|
قضايا سياسية وأخبار مصرية وعربية وعالمية منتدى يختص بعرض كافة الأخبار السياسية والإقتصادية والرياضية في جميع أنحاء العالم |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
دراما الجنيه والدولار.. هل من مخرج؟
دراما الجنيه والدولار.. هل من مخرج؟ أحمد السيد النجار تتعرض سوق الصرف المصرية لاضطراب شديد في الوقت الراهن مع تصاعد فوضى التوقعات بشأن مستقبل سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار والعملات الحرة الرئيسية. وقد تم تخفيض سعر الجنيه رسميًا منذ شهور، وبدأ الحديث عن تخفيضات أخرى أو تعويم كامل يتركه تحت رحمة قوى السوق المشروعة والسوداء معًا، وقد أطلق هذا الوضع الملتبس حالة من التكالب على الدولار وتخزينه واعتباره سلعة في حد ذاته، مع تفاقم النشاط في السوق السوداء للنقد الأجنبي. وتفاقمت معاناة الاقتصاد الحقيقي بسبب هذا الأمر، بما يتطلب اتخاذ إجراءات عاجلة لمعالجة هذا الوضع غير المحتمل بتحديد دقيق لأسباب الأزمة وآثارها، وآليات الخروج منها عبر إصلاح هيكلي حقيقي وليس معالجات مالية ونقدية مؤقتة التأثير. عجز الموازين الخارجية.. جذر الأزمة يكمن جذر مشكلة سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار والعملات الحرة الرئيسية في العجز الهائل في الموازين الخارجية لمصر، وقد بلغ العجز في الميزان التجاري نحو 39,1 مليار دولار في العام المالي 2014/2015. وبلغ نحو 29,3 مليار دولار في الأشهر التسعة الأولى من العام المالي 2015/2016، أما عجز ميزان الحساب الجاري فقد تفاقم على نحو سريع ليبلغ 18,7 مليار دولار عام 2015/2016، مقارنة بنحو 12,1 مليار دولار في العام المالي 2014/2015، ونحو 2,8 مليار دولار عام 2013/2014، ونحو 6,4 مليار دولار 2012/2013، ونحو 10,2 مليار دولار عام 2011/2012. وفي ظل مثل هذا العجز يوجد سبب موضوعي لتدهور العملة المحلية لبلد ينتج ويصدر أقل كثيرًا مما يستهلك ويستورد. ومن الضروري الإشارة إلى أن الجنيه المصري مقدر في الأصل بأقل من قيمته الحقيقية، وفقا لبيانات البنك الدولي نفسه. وتشير قاعدة بيانات البنك الدولي إلى أن الناتج المحلي الإجمالي المصري بلغ نحو 330,8 مليار دولار عام 2015 إذا تم حسابه بالدولار طبقًا لسعر الصرف السائد، أما إذا تم حسابه بالدولار وفقًا لتعادل القوى الشرائية بين الدولار والجنيه، فإنه يبلغ وفقًا لنفس المصدر نحو 996,6 مليار دولار؛ أي أن الدولار يعادل 2,6 جنيه مصري فقط، وفقًا لتعادل القوى الشرائية بين الجنيه في سوقه والدولار في سوقه. وفضلًا عن العجز الرسمي في الميزان التجاري، وميزان الحساب الجاري، فإن الجنيه المصري يعاني بضراوة من المضاربة عليه من المضاربين في الاقتصاد الأسود، خاصة التجارة غير المشروعة في السلاح والمخدرات وتهريب الأموال التي تكونت في تلك التجارة، بالإضافة إلى تلك التي تكونت من جرائم الفساد، إلى خارج البلاد بعد تحويلها لعملات أجنبية. كما يعاني الجنيه المصري أيضًا من أن سعر الفائدة الحقيقي عليه يعتبر سلبيًا في الوقت الراهن، ولا يشجع على الادخار أو على حيازته، مقارنة بالعملات الأخرى. وسعر الفائدة الحقيقي هو سعر الفائدة الإسمي المعلن من البنوك مطروحًا منه معدل التضخم، وسعر الفائدة المعلن من البنوك يقل عن معدل التضخم المعلن في شهر سبتمبر بنحو 5%، حيث بلغ معدل التضخم 14,1%. وتشير تقديرات صندوق النقد الدولي في تقريره عن آفاق الاقتصاد العالمي إلى أن معدل التضخم في مصر في العام المالي الراهن 2016/2017 سيبلغ 18,2%. ويرى البعض أن سعر الفائدة على الدولار الأمريكي يبلغ 1,75% كدليل على ضرورة تخفيض الفائدة على الجنيه لمصلحة المقترضين من رجال الأعمال لتنشيط الاقتراض، من أجل تأسيس أعمال جديدة، لكنهم يتجاهلون أن معدل التضخم في الولايات المتحدة يبلغ حاليًا 1,1% فقط؛ أي أن هناك فائدة إيجابية على الدولار تبلغ 0,65%، وحتى الين الياباني الذي يبلغ سعر الفائدة عليه - 0,05%، تعتبر الفائدة الحقيقية عليه إيجابية وتبلغ + 0,45%؛ لأن معدل التضخم في اليابان يبلغ - 0,5%. كما يعاني الجنيه المصري من المضاربة عليه بتواطؤ الكثير من شركات الصرافة التي تم إنشاؤها في الأصل لاستيعاب المضاربين في السوق السوداء للنقد الأجنبي، والسبب الأساسي لوجود ونمو أعمال شركات الصرافة هو غياب سيادة العملة في سوقها؛ لأنه لو كانت هناك سيادة للعملة في سوقها، فإن دخول العملات الحرة لمصر يجب أن يتم عن طريق البنوك، ولا يمكن سحب أي عملات أجنبية من الحسابات المصرفية للاستخدام في الداخل، بل يتم السحب بالجنيه المصري فقط، وعندها لن يكون هناك مجال لعمل شركات الصرافة أصلًا، إلا في أضيق الحدود التي يمكن أن تقوم بها البنوك. التثبيت المطلق والتعويم الكامل شران ينبغي الابتعاد عنهما هناك نظم متعددة لتحديد سعر صرف أي عملة، والنظام الأول هو التسعير التحكمي الثابت للعملة، وهذا النظام لا يراعي احتياجات الاقتصاد، ويؤدي لجموده وتكلسه وفقدانه لأي مرونة في الحركة، ولقدرته التنافسية على المدى البعيد. ونظام التعويم المدار القائم على تحديد سعر أساسي من البنك المركزي ويتم السماح للبنوك التجارية بالحركة فوقه أو تحته بنسبة معينة يحددها البنك المركزي، أما التحرير المطلق (التعويم الكامل) فهو ترك سعر صرف العملة يتحدد وفقًا لتفاعل العرض والطلب أي قوى السوق الشرعية والسوداء معا، وهذا النظام هو شر مطلق في حالة بلد مثل مصر لديه عجز تجاري هائل، ويفتقد أي سياسة فعالة لترشيد الواردات، وتوجد لديه تجارة كبيرة غير مشروعة في المخدرات والسلاح وتهريب الأموال. ففي الظروف الخاصة لمصر يؤدي هذا النظام إلى جعل الجنيه المصري ألعوبة في أيدي المضاربين بصورة كفيلة بإشعال التضخم وتدمير استقرار الاقتصاد، والشروط التي يمكن تطبيق هذا النظام فيها هي توافر احتياطيات ضخمة كافية لتغطية تسعة أشهر من الواردات، وسياسة تجارية رشيدة تضع ضوابط على الواردات وتساعد على تحقيق التوازن في ميزان الحساب الجاري، واستقرار وتنامي لمصادر العملات الحرة مثل الصادرات والسياحة والتحويلات، مع مواجهة قوية للأنشطة غير المشروعة التي تستنزف رصيد الدولة من العملات الحرة مثل الاستيراد السري للمخدرات والسلاح. التسعير التحكمي المتغير أفضل الحلول في مواجهة النموذج "المعلب" للصندوق يعد نظام التسعير التحكمي المرن والمتغير هو الأفضل والأكثر ملاءمة لظروف مصر، شرط أن تتم إدارته بصورة عالية الكفاءة والمرونة على ضوء أداء الاقتصاد ومؤشراته المقارنة مع أداء الاقتصادات الأخرى وموازينه الخارجية واحتياجات السياسة التجارية والاستثمارية والاقتصاد بصفة عامة. وهذه السياسة تنطوي على درجة عالية من الاستقرار الذي يساعد المستثمرين المحليين والأجانب على اتخاذ قراراتهم الاستثمارية على أسس واضحة، وهي إجمالًا تعتبر من أكثر السياسات النقدية حكمة وموضوعية. أما النموذج النظري لصندوق النقد والبنك الدوليين فينطلق من أن تخفيض سعر صرف العملة المحلية لأي بلد متعثر مقابل الدولار والعملات الرئيسية يؤدي إلى تخفيض أسعار صادراته في الخارج لدى تقويمها بالعملات الحرة؛ مما يؤدي لرفع قدرتها التنافسية في الخارج بما يساعد على زيادتها، ويساعد على تنشيط تدفقات الاستثمارات الأجنبية والسياحة الخارجية الوافدة إليه؛ لأن تخفيض العملة المحلية يؤدي إلى زيادة القدرات الشرائية للعملات الأجنبية في ذلك البلد. لكن ذلك التصور النظري قد لا يتحقق في الواقع الأكثر تعقيدًا، فالصادرات لن تزيد إلا إذا كان هناك إنتاج قادر على المنافسة العالمية نوعيًا وسعريًا، وفائض على حاجة الاستهلاك المحلي، وقابل للتصدير، أو إنتاج موجه للتصدير في اقتصاد ينمو ويتطور وتوجد به استثمارات جديدة وفعالة تنتج تلك السلع. وواقع الاقتصاد المصري يشير إلى عجز مروع في إنتاج السلع الضرورية؛ مما رفع العجز التجاري في العام المالي 2014/2015 إلى 39,1 مليار دولار، وبلغ العجز نحو 29,3 مليار دولار في الأشهر التسعة الأولى من العام المالي 2015/2016، طبقًا للبيانات الرسمية. أما معدل الاستثمار الذي يمكن المراهنة عليه في زيادة الإنتاج والصادرات فقد بلغ 14,4% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2014/2015، وبلغ 14% في الأشهر التسعة الأولى من العام المالي 2015/2016، مقارنة بنحو 22% في المتوسط العالمي ونحو 32% في دول الدخل المتوسط، ونحو 40% في دول الشرق الأقصى والمحيط الهادئ، وأكثر من 25% في المغرب وتونس والجزائر، وهذا المعدل المنخفض للاستثمار ليس من شأنه الاستجابة لأي طلب خارجي، ولا حتى سد حاجة الأسواق المحلية. كما أن الاستثمارات في مصر تركزت في النفط والغاز والعقارات والبنية الأساسية بصورة موجهة للاستهلاك المحلي أساسًا، وبالتالي فإن الميزات التي يقدمها تخفيض الجنيه مقابل الدولار بالنسبة للصادرات لن تكون فعالة ببساطة لقلة الإنتاج القابل للتصدير، والواردات لن تتقلص إذا كانت واردات ضرورية لا يمكن تخفيض الاستهلاك منها حتى بعد ارتفاع سعرها بالعملة المحلية. أما الواردات غير الضرورية فالفئات التي تستهلكها مستعدة لدفع ثمنها في ظل استحواذها على جانب كبير من الدخل والثروة في مصر، ولا مجال لإجراء تخفيض جوهري فيها إلا بإجراءات سيادية، أو اتفاق واضح مع الغرف التجارية يتم تطبيقه على المستوردين على قدم المساواة. تخفيض واردات السلع الكمالية مرهون بقرارات سيادية يشير تقرير الثروات العالمي إلى أن أغنى 10% من السكان الراشدين في مصر كانوا يملكون نحو 61% من الثروة في مصر عام 2000، وارتفعت حصتهم إلى 65,3% عام 2007، ثم إلى 73,3% من إجمالي الثروات في مصر عام 2014، وهذا النمط من الاستحواذ على الثروات يضغ مصر بين الدول الأكثر سوءًا في توزيع الثروات، مقتربة من النموذج الأمريكي الذي يستحوذ فيه أغنى 10% من الراشدين على قرابة 75% من الثروة الأمريكية، والنموذج التركي الذي يستحوذ فيه أغنى 10% من الراشدين على 77,7% من الثروة التركية. وبالتالي فإن الأثرياء من هذه الشريحة لا يفرق معهم ارتفاع أسعار السلع الترفية أو الكمالية، وسيستمرون في استهلاكها مهما كانت أسعارها بما يؤثر سلبيًا على فعالية تخفيض الجنيه، مقابل الدولار في تقليص الواردات. التضخم هو الأثر الوحيد المؤكد لتراجع الجنيه! يعد الأثر المؤكد لتخفيض سعر صرف الجنيه المصري هو ارتفاع أسعار السلع المستوردة مقدرة بالجنيه المصري، وقيادتها لموجة ارتفاع عامة في أسعار كل السلع، وهو ما حدث فعليًا، حيث ارتفع معدل التضخم إلى 14,1% في شهر سبتمبر الماضي. وتشير تقديرات صندوق النقد الدولي المبنية على بيانات رسمية مصرية إلى أن معدل التضخم سيبلغ 18,2% في العام المالي الحالي 2016/2017 (IMF, World Economic Outlook, October 2016, p. 238.) علمًا بأن تقديرات الصندوق المبنية على بيانات رسمية كانت تشير في أبريل الماضي إلى أن المعدل سيبلغ 9,6% عام 2016، ونحو 9,5% عام 2017، لكن التراجع السريع للجنيه مقابل الدولار أدى إلى تغيير التقديرات الرسمية والدولية التي تؤكد ارتفاعًا كبيرًا لمعدل التضخم بصورة موجعة للفقراء والطبقة الوسطى، وبالذات لكل أصحاب حقوق العمل أي من يعملون بأجر؛ حيث ترتفع أجورهم بمعدلات تقل عن معدلات ارتفاع الأسعار فتتآكل القدرة الشرائية لرواتبهم وتتراجع مستويات معيشتهم. أما زيادة السياحة الأجنبية في البلد، فترتبط بعوامل أخرى حاسمة مثل الأمان والحرية والصورة الخارجية للدولة والبنية السياحية. ومشكلة السياحة المصرية في الوقت الراهن لا علاقة لها بمسألة الغلاء الذي يتطلب تخفيض سعر الصرف؛ لأنها رخيصة للغاية بالمقارنة مع الغالبية الساحقة من المقاصد السياحية الأقل قيمة من مصر، ومشكلتها -كما ذكرت - ترتبط بالصورة العالمية للأمان والحرية والانفتاح الإنساني في مصر. أما زيادة تدفق الاستثمارات الأجنبية للدولة، فيرتبط بوجود خريطة استثمارية جذابة ومغرية واستقرار أمني وسياسي، وسرعة وكفاءة ونزاهة إدارية في منح التراخيص والموافقات الضرورية لتأسيس الاستثمارات ومرونة فائقة في متابعة الاستثمارات الأجنبية ومتابعة إدارة الشراكات المحلية العامة والخاصة معها على أسس عادلة ومتوازنة. وهذا يعني إجمالًا أن تخفيض سعر صرف الجنيه المصري في الوضع الراهن للاقتصاد المصري سيؤدي لزيادة الأسعار وتآكل الأجور الحقيقية ولن يكون فعالًا في ترشيد الواردات وتنشيط الصادرات والسياحة والاستثمارات. ومن الضروري الإشارة إلى أن سعر صرف العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية ليس صنمًا مقدسًا لجماعة وثنية، بل هو أداة يتم توظيفها لتحقيق أهداف اقتصادية متنوعة، وسواء كان سعر صرف العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية مقدرًا بقيمته الحقيقية أو أعلى منها، أو أقل منها حسب اختيار السلطات النقدية، فإن الأهم هو أن يتسم هذا السعر بالاستقرار النسبي وبالتحرك البطيء في أي اتجاه بصورة تسمح باستقرار الحسابات المستقبلية للاستثمارات أو للاقتراض بالعملات الأجنبية، كما أن تحديد سعر الصرف يكون له أهداف محددة لابد أن يتم تقييم هذا التحديد على أساسها. الآليات الممكنة للخروج من أزمة سوق الصرف لا يمكن علاج أزمة الجنيه إلا بمعالجة عجز ميزان الحساب الجاري بإجراءات متعددة قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل، ويأتي في مقدمة تلك الإجراءات، الضبط الصارم والفوري للواردات بإجراءات سيادية واتفاقات ودية مع الغرف التجارية لتقليل الواردات الاستهلاكية والمكونات المرتبطة بها، والإيقاف المؤقت لاستيراد بعض السلع الكمالية لتخفيض مجمل الواردات بمقدار الربع على الأقل، وهذا التخفيض في فاتورة الواردات السلعية كفيل باستعادة التوازن في ميزان الحساب الجاري على غرار ما فعلته كل دول شرق وجنوب شرق آسيا عامي 1997، 1998 لمواجهة أزمتها. كذلك فإن واردات الخدمات - وبالذات في بند السفر والسياحة لمختلف الأغراض - ينبغي أن يتم ترشيدها بقرارات إدارية، وقد بلغت مدفوعات السياحة في الخارج نحو 3338 مليون دولار عام 2014/2015، وبلغت نحو 2914 مليون دولار في الأشهر التسعة الأولى من العام المالي 2015/2016. وينبغي أن يكون واضحًا أن الدول والشعوب الحية تستطيع الاحتشاد لمعالجة عثراتها حتى لا تصل للتبعية الكاملة لمن يقدمون لها مساعدات مسمومة، ومشروطة دائمًا بانتهاج سياسات تحقق مصالحهم، وأحيانًا بتنازلات أشد جسامة تمس قدس أقداس الوطن، وذلك الاحتشاد ينبغي أن يتسم بالعدل وتوزيع الأعباء حسب مستويات الدخول. كما أنه من الضروري أن يتم احترام سيادة الجنيه المصري في سوقه؛ بحيث لا تتم أي تعاملات داخل السوق المصرية إلا من خلاله، ولا تكون هناك أي حسابات بأي عملة غيره سوى للمستوردين والمصدرين والعاملين بالخارج، ومن يتلقون تحويلاتهم على أن يكونوا ملزمين بتحويل أرصدتهم بالعملات الحرة إلى الجنيه المصري إذا أرادوا سحبها واستخدامها في السوق المحلية. ولابد من احترام حقوق المودعين في الحصول على سعر فائدة حقيقي إيجابي يزيد على معدل التضخم لتشجيع المواطنين على الاحتفاظ بعملة بلادهم والادخار بها. وقبل كل ذلك لابد من تركيز الاستثمارات العامة والخاصة في القطاعات الإنتاجية أي الزراعة والصناعات الزراعية والصناعات التحويلية بكل أنواعها؛ لتعزيز قدرة الاقتصاد المصري على إنتاج السلع والخدمات التي يحتاجها المجتمع لتقليل الحاجة للاستيراد والعجز التجاري الكبير المرتبط به، وأيضًا لخلق فرص عمل حقيقية ومنتجة تؤدي إلى تشغيل العاطلين وتمكينهم من كسب عيشهم بكرامة ومن الخروج من دائرة الفقر، وهذا الأمر قد يتطلب تأجيل بعض مشروعات البنية الأساسية والعقارية؛ مثلما فعلت ماليزيا لمعالجة أزمتها الكبيرة عام 1997، وتمكنت - بدون اقتراض من صندوق النقد الدولي، وبدون تطبيق لبرنامجه - من الخروج من أزمتها أسرع من كل دول شرق وجنوب شرق آسيا. إذا كان عجز الموازنة العامة للدولة الذي يدور حول مستوى 11% من الناتج المحلي الإجمالي هو سبب رئيسي للتضخم، ولتفاقم الديون الداخلية والخارجية، فإن إصلاح الاقتصاد المصري يتطلب إجراءات قوية لمعالجة هذا العجز والفشل التاريخي المتواصل للسياسة المالية التي أوصلت مصر إلى مستويات مروعة من الديون الداخلية التي بلغت نحو 2497 مليار جنيه مصري في نهاية مارس الماضي، والديون الخارجية التي بلغت نحو 53,4 مليار دولار في التاريخ نفسه. وبالمقابل ينبغي العمل بشكل حثيث لرفع معدل الاستثمار المحلي في المجالات الإنتاجية، وجذب الاستثمارات الأجنبية في الصناعات التحويلية الضرورية بالذات، وذلك لزيادة الإنتاج والصادرات السلعية، كما ينبغي بذل أقصى الجهود لاستعادة زخم السياحة الأجنبية في مصر، وتوسيع وتعزيز خدمات النقل عبر قناة السويس، والصيانة والتموين للسفن المارة فيها، والسياحة القصيرة لأطقم العاملين عليها لمضاعفة الإيرادات التي تحصل مصر عليها من قناة السويس. إن ما يحدث على جبهة الجنيه والدولار يعكس مجمع الخطايا للسياسات المالية والنقدية والاقتصادية الكلية المتراكمة منذ سنوات طويلة، والتي تحتاج لتغييرات جوهرية تنتصر لضرورات النمو والعدالة الاجتماعية التي تشكل هي نفسها رافعة رئيسية للنمو المتواصل من خلال ما تؤدي إليه من استنهاض مضاعف الاستثمار، وهو جوهر أي دورة نمو وازدهار اقتصادي. وينبغي إدراك أن مصر بناتجها المحلي الإجمالي الحقيقي البالغ 996,6 مليار دولار عام 2015، طبقًا لتعادل القوى الشرائية بين الجنيه والدولار والتي تأتي في المرتبة 22 على العالم، وبناتجها المحلي البالغ 330,8 مليار دولار، وفقًا لسعر الصرف السائد، والذي يضعها في المرتبة 32 على العالم (قاعدة بيانات البنك الدولي)، وبسوقها الضخمة المكونة من 90 مليون مستهلك تملك أسسًا قوية لتحقيق النهوض الاقتصادي. كما أن انفتاحها الاقتصادي على العالم وارتباطها بمناطق تجارة حرة مع الاتحاد الأوروبي والدول العربية والإفريقية بما يفتح أسواقًا عملاقة أمام أي استثمار محلي أو أجنبي يتوطن فيها يشكل عامل جذب مهم للاستثمار فيها لو أحسن توظيفها، كذلك فإن مصر بقوة عملها الضخمة التي تقارب 30 مليونًا من مختلف المستويات المهارية، وفقا للبيانات الرسمية، وبثرواتها الزراعية والبحرية والمعدنية والمحجرية، وبموقعها الاستثنائي في قلب العالم وعلى تخوم أسواقه الكبرى ومصادر الخامات والطاقة الرئيسية، لقادرة على النهوض وتحقيق التنمية الشاملة؛ شرط إحداث تغييرات جوهرية في السياسات والابتعاد كليًا عن العمل بنفس سياسات عصر مبارك، التي لم تنتج سوى البطء الاقتصادي، وغلبة القطاعات الطفيلية على القطاعات الإنتاجية، وسوء توزيع الدخل والفقر والبطالة. |
العلامات المرجعية |
|
|