورة الطلاق قد ورد بشأن الطلاق، ولم يرد فيه ذكر الرجعة إلا عرضًا، فكان الأمر بالإشهاد الوارد في هذا النص الكريم خاصًا بالطلاق؛ ولأن الأمر للوجوب بحسب دلالة ظاهره فإنه لا احتساب لطلاق لم يتحقق فيه هذا الواجب الشرعي. (2)أن تقييد صحة الطلاق بالإشهاد يقلل من وقوعه، وهذا مما يحفظ الأسر من التفكك الذي هو مقاصد الشرع.

المذهب الرابع: يرى أن الأمر بالإشهاد في قوله تعالى: "وأشهدوا ذوي عدل منكم" يعود إلى الطلاق والرجعة معًا، ولكن دلالة هذا الأمر على الاستحباب، فلا أثر على صحة أحدهما بدون إشهاد. وهو قول عند الشافعية ورواية عند الحنابلة. وحجتهم: أن الأمر بالإشهاد يرجع إلى الطلاق والرجعة لسبق ذكرهما في النص الكريم. أما دلالة الأمر فهي على الاستحباب كدلالة الأمر بالإشهاد في البيع عند أكثر أهل العلم في قوله تعالى: "وأشهدوا إذا تبايعتم" (البقرة:282).

المذهب الخامس: يرى أن الأمر بالإشهاد في قوله تعالى: "وأشهدوا ذوي عدل منكم" يعود إلى الطلاق والرجعة معًا، ودلالته على الوجوب بحيث إذا وقع أحدهما بدون إشهاد كان والعدم سواء. وهو مذهب الظاهرية، وروي عن علي بن أبي طالب وعمران بن حصين وهو قول عطاء وابن جريج وابن سيرين. ويرى ابن عباس عود الأمر إلى الطلاق والرجعة إلا أنه إن لم يشهد لم يكن عليه شيء. وحجتهم: (1)ظاهر الأمر في قوله تعالى: "وأشهدوا ذوي عدل منكم" على أساس عود الأمر فيه إلى كل من الطلاق والرجعة معًا، ولا يجوز إفراد أحدهما عن الآخر؛ لسبق ذكرهما في النص الكريم، مع حمل دلالة الأمر على الوجوب؛ لعدم وجود ما يصرف الأمر عن ظاهره. وكل عقد وقع مخالفًا لأمر الله فهو باطل لأنه لم يتم على الوجه المأمور به، فقد أخرج مسلم عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد"، وأخرجه الشيخان عنها بلفظ: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد". (2)ما أخرجه أبو داود وابن ماجه والطبراني بسند صحيح عن عمران بن حصين رضي الله عنهما، أنه سئل عن الرجل يطلق امرأته ثم يقع بها ولم يشهد على طلاقها ولا على رجعتها؟ فقال للسائل: طلقت لغير سنة وراجعت لغير سنة. أشهد على طلاقها وعلى رجعتها، ولا تعد. (وليس عند ابن ماجه جملة "ولا تعد"). (3)أن تقييد صحة وقوع الطلاق والرجعة بالإشهاد يحقق مصالح مقصودة شرعًا، فمن مصالح تقييد الطلاق بالإشهاد حفظ الأسر من التفكك، ومن مصالح تقييد وقوع الرجعة بالإشهاد حفظ حدود الله بمراعاة العدة التي لا يجوز الرجعة بعدها.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 29-01-2017, 12:52 PM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,986
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي

المبحث السادس

طلاق الغضبان


الغضب في اللغة نقيض الرضا، ويطلق في العرف على الانفعال. يقول الجرجاني في "التعريفات": الغضب تغير يحصل عند غليان دم القلب ليحصل عنه التشفي للصدر. وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: الغضب حالة من الاضطراب العصبي وعدم التوازن الفكري تكون غالبًا بسبب الاستثارة بعدو الكلام أو التهييج بعدو الفعل. ويقول ابن القيم (ت 751هـ) في "زاد المعاد": الغضب على ثلاثة أقسام:

القسم الأول: الغضب الذي يزيل العقل فلا يشعر صاحبه بما قال. وهذا لا يقع طلاقه بلا نزاع.

القسم الثاني: الغضب الذي يكون في مبادئه بحيث لا يمنع صاحبه من تصور ما يقول وقصده. فهذا يقع طلاقه بلا نزاع.

القسم الثالث: الغضب الذي يستحكم بصاحبه ويشتد به، فلا يزيل عقله بالكلية ولكن يحول بينه وبين نيته بحيث يندم على ما فرط منه إذا زال، فهذا محل نظر.

ويرجع سبب اختلاف الفقهاء في حكم وقوع طلاق الغضبان إلى أمرين:

الأمر الأول: تعارض مبدأ "استقرار العقود والمعاملات" الذي يستوجب إنفاذ ألفاظها أو لزوم صيغها بدون عذر الغضب، مع مبدأ "الرضائية في العقود والمعاملات" الذي يستوجب إهدار اللفظ أو إبطال الصيغة التي لا تحقق تمام الرضا في إبرام العقود.

الأمر الثاني: الاختلاف في صحة وفي تفسير حديث: "لا طلاق ولا عتاق في إغلاق". فقد أخرجه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه والدارقطني والحاكم وصححه عن عائشة، وضعفه الذهبي. وقال الألباني (ت1999م-1421هـ) هو حسن. وقال ابن حجر العسقلاني (ت852) في "التلخيص الحبير". في إسناده محمد بن عبد بن أبي صالح، وقد ضعفه أبو حاتم الرازي. وفي تفسير الإغلاق خمسة أقوال كما يلي:

(1)أنه الغضب، ومنه قولهم: إياك والمغلق، أي الضجر. وهو قول الإمام أحمد وأبو داود، وأهل العراق.

(2)أنه الإكراه، كأنه يغلق عليه الباب ويحبسه حتى يطلق. هو قول ابن الأثير وأبو حاتم الرازي وابن قتيبة والخطابي وأهل الحجاز.

(3)أنه الجنون، كأن عقله انغلق كالمجنون. وهو ما حكاه المطرزي عن بعضهم واستبعده.

(4)أنه التضييق بجمع الطلاق الثلاث في لفظة واحدة، فهو من التغليق كأن المطلق غلق الطلاق حتى لايبقى منه شيء كما يغلق المدين ما عليه. وهو قول أبي عبيد وطائفة من العلماء.

(5)أنه يعم الإكراه والغضب والجنون، وكل أمر انغلق على صاحبه علمه وقصده. وهو ما حكاه الزيلعي (ت762هـ) عن شيخه.

ويمكن إجمال أقوال الفقهاء في حكم طلاق الغضبان في المذاهب الثلاثة الآتية:

المذهب الأول: يرى أن طلاق الغضبان لا يقع فهو والعدم سواء. وهو قول ابن تيمية (ت728هـ) وابن القيم (ت 751هـ)، كما أنه مذهب المتأخرين من الحنفية الذي نص عليه ابن عابدين في "حاشيته" إلا أنه اشترط في الغضب أن يغلب على صاحبه الهذيان والخلل في أقواله وأفعاله الخارجة عن عادته وإن كان يعلمها ويريدها. وحجتهم: (1) أن الرضا أساس صحة العقود؛ لعموم قوله تعالى: "لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم" (النساء:29)، وعموم ما أخرجه أحمد وأصحاب السنن الأربعة إلا الترمذي وصححه الحاكم عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المجنون حتى يعقل أو يفيق". والحد الأدنى في الغاضب أن يكون ناقص الرضا ومعيب الإرادة، فلم يصح طلاقه وسائر عقوده كما لا تعتبر عقود الصبي العاقل. (2)عموم ما أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والحاكم وصححه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا طلاق ولا عتاق في إغلاق"، وهو حديث صححه الحاكم وحسنه الألباني. كما أن المقصود بالإغلاق هو الغضب كما فسره الإمام أحمد والإمام أبو داود وغيرهما. (3) أن الله تعالى رفع حكم يمين اللغو في قوله تعالى: "لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم والله غفور رحيم" (البقرة:225). وقد أخرج ابن جرير الطبري في "تفسيره" والبيهقي في "سننه الكبرى" عن ابن عباس قال: لغو اليمين أن تحلف وأنت غضبان. ويؤكد عدم اعتبار يمين الغاضب أو تصرفه ما أخرجه أحمد والنسائي بسند ضعيف عن عمران بن حصين، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا نذر في غضب وكفارته كفارة يمين". وما أخرجه البخاري عن أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يقضين حكم بين اثنين وهو غضبان"، وأخرجه أحمد عنه بلفظ: "لا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان".

المذهب الثاني: يرى أن طلاق الغضبان يختلف بحسب استحضار نية الطلاق وإرادة حكمه فيقع، أو بعدم استحضار نية الطلاق وعدم إرادة حكمه فلا يقع ويكون لغوًا. وهو مذهب الظاهرية والإمامية؛ لأنهم يشترطون لصحة العقود استحضار النية، ولا يغني عنها صراحة الصيغة؛ لعموم ما أخرجه الشيخان عن عمر بن الخطاب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما الأعمال بالنيات".

المذهب الثالث: يرى أن طلاق الغضبان صحيح ونافذ في ذاته إلا في غياب العقل بالكلية، فلا أثر للغضب الذي لا يخرج صاحبه عن أدنى الوعي على صيغته. وهو مذهب الجمهور قال به المالكية والشافعية والحنابلة. وحجتهم: (1)أن استقرار العقود والمعاملات من المقاصد الشرعية؛ حتى لا تضطرب مصالح الناس. وهذا يستوجب الحكم بلزوم العقود التي تترتب عليها حقوق للآخرين دون اعتبار لعذر الغضب؛ لأن كل أحد يستطيع أن يدعي الغضب لإبطال تصرفه مما يهز أصول المعاملات. (2)أن حديث "لا طلاق ولا عتاق في إغلاق" الذي صححه الحاكم قد تعقبه الذهبي وقال هو ضعيف الإسناد، كما ضعفه ابن حجر العسقلاني فلا حجة فيه. وعلى التسليم بصحته فإن المقصود بالإغلاق الإكراه كما ذهب إلى ذلك أكثر أهل العلم. (3)أن النبي صلى الله عليه وسلم أنفذ ظهار أوس بن الصامت في حال غضبه، فيقاس عليه الطلاق في حال الغضب. فقد أخرج ابن حبان بسند صحيح عن خويلة بنت ثعلبة قالت: في والله وفي أوس بن الصامت أنزل الله جل وعلا صدر سورة المجادلة، قالت: كنت عنده وكان شيخًا كبيرًا قد ساء خلقه وضجر، قالت: فدخل علي يومًا فراجعته في شيء فغضب، وقال: أنت علي كظهر أمي، ثم خرج فجلس في نادي قومه ساعة ثم دخل علي فإذا هو يريدني على نفسي، قالت: قلت: كلا ونفس خويلة بيده لا تخلص إلي وقد قلت ما قلت حتى يحكم الله ورسوله فينا بحكمه، ثم خرجت حتى جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له ما لقيت منه، فجعلت أشكو إليه ما ألقى من سوء خلقه، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يا خويلة ابن عمك شيخ كبير فاتقي الله فيه". قالت: فوالله ما برحت حتى نزل القرآن بأوائل سورة المجادلة وفيها كفارة الظهار. (4)وأخرج الدارقطني والجوزجاني بإسناد صحيح عن ابن عباس، أن رجلًا قال له: إني طلقت امرأتي ثلاثًا وأنا غضبان؟ فقال ابن عباس: لا أستطيع أن أحل لك ما حرم الله عليك، عصيت ربك وحرمت عليك امرأتك. إنك لم تتق الله فيجعل لك مخرجًا ثم قرأ: "إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن" (الطلاق:1).

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 29-01-2017, 12:54 PM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,986
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي

المبحث السابع

طلاق المكره


الإكراه في اللغة هو القهر، ويطلق على حمل إنسان على فعل شيء بغير رضاه قسرًا. تقول: أكرهت فلانًا إكراهًا. أي حملته على أمر يكرهه. والإكراه في اصطلاح الفقهاء هو فعل بغير حق يفعله الإنسان بغيره فيزول به رضاه أو يفسد به اختياره. وإنما اشترط في فعل الإكراه أن يكون بغير حق لتمكين القاضي من إنفاذ الطلاق في حال تعسف الزوج؛ إذ لا سبيل لرفع الظلم ولإقامة العدل إلا بذلك.

ولا يأبى الفقه من حيث المبدأ تقسيم المذهب الحنفي هذا الإكراه إلى قسمين: (1)إكراه ملجيء، وهو الإكراه الكامل الذي يعدم الرضا بالكلية ويوجب الإلجاء، ويكون بما يخاف على نفسه أو عضوه كالإكراه بال*** أو بالقطع. (2)إكراه غير ملجيء، وهو الإكراه القاصر الذي يعدم الرضا ولا يوجب الإلجاء، ويكون بما لا يخاف على نفسه ولا على تلف عضو من أعضائه كالإكراه بالضرب الشديد أو بالحبس. ويدخل في حكمه أن تطلب الزوجة طلاقها وهي في حال ثورة الغضب بما يخشى عليها من أن تضر نفسها، فيطلقها لإطفاء ثورتها.

ويرى المذهب الحنفي أن الإكراه إذا كان ملجئًا فإنه يفسد الاختيار ويبطل العقود، وإذا كان الإكراه غير ملجيء فإنه لا يفسد الاختيار؛ لأنهم يفرقون بين الرضا وبين الاختيار. ويترتب على ذلك التفريق في العقود بين ما يقبل منها الفسخ كالبيع والإجارة والهبة والإقرار فهذه لا تصح مع الإكراه ويكون للمكره حق الإمضاء أو الفسخ بعد زوال حالة الإكراه، وبين ما لا يقبل الفسخ من العقود كالزواج والطلاق والخلع فهذه تصح مع الإكراه وتلزم؛ لأنه يستوي فيها الجد والهزل. أما جمهور الفقهاء فيرى أن فساد الاختيار يرجع إلى عدم وجود الرضا وتمامه بما يبطل العقد؛ لأنهم لا يفرقون بين الرضا وبين الاختيار.

وهل يتحقق الإكراه بالتوعد أم بالمباشرة؟ خلاف بين الفقهاء على ثلاثة مذاهب. (1)يرى جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية ورواية للحنابلة أن التوعد بالمكروه يكون إكراهًا إذا غلب على ظنه أنه يفعل؛ احتياطًا لحفظ الحقوق. (2)ويرى الحنابلة في رواية ثانية أن التوعد بالمكروه ليس إكراهًا إلا أن يباشر به؛ لإثبات الجدية. (3)ويرى الحنابلة في رواية ثالثة أن التوعد بالمكروه يختلف، فإن كان بال*** أو بالقطع فهو إكراه، وإن كان بغير ذلك فلا يكون إكراهًا إلا بالمباشرة؛ لعدم تدارك ما يفوت بال*** أو بالقطع.

وهل يشترط في التهديد بالمكروه أن يكون عاجلًا حتى تتحقق صفة الإكراه، أم يتحقق التهديد بالمكروه في المستقبل؟ خلاف بين الفقهاء على مذهبين. (1)يرى جمهور الفقهاء أن التهديد بالمكروه لا يكون إكراهًا إلا إذا كان عاجلًا؛ لأن التهديد بالمكروه في المستقبل قد لا يتحقق إما بالتراجع أو بالاحتماء بالسلطان. (2)ويرى المالكية أنه لا يشترط في التهديد بالمكروه أن يكون عاجلًا حتى تتحقق صفة الإكراه، وإنما الشرط لتحقق صفة الإكراه أن يكون الخوف من حدوث المكروه حالًا؛ لأن هذا هو ما يؤثر على الإرادة.

واختلف الفقهاء في حكم وقوع الطلاق في حال الإكراه لعدة أسباب منها: (1)تعارض مصلحة استقرار الأوضاع في عقود الزواج والطلاق والخلع التي لا تحتمل التردد والتي تستوجب الحكم بصحة تلك العقود في الجد والهزل، وبين مصلحة تعظيم الإرادة وتحقق الرضا التي تستوجب عدم اعتبار العقد الخالي عن إرادة عاقده ورضاه. (2)اختلاف الفقهاء في حجية الأحاديث الواردة بسند ضعيف والتي تفيد صحة وقوع الطلاق حال الإكراه، ومن ذلك ما أورده ابن نجيم الحنفي (ت970هـ) في "البحر الرائق"، وأورده ابن حزم (ت456هـ) في "المحلى" ووصف سنده بأنه في غاية السقوط عن صفوان بن عمرو الأصم الطائي عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن رجلًا جلست امرأته على صدره وجعلت السكين على حلقه، وقالت له: طلقني أو لأ***نك؟ فناشدها الله تعالى، فأبت فطلقها ثلاثًا. فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "لا قيلولة في الطلاق". وفي رواية ثانية عند ابن حزم في "المحلى" من طريق سعيد بن منصور عن صفوان بن عمرو بن الأصم الطائي قال: إن رجلًا جلست امرأته على صدره فوضعت السكين على فؤاده وهي تقول: لتطلقني أو لأ***نك؟ فطلقها، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: "لا قيلولة في الطلاق". وما أخرجه الترمذي بسند ضعيف جدا، كما ذكر الألباني، والصحيح أنه موقوف على أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه المغلوب على عقله"، وأخرجه الطحاوي من أقوال الإمام علي بلفظ: "كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه"، كما أخرجه عن رجاء بن حيوه أنه قال: قرأ علينا عبد الملك بن مروان كتابًا من معاوية فيه السنن أن "كل طلاق جائز إلا طلاق المجنون". (3)اختلاف الفقهاء في صحة قياس الطلاق في حال الإكراه على الطلاق في حال الهزل الذي ورد في شأنه ما أخرجه أصحاب السنن الأربعة إلا النسائي بسند فيه مقال وصححه الحاكم وحسنه الألباني. ونقل الزيلعي في "نصب الراية" عن ابن القطان أنه معل بجهالة أحد رواته، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة". (4)اختلاف الفقهاء في دلالة وحجية ما أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه وصححه وتعقبه الذهبي بإعلاله لضعف أحد رواته، وحسنه الألباني عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا طلاق ولا عتاق في إغلاق".

ويمكن إجمال أقوال الفقهاء في حكم الطلاق حال الإكراه بغير حق في المذهبين الآتيين:

المذهب الأول: يرى أن الطلاق الواقع بالإكراه بدون حق باطل، فهو والعدم سواء. وهذا مذهب جمهور الفقهاء قال به المالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية والإمامية في الجملة. وحجتهم: (1)ما أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والحاكم وصححه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا طلاق ولا عتاق في إغلاق". قال الإمام الباجي المالكي (ت474هـ) في "المنتقى"، والإمام البغوي الشافعي (ت516هـ) في "شرح السنة"، والإمام ابن الجوزي الحنبلي (ت597هـ) في "غريب الحديث": الإغلاق هو الإكراه كأنه يغلق عليه الباب ويحبس حتى يطلق. (2)أن الرضا أساس العقود، فلا عبارة لعديم الإرادة أو ناقصها؛ لما أخرجه ابن ماجه والحاكم وصححه ووافقه الذهبي عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه". (3)أن الواقع في حال إكراه منعدم الإرادة والقصد فكان حكمه كالمجنون المرفوع عنه القلم فيما أخرجه أحمد وأصحاب السنن الأربعة إلا الترمذي وصححه الحاكم عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المجنون حتى يعقل أو يفيق". (4)ما روي عن بعض كبار الصحابة إبطالهم للطلاق حال الإكراه، ومن ذلك ما أورده ابن حزم في "المحلى" عن قدامة الجمحي، أن رجلًا تدلى بحبل ليشتار عسلًا فأتت امرأته فقالت له: لأقطعن الحبل أو لتطلقني؟ فناشدها الله تعالى فأبت، فطلقها. فلما ظهر أتى عمر بن الخطاب فذكر ذلك له، فقال له عمر: ارجع إلى امرأتك فإن هذا ليس بطلاق. قال ابن حزم: وروي عن الحسن أن علي بن أبي طالب كان لا يجيز طلاق المكره، وعن ثابت الأعرج أنه سأل ابن عمر وابن الزبير عن طلاق المكره فقالا جميعًا: "ليس بشيء".

المذهب الثاني: يرى أن الطلاق الواقع بالإكراه بدون حق صحيح ونافذ. وهذا مذهب الحنفية وهو قول الزهري وقتادة وسعيد بن جبير، وروي عن عمر وعلي بن أبي طالب. وحجتهم: (1)أن النبي صلى الله عليه وسلم نفى التعليلات من القيل والقال في الطلاق لاستقرار أوضاعه بحسب ظاهره وعدم احتماله الفسخ كعقد الزواج، ومن ذلك ما ذكره فقهاء الحنفية وأنكره ابن حزم بشدة عن صفوان بن عمرو الأصم الطائي: أن رجلًا هددته امرأته بالسكين أن يطلقها فطلقها ثلاثًا، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "لا قيلولة في الطلاق". قال النسفي في "طلبة الطلبة": أي لا رجوع ولا فسخ. (2)أن النبي صلى الله عليه وسلم صحح وقوع طلاق الهازل وكل طلاق إلا للمغلوب على عقله؛ لخطورة الطلاق. مما يستوجب تقديم مصلحة استقرار وضعه الظاهري على أي مصلحة أخرى ولو كانت الرضائية في العقود، فقد أخرج الترمذي بسند ضعيف جدا والصحيح وقفه على أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه المغلوب على عقله "، وأخرج أصحاب السنن الأربعة إلا النسائي بسند فيه مقال عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة".

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 29-01-2017, 12:56 PM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,986
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي

المبحث الثامن

طلاق السكران


السكر في اللغة نقيض الصحو، والسكران خلاف الصاحي. والعرب تقول: ذهب بين الصحو والسكرة، أي بين أن يعقل ولا يعقل. وقال تعالى: "وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد" (الحج:2)، وفي قراءة: "سكرى وما هم بسكرى"، أي أنك تراهم سكارى من العذاب والخوف وما هم بسكارى من الشراب.

وأما حد السكر في اصطلاح الفقهاء فقد ذهب أكثرهم إلى أنه الذي يخلط صاحبه كلامه المنظوم ويكشف سره المكتوم فيأتي بما لا يعقل وبما لا يأتي به إذا لم يكن سكران، حتى وإن أتى بما يعقل في خلال ذلك؛ لأن المجنون قد يأتي بما يعقل ويتحفظ من السلطان ومن سائر المخاوف. وذهب الإمام أبو حنيفة والمزني من الشافعية إلى أن حد السكر يختلف في باب العقود والتصرفات عنه في باب الحدود والعقوبات. أما في باب العقود والتصرفات فلا يختلف عن تعريف الجمهور سالف الذكر، وأما حد السكر في باب الحدود والعقوبات فيشترط لتحققه نشوة تزيل العقل بالكلية بحيث لا يعرف السماء من الأرض ولا الرجل من المرأة. واختلف الفقهاء في حكم طلاق السكران على مذهبين.

المذهب الأول: يرى أن طلاق السكران لغو باطل وهو في حكم العدم، سواء أكان السكران متعديًا بسكره وعاصيًا بذنبه أم كان السكران معذورًا بسكره كالمخطيء أو المغلوب على أمره. وهو قول عند الحنفية اختاره الطحاوي والكرخي، وقول عند الشافعية اختاره المزني، ورواية عند الحنابلة اختارها أبو بكر عبد العزيز، وهو مذهب الظاهرية والإمامية، وروي عن عثمان بن عفان، وبه قال عمر بن عبد العزيز وطاوس وربيعة شيخ الإمام مالك والقاسم بن محمد والليث بن سعد وغيرهم. وحجتهم: (1)أن السكران لا تصح منه الصلاة فكذلك لا تصح منه العقود والتصرفات، ويدل على عدم صحة صلاة السكران قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون" (النساء:43). يقول ابن حزم في "المحلى": فبين الله تعالى أن السكران لا يعلم ما يقول، ومن خلط فأتى بما يعقل وما لا يعقل فهو سكران؛ لأنه لا يعلم ما يقول. ومن أخبر الله تعالى أنه لا يدري ما يقول فلا يحل أن يلزم شيئًا من الأحكام لا طلاقًا ولا غيره؛ لأنه غير مخاطب فليس من ذوي الألباب. (2)أن السكران غائب العقل، فكان حكمه كالمجنون الذي رفع عنه القلم فيما أخرجه أحمد وأصحاب السنن الأربعة إلا الترمذي وصححه الحاكم عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم: "رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المجنون حتى يعقل أو يفيق". (3)أن عدم اعتبار طلاق السكران هو قول بعض السلف منهم عثمان بن عفان وعمر بن عبد العزيز ممن لا يكون ذلك منهم إلا عن توقيف؛ لحسن الظن بهم فوجب العمل بقولهم. ومن هذه الأقوال ما رواه ابن حزم في "المحلي" بسنده، أن عمر بن عبد العزيز أتي بسكران طلق امرأته فاستحلفه بالذي لا إله إلا هو لقد طلقها وهو لا يعقل، فحلف، فرد إليه امرأته وضربه الحد. (4)ويدل على أنه لا فرق بين زوال العقل بمعصية أو زواله بغير معصية في أحكام التصرفات ما ذكره ابن حزم في "المحلى" من أن من كسر ساقيه متعمدًا بالعدوان على نفسه جاز له أن يصلي قاعدًا، وأن المرأة لو ضربت بطن نفسها عدوانًا فنفست سقطت عنها الصلاة.

المذهب الثاني: يرى التفريق في طلاق السكران بين أن يكون سكره بمعصية فنحكم بوقوع طلاقه وصحته، وبين أن يكون سكره بغير معصية كالمخطيء والمغلوب على أمره فنحكم بعدم وقوع طلاقه أو بطلانه. وهو مذهب جمهور الفقهاء قال به أكثر الحنفية وهو مذهب المالكية والأظهر عند الشافعية ورواية عند الحنابلة اختارها أبو بكر الخلال والقاضي، وروي عن عمر بن الخطاب ومعاوية بن أبي سفيان، وبه قال سعيد بن المسيب والحسن البصري وابن سيرين والشعبي والنخعي والثوري. وحجتهم: (1)أن الصحابة جعلوا السكران المتعدي بسكره كالصاحي في الحد بالقذف فيأخذ حكمه في وقوع الطلاق. ويدل على إلحاق السكران المتعدي بالصاحي في الحد بالقذف ما أخرجه الدارقطني والحاكم وصححه عن وبرة الكلبي قال: أرسلني خالد بن الوليد إلى عمر بن الخطاب، فأتيته وهو في المسجد معه عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وعبد الرحمن بن عوف وطلحة والزبير رضي الله عنهم، فقلت: إن خالد بن الوليد أرسلني إليك وهو يقرأ عليك السلام ويقول: إن الناس قد انهمكوا في الخمر وتحاقروا العقوبة؟ فقال عمر: هم هؤلاء عندك فسلهم؟ فقال علي بن أبي طالب: نراه إذا سكر هذي وإذا هذي افترى، وعلى المفتري ثمانون. فقال عمر: أبلغ صاحبك ما قال، فجلد خالد ثمانين، وجلد عمر ثمانين. وكان عمر إذا أتي بالرجل القوي المنهمك في الشراب جلده ثمانين، وإذا أتي بالرجل الضعيف التي كانت منه الزلة جلد أربعين. ثم جلد عثمان ثمانين وأربعين. (2)أن عمر بن الخطاب أوقع طلاق السكران المتعدي بسكره، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة، فكان إجماعًا. ويدل لذلك ما رواه ابن حزم في "المحلى" بسنده عن يحي بن عبيد عن أبيه، أن رجلًا من أهل عمان تملّأ من الشراب فطلق امرأته ثلاثًا فشهد عليه نسوة فكتب إلى عمر بذلك؟ فأجاز شهادة النسوة وأثبت عليه الطلاق. وفي رواية أخرى عن أبي لبيد أن رجلًا طلق امرأته وهو سكران فرفع إلى عمر بن الخطاب وشهد عليه أربع نسوة ففرق عمر بينهما. (3) أن المغلوب على أمره بالسكر كالمخطيء والمضطر معذور شرعًا؛ لما رواه ابن ماجه والحاكم والدارقطني بسند فيه مقال عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تعالى وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه". أما المتعدي بسكره فليس له عذر شرعي فاستحق أن نجري عليه طلاقه رغم غياب عقله عقابًا له؛ لأن المعتدي لا يستحق الرأفة لعموم قوله تعالى: "ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين" (البقرة:190).

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 29-01-2017, 01:00 PM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,986
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي

المبحث التاسع

الطلاق بلفظ الثلاث


المقصود بالطلاق بلفظ الثلاث أن يوقعه الزوج موصوفًا بالثلاث كأن يقول لزوجته: أنت طالق ثلاثًا. وإذا ثبتت الطلقة الثالثة على الزوجة مفردة أو ضمن لفظ الثلاث عند من قال بصحة وقوعها بذلك لم يعد للزوج حق في الرجوع إلى تلك الزوجة إلا بعد أن تتزوج برجل آخر وتبين منه أي تنتهي رابطة الزوجية بينهما بحيث لا يكون لهذا الزوج الجديد أي ولاية على المرأة التي تصير خلية من جديد، فيصح للزوج الأول أن يتقدم إليها كسائر الخطاب؛ ولهذا توصف المرأة المطلقة ثلاثًا بأنها بائن بينونة كبرى، أو أن طلاقها صار باتًا يعني لا رجعة لها شرعًا إلى هذا المطلق إلا بعد الزواج برجل آخر وانتهاء هذا الزواج الأخير بوفاة الزوج أو طلاقه. ويدل لذلك قوله تعالى: "الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان" (البقرة:229). ثم قوله تعالى: "فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجًا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله" (البقرة:230).

وقد اختلف الفقهاء قديمًا في حكم الطلاق بلفظ الثلاث هل يأثم صاحبه أو لا يأثم، وإذا قلنا بأنه يأثم فهل يقع صحيحًا أو فاسدًا، وإذا قلنا يقع صحيحًا فهل يحتسب ثلاثًا أو يحتسب طلقةً واحدةً؟ ويرجع سبب اختلاف الفقهاء في ذلك إلى أسباب عديدة نذكر منها ما يلي:

(1)اختلاف الفقهاء في تفسير قوله تعالى: "الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان" (البقرة:229). هل يراد به أن يتم الطلاق على ثلاث مرات بدون جمع هذا العدد في كلمة واحدة أو كلمتين، أم يراد به إخبار الزوج بأن حقه على زوجته ثلاث تطليقات ويكون الحق له في إفرادها أو في جمعها؟ (2)اختلاف الروايات الحديثية التي يفيد بعضها احتساب الطلاق الثلاث بلفظ واحد طلقة واحدة، وبعضها يفيد احتسابه ثلاث طلقات، كما سيأتي ذكر تلك الروايات في تفصيل المذاهب. (3)اختلاف الفقهاء في احتساب المعنى المستنبط من إعطاء الشرع للزوج على زوجته طلقتين رجعيتين للإرفاق به أن يكون متعجلًا. من أن يكون هذا المعنى قيدًا شرعيًا ملزمًا لا يسع الزوج خلافه، أو يكون هذا المعنى إعذارًا من الشرع غير ملزم حتى لا يلوم الزوج إلا نفسه إن اختار العجلة بإيقاع كامل حقه في الطلاق على زوجته. (4)اختلاف الفقهاء فيما ثبت تحريمه عندهم كالطلاق بوصف البدعة والزواج بوصف الشغار والمحلل مثلًا من أن يكون صحيحًا في ذاته مع الإثم؛ لكون أصله مشروعًا بدون هذا الوصف مع ما أخرجه ابن ماجه والدارقطني والبيهقي والطبراني بسند فيه مقال عن ابن عمر وعن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحرم الحرام الحلال"، أو يحكم عليه بالبطلان لوقوعه على غير الوصف المشروع مع ما أخرجه الشيخان عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"، وفي رواية لمسلم: "من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد". (5)ما ذكره ابن رشد في "بداية المجتهد" من اختلاف الفقهاء في الحكم الذي جعله الشرع من البينونة للطلقة الثالثة هل يقع بإلزام المكلف نفسه في طلقة واحدة أم ليس يقع ولا يلزم من ذلك إلا ما ألزم الشرع؟ فمن شبه الطلاق بالأفعال التي يشترط في صحة وقوعها كون الشروط الشرعية فيها كالنكاح والبيوع قال لا يلزم، ومن شبهه بالنذور والأيمان التي ما التزم العبد منها لزمه على أي صفة كان ألزم الطلاق كيفما ألزمه المطلق نفسه. (6)ما ذكره ابن رشد أيضًا من تعارض العمل بسد الذريعة الذي يقتضي حكم التغليظ في إيقاع الطلاق بلفظ الثلاث، مع العمل بالرخص الشرعية والرفق المقصود في إفراد الطلاق المشار إليه في قوله تعالى: "لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا"، بعد قوله تعالى: "إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن" (الطلاق:1).

ويمكن إجمال أقوال الفقهاء في حكم الطلاق بلفظ الثلاث في خمسة مذاهب نذكرها تباعًا فيما يلي:

المذهب الأول: يرى أن الطلاق بلفظ الإثنين أو بلفظ الثلاث بدعة محرمة وغير مشروع، وإذا حدث كان لغوًا ولا يقع به طلاق أبدًا. وهو قول حكاه ابن حزم في "المحلى" عن طائفة من أهل العلم، وهو أحد القولين عند الإمامية حكاه ابن أبي زكريا الهذلي (ت676هـ) في "شرائع الإسلام في الفقه الجعفري"، وحكاه ابن تيمية (ت728هـ) في "الفتاوى الكبرى" عن بعض المعتزلة والشيعة، كما حكاه ابن القيم (ت751هـ) في "زاد المعاد" وقال: "هذا قول حكاه أبو محمد ابن حزم، وحكي للإمام أحمد فأنكره، وقال هو قول الرافضة". واستدل أصحاب هذا القول بالآتي: (1)أن الله تعالى قد نص على أن يكون الطلاق مرة بعد مرة، فإذا لم يقع على الوجه المأذون به شرعًا كان لغوًا. يدل لذلك قوله تعالى: "الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان" (البقرة:229). قالوا: وهذا معناه أن يتم الطلاق الرجعي على دفعتين مرة بعد مرة؛ لأن العرب لا تعقل في لغتها وقوع المرتين إلا متعاقبتين، كما تقول: سير به مرحلتان، أي مرحلة بعد مرحلة. ألا ترى أن من أعطى درهمين لم يجز أن يقول أعطاه مرتين حتى يعطيه دفعتين. ثم قال تعالى بعد أن أخبرنا أن الطلاق مرتان: "فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجًا غيره" (البقرة:230)، فهذه الطلقة الثالثة لم يشرعها الله تعالى إلا بعد الطلاق الرجعي مرتين، فعلم أن جميع الثلاث بلفظ واحد غير مشروع.

(2)أن الله تعالى بين وجه الطلاق الذي لا يصح إلا به وهو أن يقع لمرة واحدة تتحرر له عدة، ويملك الزوج الرجعة على زوجته في الأوليين، فلا يكون طلاقًا إلا ما كان بهذه الصفة بحيث يترتب على كل طلقة عدة مستقلة لا تتداخل في عدة طلقة أخرى. ويدل لذلك آيات كثيرة منها قوله تعالى: " يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة" إلى أن قال سبحانه: "فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف" (الطلاق:1-2)، وقوله تعالى: "والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحًا" (البقرة:228)، وقوله تعالى: "وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارًا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ولا تتخذوا آيات الله هزوًا" (البقرة:231). فكل هذه الآيات تدل على أن لكل طلقة عدة مستقلة، ولها مقصود شرعي في تمكين الزوج من مراجعة زوجته في العدة،فلا يجوز إيقاع الطلاق بلفظ الإثنين أو الثلاث لعدم تحرير العدة في كل طلقة، فكان رهن صحة الطلاق برهن تحرير العدة له، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم ابن عمر أن يمسك زوجته التي طلقها في الحيض، وأذن له أن يطلق في الطهر قبل المساس، وعلل ذلك بتحرير العدة، فقد أخرج مسلم عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض تطليقة واحدة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عمر بن الخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مره فليراجعها ثم ليتركها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله عز وجل أن يطلق لها النساء". (3)أن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر الطلاق بلفظ الثلاث ولم يعده طلاقًا فلا يجوز اعتباره. ويدل على ذلك ما أخرجه النسائي برجال ثقات كما يقول ابن حجر، عن محمود بن لبيد قال: أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعًا، فقام غضبان ثم قال: "أيلعب بكتاب الله تعالى وأنا بين أظهركم"؟ حتى قام رجل فقال: يا رسول الله ألا أ***ه؟. وأخرج أبو داود بسند ضعيف عن ابن عباس قال: طلق أبو ركانة أم ركانة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "راجع امرأتك"، فقال: إني طلقتها ثلاثًا. فقال صلى الله عليه وسلم: "قد علمت راجعها". إلا أن هذا الحديث معارض بأكثر رواياته التي تنص على أن ركانة كان يقصد طلقة واحدة، أو أن النبي صلى الله عليه وسلم عدها واحدة فقال: "إنما تلك واحدة فارجعها إن شئت"، كما رواه أحمد في "مسنده". (4)إذا ثبت أن الطلاق بلفظ الثلاث يخالف ظاهر القرآن والسنة ويفوت على الزوج مصلحة معتبرة في إمكان صلحه مع مطلقته فإن الواجب إبطاله؛ لما أخرجه الشيخان عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"، وفي رواية لمسلم: "من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد".

واعترض على ذلك بما حكاه ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" عن الإمام أحمد أنه سئل عمن قال لا يقع الطلاق المحرم لأنه يخالف ما أمر به؟ فقال: "هذا قول سوء رديء"، ثم ذكر قصة ابن عمر وأنه احتسب بطلاقه في الحيض.

وأجيب عن ذلك بأن ثبوت التحريم في الطلاق يجعله والعدم سواء؛ لما أخرجه ابن ماجه والدارقطني والبيهقي والطبراني بسند فيه مقال عن ابن عمر وعن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحرم الحرام الحلال"، يعني إذا ثبت تحريم الشيئ كالطلاق المحرم فإنه لا يرتب تحريم الزوجة الحلال. وإذا ثبت أن الطلاق بلفظ الثلاث محرم فإنه لا يرتب أثرًا في تحريم الزوجة، فيكون لغوًا.

المذهب الثاني: يرى أن الطلاق بلفظ الاثنين أو بلفظ الثلاث مشروع بوصف السنة أي الطريقة المستقيمة التي بينها الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته وعرفها الناس، فإذا اختار الزوج طلاق زوجته بلفظ الثلاث فإنه يكون قد استعمل حقه الشرعي وطلقت زوجته بوصف الطلاق الثلاث البات أو البائن بينونة كبرى سواء أكان هذا الطلاق قبل الدخول أم بعده. وهو قول الشافعي وأبو ثور، ورواية عن الإمام أحمد اختارها الخرقي، وهو مذهب الظاهرية وانتصر له ابن حزم الظاهري ونسب القول به إلى أبي ذر، ورواه عن عمر وعثمان وعلي وابن عباس وابن مسعود وابن سيرين وغيرهم. وحجتهم مايلي:

(1)أن الله تعالى جعل للزوج طلقتين رجعيتين وثالثة بائنة، ولم يقيده بوصف الإفراد، فدل على جواز إيقاع الطلاق الثلاث مجموعة بلفظ واحد. قال تعالى: "الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان" إلى أن قال تعالى: "فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجًا غيره" (البقرة:229-230). قال ابن حزم في "المحلى": فهذا يقع على الثلاث مجموعة ومفرقة، ولا يجوز أن يخص بهذه الآية بعض ذلك دون بعض بغير نص. وكذلك قوله تعالى: "إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها" (الأحزاب:49). قال ابن حزم: هذا عموم لإباحة الثلاث والإثنين والواحدة، وقوله تعالى: "وللمطلقات متاع بالمعروف" (البقرة:241) فلم يخص الله تعالى مطلقة واحدة من مطلقة اثنين ومن مطلقة ثلاثًا. (2)أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على من طلق في عهده ثلاثًا، كما ورد في الروايات التي تحكي قصة فاطمة بنت قيس التي طلقها زوجها أبو عمرو بن حفص بن المغيرة ثلاثًا، وفي قصة امرأة رفاعة القرظي التي طلقها ثلاثًا، وفي قصة الملاعن الذي طلق امرأته ثلاثًا. ونحكي ذلك تباعًا فيما يلي:

(أ)أما قصة فاطمة بنت قيس فقد أخرجها مسلم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أن فاطمة بنت قيس أخت الضحاك بن قيس قالت: إن أبا حفص ابن المغيرة المخزومي طلقها ثلاثًا ثم انطلق إلى اليمين، فقال لها: ليس لك علينا نفقة. فانطلق خالد بن الوليد في نفر فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت ميمونة فقالوا: إن أبا حفص طلق امرأته ثلاثًا فهل لها من نفقة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس لها نفقة وعليها العدة"، وفي رواية أخرى لمسلم عن فاطمة بنت قيس قالت: أرسل إلي زوجي أبو عمرو ابن حفص بن المغيرة عياش بن أبي ربيعة بطلاقي وأرسل معه بخمسة آصع تمر وخمسة آصع شعير، فقلت: أما لي نفقة إلا هذا، ولا أعتد في منزلكم؟ قال: لا. قالت: فشددت علي ثيابي وأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "كم طلقك"؟ قلت: ثلاثًا. قال: "صدق ليس لك نفقة اعتدي في بيت ابن عمك ابن أم مكتوم فإنه ضرير البصر تلقى ثوبك عنده، فإذا انقضت عدتك فآذنيني". قالت: فخطبني خطاب منهم معاوية وأبو الجهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن معاوية ترب خفيف الحال، وأبو الجهم منه شدة على النساء، أو يضرب النساء، أو نحو هذا، ولكن عليك بأسامة بن زيد". كما أخرج مسلم عن فاطمة بنت قيس قالت: يا رسول الله زوجى طلقني ثلاثًا، وأخاف أن يقتحم علي. قال: فأمرها فتحولت. قال ابن حزم في "المحلى": "فهذا نقل تواتر عن فاطمة بنت قيس بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرها هي ونفر سواها بأن زوجها طلقها ثلاثًا، وبأنه صلى الله عليه وسلم حكم في المطلقة ثلاثًا ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، ولا أخبر بأنه ليس بسنة، وفي هذا كفاية لمن نصح نفسه".

وقد عورض هذا الدليل بما ذكره ابن حزم وأجاب عنه فقال: "وأما رواية مسلم عن أبي سلمة أن فاطمة بنت قيس أخبرته أنها كانت تحت أبي عمرو بن حفص بن المغيرة فطلقها آخر ثلاث تطليقات، وذكرت باقي الخبر. قلنا: نعم إلا أن هذا الخبر ليس فيه أن أحدًا أخبر الرسول بأنها آخر ثلاث تطليقات، وإنما المسند الصحيح الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل عن كمية طلاقها وأنها أخبرته بأن زوجها طلقها ثلاثًا، وعلى هذا الإجمال جاء حكم النبي صلى الله عليه وسلم". قلت: ويؤيد هذا رواية الإمام أحمد للحديث في "مسنده"، وفيها: "أن فاطمة خاصمت أخا زوجها إلى النبي صلى الله عليه وسلم لما أخرجها من الدار ومنعها النفقة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما لك ولابنة قيس"؟ قال: يارسول الله إن أخي طلقها ثلاثًا جميعًا". وذكر الحديث. وأخرج مسلم عن الشعبي أنه سأل فاطمة بنت قيس عن المطلقة ثلاثًا أين تعتد؟ فقالت: طلقني بعلي ثلاثًا فأذن لي النبي صلى الله عليه وسلم أن أعتد في أهلي.

ويلاحظ أن روايات مسلم اختلفت في ذكر اسم زوج فاطمة بنت قيس، فوقع في بعضها أنه "أبوحفص بن المغيرة" ووقع في بعضها أنه "أبو عمرو بن حفص"؟ ويجيب عن ذلك ابن عبد البر (ت463) في "التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد" بأن اسم أبا حفص بن المغيرة خطأ، والصواب ما قاله مالك أن اسمه أبو عمرو بن حفص بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم قيل اسمه عبد الحميد.

(ب)وأما قصة امرأة رفاعة القرظي فقد أخرجها الشيخان، وهي عند مسلم عن عائشة قالت: جاءت امرأة رفاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: كنت عند رفاعة فطلقني فبت طلاقي، فتزوجت عبد الرحمن بن الزبير، وأن ما معه مثل هدبة الثوب، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك". وفي رواية للبخاري ومسلم عن عائشة قالت: طلق رجل امرأته ثلاثًا فتزوجها رجل آخر ثم طلقها قبل أن يدخل بها، فأراد زوجها الأول أن يتزوجها فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ فقال: "لا حتى يذوق الآخر من عسيلتها ما ذاق الأول". قال ابن حزم: "فلم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم هذا السؤال الذي فيه أن رجلًا طلق امرأته ثلاثًا فتزوجت بآخر ثم طلقها قبل الدخول فأراد زوجها الأول أن يتزوجها؟ فلو كان الطلاق ثلاثًا لا يجوز لأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك".

واعترض على هذا الدليل بمثل ما عورض به الاستدلال من حديث فاطمة بنت قيس، وهو أنه ورد في الصحيحين رواية أخرى عن عائشة أن رفاعة القرظي طلق امرأته فتزوجها عبد الرحمن بن الزبير، فقالت: يارسول الله إن رفاعة طلقها آخر ثلاث تطليقات. وذكرت باقي الخبر. وأجاب عن ذلك ابن حزم بأنه ليس في شيء من ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على أن هذه الطلقة آخر ثلاث تطليقات أي متفرقات، وإنما الثابت هو ذكر الطلاق الثلاث بالإجمال.

(ج)وأما قصة الملاعن الذي طلق امرأته ثلاثًا فقد أخرجها الشيخان عن سهل بن سعد الساعدي، أن عويمر العجلاني جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت رجلًا وجد مع امرأته رجلًا أي***ه فت***ونه، أم كيف يفعل؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "قد أنزل الله فيك وفي صاحبتك فاذهب فأت بها". قال سهل: فتلاعنا، فلما فرغا قال عويمر: كذبت عليها يارسول الله إن أمسكتها، فطلقها ثلاثًا قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال ابن حزم: "لو كان الطلاق الثلاث مجموعة معصية لله تعالى لما سكت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيان ذلك فصح يقينًا أنها سنة مباحة".

واعترض على ذلك بما ذكره ابن حزم وأجاب عنه فقال: "إن قيل بأنه طلقها بعد اللعان وقد صارت أجنبية عنه. قلنا: إنما طلقها وهو يقدر أنها امرأته، هذا ما لا يشك فيه أحد، فلو كان ذلك معصية لسبقكم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هذا الاعتراض، فإنما حجتنا كلها في ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الإنكار على من طلق ثلاثًا مجموعة امرأة يظنها امرأته، ولا يشك أنها في عصمته فقط".

(3)أنه روي عن بعض كبار الصحابة وعن أكثر التابعين الحكم بإيقاع الطلاق بلفظ الثلاث دون إنكار، ولا يكون ذلك منهم إلا عن توقيف من رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسن الظن بهم. ومن ذلك ما رواه ابن حزم أنه رفع إلى عمر بن الخطاب برجل طلق امرأته ألفًا؟ فقال له عمر: أطلقت امرأتك؟ فقال: إنما كنت ألعب، فعلاه عمر بالدرة وقال: إنما يكفيك من ذلك ثلاث. فإنما ضربه عمر على الزيادة على الثلاث. كما روي عن الإمام علي أنه جاءه رجل فقال: إني طلقت امرأتي ألفًا؟ فقال له علي: بانت منك بثلاث، واقسم سائرهن بين نسائك. كما روي عن عثمان بن عفان أن رجلًا جاءه فقال: طلقت امرأتي ألفًا؟ فقال: بانت منك بثلاث. وروي عن ابن عباس أن رجلًا قال له: طلقت امرأتي ألفًا؟ فقال: ثلاث تحرمها عليك وبقيتها عليك وزرًا، اتخذت آيات الله هزوًا. وروي عن ابن مسعود أن رجلًا قال له إني طلقت امرأتي تسعًا وتسعين؟ فقال: ثلاث تبينها وسائرهن عدوان. كما روي عن الشعبي أن رجلًا جاء لشريح القاضي فقال: طلقت امرأتي مائة؟ فقال: بانت منك بثلاث، وسبع وتسعون إسراف ومعصية.

(4)أن أمر الطلاق مرجعه إلى الزوج، وقد اختار أن يوقع حقوقه الثلاثة فيها مرة واحدة، فكان الأمر إليه كالنذر واليمين الذي يلزم صاحبهما.

(5)أن طلاق غير المدخول بها ثلاثًا صادف الزوجية فوقع الجميع كما لو قال ذلك للمدخول بها. ويدل لذلك ما أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" عن عبد الله بن عمرو بن العاص، أنه قال في طلاق البكر ثلاثًا؟ الواحدة تبينها والثلاث تحرمها حتى تنكح زوجًا غيره.

المذهب الثالث: يرى أن الطلاق بلفظ الاثنين أو بلفظ الثلاث محرم أو مكروه في وصفه. أما أصله فصحيح ونافذ للمدخول بها وغير المدخول بها على السواء. وهو مذهب الجمهور قال به الحنفية والمالكية والرواية المتأخرة عن الإمام أحمد، وروي ذلك عن ابن عباس وأبي هريرة وابن عمر وأنس بن مالك، وغيرهم كثير من الصحابة والتابعين، وبه قال ربيعة والأوزاعي وابن أبي ليلى. ويلاحظ أن هذا المذهب يتفق مع المذهب الثاني الذي ذهب إليه الشافعية والظاهرية في الحكم بصحة الطلاق بلفظ الإثنين أو بلفظ الثلاث إلا أن الفرق بينهما هو في ثبوث الإثم من عدمه، فيرى أصحاب المذهب الثاني عدم الإثم؛ لأنه في نظرهم طلق بصفة السنة. ويرى أصحاب المذهب الثالث تأثيم المطلق بلفظ الإثنين أو بلفظ الثلاث؛ لأنه في نظرهم طلق بصفة البدعة. ويدل لأصحاب المذهب الثالث مايلي:

(1)أنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم احتساب الطلاق بلفظ الثلاث ثلاثًا مع وصفه بالبدعة، ومن ذلك: ما أخرجه الدارقطني والبيهقي بسند فيه ضعيف عن معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يا معاذ من طلق للبدعة واحدة أو اثنتين أو ثلاثًا ألزمناه بدعته". وأخرج الدارقطني بسند فيه مجهولون وضعفاء عن عبادة بن الصامت قال: طلق بعض آبائي امرأته ألفًا فانطلق بنوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يارسول الله، إن أبانا طلق أمنا ألفًا فهل له من مخرج؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "إن أباكم لم يتق الله فيجعل له مخرجًا. بانت منه بثلاث على غير السنة وتسعمائة وسبع وتسعون إثم في عنقه". وأخرج ابن النجار والدارقطني بسند ضعيف عن علي بن أبي طالب قال: "سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا طلق البتة فغضب، وقال: "أتتخذون آيات الله هزوًا، أو دين الله هزوًا ولعبًا. من طلق البتة ألزمناه ثلاثًا لا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره". وأخرج الدارقطني بسند فيه مقال من حديث الحسن البصري، عن عبد الله بن عمر أنه طلق امرأته تطليقة وهي حائض، ثم أراد أن يتبعها بتطليقتين أخراوين عند القرءين، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا ابن عمر ما هكذا أمرك الله، إنك قد أخطأت السنة، والسنة أن تستقبل الطهر فتطلق لكل قرء". قال: فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم فراجعتها، ثم قال: "إذا هي طهرت فطلق عند ذلك أو أمسك"، فقلت: يارسول الله أرأيت لو أني طلقتها ثلاثًا أكان يحل لي أن أراجعها؟ قال: "لا، كانت تبين منك وتكون معصية".

(2)أن آخر إجماع الصحابة في عهد عمربن الخطاب هو في احتساب الطلاق بلفظ الثلاث ثلاثًا للمدخول بها ولغير المدخول بها على السواء، وإن كان معصية لمخالفته صفة الطلاق المفرد الذي كان عليه حال الطلاق في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلزم الحكم بوقوعه عملًا بهذا الإجماع الذي يدل عليه ما أخرجه البيهقي وأبو داود بسند ضعيف عن طاوس أن رجلًا يقال له أبو الصهباء كان كثير السؤال لابن عباس، قال: أما علمت أن الرجل كان إذا طلق امرأته ثلاثًا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدرًا من إمارة عمر؟ قال ابن عباس: بلى كان الرجل إذا طلق امرأته ثلاثًا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدرًا من إمارة عمر، فلما رأى الناس قد تتابعوا فيها قال: أجيزوهن عليهم.

وعملًا بهذه الرواية الضعيفة حكى بعض أئمة العلم الإجماع على احتساب الطلاق بلفظ الثلاث ثلاثًا وإن كان معصية، ومن هؤلاء أبو بكر الرازي في "أحكام القرآن"، والقاضي الباجي في "المنتقى"، وابن العربي في "الناسخ والمنسوخ"، وفي "أحكام القرآن"، وابن رجب في "مشكل الأحاديث الواردة في أن الطلاق الثلاث واحدة".

(3) أن طلاق غير المدخول بها ثلاثًا قد صادف محلًا فوجب احتسابه؛ قياسًا على طلاق المدخول بها. ولا يقال إن غير المدخول بها تبين من طلقة واحدة، فقد أخرج عبد الرزاق في "مصنفه" عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال في طلاق البكر ثلاثًا؟ الواحدة تبينها والثلاث تحرمها حتى تنكح زوجًا غيره.

المذهب الرابع: يرى أن الطلاق بلفظ الإثنين أو بلفظ الثلاث محرم أو مكروه ويقع ثلاثًا بالمدخول بها، ويقع واحدة لغير المدخول بها. وهو قول ابن أبي ليلى وسعيد بن جبير وطاوس وعطاء بن أبي رباح وعمرو بن دينار وجابر بن زيد، وهو مذهب اسحاق بن راهوية وبه جزم زكريا الساجي من الشافعية. وحجتهم: أن غير المدخول بها تبين إذا قال لها زوجها: أنت طالق، فإذا قال ثلاثًا لغي العدد؛ لوقوعه بعد البينونة.

المذهب الخامس: يرى أن الطلاق بلفظ الإثنين أو بلفظ الثلاث بدعة مخالف للسنة فيجب تصحيحه بإنفاذه طلقة واحدة رجعية سواء أكان هذا الطلاق قبل الخول أم بعده، فهو لما خالف السنة وجب رده إلى السنة. وهو قول عن ابن عباس، ومذهب محمد بن اسحاق والحجاج بن أرطأة، وبه قال عكرمة والحسن البصري واختاره ابن تيمية وابن القيم، وهو القول الثاني عند الإمامية. قال ابن رشد في "بداية المجتهد": "هذا قول أهل الظاهر وجماعة". وقد وصف القاضي الباجي المالكي أصحاب هذا القول بالمبتدعة فقال في "المنتقى": "حكى القاضي أبو محمد في "إشرافه" عن بعض المبتدعة يلزمه طلقة واحدة، وإنما يروى هذا عن الحجاج بن أرطأة ومحمد بن اسحاق". وأفاد ابن تيمية بأن هذا القول منقول عن طائفة من السلف والخلف، فقال في "مجموع الفتاوى" في بيان حكم الطلاق بلفظ الثلاث: "الثالث أنه محرم ولا يلزم منه إلا طلقة واحدة، وهذا القول منقول عن طائفة من السلف والخلف من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل الزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف، ويروى عن علي وابن مسعود وابن عباس القولان، وهو قول كثير من التابعين ومن بعدهم مثل طاوس وخلاس بن عمرو ومحمد بن اسحاق وهو قول داود وأكثر أصحابه، ويروى ذلك عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين وابنه جعفر بن محمد، ولهذا ذهب إلى ذلك من ذهب من الشيعة، وهو قول بعض أصحاب أبي حنيفة ومالك وأحمد بن حنبل". واحتج أصحاب هذا المذهب بما يلي:

(1)أن احتساب الطلاق بلفظ الثلاث واحدة كان عليه إجماع الأمة أول الأمر، فقد أخرج مسلم عن ابن عباس قال: كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة. فقال عمر: إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم؟ فأمضاه عليهم. قال ابن القيم في "إعلام الموقعين": ولم تجمع الأمة ولله الحمد على خلافه، بل لم يزل فيهم من يفتي به قرنًا بعد قرن إلى يومنا هذا، فأفتى به حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس، وأفتى به أيضًا الزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف وعلي وابن مسعود.

(2)أن احتساب الطلاق بلفظ الثلاث واحدة هو قضاء النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه أحمد وأبو داود بإسناد صححه الإمام أحمد عن عبد الله بن عباس قال: طلق ركانة بن عبد يزيد أخو بني المطلب امرأته ثلاثًا في مجلس واحد، فحزن عليها حزنًا شديدًا. قال: فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كيف طلقتها"؟ قال: طلقتها ثلاثًا. فقال صلى الله عليه وسلم: "في مجلس واحد"؟ قال: نعم. فقال صلى الله عليه وسلم: "فإنما تلك واحدة فارجعها إن شئت". قال: فراجعها. وفي رواية عند ابن ماجه وأبي داود بسند فيه مقال، عن ابن عباس، أن ركانة طلق امرأته سهيمة البتة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أردت بها"؟ قال: واحدة. فقال صلى الله عليه وسلم: "آلله ما أردت بها إلا واحدة"؟ قال: آلله ما أردت بها إلا واحدة. قال: فردها عليه.

(3)أن النبي صلى الله عليه وسلم رد طلاق البدعة الثلاث إلى السنة باحتسابه واحدة، فقد أخرج الدارقطني عن أبي الزبير قال: سألت ابن عمر عن رجل طلق امرأته ثلاثًا وهي حائض؟ فقال: أتعرف ابن عمر؟ قال: نعم. قال: طلقت امرأتي ثلاثًا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي حائض. فردها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السنة. فهذا دليل على أنه طلقها ثلاثًا بالفعل وردت إلى الواحدة.

(4)أن احتساب الطلاق الثلاث واحدة روي عن ابن عباس وغيره من السلف مما يدل على أن له سند في السنة، فقد أخرج أبو داود بسند صحيح عن ابن عباس قال: إذا قال أنت طالق ثلاثًا بفم واحد فهي واحدة.

(5)أن الرفق بالزوجين يقتضي احتساب الطلاق بلفظ الثلاث واحدة؛ لأن الله تعالى أخبرنا بعد بيانه لأمر الطلاق أن يكون لعدته بقوله سبحانه: "لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا" (الطلاق:1)، أي بصلح الزوجين ومراجعة الزوج لزوجته، وهذا لا يتحقق باحتساب الطلاق بلفظ الثلاث ثلاثًا.

رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 05:36 PM.