|
حي على الفلاح موضوعات وحوارات ومقالات إسلامية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() المبحث الأول
الطلاق بغير صيغة التنجيز (الطلاق المضاف والطلاق المعلق) صيغة الطلاق الصحيحة هي سبب الحكم بإيقاعه والنطق بحل رباط الزوجية وترتب آثار هذا الحل من العدة وغيرها. والأصل في الطلاق إذا أراده الزوج إرادة حقيقية أن يوقعه منجزًا؛ لأن التنجيز هو الطريق المستقيم المختصر لإبرام العقود والوصول إلى الأشياء. والطلاق المنجز هو الذي يرتب سبب الفرقة في الحال، ويعقبه أثره بدون تراخ. وصورته أن يصدر الزوج صيغة الطلاق مستوفية شروطها ومنتفية عن موانعها مثل أن يستخرج وثيقة رسمية معتمدة من الجهات المعنية تشهد بأنه أصدر تعبيره الصريح بطلاق زوجته "فلانة" وفق الشروط المعتبرة، ومثل أن يقول الزوج المتزوج عرفيًا لزوجته العرفية "أنت طالق" مع تحقق سائر شروط وقوع الطلاق وانتفاء موانعه. وإذا وقعت صورة الطلاق بغير صفة التنجيز فإنها إما أن تكون مضافة وإما أن تكون معلقة، وللفقهاء فيهما تفصيل نوجزه فيما يلي. أولًا: الطلاق المضاف الطلاق المضاف هو الصادر بصيغة مقرونة بوقت في المستقبل أو في الماضي، كأن يقيد الطلاق بأول الشهر القادم، أو بآخر الشهر الماضي. هنا اختلف الفقهاء في حكم هذه الإضافة الزمنية هل يعتد بها، أو تلغى من الحسبان ويحكم بوقوع الطلاق، أو تكون سببًا في بطلان صيغة الطلاق؟ ثلاثة مذاهب في الجملة، كما يلي. المذهب الأول: يرى الاعتداد بقيود الطلاق الزمنية المستقبلية والماضية في الجملة. وهو مذهب الحنفية والشافعية. وحجتهم عموم الأدلة الآمرة بالوفاء بالعقود والشروط، ومنها قوله تعالى: "أوفوا بالعقود" (المائدة:1)، وما أخرجه البخاري عن عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أحق ما أوفيتم من الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج". واستثنى الحنفية والشافعية من صورة الطلاق المضاف إلى زمن ماضي إذا كان يقصد الزوج إيقاعه في الحال وليس الاخبار عن طلاق سابق فإنه يقع في الحال كالمنجز. المذهب الثاني: يرى إلغاء قيود الطلاق الزمنية المستقبلية والماضية ليحكم بتنجيزه في الحال في الجملة. وهو مذهب المالكية والحنابلة. وحجتهم أن استقرار المعاملات في عقود التمليكات تقتضي إلغاء ما يضاف إليها من شروط تهز صورتها المستقيمة بالتجيز، فقد أخرج الشيخان عن عائشة في قصة بريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من اشترط شرطًا ليس في كتاب الله فهو باطل وإن اشترط مائة شرط شرط الله أحق وأوثق"، وفي رواية: "ما بال أناس يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله. من اشترط شرطًا ليس في كتاب الله فليس له وإن شرط مائة مرة. شرط الله أحق وأوثق". وأخرج الدارقطني عن عمرو بن عوف المزني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المسلمون عند شروطهم إلا شرطًا حرم حلالًا، أو أحل حرامًا". واستثنى أصحاب هذا المذهب من صورة الطلاق المضاف إلى زمن ماض إذا كان الزوج يقصد الإخبار عن حقيقة طلاقه الصحيح في الزمن الماضي وليس مجرد إضافة لزمن في صيغة الطلاق فإنه يحتسب من زمنه الماضي دينًا. المذهب الثالث: يرى أن إضافة الزمن للطلاق تبطله وتجعله لغوًا، سواء أكانت الإضافة لزمن في المستقبل أم لزمن في الماضي إلا إذا كانت الإضافة لزمن ماض خبرًا عن طلاق وقع صحيحًا في الزمن الماضي. وهو مذهب الظاهرية. وحجتهم أن الله تعالى علمنا كيف يكون الطلاق في قوله سبحانه: "إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن" (الطلاق:1)، والطلاق المضاف إلى أجل لا يجعل العدة فور الطلاق كما أمر الله، وهذا ظلم وعدوان منهي عنه كما قال سبحانه: "ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه" (الطلاق:1). قالوا: وأيضًا فإن كل طلاق لا يقع حين إيقاعه فمن المحال أن يقع بعد ذلك أو في زمن لم يوقعه فيه. وقد أخذ بعض الحنفية والحنابلة بهذا القول في صورة إضافة الطلاق لزمن في الماضي بغير قصد الإخبار، وإنما بقصد احتسابه بأثر رجعي لإيقاعه في الماضي. ثانيًا: الطلاق المعلق الطلاق المعلق هو الصادر بصيغة مرهونة بحصول شيء آخر، وقد يكون التعليق لفظيًا كقول الزوج "إن فعلت كذا فأنت طالق"، وقد يكون التعليق معنويًا كقول الزوج "علي الطلاق ما أفعل كذا". وقد اختلف الفقهاء في الحكم بإيقاع الطلاق بإحدى صيغ التعليق إذا تحقق الأمر المعلق عليه مع سائر شروط صحة الطلاق، هل يكون الطلاق صحيحًا إذا وقع الأمرالمعلق عليه، أو يأخذ الطلاق المعلق حكم اليمين بالله بلزوم الكفارة عند الحنث، أو نعد صيغة التعليق بالطلاق لغوًا؟ ثلاثة مذاهب للفقهاء، كما يلي. المذهب الأول: يرى صحة الحكم بوقوع الطلاق بصيغة التعليق إذا تحقق الأمر المعلق عليه، ولو بطريق النسيان أو الإكراه. وهو مذهب الجمهور ذهب إليه فقهاء المذاهب الأربعة في الجملة. وحجتهم عموم الأدلة الآمرة بالوفاء بالعقود والشروط. وقال الشافعية في الأظهر: إذا وقع الأمر المعلق عليه سهوًا أو إكراهًا فلا طلاق؛ لما أخرجه الحاكم وابن ماجه والطبراني بسند فيه مقال عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه". وقال بعض الشافعية: إن صيغة "علي الطلاق" ليست طلاقًا وإنما هي وعد به؛ لأن لفظ "علي" اسم فعل أمر بمعنى يلزمني. المذهب الثاني: يرى تحويل صيغة الطلاق بالتعليق إلى إحدى صيغ الحلف بالله، فتجب كفارة الحنث في اليمين إذا وقع المعلق عليه دون الطلاق. وهو قول ابن تيمية (ت728هـ) في الجملة. وحجته أن اختيار صيغة التعليق يدل على أن الزوج لا يرغب في الأصل إنشاء طلاق، وإنما يقصد حمل نفسه أو زوجته أو غيرهما على فعل شيء أو تركه، وكان الأصل أن يأتي باسم من أسماء الله في حلفه، إلا أنه أتى بلفظ الطلاق للتخويف به، والعبرة في التصرفات بالمعاني لا بالمباني، فقد أخرج الشيخان عن عمر بن الخطاب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما الأعمال بالنية". المذهب الثالث: يرى إلغاء صيغة الطلاق بالتعليق واعتبارها كأن لم تكن. وهو مذهب الظاهرية والإمامية. وحجتهم أن الاستقامة في صيغ الطلاق إنما تكون بصيغة التنجيز، فكان الطلاق بصيغة التعليق انحرافًا وتعديًا لا يرقى إلى مرتبة الاعتبار؛ لقوله تعالى: "ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه" (الطلاق:1). |
#2
|
||||
|
||||
![]() المبحث الثاني
الطلاق بغير نيته (1)إذا وقع الطلاق باللفظ الصريح الذي يستعمل في إيقاعه غالبًا، كقول الزوج لزوجته "أنت طالق" فقد ذهب جمهور الفقهاء في المذاهب الأربعة المشهورة إلى القول بالحكم بوقوع الطلاق بهذا اللفظ الصريح دون حاجة إلى استحضار الزوج لنية الطلاق إذا تحققت سائر شروط صحة الطلاق؛ لأن صراحة اللفظ في الطلاق تقوم مقام النية عندهم. وذهب الظاهرية والإمامية إلى القول بأن الطلاق باللفظ الصريح لا يصح إلا باستحضار نية الطلاق، ولا تعرف هذه النية إلا من قبل الزوج. والأصل هو اعتبار اللفظ الصريح في الطلاق إلا إذا نازع الزوج ونفى إرادته له، كأن قال سبق لساني به، أو كنت أهدد به، فإنه لا يحكم بوقوع الطلاق؛ لعدم تحقق النية التي هي شرط صحة الأعمال، كما أخرج الشيخان عن عمر بن الخطاب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما الأعمال بالنيات". وقياسًا على الساهي والنائم والغالط، فقد أخرج ابن ماجه والحاكم بإسناد صحيح عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"، وروى ابن حزم في "المحلى" بسنده عن خيثمة بن عبد الرحمن أن امرأة قالت لزوجها: سمني، فسماها الظبية. قالت: ما قلت شيئًا؟ قال: فهات ما أسميك به. قالت: سمني خلية طالق. قال: فأنت خلية طالق. فأتت عمر بن الخطاب فقالت: إن زوجي طلقني، فجاء زوجها فقص عليه القصة، فأوجع عمر رأسها، وقال لزوجها: خذ بيدها وأوجع رأسها. (2)أما إذا وقع الطلاق بغير ألفاظه الثلاثة الواردة في كتاب الله وهي: "الطلاق والفراق والسراح" كأن وقع بلفظ "الحقي بأهلك" أو بلفظ "حبلك على غاربك" أو بلفظ "أنت مبرأة" فإن الظاهرية والإمامية يرونه لغوًا، حتى ولو كان ناويًا للطلاق؛ لأنه وقع على وجه ليس في كتاب الله، وقد أخرج الشيخان عن عائشة في قصة بريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من شرط شرطًا ليس في كتاب الله فهو باطل". أما جمهور الفقهاء في المذاهب الأربعة المشهورة فيرون أن هذه الألفاظ التي لا تدل على الطلاق صراحة إن كانت لا تحتمل معنى الطلاق في استعمال الناس فهي لغو، وإن كانت تحتمل إرادة الطلاق فإنها توصف بالطلاق الكنائي ولا يحكم بوقوع الطلاق بها إلا إذا صرح الزوج بأنه كان ينوي بها الطلاق. ثم اختلف هؤلاء الجمهور في مدى إلحاق تلك الألفاظ الكنائية بألفاظ الطلاق الصريحة إذا كانت قرائن الحال تفيد إرادة الطلاق. وبتعبير آخر نقول إن جمهور الفقهاء قد اختلفوا في الحكم بوقوع الطلاق بالألفاظ الكنائية دون الحاجة لسؤال الزوج عن استحضار نية الطلاق عند التلفظ بها إذا كانت قرائن الحال تدل على إرادته الطلاق، كما لو قال لزوجته في مناسبة نقاش يحدد مصير علاقته بها "الحقي بأهلك"، فهل تغني قرائن الحال عن النية في ألفاظ الطلاق الكنائية؟ قولان لجمهور الفقهاء. القول الأول: يرى أن قرائن الحال كالنية للحكم بها على وقوع الطلاق بألفاظه الكنائية. وهو مذهب الحنفية والحنابلة في المعتمد؛ لأن قرائن الحال تلحق الطلاق الكنائي بالطلاق الصريح الذي لا يحتاج إلى نية عند الجمهور. ولأن اشتراط النية في الطلاق الكنائي كان لغموضه الذي لا يعرف إلا بها، فإذا دلت قرائن الحال على إرادة الطلاق لم نعد في حاجة إلى سؤال الزوج عن نيته. القول الثاني: يرى أن قرائن الحال لا تغني عن نية الزوج للحكم بوقوع الطلاق إذا وقع باللفظ الكنائي. وهو مذهب المالكية والشافعية ورواية عند الحنابلة؛ لأن اللفظ الكنائي لم يوضع للطلاق وإن كان يحتمله، ولا سبيل إلى الوصول إلى إرادة الطلاق به إلا من جهة الزوج بنيته التي يصرح بها، فإن احتسبنا قرائن الحال كالنية فقد ألزمنا الزوج بشيء قد يكون منصرف الذهن عنه. |
#3
|
||||
|
||||
![]() المبحث الثالث
الطلاق بالتوكيل أو بالتفويض (1)التوكيل هو الاعتماد على الغير، ويكون بالوكالة أو بالتفويض في الجملة. أما الوكالة فتعني في اللغة التفويض إلى الغير ورد الأمر إليه. أما الوكالة في اصطلاح الفقهاء فهي كما ورد في "التعاريف" للمناوي (ت1031هـ): "استنابة جائز التصرف مثله فيماله عليه تسلط أو ولاية ليتصرف فيه"، مثل أن يقول الرجل لآخر: "وكلتك في طلاق زوجتي فلانة". والتفويض عند الفقهاء هو "رد الأمر إلى الغير لينظر فيه"، مثل أن يقول الزوج لآخر: "أعطيك الإذن في طلاق زوجتي فلانة"، أو يقول لزوجته: "أفوضك في طلاق نفسك، أو معك الإذن في طلاق نفسك". وقد اختلف الفقهاء في تحديد الفرق بين التوكيل وبين التفويض في الطلاق على مذهبين. المذهب الأول: يرى أن الفرق بين التوكيل وبين التفويض في الطلاق هو أنه يحق للموكل أن يلغي الوكالة قبل تصرف الوكيل بخلاف التفويض؛ لأنه كاليمين فيصير المفوض تحت سلطان الحائز على التفويض مدى حياته. وهذا مذهب الحنفية والمالكية وبعض الشافعية وقول للإمامية. المذهب الثاني: يرى أن الفرق بين التوكيل وبين التفويض في الطلاق هو أن التفويض له أثر فوري فإن فات مجلس التعاقد دون أن يستعمله صاحب التفويض لم يكن له حق في إنفاذ الطلاق بعد، وأكثر ما يكون التفويض أن يكون للزوجة. أما التوكيل بالطلاق فله أثر ممتد إلى حين إلغاء الوكالة. وهذا مذهب الشافعية في الجديد وإليه ذهب الحنابلة وأحد القولين للإمامية. (2)واختلف الفقهاء في طبيعة الطلاق هل هو من الحقوق العينية الذاتية التي لا تصح إلا من أصحابها كالصلاة والصيام واليمين والظهار واللعان والشهادة في الجملة، أم أنه من العقود الموضوعية المهنية التي يجوز فيها الإنابة بالتوكيل أو بالتفويض كالبيع والإجارة ونحوهما في الجملة؟ مذهبان للفقهاء. المذهب الأول: يرى أن الطلاق من العقود الموضوعية التي يجوز فيها الإنابة بالتوكيل أو بالتفويض. وهو مذهب جمهور الفقهاء في المذاهب الأربعة المشهورة وأحد القولين عند الإمامية، وروي عن إبراهيم النخعي والحسن البصري؛ قياسًا على سائر عقود المعاملات كالبيع والإجارة لرفع الحرج عن الناس كما قال سبحانه: "وما جعل عليكم في الدين من حرج" (الحج:78). المذهب الثاني: يرى أن الطلاق من العقود العينية الذاتية التي لا تصح إلا من أصحابها الأصليين كالزوج المكلف أو ولي أمره إذا كان مجنونًا، فلا يصح الطلاق بالتوكيل أو بالتفويض. وهو مذهب الظاهرية والقول الثاني عند الإمامية؛ لعموم قوله تعالى: "ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى" (الأنعام:164). قالوا: فلا يجوز عمل أحد عن عمل أحد آخر، ولا يجزئ كلام أحد عن كلام غيره إلا حيث أجازه القرآن أو السنة الثابتة، ولم يأت في طلاق أحد بتوكيله إياه قرآن ولا سنة، فهو باطل. بل إن كل مكان ذكر الله تعالى فيه الطلاق فإنه خاطب به الأزواج لا غيرهم فلا يجوز أن ينوب غيرهم عنهم وإلا كان تعديًا لحدود الله. وقياسًا على أنه لا يجوز أن يظاهر أحد عن أحد، ولا أن يلاعن أحد عن أحد، ولا أن يحلف أحد عن أحد لا بوكالة ولا بغيرها. |
#4
|
||||
|
||||
![]() المبحث الرابع
طلاق الفضولي الفضولي في اللغة هو من يشتغل بما لا يعنيه، نسبة إلى الفضول جمع فضل، وهو الزيادة. والفضولي في اصطلاح الفقهاء كما يقول الجرجاني (ت816هـ) في "التعريفات" هو: "من لم يكن وليًا ولا أصيلًا ولا وكيلًا في العقد"، أو كما يقول الزيلعي (ت970هـ) في: "البحر الرائق": "هو من يتصرف في حق الغير بلا إذن شرعي". ويكون الطلاق من الفضولي كما لو قال رجل من آحاد المسلمين لإمرأة متزوجة من غيره: "أنت طالق من زوجك"، فهل يكون هذا الطلاق لغوًا، أو يكون موقوفًا على إذن زوجها، أو يكون صحيحًا مع الإثم؟ ثلاثة مذاهب للفقهاء، كما يلي: المذهب الأول: يرى أن طلاق الفضولي لغو مطلقًا، حتى ولو أجازه الزوج الأصيل. وهو مذهب الشافعية في الجديد والحنابلة في المعتمد والظاهرية والإمامية؛ لصدور الطلاق من غير ذي صفة، وما بني على باطل فهو باطل. المذهب الثاني: يرى أن طلاق الفضولي موقوف على إجازة الزوج الأصيل، وتكون سراية آثار الطلاق من بعد الإجازة لا قبلها. وهو مذهب الحنفية والمالكية ورواية للحنابلة اختارها ابن تيمية؛ لصدور الطلاق ممن يصح منه التصرف وإن كان لا يملكه، فاستعيض بإجازة المالك عن عدم ملك الفضولي للتصرف. المذهب الثالث: يرى أن طلاق الفضولي صحيح مع الإثم. وهو رواية ثالثة عند الحنابلة ذكرها المرداوي (ت885هـ) في "الإنصاف" اختارها القاضي أبو بكر عبد العزيز (ت363هـ) في "التنبيه"؛ لعموم الأدلة الآمرة بالوفاء بالعقود مثل قوله تعالى: "أوفوا بالعقود" (المائدة:1)، والعبرة في صحة العقود هي صدورها ممن يتصف بأهلية التصرف، فإن كان يملك هذا التصرف لم يكن آثمًا لأنه يستعمل حقه، وإن كان لا يملك هذا التصرف كالفضولي فإنه يأثم لتعديه على حق غيره، وهذا الإثم لا يمنع الحكم بصحة التصرف؛ قياسًا على الحاكم المتغلب فإنه يأثم بتغلبه ويصح تصرفه، وقياسًا على حكم القاضي بشهادة الزور فيما أورده القرافي (ت684هـ) في "الفروق"، والسرخسي (ت483هـ) في "المبسوط"، أنه روي عن علي بن أبي طالب أنه ادعى عنده رجل نكاح امرأة، وشهد له شاهدان، فقضى بينهما بالزوجية، فقالت والله يا أمير المؤمنين ما تزوجني، فاعقد بيننا عقدًا حتى أحل له، فقال: "شاهداك زوجاك". |
#5
|
||||
|
||||
![]() المبحث الخامس
الطلاق بغير الإشهاد الأصل في حكم الإشهاد على الطلاق قوله تعالى: "يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا. فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم وأقيموا الشهادة لله ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ومن يتق الله يجعل له مخرجًا" (الطلاق:1-2). قال الإمام الشافعي (ت204هـ) في كتابه "الأم": فأمر الله عز وجل في الطلاق والرجعة بالشهادة، وسمى فيها عدد الشهادة فانتهى إلى شاهدين فدل ذلك على أن كمال الشهادة على الطلاق والرجعة شاهدان .. وأني لم ألق مخالفًا حفظت عنه من أهل العلم أن حرامًا أن يطلق بغير بينة على أنه والله تعالى أعلم دلالة اختيار لا فرض يعصى به من تركه، ويكون عليه أداؤه إن فات في موضعه. وقال ابن تيمية (ت728هـ) في كتابه "مجموع الفتاوى": فأمر الله تعالى بالإشهاد على الرجعة .. وقد ظن بعض الناس أن الإشهاد هو الطلاق وظن أن الطلاق الذي لا يشهد عليه لا يقع، وهذ خلاف الإجماع وخلاف الكتاب والسنة، ولم يقل أحد من العلماء المشهورين به. وقد اختلف الفقهاء في عود الأمر بالإشهاد الوارد في الآية الثانية من سورة "الطلاق" على الطلاق أو الرجعة أو هما معًا. كما اختلفوا في دلالة هذا الأمر على الإيجاب أو الاستحباب. ويرجع سبب الخلاف إلى أن الأمر بالإشهاد ورد في مناسبة المفارقة بتخلية سبيل المطلقة إذا قضت عدتها، وهذا ليس بطلاق ولا برجعة ولا نكاح، وإنما هو لصيرورة المرأة خلية بدون زوج، والإشهاد في هذا محل اتفاق بدون نزاع؛ لذلك وجب عود الأمر بالإشهاد إلى الطلاق أو إلى الرجعة أو إليهما معًا؛ حتى يتحقق بالآية الكريمة إضافة حكم جديد، فقد قال تعالى: "فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا". ثم إن الأمر بالإشهاد يحتمل أن يكون حتمًا واجبًا؛ مراعاة لظاهره، كما يحتمل أن يكون للاستحباب؛ لرفع الحرج عن الناس. ويمكن إجمال أقوال الفقهاء هنا في المذاهب الخمسة الآتية. المذهب الأول: يرى أن الأمر بالإشهاد في قوله تعالى: "وأشهدوا ذوي عدل منكم" يعود إلى الرجعة التي تكون بعد الطلاق. وهو قول جمهور الفقهاء في المذاهب الأربعة المشهورة. وحجتهم: أن عود الأمر بالإشهاد على الطلاق يتعارض مع حق الزوج به أبدًا من غير حاجة إلى فترة زمنية. أما الرجعة فهي التي إذا تأخرت إلى انقضاء العدة امتنعت؛ لذلك وجب عود الأمر بالإشهاد إليها حتى نطمئن إلى أن الرجعة وقعت صحيحة قبل انقضاء العدة. ثم اختلف هؤلاء الفقهاء في دلالة الأمر بالإشهاد على الرجعة، وذلك على قولين: القول الأول: يرى أن الأمر بالإشهاد على الرجعة للإيجاب؛ بحيث إذا وقعت بدون الإشهاد كانت والعدم سواء، وقيل تصح مع الإثم. وهو قول بعض المالكية والقديم عند الشافعية وحكاه النووي قولًا في الجديد، كما أنه رواية عند الحنابلة. وحجتهم: (1)ظاهر الأمر في قوله تعالى: "وأشهدوا ذوي عدل منكم" على أساس عود الأمر إلى الرجعة، وحمله على الوجوب لعدم وجود قرينة تصرفه عن ظاهره. (2)ما أخرجه أبو داود وابن ماجه والطبراني بسند صحيح عن عمران بن حصين رضي الله عنهما، أنه سئل عن الرجل يطلق امرأته ثم يقع بها ولم يشهد على طلاقها ولا على رجعتها؟ فقال للسائل: طلقت لغير سنة، وراجعت لغير سنة، أشهد على طلاقها وعلى رجعتها ولا تعد. (وليس عند ابن ماجه جملة "ولاتعد"). القول الثاني: يرى أن الأمر بالإشهاد على الرجعة للاستحباب، فلا أثر على صحة الرجعة بدونه. وهو قول الحنفية وأكثر المالكية والجديد عند الشافعية، وقال النووي هو الأظهر، وهو الرواية الثانية عند الحنابلة. وحجتهم: (1)أن الرجعة حق خالص للمطلق لا تحتاج إلى إذن المطلقة، فلم تفتقر إلى شهادة كسائر حقوق الزوج. (2)أن الأثر الوارد عن عمران بن حصين وأنه أمر بالإشهاد في الطلاق والرجعة موقوف عليه، فلا يصح للاحتجاج؛ لأنه وارد في أمر من مسارح الاجتهاد، وما كان كذلك فليس بحجة، كما نص على ذلك الشوكاني في "نيل الأوطار". المذهب الثاني: يرى أن الأمر بالإشهاد في قوله تعالى: "وأشهدوا ذوي عدل منكم" يعود بصفة الوجوب إلى الرجعة أو عند انتهاء العدة من غير أن يكون شرطًا في صحة الطلاق أوالرجعة. وهو قول حكاه ابن رشد عن بعض المالكية في "بداية المجتهد"؛ استدلالًا بسد الذريعة، وذلك خوفًا من أن يموت فتدعي أنها زوجة لم تطلق، أو تموت هي فيدعي الزوج مثل ذلك، فأمر بالإشهاد في إعلان البينونة بانتهاء العدة؛ لينحسم ما يخشى من ذلك. وقال ابن بكير المالكي (ت231هـ): "ويجب عندي لمن أبان زوجته (أي طلقها الثالثة، أو طلقها الأولى بصفة البينونة الصغرى) ألا ينظر انقضاء العدة وليشهد شاهدين حين الطلاق أنها قد بانت منه خشية المعنى الذي ذكرناه؛ لأن البائن في معنى التي انقضت عدتها". قال ابن رشد الجد (ت520): "ويلزم على قياس قوله أن يلزم الإشهاد في الطلاق الرجعي حين الطلاق مخافة الموت. ويشهد أيضًا إذا انقضت العدة". قال ابن رشد الحفيد (ت595): "وإذا قلنا إن الإشهاد واجب فمعنى ذلك أنه يكون بتركه آثمًا لتضييع الفروج وما يتعلق به من الحقوق من غير أن يكون شرطًا في صحة الطلاق والرجعة". المذهب الثالث: يرى أن الأمر بالإشهاد في قوله تعالى: "وأشهدوا ذوي عدل منكم" يعود إلى الطلاق، فإذا وقع بدونه كان لغوًا. وهو مذهب الإمامية نص عليه الهذلي في "شرائع الإسلام في الفقه الإسلامي الجعفري". وحجتهم: (1)أن السياق القرآني في أول سورة الطلاق قد ورد بشأن الطلاق، ولم يرد فيه ذكر الرجعة إلا عرضًا، فكان الأمر بالإشهاد الوارد في هذا النص الكريم خاصًا بالطلاق؛ ولأن الأمر للوجوب بحسب دلالة ظاهره فإنه لا احتساب لطلاق لم يتحقق فيه هذا الواجب الشرعي. (2)أن تقييد صحة الطلاق بالإشهاد يقلل من وقوعه، وهذا مما يحفظ الأسر من التفكك الذي هو مقاصد الشرع. المذهب الرابع: يرى أن الأمر بالإشهاد في قوله تعالى: "وأشهدوا ذوي عدل منكم" يعود إلى الطلاق والرجعة معًا، ولكن دلالة هذا الأمر على الاستحباب، فلا أثر على صحة أحدهما بدون إشهاد. وهو قول عند الشافعية ورواية عند الحنابلة. وحجتهم: أن الأمر بالإشهاد يرجع إلى الطلاق والرجعة لسبق ذكرهما في النص الكريم. أما دلالة الأمر فهي على الاستحباب كدلالة الأمر بالإشهاد في البيع عند أكثر أهل العلم في قوله تعالى: "وأشهدوا إذا تبايعتم" (البقرة:282). المذهب الخامس: يرى أن الأمر بالإشهاد في قوله تعالى: "وأشهدوا ذوي عدل منكم" يعود إلى الطلاق والرجعة معًا، ودلالته على الوجوب بحيث إذا وقع أحدهما بدون إشهاد كان والعدم سواء. وهو مذهب الظاهرية، وروي عن علي بن أبي طالب وعمران بن حصين وهو قول عطاء وابن جريج وابن سيرين. ويرى ابن عباس عود الأمر إلى الطلاق والرجعة إلا أنه إن لم يشهد لم يكن عليه شيء. وحجتهم: (1)ظاهر الأمر في قوله تعالى: "وأشهدوا ذوي عدل منكم" على أساس عود الأمر فيه إلى كل من الطلاق والرجعة معًا، ولا يجوز إفراد أحدهما عن الآخر؛ لسبق ذكرهما في النص الكريم، مع حمل دلالة الأمر على الوجوب؛ لعدم وجود ما يصرف الأمر عن ظاهره. وكل عقد وقع مخالفًا لأمر الله فهو باطل لأنه لم يتم على الوجه المأمور به، فقد أخرج مسلم عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد"، وأخرجه الشيخان عنها بلفظ: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد". (2)ما أخرجه أبو داود وابن ماجه والطبراني بسند صحيح عن عمران بن حصين رضي الله عنهما، أنه سئل عن الرجل يطلق امرأته ثم يقع بها ولم يشهد على طلاقها ولا على رجعتها؟ فقال للسائل: طلقت لغير سنة وراجعت لغير سنة. أشهد على طلاقها وعلى رجعتها، ولا تعد. (وليس عند ابن ماجه جملة "ولا تعد"). (3)أن تقييد صحة وقوع الطلاق والرجعة بالإشهاد يحقق مصالح مقصودة شرعًا، فمن مصالح تقييد الطلاق بالإشهاد حفظ الأسر من التفكك، ومن مصالح تقييد وقوع الرجعة بالإشهاد حفظ حدود الله بمراعاة العدة التي لا يجوز الرجعة بعدها. |
#6
|
||||
|
||||
![]() المبحث السادس
طلاق الغضبان الغضب في اللغة نقيض الرضا، ويطلق في العرف على الانفعال. يقول الجرجاني في "التعريفات": الغضب تغير يحصل عند غليان دم القلب ليحصل عنه التشفي للصدر. وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: الغضب حالة من الاضطراب العصبي وعدم التوازن الفكري تكون غالبًا بسبب الاستثارة بعدو الكلام أو التهييج بعدو الفعل. ويقول ابن القيم (ت 751هـ) في "زاد المعاد": الغضب على ثلاثة أقسام: القسم الأول: الغضب الذي يزيل العقل فلا يشعر صاحبه بما قال. وهذا لا يقع طلاقه بلا نزاع. القسم الثاني: الغضب الذي يكون في مبادئه بحيث لا يمنع صاحبه من تصور ما يقول وقصده. فهذا يقع طلاقه بلا نزاع. القسم الثالث: الغضب الذي يستحكم بصاحبه ويشتد به، فلا يزيل عقله بالكلية ولكن يحول بينه وبين نيته بحيث يندم على ما فرط منه إذا زال، فهذا محل نظر. ويرجع سبب اختلاف الفقهاء في حكم وقوع طلاق الغضبان إلى أمرين: الأمر الأول: تعارض مبدأ "استقرار العقود والمعاملات" الذي يستوجب إنفاذ ألفاظها أو لزوم صيغها بدون عذر الغضب، مع مبدأ "الرضائية في العقود والمعاملات" الذي يستوجب إهدار اللفظ أو إبطال الصيغة التي لا تحقق تمام الرضا في إبرام العقود. الأمر الثاني: الاختلاف في صحة وفي تفسير حديث: "لا طلاق ولا عتاق في إغلاق". فقد أخرجه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه والدارقطني والحاكم وصححه عن عائشة، وضعفه الذهبي. وقال الألباني (ت1999م-1421هـ) هو حسن. وقال ابن حجر العسقلاني (ت852) في "التلخيص الحبير". في إسناده محمد بن عبد بن أبي صالح، وقد ضعفه أبو حاتم الرازي. وفي تفسير الإغلاق خمسة أقوال كما يلي: (1)أنه الغضب، ومنه قولهم: إياك والمغلق، أي الضجر. وهو قول الإمام أحمد وأبو داود، وأهل العراق. (2)أنه الإكراه، كأنه يغلق عليه الباب ويحبسه حتى يطلق. هو قول ابن الأثير وأبو حاتم الرازي وابن قتيبة والخطابي وأهل الحجاز. (3)أنه الجنون، كأن عقله انغلق كالمجنون. وهو ما حكاه المطرزي عن بعضهم واستبعده. (4)أنه التضييق بجمع الطلاق الثلاث في لفظة واحدة، فهو من التغليق كأن المطلق غلق الطلاق حتى لايبقى منه شيء كما يغلق المدين ما عليه. وهو قول أبي عبيد وطائفة من العلماء. (5)أنه يعم الإكراه والغضب والجنون، وكل أمر انغلق على صاحبه علمه وقصده. وهو ما حكاه الزيلعي (ت762هـ) عن شيخه. ويمكن إجمال أقوال الفقهاء في حكم طلاق الغضبان في المذاهب الثلاثة الآتية: المذهب الأول: يرى أن طلاق الغضبان لا يقع فهو والعدم سواء. وهو قول ابن تيمية (ت728هـ) وابن القيم (ت 751هـ)، كما أنه مذهب المتأخرين من الحنفية الذي نص عليه ابن عابدين في "حاشيته" إلا أنه اشترط في الغضب أن يغلب على صاحبه الهذيان والخلل في أقواله وأفعاله الخارجة عن عادته وإن كان يعلمها ويريدها. وحجتهم: (1) أن الرضا أساس صحة العقود؛ لعموم قوله تعالى: "لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم" (النساء:29)، وعموم ما أخرجه أحمد وأصحاب السنن الأربعة إلا الترمذي وصححه الحاكم عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المجنون حتى يعقل أو يفيق". والحد الأدنى في الغاضب أن يكون ناقص الرضا ومعيب الإرادة، فلم يصح طلاقه وسائر عقوده كما لا تعتبر عقود الصبي العاقل. (2)عموم ما أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والحاكم وصححه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا طلاق ولا عتاق في إغلاق"، وهو حديث صححه الحاكم وحسنه الألباني. كما أن المقصود بالإغلاق هو الغضب كما فسره الإمام أحمد والإمام أبو داود وغيرهما. (3) أن الله تعالى رفع حكم يمين اللغو في قوله تعالى: "لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم والله غفور رحيم" (البقرة:225). وقد أخرج ابن جرير الطبري في "تفسيره" والبيهقي في "سننه الكبرى" عن ابن عباس قال: لغو اليمين أن تحلف وأنت غضبان. ويؤكد عدم اعتبار يمين الغاضب أو تصرفه ما أخرجه أحمد والنسائي بسند ضعيف عن عمران بن حصين، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا نذر في غضب وكفارته كفارة يمين". وما أخرجه البخاري عن أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يقضين حكم بين اثنين وهو غضبان"، وأخرجه أحمد عنه بلفظ: "لا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان". المذهب الثاني: يرى أن طلاق الغضبان يختلف بحسب استحضار نية الطلاق وإرادة حكمه فيقع، أو بعدم استحضار نية الطلاق وعدم إرادة حكمه فلا يقع ويكون لغوًا. وهو مذهب الظاهرية والإمامية؛ لأنهم يشترطون لصحة العقود استحضار النية، ولا يغني عنها صراحة الصيغة؛ لعموم ما أخرجه الشيخان عن عمر بن الخطاب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما الأعمال بالنيات". المذهب الثالث: يرى أن طلاق الغضبان صحيح ونافذ في ذاته إلا في غياب العقل بالكلية، فلا أثر للغضب الذي لا يخرج صاحبه عن أدنى الوعي على صيغته. وهو مذهب الجمهور قال به المالكية والشافعية والحنابلة. وحجتهم: (1)أن استقرار العقود والمعاملات من المقاصد الشرعية؛ حتى لا تضطرب مصالح الناس. وهذا يستوجب الحكم بلزوم العقود التي تترتب عليها حقوق للآخرين دون اعتبار لعذر الغضب؛ لأن كل أحد يستطيع أن يدعي الغضب لإبطال تصرفه مما يهز أصول المعاملات. (2)أن حديث "لا طلاق ولا عتاق في إغلاق" الذي صححه الحاكم قد تعقبه الذهبي وقال هو ضعيف الإسناد، كما ضعفه ابن حجر العسقلاني فلا حجة فيه. وعلى التسليم بصحته فإن المقصود بالإغلاق الإكراه كما ذهب إلى ذلك أكثر أهل العلم. (3)أن النبي صلى الله عليه وسلم أنفذ ظهار أوس بن الصامت في حال غضبه، فيقاس عليه الطلاق في حال الغضب. فقد أخرج ابن حبان بسند صحيح عن خويلة بنت ثعلبة قالت: في والله وفي أوس بن الصامت أنزل الله جل وعلا صدر سورة المجادلة، قالت: كنت عنده وكان شيخًا كبيرًا قد ساء خلقه وضجر، قالت: فدخل علي يومًا فراجعته في شيء فغضب، وقال: أنت علي كظهر أمي، ثم خرج فجلس في نادي قومه ساعة ثم دخل علي فإذا هو يريدني على نفسي، قالت: قلت: كلا ونفس خويلة بيده لا تخلص إلي وقد قلت ما قلت حتى يحكم الله ورسوله فينا بحكمه، ثم خرجت حتى جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له ما لقيت منه، فجعلت أشكو إليه ما ألقى من سوء خلقه، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يا خويلة ابن عمك شيخ كبير فاتقي الله فيه". قالت: فوالله ما برحت حتى نزل القرآن بأوائل سورة المجادلة وفيها كفارة الظهار. (4)وأخرج الدارقطني والجوزجاني بإسناد صحيح عن ابن عباس، أن رجلًا قال له: إني طلقت امرأتي ثلاثًا وأنا غضبان؟ فقال ابن عباس: لا أستطيع أن أحل لك ما حرم الله عليك، عصيت ربك وحرمت عليك امرأتك. إنك لم تتق الله فيجعل لك مخرجًا ثم قرأ: "إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن" (الطلاق:1). |
#7
|
||||
|
||||
![]() المبحث السابع
طلاق المكره الإكراه في اللغة هو القهر، ويطلق على حمل إنسان على فعل شيء بغير رضاه قسرًا. تقول: أكرهت فلانًا إكراهًا. أي حملته على أمر يكرهه. والإكراه في اصطلاح الفقهاء هو فعل بغير حق يفعله الإنسان بغيره فيزول به رضاه أو يفسد به اختياره. وإنما اشترط في فعل الإكراه أن يكون بغير حق لتمكين القاضي من إنفاذ الطلاق في حال تعسف الزوج؛ إذ لا سبيل لرفع الظلم ولإقامة العدل إلا بذلك. ولا يأبى الفقه من حيث المبدأ تقسيم المذهب الحنفي هذا الإكراه إلى قسمين: (1)إكراه ملجيء، وهو الإكراه الكامل الذي يعدم الرضا بالكلية ويوجب الإلجاء، ويكون بما يخاف على نفسه أو عضوه كالإكراه بال*** أو بالقطع. (2)إكراه غير ملجيء، وهو الإكراه القاصر الذي يعدم الرضا ولا يوجب الإلجاء، ويكون بما لا يخاف على نفسه ولا على تلف عضو من أعضائه كالإكراه بالضرب الشديد أو بالحبس. ويدخل في حكمه أن تطلب الزوجة طلاقها وهي في حال ثورة الغضب بما يخشى عليها من أن تضر نفسها، فيطلقها لإطفاء ثورتها. ويرى المذهب الحنفي أن الإكراه إذا كان ملجئًا فإنه يفسد الاختيار ويبطل العقود، وإذا كان الإكراه غير ملجيء فإنه لا يفسد الاختيار؛ لأنهم يفرقون بين الرضا وبين الاختيار. ويترتب على ذلك التفريق في العقود بين ما يقبل منها الفسخ كالبيع والإجارة والهبة والإقرار فهذه لا تصح مع الإكراه ويكون للمكره حق الإمضاء أو الفسخ بعد زوال حالة الإكراه، وبين ما لا يقبل الفسخ من العقود كالزواج والطلاق والخلع فهذه تصح مع الإكراه وتلزم؛ لأنه يستوي فيها الجد والهزل. أما جمهور الفقهاء فيرى أن فساد الاختيار يرجع إلى عدم وجود الرضا وتمامه بما يبطل العقد؛ لأنهم لا يفرقون بين الرضا وبين الاختيار. وهل يتحقق الإكراه بالتوعد أم بالمباشرة؟ خلاف بين الفقهاء على ثلاثة مذاهب. (1)يرى جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية ورواية للحنابلة أن التوعد بالمكروه يكون إكراهًا إذا غلب على ظنه أنه يفعل؛ احتياطًا لحفظ الحقوق. (2)ويرى الحنابلة في رواية ثانية أن التوعد بالمكروه ليس إكراهًا إلا أن يباشر به؛ لإثبات الجدية. (3)ويرى الحنابلة في رواية ثالثة أن التوعد بالمكروه يختلف، فإن كان بال*** أو بالقطع فهو إكراه، وإن كان بغير ذلك فلا يكون إكراهًا إلا بالمباشرة؛ لعدم تدارك ما يفوت بال*** أو بالقطع. وهل يشترط في التهديد بالمكروه أن يكون عاجلًا حتى تتحقق صفة الإكراه، أم يتحقق التهديد بالمكروه في المستقبل؟ خلاف بين الفقهاء على مذهبين. (1)يرى جمهور الفقهاء أن التهديد بالمكروه لا يكون إكراهًا إلا إذا كان عاجلًا؛ لأن التهديد بالمكروه في المستقبل قد لا يتحقق إما بالتراجع أو بالاحتماء بالسلطان. (2)ويرى المالكية أنه لا يشترط في التهديد بالمكروه أن يكون عاجلًا حتى تتحقق صفة الإكراه، وإنما الشرط لتحقق صفة الإكراه أن يكون الخوف من حدوث المكروه حالًا؛ لأن هذا هو ما يؤثر على الإرادة. واختلف الفقهاء في حكم وقوع الطلاق في حال الإكراه لعدة أسباب منها: (1)تعارض مصلحة استقرار الأوضاع في عقود الزواج والطلاق والخلع التي لا تحتمل التردد والتي تستوجب الحكم بصحة تلك العقود في الجد والهزل، وبين مصلحة تعظيم الإرادة وتحقق الرضا التي تستوجب عدم اعتبار العقد الخالي عن إرادة عاقده ورضاه. (2)اختلاف الفقهاء في حجية الأحاديث الواردة بسند ضعيف والتي تفيد صحة وقوع الطلاق حال الإكراه، ومن ذلك ما أورده ابن نجيم الحنفي (ت970هـ) في "البحر الرائق"، وأورده ابن حزم (ت456هـ) في "المحلى" ووصف سنده بأنه في غاية السقوط عن صفوان بن عمرو الأصم الطائي عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن رجلًا جلست امرأته على صدره وجعلت السكين على حلقه، وقالت له: طلقني أو لأ***نك؟ فناشدها الله تعالى، فأبت فطلقها ثلاثًا. فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "لا قيلولة في الطلاق". وفي رواية ثانية عند ابن حزم في "المحلى" من طريق سعيد بن منصور عن صفوان بن عمرو بن الأصم الطائي قال: إن رجلًا جلست امرأته على صدره فوضعت السكين على فؤاده وهي تقول: لتطلقني أو لأ***نك؟ فطلقها، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: "لا قيلولة في الطلاق". وما أخرجه الترمذي بسند ضعيف جدا، كما ذكر الألباني، والصحيح أنه موقوف على أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه المغلوب على عقله"، وأخرجه الطحاوي من أقوال الإمام علي بلفظ: "كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه"، كما أخرجه عن رجاء بن حيوه أنه قال: قرأ علينا عبد الملك بن مروان كتابًا من معاوية فيه السنن أن "كل طلاق جائز إلا طلاق المجنون". (3)اختلاف الفقهاء في صحة قياس الطلاق في حال الإكراه على الطلاق في حال الهزل الذي ورد في شأنه ما أخرجه أصحاب السنن الأربعة إلا النسائي بسند فيه مقال وصححه الحاكم وحسنه الألباني. ونقل الزيلعي في "نصب الراية" عن ابن القطان أنه معل بجهالة أحد رواته، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة". (4)اختلاف الفقهاء في دلالة وحجية ما أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه وصححه وتعقبه الذهبي بإعلاله لضعف أحد رواته، وحسنه الألباني عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا طلاق ولا عتاق في إغلاق". ويمكن إجمال أقوال الفقهاء في حكم الطلاق حال الإكراه بغير حق في المذهبين الآتيين: المذهب الأول: يرى أن الطلاق الواقع بالإكراه بدون حق باطل، فهو والعدم سواء. وهذا مذهب جمهور الفقهاء قال به المالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية والإمامية في الجملة. وحجتهم: (1)ما أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والحاكم وصححه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا طلاق ولا عتاق في إغلاق". قال الإمام الباجي المالكي (ت474هـ) في "المنتقى"، والإمام البغوي الشافعي (ت516هـ) في "شرح السنة"، والإمام ابن الجوزي الحنبلي (ت597هـ) في "غريب الحديث": الإغلاق هو الإكراه كأنه يغلق عليه الباب ويحبس حتى يطلق. (2)أن الرضا أساس العقود، فلا عبارة لعديم الإرادة أو ناقصها؛ لما أخرجه ابن ماجه والحاكم وصححه ووافقه الذهبي عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه". (3)أن الواقع في حال إكراه منعدم الإرادة والقصد فكان حكمه كالمجنون المرفوع عنه القلم فيما أخرجه أحمد وأصحاب السنن الأربعة إلا الترمذي وصححه الحاكم عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المجنون حتى يعقل أو يفيق". (4)ما روي عن بعض كبار الصحابة إبطالهم للطلاق حال الإكراه، ومن ذلك ما أورده ابن حزم في "المحلى" عن قدامة الجمحي، أن رجلًا تدلى بحبل ليشتار عسلًا فأتت امرأته فقالت له: لأقطعن الحبل أو لتطلقني؟ فناشدها الله تعالى فأبت، فطلقها. فلما ظهر أتى عمر بن الخطاب فذكر ذلك له، فقال له عمر: ارجع إلى امرأتك فإن هذا ليس بطلاق. قال ابن حزم: وروي عن الحسن أن علي بن أبي طالب كان لا يجيز طلاق المكره، وعن ثابت الأعرج أنه سأل ابن عمر وابن الزبير عن طلاق المكره فقالا جميعًا: "ليس بشيء". المذهب الثاني: يرى أن الطلاق الواقع بالإكراه بدون حق صحيح ونافذ. وهذا مذهب الحنفية وهو قول الزهري وقتادة وسعيد بن جبير، وروي عن عمر وعلي بن أبي طالب. وحجتهم: (1)أن النبي صلى الله عليه وسلم نفى التعليلات من القيل والقال في الطلاق لاستقرار أوضاعه بحسب ظاهره وعدم احتماله الفسخ كعقد الزواج، ومن ذلك ما ذكره فقهاء الحنفية وأنكره ابن حزم بشدة عن صفوان بن عمرو الأصم الطائي: أن رجلًا هددته امرأته بالسكين أن يطلقها فطلقها ثلاثًا، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "لا قيلولة في الطلاق". قال النسفي في "طلبة الطلبة": أي لا رجوع ولا فسخ. (2)أن النبي صلى الله عليه وسلم صحح وقوع طلاق الهازل وكل طلاق إلا للمغلوب على عقله؛ لخطورة الطلاق. مما يستوجب تقديم مصلحة استقرار وضعه الظاهري على أي مصلحة أخرى ولو كانت الرضائية في العقود، فقد أخرج الترمذي بسند ضعيف جدا والصحيح وقفه على أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه المغلوب على عقله "، وأخرج أصحاب السنن الأربعة إلا النسائي بسند فيه مقال عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة". |
![]() |
العلامات المرجعية |
|
|